النصيحةُ مِن محاسنِ الأخلاق

الشيخ زهير الشيخ محمد الشيخ جعفر الخال

رواية ودرس 26
بسم الله الرحمن الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

والحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوثِ رحمةً للعالمين النبي الأمين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين..

في الرواية عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

(( لينصح الرجل منكم أخاه كنصيحته لنفسه )).

الكافي ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب نصيحة المؤمن، ص208، ح4.

مِنَ القِيَمِ الأخلاقيةِ في الإسلامِ الحنيف، التي تُبينُ العلاقة السليمةَ بين المُسلِم وأخيه المسلم، وتجعلُ الترابُط الأخوي في أروعِ صورهِ، بين المؤمن وأخيه المؤمن كما عبر القرآن الكريم في وصف العلاقة بين المؤمنين بعضهم ببعض قوله عزَّ وجلَّ: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) سورة الحجرات، آية 10.

وهذا تعبيرٌ في غاية الدقة لتبيانِ قُوة الأواصر الأخوية بين المؤمنين.

وقد بينَ الإسلامُ المباركُ شروطَ هذه الأخوة وأبعادها وما يترتبُ مِنَ الحقوقِ على الأخِ تجاه أخيه.

ومِن تِلكَ القيمِ الإسلامية المباركة التي أكدتْ عليها رواياتُ المعصومين مِن آلِ محمدٍ (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ) في العلاقةِ الأخوية، موضوع بالغُ الأهمية في الترابط الأخوي، ألا وهو: ( النصيحة ).

والنصيحة من أهم مقومات المودةِ وأعظم لوازم المحبة، ولا تَتِمُ الأُخوةُ ما لم تكن النصيحةُ رائدها وباعثها.

وإنها لَتُعتَبرُ مِن أفضلِ الأعمالِ كما في الرواية عن سفيان ابن عيينة قال: سمعتُ أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: (( عليكم بالنصح لله في خلقه فلن تلقاه بعملٍ أفضل منه )). الكافي ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب نصيحة المؤمن، ص208، ح6.
النَصِيحة في اللُغة:

نَصَحَ: نصح الشيء، خَلَصَ، ونصحه ونَصحَ له يَنصح، قال الله سبحانه: ( وَأَنصَحُ لَكُمْ ) سورة الأعراف، آية 62.، يعني الخلوص والغلو عن الغش وعن الشيء الدخيل.

والناصح: الخالص من العسل وغيره، وقال الأصمعي: الناصحُ الخالي مِنَ الغِلِ، وكل شيء خلص فقد نصح.

والناصح في دين الله هو الذي يؤلف بين عباد الله وما فيه سعادتهم. لسان العرب ج5، ص615.
النصيحة في الإصطلاح:

النَصِيحةُ كلمةٌ جامعة يعبر بها عن جملة: وهي إرادة الخير من الناصح للمنصوح له.

وكل تعاريفِ النصيحة تدورُ حولَ المصلحةِ أو الخيرِ أو الصلاح أو العناية للمنصوحِ لهُ.

فالنصيحة هي أن يحمل الإنسان في قلبِهِ وعقلهِ ولسانهِ الخيرَ لجميعِ الناس، فَيُحبُ لأخيهِ ما يُحِبُ لنفسه، وهذا ما أكدتهُ الرِوايةُ التي صدرنا بها هذا المقال عن رسول الله (ص): ( لينصح الرجل منكم أخاه كنصيحته لنفسه ).، فالنبيُ العظيم يؤكدُ على أهميةِ النصيحة لأخيكَ كما تنصحُ نفسك بِفعلِ العملِ الصالحِ وتَجَنُب العمل الفاسِد.
النصيحةُ في الأدلةِ الشرعية:

أولاً: في القرآن الكريم:
1. ( أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) سورة الأعراف، آية 62.

لقد أدى النبي نوح (عليه السلام) تبليغ رسالة الله سبحانهُ وتعالى إلى قومه ونصحهم ( وأنصحُ لكم ) فَنَصحَ في تبليغ الرسالة على أكمل وجهها.
2. ( وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ) سورة الأعراف، آية 21.

والمقاسَمةُ لا تكون إلا بين اثنين، والقسم كان من إِبليس لا مِن آدم فهو من باب عافاه الله والمعنى ( وقاسمهما ) أي حلفَ لهما بالله حتى خدعهما وقال: ( إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ) أي المخلصين النصيحة في دعائكما إلى التناول من هذه الشجرة، وظن آدم وحواء لا يقدر على اليمين بالله تعالى إلا صادقاً فدعاهما ذلك إلى تناول الشجرة. مجمع البيان ج3، ص30.
ثانياً: في الأحاديث الشريفة:
1. عن السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (( إنَّ أعظم الناس منزلة عند الله يوم القيامة أمشاهم في أرضه بالنصيحة لخلقه )). الكافي ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب نصيحة المؤمن، ص208، ح5.

فالنصيحة من محامد الأخلاق ومحاسن الصفات التي يتحلى بها الإنسان، فلذا حث الإسلامُ لها.

والمشي في الحديث الشريف إما المشي حقيقة أو كناية عن شدّة الإهتمام.
2. عن عيسى بن أبي منصور عن أبي عبدالله (عليه السلام): (( يجب للمؤمن على المؤمن أن يناصحه )). الكافي ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب نصيحة المؤمن، ص208، ح1.

فالرواية تعتبرُ أن النصيحة للأخ المؤمن حقٌ مِن حقوقه، فعلى المؤمن إرشاد أخيه إلى مصالح دِينه ودُنياه وآخرته، بأمرِهِ بالمعروفِ ونَهيهِ عن المنكر.
3. خبر تميم الداري قال: قال رسولُ الله ( صلى الله عليه وآله ) ثلاثاً: (( الدين النصيحة، قيل لمن يا رسول الله ؟ قال: لله ولرسوله ولأئمةِ الدين ولجماعة المسلمين )). وسائل الشيعة، ج11، ص595، باب 35 من أبواب فعل المعروف، الحديث 7.

وقد ذكرَ علماءُ الحديثِ بأنَّ هذا الحديث لهُ شأنٌ عظيمٌ وعليهِ مَدارُ الإسلام، قال أبو داود: ( إن هذا الحديث أحد الأحاديث التي يدور عليها الفقه ). جامع العلوم والحكم ج1، ص76.
شروط النصيحة:

وللنصيحةِ شروط معينةٌ نذكر بعضها بإختصار:
1. الإخلاص في النصيحة وابتغاء وجه الله سبحانه.
2. أن تكون النصيحة لِحاجةٍ ماسةٍ لحفظ مقاصد الشريعة من الدين والنفس والعقل والعِرض والمال.
3. أن تقتصر النصيحة على المقدار اللازم منها، فيذكر الناصح ما يخص الأمر الذي فيه النصح ولا يتجاوزه.
شروط الناصح:

كذلك لابُد أن تتوفر في الناصح أمورٌ عدة، نذكر بعضها بإختصار:
1. أن يكون مُطَبقاً لما ينصح، لقوله تعالى: ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) سورة البقرة، آية 44.
2. أن ينصحَّ بالكلمة الحسنة الطيبة السديدة، لقوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ) سورة الأحزاب، آية 70.
3. أن ينصح المؤمن أخاه المؤمنَ سراً، فلا تكون النصيحةُ على رؤوس الأشهاد، فقد رويَّ عن الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ): (( من وعظ أخاه سِراً فقد زانه، ومن وعظه علانيةً فقد شانه )). بحار الأنوار ج75، ص374، ح33.
وهنا سؤال:

هل يمكن للإنسانِ في هذا الزمان أن يتوقف عن مبدأ النصيحة من المؤمن لأخيه الذي طالبتنا بها النصوص القرآنية والنصوص الروائية بِسَبَبِ التغيرات النفسية والإجتماعية في عدمِ تقبلِ النصيحةِ من الآخر ؟، وبسب خوف عدم رضا الآخر النصيحة من أخيه المؤمن ؟.
الجواب: لا يمكن بأي حالٍ تركُ النصيحةِ والتناصح، لما أَورَدْنا من النصوصِ في الحثِ على النصح. فقد ورد في الحديث النبوي ( الدين النصيحه )، ولا شك أن ترك النصيحة نوعٌ من الخيانة، لرواية علي بن عقبة عن أبي عبدالله (عليه السلام): (( إن المؤمن أخو المؤمن عينه ودليله لا يخونه )). الوافي ج3، ص101، باب أخوة المؤمنين.

وورد من طرق أهل البيت (عليهم السلام)، عن هاشم بن سالم عن أبي عبدالله (عليه السلام): ( ليس منا من غشنا ) الكافي ج5، ص160، باب الغش.، ولا شك أنَّ متاركة النصيحة نوع من الغش.

وعلى هذا الأَساس لا يصلح عدمُ قبولِ الآخر أو تَحَسُسُهُ النفسي مِنَ النصيحةِ عُذراً لِتركِ النُصح الذي هو دين وله تأثير حاسم في الإصلاحِ والصلاح.

هذا مضافاً إلى أنهُ يمكن سلوك عدة خطوات لخلقِ أَرضية قبول النصيحة وهي كالتالي:
1. بيان حث الدِين على تبادُلِ النصيحةِ، وما فيها مِن ثمارٍ للمنصوح، إذ ورد مِن حديثِ الإمام الصادق (عليه السلام): ( ثمَّ تشاور الناس فإنَّ الله يُجري لك الخيرة على لسان مَن أحب ). مكارم الأخلاق للطبرسي ص407.
2. الرفق واللين في النصيحة واظهارها بالشفقةِ فهذا اِسلوبٌ يدعو للقبول.

فقد ورد عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) في رسالة الحقوق: ( 41: وأما حقُ المستنصح فإن حقهُ أن تؤدي إليه النصيحة على الحق الذي ترى له أن يحمل، ويخرج المخرج الذي يلين على مسامعه وتكلمه من الكلام بما يطيقه عقله، فإن لكل عقا طيقة من الكلام، يعرفه ويجيبه وليكن مذهبك الرحمة له ولا قوة إلا بالله ).
3. في حالات عديدة يمكن التوسل لتأثير النصيحة بتبديل قالبها، من قالبٍ وعظي تقريعي إلى قالبٍ علمي ومعلوماتي، بأن يتقمص الناصحُ اسلوب الطبيبِ في وصفِ الدواء للمريض ببيانِ آثارِ تناول الدواء وآثار عدم تناوله.
ولا يتحسسُ عادةً أيُ إنسانٍ إِذا ما طرحتَ لهُ النصيحةَ والتصويب بإسلوبٍ علمي بعيداً عن الخطابِ الشخصي.

بل لعل أفضل دواعي تحريك الإنسان هو اسلوب البيانِ العلمي للأُمور. ولذا قيل: ( إن الإِنسانَ موجودٌ علمي ).

أي: لا ينبعثُ إلا بِعلمٍ وفكرةٍ حتى ولو كانت خطأً،

ولتكن النصيحة ببيانِ أوصافِ وتداعياتِ

وتأثيراتِ الاُمور والتوجهاتِ، فهذا أبلغُ في تقبلِ النصيحة.
والحمدللهِ رب العالمين، وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين.
خادم الآل

الميرزا زهير الخال

الأحد 27 جمادى الآخرة ١٤٣٨ هـ.

النجف الأشرف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *