حوارية اليوم الثامن عشر

بسم الله الرحمن الرحيم
السائل : في الجزء الثامن عشر يبدأ بسورة (المؤمنون) وذكر صفاتهم، هلا تكلمت لنا عن هذه الصفات؟

الشيخ : إن تعداد الصفات شيء جيد و لكن الفهم و العمل هو المطلوب، فقوله تعالى في أول صفة للمؤمنين الآية ٢ من السورة: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ }(2) و يمكن أن نوصل المعنى بمثال: لو أن إنسانا دُعي من قبل أحد ملوك الأرض للتنظف، فمفهوم التنظيف يختلف، فمنه حلاقة الشعر الزائد من اللحية، و الاستحمام البدني، و لبس أفضل الملابس، و اقتناء أفضل الروائح، و حين وصولك للملك الدنيوي  تبدأ السلام بكل احترام وتجلس و كل جوارحك تتفاعل بالتعظيم و التبجيل من النظر و الكلام و الإصغاء، كما إن ذهابك إليه لا يخرج عن ثلاثة أمور: أما خوفا من عقابه، أو طمعا في العطاء، أو حبا في عدله وشخصه، و كل أمر له ميزانه، و لا شك أن الأخير أقرب لراحة القلب ، لأن التواصل تسوده المحبة و الثقة و الإخلاص، و به يجعل كرم الملك وأياديه مفتوحة، و العطاء قبل الطلب ، ثم الوداع بنفس حالة بدء اللقاء مع وضع جسر للرجوع إلى التواصل، و كل هذا لملكٍ في الدنيا فكيف با {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}؟ وهو{اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}؟
ومن المعلوم أن من يريد الاتصال برب العالمين يتزكى، و هناك تزكيةٌ مادية مثل النظافة،_ و مر الكلام عنها _ وهو: قوله تعالى: { خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ }، و هناك تزكية معنوية منها التطهير المعنوي بالوضوء وبتوبة و تصفية النفس من كل الشوائب ، و القلب من كل الأمراض ، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ ۚ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ ۚ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ}، هذه التزكية توصلك إلى الوقوف بخضوع و خشوع، ولابد من معرفة ما جاء عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام قال : (قال رسول الله صلى الله عليه و آله : ما زاد خشوع الجسد على ما في القلب فهو عندنا نفاق) فالخوف و الخضوع و التذلل القلبي هو الذي يؤثر على حركات الجسد.
الله يبشرنا بهكذا تواصل في قوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ }، و قوله: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}، و كل هذا الكلام و أكثر تجده في أحد خطب أمير المؤمنين و هو يصف حال الخاشعين المؤمنين ممن كانت إمرته عليهم ، حيث يطرب من كان عاشقا لرب الأرباب بالكلمات :( فرحم الله امرءا راقب ربه، وتنكب ذنبه، وكابر هواه، وكذب مناه ، امرءا زم نفسه من التقوى بزمام، و ألجمها من خشية ربها بلجام ، فقادها إلى الطاعة بزمامها، وقد عفها عن المعصية بلجامها ، رافعا إلى المعاد طرفه، متوقعا في كل أوان حتفه دائم الفكر، طويل السهر، عزوفا عن الدنيا سأما ، كدوحا لآخرته متحافظا، امرءا جعل الصبر مطية نجاته ، والتقوى عدة وفاته، ودواء أجوائه ، فاعتبر و قاس ، وترك الدنيا والناس ، يتعلم للتفقه والسداد وقد وقر قلبه ذكر المعاد ، وطوى مهاده و هجر ، منتصباً على أطرافه ، داخلا في أعطافه ، خاشعاً لله عز وجل ، يراوح بين الوجه والكفين  الخشوع في السر لربه ، لدمعه صبيب ولقلبه وجيب ، شديدة أسباله ، ترتعد من خوف الله عز وجل أوصاله ، قد عظمت فيما عند الله رغبته، واشتدت منه رهبته، راضياً بالكفاف من أمره ، يظهر دون ما يكتم، ويكتفي بأقل مما يعلم، أولئك ودائع الله في بلاده، المدفوع بهم عن عباده، لو أقسم أحدهم على الله جل ذكره لأبره ، أو دعا على أحد نصره الله، يسمع إذا ناجاه، و يستجيب له إذا دعاه، جعل الله العاقبة للتقوى والجنة لأهلها مأوى، دعاؤهم فيها أحسن الدعاء ” سبحانك اللهم ” دعاؤهم المولى على ما أتاهم ” وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ” ).

أما الصفة الثانية للمؤمنين في قوله تعالى {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ}، في الآية ٣ من سورة المؤمنون.
اللغو : هو لفظ عام لكل قول قبيح و منهي عنه، و بقرينة (معرضون) يدخل مع التلفظ باللغو  الاستماع دون السماع، و أقصد بالسماع سمع الشيء بدون طلب متعمد، وليس له الاختيار في ذلك، و من اللغو الترويج للفاحشة و عدم الستر، و الغيبة و النميمة و الكذب _بدون عذر شرعي_  وبالخصوص على الله و رسوله و الأئِمة، و غناء أهل اللهو، و القذف، و شهادة الزور، و المجادلة بغير علم الموصلة لأذية المؤمن ، و الصراحة الفظة المؤذية للمؤمن التي ليس لها فائدة بالنهي عن المنكر أو الأمر بالمعروف،  وهناك شروط لهذه الفريضة للوصول لغايتها في الرسائل العملية و كتب الأخلاق ، و حتى النقد غير العلمي المؤذي، فقول رب العزة و الجلالة واضح: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} ، وكلام يطول، و كل أعرف بنيته، فالرجاء الانتباه لدقائق الأمور،  و لا ينسى أحدكم حمل المؤمنين على الصحة، لمن دق سمعه ما  له احتمالية التأويل بحسن الظن، لكي نكون ممن عن سمع اللغو معرضين، و في آخر الكلام هذه  بعض من المنظومة بين المتلفظ و المستمع يجب ضبطها.

و أما قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ}، محل ابتلاء من لديهم الفائض على مؤنتهم، وإذا قصدنا به التصدق بالمال جاء بمعنى تطهير المال، و المال هو كل ما له قيمة ، و إعطاء الزكاة له أثر يرجع على المزكي من النماء و الزيادة ، و تسمى البركة في المال ، وهناك فيض في النصوص الشرعية فعن الإمام أبي عبدالله عليه السلام قال : ( لو أخرج الناس زكاة أموالهم ما احتاج أحد).
أكتفي بهذا القدر و الحمد لله رب العالمين
و أترك لكم التدبر في الآيات التي فيها صفات المؤمنين و باقي الجزء الثامن عشر.

الفرقان: ٢
المؤمنون:١١٦
الأعراف:٣١
الكافي ج٢ ص٣٩٦ حديث٦
فاطر:١٨
الأعلى : ١٤
الكافي ج٨ ص١٧٠،١٧٢
النحل: ١٢٥
الكافي ج٣ ص٥٠٧ حديث ١

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *