عقيدة الرجعة

الشيخ زهير الشيخ محمد الشيخ جعفر الخال

بسم الله الرحمان الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

والحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلقه رسوله المصطفى محمد بن عبدالله وعلى آله الهداة الطيبين الطاهرين ..

من الأمور الإعتقادية المهمة التي تعتقد بها الشيعة الإمامية عقيدة الرجعة، رجعة النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) والحجج والشهداء والمؤمنين إلى الدنيا بعد الموت، وبعد قيام دولة الإمام المنتظر المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وقبل القيامة ليروا دولة الحق ويفرحوا لذلك وينتقموا من أعدائهم وجماعة من الكافرين والمنافقين.

وفي هذا يقول الشيخ المفيد: ( إن الله يحيي قوماً من أمةِ محمد (صلى الله عليه وآله) بعد موتهم قبل يوم القيامة، وهذا مذهب تختص به آل محمد (صلى الله عليه وآله) ). مصنفات الشيخ المفيد ج7، ص32، المسائل السروية.

وقد انفردت الشيعة الإمامية بالإعتقاد في الرجعة واعتمدتها كضرورة من ضروريات المذهب ونظرية مسلمة ويجب الإقرار بها والاعتقاد بها، وتجديد الإعتراف بها في الأدعية والزيارات.
والبحث هنا يقع في نقاط:

ونستمد من الله التوفيق ..
– تعريف الرجعة:

الرجعة في معناها اللغوي: بمعنى العود والرجوع مقابل الذهاب.

ويطلق عليها الكرة من الكر بمعنى الرجوع أيضاً. قاموس المحيط ج3، ص28، ( رجع ).

ففي كتاب الصحاح للجوهري 3: 1216 ( رجع ): وفلانٌ يؤمن بالرَّجْعَةِ، أي: الرجوع إلى الدنيا بعد الموت.
والرجعة في معناها الإصطلاحي الشرعي: هي رجوع أهل البيت (ع) إلى الدنيا ورجوع كثير من الأموات إلى عالم الدنيا.

يقول الشيخ الحر العاملي صاحب كتاب وسائل الشيعة في كتابه الإيقاظ من الهجعة في البرهان على الرجعة: إعلم أن الرجعة هنا هي الحياة بعد الموت قبل القيامة وهو الذي يتبادر من معناها. ص71.
– إن الرجعة من الحقائق القطعية التي دلت عليها البراهين الجلية وقامت عليها إجماعات الإمامية وتميزت بحقيقتها الإعتقادات الضرورية وقد أكد الحر العاملي على تجديد الإعتقاد بالرجعة والإعتراف بها في كل وقت كالإقرار في كثير من الأوقات بالتوحيد والنبوة والإمامة والمعاد.

فأجمعت عليها وتواترت بها الأخبار ودلت عليها عدة من الأيات البينات.

– ويقول الشيخ محمد رضا المظفر في كتابه عقائد الإمامية: ان الذي تذهب إليه الشيعة الإمامية أخذا بما جاء به أهل البيت (عليهم السلام) إن الله تعالى يعيد قوماً من الأموات إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها فيعُز فريقا ويذل فريقا آخر وذلك عند قيام مهدي آل محمد (عجل الله تعالى فرجه الشريف).

ولا يرجع إلا من علت درجته في الإيمان أو من بلغ الغاية من الفساد ثم يصيرون بعد ذلك إلى الموت ومن بعده إلى النشور وما يستحقونه من الثواب والعقاب. ص160.
– الأدلة على الرجعة:

إن الذي يدل على صحة الرجعة وإمكانها ووقوعها أدلة كثيرة:

1. الدليل الذي استدلوا به على صحة المعاد بأنه ممكن.

2. إجماع جميع الشيعة الإمامية واطباق الطائفة الإثنى عشرية بالاعتقاد بصحة الرجعة فلا يظهر منهم مخالف يعتمد به من العلماء السابقين واللاحقين وقد علم دخول المعصوم في هذا الإجماع بورود الأحاديث المتواترة عن النبي والأئمة الدالة على اعتقادهم بصحة الرجعة.

3. الآيات القرآنية الكثيرة الدالة على ذلك إما نصا صريحا أو بمعونة الأحاديث المعتدة الواردة في تفسرها.

4. الأحاديث الكثيرة المتواترة عن النبي والأئمة المروية في الكتب المعتمدة التي هي صريحة اكثرها لا مجال إلى تأويله وهي أكثر من 200 رواية.
– الرجعة في أقوال علماء الشيعة الإمامية:

من أجل أن نقف على الآيات القرآنية والروايات الشريفة الدالة على عقيدة الرجعة، لابُد أن نقف على أقوال كبار علماء الشيعة الإمامية فيما ذكروهُ حول ( الإعتقاد بـ الرجعة ) كي يكون الخوض في الأدلة القرآنية والأدلة الروائية واضحاً ومنهجاً منظماً لفهم الأدلة فهماً دقيقاً وواضحاً.
. الشيخ الصدوق رحمه الله في كتابه ( الإعتقادات _ باب الاعتقاد في الرجعة ص142 ): اعتقادنا في الرجعة أنها حق.

. الشيخ المفيد رحمه الله في كتابه ( أوائل المقالات ص 51 ): اتفقت الإمامية على وجوب رجعة كثير من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة، وإن كان بينهم في معنى الرجعة إختلاف .

وقال أيضاً: قد جاء القرآن بصحة ذلك وتظاهرت به الأخبار، والإمامية بأجمعها عليه إلا شذاذا منهم.

. الشيخ الحر العاملي صاحب كتاب وسائل الشيعة في كتابه ( الإيقاظ من الهجعة في البرهان على الرجعة، باب الإستدلال على صحة الرجعة ): ومما يدل على ثبوت الإجماع اتفاقهم على رواية أحاديث الرجعة حتى أنه لا يكاد يخلو منها كتاب من كتب الشيعة، ولا تراهم يضعفون حديثا واحداً منها، ولا يتعرضون لتأويل شيء منها.

إلى أن قال: ومما يدل على ذلك كثرة المصنفين الذين رووا أحاديث الرجعة في مصنفات خاصة بها أوشاملة لها، وقد عرفت من أسماء الكتب التي نقلنا منها – في كتابه الإيقاظ من الهجعة – ما يزيد على 70 كتاباً، قد صنفها عظماء علماء الإمامية كثقة الإسلام الكليني، ورئيس المحدثين ابن بابويه، ورئيس الطائفة ابن جعفر الطوسي، والسيد المرتضى والنجاشي والكشي والعياشي، وعلي ابن ابراهيم، والشيخ المفيد، والكراجكي والنعماني والصفار.

ثم ذهب الشيخ المجلسي صاحب البحار إلى أن الرجعة من ضروريات المذهب .
– بعد ما ذكره علماء الإمامية نقف على الآيات والروايات الدالة على عقيدة الرجعة .
– الرجعة في القرآن:

1. قول الله عز وجل مخاطباً نبيه عيسى ابن مريم ( على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام ): ( وإذ تخرج الموتى بإذني ) سورة المائدة، آية 110.

هذه الآية تدل على وقوع الرجعة وحصولها فإن عيسى ابن مريم أحيى الموتى بإذن الله، فجميع الموتى الذين أحياهم عيسى (ع) بإذن الله رجعوا إلى الدنيا وبقوا فيها ثم ماتوا بآجالهم.
2. قول الله سبحانه وتعالى: ( واقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث اللهُ من يموت بلى وعداً عليه حقاً ) سورة النحل، آية 38.

ما رواه الشيخ الكليني ( كتاب الكافي 8: 50 / 14 ) والشيخ الصدوق ( اعتقادات الصدوق: 63 – ضمن مصنفات المفيد ج5) وعلي ابن ابراهيم ( تفسير القمي 1: 385 ): إنها نزلت في الرجعة.

وما ذكره ابن بابويه (رحمه الله) حول هذه الآية: ذلك في الرجعة، لمـاذا ؟ قال: لأنه عقبه بقوله تعالى: ( ليبين لهم الذي فيه يختلفون ) والتبيين إنما يكون في الدُنيـا لا في القيامة.
3. قول الله تبارك وتعالى: ( أليسَ ذلك بقادرٍ على أن يحيي الموتى ). سورة القيامة، آية 40.

هذه الآيـة دالة على إمكان الرجعة، فإنها من قسم إحياء الموتى.
4. قول الله عز وجل: ( وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ ۖ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) ) سورة يس.

وهي دالة على إمكان الرجعة دلالة واضحة ظاهرة.
5. قول الله سبحانه وتعالى: ( ولقد كتبنا في الزبور من بعدِ الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) سورة الأنبياء، آية 105.

روي في تفسير القمي عن علي بن ابراهيم: أن المراد بها أخبار الرجعة. ج2، ص171.
6. قول الله عز وجل: ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ) سورة البقرة، آية 243.

كان هؤلاء سبعين ألف بيت، وكان يقع فيهم الطاعون كل سنة، فيخرج الأغنياء لقوّتهم، ويبقى الفقراء لضعفهم، فيقلّ الطاعون في الذين يخرجون، ويكثر في الذين يقيمون، فيقول الذين يقيمون: لو خرجنا لما أصابنا الطاعون، ويقول الذين خرجوا: لو أقمنا لأصابنا كما أصابهم.

فأجمعوا على أن يخرجوا جميعاً من ديارهم إذا كان وقت الطاعون، فخرجوا بأجمعهم فنزلوا على شط بحر، فلما وضعوا رحالهم ناداهم الله: موتوا، فماتوا جميعاً، فكنسهم المارة عن الطريق، فبقوا بذلك ما شاء الله.

فمر بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له ارميا – وقيل: حزقيل – ، فقال: ( يا رب لو شئت لأحييتهم فعمروا بلادك، و ولدوا عبادك، وعبدوك مع من يعبدك ).

فأوحى الله تبارك وتعالى إليه: ( أفتحب أن أُحييهم لك ؟ ).

قال: ( نعم يا رب ).

فأحياهم الله وبعثهم معه.

المصدر: الكافي: 8 / 198 – 199 ح 237 ، تفسير نور الثقلين: 1 / 241 ح 961 ، البرهان في تفسير القرآن: 1 / 233 ح 1 ، الدر المنثور للسيوطي: 1 / 310.
والآيات القرآنية المباركة كثيرة في اثبات الرجعة.
– الرجعة في روايات أهل البيت (ع):
. ما رواه الشيخ الطوسي في ( المصباح ): في اعمال يوم الجمعة, عن الصادق (ع) أنه قال: ( من أراد أن يزور قبر رسول الله (ص) وأميرالمؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وقبور الحجج وهو في بلده فليغتسل يوم الجمعة – إلى أن قال: وليقل: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته, السلام عليك أيها النبي المرسل, والوصي المرتضى والسيدة الكبرى والسيدة الزهراء والسبطان المنتجبان والأولاد والأعلام والأمناء المستخزنون. إلى أن يقول: فمعكم معكم لا مع عدوكم إني من القائلين بفضلكم, مقرٌ برجعتكم, لا أُنكر لله قدرة ولا أزعم إلا ماشاء الله ). مصباح المتهجد ص253.
. ما رواه ابن بابويه في كتاب ( الفقيه ) و (عيون الأخبار) ورئيس الطائفة أبو جعفر الطوسي في ( التهذيب ) بأسانيدهما الصحيحة: عن محمد بن إسماعيل البرمكي عن موسى بن عبدالله النخعي, عن الإمام علي بن محمد الهادي في الزارة الجامعة يقول فيها: ( أُشهد الله واُشهدكم إني مؤمن بكم وبما آمنتم به, كافر بعدوكم وبما كفرتم به, إلى أن قال: معترفٌ بكم, مؤمن بإيابكم, مصدقٌ برجعتكم, منتظرٌ لأمركم, مرتقبُ لدولتكم ).

ثم قال: ( ونصرتي لكم معدة, حتى يُحيي الله دينهُ بكم, ويردكم في أيامه, ويظهركم لعدله, ويمكنكم في أرضه ).

ثم قال: (فثبتني الله أبداً ما بقيت على موالاتكم، وجعلني ممن يقتص آثاركم، ويسلك سبيلكم، ويهتدي بهديكم، ويحشر في زمرتكم، ويكر في رجعتكم، ويملك في دولتكم، ويشرّف في عافيتكم، ويمكَّن في أيامكم، وتقرّ عينه غداً برؤيتكم).

من لا يحضره الفقيه ج2، ص370، عيون أخبار الرضا ج2، ص275 – 276.
. ما رواه ابن بابويه في ( عيون الأخبار ): عن الحسن بن الجهم – في حديث طويل – أن المأمون قال لأبي الحسن الرضا (ع): ما تقول في الرجعة ؟ فقال الرضا(ع): ( إنها لحق, وقد كانت في الأُمم السالفة وقد نطق بها القرآن, وقد قال رسول الله (ص): يكون في هذه الأُمة كل ما كان في الأُمم السالفة حذو النعل بالنعل والذة بالقذة. وقد قال (صلى الله عليه وآله): إذا خرج المهدي من ولدي نزل عيسى بن مريم (عليه السلام) فصلى خلفه.

عيون أخبار الرضا ج2، ص201 – 202.
. ما رواه الشيخ الطوسي في (المصباح) في زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عرفة: { وأَشهدُ أنّك الإمام البرّ التقي وأنّ الأئمة من ولدك كلمة التقوى وأعلام الهدى أُشهد الله وملائكته وأنبياءه ورسله أني بكم مؤمن وبإيابكم موقن }. مصباح المتهجد ص664.

وقد علق الشيخ الحر في (الإيقاظ من الهجعة) على هذه الرواية: ( أقول: هذا أوضح دلالة في رجعتهم (عليهم السلام) فإنّ الإياب: الرجوع، وليس المراد القيامة قطعاً، لعدم افادته، وعدم اختصاص الإقرار بالزائر أصلاً. ) ص318.
– وإلى هنا تعرف أيها القارئ الكريم ما أثبته علماؤنا وفقهاؤنا الأعلام في عقيدة الرجعة، وأنها حقٌ، وأنها ثابتةٌ في القرآن الكريم وقد جرت في الأمم السابقة، وتجري في أمة محمد (صلى الله عليه وآله)، وكذلك هي مثبتةٌ في الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام)، واعتبرها علماؤنا من ضروريات المذهب.
– وما ذِكرُها المتكرر في كثير من الأدعية والزيارات التي وردت عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) إلا دليل على أهميتها وعظمتها، وأن نُقِر بهذه العقيدة في كل يوم وفي الأعمال المستحبة من الزيارات والأدعية، التي تَكرر فيها ذكر الرجعة.

وقد أكد الشيخ الحر العاملي على الإقرار بها، وهذا معناه ليس علينا فقط الإعتقاد القلبي بها، وإنما كذلك الإقرار باللسان بهذه العقيدة وتكرار الإقرار.
– وقد كُتبت بحوثٌ تفصيلية كثيرة حولهـا، وأُلِفَتْ كُتُبٌ خاصة بعقيدة الرجعة، وقد عُرضت فيها الأدلة عرضاً مبوباً ومفصلاً، وما ذكرناهُ هنا هو مختصرٌ ومجمل جداً، من أجل إلفات القارئ على بعض النقاط المهمة حول هذه العقيدة، وإلا فالبحث كبيرٌ وعميق.
وآخر دعوانـا أن الحمدلله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآلـه الطيبين الطاهرين.
خادم الآل

الميرزا زهير الخال

فجر الجمعة 7 ربيع الآخر 1438 هـ.

النجف الأشرف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *