الليلة الثانية عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

روي عنه عليه السلام في دعائه: وَرَبَّيْتَنِي زَائِداً فِي كُلِّ عَام، حَتّى إذَا اكْتَمَلَتْ فِطْرَتِي، وَاعْتَدَلَتْ مِرَّتِي، اَوْجَبْتَ عَلَىَّ حُجَتَّكَ بِاَنْ اَلْهَمْتَنِي مَعْرِفَتَكَ.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الحج :(إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ).

  • ينظر إلى العناية الإلهية الخاصة في مشاركة الأسرة في التربية الصحيحة، وكثيرا ما نسمع عن حقوق الطفل بزخارف ومطالبات في كيفيات أختارها الناس من عندهم، ولكن قد تختلف مع الله وما أراد له من الحياة الكريمة وقد شدد عليها من خلال كتابه الكريم المنزل و الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام.
    ففي كتابه قال عزوجل أنهم النعمة، قال عز من قال في سورة الكهف:(الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا).

هذه النعم التي أعطاها الله عزوجل للإنسان، وما لها من أهمية خاصة من خلال كتابه والرجوع إلى النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام فإن علمهم من الله سبحانه وتعالى، روي عن الإمام الباقر عليه السلام قال لسلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة: شرقا وغربا فلا تجدان علما صحيحا إلا شيئا خرج من عندنا أهل البيت.
كل هذا الاهتمام الإلهي لأن الطفل هو جزء من المجتمع المسلم، وكيفية تربيته من خلال أبويه على الأخلاق الكريمة والآداب الحسنة، وتمرينه وتعويده على هذه العادات الكريمة وأفعالها الحسنة.
روي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: مثل الذي يتعلم العلم في صغره كالنقش على الحجر ، ومثل الذي يتعلم العلم في كبره كالذي يكتب على الماء.
وعن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال لولده الحسن عليه السلام: إنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقى فيها من شيء قبلته، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك، ويشتغل لبك.

لكل عمر مرحلة في الطفولة، ولقد سبقت مدرسة أهل البيت عليهم ‌السلام المدارس التربوية المعاصرة بالأخذ بمبدأ التدرج. وكشاهد على ذلك، يمكن الإشارة الى دعوة أهل البيت (عليهم السلام) للتدرج بالتربية الكريمة والعبادية للأبناء.
روي عن الإمام الصادق عليه‌ السلام قال: دع ابنك يلعب سبع سنين ، ويؤدب سبع سنين ، والزمه نفسك سبع سنين ، فإن أفلح ، وإلاّ فإنَّه لا خير فيه.

ان مدرسة أهل البيت عليهم السلام تراعي طاقة الطفل ، فلا تكلفه فوق طاقته ، بما يشق عليه .
روي عن الحلبي ، عن أبي عبدالله ، عن أبيه عليهما السلام ، قال : إنا نأمر صبياننا بالصلاة ، إذا كانوا بني خمس سنين ، فمروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا بني سبع سنين . ونحن نأمر صبياننا بالصوم إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم إن كان إلى نصف النهار أو أكثر من ذلك أو أقل ، فاذا غلبهم العطش والغرث افطروا حتى يتعودوا الصوم ويطيقوه ، فمروا صبيانكم إذا كانوا بني تسع سنين بالصوم ما استطاعوا من صيام اليوم ، فاذا غلبهم العطش افطروا.

نلخّص نقاط البحث بالقول :
منها ما يُوجب له بعد ولادته : كحقه في الحياة ، فلا يجوز إطفاء شمعة حياته بالوأد والقتل ، وكحقه بانتحال الاسم الحَسِن ، وتعهده بالتأديب والتربية الصالحة ، وتعليمه العلوم والمعارف الضرورية والنافعة، ومعاملة الاَولاد بالعدل والمساواة ، والاِنفاق عليهم بسخاء ، وعدم مصادرة حقوقهم المالية الواجبة ، وعدم البخل عليهم بالوصايا النافعة للدنيا والآخرة .
وإن التربية تعني الاهتمام من قبل الوالدين بجعل أبنائهم أفضل الأبناء سواء كان من الناحية الدينية، أو العلمية، أو الأخلاقية، أو الاجتماعية فنجعل أنموذج المعرفة من خلال سيرتهم عليهم السلام.

روى أنّ الامام الحسن بن علي (عليه السلام) كان يحضر مجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو ابن سبع سنين فيسمع الوحي فيحفظه، فيأتي اُمّه عليها السلام فيلقي إليها ما حفظه، وكلّما دخل علي (عليه السلام) وجد عندها علماً بالتنزيل فيسألها عن ذلك؟ فقالت: من ولدك الحسن.
   فتخفّى يوماً في الدار وقد دخل الحسن عليه السلام وقد سمع الوحي فأراد أن يلقيه إليها فارتجّ عليه، فعجبت اُمّه من ذلك، فقال: لا تعجبين يا اُمّاه فإنّ كبيراً يسمعني، فاستماعه قد أوقفني فخرج الإمام علي (عليه السلام) فقبّله.

المفاهيم الحقيقية في ما يحتاجه الانسان بالكيفية التي يعلمها لأولاده في العبادة فيصدر منهم وإليهم كل علم، ففيما قامت به سيدتنا فاطمة (عليها السلام) من عبادة الله وطاعته كان أمام أولادها ليرتسم في أذهانهم ما تقوم به وترفع من صوتها كي تسمع آذانهم، وتحثهم على القيام به ليطبقوه فتفرح بهم وهذا حق من حقوقهم.
روي عن ولدها الامام الحسن بن علي (عليهما السلام) قال: رأيت أمي فاطمة (عليها السلام) قائمة في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح وسمعتها تدعي للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أماه لم لا تدعين لنفسك كما تدعي لغيرك؟ فقالت عليها السلام: يا بني الجار ثم الدار.

وقد سلك بقية العترة الطاهرة هذا المسلك ، يوصي السابق منهم اللاحق ، ولا يتّسع المجال لذكر جميع وصاياهم وسيرتهم عليهم السلام.

معرفة الله تعالى تزيل من الإنسان الخوف المحتمل والمُعتد به من استحقاق العقاب والحرمان من الثواب الذي بيّنه الأنبياء على مرّ العصور. وكلّ ما يؤمّل به زوال الخوف المُعتد به فهو واجب. فلهذا يثبت وجوب معرفة الله تعالى.

روي عن الإمام الرضا (عليه السلام)قال: أول عبادة الله معرفته، وأصل معرفة الله جل اسمه توحيده، ونظام توحيده نفي التحديد عنه، لشهادة العقول أن كل محدود مخلوق.

ونحن في هذه الأيام والليالي المباركة نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.

روي عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : إن سنن الأنبياء بما وقع بهم من الغيبات حادثة في القائم منا أهل البيت حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة.
قال أبو بصير : فقلت : يا ابن رسول الله ومن القائم منكم أهل البيت؟ فقال عليه السلام: يا أبا بصير هو الخامس من ولد ابني موسى ، ذلك ابن سيدة الإماء ، يغيب غيبة يرتاب فيها المبطلون ، ثم يظهره الله عزوجل فيفتح الله على يده مشارق الأرض ومغاربها ، وينزل روح الله عيسى بن مريم ( عليه السلام ) فيصلي خلفه وتشرق الأرض بنور ربها ، ولا يبقى في الأرض بقعة عبد فيها غير الله عزوجل إلا عبد الله فيها ، ويكون الدين كله لله ولو كره المشركون.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *