شرح دعاء اليوم الثامن

اللَّهُمَّ ارزُقني فيهِ رَحمَةَ الأَيتامِ، وَإطعامَ الطَّعامِ، وَإفشاءَ السَّلامُ، وَصُحبَةَ الكِرامِ، بِطَولِكَ يا مَلجَأ الآمِلينَ.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبد على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين.
يقول صلى الله عليه واله وسلم في دعائه:(اللَّهُمَّ ارزُقني فيهِ رَحمَةَ الأَيتامِ)، توجه صلى الله عليه وآله وسلم إلى دوام الرزق بأعمال العبد التي يحتاج فيها إلى شئ يفرغ الروح من الأمور السلبية إلى الأمور الإيجابية، وما أجملها من ميزة، ففي قوله عز ذكره في سورة البقرة: {وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ والمساكين}، شهر الرحمة والعطاء والبذل يضاعف الله فيه لعباده الحسنات، بالتوجيه الاجتماعي الديني، فروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: كن لليتيم كالأب الرحيم، واعلم أنك تزرع كذلك نحصد.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم لرجل يشكو قسوة قلبه قال صلى الله عليه وآله: أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم، وامسح رأسه، وأطعمه طعامك، يلين قلبك وتدرك حاجتك.

العبد المؤمن كادح إلى ربه لنيل رضوانه وجناته بأعماله و متشوق إلى معرفة ثوابه، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة إذا اتقى الله عز وجل، وأشار بالسبابة والوسطى.
وعنه صلى الله عليه واله وسلم في دعائه:(وَإطعامَ الطَّعامِ)، حث الإسلام المسلمين على عدم الغفلة ولهم جار قد بات على جوعه، قال عز ذكره في محكم كتابه العزيز في سورة الإنسان: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًاوَأَسِيرًا)، إن إفطار الصائم وإطعامه في هذا الشهر الفضيل فضيلة يسارع إليها المؤمن، روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:أيها الناس من فطر منكم صائماً مؤمناً في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق نسمة، ومغفرة لما مضى من ذنوبه، قيل: يارسول الله فليس كلنا نقدر على ذلك! فقال صلى الله عليه وآله وسلم: اتقوا النار ولو بشق تمرة، اتقوا النار ولو بشربة ماء.حثت تعاليم الإسلام بالتكافل والرحمة فيما بيننا لنصل إلى الرقي المنشود الذي دائب صلى الله عليه وآله وسلم عليه في دعواته، فكان صلى الله عليه وآله وسلم إذا أكل عند قوم قال:أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار.
هذه التعاليم السماوية تجري لتحدثنا عن واقعة في الصدر الأول للإسلام وتخبرنا سبب نزول الآية المتقدمة في سورة الإنسان .
روي أنهم صاموا عليهم السلام إيفاء لنذرهم بعدما تعافى الحسنان عليهما السلام ،فصام الإمام علي ومعه زوجته وابنيهما عليهم السلام ثلاثة أيام ،ففي يومهم الأول وضعت الزهراء عليها السلام مائدة الإفطار،وأرادوا أن يأكلوا وإذا بمسكين على الباب يقول:أنا مسكين من مساكين المسلمين ياآل بيت محمد صلى الله عليه وآله وسلم أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة،فآثروه! وباتوا ولم يذوقوا إلا الماء! وأصبحوا صياما.
وكذلك في اليوم الثاني،وضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه، وباتوا مرة أخرى لم يذوقوا إلا الماء! وأصبحوا صياما، وفي اليوم الثالث وضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم أسير، ففعلوا مثل ذلك؛ فنزلت الآية الكريمة ،لتخلد لنا معنى الإطعام والإيثار ونحن لانرتجي إلا الدخول في تعاليمهم السماوية لنصل إلى معرفة طاعة الله وولايتهم الحقة.
وعنه  صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه:(وَإفشاءَ السَّلامُ)، يعرف العبد أن كل ما يأمر به هو تعاليم الإسلام ومنها إفشاء السلام،كقوله تعالى في سورة يونس:{دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ }
فضل السلام وإفشاؤه تعطي المؤمن الأخلاق الرفيعة التي قال عنها صلى الله عليه وآله وسلم: ألا أخبركم بخير أخلاق أهل الدنيا والآخرة؟ قالوا: بلى يارسول الله، فقال: إفشاء السلام في العالم.
وكلمة السلام هي اسم من أسماء الله تبارك وتعالى، ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن السلام من أسماء الله تعالى فأفشوه بينكم.
فلنكن من المؤمنين المبتدئين للسلام ،لقوله صلى الله عليه وآله وسلم:إن أولى الناس بالله ورسوله من بدأ السلام.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه: (وَصُحبَةَ الكِرامِ، بِطَولِكَ يا مَلجَأ الآمِلينَ).
إن نظرة المؤمنين إلى بعضهم البعض نظرة الكرام في صحبتهم، لأنها صفاء للروح وراحة النفس، فعن الإمام الحسن عليه السلام في وصيته لجنادة: أصحب من إذا صحبته زانك، وإذا قلت صدقك قولك، وإن صلت شد صولك، وإن مددت يدك بفضل مدها، وإن بدت عنك ثلمة سدها، وإن سكت عنه ابتداك، وإن نزلت إحدى الملمات به ساءك، وعن سيد الموحدين أمير المؤمنين عليه السلام: صحبة الولي اللبيب حياة الروح.
والأمل ينقسم إلى أمل مذموم وأمل ممدوح، فالمؤمن اللاجئ إلى الله يأمل مايميزه في أمله ،فعن الإمام السجاد عليه السلام في دعائه: اللهم رب العالمين…أسألك من الآمال أفقهها.
ومايريح القلب غير الأمل بالله الدائم ،فروي أن نبي الله أيوب عليه السلام حيث بقي أمله بالشفاء ثمانية عشر سنة، فدعا عليه السلام بعدها: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}.
الأمل بالله تبقى شعلته مضيئة بوقود الإيمان.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *