العلم بين الوصف واللقب

الميرزا الشيخ عباس العصفور
Latest posts by الميرزا الشيخ عباس العصفور (see all)

بسم الله الرحمان الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين

بعد التفريق بين الطريق العلمي والنتيجة الجاهزة في معلومات الذهن دعونا نطرق بابا خاصا بالادعاء العلمي عند البعض في أنواع المحاورات والجدليات التشككية وكأنهم جعلوا المفاهيم كلها متعلقة بحسب منظورهم الخاص تحت حكمهم فيما هو علمي وما هو معدوم العلمية، لذلك فالحوار يحتاج لبيان الضوابط.

تحمل القضايا على موضوع العلم تارة من جهة وصفية وأخرى من جهة لقبية، بمعنى أن العلمي تكون نسبته للعلم على نحوين :

  1. نحو لقبي : وفيه عدم اعتماد الوصف الواضح لمفهوم العلم كموضوع يعتبر جامدا وبهذا يكون الموصوف لم يذكر فلا يمكن أن يعتمد عليه الوصف حكما.
  2. نحو وصفي: وهو أن يكون الموصوف مذكورا

فالعلقة الطبيعية بين الموضوع (العلم) والمحمول (العلمي) هل تعد وصفا أم لقبا؟

مقتضى الحال أن يتصف المنهج المسمى بالعلمي بحسب الوصف المذكور لأنه إذا انتفى الموضوع عنه ينتفي وصفه حتما أو يصبح المفهوم مشوشا بين المتحاورين.. أي أن الأدوات المستعملة في منهج الاستدلال يجب أن تحمل الصورة العلمية المستعملة في أي علم مدعى حتى يستطيع المحاور أن يستبين الطريق المتبع للوصول للنتائج المعلنة بأي حال، ومن هنا قد تظهر الصور الوصفية في نسبها الأربعة مع موضوع الحكم من جهة التساوي والعموم والخصوص والتباين فيتفاوت مفهوم العلمية في مديات علاقاته الطبيعية بالعلم ومحمولاته.

حتى لو ناقشنا اللقب العلمي وكل منهج ملقب بالعلمي حيث أن موضوع العلم يكون جامدا أو حكما إلا أن متعلقات الموضوع المتعددة لا تنفيه بل قد تنفي المتعلق المحدد أو الحكم أو تعلقه حتى يتحقق وصفه وفق ضوابط العلم والمتحاورين عموما.

أما إذا انتفى مفهوم العلم وهو الموضوع الذي نحمل عليه المتعلقات فلا يبقى محل للحمل فتنتفي العلقة الطبيعية لأنه الأساس في القضية وجودا وعدما.

ومن هذا المنطلق العقلائي يجب ضبط الأحكام في وصف الحوار العلمي وعدمه بين المتحاورين، فلا نحكم جزافا على شيء أنه علمي أو غير ذلك لمجرد عدم التقاء طريق الاستنباط والاستدلال والاستنتاج بالمؤدى الذي تعقلناه، فالحكم والصفة متعلقتان بالموضوع على نحو اشتقاقي بإمكانه أن يشمل أفرادا وصفات أخرى تسانخه في المعنى عموما.

وموضوع العلم وإن اعتبرناه جانبا في اللقب أو كان وصفا فأفراد مشتقاته الكثيرة لها أوصاف واضحة المعالم كل حسب موضوعه كما أسلفت في مواضيع العلوم في المقالات السابقة، وصفها واضح بحسب الموضوع المطروق في الاستدلال كل بحسبه وكيفيات مسائله العلمية فالأرقام للمقيس والمعدود، والكلام والمنطق للعقليات والذهنيات .. وهكذا.

وإن دخل الاحتمال ليبطل الاستدلال فليس هناك طريق أوحد فريد لنعتبره فيصلا علميا كما يفعل البعض خصوصا إذا كانت العلقة الطبيعية بين الموضوع والمحمول من وجه أو من المشتقات حيث يمكن مناقشة المسانخات والمتشابهات اللائي تحويهن نفس هذه العلقة.

ولكن الفيصل والتفرد هو طريق بيان نفس موضوع العلم ونوعه لاتباع طرق استدلالنا حسب موضوعه والتقيد في طرقه الاستدلالية للوصول للنتائج بآلياته الخاصة دون ضياع ماهيته و موضوعيته التي تربط المتحاورين بالمعيار الموحد في تقييم الاحتمالات والاستدلالات .. أو الاحتكام للمعايير الدالة على نفس موضوع العلم حتى لو لم يتم التصريح به كموضوع يحمل عليه الوصف أو اللقب.

فما انتشر اليوم من علوم تفسيرية كالفيزياء والأحياء وبعض المضامين والمفاهيم قد ضيعت بوصلة العلم المدعى من أحياء أو غيره باتباع طرق الاستدلال الفلسفية بجعل طرق حصر الاحتمالات هي المتفردة بالحكم مع وجود تفاسير أخرى لاحتمالات متعددة في وصف نفس المعلولات والعلل وعدم وجود المقيد لذلك الحصر ولا حتى أدوات الاستثناءات ! لذلك عكف علماء تلك العلوم رفض تلك الطريقة الاستدلالية واعتبروها غير علمية بحسب مواضيع علمهم المادي والمعياري القائم على المحسوس والملموس بعيدا عن قصص ألف ليلة وليلة ومليارات السنين المدعاة في سيناريوهات علمية معينة مع فرض كثير من الصدف ..

فالأمر أشبه بمن يدعي أن تكون المسطرة محتوية على إحدى عشر مليمتر لكل سنتيمتر نظرا لتمدد الأخشاب في الصيف أو اختلاف قالب النجار واعتماد ذلك علميا لكونها لو استعملتها لوحدها لكانت مقياسا لا يخطيء المساحات حال استخدامها حيث أنه يمكن استعمالها في القياس باعتبار كل 5 سنتيمترات عبارة عن 55 مليمتر مثلا، ولكن ماذا عن مطاطيتها المتغيرة التي أصبحت غير ثابتة إن صح ذلك حسب الفرض مع أن الفرض لا يعتد به لأنه لم يحصل ماديا في الخارج ، فالاحتمال الذهني الخاص من علم الفيزياء ما كان إلا قضية ذهنية في مخيلة الفرض المعلوماتي في هذا الافتراض، وإلا لكانت المعايير في فصل الشتاء غير معايير فصل الصيف، والتمدد الموجود في الأسلاك يختلف فرضه عن فرض هذه المسألة، حيث أننا نتكلم هنا عن ضرورة ثبوت المعيار وهو المسطرة أو آلات العلم المحكومة بمواضيع العلوم لا عن مجرد التمدد والانكماش في المواد فهو من المسلمات، ومع فرض كون المسطرة تتمدد وتنكمش بطريقة تخل بالمعيار سيسقط اعتبارها عند علماء الرياضيات .

وكذلك يجب عليهم الالتزام بمعايير العلوم ومواضيعها في طرق استدلالهم لتحمل المعنى العلمي حكما سواء كان لقبا أو وصفا لأن موضوع العلم منتفي في استدلال اللاأدريين والملحدين وبهذا تسقط العلقة وينتفي ما يدعونه من الطرق العلمية لعدم توفر موضوع العلم كالفيزياء والأحياء فعلا.

ولكن لو قيمنا طرقهم الخاصة بشكل ما فلن نجدها سوى سفسطات اعتمدت نتائجا علمية جاهزة لتفسرها بنظام اختيار الاحتمالات في سيناريو خاص يتشبه بالطريق العلممي، ولكن ماذا لو سألناهم عن موضوع العلم الذي نسبوا علمية طريقة استدلالهم له فأي علم سيتصف به بحثهم خصوصا أننا بتنا نحتاج لموضوع علم يتصف به طريقهم العلمي المدعى؟ فيزياء؟ أحياء؟ فلسفة؟ كيمياء؟

الحمد لله رب العالمين.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *