المثيلي والمثالي 2

الميرزا الشيخ عباس العصفور
Latest posts by الميرزا الشيخ عباس العصفور (see all)

بسم الله الرحمان الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
قد مر الكلام في طريقة كشف الواقع عبر الاستقراء وتتبع الأفراد المتماثلة والمندرجة تحت عنوان مفهومي يعمها؛ كما وقد يتم تقسيم هذه الأفراد في مقسم معين بطرق القسمة المختلفة .
بقي الكلام في مناقشة كيف الاستدلال عند اللاأدريين..
من المنطقي والمعقول أن ينتزع الإنسان العنوان الجامع من مثيلات الأفراد والنتيجة الواضحة المنكشفة من جراء هذه العملية الجامعة تحت عنوان معين من الواقع والمصاديق الخارجية .
قد يتوهم الكثيرون بأن فائدة تتبع الأفراد المتماثلة تكمن في الحصر والتعداد والتدوين فقط ولكنها تتعدى ذلك لتكون مصاديقا خارجية يمكن انتزاع العناوين منها والخصائص الجامعة بأي حال من الأحوال خصوصا وأن الأمور متعقلة من العقل الفطري والطريق الوجداني.
فالثابت في الاستقراءات التي قاموا بها إجماع الأديان على وجود رب أو إله تتوجه له النفس، وقد تتبعوا ذلك وجمعوه تحت قناعة أن جميع العقائد تثبت ضرورة ووجوب وجود الرب والإله .
وبعد هذا الاستقراء لجأوا للتقسيم وتدوين أنواع هذا الرب في جميع العقائد البشرية وعوائل الأديان من إبراهيمية أو وثنية أو غيرها، ومن طبيعة التقسيم أن يكون القسيم مباينا لقسيمه من وجه ومؤالفا معه في وجه آخر، والقسمة قائمة على جمع المتآلف مع العنوان الجامع العام والذي يسمى بالمقسم، فلا يمكن لبناء القسمة أن يستقيم بلا هذا الجامع ولا يمكن للاستقراء أن يكون علميا استنباطيا ذو نتيجة ملزمة بلا جامع أيضا..
فملاحقة القسمة ومحاولة نقضها عبر البحث في الجانب المباين الجزئي غير موفق وغير صحيح وليس بمثمر نظرا لكون القسمة لا تتناول إلا المثيل وليس في هيكلها الوجه المباين في الأقسام، لأنها لم تكن تخلق تنافرا بينها، فلو انطبق القسيم مع قسيمه في كل جزئياتها لصار فردا واحدا وانتفى الداعي للقسمة..
لكن جعل هذا التباين الجزئي في التقسيم كنوع من أنواع الحكم بتكاذب الأقسام كلها وادعاء أن كل دين يكذب الآخر فهو غير صحيح ، ولإثبات هذا المدعى عليهم أن يسلكوا طريقا آخر يتخذ النتائج المتناقضة لا النتائج المتضادة ولا الداخلة تحت التضاد فهي متوافقة أحيانا ولو من وجه .
والباحث عن الحقيقة عبر الاستقراء هو باحث عن الاثبات لا عن السلب ولا النفي لأنها ليست بسهلة الحصر ولا من أدواته.
وكذلك الاستقراء الذي قاموا به من تجميع مفهوم الأرباب عند كل دين ومذهب فهو في صالح الأديان وليس في صالح الملحدين!
كيف؟!
إن العقل المجموعي وإجماع العقلاء أقر عبر استقراءاتهم بوجود الرب في عقيدة كل دين، بقي أمر نقاش كون الرب المعتقد به صحيحا أم لا فهو موضوع أعمق ويحتاج لاستقراء آخر أخص يبحث بين التوحيد والتعدد في عقائد الأديان وصحة ذلك تحتاج لاستدلال آخر.
فالخلاف بين الأديان في عقيدة الرب والإله متعدد ومتفرع لكثير من الدراسات والبحوث، وهذا صحي، ولكن من غير الصحي أن نخطيء الجميع بمجرد اختلافهم، ولا من المعقول أن نرفض كل العقائد بسبب تشكيكنا وتوقفنا عن البحث والتنقيب في الحق والحقيقة وادعاء التناقض !
اللاأدريون أنفسهم يشكون في نتائجهم وهم يختلفون في رؤاهم وآرائهم وهم أولى بأن يخطؤوا أنفسهم نظرا لوجود الخلاف بينهم، أسوة بالمنهج الذي اتخذوه عبر تخطئة الأديان في وجود الخالق، رغم اتفاق الأديان عليه، وتخطئتهم بسبب اختلافهم ، رغم أن استقراءات الاأدريين وتقسيماتهم قصرت عن تناول ذلك في انتزاعياتهم !
مثلا:
إن اختلاف الأطباء في تشخيصاتهم لا يعني عجز الطب ولا عدم جدواه ولا تخطئته رغم علمنا بصحة تشخيص أحدهم، بل يتكبد الباحثون مزيدا من العناء للوصول للنتيجة الواقعية الصحيحة، ويدونون التشخيصات في استقراءاتهم لتتبعها من عدة وجوه.. فلو اتخذوا النقض للكل لما أثبتوا شيئا ولبقوا مشككين كاللاأدريين وكانت كل النتائج لا أدري!
والبحث عن الفرد المثالي الحاوي لكل الخصائص المثالية يحتاج لمفهوم مثالي يكون معيارا ومدركا لانتزاع الحقيقة .. يأتي عليه الكلام ..
والحمد لله رب العالمين
عباس العصفور
النجف الأشرف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *