العلم بين الوصف واللقب

بسم الله الرحمان الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين

بعد التفريق بين الطريق العلمي والنتيجة الجاهزة في معلومات الذهن دعونا نطرق بابا خاصا بالادعاء العلمي عند البعض في أنواع المحاورات والجدليات التشككية وكأنهم جعلوا المفاهيم كلها متعلقة بحسب منظورهم الخاص تحت حكمهم فيما هو علمي وما هو معدوم العلمية، لذلك فالحوار يحتاج لبيان الضوابط.

تحمل القضايا على موضوع العلم تارة من جهة وصفية وأخرى من جهة لقبية، بمعنى أن العلمي تكون نسبته للعلم على نحوين :

  1. نحو لقبي : وفيه عدم اعتماد الوصف الواضح لمفهوم العلم كموضوع يعتبر جامدا وبهذا يكون الموصوف لم يذكر فلا يمكن أن يعتمد عليه الوصف حكما.
  2. نحو وصفي: وهو أن يكون الموصوف مذكورا

فالعلقة الطبيعية بين الموضوع (العلم) والمحمول (العلمي) هل تعد وصفا أم لقبا؟

مقتضى الحال أن يتصف المنهج المسمى بالعلمي بحسب الوصف المذكور لأنه إذا انتفى الموضوع عنه ينتفي وصفه حتما أو يصبح المفهوم مشوشا بين المتحاورين.. أي أن الأدوات المستعملة في منهج الاستدلال يجب أن تحمل الصورة العلمية المستعملة في أي علم مدعى حتى يستطيع المحاور أن يستبين الطريق المتبع للوصول للنتائج المعلنة بأي حال، ومن هنا قد تظهر الصور الوصفية في نسبها الأربعة مع موضوع الحكم من جهة التساوي والعموم والخصوص والتباين فيتفاوت مفهوم العلمية في مديات علاقاته الطبيعية بالعلم ومحمولاته.

حتى لو ناقشنا اللقب العلمي وكل منهج ملقب بالعلمي حيث أن موضوع العلم يكون جامدا أو حكما إلا أن متعلقات الموضوع المتعددة لا تنفيه بل قد تنفي المتعلق المحدد أو الحكم أو تعلقه حتى يتحقق وصفه وفق ضوابط العلم والمتحاورين عموما.

أما إذا انتفى مفهوم العلم وهو الموضوع الذي نحمل عليه المتعلقات فلا يبقى محل للحمل فتنتفي العلقة الطبيعية لأنه الأساس في القضية وجودا وعدما.

ومن هذا المنطلق العقلائي يجب ضبط الأحكام في وصف الحوار العلمي وعدمه بين المتحاورين، فلا نحكم جزافا على شيء أنه علمي أو غير ذلك لمجرد عدم التقاء طريق الاستنباط والاستدلال والاستنتاج بالمؤدى الذي تعقلناه، فالحكم والصفة متعلقتان بالموضوع على نحو اشتقاقي بإمكانه أن يشمل أفرادا وصفات أخرى تسانخه في المعنى عموما.

وموضوع العلم وإن اعتبرناه جانبا في اللقب أو كان وصفا فأفراد مشتقاته الكثيرة لها أوصاف واضحة المعالم كل حسب موضوعه كما أسلفت في مواضيع العلوم في المقالات السابقة، وصفها واضح بحسب الموضوع المطروق في الاستدلال كل بحسبه وكيفيات مسائله العلمية فالأرقام للمقيس والمعدود، والكلام والمنطق للعقليات والذهنيات .. وهكذا.

وإن دخل الاحتمال ليبطل الاستدلال فليس هناك طريق أوحد فريد لنعتبره فيصلا علميا كما يفعل البعض خصوصا إذا كانت العلقة الطبيعية بين الموضوع والمحمول من وجه أو من المشتقات حيث يمكن مناقشة المسانخات والمتشابهات اللائي تحويهن نفس هذه العلقة.

ولكن الفيصل والتفرد هو طريق بيان نفس موضوع العلم ونوعه لاتباع طرق استدلالنا حسب موضوعه والتقيد في طرقه الاستدلالية للوصول للنتائج بآلياته الخاصة دون ضياع ماهيته و موضوعيته التي تربط المتحاورين بالمعيار الموحد في تقييم الاحتمالات والاستدلالات .. أو الاحتكام للمعايير الدالة على نفس موضوع العلم حتى لو لم يتم التصريح به كموضوع يحمل عليه الوصف أو اللقب.

فما انتشر اليوم من علوم تفسيرية كالفيزياء والأحياء وبعض المضامين والمفاهيم قد ضيعت بوصلة العلم المدعى من أحياء أو غيره باتباع طرق الاستدلال الفلسفية بجعل طرق حصر الاحتمالات هي المتفردة بالحكم مع وجود تفاسير أخرى لاحتمالات متعددة في وصف نفس المعلولات والعلل وعدم وجود المقيد لذلك الحصر ولا حتى أدوات الاستثناءات ! لذلك عكف علماء تلك العلوم رفض تلك الطريقة الاستدلالية واعتبروها غير علمية بحسب مواضيع علمهم المادي والمعياري القائم على المحسوس والملموس بعيدا عن قصص ألف ليلة وليلة ومليارات السنين المدعاة في سيناريوهات علمية معينة مع فرض كثير من الصدف ..

فالأمر أشبه بمن يدعي أن تكون المسطرة محتوية على إحدى عشر مليمتر لكل سنتيمتر نظرا لتمدد الأخشاب في الصيف أو اختلاف قالب النجار واعتماد ذلك علميا لكونها لو استعملتها لوحدها لكانت مقياسا لا يخطيء المساحات حال استخدامها حيث أنه يمكن استعمالها في القياس باعتبار كل 5 سنتيمترات عبارة عن 55 مليمتر مثلا، ولكن ماذا عن مطاطيتها المتغيرة التي أصبحت غير ثابتة إن صح ذلك حسب الفرض مع أن الفرض لا يعتد به لأنه لم يحصل ماديا في الخارج ، فالاحتمال الذهني الخاص من علم الفيزياء ما كان إلا قضية ذهنية في مخيلة الفرض المعلوماتي في هذا الافتراض، وإلا لكانت المعايير في فصل الشتاء غير معايير فصل الصيف، والتمدد الموجود في الأسلاك يختلف فرضه عن فرض هذه المسألة، حيث أننا نتكلم هنا عن ضرورة ثبوت المعيار وهو المسطرة أو آلات العلم المحكومة بمواضيع العلوم لا عن مجرد التمدد والانكماش في المواد فهو من المسلمات، ومع فرض كون المسطرة تتمدد وتنكمش بطريقة تخل بالمعيار سيسقط اعتبارها عند علماء الرياضيات .

وكذلك يجب عليهم الالتزام بمعايير العلوم ومواضيعها في طرق استدلالهم لتحمل المعنى العلمي حكما سواء كان لقبا أو وصفا لأن موضوع العلم منتفي في استدلال اللاأدريين والملحدين وبهذا تسقط العلقة وينتفي ما يدعونه من الطرق العلمية لعدم توفر موضوع العلم كالفيزياء والأحياء فعلا.

ولكن لو قيمنا طرقهم الخاصة بشكل ما فلن نجدها سوى سفسطات اعتمدت نتائجا علمية جاهزة لتفسرها بنظام اختيار الاحتمالات في سيناريو خاص يتشبه بالطريق العلممي، ولكن ماذا لو سألناهم عن موضوع العلم الذي نسبوا علمية طريقة استدلالهم له فأي علم سيتصف به بحثهم خصوصا أننا بتنا نحتاج لموضوع علم يتصف به طريقهم العلمي المدعى؟ فيزياء؟ أحياء؟ فلسفة؟ كيمياء؟

الحمد لله رب العالمين.

 

المعلومات بين الواقعية والخيال

سم الله الرحمان الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين ..

في حركة العقل الباحثة بين المعلومات المختلفة، تتكرر عدة حالات من الكلام الشائع في النقاشات وتتردد الطرق المتبعة عند كثير من المتحاورين، فتطول النقاشات عبر تعددية فهم الفكرة وتنوع الاختصاصات المنهجية في تداولها وهذا صحي وطبيعي .

لكن !

هناك ما يمكن قبوله في الحوار العلمي ويكون ملزما في النقاش عبر السياق الاستدلالي بشقيه المباشر وغير المباشر، وهناك حالة من تداول نتائج يراها الملتزم بها ملزمة للكل نظرا لكونها علمية في نظره الخاص الشخصي، مع كون العلم لا يصلح في حالاته المجردة لأن يكون فيصلا دائما كما سيأتي في المقالات القادمة..

إن البحث في النتائج التي توصل لها العلم بالمعنى الشايع لايعد استدلالا يمكن أن تسكن له كل العقول، خصوصا إذا كان المستدل أو المستمع لا يعرف طريقية الاستدلال وشواهد الاستنباط المختصة بهذه النتيجة.

إن ترديد مخرجات نتائج دراسات هنا أو هناك ونظريات احتمالية مجردة لا يعد أكثر من شاهد على نتيجة قد تكون موثقة من جهة تتبنى المنهج العلمي المتبع والذي لا يلزم جهة علمية أخرى اتبعت منهجا علميا مغايرا رغم علمية الطرفين في نظر بعض المجادلين والمحاورين، فلو دققنا في كلام نفس الملحدين والماديين والعلمانيين لوجدناهم يتقاطعون فعلا في النتيجة الداروينية والانفجارية والتشكيكيات وكل نتيجة من تلك النتائج ستتسبب بتكذيب الأخرى ورفضها وإقصائها، فالتمسك بعدم وجود الخالق تحت هذه الشواهد المتناحرة والتي تكذب بعضها اذا ما تم الاعتقاد بها جميعا في آن واحد لا يعد علميا، ولا منهجا منتظما مقنعا ، حيث أنها لا تعدو كونها استعراضا لمعلومات تم الاحتفاظ بها في الذهن من نوعية النتائج وليست لها أي صورة من صور الاستدلال والاقناع لعدم وجود أي صورة من صور القياس العلمي والمنطقي..

من البديهي دخول الشخص في دائرة الشك ودورانه حول نفسه وتقاطعه مع عقله إذا ما اتبع هذا الطريق في تفكيره في صور أقوال ونتائج مجردة عليه أن يقتنع بها نظرا لتهويلات الشهادات الأكاديمية الممنوحة لهذا وذاك أو لتلك المؤسسة أو الهيئة، وكأنها بعد ذلك أصبحت معصومة في كل مخرجاتها ونتائجها ولها الحق بالخروج من الحالة العلمية المعيارية الملزمة إلى التأويلية التفسيرية الفلسفية المبهمة حيث يتشبثون باحتمال مع إمكان وجود احتمالات أخرى خصوصا وعموما في نفس الموضوع وظرفه دون وجود المعيار المرجح سوى تبريرات الصدفة التي قد تصل للاستحالة في فرضياتهم المعلنة.

وقد تلعب المخيلة دورها في ظرفية الصدفة وتجاهل امتناعية الموضوع واستحالاته في خلق صورة قصصية تحمل هيئة الاستدلال العلمي ولكنها لا تستطيع الاستقلال بالنتيجة ولا فرض واقعها الشخصي ضمن تسلسل القوانين العلمية لكونها لم تؤلف صورة القياس ولا مقدماته من صميم واقع موضوع العلوم أصلا، فالمعلومات المبحوثة فاقدة لوضعها الطبيعي وأصبح العقل يبحث في صور المخيلة بدلا من البحث في صور المعلومات الواقعية ولتصبح محمولاته الأولية في الذهن قابلة لكل شيء كشريك الباري وغيره حتى نصل لنسب قياس احتمالات الحدوث ودواليك.

وصورته مثلا أن نفرض:

إن كان لدينا عشرة قرود يمكن لخمسة منها أن تتحول لبشر واثنان لتماسيح حسب التأثير البيئي فما هي نسب احتمالات التحول ؟ فالجواب الحتمي سيكون نسبة 50% تتحول قرود و 20% ستتحول لتماسيح .. فالطريقة علمية رياضياتية لكنها من المخيلة وليست من الذهن لأنها أقرب للخيال من أن تكون واقعا ، فلا القرود تتحول لتماسيح ولا لبشر وإلا لتكررت الحالة في القرود..

ومن هنا تجد معضلتهم في فهم نصوصنا الدينية، فهو غير مستعد لأن يفهم بأن الغضاريف في اللغة والمصطلحات العلمية من العظام وهي عظمات ابتدائية حتى في المصطلحات الطبية، بل يطالبنا بصورة العظم الكامل الذي يتخيله في مخيلته، فهو لم يتخيل سوى نتيجة العظم النهائية ولم يتخيل أن الخلق يبدأ بالغضاريف في تكون العظام لأنه لم يبحث في المعلومات والمفاهيم وإنما في مخيلته ونتائج المعلومات ومنتهياتها، ومن هنا يمكنكم أن تفهموا أن هذا النموذج لا يتلقى المعلومة بل يفرض مخيلته الشخصية على مراداتنا في الكلام ! فهل له الحق في ذلك؟

والحمد لله رب العالمين..

المقدمة

بسم الله الرحمان الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.

للعلم تعاريف متعددة ولكن الشائع عند المناطقة هو حضور صورة الشيء في الذهن .. مع غض النظر عن جدليات ودياليكتيكيات التعريف والتحديد بين الإضافة والزيادة في التعريف، إلا أن القدر الجامع من التعريف هو ما يستحضره الإنسان من صور الأشياء في ذهنه ولكن ليست أي صورة كيفما شاء كي لا يشتبه ويهيم في مخيلته الخاصة المتأثرة ببيئيات ومعلومات استقاها من طرفه الوحيد .. ولو قيل ببحثه في خزينة معلوماته الخاصة سينتج أحد أمرين وهما المطابقة أو المشابهة بحسب ما يحتفظ به عقله من معلومات يختزنها، وعلى هذا ظهر أهل الاختصاص بجودة معلوماتهم بما يحملونه من علوم ونتائج وخبرات أكثر من غيرهم ويتفوقون عليه مهما تشبث برأيه أو تمسك به..

لكل علم موضوع أو مسائل يناقشها كما هو متعارف عند المناطقة والمتخصصين ٫ فاللغة العربية موضوعها أواخر الكلمة، والصرف موضوعه بنية الكلمة، والفلسفة موضوعها الوجود والعدم، والمنطق موضوعه التصور والتصديق، والكيمياء يبحث في ماهيات المواد، والفيزياء في معايير المواد…وهكذا

ولكل علم من هذه العلوم قواعده ومبانيه ومختصيه طالما تمسكوا به بحسب مناهج بحثه واحتياجتهم لمنطقه وطرقه التي تكون منطقية لا يتطرق لها الاحتمال والوسوسة ولا تكون تحصل نتيجة بمرة واحدة في حال وأخرى تخرج بنتيجة أخرى ، فإن مثل هذه القواعد تعد ناقصة وغير تامة وغير فاعلة ولا يمكن التعويل عليها لعدم كون النتيجة واضحة المعالم.

والعقلاء جميعا يعتمدون معايير هذه العلوم إذا كانت ذات مؤدى واضح من حيثيات العلة والمعلول الواضحة والمترتبات واللزوميات والدلالات وغيرها من النتائج الملزمة والتي لا يتطرق إليها الشك ولا تعدد الاحتمالات مع الإلتزام بموضوع العلم الذي يسلكه الباحث ، وإلا لاستدعى الأمر بحثا مطولا حتى القضاء على جميع المشكوكات حسيا ومعرفيا والوصول لحالة من الطمأنينة التي تسكن لها وتركن لواقع نتائجها.

بعض من الناس يجمع معلومات متعددة كثيرة في ذهنه من التواصل الاجتماعي ومن القنوات الفضائية وغيره دون البحث المنظم ويملك أدلة وشواهد خاصة ولكن لا يفهم مدى تأليفها وتصبح كل صورة من الصور في ذهنه تبحث في معلوماته التي جمعها دون معرفة هيئة تأليفها فيتيه عليه موضوع النقاش العلمي وتتيه المقدمات فيظن أنه بملكية هذه الأدلة والشواهد ـمجردة بتصور مجرد وخامة دون انتاج مقدماتهاـ صار عالما يسكن إليه ويملك الحقيقة، فتراه تارة مع فكرة اقتبسها ثم يناقضها بأخرى اقتبسها، دون وعي لولا تنبيه السامعين! ويدعي الإلحاد أو العلمانية أو الليبرالية وهو ليس إلا عقل تشوش بداروين تارة والانفجار الكبير أخرى ودافنشي كود وأمثالهم رغم أن الملحدين الذين يتبعون هذه النظريات مختلفين ومتناحرين في نقاشاتهم أصلا يجمعهم إنكار الخالق فقط، ومن المضحك أن تخبره أنه لايعد حتى ملحدا وما هو إلا خزانة من مقولات جرته للتشويش دون أن يدرك ذلك! وبهذا يكون عقله الذي ادعى تحرره قد خرج من إدراك الخالق إلى عقل عبدة المخلوقين ، ولوتراه كيف يقدس آراءهم ويذكرهم بهالة من العصمة وعدم الخطأ في نتائجهم لأدركت كيف يتعبد بهم رغم رفضهم له نظرا لتشويش أفكاره فلا يعدونه حتى تبعا لهم..

إن العلم والعلمي والدليل والحجة أدوات تسخدم في البحث العلمي المنظم ولكن بإدراك العقل ومعاييره الأولية التي يجمع ويقتنع بها العقلاء كافة، ومنها وضوح الاحتمالات بلا مصادفات .. فمثلا لو بحثنا بسبب اشتعال نار في خشبة ما في الغابة في الصومال مثلا، فالمحققون سيبحثون عن أسباب مؤثرة أوصلت هذه الخشبة لنقطة الاشتعال ، فما رأيكم لو خرجت نتائج التحقيق بأن سبب اشتعال النار هو غاز الهيدروجين الذي جلبته الرياح من أمريكا بعد أن أشعله أحد الناس بولاعة سيجارة من هناك؟ تحت ادعاء أن غاز الهيدروجين سريع الاشتعال ويدعمها ببحوث كيميائية ـ تختص بكون الهيدروجين سريع الاشتعال فقط ـ من هذا وذاك ويصرخ في وجهك أن هذا قول عالم كيميائي يا جاهل! من آنت ؟؟ فهذا فلان العلاني !! الهيدروجين سريع الاشتعال!! الهيدروجين ناره لا ترى عيانا !! الهيدروجين عنصره الكيميائي h!! وكل ماذكره من معلومات لا تمت لتأليف نتيجة الموضوع بأي صله..وهكذا دوليك..

لا غرو أن جميع العلوم يجمعها المنطق، والمؤثرات قد تفسرها الظروف المحيطة التي لها قابلية التأثير الفعلي الذي لا يتخلف عادة عن مؤثره، والمتأثر له قابلية الانفعال بالمؤثر، فالنار تصهر العنصر الكيميائي ولا تحرقه لعدم كونه مركبا ولكنها تحرق الخشب ليتحول إلى رماد لكونه مركبا ..وهكذا فيجب أن لا تتخلف القابليات والملازمات عن المثير ولو صدفة، ولكن الظروف المدعاة هي محل النقاش والصدف المتكررة هي مكان السخرية عند العقلاء نظرا لغرابة اتفاقها متسلسلة في قصة متناغمة من الانفعالات بين المثير والمادة..

ونظرا لكون الطرق التي يسلكها الباحثون والبحاثة هي المعيار بقبول النظريات والدعاوى تحت معايير منطقية معقولة، فلذلك حينما استحدث الأحفوريون والفيزيائيون الفيزياء التفسيرية والأحياء التفسيرية وغيرها من الحداثويات بعد أن رأوا عجز المادة وظروفها عن تفسير ما يشاؤون الوصول إليه بنتائج مسبقة صاروا مع الفلاسفة و المناطقة وجها لوجه في نقاش محتدم بالإلزام العلمي والإلتزام به في الوقت الذي ادعى فيه هؤلاء أنهم أهل اختصاص والفلاسفة والمناطقة ليسوا كذلك وكأن الموضوع مازال في الأحياء ومازال في الفيزياء وكأن احتمالاتهم المفتوحة التي تضم فوق قابلية المادة وتحتها وتفرض قصص الصدف عليها ليست أفكارا فلسفية صرفة تستدعي النقاش والثبات العلمي!!

بمعنى آخر :

لو تفلسف النجار في تركيبات أخشابه الكيميائية لكان قد تدخل فيما لايعنيه ولو كانت الخشب مواده، ولو تفلسف الكيميائي بكيفيات صنع الطاولات الخشبية والكراسي والأثاث لأتلفها لنا وكان النجار أولى بها ، ولو تدخل كليهما في معايير الخشب الفيزيائية لخرج الفيزيائي محتجا.. ولكنهم تجمعهم معايير عامة في نوعية وصور الأثاث المختلفة حسب الحاجة ولا يختلف ثلاثتهم عليها، كما ويستطيع الكل النقاش فيها إن كان يملك دراية لازمة لذلك..

فإدخال العلوم التفسيرية المختلفة بمعايير الفلسفة في جوانب عقائدية أو تخص مواضيع عامة كالخلق لا يستدعي دراسة الفيزياء والأحياء والكيمياء نظرا لكون الاحتمالات مفتوحة عند التفسيريين لا ملزم بها لأحد بل غرابتها تجعلها غير صالحة حتى للنقاش! فهي لا تعدو كونها تأويلات ، والتأويل بيد الكل ، ولكنه تحكمه القرائن المقبولة فلسفيا ومنطقيا طالما آنهم جعلوها أداة لبحوثهم التفسيرية، فلا داعي أن يتعرض لهم أهل الاختصاص أو يخصهم بفئة دون فئة،  لأن علومهم ليست تقليدية محكومة بالمادة والمتأثرات والعلل العقلية بل إنهم فلسفوها، لذلك تصدى لنقاشهم أهل المنطق والفلسفة والعقائد ورفض مخرجاتهم أهل الاختصاص من علوم ادعوا اختصاصهم بها ..

والحمد لله رب العالمين

تمهيد

بسم الله الرحمان الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين ..

بعدما أجاب علماؤنا الأجلاء على كثير من فرضيات الملحدين وفلسفاتهم المفسرة للحقائق العلمية باعتمادهم الاحتمالات حتى لو كانت خيالية تعتمد على الصدفة حتى لو كانت من المستحيلات برزت في مجتمعاتنا ظاهرة أخرى وهي اللاأدرية..

قد رفض أهل العلوم المختلفة فكرة إدخال الفلسفة التفسيرية بشكلها العام وسعتها الحالية التي تقترح الاحتمالات المفتوحة حتى من جزء العلة واستنباط العلل غير التامة بتصورات مجردة وإن أعطوها الصفة التفسيرية إلا أنهم يرون أن مخرجاتها غير ملزمة لعلماء العلوم التقليدية الواضحة التي لا يتطرق الشك إلى مخرجات نتائجها المعتمدة على الحدود الواضحة في الأقيسة وعللها التامة..

فالتفسير بلا ضوابط ولا مقدمات منتجة بالطرق التبرعية مرفوض عند أهل الاختصاص وهو أحرى بأن يكون ضربا من ضروب الجهل التي يمارسها كثير من المتطفلين على العلوم والاختصاصات.

وفد ضعف الكثير من الملحدين المعتمدين لنظريات عملت على محاولات إثبات صدفية الكون وصدفية الخلق لكثرة احتمالات المصادفات مع امتناع المادة في الواقع الفعلي عن تحولات تصوروها مجردة عن القوانين الطبيعية الملزمة التي أحرجتهم واقعا..

ولكن الصبغة العلمية في الطرح ممزوجا بالترويج الإعلامي وإلزام دراسة هذه النظريات أكاديميا دفعت البعض لحفظها وجعلها حية تقريبا في أذهان بعض الأكاديميين وصارت الحقيقة تكلف الانسان أن يصبح عالما أحفوريا أو فيزيائيا ليكتشف بعدها أنها كانت مجرد تصورات مجردة وأن العلم الإحتمالي المتغير والمتجدد بكافة فصوله واختصاصاته يحتاج لمعرفة بعقل فطري يضبطه ويحدد الصحيح والخاطيء والمشكك منه بمعاييره الأولية في عقل كل إنسان لا تختلف بصمته بين عاقل وآخر كما يقولون.

فالقضية في كل حالاتها مدارها إنكارهم الفطرة والعقل الأولي ثم محاولة مخاطبة الناس بسفسطة خاصة وعقول مشككة عبر منهج نقضي لكل ثابت عكس احتمالاتهم بمنهجية المصادرة على المطالب.

إن منهج النفي والأثبات واضح وبسيط في كثير من حالاته ويتركب ويتعقد كلما استدعى المطلوب نظرا أبعد وأعمق وكلما احتاج المستدل إلى وضع حدود للمفاهيم أكثر جمعا أو منعا بحسب الوجه المبحوث والمنظور، فالاستدلال المباشر والأقيسة والحجج ملزمة لجميع الأطراف لبداهة حجية الطرق المتسالم عليها والتي توصل للمطلوب.

ولكن اتباع منهج نقض الاثبات والنفي في وجه واحد هو ما استغربه العلماء في كافة العلوم، ولا يكاد زمان يخلو من مثيري الشك في العلوم!

وكذلك ظهرت في كل الأديان فرق تشكك بكل ما يخص عوالم الإنسان وحقيقة وجوده حتى خالها البعض من صميم عقائد مذاهب بعض الأديان كالغنوسية المنسوبة للمسيحية والشافيك عند البوذيين وغيرها ..

تطورت هذه المنهجية المشككة لتصبح حالة عند كتابنا والصحفيين وأعمدة المقالات المثيرة للشكوك من حيث يعلمون ومن حيث لا يعلمون لتثير موجة من الإلحاد التي يجب الانتباه لها قبل أن نجد جيلا أهوجا لا يؤمن بأي شيء حقيقة كانت أو دينا، علما أو معرفة، وهل الجهل إلا كذلك؟!

الحمد لله رب العالمين