بين الأناة والعجلة

الشيخ زهير الشيخ محمد الشيخ جعفر الخال

رواية ودرس 23

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]
روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

{ الأنـاةُ من الله والعجلـة من الشيطان }.

المحاسن ج1، ص 215.
– من الوصايا المباركة لأهل بيت العصمة والطهارة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) الدعوة منهم (عليهم السلام) للإنسان المؤمن في التثبت من الأمور والتأني والتمهل في الإقدام على أي أمر يريد أن يدخل فيه.

– وهي رسالةٌ تدعو الإنسان للتريث والتأمل حينما يريد أن يُنتج عملاً موفقاً أو أن يحصل على نتيجةٍ جيدة من عمله، فعليه أن يكون على علمٍ بحيثيات الأمر الذي يريده، وإلا إذا كان عجولاً في أمره قد يلتبس عليه.

ومن روائع حِكَم سيدنا ومولانا الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): { من هَجَمَ على أمرٍ بغير علمٍ جَـدعَ أنفَ نفسه }. بحار الأنوار ج57، ص269. أي: قَطَعَ أنفه.

وعلى الإنسان كذلك أن يكون عارفاً بالأمر الذي يقدم عليه، فالمعرفةُ في كل الأمور قبل الإقدام أمرٌ مطلوب، وقد حثَّ عليه أميرالمؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه أفضل الصلاة والسلام) في وصاياه إلى الصحابي الجليل كميل بن زياد النخعي اليماني (رضوان الله تعالى عليه) فيما روي عنه (عليه السلام): { يا كُمَيل، ما مِن حركةٍ إلاّ وأنت محتاجٌ فيها إلى معرفة }. تحف العقول ص118.

والتثبت في الأمور تكون فيه السلامة للإنسان، كما روى أبان بن تغلب قال: سمعتُ أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول: { مع التثبت تكون السلامة، ومع العجلة تكون الندامة، ومن ابتدا بعملٍ في غير وقته كان بلوغه في غير حينه }. الخصال ج1، ص169.

– فالعجلةُ التي هي من التسرع والإندفاع، من غير تريث وتثبت وتأني، قد ورد ذمها في الروايات الشريفة عن النبي وأهل بيته ( عليهم السلام )، فقد رويّ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): { إنما أهلكَ الناس العجلة ولو أن الناس تثبتوا لم يهلك أحد }. المحاسن ج1، ص215.
– وهنا تنبيه:

إنَّ دعوة أهل البيت (عليهم السلام) إلى التثبت والتريث والأناة والتأمل هي أمور مستحسنةٌ حينما يكون الإنسان متردداً وشاكاً في ذلك العمل.

أما ما كانَّ الخيرُ فيه معلوماً فهو ليس مورد شك أوتردد فلا دعوةَ فيهِ للتأني والتريث، ويكون هذا غير مخالف للدعوات القرآنية والروائية التي تدعو الإنسان إلى الإسراع والمبادرة في عمل الخير، لأن الأمر الذي يكون خيرهُ معلومٌ وثابت فالمسارعة فيه مطلوبة ومحمودةٌ وحسنة كـ:

– أداء الحج للمستطيع، فعليهِ أن لا يسوف ويتأخر عن أداء هذا الفرض الواجب.

– وأداء الصلاة في أول وقتها وقضائها عند الفرصة.

– وأداء دَين الناس، فالإسراع فيه ما تقتضيه المصلحة العامة.

– وإطعام الضيف، فقد ورد الحث عليه لما فيه من مردود خيرٍ وثواب جزيل.

– وإتيان كل عمل خير يُوجِبُ التقربَ إلى الله تبارك وتعالى.

والأدلة على ذلك في القرآن الكريم والروايات الشريفة كثيرة، ومنه قول الله تبارك وتعالى: { فَاستَبِقُوا الخيرات } سورة البقرة، آية 148.، وكذلك قوله عز وجل: { وَسَارعوا إلى مغفرةٍ من ربِكُم } سورة آل عمران، آية 133.، فالإنسان يبادر ويسارع إلى كل فعلٍ وعملٍ من شأنه رضا الله سبحانه وتعالى، وأن يتجنب كل فعل من شأنه سخط الله سبحانه وغضبه.
والروايات في هذا المجال كثيرة، فمن روائع ما روي من حِكم سيد البلغاء والمتكلمين أميرالمؤمنين (عليه السلام): { والفرصة تمرُّ مرَّ السحاب فانتهزوا فرص الخير }. نهج البلاغة، ج4، ص 6، رقم 21.

وكذلك ما ورد في وصية رائعة من النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أبي ذر الغفاري قال له فيها: { يا أبا ذر ! اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك }. بحار الأنوار، ج 74، ص 75.
– وهنا نقول: إن التثبت والأناة هي في الأمور التي يشك الإنسان فيها أو يتردد، وأما ما هو معلوم الخير والبركة فالمسارعة والمبادرة فيه مطلوبة.
والحمدلله رب العالمين.
خادم الآل

الميرزا زهير الخال

السبت الأول من ربيع الآخر ١٤٣٨ هـ.

النجف الأشرف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *