شرح دعاء اليوم الثالث عشر

اللَّهُمَّ طَهِّرني فيهِ مِنَ الدَّنَسِ وَالأقذارِ، وَصَبِّرني فيهِ عَلى كائِناتِ الأقدارِ، وَوَفِّقني فيهِ لِلتُّقى وَصُحبَةِ الأبرارِ، بِعَونِكَ يا قُرَّةَ عَينِ المَساكينِ.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبد على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه:(اللَّهُمَّ طَهِّرني فيهِ مِنَ الدَّنَسِ وَالأقذارِ).

يتوجه صلى الله عليه وآله وسلم بتعليمنا دعاء لأنفسنا فنطلب طهارة النفس من كل دنس وقذر ظاهري ومعنوي ، فالطهارة لها أفراد متعددة، منها: الطهارة من الخبث والحدث وهو ما يوجب الوضوء والغسل وتكون ظاهرية، وطهارة الروح والقلب كما قال الله عز ذكره في سورة المائدة:{ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ}، فأخلاق المؤمنين تشمل طهارة البدن ومتعلقاته وطهارة الروح، روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: قلوب العباد الطاهرة مواضع نظر الله سبحانه وتعالى، فمن طهر قلبه نظر الله إليه.
فالدنس والأقذار النفسية تباعد العباد عن كثير من الفضائل والدرجات الرفيعة ، روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: طهروا أنفسكم من دنس الشهوات تدركوا رفيع الدرجات وتضاعف لكم الحسنات.
والمؤمنون الباحثون عن حلاوة الإيمان لهم ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: صابروا أنفسكم على فعل الطاعات وصونوها عن دنس السيئات تجدوا حلاوة الإيمان.
فهذه النفس التي يعمل لأجلها المؤمنون تحتاج إلى أيام كثيرة من العمل لتخلو من الأقذار، فمثلا: الحيوان الجلال الذي تشبه أعضاؤه أعضاء البشر إن تناول من الأقذار، هو في الأصل حلال قبل جلله و ولكنه صار يحتاج إلى العودة لطهارته أياماً معدودة، إذا كم تحتاج أنفسنا للعودة لطهارتها من الآثام والسيئات، فأنفسنا الروحية التي أمرها الله بالالتزام بالطهارة، قال الله عز وجل في سورة التوبة: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}.
وروي عن نبي الله موسى بن عمران عليه السلام قال: يارب من أهلك الذين تظلهم في ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك؟ فأوحى الله إليه : الطاهرة قلوبهم.
وعنه صلى الله عليه واله وسلم في دعائه:(وَصَبِّرني فيهِ عَلى كائِناتِ الأقدارِ) .

يقول الله تعالى في سورة الزمر:{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}
،صبر المؤمنين على كائنات الأقدار التي هي من الأمور التي أمضاها الله في القضاء المحتوم له أجر عظيم، روي أن الله تعالى أوحى إلى داوود عليه السلام: تريد وأريد إنما يكون ما أريد، فإن سلمت لما أريد كفيتك ماتريد، وإن لم تسلم لما أريد أتعبتك فيما أريد، ثم لا يكون إلا ما أريد.
وقال عز وجل في سورة المرسلات:{فَقَدَرنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ }، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إذا أحب الله عبدا ابتلاه فإن صبر اجتباه وإن رضي اصطفاه.
وعنه صلى الله عليه واله وسلم في دعائه:( وَوَفِّقني فيهِ لِلتُّقى وَصُحبَةِ الأبرارِ).

يرتقي المؤمنون في طلبهم إلى أسمى درجات الأخلاق والعبودية بالتقوى، روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: التقى رئيس الأخلاق ، ووصايا أئمتنا عليهم السلام لأصحابهم ولنا تعطينا درسا وغنيمة كبيرة، روي عن الإمام الجواد عليه السلام في وصيته لسعد الخير قال: أوصيك بتقوى الله، فإن فيها السلامة في التلف والغنيمة في المنقلب، غاية تقوى المؤمنين التوفيق في مصاحبة الأبرار الحقيقيين المقصودين في كتاب الله عز وجل.
روي عن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام قال: كل ما في كتاب الله عز وجل:إن الأبرار فوالله ما أراد به إلا علي بن أبي طالب، وفاطمة وأنا والحسين عليهم السلام، لأنا نحن أبرار بآبائنا وأمهاتنا، وقلوبنا علت الطاعات والبر وتبرأت من الدنيا وحبها وأطعنا الله في جميع فرائضه، وآمنا بوحدانيته وصدقنا برسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
ونحن في شهر الدعاء المأمول إجابته، نسأل الله أن نكون من المصاحبين والناصرين لبقية الأبرار مولانا صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه، أرواحنا له الفداء.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه:(بِعَونِكَ يا قُرَّةَ عَينِ المَساكينِ). قال تعالى في سورة الإنسان:{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا } نزلت هذه الآية المباركة في علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، ونحن يارب مساكينك فأعنا وأقرر عيوننا بنظرة منا إليه، اللهم إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا، فعجل يارب ظهوره فقد تكاثرت أعداؤنا ونحن مساكين آل محمد.
روي عن الإمام الحسن العسكري:وإن من محبي محمد [وعلي] مساكين، مواساتهم أفضل من مواساة مساكين الفقراء، وهم الذين سكنت جوارحهم، وضعفت قواهم عن مقاتلة أعداء الله الذين يعيرونهم بدينهم، ويسفهون أحلامهم، ألا فمن قواهم بفقهه وعلمه حتى أزال مسكنتهم، ثم سلطهم على الأعداء الظاهرين: النواصب، وعلى الاعداء الباطنين: إبليس ومردته، حتى يهزموهم عن دين الله ويذودوهم عن أولياء آل رسول الله صلى الله عليه وآله، حول الله تعالى تلك المسكنة إلى شياطينهم، فأعجزهم عن إضلالهم.
قضى الله تعالى بذلك قضاء حقا على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *