الليلة الثامنة عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

روي عنه عليه السلام في دعائه: مِنْ مُبْدِئ مُعِيد، حَمِيد مجِيد، تَقَدَّسَتْ اَسْمآؤُكَ، وَعَظُمَتْ آلاَؤُكَ، فَأَىُّ نِعَمِكَ يَا اِلهِي اُحْصِي عَدَداً أوْ ذِكْراً؟ أَمْ اَىُّ عَطَايَاكَ أَقُومُ بِهَا شُكْراً؟ وَهِىَ يَا رَبِّ اَكْثرُ مِنْ اَنْ يُحْصِيَهَا الْعآدّوُنَ، أَوْ يَبْلُغَ عِلْماً بِهَا الْحَافِظُونَ.
قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الاسراء:(قُلِ ادْعُوا اللَّـهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَـٰنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ).

إن الإنسان عندما تضيق به السبل يبث حاجاته بين يدي الله تعالىٰ، ويتقرب اليه، ويتعلق به ، ويأنس بالطلب منه، ويحس بفقره وحاجته إلى الدعاء له، وكل ذلك يحبه الله تعالىٰ.
فإن كل واحد من أسماء الله الحسنىٰ مفتاح لباب من أبواب رحمة الله وفضله.
وقد ورد في النصوص الشريفة عن أهل البيت عليهم السلام، تأكيد كثير علیٰ الدعاء بأسماء الله الحسنیٰ.

ومن اسمائه المبدئ والمعيد، قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الروم:(ٱللَّهُ يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).


روي عن الإمام الرضا عليه السلام قال: إنّ أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن: يوم يولد ويخرج من بطن أمّه فيرى الدنيا، ويوم يموت فيعاين الآخرة وأهلها، ويوم يُبعث فيرى أحكاماً لم يرها في دار الدنيا.

ان الحمد والثناء لله تعالى لأنه هو الحميد، بحمده نفسه أزلا، وبحمد عباده له أبدا، الذي يوفقك بالخيرات ويحمدك عليها، ويمحو عنك السيئات، ولا يخجلك بذكرها.


وأن المجد هو الشرف والمروءة والسخاء، والله المجيد يدل على كثرة إحسانه وأفضاله على عباده.
روي عن الامام الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن علي (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لله عز وجل تسعة وتسعون اسما، من دعا الله بها استجيب له، ومن أحصاها دخل الجنة، وقال الله عز وجل: (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا).


قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة النحل:(وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ).

إنها والله نِعمٌ لا تُعد ولا تُحصى، وليس لنا إلاّ أن نسأله سبحانه أن يُلهمنا شكرها، وأن يوفقنا لحمده سبحانه عليها في كل وقتٍ وحين، لأننا إذا لم نُحافظ عليها بالحمد والشكر والثناء زالت وانتقلت إلى غيرنا.

روي عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من قال: الحمد لله بمحامده كلها ما علمنا منها وما لم نعلم، على كل حال، حمدا يوازي نعمه، ويكافي مزيده علي وعلى جميع خلقه، قال الله تبارك وتعالى: بالغ عبدي في رضاي وأنا مبلغ عبدي رضاه من الجنة.


روي عن الإمام الهادي (عليه السلام) قال: القوا النعم بحسن مجاورتها والتمسوا الزيادة فيها بالشكر عليها.
الحواريون خريجو مدرسة أهل البيت عليهم السلام، يعطوننا درسا بليغا في شكر النعم.


روي عن الإمام الجواد (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام)قال: دعا سلمان أبا ذرّ _ رضوان الله عليهما _ إلى منزله فقدّم إليه رغيفين، فأخذ أبو ذرّ الرغيفين فقلبهما،

فقال سلمان: يا أبا ذرّ، لأيّ شيء تقلب هذين الرغيفين؟

قال: خفت ألّا يكونا نضيجين،

فغضب سلمان من ذلك غضباً شديداً، ثمّ قال: ما أجرأك! حيث تقلب الرغيفين، فوالله، لقد عمل في هذا الخبز الماء الذي تحت العرش، وعملت فيه الملائكة حتّى ألقوه إلى الريح، وعملت فيه الريح حتّى ألقاه إلى السحاب، وعمل فيه السحاب حتّى أمطره إلى الأرض، وعمل فيه الرعد والملائكة حتّى وضعوه مواضعه، وعملت فيه الأرض والخشب والحديد والبهائم والنار والحطب والملح وما لا أحصيه أكثر، فكيف لك أن تقوم بهذا الشكر؟

فقال أبو ذرّ: إلى الله أتوب، وأستغفر الله ممّا أحدثت، وإليك أعتذر ممّا كرهت.

فإن نعم الله على عباده لو اشتغل الإنسان بعدها ، لم يقدر على حصرها، ولو اجتهد في ذلك؛ لكثرتها وتنوعها لكن تدوم بشكر والحمد لله.


روي عن الامام الباقر (عليه السلام)قال: لا ينقطع المزيد من الله، حتّى ينقطع الشكر من العباد.

الدرس البليغ الذي قدمته هذه العائلة المقدسة يجزل الله الشكر والعطاء لها في آن واحد، فيذكرها في كتابه الكريم كيف حدث ذلك ومتى؟
روي في مرض الحسن والحسين عليهما ‌السلام وهما صبيان صغيران فعادهما رسول الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله ومعه رجلان ، فقال أحدهما: يا أبا الحسن لو نذرت في ابنيك نذرا إن الله عافاهما ، فقال: أصوم ثلاثة أيام شكرا لله عز وجل ، وكذلك قالت فاطمة عليها ‌السلام ، وقال الصبيان: ونحن أيضا نصوم ثلاثة أيام ، وكذلك قالت جاريتم فضة ، فألبسهما الله عافيته ، فأصبحوا صياما وليس عندهم طعام.


فانطلق علي عليه ‌السلام إلى جار له من اليهود يقال له شمعون يعالج الصوف ، فقال: هل لك أن تعطيني جزة من صوف تغزلها لك ابنة محمد بثلاثة أصوع  من شعير؟ قال: نعم ، فأعطاه فجاء بالصوف والشعير وأخبر فاطمة عليها ‌السلام فقبلت وأطاعت، ثم عمدت فغزلت ثلث الصوف ، ثم أخذت صاعا من الشعير فطحنته وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص ، لكل واحد قرصا ، وصلى علي عليه ‌السلام مع النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله المغرب.


ثم أتى منزله فوضع الخوان وجلسوا خمستهم، فأول لقمة كسرها علي عليه‌ السلام إذا مسكين قد وقف بالباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد ، أنا مسكين من مساكين المسلمين ، أطعموني مما تأكلون أطعمكم الله على موائد الجنة ، فوضع اللقمة وطلب من فاطمة عليها السلام تجيب السائل.
وعمدت إلى ما كان على الخوان فدفعته إلى المسكين، وباتوا جياعا وأصبحوا صياما لم يذوقوا إلا الماء القراح.


ثم عمدت إلى الثلث الثاني من الصوف فغزلته ، ثم أخذت صاعا من الشعير و طحنته وعجنته وخبزت منه خمسة أقرص لكل واحد قرصا ، وصلى علي المغرب مع النبي صلى الله عليهما ثم أتى منزله فلما وضع الخوان بين يديه وجلسوا خمستهم فأول لقمة كسرها علي عليه ‌السلام إذا يتيم من يتامى المسلمين قد وقف بالباب فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد  أنا يتيم من يتامى المسلمين أطعموني مما تأكلون أطعمكم الله على موائد الجنة ، فوضع علي عليه ‌السلام اللقمة من يده ثم طلب من فاطمة عليها السلام أن تدفع الطعام إلى اليتيم.


ثم عمدت فأعطته عليها ‌السلام جميع ما على الخوان ، وباتوا جياعا لم يذوقوا إلا الماء القراح ، وأصبحوا صياما، وعمدت فاطمة عليها ‌السلام فغزلت الثلث الباقي من الصوف، وطحنت الصاع الباقي وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص لكل واحد قرصا ، وصلى علي عليه ‌السلام المغرب مع النبي صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله ثم أتى منزله ، فقرب إليه الخوان وجلسوا خمستهم فأول لقمة كسرها علي عليه‌ السلام إذا أسير من اسراء المشركين قد وقف بالباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد ، تأسروننا وتشدوننا ولا تطعموننا؟  فوضع علي عليه ‌السلام اللقمة ودعا فاطمة عليها السلام إلى تكرار ما قامت به في اليومين الماضيين وهو دفع الطعام إلى السائل الذي كان أسيراً هذه المرة.


وعمدوا إلى ما كان على الخوان فأعطوه وباتوا جياعا ، وأصبحوا مفطرين وليس عندهم شئ.
سعيكم مشكورا..


قال شعيب في حديثه: وأقبل علي بالحسن والحسين عليهم ‌السلام نحو رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله وهما يرتعشان كالفرخ من شدة الجوع ، فلما بصربهم النبي صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله قال: يا أبا الحسن شد ما يسوؤني ما أرى بكم!؟ انطلق إلى ابنتي فاطمة ، فانطلقوا إليها وهي في محرابها ، قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع وغارت عيناها، فلما رآها رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله ضمها إليه وقال: واغوثاه بالله؟ أنتم منذ ثلاث فيما أرى؟ فهبط جبرئيل فقال: يا محمد خذ ما هيا الله لك في أهل بيتك ، قال: وما آخذ يا جبرئيل؟ قال: “هل أتى على الانسان حين من الدهر “حتى إذا بلغ “إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا “.


وقال الحسن بن مهران في حديثه: فوثب النبي صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله حتى دخل منزل فاطمة عليها‌ السلام فرأى ما بهم فجمعهم ثم انكب عليهم يبكي ويقول: أنتم منذ ثلاث فيما أرى وأنا غافل عنكم؟ فهبط عليه جبرئيل بهذه الآيات: “إن الابرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا * عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا “قال: هي عين في دار النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله يفجر إلى دور الأنبياء والمؤمنين “يوفون بالنذر “يعني عليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌ السلام وجاريتهم “ويخافون يوما كان شره مستطيرا “يكون عابسا كلوحا “ويطعمون الطعام علي حبه “يقول: على شهوتهم للطعام وإيثارهم له
 “مسكينا “من مساكين المسلمين “ويتيما “من يتامى المسلمين “وأسيرا “من اسارى المشركين ويقولون إذا أطعموهم: “إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا “قال: والله ما قولوا هذا لهم ولكنهم أضمروه في أنفسهم فأخبر الله بإضمارهم ، يقولون: لا نريد جزاء تكافوننا به ولا شكورا تثنون علينا به ، ولكن إنما أطعمناكم لوجه الله وطلب ثوابه قال الله تعالى ذكره “فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة “في الوجوه “وسرورا “في القلوب “وجزاهم بما صبروا جنة “يسكنوها “وحريرا “يفترشونه ويلبسونه “متكئين فيها على الأرائك “والأريكة: السرير عليه الحجلة “لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا “قال ابن عباس: فبينما أهل الجنة في الجنة إذا رأوا مثل الشمس قد أشرقت لها الجنان ، فيقول أهل الجنة: يا رب إنك قلت في كتابك: “لا يرون فيها شمسا “؟! فيرسل الله جل اسمه إليهم جبرئيل فيقول: ليس هذه بشمس ولكن عليا وفاطمة ضحكا فأشرقت الجنان من نور ضحكهما ، ونزلت “هل أتى “فيهم إلى قوله تعالى: “وكان سعيكم مشكورا”.

ونحن في هذه الأيام والليالي المباركة نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.

روي عن الريان بن الصلت قال : قلت للرضا ( عليه السلام ) : أنت صاحب هذا الأمر؟ فقال : أنا صاحب هذا الأمر ولكني لست بالذي أملأها عدلاً كما ملئت جوراً ، وكيف أكون ذلك على ما ترى من ضعف بدني ، وإن القائم هو الذي إذا خرج كان في سن الشيوخ ومنظر الشبان ، قوياً في بدنه حتى لو مد يده إلى أعظم شجرة على وجه الأرض لقلعها ، ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها ، يكون معه عصا موسى ( عليه السلام ) ، وخاتم سليمان ( عليه السلام ). ذاك الرابع من ولدي ، يغيبه الله في ستره ما شاء ، ثم يظهره فيملأ ( به ) الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ).
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *