الليلة الثالثة عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

روي عنه عليه السلام في دعائه: وَرَوَّعْتَنِي بِعَجَايِبِ حِكْمَتِكَ وَاَيْقَظْتَنِي لِمَا ذَرَاْتَ فِي سَمآئِكَ، وَاَرْضِكَ مِنْ بَدَائِعِ خَلْقِكَ.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الأعراف: (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا).
كل شيء يروع القلوب من جماله وكثرته، واذا كان الله بعجائب حكمه التي تظهر منه، فهو احكم الحكماء وواهب الحكمة هو الله الحكيم، وقوله تعالى في سورة الأنعام: (وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِۦ ۚ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ).
بمعرفة الإنسان أن الله هو الحكيم يوقن أن كل ما في الكون هو على وفق حكمته سبحانه وتعالى.
روي عن هشام بن الحكم قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن أسماء الله عز ذكره واشتقاقها، فقلت: الله مما هو مشتق؟ قال: فقال لي عليه السلام: يا هشام الله مشتق من إله والاله يقتضي مألوها والاسم غير المسمى، فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئا، ومن عبد الاسم والمعنى فقد كفر وعبد اثنين، ومن عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد أفهمت يا هشام؟ قال: فقلت: زدني قال: إن لله تسعة وتسعين اسما فلو كان الاسم هو المسمى لكان كل اسم منها إلها ولكن الله معنى يدل عليه بهذه الأسماء وكلها غيره، يا هشام الخبز اسم للمأكول والماء اسم للمشروب والثوب اسم للملبوس والنار اسم للمحروق أفهمت يا هشام فهما تدفع به وتناضل به أعداءنا والمتخذين مع الله عز وجل غيره؟ قلت: نعم، قال: فقال: نفعك الله به وثبتك يا هشام، قال هشام فوالله ما قهرني أحد في التوحيد حتى قمت مقامي هذا.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الدخان: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ* مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ).
خطابات القرآن الكريم لها سمة خاصة يجدها من يتأمل في آيات القرآن، فتهز أعماق الإنسان بصحوة روحية ،وعقلية، لتوقظه من الغفلة الى ما هو من أساسيات حياة الإنسان المؤمن، لما في الخطاب القرآني من مراد الله جل جلاله ان يمشي الإنسان على صراط مستقيم في نور التوحيد.
روي عن الصادق عليه السلام قال: كتاب الله عز وجل على أربعة أشياء على العبارة، والإشارة، واللطائف، والحقائق، فالعبارة للعوام، والإشارة للخواص، واللطائف للأولياء، والحقائق للأنبياء.

ومعرفة الله هي ادراك نعوته وصفاته الجلالية والجمالية عقلا ونقلا ، فينبغي التنبيه على ان شرف العلم بشرف المعلوم وكلما كان المعلوم أجل وأقدس كان العلم به أولى من غيره، فهو اشرف موضوع وأقدس حقيقة، وأجل معرفة، فذات الباري تعالى اشرف المعلومات وأقدسها كلها، ولذا سمي هذا العلم بالعلم الأعلى، لأنه يعرف ان للعالم خالق قادر عليم حكيم.
فكلامهم حجة وتقوي الإنسان في ايمانه وتعطيه الحجة البالغة، روي عن الإمام الصادق عليه السلام: من مناظرته زنديقاً..

قال الزنديق: من أيِّ شيء خلق الأشياء؟ قال عليه السلام: “لا من شيء”.

فقال الزنديق: كيف يجيئ من لا شيء، شيءٌ؟ قال عليه السلام: “إنّ الأشياء لا تخلو أن تكون خُلِقَت من شيء أو من غير شيء فإن كانت خُلِقَت من شيء كان معه فإنّ ذلك الشيء قديم، والقديمُ لا يكون حديثاً ولا يفنى ولا يتغيَّر، ولو يخلو ذلك الشيء من أن يكون جوهراً واحداً ولوناً واحداً، فمن أين جاءت هذه الألوان المختلفة والجواهر الكثيرةُ الموجودة في هذا العالم من ضروبٍ شتّى؟ ومن أين جاء الموت إن كان الشيء الذي أنشئت منه الأشياءُ حيَّاً؟ أو من أين جاءت الحياةُ إن كان ذلك الشيء ميتاً؟ ولا يجوز أن يكون من حي وميت قديمين لم يزالا، لأنّ الحيّ لا يجيئ منه ميت وهو لم يزل حيّاً، ولا يجوز أيضاً أن يكون الميت قديماً لم يزل بما هو به من الموت، لأنّ الميت لا قدرة له ولا بقاء”.

(فاحتار الزنديق وبدا على وجهِه العجب)

وقال: من أين قالوا؟… قال عليه السلام: “إنّ الأشياء تدلُّ على حدوثها من دوران الفلك بما فيه.. وتحرُّك الأرض ومَن عليها، وانقلاب الأزمنة، واختلاف الوقت والحوادث التي تحدثُ في العالم من زيادة ونقصان وموتٍ وبَلَى، واضطرار النفس إلى الإقرار بأنّ لها صانعاً ومدبِّراً، أما ترى الحلو يصير حامضاً، والعذب مُرّاً، والجديد بالياً، وكلٌّ إلى تغيُّرٍ وفناء”.

فانبهر الزنديق ممّا سمع فلم ينطق بكلمة.


اذا سأل الإنسان نفسه، كيف تتيقّن الوجود ولا تتيقّن الواجد؟ كيف تؤمن بالمخلوقات ولا تؤمن بالخالق؟ بل كيف يُذهلُكَ جمالُ فلا تردُّهُ إلى الحكيم ذي الجلال.


روي عن الامام الصادق عليه السلام قال: أوّلُ العِبَر والأدلَّة على الباري جلّ قدسه، تهيئةُ هذا العالم وتأليفُ أجزائه ونَظْمُها على ما هي عليه. فإنّك إذا تأمَّلت العالم بفكرك وميَّزتَهُ بعقلك وجدتَهُ كالبيت المبني المُعدّ فيه جميعُ ما يحتاجُ إليه عبادُه، فالسماءُ مرفوعةٌ كالسقف، والأرضُ ممدودةٌ كالبساط، والنجومُ منضودةٌ كالمصابيح، والجواهرُ مخزونةٌ كالذخائر، وكلُّ شيء فيها لشأنه مُعدّ، والإنسانُ كالمُملَّك ذلك البيت، والمُخوَّل جميعَ ما فيه، وضروبُ النبات مهيَّأةٌ لمآرِبهِ، وصنوفٌ الحيوانِ مصروفةٌ في مصالحه ومنافعه، في هذا دلالةٌ واضحة على أنّ العالم مخلوقٌ بتقديرٍ وحكمةٍ ونظام وملائمة، وأنّ الخالق له واحد.

ونحن في هذه الأيام والليالي المباركة نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.
روي عن علي بن جعفر ( عليه السلام ) ، عن أخيه الامام موسى بن جعفر ( عليه السلام ) قال : إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم لا يزيلنكم أحد عنها ، يا بني : انه لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به ، إنما هي محنة من الله عزوجل امتحن بها خلقه ، ولو علم آباؤكم وأجدادكم ديناً أصح من هذا لاتبعوه. فقلت : يا سيدي وما الخامس من ولد السابع؟ فقال : يا بنيّ عقولكم تضعف عن ذلك وأحلامكم تضيق عن حمله ولكن إن تعيشوا فسوف تدركونه.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *