الليلة الخامسة عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

روي عنه عليه السلام في دعائه: ثُمَّ اِذْ خَلَقْتَنِي مِنْ خَيْرِ الثَّرى، لَمْ تَرْضَ لِي يَا اِلهِي نِعْمَةً دُونَ اُخرى، وَرَزَقْتَنِي مِنْ اَنوَاعِ الْمَعَاشِ، وَصُنُوفِ الرِّيَاشِ بِمَنِّكَ الْعَظِيمِ الاَْعْظَمِ عَلَىَّ.

لقد شاءت يد القدرة بأن تجعل طينة الإنسان المؤمن من طينة الأنبياء، فطينة المؤمن عجنت بنور الأنبياء الممتد من نور السماء، وهذه الكرامة التي ميز الله تعالى بها المؤمنين عن غيرهم من البشر، فكانت دلالة ذلك ان الله اختارهم من خير الثرى.

قال تعالى في سورة طه: (مِنۡهَا خَلَقۡنَٰكُمۡ وَفِيهَا نُعِيدُكُمۡ وَمِنۡهَا نُخۡرِجُكُمۡ تَارَةً أُخۡرَىٰ ).
وقال تعالى في سورة النجم:( ٱلَّذِينَ يَجۡتَنِبُونَ كَبَٰٓئِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَٰحِشَ إِلَّا ٱللَّمَمَۚ إِنَّ رَبَّكَ وَٰسِعُ ٱلۡمَغۡفِرَةِۚ هُوَ أَعۡلَمُ بِكُمۡ إِذۡ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَإِذۡ أَنتُمۡ أَجِنَّةٞ فِي بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡۖ فَلَا تُزَكُّوٓاْ أَنفُسَكُمۡۖ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰٓ).
روي عن محمد بن مروان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: إن الله خلقنا من نور عظمته، ثم صور خلقنا من طينة مخزونة مكنونة من تحت العرش، فأسكن ذلك النور فيه، فكنا نحن خلقا وبشرا نورانيين لم يجعل لأحد في مثل الذي خلقنا منه نصيبا، وخلق أرواح شيعتنا من طينتنا و أبدانهم من طينة مخزونة مكنونة أسفل من ذلك الطينة ولم يجعل الله لأحد في مثل الذي خلقهم منه نصيبا إلا لللأنبياء، ولذلك صرنا نحن وهم: الناس، وصار سائر الناس همج، للنار وإلى النار.

إنّ نِعَم الله عزَّ وجلَّ على الإنسان كثيرة لا تحصى- وذلك قوله تعالى في سورة النحل :(وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم)، ومن بعض مظاهرها وتجلّياتها في حياة الإنسان المؤمن عديدة منها: نعمة البصر والسمع والذوق ونعمة الصحة والعافية ونعمة الزواج ونعمة العمل والرزق وغيرها الكثير.


روي عن الامام الرّضا (عليه السلام)قال: اعلم يرحمك الله أنّ اللّه تبارك وتعالى لم يبح أكلاً ولا شرباً إلا ما فيه المنفعة والصّلاح، ولم يحرّم إلا ما فيه الضّرر والتّلف والفساد، فكلّ نافع مقوّ للجسم فيه قوّة للبدن فحلال، وكلّ مضرّ يذهب بالقوّة أو قاتل فحرام.
رزق الله لعباده من مختلف أنواع المعاش
ومن هذا المنطلق يجب علينا اختيار المنهج الأمثل في حياتنا وهو تتبع ما ورد عن أهل البيت عليهم السلام من المستحبات.
روي عن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال: «من افتتح طعامه بملح دفع عنه اثنان وسبعون داءً، ومن يصبح بواحدة وعشرين زبيبةً حمراء لم يصبه إلا مرض الموت، ومن أكل سبع تمرات عجوة قتلن الدّود في بطنه، واللّحم ينبت اللّحم، والثّريد طعام العرب، والبيشارجات يعظّمن البطن ويخدّرن المتن، والسّمك الطّريّ يذيب الجسد، ولحم البقر داء وسمونها شفاء وألبانها دواء، ومن أكل لقمةً سمينةً نزل مثلها من الدّاء من جسده، والسّمن ما دخل الجوف مثله، وما استشفى المريض بمثل شراب (شرب) العسل، وما استشفت النّفساء بمثل أكل الرّطب لأنّ اللّه تبارك وتعالى أطعمه مريم بنت عمران (عليه السلام) جنيّاً في نفاسها، وأكل الدّبّاء يزيد في الدّماغ، وأكل العدس يرقّ القلب ويسرع دمعة العين، ونعم الإدام الخلّ، ونعم الإدام الزّيت وهو طيب الأنبياء (عليه السلام) وإدامهم وهو مبارك، ومن أدفأ طرفيه لم يضرّ سائر جسده البرد.

ومن نعم الله العظيمة على البشر أن منَّ عليهم بالملابس، والمساكن المختلفة فهي نعمة عظمى ومنة كبرى، ولذا فإن الله عدها وذكرها في جملة نعمه العظيمة في سور كتاب القرآن الكريم ويعبر عند العلماء بأنه كل ما يغطي الجسد، مما يلبسه الرجال والنساء، والهدف منه ستر العورات والتجمل عند الناس، والبيوت الآمنة بأهلها.
روي عن الرسول ( صلى الله عليه و أله و سلم ) قال:
ـ إذا آتاك الله مالا فلير أثر نعمة الله و كرامته عليك .
ـ حسنوا لباسكم و اصلحوا رحالكم حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس .
ـ ان الله طيب يحب الطيب و نظيف يحب النظافة.
روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال : ثلاثة للمؤمن فيهن راحة : دار واسعة تواري عورته وسوء حاله من الناس، وامرأة صالحة تعينه على امر الدنيا والاخرة.

عظيم لغويا بمعنى الضخامة والعز والمجد والكبرياء، والله العظيم أعظم من كل عظيم لأن العقول لا يصل إلى كنه صمديته، والأبصار لا تحيط بسرادقات عزته، وكل ما سوى الله فهو حقير بل كالعدم المحض، قال تعالى (فَسَبِّحْ بِـﭑسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ) وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو عند الكرب: (لا إله إلا الله العظيم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب العرش العظيم).

تبارك الله أحسن الخالقين، الذي خَلَقَ الخلقَ مِن لا شيء، وهو على كلِّ شيءٍ قدير. وقد روي عن الإمام علي عليه السلام قال: كلُّ صانع شيء فمن شيء صَنَع، واللهُ لا من شيءٍ خَلَق ما صَنَع.

وقد عبَّر الإمام عليّ عليه السلام عن هذا الأمر من منَّة الله علينا بإشارةٍ عظيمةٍ فقال: “ولو فكَّروا في عظيم القدرة، وجسيم النِّعمة، لرجعوا إلى الطريق، وخافوا عذاب الحريق.

ونحن في هذه الأيام والليالي المباركة في ذكرى ولادة السبط المبارك والامام الكريم الحسن المجتبى عليه السلام، نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.

تعتبر صفة الكرم و السخاء من أبرز الصفات التي تميَّز بها الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، فكان المال عنده غاية يسعى من خلالها إلى كسوة عريان ، أو إغاثة ملهوف ، أو وفاء دين غريم ، أو إشباع جوع جائع.
هذا وعرف الإمام الحسن المجتبى ( عليه السلام ) بكريم أهل البيت ، فهو الذي قاسم الله أمواله ثلاث مرّات، نصف يدفعه في سبيل الله و نصف يبقيه له ، بل وصل إلى أبعد من ذلك ، فقد أخرج ماله كلّه مرتين في سبيل الله ولا يبقي لنفسه شيء ، فهو كجدّه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يعطي عطاء من لا يخاف الفقر ، وهو سليل الأسرة التي قال فيها ربّنا و تعالى في سورة الحشر : ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ).
وآية أخرى تحكي لسان حالهم في سورة الانسان:( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وأسيرا إنما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا).
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *