بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

فَبِأَىِّ شَيء أسْتَقْبِلُكَ يَا مَوْلاَيَ؟ أبِسَمْعِي أمْ بِبَصَرِي، أم بِلِسَانِي، أمْ بِيَدِي، أمْ بِرِجْلِي، ألَيْسَ كُلُّهَا نِعَمَكَ عِندِي، وَبِكُلِّها عَصَيْتُكَ يَا مَوْلاَيَ، فَلَكَ الْحُجَّةُ وَالسَّبِيلُ عَليَّ.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة النور: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.

عمل الإنسان في الدنيا على تنوعه يحتاج إلى محاكم تفض النزاع، أو شهود لتحل ما يبرئ ما يوجه إليه من التهم، ولكن هذا الإنسان في الدنيا يخفي ما يفعل باليد الصماء، والرجل العمياء، والجوارح الخرساء، ليتستر بها بما يجني على نفسه، ولكن هل يستتر من الله؟

فإن القرآن الكريم يخبر عن وجود شهود، يشهدون على عمل الإنسان خيره وشرَّه يوم الحساب الأعظم.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة يس: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.

كل ما يحير الإنسان الباحث عن المعرفة الحقيقية في هذه الدنيا، وما لا يقدر على تحصيل جوابه، يأتيه ما يقوي إيمانه بما جرى بين العالم الصحابي والتلميذ من مدرسة وحي الله على يدي الإمامين محمد الباقر وجعفر الصادق عليهما السلام، وعمرو بن عبيد.

روي عن يونس بن يعقوب، قال: كان عند أبي عبد الله الصادق عليه السلام جماعة من أصحابه فيهم حمران بن أعين، ومؤمن الطاق، وهشام بن سالم، والطيار، وجماعة من أصحابه فيهم هشام بن الحكم وهو شاب.

فقال أبو عبد الله عليه السلام: يا هشام!

قال: لبيك يا ابن رسول الله!

قال عليه السلام: ألا تحدثني كيف صنعت بعمرو بن عبيد وكيف سألته؟

قال هشام: جعلت فداك يا ابن رسول الله، إني أجلك وأستحييك ولا يعمل لساني بين يديك!

فقال أبو عبد الله عليه السلام: إذا أمرتكم بشيء فافعلوا .

قال هشام: بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد البصرة. وعظم ذلك علي، فخرجت إليه ودخلت البصرة في يوم الجمعة، فأتيت مسجد البصرة فإذا أنا بحلقة كبيرة، وإذا أنا بعمرو بن عبيد عليه شملة سوداء متزر بها من صوف، وشملة مرتد بها، فاستفرجت الناس فأفرجوا لي، ثم قعدت في آخر القوم على ركبتي ثم قلت: أيها العالم! أنا رجل غريب، تأذن لي فأسألك عن مسألة؟ قال:

فقال: نعم،

قال: قلت له: ألك عين؟

قال: يا بني أي شيء هذا من السؤال؟!

فقلت: هكذا مسألتي.

فقال: يا بني سل وإن كانت مسألتك حمقاء.

قلت: أجبني فيها،

قال: فقال لي: سل،

قلت: ألك عين؟

قال: نعم،

قلت: فما ترى بها؟

قال: الألوان والأشخاص.

قال: قلت : فلك أنف؟

قال: نعم،

قلت: فما تصنع به؟

قال: أتشمم بها الرائحة.

قال: قلت: ألك فم؟

قال: نعم، قلت: وما تصنع به؟

قال: أعرف به طعم الأشياء.

قال: قلت: ألك لسان؟

قال: نعم،

قلت: وما تصنع به؟ قال: أتكلم به،

قال: قلت: ألك اذن؟ قال: نعم،

قلت: وما تصنع بها؟

قال: أسمع بها الأصوات.

قال: قلت: ألك يد؟ قال: نعم،

قلت: وما تصنع بها؟ قال: أبطش بها.

قال: قلت: ألك قلب؟

قال: نعم، قلت: وما تصنع به؟

قال: أميز كل ما ورد على هذه الجوارح.

قال: قلت: أفليس في هذه الجوارح غنى عن القلب؟ قال: لا،

قلت: وكيف ذلك وهي صحيحة سليمة؟

قال: يا بني إن الجوارح إذا شكت في شيء شمته، أو رأته، أو ذاقته، أو سمعته، أو لمسته، ردته إلى القلب فييقن اليقين ويبطل الشك.

قال: فقلت: إنما أقام الله القلب لشك الجوارح؟

قال: نعم،

قال: قلت: فلا بد من القلب وإلا لم تستقم الجوارح؟

قال: نعم،

قال: فقلت: يا أبا مروان إن الله – تعالى ذكره – لم يترك جوارحك حتى جعل لها إماما يصحح لها الصحيح، وييقن ما شك فيه، ويترك هذا الخلق كلهم في حيرتهم وشكهم واختلافهم لا يقيم لهم إماما، يردون إليه شكهم وحيرتهم؟ ويقيم لك إماما لجوارحك ترد إليه حيرتك وشكك؟!

قال: فسكت ولم يقل شيئا.

قال: ثم التفت إلي فقال: أنت هشام؟

فقلت: لا،

فقال لي: أجالسته؟

فقلت: لا، قال: فمن أين أنت؟

قلت: من أهل الكوفة.

قال: فأنت إذا هو،

قال: ثم ضمني إليه وأقعدني في مجلسه وما نطق حتى قمت.

فضحك أبو عبد الله الصادق عليه السلام ثم قال: يا هشام من علمك هذا؟

قال: قلت: يا ابن رسول الله جرى على لساني.

قال: يا هشام هذا والله مكتوب في صحف إبراهيم وموسى.

إن الجوارح يمكن الاستفادة منها في الأمور التي تصب في صالح الإنسان، فإنه يمكن أن تكون سببا لدخوله في حلقة العاصين المتعرضين لسخط الملك الجبار، من هنا فلا بد من الالتفات لهذه الجوارح وتهذيبها، حتى تكون بكل أعمالها وحركاتها وسكناتها لله رب العالمين.

والكلام تقدم في هذا المطلب في الشروحات السابقة من أراد فليراجع.

ونحن في آخر ساعات هذا الشهر المبارك نرجو من الله أن نكون من الذين تقبل صيامهم و غفرا لهم ما تقدم وتأخر ودخلنا بما أراد منا الله عز وجل وأهل البيت عليهم، روي عن الإمام أبي عبد الله (عليه السلام)قال: إذا صُمتُم فاحفظوا ألسنتَكم عن الكذب، وغُضُّوا أبصارَكم، ولا تَنازعوا، ولا تَحاسدوا، ولا تَغتَابوا، ولا تُمارُوا، ولا تكذبوا، ولا تُباشروا، ولا تَحالفوا، ولا تَغضبوا ولا تَسابُّوا، ولا تَشاتموا، ولا تَنابزوا، ولا تُجادلوا، ولا تُباذوا، ولا تَظلموا، ولا تَسافهوا، ولا تَزاجروا، ولا تغفلوا عن ذكرِ الله.

ونحن في هذه الأيام والليالي المباركة نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.

ونحن الأيتام في غياب إمامنا عجل الله فرجه وآخر هذه الساعات المباركة في الشهر الفضيل علينا بتهيئة النفس لقدوم الإمام المهدي عجل الله فرجه وتوقع الظهور في أي وقت، وبالتالي التسليم المطلق للإمام في حال ظهوره، والاستعداد الكامل لتطبيق عدل الإمام على الشخص نفسه، وتجهيز النفس لنصرته والجهاد بين يديه.

روي عن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن للقائم غيبة قبل أن يقوم.

قلت: ولم؟

قال: يخاف وأومأ بيده إلى بطنه.

ثم قال: يا زرارة: وهو المنتظر، وهو الذي يشك الناس في ولادته [منهم من يقول مات أبوه ولم يخلف و] منهم من يقول هو حمل، ومنهم من يقول هو غائب ومنهم من يقول: ما ولد ومنهم من يقول: قد ولد قبل وفاة أبيه بسنتين، وهو المنتظر غير أن الله تبارك وتعالى يجب أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون.

قال زرارة: فقلت: جعلت فداك، فان أدركت ذلك الزمان فأي شيء أعمل؟

قال: يا زرارة إن أدركت ذلك الزمان فالزم هذا الدعاء.

اللهم عرفني نفسك، فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني.

ثم قال عليه السلام : يا زرارة لابد من قتل غلام بالمدينة،

قلت: جعلت فداك أليس يقتله جيش السفياني؟

قال: لا، ولكن يقتله جيش بني فلان يخرج حتى يدخل المدينة، فلا يدري الناس في أي شيء دخل فيأخذ الغلام فيقتله فإذا قتله بغيا وعدوانا وظلما لم يمهلهم الله عز وجل، فعند ذلك فتوقعوا الفرج.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الليلة الثامنة والعشرون

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

يَا مَنْ لاَ تَضُرُّهُ ذُنُوبُ عِبَادِهِ، وهُوَ الَغَنِىُّ عَنْ طَاعَتِهِمْ، وَالْمُوَفِّقُ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْهُمْ بِمَعُونَتِهِ وَرَحْمَتِه، فَلَكَ الْحَمْدُ اِلهِي وَسيِّدِي، إلهِي أمَرْتَنِي فَعَصَيْتُكَ، وَنَهَيْتَنِي فَارْتَكَبْتُ نَهْيَكَ، فَأصْبَحْتُ لاَ ذَا بَرآءَة لِي فَاَعْتَذِرُ، وَلاَ ذَا قُوَّة فَأنْتَصِرَُ.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة آل عمران: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}.

كل شيء يدور على المعرفة الحقيقة من الحاجة للعبادة هل الله محتاج إلى عبادتنا؟ أم نحن محتاجون لهذه العبادة؟ هذه المعرفة تكمن فيما ينقصنا وهو: الرجوع إلى آل محمد (صلوات الله عليهم) والاطلاع على إجاباتهم الشافية لتزول عنا الحيرة، ونصل من خلال كلامهم في الترشيد الحقيقي ووقوعنا في الشبهات التي ترد علينا من المشككين، فلا بد من التحصن.

روي عن جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه قال: سألت الإمام الصادق جعفر بن محمد عليه السلام فقلت له: لم خلق الله الخلق؟ فقال عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقه عبثا، ولم يتركهم سدى، بل خلقهم لإظهار قدرته، وليكلفهم طاعته، فيستوجبوا بذلك رضوانه، وما خلقهم ليجلب منهم منفعة، ولا ليدفع بهم مضرة، بل خلقهم لينفعهم، ويوصلهم إلى نعيم الأبد.

ومما يروى من كلام الإمام أمير المؤمنين عليه السلام مع أحدهم: أما سمعت الناس يسألون الحول والقوة حين يقولون: لا حول ولا قوة إلا بالله؟

قال عباية: وما تأويلها يا أمير المؤمنين؟ قال: لا حول عن معاصي الله إلا بعصمة الله، ولا قوة لنا على طاعة الله إلا بعون الله، قال: فوثب عباية فقبل يديه ورجليه.

النفس تحتاج إلى الراحة الداخلية التي تبعث الأمل للإنسان في الإخلاص في طريق عبادته، و عندما نسمع أمير المؤمنين عليًّا عليه السلام يقول: “لأنسبنّ الإسلام نسبةً لم ينسبها أحد قبلي الإسلام هو التّسليم.

يدخل الاطمئنان قلب الإنسان في مراحل معرفته أن التسليم لله من الإيمان المطلوب منه، روي عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، قال: الإيمان له أربعةُ أركان: التّوكّل على الله، وتفويض الأمر إلى الله، والرّضا بقضاء الله، والتّسليم لأمر الله عزّ وجل.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الذاريات: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ۖ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ}.

نعم إنه الفرار إلى الله، لأن خلفك عدوك إبليس يسعى خلفك جاهداً بكل ما أوتي من قوة ليجعلك من أصحاب السعير، وقد حذر الله من عدوك حيث قال في محكم كتابه العزيز في سورة فاطر: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}.

طالما أنَّ الخوف في الإِنسان غريزي وَفطري، فإِنَّ خوفه مِن العوامل الطبيعية وغيرها يجعل الإِنسان يتوجه نحو الخالق، وهروبه من مكائد الشيطان المتربصة به إلى موائد الرحمٰن في أحصن الكلام يصدر من محمد وآل محمد عليهم السلام.

روي عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام قال: خرج الحسين بن علي عليهما السلام على أصحابه فقال: أيها الناس إن الله عز وجل ذكره ما خلق العباد إلا ليعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة ما سواه، فقال له رجل: يا بن رسول الله بأبي أنت وأمي فما معرفة الله؟

قال: معرفة أهل كل زمان إمامهم الذي يجب عليهم طاعته.

ونحن في هذا الزمان والإمام عجل الله فرجه غائب عنا، روي عن أبان بن تغلب، قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: يأتي على الناس زمان يصيبهم فيه سبطة يأرز العلم فيها..، قال: قلت: وما السبطة؟ قال: «الفترة والغيبة لإمامكم»، قال: قلت: فكيف نصنع فيما بين ذلك؟ فقال: «كونوا على ما أنتم عليه حتَّى يُطلِع الله لكم نجمكم»

 وفي عقيدتي ويقيني أنَّ في سُنَّة النبي صلى الله عليه وآله الواردة عن أهل البيت عليهم السلام وسيرتهم، وما أصَّلهُ الأصحاب بالتبع، من الأدلَّة الثابتة والبراهين القويَّة على إثبات وجوده عليه السلام الكثير الطيِّب، والحجَّة على إثبات ولادته، وإمكان حياته، هذه الفترة الطويلة ساطعة، بأدلَّة عقلية ونقلية، فلا حاجة لنا بمثل هذه الدعاوى المهلهلة، لترسيخ عقيدتنا أو تقوية إيماننا بوجود الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف،

ولقد تم وصف الإمام عجل الله فرجه بدقة من قبل أهل البيت عليهم السلام.

روي عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث طويل قال في وصف الإمام المهدي عجل الله فرجه:

المهدي أقبل أجعد، هو صاحب الوجه الأحمر والجبين الأزهر، صاحب الشامة والعلامة، العالم الغيور، المعلم المخبر بالآثار، هو أوسعكم كهفاً، وأكثركم علماً وأوصلكم رحماً، يومئ للطير فيسقط على يده، ويغرس قضيباً في الأرض فيخضر ويورق.

وروي عن الإمام الرضا (عليه السلام) في وصف الإمام عجل الله فرجه: هو شبيهي وشبيه موسى بن عمران، عليه جيوب النور، تتوقد بشعاع القدس، موصوف باعتدال الخلق، ونضارة اللون، يشبه رسول الله في الخلق، علامته ان يكون شيخ السن، شاب المنظر حتى ان الناظر ليحسبه ابن أربعين سنة أو دونها، وان من علامته الاّ يهرم بمرور الأيام والليالي عليه حتى يأتي أجله.

ونحن في هذه الأيام والليالي المباركة نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.

روي عن الإمام المهدي عجل الله فرجه قال: فاتَّقوا الله جلّ جلاله، وظاهرونا على انتياشكم من فتنة قد أنافت عليكم، يهلك فيها من حمَّ أجله، ويحمى عنها من أدرك أمله، وهي أمارة لأزوف، حركتنا ومباثتكم بأمرنا ونهينا، )يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ.(

*انتياشكم: انتشالكم.

*أناف على الشيء: طال وارتفع عليه.

*الأزوف: الاقتراب.

 وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الليلة السابعة والعشرون

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

أنا الَّذي أسأتُ، أنا الَّذي أخطَأتُ، أنا الَّذي هَمَمتُ، أنا الَّذي جَهِلتُ، أنا الَّذي غَفَلتُ، أنا الَّذي سَهَوتُ، أنا الَّذي اعتَمَدتُ، أنا الَّذي تَعَمَّدتُ، أنا الَّذي وَعَدتُ، أنا الَّذي أخلَفتُ، أنا الَّذي نَكَثتُ، أنا الَّذي أقرَرتُ، أنا الِّذي اعتَرَفتُ بِنِعمَتِكَ عَلَيَّ وَعِندي، وَأبوءُ بِذُنوبي فَاغفِرها لي.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة التوبة: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.

روي عن الإمام الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، عن جبرئيل (عليه السلام) قال: قال الله جل جلاله: من أذنب ذنبا صغيرا كان أو كبيرا وهو لا يعلم أن لي أن أعذبه أو أعفو عنه لا غفرت له ذلك الذنب أبدا ومن أذنب ذنبا صغيرا كان أو كبيرا وهو يعلم أن لي أن أعذبه أو أعفو عنه عفوت عنه.

الإقرار الحقيقي بالذنوب من حيث ما أراد الله عز وجل، وليس ما أراده الشيطان من الاعتراف من دون الرجوع عنه، وهناك تبريرات كثيرة في التاريخ خطها المؤرخون في كتبهم واندفعت أقلام علماء التبرير للدفاع عن تلك الذنوب الكبيرة، التي تحير العقول من مرتكبيها وغيرت مجريات الأمور من النور إلى الظلام، ومنها ما جرى من سفك دماء الأنبياء عليهم السلام، وظلم آل محمد عليهم السلام.

إن ما أراده الشيطان _كما يروى_ عن هشام بن الحكم عن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: كان رجل في الزمن الأوّل طلب الدنيا من الحلال فلم يقدر عليها، وطلبها من الحرام فلم يقدر عليها، فأتاه الشيطان فقال له: ألا أدلّك على شيء تكثر به دنياك وتكثر به تبعك؟

 فقال: بلى،

قال: تبتدع ديناً، وتدعو الناس إليه.

ففعل، فاستجاب له الناس وأطاعوه، فأصاب من الدنيا، ثُمّ إنّه فكّر

فقال: ما صنعت؟! ابتدعت ديناً، ودعوت الناس إليه ما أرى لي من توبة إلاّ أن آتي من دعوته إليه فأردّه عنه، فجعل يأتي أصحابه الذين أجابوه، فيقول: إنّ الذي دعوتكم إليه باطل، وإنّما ابتدعته، فجعلوا يقولون: كذبت هو الحقّ، ولكنّك شككت في دينك، فرجعت عنه.

فلمّا رأى ذلك عمد إلى سلسلة فوتّد لها وتداً، ثُمّ جعلها في عنقه وقال: لا أحلّها حتّى يتوب الله عزّ وجلّ عليَّ، فأوحى الله عزّ وجل إلى نبيّ من الأنبياء قل لفلان: وعزّتي لو دعوتني حتّى تنقطع أوصالك ما استجبت لك حتّى تردّ من مات على ما دعوته إليه فيرجع عنه.

إن حقيقة الإقرار بالذنوب تأخذها العباد من مصادر ومعادن وحي الله عز وجل محمد وآل محمد سلام الله عليهم، روي عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا والله ما أراد الله تعالى من الناس إلا خصلتين: أن يقروا له بالنعم فيزيدهم وبالذنوب فيغفرها لهم.

ولكن نرى منهم إلى يومنا هذا بما كسبت أحقادهم و مدارسهم الأموية سينالون عقاب ذنوبهم مع ذنوب المدافعين عنهم حتى وأن كانت كل الدنيا تبرر أفعالهم.

روي عن شريك يرفعه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا كان يوم القيامة جاءت فاطمة عليها السلام في لمة من نسائها فيقال: لها ادخلي الجنة.

فتقول: لا أدخل حتى أعلم ما صنع بولدي من بعدي!

فيقال لها: انظري في قلب القيامة!

فتنظر إلى الحسين عليه السلام قائما وليس عليه رأس، فتصرخ صرخة، وأصرخ لصراخها، وتصرخ الملائكة لصراخها، فيغضب الله عز وجل عند ذلك، فيأمر نارا يقال لها هبهب، قد أوقد عليها ألف عام حتى اسودت، لا يدخلها روح أبدا، ولا يخرج منها غم أبدا،

فيقال: التقطي قتلة الحسين، وحملة القرآن، فتلتقطهم، فإذا صاروا في حوصلتها صهلت وصهلوا بها، وشهقت وشهقوا بها، وزفرت وزفروا بها،

فينطقون بألسنة ذلقة طلقة: يا ربنا فيما أوجبت لنا النار قبل عبدة الأوثان؟!

فيأتيهم الجواب عن الله تعالى: إن من علم ليس كمن لا يعلم.

و إنّ أحد الامراض التي ابتلي بها المجتمع الإسلامي منذ الصدر الأول بصورة عامة هو تبرير الذنوب في صور مختلفة .

حيث ينحرف بها الخاص والعام عن الطريق المستقيم. والأخطر من ذلك هو: غلق أبواب الصلاح أمام المذنب وأحياناً تغلق أبواب الحقيقة في نظره.

وإلى المبررين لأعظم واقعة في التاريخ فمن بكته الأنبياء عليهم السلام يصبح قاتله مسلم!!!

قال ابن خلكان: (…وقد أفتى الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى في مثل هذه المسألة بخلاف ذلك فإنه سئل عمن صرح بلعن يزيد هل يحكم بفسقه؟ أم هل يكون ذلك مرخصا فيه؟ وهل كان مريدا قتل الحسين رضي الله عنه؟ أم كان قصده الدفع؟ وهل يسوغ الترحم عليه أم السكوت عنه أفضل؟ ينعم بإزالة الاشتباه مثابا.

فأجاب: لا يجوز لعن المسلم أصلا ومن لعن مسلما فهو الملعون…)

والكلام طويل صادر منه ومن أمثاله ثبتنا الله على ولاية محمد وآل محمد.

ما يخفى على العبد في الذنوب التي تكون معصية لله التي ساقه إليها الشيطان الرجيم، والذنوب كلّها شديدةٌ، وجميعها كبائر، ولا فرق بينها من جهة مخالفة المولى سبحانه وتعالى، وإنّما الكبائر والصَّغائر هي أمورٌ نسبيةٌ لا ذاتيةٌ ، وإنما نُطلِقُ عليها لفظ الصغائر بالإضافة إلى ما هو أكبر منها، ونطلق عليها لفظ الكبائر بالإضافة والنسبة إلى ما هو أصغر منها في الفعل.

يروى ‎عن الإمام الكاظم عليه السلام قال: جاء أحد علماء الاسلام وهو عمرو بن عبيد إلى الإمام الصادق عليه السلام، بعد أن سلّم عليه وقرأ هذه الآية: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ﴾، بعدها سكت ولم يكمل الآية.

قال الإمام الصادق عليه السلام: لماذا سكتّ؟

أجاب عمرو بن عبيد: أحبّ ان أعرف الذنوب الكبيرة في كتاب الله تعالى!

أجابه الإمام الصادق عليه السلام: نعم يا عمرو!، اسمع:

1 ـ أكبر الذنوب الكبيرة الشرك بالله سبحانه كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا﴾.

2 ـ وبعده اليأس من رحمته، قال الله تعالى: ﴿إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُون﴾.

3 ـ وبعدهما الأمان من مكر الله تعالى. قال الله تعالى: ﴿فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُون﴾.

4 ـ ومن جملة الذنوب الكبيرة عقوق الوالدين. حيث أطلق الله على عاق الوالدين بـ ﴿جَبَّارًا شَقِيًّا﴾.

5 ـ قتل النفس المحترمة إلا في موارد الحق حيث قال الله سبحانه: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾.

6 ـ قذف المرأة الطاهرة بالزنا كما يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم﴾1.

7 ـ أكل مال اليتيم: قال الله تعالى في مورد عاقبة الذين يأكلون مال اليتيم: ﴿إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾.

8- الفرار من جبهة الجهاد: كقوله تعالى: ﴿وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِير﴾.

9ـ أكل الربا: قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾.

10ـ السحر والشعبذة: حيث قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَق﴾.

11ـ الزنا، قال الله تعالى: ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا﴾.

12ـ القسم الكاذب للذنب، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ﴾.

13ـ الخيانة عند غنائم الحرب، كقوله تعالى: ﴿وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَة﴾.

14ـ منع الزكاة، حيث قال الله تعالى في مورد عاقبة مانع الزكاة: ﴿يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ﴾.

15ـ الشهادة كذباً وكتمان شهادة الحق، كقوله تعالى: ﴿وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾.

16ـ شرب الخمر: لأن الله سبحانه نهى عنها كما نهى عن عبادة الأوثان والأصنام.{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُلَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}

17ـ ترك الصلاة أو أحد الواجبات الإلهية الأخرى عمداً. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “من ترك الصلاة متعمداً فقد بريء من ذمة الله وذمة رسول الله”.

18و 19 ـ عدم الوفاء بالعهد، وقطع صلة الرحم: كقوله تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾.

قال الراوي: ولما أن وصل الإمام الصادق عليه السلام إلى هذه النقطة أجهش عمرو بن عبيد بالبكاء والعويل من شدة الحزن وخرج من مجلسه وهو يقول: هلك من قال برأيه ونازعكم في الفضل والعلم.

ونحن في هذه الأيام والليالي المباركة نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.

روي عن الامام المهدي(عج)قال: فليعمل كلُ أمرؤ منكم بما يقربُ به من محبتنا، ويتجنب ما يدنيه من كراهيتنا وسخطنا.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الليلة السادسة والعشرون

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

يا مَوْلايَ أَنْتَ الَّذِي مَنَنْتَ، أَنْتَ الّذِي أَنْعَمْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَحْسَنْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَجْمَلْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَفْضَلْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَكْمَلْتَ، أَنْتَ الَّذِي رَزَقْتَ، أَنْتَ الَّذِي وَفَّقْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَعْطَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَغْنَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَقْنَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي آوَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي كَفَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي هَدَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي عَصَمْتَ، أَنْتَ الَّذِي سَتَرْتَ، أَنْتَ الَّذِي غَفَرْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَقَلْتَ، أَنْتَ الَّذِي مَكَّنْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَعْزَزْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَعَنْتَ، أَنْتَ الَّذِي عَضَدْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَيَّدْتَ، أَنْتَ الَّذِي نَصَرْتَ، أَنْتَ الَّذِي شَفَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي عافَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَكْرَمْتَ، تَبارَكْتَ وَتَعالَيْتَ، فَلَكَ الحَمْدُ دائِماً، وَلَكَ الشُّكْرُ وَاصِباً أَبَداً، ثُمَّ أَنا يا إِلهِي المُعْتَرِفُ بِذُنُوبِي فَاغْفِرْها لِي.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الحاقة: {وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ}.

اليقين هو أعلى مراتب العلم، فإن أعلى مراتب العلم  الذي يصل إليه العبد بالله عز وجل هو اليقين وهو العلم الثابت، الذي لا يتزلزل ولا يزول، وهو بهذا المعنى أشرف صفات النفس وأعلاها وأفضلها وأسماها، وإن النصوص الواردة عن أهل البيت عليهم السلام في المقام ما يغني عن كل شيء، فقد ورد أن اليقين أفضل من الإيمان ، فإن الإيمان فوق الإسلام، والتقوى فوق الإيمان، واليقين فوق التقوى،  فما من شيء أعز من اليقين.

روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: إنّ الإيمان أفضل من الاسلام، وإنّ اليقين أفضل من الإيمان، وما من شيء أعزّ من اليقين.

فمتى ازدهرت النفس باليقين، واستنارت بشعاعه الوهّاج، عكست على ذويها ألواناً من الجمال والكمال النفسيين، وتسامت بهم الى أوج روحي رفيع، يتألقون في آفاقه تألق الكواكب النيرة، ويتميزون عن الناس تميز الجواهر الفريدة من الحصا.

روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: أيها الناس! سلوا الله اليقين، وارغبوا إليه في العافية، فإن أجل النعمة العافية، وخير ما دام في القلب اليقين، والمغبون من غبن دينه، والمغبوط من غبط يقينه.

وروي عن الإمام علي (عليه السلام) قال: عباد الله! إن من أحب عباد الله إليه عبدا أعانه الله على نفسه، فاستشعر الحزن، وتجلبب الخوف، فزهر مصباح الهدى في قلبه… قد أبصر طريقه، وسلك سبيله، وعرف مناره، وقطع غماره، واستمسك من العرى بأوثقها، ومن الحبال بأمتنها، فهو من اليقين على مثل ضوء الشمس.

كربلاء يقين الشهداء، كان أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) من طراز فريد قلّما يجود الدهر بأمثالهم، رجال بلغوا أعلى درجات الكمال والوعي والبصيرة, موفورو الإيمان على أتم الاستعداد لبلوغ أعلى ما يشهده المؤمن الكامل اليقين، وكان قتالهم مع الإمام الحسين (عليه السلام) نابع عن عقيدة خالصة لا تشوبها شائبة، ودخلوا الحرب وهم يعلمون أنهم سينالون الشهادة ، وتيقنت أنفسهم بالموت مع الإمام الحسين (عليه السلام)، فقد أوقفهم الإمام (عليه السلام)على مصيرهم معه بقوله عليه السلام: خُط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني الى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخير لي مصرع أنا لاقيه، كأني بأوصالي تقطّعها عُسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملأن مني أكراشاً جوفاً وأكرشةً سغباً لا محيص عن يوم خُط بالقلم.

رغم أنه (عليه السلام) خيّرهم بين البقاء معه أو تركه إن شاءوا، بل أنه (عليه السلام) طلب منهم النجاة بأنفسهم في أكثر من مقام، ومنزل نزل به في طريقه إلى كربلاء، في خطاب جمعي وفردي، توحّد مضمونه وتنوع أسلوبه في أصحابه (عليه السلام).

هؤلاء اكتملت فيهم عظمة النفوس، واجتمعت بهم غر الصفات العظيمة النبيلة، فتأمل يا عزيز إلى بعض ما ورد عنهم: كلام زهير بن القين، حيث قال:

وَاللّهِ، لَوَدِدتُ أنّي قُتِلتُ، ثُمَّ نُشِرتُ، ثُمَّ قُتِلتُ حَتّى اُقتَلَ كَذا ألفَ قَتلَةٍ، وأنَّ اللّهَ يَدفَعُ بِذلِكَ القَتلَ عَن نَفسِكَ وعَن أنفُسِ هؤُلاءِ الفِتيَةِ مِن أهلِ بَيتِكَ.

وكلام سعيد بن عبد اللّه الحنفي مخاطباً الإمام عليه السلام:

وَاللّهِ، لَو عَلِمتُ أنّي اُقتَلُ، ثُمَّ اُحيا، ثُمَّ اُحرَقُ حَيّا، ثُمَّ اُذَرُّ، يُفعَلُ ذلِكَ بي سَبعينَ مَرَّةً ما فارَقتُكَ حَتّى ألقى حِمامي دونَكَ، فَكَيفَ لا أفعَلُ ذلِكَ! وإنَّما هِيَ قَتلَةٌ واحِدَةٌ، ثُمَّ هِيَ الكَرامَةُ الَّتي لَا انقِضاءَ لَها أبَدا؟!

ومن تتبع مواقفهم في يوم كربلاء فإنه لا يجد لإخلاصهم ووفائهم وثباتهم نظيراً في التاريخ البشري، ويدل على ذلك قول الإمام الحسين فيهم: (والله لقد بلوتهم فما وجدت فيهم إلا الأشوس الأقعس يستأنسون بالمنية دوني استئناس الطفل بمحالب أمه).

ونحن في هذه الأيام والليالي المباركة نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.

جاء في جملة من روايات الواردة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) تصور لنا حركة الإمام المهدي (عليه السلام) بعد الظهور المبارك حيث أشارت إلى أنه (عليه السلام) كما في  رواية عمرو بن شمر عن الإمام أبي جعفر عليه السلام، قال: ذكر المهدي، فقال: يدخل الكوفة وبها ثلاث رايات قد اضطربت، فتصفو له ويدخل حتى يأتي المنبر فيخطب فلا يدري الناس ما يقول من البكاء، فإذا كانت الجمعة الثانية سأله الناس أن يصلي بهم الجمعة، فيأمر أن يخط له مسجد على الغري ويصلي بهم هناك، ثم يأمر من يحفر من ظهر مشهد الحسين عليه السلام نهرا يجري إلى الغريين حتى ينزل الماء في النجف، ويعمل على فوهته القناطير والأرحاء، فكأني بالعجوز على رأسها مكتل فيه بر تأتي تلك الإرحاء فتطحنه بلا كرى.

وبما ذكر القندوزي أن من أمارات خروجه (عليه السلام) مناد ينادي: ألا إن صاحب الزمان قد ظهر، وهو في ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان، فلا يبقى راقد إلا قام، ولا قائم إلا قعد، وإنه يخرج في شوال في وتر من السنين، ويبايعه بين الركن والمقام ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا من الاخيار، كلهم شبان لا كهل فيهم، ويكون دار ملكه الكوفة، ويبنى له في ظهر الكوفة مسجد له ألف باب.

ورد في زيارة الناحية المنسوبة للإمام الحجة المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف: السلام عليك يا جدّاه، لأن أخرتني الدهور، وعاقني عن نصرك المقدور، ولم أكن لمن حاربك محارباً ولمن نصب لك العداوة ناصباً، لأندبنّك صباحاً ومساء، ولأبكين عليك بدل الدموع دماً.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الليلة الخامسة والعشرون

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

فَلَكَ الْحَمْدُ وَالشُّكْرُ، يَا مَنْ أقَالَ عَثْرَتِي، وَنَفَّسَ كُرْبَتِي، وَأجَابَ دَعْوَتِي، وَسَتَرَ عَوْرَتِي، وَغَفَرَ ذُنُوبِي، وَبَلَّغَنِي طَلِبَتِي، وَنَصَرَنِي عَلى عَدُوِّي، وَاِنْ أعُدَّ نِعَمَكَ وَمِنَنَكَ وَكَرَائِمَ مِنَحِكَ لاَ أحْصِيهَا.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة النحل: {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}.

عندما يتأمل الإنسان في نعم  الله  عليه، فيراها سابغة وشاملة واسعة، دينية ودنيوية، وإن حاول أن يعد  مفردات نعم  اللهِ عليه ، لَا يستطيع إحصاءها، لخفاء معظمها عليه، ولكثرتها كثرة  تفوق استطاعته على  الإحصاء.

روي عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قال: لم تخل من لطفه مطرف عين، في نعمة يحدثها لك، أو سيئة يسترها عليك، أو بلية يصرفها عنك.

إن  اللهَ كثير  الستر  لتقصيرنا في  القيام بشكر نعمته كما يجب علينا، واسع الرحمة بنا حيث وسع علينا النعم، ولم يقطعها عنا بسبب التقصير والمعاصي التي تصدر منا.

روي عن الإمام الصادق أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من قال: الحمد لله بمحامده كلها ما علمنا منها وما لم نعلم، على كل حال، حمدا يوازي نعمه، ويكافئ مزيده علي وعلى جميع خلقه، قال الله تبارك وتعالى: بالغ عبدي في رضاي وأنا مبلغ عبدي رضاه من الجنة.

من اعتقادنا أنّ النبيّ والعترة صلوات الله عليهم أفضل الناس في مكارم الأخلاق، كما أنّهم الأفضل في محاسن الصفات، وفضائل الأعمال، ومراتب الكمال.. هذه عقيدتنا.

فينبغي لنا أن نسعى في الاقتداء بهم والتأسّي بجميعهم في الأخلاق الكريمة، والمكارم الفاضلة.

لأنّ أهل البيت سلام الله عليهم ـ هم ليس سواهم ـ القدوة الصالحة، والاُسوة الحقّ من الله للخلق، والطاهرون المطهّرون من كلّ رجسٍ ورذيلة، كما قال تعالى في كتابه العزيز: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)، وقال عزّ اسمه: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا).

روي عن الإمام عليّ الهادي عليه السلام أنّه قال للمتوكّل في جواب كلام دار بينهما: لا تطلب الصفاء ممن كَدّرت عليه، ولا الوفاء ممّن غَدرت به، ولا النُصحَ ممّن صرفت سوء ظنّك إليه، فإنّما قلب غيرك (لك) كقلبك له.

فالمودّة بين الناس تعرف بما تضمره قلوبهم لبعضها بعضاً، وقد روي عن صالح بن حكم: سمعت رجلاً يسأل أبا عبد الله عليه السلام فقال: الرجل يقول: إنّي أودّك فكيف أعلم أنّه يودّني؟

فقال عليه السلام: “امتحن قلبك فإن كنت تودّه فإنّه يودّك.

نحن أتباع أهل البيت (عليهم السلام) فتحنا أعيننا على الحب الفطري لهم والاعتقاد بولايتهم عليهم السلام، وهذه لا شك نعمة جاد علينا بها الخالق، دون غيرنا، فقلوبنا متعلقة بهم، تسعد النفس بما نتعلمه في سيرتهم المباركة.

روي عن عفيف الكندي قال:

كنت إمرأً تاجراً فقدمت الحجّ، فأتيت العباس بن عبد المطّلب لأبتاع منه بعض التجارة، فوالله إنّي لعنده بمنى إذ خرج رجل من خِباء قريب منه، فنظر إلى الشمس فلمّا رآها قد مالت قام يصلّي، ثمّ خرجت امرأة من ذلك الخباء الذي خرج منه ذلك الرجل، فقامت خلفه تصلّي، ثمّ خرج غلام راهق الحلم من ذلك الخِباء فقام معه يصلّي!

فقلت للعبّاس: ما هذا يا عبّاس؟

قال: هذا محمّد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن أخي،

فقلت: من هذه المرأة؟

قال: امرأته خديجة بنت خويلد،

قلت: من هذا الفتى؟

قال: عليّ بن أبي طالب ابن عمّه،

قلت: ما هذا الذي يصنع؟

قال: يصلّي وهو يزعم أنّه نبيّ، ولم يتبعه على أمره إلاّ امرأته وابن عمّه هذا الغلام، وهو يزعم أنّه سيفتح على اُمّته كنوزَ كسرى وقيصر.

وأدرك الإمام عليه السلام من النبي صلى الله عليه وآله العظيم حقائق الكون ونواميس الطبيعة، بل وأسرار الوجود، وأصبح المثل الأعلىٰ في جميع شمائله وأفعاله، وتحلَّىٰ بأعلىٰ ذروة من ذرىٰ الكمال الروحي والأخلاقي.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إنّ الله تعالی جعل لأخي عليّ بن أبي طالب عليه السلام فضائل لا تحصى كثرة، فمن قرأ فضيلة من فضائله مقرّاً بها غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، ومن كتب فضيلة من فضائله لم تزل الملائكة يستغفرون له ما بقي لتلك الكتابة رسم، ومن استمع إلى فضيلة من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالسمع، ومن نظر إلى كتابة من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالنظر. ثمّ قال صلى الله عليه وآله: النظر إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام عبادة، ولا يقبل الله إيمان عبد إلّا بولايته والبراءة من أعدائه.

إن السيرة التي أرادها لنا أهل البيت عليهم السلام هي الالتزام التام بالإيمان، والابتعاد عما يضرنا في الدنيا والآخرة.

روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: يا علي، قُلْ لأصحابك العارفين بك يتنزهون عن الأعمال التي يُقترفها عدوهم، فما من يوم ولا ليلة إلا ورحمة من الله تغشاهم، فليجتنبوا الدَّنس.

ونحن في هذه الأيام والليالي المباركة نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.

 أن عملنا في هذا العصر هو انتظار الفرج الذي هو بحد ذاته عباد، روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (أفضل أعمال أمّتي انتظار الفرج من الله عزّ وجلّ)، وروي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح اللّه، فان أحب الاعمال الى اللّه عز وجل انتظار الفرج.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الليلة الحادية والعشرون

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

يَا مَنْ لاَ يَعْلَمُ كَيْفَ هُوَ إلاَّ هُوَ، يَا مَنْ لاَ يَعْلَمُ مَا هُوَ إلاَّ هُوَ، يَا مَنْ لاَ يَعْلَمُهُ إلاَّ هُوَ، يَا مَنْ كَبَسَ الأَرْضَ عَلَى الْمآءِ، وَسَدَّ الْهَوآءَ بِالسَّمآءِ، يَا مَنْ لَهُ أكْرَمُ الأَسْمآءِ، يَا ذَا الْمَعْرُوفِ الَّذِي لاَ يَنْقَطِعُ اَبَداً.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الحشر: قال الله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}.

والله جل جلاله علام الغيوب، وعلمه محيط بكل شيء، لا يغيب عنه شيء في الزمان ولا في المكان، في الأرض ولا في السماء، في الليل ولا في النهار.

يعلم ما في البر والبحر، وما في جوف الأرض، وما في طباق الجو، من حي وميت، ورطب ويابس، يعلم ذلك ويراه، في الليل أو النهار، في النور أو الظلام، قال تعالى في سورة السجدة: {ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}.

إن القرآن يسكب هذه الحقائق العظيمة في قلب المؤمن، لأن استقرارها فيه ينشئ له إدراكاً صحيحاً للأمور، ويملأ قلبه بالتعظيم والإجلال للكبير المتعال، ويبعث فيه اليقظة والتقوى لأداء الأمانة التي يحملها المؤمن في هذه الأرض من معرفة الله عز وجل التي كانت عبر الأنبياء والرسل عليهم السلام، لأن البشر لا تقدر على الوصول الحقيقي لله إلا عبر ما أمرنا به الله، ويكون الحق في الكلام الذي ينير العقول من الظلمات إلى النور.

روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إنكم لا تكونون صالحين حتى تعرفوا، ولا تعرفوا حتى تصدقوا، ولا تصدقوا حتى تسلموا أبوابا أربعة لا يصلح أولها إلا بآخرها، ضل أصحاب الثلاثة وتاهوا تيها بعيدا، إن الله تبارك وتعالى لا يقبل إلا العمل الصالح، ولا يقبل الله إلا الوفاء بالشروط والعهود، فمن وفى لله عز وجل بشرطه واستعمل ما وصف في عهده نال ما عنده واستكمل [ما] وعده، إن الله تبارك وتعالى أخبر العباد بطرق الهدى، وشرع لهم فيها المنار  وأخبرهم كيف يسلكون، فقال: ” وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى وقال: ” إنما يتقبل الله من المتقين، فمن اتقى الله فيما أمره لقي الله مؤمنا بما جاء به محمد صلى الله عليه وآله، هيهات هيهات فات قوم وماتوا قبل أن يهتدوا وظنوا أنهم آمنوا، وأشركوا من حيث لا يعلمون.

من أتى البيوت من أبوابها اهتدى، ومن أخذ من غيرها سلك طريق الردى، وصل الله طاعة ولي أمره بطاعة رسوله، وطاعة رسوله بطاعته، فمن ترك طاعة ولاة الأمر لم يطع الله، ولا رسوله، وهو الإقرار بما أنزل من عند الله عز وجل، خذوا زينتكم عند كل مسجد، والتمسوا البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، فإنه أخبركم: أنهم رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار.

إن الله قد استخلص الرسل لأمره، ثم استخلصهم مصدقين بذلك في نذره، فقال: ” وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ” تاه من جهل، واهتدى من أبصر وعقل، إن الله عز وجل يقول: ” فإنها لا تعمى الابصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور ” وكيف يهتدي من لم يبصر؟ وكيف يبصر من لم يتدبر؟!

لنتبع  رسول الله وأهل بيته، ولنقر بما نزل من عند الله، ولنتبع آثار الهدى، فإنهم علامات الأمانة والتقى، ولنعلم أنه لو أنكر رجل عيسى ابن مريم عليه السلام وأقر بمن سواه من الرسل لم يؤمن، لنقتص الطريق بالتماس المنار، ولنلتمس من وراء الحجب الآثار، نستكمل أمر ديننا ونؤمن بالله ربنا.

 عن أبي عبد الله (ع) في قوله عز وجل: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) قال (عليه السلام): نحن والله الأسماء الحسنى التي لا يقبل الله من العباد عملا إلا بمعرفتنا. فهذه الرواية تقول لنا: لا تركنوا الى منكري فضائل أهل البيت (عليهم السلام).

فهم مظاهر الحق، وأسماؤه الحسنى، وآياته الكبرى، فلذلك أمر سبحانه عباده أن يدعوه ويعبدوه بالتوسل بهم، والتمسك بذيلهم، ليخرجوا بإرشادهم عن تيه الضلالة والفساد، ويسلكوا بهدايتهم سبيل الحق والرشاد.

ونحن في هذه الأيام والليالي الحزينة باستشهاد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.

قال الشريف الرضيّ (رحمه الله): سهر علي(عليه السلام) في الليلة التي ضُرب فيصبيحتها، فقال: إنّي مقتولٌ لو قد أصبحت فجاء مؤذّنه بالصلاة فمشى قليلاً، فقالت ابنته زينب: يا أمير المؤمنين مر جعدة يصلّي بالناس، فقال: لا مفرّ من الأجل ثمّ خرج.

قُلْ لابنِ ملجمَ والأقدارُ غـــــــالبةٌ

هدمتَ للدينِ والإسلامِ أركــــــــانا

قتلتَ أفضلَ مَنْ يمشي على قَـَــدمٍ

وأعظمَ الناسِ إسلاماً وإيـمانا.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الليلة الرابعة والعشرون

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

يَا مَنْ دَعَوْتُهُ مَرِيضاً فَشَفَانِي، وَعُرْيَاناً فَكَسَانِي، وَجَائِعاً فَأشْبَعَنِي، وَعَطْشَاناً فَأرْوَانِي، وَذَلِيلاً فَأعَزَّنِي، وَجَاهِلاً فَعَرَّفَنِي، وَوَحِيداً فَكَثَّرَنِي، وَغَائِباً فَرَدَّنِي، وَمُقِلاًّ فَأغْنَانِي، وَمُنْتَصِراً فَنَصَرَنِي، وَغَنِيّاً فَلَمْ يَسْلُبْنِي، وَأمْسَكْتُ عَنْ جَمِيعِ ذلِكَ فَابْتَدَأنِي.

الله عز وجل أنعم على كل واحد منا بنعم لا تعد ولا تحصى.

ومن أعظم تلك النعم أعطانا استجابة الدعاء.

من هنا كان على الإنسان أن يدعو و يطلب، وعليه أن يهيّئ نفسه، بأن يوجد فيها مادّة ظهور الصلاح، و كلّ ما هو مقدّمة و معدّاً للصلاح، ويمهّد لاستجابة الدعاء، حينها سيكون الدعاء مستجاباً؛ فإذا طهر القلب، و صار حال الإنسان مع ربّه حال الملتجئ ثمّ طلب منه، فالله يستجيب و يقضي، و هذا معنى الاضطرار: {أمّن يجيب المضطر إذا دعاه و يكشف السوء}، حال الاضطرار يعني حال الانقطاع، فالمؤمن يرى أنّ الله هو المؤثّر في كلّ حال ويكون منقطعاً إلى الله، لذا كلّ دعائه مستجاب، فالمستجاب دعاؤهم هم الذين يتمتعون بهذا الحال، أما غير المضطرين فلسانهم يدعو و قلبهم يتراجع و يتأخّر، و لذا دعاؤهم ليس أكثر من لقلقة لسان و مهما يدعون فلا يصلون إلى نتيجة؛ لأنّه ليس هناك دعاء في الحقيقة.

أما إذا جاء الإنسان إلى الله جاداً وقال: إلهي أنا أريد، ثمّ يقول له الله: لا يمكن! دعاؤك غير مستجاب!؟ فيقول حينها: لا بأس دعائي غير مستجاب، فإلى من أذهب؟ ليس لنا إلهاً آخر …! وليوكل إليه أمورنا! حينئذ نذهب إليه، نحن ليس لدينا إله آخر! الإله هو الله ولا إله إلا الله؛ فيجب أن نهرب إليه.

إن قيل للإنسان: لا قابليّة لك كي يستجاب دعاؤك، فيجب أن يكون جوابه: هؤلاء الذين يتمتّعون بالقابليّة من أين جاؤوا بها؟! الله هو الذي أعطاهم، إذن الله يمكنه أن يعطينا أيضاً!

إنْ قيل: لقد عصيتَ إلى حدّ بلغت معاصيك مرحلة غير قابلة للمغفرة، عليه أن يجيب: لمَ لا تقبل المغفرة؟ الذنب أكبر أم مغفرة الله لهذه الذنوب التي نقوم بها؟!

روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إن ربكم حي كريم، يستحيي أن يبسط العبد يديه إليه فيردهما صفرا.

وروي عن الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قال: لا تستحقروا دعوة أحد، فإنه يستجاب لليهودي فيكم، ولا يستجاب له في نفسه.

ويجب أن يجد الإنسان في مقابل كلّ وسوسة من وساوس الشيطان جواباً، لأنّ الإنسان مخلوق الله وهو متعلّق بالله، و قيّومه هو الله، وكل هذه الأثقال يضعها العبد بين يدي الله، و هو نفسه وعد أن يستجيب الدعاء.

لكن إذا ما حاولوا إعاقة الإنسان، فعليه ألا يتراجع.. إذا طُرد وأبعد عن هذا الباب فهناك باب آخر، وإن طرد عن هذا أيضاً عليه أن يأتي باباً ثالثاً، إن رُفض، يذهب إلى صاحب الدار! لأنّ صاحب الدار شخص واحد لا أكثر، ليس لدينا صاحبان للدار كما أنه ليس هناك سوى دار واحدة.

روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: أكثر من الدعاء، فإنه مفتاح كل رحمة، ونجاح كل حاجة، ولا ينال ما عند الله إلا بالدعاء، وليس باب يكثر قرعه إلا يوشك أن يفتح لصاحبه.

والاستجابة السريعة للدعاء تأتي للعبد بفضل الترابط بين المؤمنين في كل شيء.

روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: أسرع الدعاء نجحا للإجابة دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب، يبدأ بالدعاء لأخيه فيقول له ملك موكل به: آمين ولك مثلاه.

تعتبر حادثة المباهلة وما نزل فيها من القرآن من الفضائل التي لا ينكرها أحد على مر التاريخ، لأن ألفاظ الآية النازلة في المباهلة ومفرداتها تكشف عن مكانة ومقام من باهل بهم رسول الله (صلى الله عليه وآله).

يصرّح المفسرون من الشيعة والسنة أن آية المباهلة قد نزلت بحق أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله، وأن الذين اصطحبهم النبي (صلى الله عليه وآله) معه للمباهلة بهم: الحسن والحسين وفاطمة وعلي (عليهم السلام) وعليه، فإن (أبناءنا) الواردة في الآية ينحصر مفهومها في الحسن والحسين (عليهما السلام)، ومفهوم (نساءنا) ينحصر في فاطمة (عليها السلام)، ومفهوم (أنفسنا) ينحصر في علي (عليه السلام) وهناك أحاديث كثيرة بهذا الخصوص.

النبي صلى الله عليه وآله يباهل نصارى نجران

ولقد باهل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نصارى نجران بأهل بيته (عليهم السلام) بعدما نزل القرآن يدعوه إلى ذلك بقوله تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة آل عمران: {فمن حآجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين}.

فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الحسن والحسين (عليهما السلام) فكانا ابنيه ودعا فاطمة (عليها السلام) فكانت في هذا الموضع نساءه ودعا أمير المؤمنين (عليه السلام) فكان نفسه.

لكن النصارى امتنعوا عن المباهلة لقلة ثقتهم بما هم عليه وخوفهم من صدق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

وفي بعض الأخبار انّهم لو باهلوه لرجعوا لا يجدون أهلاً ولا مالاً.

وروي ان الأسقف قال لأصحابه: إنّي لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله فلا تبتهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة.

وروي ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: والذي نفسي بيده لو لاعنوني لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم الوادي عليهم ناراً ولما حال الحول على النصارى حتى هلكوا كلهم.

النتيجة هي أن الدعاء هو المفتاح الذي نفتح به خزائن رحمة الله، وخزائنه لا نفاد لها، لكن ليس كلّ الناس يملكون مفاتيح خزائن رحمة الله، وليس كلّ الناس يحسن فتح خزائن رحمة الله، فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام في قوله تعالى: (مَا يَفْتَح اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِك لَهَا)  أنّه قال : الدعاء.

ونحن في هذه الأيام والليالي المباركة نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.

إنّ الدعاء لإمام الزمان عجل الله فرجه ،بتعجيل فرجه وكشف كربته ونصره على أعدائه يدخل السرور على قلبه وبذلك يدخل السرور على قلوب أهل البيت عليهم السلام، روي عن الحارث بن المغيرة عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «العارف منكم هذا الأمر المنتظر له المحتسب فيه الخير كمن جاهد والله مع قائم آل محمّد بسيفه » ثمّ قال: (بل والله كمن استشهد مع رسول الله في فسطاطه ).

ولا يثبت على أمرهم في عصر الغيبة إلّا من وفّق للدعاء بتعجيل الفرج.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الليلة العشرون

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

يَا مُقَيِّضَ الرَّكْبِ لِيُوسُفَ في الْبَلَدِ الْقَفْرِ، وَمُخْرِجَهُ مِنَ الْجُبِّ وَجَاعِلَهُ بَعْدَ الْعُبودِيَّةِ مَلِكاً، يَا رآدَّهُ عَلى يَعْقُوبَ بَعْدَ أنِ ابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ. يَا كَاشِفَ الضُّرِّ وَالْبَلْوى عَنْ اَيُّوبَ، وَمُمْسِكَ يَدَىْ اِبْراهِيمَ عَنْ ذَبْحِ ابْنِهِ بَعْدَ كِبَرِ سِنِّهِ، وَفَنآءِ عُمُرِهِ، يَا مَنِ اسْتَجَابَ لِزَكَرِيّا فَوَهَبَ لَهُ يَحْيى، وَلَمْ يَدَعْهُ فَرْداً وَحِيداً، يَا مَنْ أخْرَجَ يُونُسَ مِنْ بَطْنِ الْحُوتِ، يَا مَنْ فَلَقَ الْبَحْرَ لِبَنِي إسْرآئِيلَ فَأَنْجَاهُمْ، وَجَعَلَ فِرْعَوْنَ وَجُنُودَهُ مِنَ الْمُغْرَقِينَ.

وعد الله عز وجل عند اشتداد الكرب مؤذن بزواله، والعسر يتبعه اليسر، ومن اعتصم بالله -تعالى- جاءه الفرج مسرعاً إليه لأن كل شيء بيد الله وحده، وقد قص علينا القرآن الكريم قصصا انفراج الحال بعد عسرته، سواء عند الأنبياء أو الصالحين، وقد يطول الكرب كثيراً، ولكن الفرج يأتي بعد ذلك معوضاً عن لحظات الحزن والشدة.

رجال نَوَّه الله بشرفهم في القرآن، في آيات تتلى على مرّ الأيام والأعوام والأزمان، فشرفهم ثابت راسخ، ومكانتهم عالية رفيعة.

ويرى المؤمن في كتاب الله كيف يفخم الله شأن أنبيائه ورسله عليهم السلام، وينوه بذكرهم، ويمدح أفعالهم وأحوالهم، ويدعو المؤمنين للاقتداء والاهتداء بهديهم..

إن من أعظم ما يغرسه القرآن في قلوب المؤمنين أن يعظموا الرسل والأنبياء، ويحبوهم ويقتدوا بهم، ويبغضوا من خالفهم وناوأهم وعاداهم.

 روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: إن أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الذين يلونهم، الأمثل فالأمثل.

إنَّ الإمام الحسين الشهيد (عليه السلام ) قد ورث كمالاتِ الأنبياء عليهم السلام، كلِّ الأنبياء، وملكاتِهم، وسجاياهم، وورث مكارم أخلاقهم، كلُّ ذلك قد ورثه الإمام الحسين الشهيد (عليه السلام ) من الأنبياء، وورث مناصبَهم والمسؤولياتِ التي أُنيطت بهم، فكما كانوا حُججَاً لله تعالى على خلقه والأدلاءَ عليه، وعلى شريعته كذلك هو الإمام الحسين (عليه السلام ) كان حجَّةَ الله على جميع خلقه، والدليلَ على دينه وشريعته، وورث الحسين (عليه السلام ) الرسالات التي أُنزلت عليهم فكُلِّفوا بحمل أعبائها، كذلك حملَ الإمام الحسين(عليه السلام) أعباءَ رسالات الله عزوجل.

روي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: ‏‎حسين مني وانا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط.

وأنبياء أهل الكتاب مثل جريان السنة الربانية الواحدة في السابقين اللاحقين من عباده المخلَصَين ليُعلم مقام الأنبياء والأوصياء من السماء، فعلى الرغم من اختلاف الزمان والمكان والعقائد والتشريعات إلا أنها تصدر من عين صافية واحدة، أذكر بعض ما جرى عليهم.

روي عن أبو بصیر قال: قلت للصادق (عليه السلام): ما كان دعاء يوسف (عليه السلام) في الجبّ؟ فإنّا قد اختلفنا فيه،

فقال(عليه السلام): إنّ يوسف(عليه السلام) لمّا صار في الجبّ وآيس من الحياة،

قال: «اللّهمّ، إن كانت الخطايا والذنوب قد أخلقت وجهي عندك، فلن ترفع لي إليك صوتاً ولن تستجيب لي دعوة، فإنّي أسألك بحقّ الشيخ يعقوب فارحم ضعفه، واجمع بيني وبينه، فقد علمت رقّته عليّ وشوقي إليه».

ثمّ بكى الصادق (عليه السلام)، ثمّ قال وأنا أقول: «اللّهمّ، إن كانت الخطايا والذنوب قد أخلقت وجهي عندك، فلن ترفع لي إليك صوتاً، فإنّي أسألك بك فليس كمثلك شيء، وأتوجّه إليك بمحمّد (صلى الله عليه وآله) نبيّك نبيّ الرحمة، يا الله، يا الله، يا الله، يا الله، يا الله» ثمّ قال الصادق (عليه السلام): قولوا هذا وأكثروا منه، فإنّي كثيراً ما أقوله عند الكرب العظام.

روي عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهم السلام) قال: إن أيوب (عليه السلام) ابتلي سبع سنين من غير ذنب، وإن الأنبياء لا يذنبون لأنهم معصومون مطهرون لا يذنبون ولا يزيغون ولا يرتكبون ذنبا صغيرا ولا كبيرا.

وقال: إن أيوب من جميع ما ابتلي به لم تنتن له رائحة، ولا قبحت له صورة، ولا خرجت منه مدة من دم ولا قيح، ولا استقذره أحد رآه، ولا استوحش منه أحد شاهده، ولا تدود شيء من جسده، وهكذا يصنع الله عز وجل بجميع من يبتليه من أنبيائه وأوليائه المكرمين عليه.

وإنما اجتنبه الناس لفقره وضعفه في ظاهر أمره، لجهلهم بما له عند ربه تعالى ذكره من التأييد والفرج، وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أعظم الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل.

وإنما ابتلاه الله بالبلاء العظيم الذي يهون معه على جميع الناس لئلا يدعوا له الربوبية إذا شاهدوا ما أراد الله أن يوصله إليه من عظائم نعمه متى شاهدوه، وليستدلوا بذلك على أن الثواب من الله على ضربين: استحقاق واختصاص، و لئلا يحتقروا ضعيفا لضعفه، ولا فقيرا لفقره، ولا مريضا لمرضه، وليعلموا أنه يسقم من يشاء ويشفي من يشاء متى شاء كيف شاء، بأي سبب شاء، ويجعل ذلك عبرة لمن شاء، وشقاوة لمن شاء، وسعادة لمن شاء، وهو عز وجل في جميع ذلك عدل في قضائه، وحكيم في أفعاله، لا يفعل بعباده إلا الأصلح لهم، ولا قوة لهم إلا به.

في خصال شيخنا الصدوق بسنده عن الفضل بن شاذان قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: لما أمر الله عز وجل إبراهيم أن يذبح مكان ابنه إسماعيل الكبش الذي أنزله عليه، تمنّى إبراهيم عليه السلام أن يكون قد ذبح ابنه إسماعيل بيده، وإنّه لم يؤمر بذبح الكبش مكانه، ليرجع إلى قلبه ما يرجع إلى قلب الوالد الذي يذبح أعزّ ولده عليه بيده، فيستحق بذلك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب، فأوحى الله عزّ وجل إليه.

يا إبراهيم من أحبّ خلقي إليك؟

فقال: يا ربّ ما خلقتَ خلقاً هو أحبّ إليّ من حبيبك محمد، فأوحى الله تعالى إليه، أفهو أحبّ إليك أم نفسك؟

قال: بل هو أحبّ إليّ من نفسي.

قال: فوَلده أحبّ إليك أم وَلدك؟

قال: بل وَلَده.

قال: فَذَبح ولده ظلماً على أيدي أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح ولدك بيدك في طاعتي؟

قال: يا ربّ بل ذبح ولده ظلماً على أيدي أعدائه أوجع لقلبي.

قال: يا إبراهيم فإنّ طائفة تزعم أنها من أمّة محمّد، ستقتل الحسين ابنه من بعده ظلماً وعدواناً، كما يذبح الكبش، ويستوجبون بذلك سخطي.

فجزع إبراهيم عليه السلام لذلك وتوجّع قلبه، وأقبل يكبي، فأوحى الله عز وجل إليه: يا إبراهيم قد فديت جزعك على ابنك إسماعيل لو ذبحته بيدك بجزعك على الحسين وقتله، وأوجبت لك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب وذلك قول الله عز وجل: ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ .

ونحن في هذه الأيام والليالي الحزينة باستشهاد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.

عن حبيب بن عمرو قال: دخلت على أمير المؤمنين علي عليه السلام   في عيادته بعد جرحه فقال: يا حبيب! أنا والله مفارقكم الساعة!

فبكيت، وبكت ابنته أُم كلثوم،

وقال لها: يا بنيّة لا تبكي! فوالله لو ترين ما يرى أبوك ما بكيت! أرى الملائكة وهم ملائكة الرحمة، وأرى النبيين والمرسلين وقوفاً عندي، وهذا أخي محمد رسول الله صلى الله عليه وآله  ، وهذه فاطمة وخديجة، وهؤلاء حمزه وجعفر وعبيدة عندي، ومحمد صلى الله عليه وآله  يقول لي: إن أمامك خيراً لك مما أنت فيه. ثم قال: الله الله الله! فتوفي صلوات الله عليه وعليهم.

فلما كان من الغد، خطب الحسن ابنه عليه السلام فقال: أيها الناس! في هذه الليلة نزل القرآن، وهي ليلة القدر، وقتل يوشع بن نون، وقتل أبي أمير المؤمنين عليهم السلام. وكان أفضل الأوصياء الذين كانوا قبله وبعده، وما ترك صفراء ولا بيضاء، إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه، كان يجمعها ليشتري بها خادماً لأهله).

فانا لله وانا اليه راجعون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين.

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

الليلة التاسعة عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

يَا اَللهُ يَا اَللهُ، يَا بَدِئُ يَا بَدِيعُ، لاَ نِدَّ لَكَ، يَا دائِماً لاَ نَفَادَ لَكَ، يَا حَيّاً حِينَ لاَ حَيَّ، يَا مُحْيِيَ الْمَوْتى، يَا مَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ.

إن روح العبادة وأصلها تعظيم الله جل وعلا، هو جلالها وجمالها وبهاؤها، وأكثر الناس معرفة بربهم أشدهم له تعظيماً.

ومن عظم الله تعالى، أكثر ذكره وشكره ودعاءه واستغفاره، وسارع إلى طاعته ورضاه.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الأنعام:{ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِين * وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُون * ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِين}.

روي عن الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام قال: أعلم الناس بالله سبحانه أخوفهم منه.

روي عن أبي بَصيرٍ، قال: قال أبو جعفرٍ عليه السلام قال: اذكروا مِن عظمةِ الله ما شِئتُم ولا تذكُرُوا ذاتَهُ فإنكُم لا تَذكُرُونَ مِنه شَيئاً إلا وَهُوَ أَعظَمُ مِنهُ.

العبد يعظم الله من خلال كثرة ذكره وحمده وشكره واستغفاره، ومن تعظيم الله تعالى: مخافة الله في السر والعلانية، والابتعاد عن الذنوب، ومن أهم تعظيم الله الالتزام بما أمر، أحب في الله، وأبغض في الله، فقد روي أنّ الله أوحى إلى بعض عبّاد بني إسرائيل وقد دخل قلبه شيء: أمّا عبادتك لي فقد تعزّزت بي، وأمّا زهدك في الدنيا فقد تعجّلت الراحة، فهل واليت لي وليّاً أو عاديت لي عدوّاً؟ ثمّ أمر به إلى النار _ نعوذ بالله منها.

وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لبعض أصحابه ذات يوم: يا عبد الله، أحبّ في الله، وأبغض في الله، ووال في الله، وعاد في الله، فإنّه لا تنال ولاية الله إلّا بذلك، ولا يجد رجل طعم الإيمان _ وإن كثرت صلاته وصيامه_ حتّى يكون كذلك، وقد صارت مؤاخاة الناس يومكم هذا أكثرها في الدنيا، عليها يتوادّون وعليها يتباغضون، وذلك لا يغني عنهم من الله شيئاً. فقال له: وكيف لي أن أعلم أنّي قد واليت وعاديت في الله؟ ومن وليّ الله عزّ وجلّ حتّى أواليه؟ ومن عدوّه حتّى أعاديه؟ فأشار له رسول الله صلى الله عليه وآله إلى عليّ عليه السلام. فقال: أترى هذا؟ فقال: بلى، قال صلى الله عليه وآله: وليّ هذا وليّ الله، فواله، وعدوّ هذا عدوّ الله فعاده، قال صلى الله عليه وآله: وال وليّ هذا ولو أنّه قاتل أبيك وولدك، وعاد عدوّ هذا ولو أنّه أبوك أو ولدك.

أرسل الله تعالى الأنبياء إلى النّاس، ليس لأجل وضع الفطرة فيهم أو إنشائها في بواطنهم، بل من أجل هدايتهم إلى ما تصبو إليه هذه الفطرة الكامنة فيهم من التعظيم لله والتمسك بالإقرار بوحدانيته، ومعرفة أن الحب والبغض لله طريق الحق، أهل البيت عليهم السلام هم المظهر الأتم للكمال والمصداق الواقعي للمحبة الحقيقيّة وإليهم تهفو القلوب الصادقة والنفوس الطاهرة.

روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: إذا أردت أنَّ تعلم أنّ فيك خيراً فانظر إلى قلبك. فإذا كان يحب أهل طاعة الله، ويبغض أهل معصيته، ففيك خيرٌ، والله يحبك. وإذا كان يبغض أهل طاعة الله، ويحب أهل معصيته، فليس فيك خيرٌ، والله يبغضك، والمرء مع من أحب.

وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من رزقه الله حبّ الأئمة من أهل بيتي فقد أصاب خير الدنيا والآخرة. فلا يشكّن أحدٌ أنّه في الجنة، فإنّ في حبّ أهل بيتي عشرين خصلة، عشر منها في الدنيا، وعشر في الآخرة، أمّا في الدنيا فالزهد، والحرص على العمل، والورع في الدين، والرغبة في العبادة والتوبة قبل الموت، والنشاط في قيام الليل، واليأس مما في أيدي الناس، والحفظ لأمر الله (عزّ وجلّ) ونهيه والتاسعة بغض الدنيا، والعاشرة السخاء.

أمّا في الآخرة: فلا ينشر له ديوان، ولا ينصب له ميزانٌ، ويُعطى كتابه بيمينه، ويكتب له براءة من النّار، ويبيّض وجهه، ويكسى من حلل الجنّة، ويشفّع في مئة من أهل بيته، وينظر الله عزّ وجلّ إليه بالرحمة، ويتوّج من تيجان الجنّة، والعاشرة يدخل الجنّة بغير حساب.

ونحن في هذه الأيام والليالي المباركة نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: المهدي رجل من ولدي، وجهه كالقمر الدري…. يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا يرضى بخلافته أهل السماء وأهل الأرض والطير في الهواء.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الليلة الثامنة عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

يَا مَنْ خَصَّ نَفْسَهُ بِالْسُّمُوِّ وَالرِّفْعَةِ، فَأوْلِيآئُهُ بِعِزِّهِ يَعْتَزُّونَ، يَا مَنْ جَعَلَتْ لَهُ الْمُلُوكُ نِيرَ الْمَذَلَّةِ عَلى أعْنَاقِهِمْ، فَهُمْ مِنْ سَطَواتِهِ خَائِفُونَ، يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِى الصُّدُورُ، وَغَيْبَ مَا تَأتِِي بِهِ الأَزْمِنَةُ وَالدُّهُورُ.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورك يونس: {إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ۚ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.

العزة هي القوة وكمال القدرة التي تغلب كل أحد ولا يغلبها أحد، ومن أسماء الله الحسنى العزيز، فهو الغالب لكل شيء، ومن ذلَّ لعزته كل عزيز، والعزيز المنيع الذي لا يغالب ولا ينال جنابه لعزته وعظمته وجبروته وكبريائه.

فالمعنى الحقيقي للعزّة خاصّ بالله تعالى، لأنّ جميع مخلوقاته وهي فقيرة في ذاتها محتاجة إليه، ولا تمتلك شيئاً إلّا بفضل الله وكرمه.

روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: إن الله تبارك وتعالى أعطى المؤمن ثلاث خصال: العز في الدنيا والآخرة، والفلج في الدنيا والآخرة، والمهابة في صدور الظالمين.

 والله سبحانه وتعالى ضرب أمثلة رائعة في كتابه لمثل هذه الحالات مع أنبيائه ورسله، وقد أخذوا العزة والقوة من الله عزوجل، وقد أشار الله في محكم كتابه العزيز عند ذكر نبيه إبراهيم وما جرى مع النمرود وموسى مع فرعون، وقارون وما آل إليه أمره.

فبدون طاعة الله سبحانه وتعالى وتحري رضاه، في التسليم المطلق لأوامره والزجر لنواهيه.

يقول النبي (صلى الله عليه وآله): إن ربكم يقول كل يوم أنا العزيز، فمن أراد عز الدارين فليطع العزيز.

فالملوك والجبابرة يخافون من مكر الله تبارك وتعالى، والتغير الذي يطرأ على أحوالهم بحكمة الله تبارك وتعالى ترعبهم، فكم ملك فقد ملكه، وانقلب عليه وزرائه، وتغير عليه الحال وصار يبحث عن الملجأ والمخبأ بعد أن كان يتطاول عليه بأني ربكم الأعلى، أو لا أرى لكم إلا ما أرى، ولا أهديكم إلا سبيل الرشاد.

وكثير من الناس يتوهم أن المناصب التي يحصل عليها هي العز الذي ينشده.

روي عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) قال: ما ترك الحق عزيز إلا ذل ولا أخذ به ذليل إلا عز.

فكلما ابتعد الناس عن الحق ذلوا، فكان الانقلاب المشؤم يوم السقيفة أول ذل لهذه الأمة عندما تركوا ما أوصى به نبيهم صلى الله عليه و آله، و كأنه صلى الله عليه وآله يخبرهم بما تخفي صدورهم وخائنة الأعين، وكيف لا وهو لا ينطق عن الهوى، إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى.

روي عن ابن عباس قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وآله المنبر فخطب واجتمع الناس إليه فقال: يا معشر المؤمنين، إنّ الله عزّ وجلّ أوحى إليَّ أنّي مقبوض، وأنّ ابن عمّي علياً مقتول، وإنّي أيها الناس! أخبركم خبراً إن عملتم به سلمتم، وأن تركتموه هلكتم: إنّ ابن عمّي علياً هو أخي ووزيري، وهو خليفتي، وهو المبلّغ عنّي، وهو إمام المتّقين وقائد الغرّ المحجّلين، إن استرشدتموه أرشدكم، وإن اتبعتموه نجوتم، وإن خالفتموه ضللتم، وإن أطعتموه فالله أطعتم، وإن عصيتموه فالله عصيتم، وإن بايعتموه فالله بايعتم ، وإن نكثتم بيعته فبيعة الله نكثتم ، إنّ الله عزّ وجلّ أنزل عليَّ القرآن وهو الذي مَن خالفه ضلّ ، ومَن ابتغى علمه عند غير علي ( عليه السلام ) هلك .

أيها الناس ! اسمَعوا قولي! واعرفوا حقّ نصيحتي ، ولا تُخالفوني في أهل بيتي إلاّ بالذي أُمرتم به ، ومَن حفظهم فقد حفظني ، فإنّهم حامتي وقرابتي وإخواني وأولادي ، فإنّكم مجمعون ومُساءلون عن الثقلين ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنّهم أهل بيتي ، فمَن آذاهم فقد آذاني ، ومَن ظلمهم فقد ظلمني ، ومَن أذلّهم فقد أذلّني ، ومَن أعزّهم فقد أعزّني ، ومَن أكرمهم أكرمني ، ومَن نصرهم نصرني ، ومَن خذلهم خذلني ، ومَن طلب الهُدى في غيرهم فقد كذّبني ، أيها الناس اتقوا الله وانظروا ما أنتم قائلون إذا لقيتموني ، فإنّي خصم لمن آذاهم ، ومَن كنتُ خصمه فقد خصمته ، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.

وها قد أتت الأزمنة والدهور ما حذر به النبي صلى الله عليه وآله هذه الأمة، فاجعة تتبعها أخرى، فمن ظلامة بنت نبيهم عليها السلام إلى اللحاق بأبيها صلى الله عليه وآله، مقهورة مغصوبة حقها شهيدة مظلومة، وهي أول اللاحقين به، وبعدها بعلها الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في مسجد الكوفة مخضوب بدمائه، فعلها أشقى الأشقياء عليه اللعنة، وبعدها السبط المجتبى عليه السلام مسموما مظلوما، وبعده من بكته جميع مخلوقات رب العزة والجلال،  قال السيد بن طاووس رحمه الله في كتاب الملهوف على أهل الطفوف، و الشيخ ابن نما رحمه الله في مثير الأحزان مسندا الرواية للسيد: إن عمر بن سعد بعث برأس الحسين عليه الصلاة و السلام في ذلك اليوم و هو يوم عاشوراء مع خولي بن يزيد الأصبحي، و حميد بن مسلم الأزدي، إلى عبيد الله بن زياد و أمر برؤوس الباقين من أصحابه و أهل بيته، فنظفت و سرح بها مع شمر بن ذي الجوشن، و قيس بن الأشعث، و عمرو بن الحجاج، فأقبلوا بها حتى قدموا الكوفة، و أقام بقية يومه و اليوم الثاني إلى زوال الشمس، ثم رحل بمن تخلف من عيال الحسين عليه السلام، و حمل نساءه على أحلاس أقتاب بغير وطاء، مكشفات الوجوه بين الأعداء، و هن ودائع خير الأنبياء و ساقوهن كما يساق سبي الترك و الروم في أسر المصائب و الهموم و لله در القائل:

يصلى على المبعوث من آل هاشم *

ويغزى بنوه إن ذا لعجيب

قال: ولما انفصل ابن سعد عن كربلاء، خرج قوم من بني أسد فصلوا على تلك الجثث الطواهر، المرملة بالدماء، ودفنوها على ما هي الآن عليه.

ونحن في هذه الأيام والليالي المباركة نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.

روي عن الهروي ، قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام : يابن رسول الله ، ما تقول في حديث روي عن الصادق عليه السلام أنّه قال : إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسين عليه السلام بفعال آبائها ؟

فقال: هو كذلك.

فقلت: وقول الله عزّ وجلّ: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ)؟!

قال: صدق الله في جميع أقواله، ولكن ذراري قتلة الحسين يرضون بفعال آبائهم، ويفتخرون بها، ومن رضي شيئاً كان كمن أتاه، ولو أنّ رجلاً قتل بالمشرق فرضى بقتله رجل في المغرب، لكان الراضي عند الله عزّ وجلّ شريك القاتل، وإنّما يقتلهم القائم عليه السلام إذا خرج لرضاهم بفعل آباءهم.

قال: قلت له: بأي شيء يبدأ القائم منكم إذا قام؟

قال: يبدأ ببني شيبة، فيقطع أيديهم؛ لأنّهم سرّاق بيت الله عزّ وجلّ.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مجلة تبليغية عامة