احفظ لسانـك

الشيخ زهير الشيخ محمد الشيخ جعفر الخال

رواية ودرس 24

بسم الله الرحمن الرحيم

 

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]
من وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأميرالمؤمنين (عليه السلام): ( يا علي من خاف الناس لسانه فهو من أهل النار ). سفينة البحار ج7 ص589.
لقد أنعمَ الله سبحانهُ وتعالى على الإنسانِ نِعَماً كثيرة لا تُعَدّ ولا تُحصى، كما قال الله في كتابه المجيد: ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ) سورة النحل، آية 18.

ومِن تِلكَ النِعَم والعطايا الإلهية التي أنعمَ اللهُ بها على عباده هي نعمة: “اللسـان”، كما قال الله تعالى: { أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ } سورة البلد آية 8-9. ، تلك الآلة المسؤولة عن النطق والإفصاح لدى الإنسان التي يعبر بها عما في نفسه لإفهام من يتحدث معه، ويُبَين بها ما يريدُ ويحتاج.

عطيةٌ إلهيةٌ للعِبَاد كي تُسْتَخدم في طريقِ الصلاح والصواب، وقد أوجدها الله لمصلحةِ هذا الإنسان.

وهذا اللـسان هو الوسيلة الأمثل للتعبير عما في داخله وفي مكنون نفسِه، فقد رويَّ عن أميرالمؤمنين (عليه السلام): ( تكلَّموا تُعرفوا فإن المرء مخبُوءٌ تحت لِسانِهِ ). عيون الحكم والمواعظ ص١٦٥.
ولقد اِهْتَمَ الإسلامُ الحنيف بعفةِ اللسان وطهره وإبعادِه عن القولِ القبيحِ وسيئ الألفاظ. فقال سبحانه: { وقولوا للناسِ حسنا } سورة البقرة، آية 83.، وأحاط اللسان بملكين كريمين يكتبان كل ما ينطق به الإنسان، رقابةٌ إلهية: { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق، آية 18.، فعلى المؤمِن الذي يخشى الله ألاَّ ينطق إلا بما يسرُّه أن يَلقَاه يوم القيامة، وأن يُعَوِّد لسانه قول الخير، فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا ﴾ سورة الأحزاب، آية70.
فإذا قُلنا أن اللسان هو الآلة المسؤولة عن النطق والإفصاح بما في داخل الإنسان، فإن الإنسانَ قادرٌ على استخدامها كيفما شاء، فيمكِنُهُ أن ينطق بما هو خيرٌ وحَسن، ويمكِنُهُ أن ينطق بما هو سوءٌ وفُحش، فاللسانُ سلاحٌ ذو حدين.

فإن للسان محاسنٌ وكذلك لهُ آفات:
بعض من محاسن اللسان:
– ذكرُ الله تبارك وتعالى: من أكبر العبادات وأفضل الحسنات، التي إذا نطقها الإنسان عادت لهُ بالعوائد الطيبة المباركة، وكفانا بذلك قوله تعالى: { الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } سورة الرعد، آية 28.
– الكلمة الطيبة: القول الطيب الذي يبثُهُ الإنسان، ويتبادل به بين إخوانه، الذي من محاسنها بناءُ مجتمع متحاب يقوم على المودة والمحبة مع سائر أطيافه، فتؤتي الكلمة الطيبة أُكُلَهَا كل حين، قوله عز وجل: {

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ }. سورة ابراهيم، آية 24.
– الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: من أهم الأدوار التي تقع على عاتق الفرد من أجل اصلاح المجتمع، هو فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واللسان هو أحد أدوات هذه الفريضة، كما جاء في الحديث النبوي الشريف عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): ( مَنْ رأى مِنكم مُنكراً فليُغيرهُ بيدِه، فإن لم يستطع فَبِلِسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعفُ الإيمان ). ميزان الحكمة ج6، ص286.
بعض من آفات اللسان:
– الفحش: وهو التعبير عن الأمور المستقبحة بالعبارة الصريحة، وهذه من آفات اللسان، التي يدعو لتركها منهج أهل بيت العصمة والطهارة (عليهم السلام)، كما جاء عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام): ( إنَ الله يبغضُ الفاحش المتفحش ). الكافي ج2، ص324.
– الغيبة: من الذنوب المنتشرة في مجتمعاتنا، والتي أصبحت لها السيادة في المجالس والديوانيات، (ذَنبٌ أشدُ مِن الزنى) وسائل الشيعة: 13 / 280.، والعياذُ بالله، وهو ” الغِيبة ” ومعناها: ( أن يتكلم الإنسان خلف إنسان مستور بما يغمه لو سمعه، فإن كان صِدقاً سمي غيبة، وإن كان كذباً سمي بهتاناً ). وقد صرَّح الله تعالى في كتابه عن حرمة الغيبة وذمها: { ولا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ } سورة الحجرات، آية12.
– التنابز بالألقاب: وهو كما ورد في كتاب الصحاح في اللغة ج2، ص189: ( النَبَزُ بالتحريك: اللقَب، والجمع الأنْبَازُ.. تقول: نَبزَهُ يَنْبِزُهُ نَبْزاً، أي لقَّبه. وتَنابَزوا بالألقاب، أي لقَّبَ بعضهم بعضاً ).، وقال الشيخ النمازي: ( والتلقّب المنهي هو ما يكون فيه الذّم والنقص، وأما ما يحبّه ويزيّنه فلا بأس ). مستدرك سفينة البحار ج9، ص530.، وهو من آفات اللسان التي نهى الإسلامُ عنها، وعاقبةٌ مرتكبها أن يكون مع الظالمين، قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }. سورة الحجرات، آية 11.
والأمثلة كثيرةٌ في كِلا القسمين: المحاسن والآفات.
فإن الإنسان إذا أراد أن يبلغ إلى رِضا الله سبحانه وتعالى، ويرجو نجاة نفسه، سيصون لسانه عن الرذائل بشتى أنواعها ويترفع عنها كـالكذب والخوض في الباطل، وبالتالي سوف يبتغي أن يحصل على المحاسن والفضائل بشتى أنواعها الحسنة كـالصدق، فقد ورد في القرآن الكريم في دعاء نبي الله إبراهيم (عليه السلام): { وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ } سورة الشعراء، آية84.
إنَّ للسانِ دور كبير في نجاة الإنسان، فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ( نجاة المؤمن في حفظ لسانه ). الكافي ج2، ص114.، ولأن (أكثر خطايا ابن آدم في لسانه)، كما في الحديث النبوي الشريف. مجموعة ورام ج1، ص4.

فينبغي على العاقل أن يحفظ لسانه ويتخير ألفاظه حتى لا يقع في المهالك.
في الرواية الشريفة: ( جاءَ رجلٌ إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول الله أوصني، قال: احفظ لسانـك، قال: يا رسول الله أوصني، قال: احفظ لسانـك، قال: يا رسول الله أوصني، قال: احفظ لسانـك ويحك وهل يُكبُ الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم ).

الكافي ج2، ص115.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين .
خادم الآل

الميرزا زهير الخال

النجف الأشرف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *