التطبيق الحادي و العشرون

تطبيق هيمنة البسملة


بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ


اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ محمد الحمد للهِ الَّذَي لاَ يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ القَائِلُونَ، وَلاِ يُحْصِي نَعْمَاءَهُ العَادُّونَ، ولاَ يُؤَدِّي حَقَّهُ الُمجْتَهِدُونَ، الَّذِي لاَ يُدْركُهُ بُعْدُ الهِمَمِ، وَلاَ يَنَالُهُ غَوْصُ الفِطَنِ، الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ، وَلاَ نَعْتٌ مَوْجُودٌ، وَلا وَقْتٌ مَعْدُودٌ، وَلا أَجَلٌ مَمْدُودٌ. فَطَرَ الخَلائِق بـقُدْرَتِهَ، وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ، وَوَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ.(*) اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد
و لازلنا نطبق هيمنة البسملة بشكل متسلسل لآيات سورة البقرة و بعض الأحيان نقوم بتفسير موضوعي وطريقته استقراء آيات الموضوع.

وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ (51) ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52) وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53) وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54)(1)

هيمنة البسملة في هذه الآية في مسألة المعرفة، أي السمو المأخوذ من {بسم} حيث باسمه يسمو الإنسان ، و تجلي العالم للعبد المأخوذ من لفظ {الله}، و الرحمة المعرفية المأخوذة {الرحمٰن الرحيم }، التي هي من دواعي العفو و الذي تقدم الكلام عنه.

و التوبة التي سيأتي الكلام عنها، و كلام في المعرفة الحق من الله عز وجل، و كل ما كان مقدار معارفنا زائد تقربنا إلى الله واستجيب دعاؤنا، ويمكن ان نعطي مثال في مسألة المعرفة في الدعاء من الآية٦٢ من سورة النمل: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} ،

إن طريق الوصول إلى الله هو المعرفة أي العلم، و لا يكون إلا من المعصومين عليهم السلام، فعلّة وجودنا مرتبطة بثلاث أمور :

  • العلم،
  • و الموصل للعلم (المعصوم) ،
  • و غاية العلم(الدعاء الذي هو من جنس العبادة).

_ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يقول الله عز وجل: من سألني وهو يعلم أني أضر وأنفع أستجيب له .(2)

– عن الإمام الصادق (عليه السلام) – وقد سأله قومه -: ندعو فلا يستجاب لنا؟! -: لأنكم تدعون من لا تعرفونه .(3)

– وعنه (عليه السلام) – في قوله {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي} -: يعلمون أني أقدر على أن أعطيهم ما يسألوني .(4)

المثال الثاني : في زيارة المعصوم عليه السلام..

  • عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من أتى الحسين عليه السلام عارفا بحقه كتب الله تعالى له في أعلى عليين.(5)
  • عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال: من زار قبر الحسين بن علي عليهما السلام عارفا بحقه غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.(6)
  • عن هارون بن خارجة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام انهم يرون ان من زار قبر الحسين عليه السلام كانت له حجة وعمرة قال من زاره والله عارفا بحقه غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.(7)

المثال الثالث: في المعرفة العقائدية و الأمانة العلمية حيث تشمل كلا المثالين أو قل هي بمثابة العنوان و العام للمثالين السابقين.

عن زرارة، قال:
” سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن للقائم (عليه السلام) غيبة قبل أن يقوم.
فقلت: ولم؟
قال: يخاف – وأومئ بيده إلى بطنه -، ثم قال: يا زرارة، وهو المنتظر، وهو الذي يشك في ولادته، فمنهم من يقول: مات أبوه بلا خلف، ومنهم من يقول:
حمل، ومنهم من يقول: غائب، ومنهم من يقول: ولد قبل وفاة أبيه بسنين ، وهو المنتظر غير أن الله يحب أن يمتحن قلوب الشيعة فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة.
قال زرارة: قلت: جعلت فداك، إن أدركت ذلك الزمان أي شيء أعمل؟
قال: يا زرارة، متى أدركت ذلك الزمان فلتدع بهذا الدعاء: ” اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني “، ثم قال: يا زرارة، لا بد من قتل غلام بالمدينة.
قلت: جعلت فداك، أوليس الذي يقتله جيش السفياني؟
قال: لا، ولكن يقتله جيش بني فلان، يخرج حتى يدخل المدينة ولا يدري الناس في أي شيء دخل ، فيأخذ الغلام فيقتله، فإذا قتله بغيا وعدوانا وظلما لم يمهلهم الله، فعند ذلك يتوقع الفرج “.(8)

وهذه الرواية تختصر لنا معرفة هيمنة البسملة على الآية حيث لا يكون رفع الضلالة إلا بالمعرفة، و لا يكون ثبات نور العقيدة في القلب إلا بالمعرفة، و لا يكون التعبد و التقرب إلا بالمعرفة، في كل أزمان غياب الحجج ، حتى مع قيام الحجج: فأي ضال عفوه متوقف – {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ (51) ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} _و توبته متوقفة -{وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }(54) _في الدرجة الأولى على المعرفة {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }(53)

محل المعرفة هنا المعبر عنه بضمير ناء الفاعلين في {آتَيْنَا}، و الله عزوجل و النبوة أي حجته وهو {مُوسَى} في هذه الآية، و التعليم من {الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ }، و غاية هذا السمو و العلم و الرحمة المعرفية {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }.

——————————————————
*-الطبرسي – الإحتجاج – ج1 – ص294.
1- البقرة:51 52 53 54 .
2- بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج90 – الصفحة357.
3 – نفس المصدر الصفحة 368.
4- نفس المصدر الصفحة 323.

7-6-5-ثواب الأعمال – الشيخ الصدوق – الصفحة85.
8- كتاب الغيبة – النعماني – ج١ – الصفحة 168.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *