الليلة التاسعة عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

روي عنه عليه السلام في دعائه: ثُمَّ مَا صَرَفْتَ وَدَرَأْتَ عَنِّي اَللَّهُمَّ مِنَ الضُرِّ وَالضَّرّاءِ أَكْثَرْ مِمَّا ظَهَرَ لِي مِنَ الْعَافِيَةِ وَالسَّرّآءِ، وَاَنَا اَشْهَدُ يَا اِلهِي بِحَقِيقَةِ اِيمَانِي.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة يونس:(قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّه).

وقال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة البقرة:(إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ).
من أصول الايمان أن نعتقد أن الله تعالى حكيم في جميع أفعاله، لا يفعل شيئاً إلا لحكمة تامة، علمها من علم، وجهلها من جهل، ومن ذلك درؤه الضر والضراء عن عباده في جميع الأحوال أكثر مما اظهر لهم العافية ، وكل ذلك ذكره في كتابه الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وآله وأمثلة ذلك كثيرة.
روي عن الإمام علي (عليه السلام) قال: إن لله سبحانه سطوات ونقمات، فإذا نزلت بكم فادفعوها بالدعاء، فإنه لا يدفع البلاء إلا الدعاء.

ان الانسان هو جزء من الحياة يتحرك كالحياة حركة دائمة مستمرة بدءا من الولادة والطفولة والشباب متنقلاً إلى الرجولة والكهولة إلى الشيخوخة، وخلال هذه المراحل يتقلب ما بين السراء والضراء وما بين العافية والابتلاء، فيعلم أن الله بعنايته الخاصة في جميع مراحل الإنسان يدفع عنه الضر والضراء التي تؤذيه.

روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: إنّ الشياطين على المؤمنين أكثر من الزنابير على اللحم، ثمّ قال (عليه السلام) _ هكذا بيده _: إلّا ما دفع الله.

إن كل الوجود بما فيه من دفع كل ضر وضراء، ومنفعة وعافية، من عالم الغيب والشهادة ، هو فيض من كرم الله سبحانه وتعالى، وإن الجميع حاضرون عنده بلا تفاوت وكلهم مظهر مشيئته.

روي عن الإمام الرضا(عليه السلام)قال: (خلق الله المشيئة بنفسها ثمّ خلق الأشياء بالمشية)فإنّ خلق المشيئة بنفسها، أنّه لا يحتاج إلى مشيئة أُخرى، بل في حال خلقه لتلك المشيئة انتزعنا من هذا الفعل الذي صدر منه تعالى صفة، وهي: كونه تعالى شائياً.

روي عن الامام الباقر (عليه السلام)قال: إنّ لله تبارك وتعالى ضنائن من خلقه يغذوهم بنعمته، ويحبوهم بعافيته، ويدخلهم الجنّة برحمته، تمرّ بهم البلايا والفتن مثل الرياح ما تضرّهم شيئاً.

إن حضور القلب من الأمور المهمة في باب العبادات، فهو روح العبادة، والعبادة من دون حضور القلب غير مجدية، ولا تقع مقبولة في ساحة الحق المتعالي، لأهمية العبادات ولا يتيسر إلا عند استيعاب أسرارها وحقائقها، فيكون الايمان شرط ذلك ،وقد سُئل أمير المؤمنين عليه السلام عن الإيمان ، فقال : الإيمان معرفة بالقلب ، وإقرار باللسان ، وعمل بالأركان.

ومن أهم الحقائق الهامّة التي تميز الإيمان الصادق عن الزائف مما يروى عن زر بن حبيش قال : رأيت أمير المؤمنين عليه السلام علىٰ المنبر فسمعته يقول : والذي فلق الحبّة وبرء النسمة ، أنّه لعهد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إليّ أنّه لا يحبّك إلّا مؤمن ولا يبغضك إلّا منافق .

إذا فالإمام علي وأهل بيته عليهم السلام رمز الإيمان وعلامة الطهر وعليه فمن أحبّهم فقد وجد في قلبه حقيقة الإيمان ، فهم مصابيح الدجىٰ وأعلام الهدىٰ من أحبّهم ذاق طعم الإيمان.

روي عن الامام الصادق (عليه السلام) قال: شهادة أن لا إله إلاّ الله ، وأنَّ محمداً رسول الله ، والإقرار بما جاء به من عند الله ، وصلاة الخمس ، وأداء الزكاة ، وصوم شهر رمضان ، وحجّ البيت ، وولاية وليّنا ، وعداوة عدّونا ، والدخول مع الصادقين .

ونحن في هذه الأيام والليالي الحزينة بشهادة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.
روي في سنة أربعين للهجرة اجتمع ثلاثة من الخوارج وبكوا قتلى النهروان، وتعاهدوا على قتل أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وعمرو بن العاص ومعاوية في ليلة واحدة، وتعهّد ابن ملجم بقتل أمير المؤمنين (عليه السلام)، ودخل الكوفة لهذا الغرض، ونفّذ عهده بمساعدة قطام بنت الأخضر التي أراد أن يتزوجها وبمشاركة شبيب بن بجرة ووردان بن مجالة.
وفجر التاسع عشر دخل أميرُ المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) المسجد الأعظم بالكوفة بعد أذان الصبح، وعلا صوتُه: “أيّها الناس الصلاة”.
ولمّا رفع رأسَه الشريف من السجود في الركعة الأولى حمل عليه شبيب لكنّه أخطأه، ولم يمهله ابن ملجم ساعتها إذ ثبت سيفه المسموم في مفرقه المبارك، فخضّب لحيته من دم رأسه، وعلى صوته المبارك: “بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فزتُ وربّ الكعبة”.
وارتفع صوتُ جبرئيل (عليه السلام): “تهدّمت والله أركانُ الهدى، وانطمست والله نجومُ السماء وأعلامُ التقى، وانفصمت والله العروةُ الوثقى، قُتل ابنُ عمّ محمدٍ المصطفى، قُتل الوصيُّ المجتبى، قُتل عليٌّ المرتضى، قُتل والله سيّدُ الأوصياء، قَتله أشقى الأشقياء”

فخرج الحسنان إلى المسجد وهما يناديان: وا أبتاه وا علياه ليت الموت أعدمنا الحياة حتى وصلا المسجد وإذا بالإمام في محرابه والدماء تسيل على وجهه وشيبته ووجدوه مشقوق الرأس وقد علته الصفرة من انبعاث الدم وشدّة السم ، فتقدّم الحسن (عليه السلام) وصلى بالناس وصلى أمير المؤمنين (عليه السلام) إيماء من جلوس وهو يمسح الدم عن وجهه وكريمته يميل تارة ويسكن أخرى، والحسن ينادي: وا انقطاع ظهراه يعز عليّ أن أراك هكذا.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *