الليلة السادسة عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

روي عنه عليه السلام في دعائه: وَاِحْسَانِكَ الْقَدِيمِ اِلَىَّ، حَتّى اِذَا اَتْمَمْتَ عَلَىَّ جَمِيعَ النِّعَمِ، وَصَرَفْتَ عَنِّي كُلَّ النِّقَمِ، لَمْ يَمْنَعْكَ جَهْلِي وَجُرْأَتِي عَلَيْكَ اَنْ دَلَلْتَنِي إلى مَا يُقَرِّبُنِي اِلَيْكَ.

الإحسان من صفات الله تعالى الثابتة له، وقد ذكر القرآن الكريم في سورة السجدة: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ)، والإحسان هو الإنعام على الغير، فهو سبحانه وتعالى محسنٌ كريم، بر ، جواد ولا ينقطع إحسانه عن الخلق.
روي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة فاطر: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ).

إن أجل النعم التي يتمها الله على عباده من الإيمان بالله‏ ، وملائكته‏ ، ‏ وكتبه‏ ،‏ ورسله‏ ، واليوم الآخر‏ ، وتوحيد هذا الخالق العظيم‏ ، وتنزيهه‏ (جل شأنه‏)‏ عن الشريك‏ ، والشبيه‏ ،‏ والمنازع‏ ، والصاحبة والولد‏، وعن كل وصف لا يليق بجلاله‏ ,، والتصديق برسالة خاتم الأنبياء والمرسلين‏ (صلى الله عليه وآله وسلم‏)، والولاية لأهل البيت عليهم السلام ,‏ وبكل من معجزته الكبرى وهي القرآن العظيم‏ ,‏ الذي أوحاه الله‏ (تعالى‏)‏ إليه هداية للناس أجمعين‏ ، وتعهد بحفظه إلى يوم الدين حتى يكون حجة على الخلق كافة‏ ، والإيمان بالبعث‏‏ والحساب‏ ، والجزاء‏.
كذلك نقم الله كثيرة، فيغشى العباد من نزولها عليهم فكفاني الله بصرفها مع ما بي من جهل وجرأة من ارتكاب المعاصي، دلني على الوصول إليه ومعرفته ،وقد تقدم التفصيل في كتاب شرح أدعية أيام شهر رمضان وكتاب شرح أدعية ليالي شهر رمضان.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة آل عمران:(قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ).

أخبر الله تعالى عباده الذين يتقرّبون منه، أنّ الذي يتقرّب فهو سبحانه يتقرّب منهم أضعافا، وهذه هي الغاية من تشريع الطاعات، وقد وردت روايات كثيرة عن أهل البيت عليهم السلام.
روي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: من تقرب إلى الله عز وجل شبرا تقرب إليه ذراعا، ومن تقرب إليه ذراعا تقرب إليه باعا، ومن أقبل إلى الله عز وجل ماشيا أقبل إليه مهرولا، والله أعلى وأجل، والله أعلى وأجل، والله أعلى وأجل.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: يا علي، إذا تقرب العباد إلى خالقهم بالبر فتقرب إليه بالعقل تسبقهم.
وروي عن الإمام علي (عليه السلام): فوالله لو حننتم حنين الوله العجال، ودعوتم بهديل الحمام، وجأرتم جؤار متبتلي الرهبان، وخرجتم إلى الله من الأموال والأولاد، التماس القربة إليه في ارتفاع درجة عنده، أو غفران سيئة أحصتها كتبه، وحفظتها رسله، لكان قليلا فيما أرجو لكم من ثوابه، وأخاف عليكم من عقابه.
قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة المائدة: ـ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.

التوسّل هو تقرُّب العباد إلى الله بمن هو أقرب وسيلةً إليه منهم بإذنه تعالى، واتخاذه وسيلة لغاية تحقيق حاجاتهم عند الله عزّ وجلّ و أن يبتغوا كل ما يوجب التقرب إليه، ونيل مرضاته وثوابه وقضاء الحوائج لديه.
روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)قال: الأئمة من ولد الحسين من أطاعهم فقد أطاع الله، ومن عصاهم فقد عصى الله، هم العروة الوثقى وهم الوسيلة إلى الله تعالى.

روي عن الامام أبي عبد الله عليه السلام قال: أبى الله أن يجري الأشياء إلا بأسباب، فجعل لكل شئ سببا وجعل لكل سبب شرحا وجعل لكل شرح علما، وجعل لكل علم بابا ناطقا، عرفه من عرفه، وجهله من جهله، ذاك رسول الله صلى الله عليه وآله ونحن.
لم يترك الله الانسان سُدى في طريق التقرب اليه ، بل جعل لهم علائم يهتدون بها، وليس أرقى من أهل البيت عليهم السلام، وهم محمد وأهل بيته، أنواراً وعلائم، يهتدي بها الانسان والوجود بأسره، لأنهم أول من خلق الله، إذ خلقهم بعلم منه مسبق، بما سيكونون عليه من التوحيد والعبودية له، عزّ اسمه، فأكرمهم وزادهم من فضله بما لم يؤتِ أحداً من العالمين، وجعل التقرب اليه بمحبتهم عليهم السلام.

روي عن محمد بن مسلم قال: سمعت الإمام أبا جعفر عليه السلام يقول: كل من دان الله عز وجل بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول، وهو ضال متحير والله شانئ لأعماله، ومثله كمثل شاة ضلت عن راعيها وقطيعها، فهجمت ذاهبة وجائية يومها، فلما جنها الليل بصرت بقطيع غنم مع راعيها، فحنت إليها واغترت بها، فباتت معها في مربضها فلما أن ساق الراعي قطيعه أنكرت راعيها وقطيعها، فهجمت متحيرة تطلب راعيها وقطيعها، فبصرت بغنم مع راعيها فحنت إليها واغترت بها فصاح بها الراعي: الحقي براعيك، وقطيعك فأنت تائهة متحيرة عن راعيك وقطيعك، فهجمت ذعرة، متحيرة، تائهة، لا راعي لها يرشدها إلى مرعاها أو يردها، فبينا هي كذلك إذا اغتنم الذئب ضيعتها، فأكلها، وكذلك والله يا محمد من أصبح من هذه الأمة لا إمام له من الله عز وجل ظاهر عادل، أصبح ضالا تائها، وإن مات على هذه الحالة مات ميتة كفر ونفاق، و اعلم يا محمد أن أئمة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين الله قد ضلوا وأضلوا فأعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف، لا يقدرون مما كسبوا على شيء، ذلك هو الضلال البعيد.

ونحن في هذه الأيام والليالي المباركة في ذكرى ولادة السبط المبارك والامام الكريم الحسن المجتبى عليه السلام، نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.
من جميل خلق مولانا الإمام المجتبى عليه السلام في تعظيم ربه الجليل ما روي أنه کان إذا قام للصلاة يرتدي أحسن ثيابه، ولما سئل عن ذلك قال: إن الله جميل يحب الجمال فإني أتجمل لربي وهو تعالی يقول: خذوا زينتکم عند کل مسجد.

وروي أنه رأی رجلاً رکب دابة فقال: سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا. فقال عليه السلام له: ما بهذا أمرت. أمرت أن تقول: الحمد لله الذي هدانا للإسلام، الحمد لله الذي منّ علينا بمحمد والحمد لله الذي جعلنا من خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ.ثم تقول: سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا!
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *