معنى مفردة لفظ الجلالة { الله } عزً وجلً ٤*

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

اللَّهُمَّ رَبَّ شَهرِ رَمَضانَ، مُنَزِّلَ القُرآنَ، هذا شَهرُ رَمَضانَ الَّذي أنزَلتَ فيهِ القُرآنَ وأنزَلتَ فيهِ آياتٍ بَيِّناتٍ مِنَ الهُدى والفُرقانِ. اللَّهُمَّ ارزُقنا صيامَهُ، وَأعِنّا عَلى قيامِهِ.(*)

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد.

                                                                          معنى مفردات البسملة

معنى مفردة لفظ الجلالة { الله } عزً وجلً ٤*

مازلنا في عبادة معرفة معنى لفظ {الله} جل جلاله، وليلة القدر هو الوقت الأكثر ملائمة لتفعيل هذه العبادة، فترى دعاء الجوشن بمائة فقرة، ودرع حصين ، و حرز منيع استخدمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المواقف الصعبة، مثل الحروب، و رواية دعاء الجوشن طويلة ، و في هذا الدعاء العبادي محل شاهدنا، و ما يناسب المقام ، و أقصد مقام التدبر في لفظ {الله} عز وجل، و مقام الزمان، وفيه ما فيه من جواب من هو الله، و لذة للمتدبر و المتفكر،  و بما أن الدعاء في متناول الأيدي، جئتكم برواية أمير المؤمنين عليه السلام لا تقل شأنا عن دعاء الجوشن و كلاهما يناسبان جواب معرفة الله عز وجل.

4- وعن مولى الموحدين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: << الحَمْدُ للهِ الَّذَي لاَ يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ القَائِلُونَ، وَلاِ يُحْصِي نَعْمَاءَهُ العَادُّونَ، ولاَ يُؤَدِّي حَقَّهُ الُمجْتَهِدُونَ، الَّذِي لاَ يُدْركُهُ بُعْدُ الهِمَمِ، وَلاَ يَنَالُهُ غَوْصُ الفِطَنِ، الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ، وَلاَ نَعْتٌ مَوْجُودٌ، وَلا وَقْتٌ مَعْدُودٌ، وَلا أَجَلٌ مَمْدُودٌ. فَطَرَ الخَلائِق بـقُدْرَتِهَ، وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ، وَوَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ.

أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ، وَكَمَالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْديقُ بِهِ، وَكَمَالُ التَّصْدِيقِ بِهِ تَوْحِيدُهُ، وَكَمَالُ تَوْحِيدِهِ الاِْخْلاصُ لَهُ، وَكَمَالُ الاِْخْلاصِ لَهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ، لِشَهَادَةِ كُلِّ صِفَة أَنَّها غَيْرُ المَوْصُوفِ، وَشَهَادَةِ كُلِّ مَوْصُوف أَنَّهُ غَيْرُ الصِّفَةِ، فَمَنْ وَصَفَ اللهَ سُبْحَانَهُ فَقَدْ قَرَنَهُ، وَمَنْ قَرَنَهُ فَقَدْ ثَنَّاهُ،وَمَنْ ثَنَّاهُ فَقَد جَزَّأَهُ، وَمَنْ جَزَّأَهُ فَقَدْ جَهِلَهُ، [وَمَنْ جَهِلَهُ فَقَدْ أشَارَ إِلَيْهِ،] وَمَنْ أشَارَ إِلَيْهِ فَقَدْ حَدَّهُ، وَمَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ، وَمَنْ قَالَ: «فِيمَ» فَقَدْ ضَمَّنَهُ، وَمَنْ قَالَ: «عَلاَمَ؟» فَقَدْ أَخْلَى مِنُهُ.

كائِنٌ لاَ عَنْ حَدَث، مَوْجُودٌ لاَ عَنْ عَدَم، مَعَ كُلِّ شَيْء لاَ بِمُقَارَنَة، وَغَيْرُ كُلِّ شيء لا بِمُزَايَلَة، فَاعِلٌ لا بِمَعْنَى الْحَرَكَاتِ وَالاْلةِ، بَصِيرٌ إذْ لاَ مَنْظُورَ إلَيْهِ مِنْ خَلْقِهِ، مُتَوَحِّدٌ إذْ لاَ سَكَنَ يَسْتَأْنِسُ بهِ وَلاَ يَسْتوْحِشُ لِفَقْدِهِ.

أَنْشَأَ الخَلْقَ إنْشَاءً، وَابْتَدَأَهُ ابْتِدَاءً، بِلاَ رَوِيَّة أَجَالَهَا، وَلاَ تَجْرِبَة اسْتَفَادَهَا، وَلاَ حَرَكَة أَحْدَثَهَا، وَلاَ هَمَامَةِ نَفْس اضْطَرَبَ فِيهَا. أَحَالَ الاْشياءَ لاَِوْقَاتِهَا، وَلاََمَ بَيْنَ مُخْتَلِفَاتِهَا، وَغَرَّزَ غَرائِزَهَا، وَأَلزَمَهَا أشْبَاحَهَا، عَالِماً بِهَا قَبْلَ ابْتِدَائِهَا، مُحِيطاً بِحُدُودِها وَانْتِهَائِهَا، عَارفاً بِقَرَائِنِها وَأَحْنَائِهَا.

وقال عليه السلام في خطبة أخرى : أول عبادة الله معرفته ، وأصل معرفته توحيده ، ونظام توحيده نفي الصفات عنه ، جل أن تحله الصفات بشهادة العقول إن كل من حلته الصفات فهو مصنوع وشهادة العقول أنه جل جلاله صانع ليس بمصنوع ، بصنع الله يستدل عليه ، وبالعقول يعتقد معرفته ، وبالفكر تثبت حجته ، جعل الخلق دليلا عليه ، فكشف به ربوبيته ، هو الواحد الفرد في أزليته ، لا شريك له في إلهيته ، ولا ند له في ربوبيته ، بمضادته بين الأشياء المتضادة علم أن لاضد له ، وبمقارنته بين الأمور المقترنة علم أن لا قرين له.

 وقال عليه السلام في خطبة أخرى : دليله آياته ، ووجوده إثباته ، ومعرفته توحيده ، وتوحيده تمييزه من خلقه، وحكم التمييز بينونة صفة لا بينونة عزلة ، إنه رب خالق غير مربوب مخلوق ، كل ما تصور فهو بخلافه .

ثم قال – بعد ذلك – : ليس بإله من عرف بنفسه هو الدال بالدليل عليه ، والمؤدي بالمعرفة إليه . 

وقال عليه السلام في خطبة أخرى : لا يشمل بحد ، ولا يحسب بعد ، وإنما تحد الأدوات أنفسها ، وتشير الآلات إلى نظائرها ، منعتها منذ القدمة ، وحمتها قد الأزلية ، وجنبتها لولا التكملة ، بها تجلى صانعها للعقول ، وبها امتنع عن نظر العيون، لا تجري عليه الحركة والسكون ، وكيف يجري عليه ما هو أجراه ، ويعود إليه ما هو أبداه ، ويحدث فيه ما هو أحدثه ،إذا لتفاوتت ذلته ، ولتجزأ كنهه ، و لامتنع من الأزل معناه ، ولكان له وراء إذا وجد له أمام ، ولالتمس التام إذا لزمه النقصان ، وإذا لقامت آية المصنوع فيه ، ولتحول دليلا بعد أن كان مدلولا عليه ،  وخرج بسلطان الامتناع من أن يؤثر فيه ما يؤثر في غيره ، الذي لا يحول ، ولا يزول ، ولا يجوز عليه الأفول ، لم يلد فيكون مولودا ، ولم يولد فيصير محدودا، جل عن اتخاذ الأبناء ، وطهر عن ملامسة النساء ، لا تناله الأوهام فتقدره ، ولا تتوهمه الفطن فتصوره ، ولا تدركه الحواس فتحسه ، ولا تلمسه الأيدي فتمسه ، و لا يتغير لا بحال، ولا يتبدل بالأحوال ، ولا تبليه الليالي والأيام ، ولا يغيره الضياء والظلام ، ولا يوصف بشئ من الأجزاء ، ولا الجوارح والأعضاء ، ولا بعرض من الأعراض ولا بالغيرية والأبعاض ، ولا يقال له حد ولا نهاية ، ولا انقطاع ولا غاية ، ولا أن الأشياء تحويه ، فتقله أو تهويه ، ولا أن شيئاً يحمله فيميله أو يعدله ، ليس في الأشياء بوالج ، ولا عنها بخارج ، يخبر لا بلسان ولهوات ، ويسمع لا بخروق وأدوات ، يقول ولا يلفظ ، ويحفظ ولا يتحفظ ، ويريد ولا يضمر ، يحب ويرضى من غير رقة ، ويبغض ويغضب من غير مشقة ، ويقول – لما أراد كونه – { كن فيكون } لا بصوت يقرع ، ولا نداء يسمع ، وإنما كلامه سبحانه فعل منه أنشأه ، ومثله لم يكن من قبل ذلك كائنا ، ولو كان قديماً لكان إلها ثانيا ، ولا يقال له : ” كان بعد أن لم يكن ” فتجري عليه صفات المحدثات ، ولا يكون بينه وبينها فصل ، ولا له عليها فضل ، فيستوي الصانع والمصنوع ، ويتكافأ المبتدع والبديع، خلق الخلائق على غير مثال خلا من غيره  ولم يستعن على خلقها بأحد من خلقه ، أنشأ الأرض فأمسكها من غير اشتغال ، وأرساها على غير قرار وأقامها بغير قوائم ، ورفعها بغير دعائم ، وحصنها من الأود والإعوجاج ، ومنعها من التهافت والانفراج ، أرسى أوتادها ، وضرب أسدادها ، واستفاض عيونها ، وخد أوديتها ،فلم يهن ما بناه ، ولا ضعف ما قواه ، هو الظاهر عليها بسلطانه وعظمته ، والباطن لها بعلمه ومعرفته ، و العالي على كل شئ منها بجلالته وعزته ، لا يعجزه شيء منها طلبه ، ولا يمتنع عليه فيغلبه ، ولا يفوته السريع منها فيسبقه ، ولا يحتاج إلى ذي مال فيرزقه ، خضعت الأشياء له ، وظلت مستكينة لعظمته ، لا تستطيع الهرب من سلطانه إلى غيره ، فتمتنع من نفعه وضره ، ولا كفؤ له فيكافئه ، ولا نظير له فيساويه ، هو المفني لها بعد وجودها ، حتى يصير موجودها كمفقودها ، وليس فناء الدنيا بعد ابتداعها بأعجب من إنشائها واختراعها ، وكيف ؟! ولو اجتمع جميع حيوانها : من طيرها ، وبهائمها ، وما كان من مراحها ، وسائمها ، وأصناف أشباحها ، وأجناسها ، ومتلبدة أممها و أكياسها  على إحداث بعوضة ما قدرت على إحداثها ، ولا عرفت كيف السبيل إلى إيجادها ولتحيرت عقولها في علم ذلك وتاهت ، و عجزت قواها وتناهت ، ورجعت خاسئة حسيرة ، عارفة بأنها مقهورة سفرة بالعجز عن إنشائها ، مذعنة بالضعف عن إفنائها ، وأنه يعود سبحانه بعد فناء الدنيا وحده لا شئ معه ، كما كان قبل أبتدائها ، كذلك يكون بعد فنائها ، لا وقت ولا مكان ، ولا حين ولا زمان ، عدمت عند ذلك الآجال والأوقات ، وزالت السنون والساعات ، فلا شئ إلا الواحد القهار ، الذي إليه مصير جميع الأمور ، بلا قدرة منها كان ابتداء خلقها ، وبغير امتناع منها كان فناؤها ، ولو قدرت على الامتناع لدام بقاؤها ، لم يتكأده صنع شيء منها إذا صنعه ، ولم يؤده منها خلق ما برأه وخلقه ، ولم يكونها لتشديد سلطان ، ولا الخوف من زوال ونقصان ، ولا للاستعانة بها على ند مكاثر ، ولا للاحتراز بها من ضد مساور ، ولا للازدياد بها في ملكه ولا لمكاثرة شريك في شركته ، ولا لوحشة كانت منه فأراد أن يستأنس إليها ، ثم هو يفنيها بعد تكوينها لا لسأم دخل عليه من تصريفها وتدبيرها ، ولا لراحة واصلة إليه ، ولا لثقل شيء منها عليه، لا يمله طول بقائها فيدعوه إلى نزعة إفنائها ، لكنه سبحانه دبرها بلطفه ، وأمسكها بأمره ، وأتقنها بقدرته ، ثم يعيدها بعد الفناء من غير حاجة منه إليها ، ولا استعانة بشئ منها عليها ، ولا لانصراف من حال وحشة إلى حال استيناس ، ولا من حال جهل و حشة إلى حال علم و التماس، ولا من فقر ولا حاجة إلى غنى وكثرة ، ولا من ذل وضعة إلى عز وقدرة .(1)

 ——————————-

1-الطبرسي/الإحتجاج ج1من ص294إلى ص304.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *