الليلة السابعة

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

وَخَلَقْتَنِي مِنَ التُّرابِ، ثُمَّ اَسْكَنْتَنِى الاَْصْلاَبَ، آمِناً لِرَيْبِ الْمَنُونِ، وَاخْتِلافِ الدُّهُورِ والسِّنِينَ، فَلَمْ اَزَلْ ظَاعِناً مِنْ صُلْب إلى رَحِم فِي تَقَادُم مِنَ الاَْيَّامِ الْمَاضِيَةِ، وَالْقُرُونِ الْخَالِيَةِ.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الروم: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ).

لو نظر الإنسان إلى هذا الخلق وتفكر فيه لرأى العجب، والإبداع في الخلق، يبدأ بعظيم القدرة في بناء السماوات والأرضين وما فيهما، ثم الدلائل على خلق هذا الإنسان التي حيرت الكثير، ليأتي الحق من كلام أمير الكلام عليه السلام، فيرسم الصور لنا من خلال مفهوم عميق وبيان وصف الأمور الغيبية، لم يتكلم عنها أي مخلوق سواه بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ومن الصور الجميلة التي يرسمها لنا الإمام أمير المؤمنين عليه السلام صورة خلق النبي آدم عليه السلام.
روي عن أمير المؤمنين عليه السلام من خطبة له قال: (ثُمَّ جَمَعَ سُبْحَانَهُ مِنْ حَزْنِ الأرض وَسَهْلِهَا، وَعَذْبِهَا وَسَبَخِهَا، تُرْبَةً سَنَّهَا بالمَاءِ حَتَّى خَلَصَتْ، وَلاَطَهَا بِالبَلَّةِ حَتَّى لَزَبَتْ، فَجَبَلَ مِنْها صُورَةً ذَاتَ أَحْنَاء وَوُصُول، وَأَعْضَاء وَفُصُول: أَجْمَدَهَا حَتَّى اسْتَمْسَكَتْ، وَأَصْلَدَهَا حَتَّى صَلْصَلَتْ، لِوَقْت مَعْدُود، وَأجَل مَعْلُوم).

وروي عن امير المؤمنين عليه السلام قال: إن الله (عز وجل)،خلق آدم من أديم الأرض، فمنه السباخ، ومنه الملح، ومنه الطيب، فكذلك في ذريته الصالح، والطالح.

بهذه الصورة قرب لنا الإمام أمير المؤمنين عليه السلام كيفية خلق النبي آدم عليه السلام بأدق ما يمكن، يعلم الانسان أن أصل وجوده من تراب ثم يسكنه الله الأصلاب، وذلك قوله تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة المؤمنون: (ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ).

روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى لما خلق آدم (عليه السلام) من طين، وأمر الملائكة فسجدوا له، ألقى عليه السبات، ثم ابتدع له حواء، فجعلها في موضع النقرة التي بين وركيه وذلك لكي تكون المرأة تبعا للرجل، فأقبلت تتحرك ، فانتبه لتحركها، فلما انتبه نوديت أن تنحي عنه، فلما نظر إليها نظر إلى خلق حسن يشبه صورته غير أنها أنثى، فكلمها فكلمته بلغته، فقال لها : من أنت؟ قالت: خلق خلقني الله كما ترى، فقال آدم (عليه السلام) عند ذلك: يا رب ما هذا الخلق الحسن الذي قد آنسني قربه والنظر إليه؟ فقال الله تبارك وتعالى: يا آدم هذه أمتي حواء، أفتحب أن تكون معك تؤنسك وتحدثك، وتكون تبعا لأمرك؟ فقال: نعم يا رب، ولك عليّ بذلك الحمد والشكر ما بقيت، فقال الله (عز وجل): فاخطبها إلي فإنها أمتي وقد تصلح لك أيضا زوجة للشهوة، وألقى الله (عز وجل) عليه الشهوة وقد علمه قبل ذلك المعرفة بكل شيء، فقال: يا رب فإني أخطبها إليك فما رضاك لذلك؟ فقال(عز وجل): رضاي أن تعلمها معالم ديني، فقال: ذلك لك يا رب علي إن شئت ذلك لي، فقال (عز وجل) وقد شئت ذلك وقد زوجتكها، فضُمَّها إليك، فقال لها آدم (عليه السلام): إلي فاقبلي! فقالت له: بل أنت فاقبل إلي، فأمر الله (عز وجل) آدم (عليه السلام) أن يقوم إليها، ولولا ذلك لكان النساء هن يذهبن إلى الرجال حتى يخطبن لأنفسهن.
وبزواجهما المبارك كانت بداية عالمي الأصلاب والأرحام.
لا بد من الإشارة ان المراحل التي مر بها الخلق تكون:
المرحلة الأولى: المرحلة الطينيَّة؛ إذ أشارَ القرآن الكريمُ إلى أنَّ بداية الخلق كانت من طينٍ، وذلك في سورةِ السّجدة، قال -تعالى-: (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ)،[ويكونُ الطينُ فيها على صفةِ اللّزوجةِ والجمود؛ لقولهِ -تعالى-: (إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ).


المرحلة الثانية: المرحلة الحمئيَّة؛ وهي مرحلة وعملية تغيُّر الطين، فيصبح على إثرها أسوداً مُتغيِّراً مُنتِناً.

المرحلة الثالثة: المرحلة الصلصاليَّة؛ وهي مرحلةُ تغيُّر الطين ليصبح صلصالاً، وورد ذلك في سورةِ الحجر إذ قالَ -تعالى-: (وَإِذ قالَ رَبُّكَ لِلمَلائِكَةِ إِنّي خالِقٌ بَشَرًا مِن صَلصالٍ مِن حَمَإٍ مَسنونٍ* فَإِذا سَوَّيتُهُ وَنَفَختُ فيهِ مِن روحي فَقَعوا لَهُ ساجِدينَ)،وقد وردَ وصفُ الصلصالِ بأنَّه كالفخارِ في سورة الرحمن، إذ قال -تعالى-: (خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ).

ان العناية الإلهية في خلقه جعلت الانسان يبحث عن كيفية خلقه و المراحل التي مر بها، فكانت الحيرة مدار تفكيره لعدم قدرته على الاستنتاج الصحيح من دون الرجوع الى مدرسة أهل البيت عليهم السلام لأنهم لسان الله الناطق وقرآنه المتكلم.

روي أمير المؤمنين عليه السلام قال في كيفية تنقل الأنبياء عليهم السلام في الأصلاب: فاستودعهم في افضل مستودع، واقرهم في خير مستقر تناسختهم كرائم الأصلاب الى مطهرات الارحام كلما قضى منهم سلف قام منهم بدين الله خلف، حتى افضت كرامة الله سبحانه وتعالى إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأخرجه من أفضل المعادن منبتا وأعز الارومات مغرسا، من الشجرة التي صدع منها انبياءه، وانتجب منها امناءه، عترته خير العتر، واسرته خير الاسر، وشجرته خير الشجر نبتت في حرم، وبسقت في كرم، لها فروع طوال وثمر لا ينال.

ان الأهداف المتعددة يمكن فهمها من سيرة أهل البيت عليهم السلام  ولكن يمكن تلخيصها بهدف واحد و هو أهم هدف: صيانة الشريعة الإسلامية التي جاء بها النبي صلى الله عليه وآله والمحافظة عليها من الانحراف” والأئمة عليهم السلام  عملوا بكل تفاني من أجل صيانة هذا الهدف المقدس، من خلال بث العلوم وتبيان الحق ومن هنا عرفنا منهم خلق الانسان ومراحله.

ونحن في هذه الأيام والليالي المباركة نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.
روي عن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام قال: أما علمتم أنه ما منا أحد إلا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلا القائم الذي يصلّي روح الله عيسى بن مريم ( عليه السلام ) خلفه ، فإن الله عزوجل يخفي ولادته ، ويغيب شخصه لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج ، ذلك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيدة الإماء ، يطيل الله عمره في غيبته ، ثم يظهره بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة ، ذلك ليعلم ان الله على كل شيء قدير .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *