حوارية اليوم السادس عشر

السائل : في بداية الجزء السادس و نهاية سورة الكهف في قوله تعالى: (فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70((
شيخنا هل النبي موسى عليه السلام خالف ضوابط التعليم في هذه الآيات المتفق عليه مسبقا ، فما تقول في ذلك؟
الشيخ : النبي موسى عليه السلام صاحب رسالة و كتاب و من أولي العزم، بمعنى آخر: المرشد العام للتشريع الذي أُنزل عليه و من الطبيعي أن المرشد العام إذا رأى تجاوزا و عملا بمحظورات ما أُنزل عليه، مثل: قتل النفس المحترمة من غير حق كقتل الغلام، وحرمة تخريب المال العام أو الخاص كخرق السفينة، وعدم أخذ الأجرة على العمل والتطوع لهم مجانا رغم أنهم حينما كان جسمهما محتاجا للطعام وطلبا منهم الإطعام امتنع القوم عن ذلك، و بحسب شريعة موسى إن عليه أن  ينهض و يدافع  عن الظلم والاعتداء الحاصل، لكنه استفسر عن هذه المخالفات لأنها في شريعته والشرائع السماوية تصرفات محرمة ، ولكنه اتخذ وضع التواضع للعلم كطالب علم ، ليعطينا درسا واضحا في عدم التسرع.
وسكوته عليه السلام عن هذه التصرفات هو الذي يستشكل فيه في مفروض الحال، و ليس من الضرورات التي تُبيح المحظورات لكي يعذر فيها حسب علمه. تضاربت الشريعة بين المعلومات الظاهرية التي يعمل بها النبي موسى عليه السلام بحكم ظاهري و هو مأمور بها من رب العزة، و بين شريعة الواقع الغائبة عن علمه، وهي شريعة علم الغيب أو إدراك الواقع المغيب التي جاء ليتعلمها، و تعلمها فعلا و بامتياز، و هو الاختبار الصعب أمام غيرة نبي ممتلىء بالإيمان والإخلاص لرب العزة وكلماته وأوامره ونواهيه، ففي الآيات ما يدل على رقي هذه النفس و غيرتها على التشريع الإلهي: { قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا }(71) ، {قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا }(74)، و الآية ٧٧ في حالة إرهاقهم من السفر و الجوع رغم ذلك تطوعا بعمل دون أجر مع وجود تعب بدني وإرهاق طبيعي، سأله النبي موسى عليه السلام و خرق اتفاق الصمت: لماذا لا تأخذ أجرة ؟ في قوله تعالى: {فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ ۖ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا }(77).

السائل : شيخنا بالنسبة لاختلاف روايات أهل البيت عليهم السلام في تفسير الآية الواحدة، فما تقول في ذلك؟
الشيخ : ليس هذا اختلاف وإنما تعدد في جهات و معلومات، إن القرآن له محكم و متشابه و ظاهر و باطن و تأويل…. وغيرها، قال الله تعالى في كتابة مبينا إن كلماته لا تنفد، و لو جئت بالبحر حبرا: {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا}، و في الآية ١٠٩ لنفس السورة و الجزء و بداية سورة مريم التي بعد سورة الكهف في نفس الجزء كٓهيٓعٓصٓ  وجه أهل البيت عليهم السلام عدة جهات لهذه الحروف :
-منها عن سفيان بن سعيد النوري ، قال : قلت لجعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) : يا بن رسول الله ، ما معنى قول الله عز وجل : ( كهيعص ) ؟ قال : « معناه : أنا الكافي ، الهادي ، الولي ، العالم ، الصادق الوعد .

-منها حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة ، عن أبيه ، قال : حضرت عند جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) ، فدخل عليه رجل فسأله عن ( كٓهيٓعٓصٓ ، فقال (عليه السلام ) : « كاف : كاف لشيعتنا ، هاء : هاد لهم ، باء : ولي لهم ، عين : عالم بأهل طاعتنا ،صاد : صادق لهم و عده ، حتى بلغ به المنزلة التي وعدها إياهم في بطن القرآن .

-منها مع أبي محمد الحسن بن علي العسكري ( عليهما السلام ) : قال له : «ما جاء بك ، يا سعد ؟ فقلت : شوقني أحمد بن إسحاق إلى لقاء مولانا . قال : «والمسائل التي أردت أن تسأل عنها ؟ . قلت : على حالها ، يا مولاي ، قال : « قل قرة عيني عنها » . وأومأ بيده إلى الغلام – يعني ابنه القائم ( عليه السلام ) – فقال لي الغلام : « سل عما بدا لك . وذكر المسائل إلى أن قال : قلت : فأخبرني- يا ابن رسول الله- عن تأويل {كٓهيٓعٓصٓ}
قال : « هذه الحروف من أنباء الغيب ، أطلع الله عليها عبده زكريا ، ثم قصها على محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، وذلك أن زكريا ( عليه السلام ) سأل ربه أن يعلمه اسماء الخمسة ، فأهبط الله عليه جبرئيل ( عليه السلام ) فعلمه إياها ، فكان زكريا إذا ذكر محمدا و عليا وفاطمة والحسن ( عليهم السلام ) ، سرى عنه همه وانجلى كربه ، وإذا ذكر الحسين ( عليه السلام ) خنقته العبرة ، ووقعت عليه البهرة . فقال ذات يوم : إلهي ، مالي إذا ذكرت أربعا منهم تسليت بأسمائهم من همومي ، وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي ؟ فأنبأه الله تبارك وتعالى عن قصته ، فقال :  {كٓهيٓعٓصٓ} فالكاف : اسم كربلاء ، والهاء : هلاك العترة ، والياء : يزيد ( لعنه الله ) ، وهو ظالم الحسين ( عليه السلام ) ، و العين : عطشه ، والصاد: صبره ، فلما سمع بذلك زكريا ( عليه السلام ) لم يفارق مسجده ثلاثة أيام ، ومنع فيها الناس من الدخول عليه ، وأقبل على البكاء والنحيب ، وكانت ندبته : إلهي ، أتفجع خير خلك بولده . إلهي أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه ، إلهي ، أتلبس عليا وفاطمة ثياب هذه المصيبة ، إلهي أتحل كربة هذه الفجيعة بساحتهما . ثم كان يقول : إلهي ، ارزقني ولدا تقر به عيني على الكبر، و اجعله و ارثا وصيا ، واجعل محله مني محل الحسين ، فإذا رزقتنيه فافتني بحبه ، ثم افجعني به كما تفجع محمدا حبيبك بولده ، فرزقه الله يحيى ( عليه السلام ) وفجعه به ، وكان حمل يحيى ( عليه السلام ) ستة أشهر ، وحمل الحسين (عليه السلام ) كذلك .
– منها إن أهل البيت عليهم السلام يتوسلون إليه عز وجل بفواتح السور و أن دلت على شيء تدل على عظمة السر الموجود في هذه الأحرف التي لم تكشف هذه الأسرار لاختصاصهم بها من قبل رب العزة و الجلالة.
البرهان ج٣ ص٦٩٨، ص٦٩٧

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *