النشور

الشيخ فواز سرحان
Latest posts by الشيخ فواز سرحان (see all)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين

 

قال تعالى في محكم كتابه الكريم: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ}[1].

في النفخة الأولى يُصعَق من في السماوات والأرض، الكلام في النفخة الثانية، حيث يحيى العباد من جديد، قال تعالى: { وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}[2]، ولكن هل ذلك ممكن؟ بعد إندراس الأجساد في التراب وتحللها! هذا السؤال طرحه الناس على الأنبياء، فتصور ذلك غير واضح بالنسبة إليهم، فجاءهم الجواب الإلهي: {مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ () قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}[3]، في الواقع، تصور هذا الأمر سهل للغاية، الذي خلق الأجساد من العدم، بإمكانه إعادتها مرة أخرى.

ثم بعد أن قام القرآن بأصيل عقيدة البعث من القبور (النشور) بشكل أولي، جاءت الآيات والروايات لتبيّن عظمة الموقف والهول الشديد، فيا لنا من غافلين، قال تعالى: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ () يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ () خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ}[4].

عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:‏ كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) فَقَالَ: (إِنَّ فِي‏ الْقِيَامَةِ لَخَمْسِينَ‏ مَوْقِفاً كُلُّ مَوْقِفٍ أَلْفُ سَنَةٍ فَأَوَّلُ مَوْقِفٍ خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ جَلَسُوا أَلْفَ سَنَةٍ عُرْيَاناً حُفَاةً جِيَاعاً عِطَاشا)[5].

وفي نهج البلاغة، عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (وَ ذَلِكَ‏ يَوْمٌ‏ يَجْمَعُ‏ اللَّهُ‏ فِيهِ‏ الْأَوَّلِينَ‏ وَ الْآخِرِينَ لِنِقَاشِ الْحِسَابِ وَ جَزَاءِ الْأَعْمَالِ خُضُوعاً قِيَاماً قَدْ أَلْجَمَهُمُ الْعَرَقُ وَ رَجَفَت‏ بِهِمُ الْأَرْضُ فَأَحْسَنُهُمْ حَالًا مَنْ وَجَدَ لِقَدَمَيْهِ مَوْضِعاً وَ لِنَفْسِهِ مُتَّسَعا)[6]، يا له من تصوير دقيق، الأرجل متلاصقة من الزُّحام، الأنفاس متداخلة من شدة التلاصق والتعب، ماذا أيضا؟

هَوْلٌ وخوف وصراخ وعويل، الكتب تتطاير، الناس حُفاةٌ عُراة، ما الأمر؟ {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}[7]، ماذا يحصل الآن؟ {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[8].

الناس مُتعجّبة، أعضاؤها تتكلم، اليد تتكلم، الرجل، العين، الجلد، من الذي أنطقكم؟! {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ}[9]، وا ويلاه مما اقترفت يَداي، كنت أظن أن كل شيء سيختفي ويُنسى، قال تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا}[10].

يا للهول، هذا كفاية، لكن رواية أخيرة قبل أن نعرف كيفية الخلاص من كل ذلك، ورد في الرواية: قال معاذ يا رسول الله أ رأيت قول الله تعالى‏ {يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا}[11]، الآيات؟ فقال: (يا معاذ سألت عن عظيم من الأمر)، ثمَّ أرسل أو أسبل عينيه ثمَّ قال: (يحشر عشرة أصناف‏ من‏ أمتي‏ أشتاتا قد ميزهم الله تعالى من المسلمين و بدل صورهم، فبعضهم على صورة القردة، و بعضهم على صورة الخنازير و بعضهم منكسون أرجلهم من فوق وجوههم من تحت، ثمَّ يسحبون عليها و بعضهم عمي يترددون و بعضهم صم بكم لا يعقلون، و بعضهم يمضغون ألسنتهم يسيل القيح من أفواههم لعابا يتقذرهم أهل الجمع، و بعضهم مقطعة أيديهم و أرجلهم و بعضهم مصلبون على جذوع من نار، و بعضهم أشد نتنا من الجيف و بعضهم يلبسون جبابا سائلة أو سابقة من قطران لازقة بجلودهم)[12].

لا بد من وجود حل، فلا يمكن أن يكون الحال كله كذلك، قال تعالى: {مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ () وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}[13]، إذن أين الحل؟ وما هي الحسنة؟ الإجابة عند أهل البيت (ع)، ورد عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال في تفسير الآيتين: (الْحَسَنَةُ مَعْرِفَةُ الْوَلَايَةِ وَ حُبُّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ وَ السَّيِّئَةُ إِنْكَارُ الْوَلَايَةِ وَ بُغْضُنَا أَهْلَ الْبَيْت‏)[14]، نعم، حب أهل البيت (ع)، انظروا إلى الرواية التالية ونختم بها: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص):‏ حُبُّ أَهْلِ بَيْتِي نَافِعٌ فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ أَهْوَالُهُنَّ عَظِيمَةٌ عِنْدَ الْوَفَاةِ وَ فِي الْقَبْرِ وَ عِنْدَ النُّشُورِ وَ عِنْدَ الْكِتَابِ وَ عِنْدَ الْحِسَابِ وَ عِنْدَ الْمِيزَانِ وَ عِنْدَ الصِّرَاطِ)[15]، حبهم الذي يكون عن قناعة واختيار، ويؤثر في الإعتقاد والأعمال.

والحمد لله رب العالمين

 

فواز سرحان

8 يناير 2016

26 ربيع الاول 1437

 

[1] سورة الزمر: 68.

[2] سورة الملك: 15.

[3] سورة يس: 78 – 79.

[4] المعارج: 42 – 44.

[5] جامع الأخبار للشعيري ص176 (الفصل الأربعون و المائة في الموقف‏).

[6] نهج البلاغة ص147 – للصبحي الصالحي (الخطبة 102).

[7] الحج: 2

[8] يس: 65

[9] فصلت: 21.

[10] الكهف: 46.

[11] النبأ: 18.

[12] روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه ج9 ص289.

[13] النمل: 89 – 90.

[14] الكافي ج1 ص185 وعنه البرهان للسيد هاشم التوبلاني (قده) في تفسير الآية.

[15] فضائل الشيعة للشيخ الصدوق (قده) ص 6 ح2.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *