حوارية اليوم الثاني عشر


السائل : شيخنا العزيز هل لك أن تكلمنا عن الجزء الثاني عشر.
الشيخ : نختار آيات من الجزء فنبدأ بآية الاستغفار من سورة هود الآية ٣: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ۖ وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ}.
الاستغفار هو: طلب العفو، و أول طلب العفو الندم و الترك المسمى بالتوبة، فعن النبي الأكرم صلى الله عليه و آله قال : ( خير الاستغفار عند الله الإقلاع و الندم) و لهذا قال الله تعالى {ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ}.

ثم قال تعالى بعد الاستغفار و التوبة: {يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ}، و المتاع الحسن على حسب الشخص: {وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} و المتاع الحسن الذي يعطيه الله مختلف عن عصمتنا من إبليس، فعن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: ( ثلاثة معصومون من إبليس و جنوده : الذاكرون لله ، و الباكون من خشية الله ، و المستغفرون بالأسحار).
و من المتاع الحسن: الراحة النفسية و المعلوم إن اضطراب النفس من معصية الله لذلك تحتاج إلى الاطمئنان لكي يرتفع عنها الهم و الغم، فلابد من الرجوع إلى الله، فعن النبي الأكرم صلى الله عليه و آله: ( من كثرت همومه فعليه بالاستغفار).
ومنه _أي من المتاع الحسن- عن الإمام علي عليه السلام: (الاستغفار يزيد في الرزق).
ومنه _ المتاع الحسن_ استلام صك أو قل استلام ورقة عفو من العذاب في الآخرة تجده عند الله عزوجل: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } ، وقول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: ( أنزل الله عليّ أمانين لأمتي).
طبيعة الحال أن من يترك الرجوع إلى الله له العذاب و تجد هذا الكلام في نهاية الآية التي بدأنا بها: { وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ}.

نختار آية الرزق أيضا، وهي الآية ٦ في سورة هود: {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}
وهذا الرزق الذي يعطيه الله لمخلوقاته له شروط.
منها: الآية ١١٢ من سورة النحل: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}.
ومنها: قوله تعالى في الآية ٦٠ من سورة البقرة: {كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ }.
و منها: أن لا تحرموا حلال الله أو تحللوا بدون أذن، هذا صريح الآيه ٥٩ من سورة يونس في قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ ۖ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ}.
و منها: إن النعمة و الرزق تحتاج إلى شكر المنعم و هذا في قوله تعالى من سورة يونس الآية ٦٠: {وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ}. و الآية ١٥ من سورة سبأ : {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ ۖ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ۚ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ}.
و منها : من كانت عبادته مثل عبادة المُخلَصين و دليله قوله تعالى في سورة الصافات الآية ٤١ و ٤٢ : {إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ أُولَٰئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ } وغيرها من الآيات الكثيرة.

و من هذه الشروط: أن لا ييأس من رحمة الله في قوله تعالى في سورة هود الآية ٩ بعد الآية التي أخترناها : {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ}
و من هذه الشروط: الآية ١٠ من نفس السورة، ألا يكون متفاخرا بل متواضعا إذا رزقه الله: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي ۚ إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ }.

السائل : عجيب على الإنسان يتفاخر بشيء رزقه الله إياه!

الشيخ: لست من يعجب من ذلك فقط، فقد جاء عن إمامك باقر العلوم عليه السلام: (عجبا للمختال الفخور وإنما خلق من نطفة ثم يعود جيفة وهو فيما بين ذلك لا يدري ما يصنع).
و ما يناسب الكلام في نفس الجزء و السورة قصة نوح عليه السلام مع المتفاخرين الذين لا يريدون أن يؤمنوا إلا إذا أبعد أتباعه البسطاء، فإنهم يستنكفون منهم، فكان جواب نوح عليه السلام : {ۚ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا ۚ إِنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَٰكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ}
والشيء الذي يرى بالعين ويشهد له:  إن المتواضعين هم الحصن للدين، إن رزقهم الله الخير الكثير تجدهم في أعمال الخير بأموالهم و أنفسهم، و إن أعطاهم الله الرزق القليل تجدهم في أعمال الخير أيضا بأموالهم و أنفسهم بقدر ما يستطيعون.
 أكتفي بهذا القدر أيها المحب و الحمد لله رب العالمين

ميزان الحكمة ج٣ ص٢٢٧٩
مستدرك الوسائل ج٢ ص٣٥١
فروع الكافي ج٨ ص٩٣
كنز العمال ص٢٠٨١
الكافي ج٢ ص٣٢٩

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *