حوارية اليوم الثلاثين

بسم الله الرحمن الرحيم

السائل :بالأمس تكلمنا عن خلق الرسول صلى الله عليه وآله حين ذكرت إليكم الآية ٤ من سورة القلم قول الله تعالى {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } ، هلا أكملتم لنا عذب الحديث عن المصطفى صلى الله عليه و آله؟

الشيخ: وصلنا إلى ٧-ج- لازال الإمام الحسن يصف منطق رسول الله صلى عليه و آله فوصلنا إلى قوله :( يفتتح الكلام ويختمه بالثناء) و هذا واضح في النصوص وخاصة الخطب الطويلة ، وواضح عند المعصومين عليهم السلام.

د- ويكمل الإمام عليه السلام وصف منطق نبينا صلى الله عليه و آله: (رؤوفا ليس بالجافي و لابالمهين) و قد مر علينا هذا المعنى في وصف الإمام علي عليه السلام (ألينهم عريكة) و يضاف على هذا الكلام إن الجافي هو الفض  والإمام عليه السلام نفى ذلك، أي أن منطقه جذاب لا ينفر منه طبع الإنسان ، و بعبارة أخرى كان دمثا، و (لا بالمهين )أي ليس بمغرور لا مستخف بالناس، و هو أكبر مصداق لقوله تعالى: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} .

ر- و يسترسل الإمام عليه السلام و يقول: ( تعظم عنده النعمة و إن دقت لا يذم منها شيء) في منطقه التعظيم لنعمة ربه، و إن أُكل منها أو ليست لذيذه لا تجد في كلامه ذم .

٨-أ-عن الحسين عليه السلام : (سألت أبي عليه السلام عن مدخل رسول الله ، فقال : كان دخوله لنفسه مأذونا له في ذا، فإذا آوى إلى منزله جزّأ دخوله ثلاثة أجزاء : جزء لله تعالى ، وجزء لأهله وجزء ثم جزء و جزءه بينه وبين الناس ، فيرد ذلك بالخاصة على العامة ، ولا يدخر عنهم منه شيئا).

التنظيم داخل المنزل من الأمور المهمة و تقسيم الحقوق والواجبات ، والرسول صلى الله عليه وآله من خلقه اتصاله مع رب العالمين في وقت ، و الجلوس مع أهله في وقت ، و الجزء الأخير يقسمه مع عامة الناس و الخواص، ولا ننسى بين كل هذا الانشغال وقت يرتاح فيه من العمل.

ب- ثم قال الإمام علي عليه السلام لابنه الحسين عليه السلام : (وكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بإذنه ، وقسمه على قدر فضلهم في الدين ، فمنهم ذو الحاجة ، ومنهم ذو الحاجتين ، ومنهم ذو الحوائج ، فينشغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم والأمة من مسألته عنهم وإخبارهم بالذي ينبغي ، ويقول : ليبلغ الشاهد منكم الغائب ، و أبلغوني حاجة من لا يقدر على إبلاغ حاجته فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يقدر على إبلاغها ثبت الله قدميه يوم القيامة ، لا يذكر عنده إلا ذلك.

بعد تنظيم الجزء الذي فيه الأمة يسأل عن حاجة أهل الفضل كل حسب أفضليته ، و يؤثر حوائج الناس على نفسه ، وينصح الحاضرين بإخبار الغائبين لكي يراجعوا الرسول صلى الله عليه وآله ، ويطلبون حاجتهم، و اهتمامه بأهل الفضل لتسود الفضيلة في المجتمع ويزدهر، و يعلمنا الرسول إكرام العلماء لأنهم هم الطاقة لبناء حضارات القيم.

ج- ثم قال الإمام علي عليه السلام لابنه الحسين عليه السلام عن صفات نبينا صلى الله عليه و آله:(لا يقيد من أحد عثر) و هذا محل إبتلاء بعض الناس حيث لا يجعل خطأ الرجل مقيدا لذلك الرجل، و بطريقة أو بأخرى لا يحسسه بخطئه و يستر عليه، و يرفع ما في نفس ذلك الرجل من قيود ، السلام عليك يا رسول الله ترفع عنهم حتى الحالات النفسية.

د- ثم قال الإمام علي عليه السلام لابنه الحسين عليه السلام واصفا الجزء الأخير  من التنظيم و هو جلوسه مع أهل الفضل: ( يدخلون روادا ، ولا يفترقون إلا عن ذواق ، ويخرجون أدلة)

يدخلون أهل الفضل يتعلمون من علمه و يحسون بحلاوة العلم ثم يخرجون أدلة للناس يعلمونهم ما علمهم به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

٩-ثم سأل الإمام الحسين عليه السلام أباه عليه السلام فقال:(فسألته عن مخرج رسول الله صلى الله عليه وآله كيف كان يصنع فيه ؟ فقال : كان رسول الله صلى الله عليه و آله يخزن لسانه إلا عما يعنيه ، ويؤلفهم ولا ينفرهم ، ويكرم كريم كل قوم ، ويوليه عليهم ، ويحذر الناس و يحترس منهم ، من غير أن يطوى عن أحد بشره ولا خلقه، ويتفقد أصحابه ، ويسأل عما في الناس ، ويحسن الحسن ويقويه ، ويقبح القبيح ويوهيه ، معتدل الأسر ، غير مختلف ، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يميلوا ، ولا يقصر عن الحق ولا يجوزه الذين يلونه من الناس : خیارهم أفضلهم عنده وأعمهم نصيحة للمسلمين ، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة .

وإذا خرج للناس تفيض منه أخلاقه التي جمعها علي عليه السلام في (لين العريكة) و جمعها الحسن عليه السلام  حين وصف نطقه(رؤوفا ليس بالجافي و لابالمهين). 

وهنا تفصيل العبارتين و لا يستطيع الإنسان إلا أن يعيد التعداد مرات و مرات من حلاوة التفصيل،

و إن كان الأول في العشرة، و الثاني في منطقه حين الكلام ،و الثالث في خروجه من الدار، و كلام هنا في الأخير.

أ-(يؤلفهم و لا ينفرهم) و أفضل مصداق للألفة حين آخى الأنصار مع المهاجرين حتى أنهم أقتسموا كل شيء بينهم، قال تعالى: { وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } ، و قبل ذلك آلف بين الأوس و الخزرج و لا يخفى عليكم ما جرى بينهم، و حرب البسوس التي أستمرت معهم لأربعين سنة، والنفور الذي صار بينهم، إلا أن النبي محمد صلى الله عليه و آله آخى بينهم.

ب-(ويكرم كريم كل قوم ، ويوليه عليهم) يعطي أكرم من يكون في مجموعة أو طائفة أو قوم الولاية عليهم.

ج-(يحذر الناس و يحترس منهم، من غير أن يطوى عن أحد بشره ولا خلقه)

– عن الصادق  (عليه السلام): (العقل يوجب الحذر، الجهل يجلب الغرر).

د- ( يتفقد أصحابه ، ويسأل عما في الناس)

حاكم الدولة الإسلامية لا ينتظر الناس تشتكي هو يبحث عن النقص ويسده.

ر-(يحسن الحسن و يقويه ، ويقبح القبيح و يوهيه)

س-(معتدل الأسر ، غير مختلف )

ل-(لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يميلوا)

و-(ولا يقصر عن الحق ولا يجوزه الذين يلونه من الناس)

ك-(خيارهم أفضلهم عنده و أعمهم نصيحة للمسلمين).

والحمد لله رب العالمين.

حلية الأبرار ج١ ص١٧٤

النحل:١٢٥

الحشر:٩

ميزان الحكمة ج٣ ص٢٠٣٣

شرح دعاء اليوم الثلاثين

 اللَّهُمَّ اجعَل صيامي فيهِ بِالشُّكرِ وَالقَبولِ عَلى ما تَرضاهُ وَيَرضاهُ الرَّسولُ مُحكَمَةً فُروعَهُ بِالأُصولِ، بِحَقِّ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرينَ، وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ.

الصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه:

( اللَّهُمَّ اجعَل صيامي فيهِ بِالشُّكرِ وَالقَبولِ عَلى ما تَرضاهُ وَيَرضاهُ الرَّسولُ مُحكَمَةً فُروعَهُ بِالأُصولِ).

قال الله تعالى في سورة البقرة: {وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}، وقال تعالى في سورة البقرة: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.

الشكر باب فتحه الله سبحانه لزيادة العلاقة بينه وبين من شكر، وهو استمرارية قائمة على أساس الاعتراف لله تعالى بالفضل، وهو صلة حقيقية بين العبد والله جل جلاله، روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: تمام الشكر اعتراف لسان السر، خاضعاً لله تعالى بالعجز عن بلوغ أدنى شكره، لأن  التوفيق للشكر نعمة حادثة يجب الشكر عليها.

بلوغ العبد تمام الشهر المبارك بالتوفيق لتمامه كله، يوجهه إلى طلب درجة الشاكرين لعله يصل إلى كون قبول صيامه بأجر مضاعف لأدائه أياه.

روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يقول إذا ورد عليه أمر يسره: الحمدلله على هذه النعمة، وإذا ورد عليه أمر يغتم به قال صلى الله عليه وآله وسلم: الحمدلله على كل حال.

قال الله تعالى في سورة التوبة:{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}

إن القضية بين الله ورسوله قضية طولية ، فما يرضاه الله يرضاه رسوله، ومايغضب الله يغضب رسوله، وقد ورد في بعض الآيات القرآنية قضية الاقتران بذلك، بين رضا الله وغضبه ورضا رسوله وغضبه، قال الله تعالى في سورة التوبة:{وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ}، وقال تعالى في سورة الأنفال:{ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.

فطلب رضا الله والرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ليس إلا التزام منا بأوامر الله عز وجل، وروي عن الإمام الصادق عليه السلام  في قول الله عز وجل‏ : (فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ )، قال إن الله تبارك و تعالى لا يأسف كأسفنا و لكنه خلق أولياء لنفسه يأسفون و يرضون و هم مخلوقون مدبرون فجعل رضاهم لنفسه رضى و سخطهم لنفسه سخطا و ذلك لأنه جعلهم الدعاة إليه و الأدلاء عليه.

 إنّ فروع الدين عشرة، وهي: الصلاة، الصوم، الحج، الجهاد، الزكاة، الخمس، الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر، التولّي والتبرّي، وأما أصول الدين وهي خمسة: التوحيد، العدل، النبوة، الإمامة، المعاد.

فبعد معرفة هذه الفروع والأصول، نعلم أن جميع الفروع مرتبطةٌ بالأصول بمعرفة الله، ولايمكن العمل بالفروع والتوجه بها من دون الرجوع إلى الأصل في العقيدة من الانبعاث والانزجار.

فالصوم ينقسم إلى صوم فرعي وهو الأصل بأن تصوم بطن الإنسان ، وكما ورد في الرسائل العلمية هو: اجتناب المفطرات، ومن يلتزم بذلك ليس عليه قضاء ولا كفارة، و المستحبات التي يقوم بها العبد، تختلف في مضمونها عن القيام بها في بقية الأشهر، فمثلاً: كثرة الأدعية المأثورة التي وردت عن أهل البيت عليهم السلام، ومضاعفة الأجر لقراءة القرآن ، والكف عن المحارم، وإفطار الصائم ..وغيرها من الأمور المندوبة.

 أما الأصول فهو وجوب الامتثال لأمر الله الذي نعتقد بربوبيته وضرورة الانصياع لأوامره الصادرة من النبي صلى الله عليه وآله ، الذي نعتقد بنبوته ، عبر النصوص القرآنية الصادرة منه ومن أهل بيته الذين نعتقد بعصمتهم واتباع الثقلين ، فيحركنا هذا الاعتقاد إلى العمل بكل الفروع والانزجار عن النواهي قربة لله الذي نعتقد بوجوده وربوبيته، لنشكره على نعمائه ونقي أنفسنا من سخط مخالفته، فنحصل بذلك على جزاء ما نستحقه من المحبة والطاعة، فهكذا يكون ربط الفروع بمحرك الأصول فيما بينهما .

روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: الصيام اجتناب المحارم كما يمتنع الرجل من الطعام والشراب.

وعنه عليه السلام قال: صوم القلب خير من صيام اللسان، وصيام اللسان خير من صيام البطن.

وروي عن سيدة النساء فاطمة عليها السلام: ما يصنع الصائم بصيامه إذا لم يصن لسانه وسمعه وبصره وجوارحه؟!

وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه: (بِحَقِّ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرينَ، وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ).

إن نهاية الأدعية المباركة كانت ختاما له معان في تقبل الله لأعمالنا من خلال الوسيلة التي تقربنا إليه، و ذلك بشئ يقدره ويريده و يكون هو الذي أمر عباده أن يطلبوا منه مرادهم من خلال طرق معينة بأن يجعل للإنسان واسطة بينه وبين الله، ويلجأ الإنسان لهذا الطريق وهو التوسل بالنبي وآله عليهم السلام.

قال الله عز وجل في سورة المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَة}، وقال تعالى في سورة النساء:{ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ}، يتضح أن كل ماتقدم من الأعمال والطاعات ، يرتبط بمدى ارتباطنا بالنبي وآله عليهم السلام. 

روي عن الامام الصادق عليه السلام قال: نحن الحبل الإلهي حيث يقول: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}.

وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: الأئمة من ولد الحسين عليه السلام من أطاعهم فقد أطاع الله، ومن عصاهم فقد عصى الله، هم العروة الوثقى وهم الوسيلة إلى الله تعالى.

قال الإمام الصادق عليه السلام : أبى الله أن يجري الأشياء إلا بالأسباب فجعل لكل شي‏ء سببا ، و جعل لكل سبب شرحا، و جعل لكل شرح مفتاحا ، و جعل لكل مفتاح علما، و جعل لكل علم بابا ناطقا، من عرفه عرف الله ، و من أنكره أنكر الله، ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم و نحن.

ولكل عمل شكر وعمل الصائم العابد كما قال الله تعالى في سورة يونس: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ۚ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

حوارية اليوم التاسع و العشرين

بسم الله الرحمن الرحيم

السائل : في الجزء التاسع و العشرين في سورة القلم الآية ٤ قول الله تعالى : {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ }

هلا تكلمت عن النبي محمد صلى الله عليه و آله؟

١- عن أمير المؤمنين عليه السلام و هو يصف رسول الله صلى الله عليه و آله قال :( أكرم الناس عشرة).

و المقصود بذلك أكرم الناس للتعايش معه، سباق للعطاء في كل شيء.

٢- ثم قال عليه السلام وهو يصف النبي الأكرم صلى الله عليه و آله: (و ألينهم عريكة) ، ويقصد بذلك سلس في التعامل و المعاملة، و رحيم يعفو عمن ظلمه ، و يستغفر لغيره، و متوكل على الله .

 و لين العريكة هو ما يقابل الفض و الغليظ، قال الله تعالى في كتابه يصف لين عريكته و ما يقابله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}.

٣-  و روي أنه قال عليه السلام في وصف نبينا صلى الله عليه و آله : (أجودهم كفا) ، الكرم عنده صلى الله عليه و آله أكثر من الناس حتى نزلت فيه آية بهذا الشأن .

  • عن عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،قَالَ: فَإِنَّهُ كَانَ سَبَبَ نُزُولِهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)كَانَ لاَ يَرُدُّ أَحَداً يَسْأَلُهُ شَيْئاً عِنْدَهُ،فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ فَلَمْ يَحْضُرْهُ شَيْءٌ،فَقَالَ:«يَكُونُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ».فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،أَعْطِنِي قَمِيصَكَ؛ وَ كَانَ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)لاَ يَرُدُّ أَحَداً عَمَّا عِنْدَهُ [1]،فَأَعْطَاهُ قَمِيصَهُ،فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَ لاٰ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلىٰ عُنُقِكَ وَ لاٰ تَبْسُطْهٰا كُلَّ الْبَسْطِ الْآيَةَ،فَنَهَاهُ أَنْ يَبْخَلَ أَوْ يُسْرِفَ وَ يَقْعُدَ مَحْسُوراً مِنَ الثِّيَابِ.

قَالَ:فَقَالَ الصَّادِقُ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ): «الْمَحْسُورُ:اَلْعُرْيَانُ»

٤-  و بعدها قال أمير المؤمنين عليه السلام في وصف نبينا صلى الله عليه و آله: ( من خالطه بمعرفة أحبه) ، المخالطة مع الناس عادة تعرفك عنهم السلب و الإيجاب ، و يمكن لهذه المعرفة أن تقربك و يمكن أن تبعدك ، و لكن في معرفة النبي الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم معرفة الكمالات، فهو أكمل الخلق في الوجود، و معرفتنا به رقي لنا إذا عملنا بتعاليم النبي الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم ، و تحاورنا هو سعي لتدارسه  صلى الله عليه و آله ، و أكثر شخصية عرفت النبي هو  أمير المؤمنين عليه السلام .

– عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)قال: (يا علي، ما عرف الله إلا أنا وأنت، وما عرفني إلا الله وأنت، وما عرفك إلا الله وأنا ).

– عنه (صلى الله عليه وآله)قال: (يا علي، ما عرف الله حق معرفته غيري وغيرك، وما عرفك حق معرفتك غير الله وغيري ).

– عنه (صلى الله عليه وآله)قال: (ما عرفك يا علي حق معرفتك إلا الله وأنا ). 

و جاء في الدعاء حدثنا أبو علي بن همام بهذا الدعاء وذكر أن الشيخ -الطوسي-قدس الله روحه أملاه عليه، وأمره أن يدعو به، وهو الدعاء في غيبة القائم عليه السلام:

اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف رسولك، اللهم عرفني رسولك، فإنك إن لم تعرفني رسولك، لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك، ضللت عن ديني.

٥- عن أمير المؤمنين عليه السلام بعد وصفه صلى الله عليه وآله بمخالطه و معرفة قال:(من رآه بديهة هابه) الرؤية بدون معرفة يدخل في القلب الهيبة من النبي الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم لما يحمله من شحنات إيمانية.

٦- قال عليه السلام : (عزه بين عينيه، يقول باغته:  لم أرى قبله ولا بعده مثله ،صلى الله عليه و آله).

أي يظهر العز في وجهه لمن لا يعرفه و باغته أي لمن رآه فجأة.

٧ -سئل الإمام الحسن بن علي عليهما السلام عن منطق رسول الله صلى عليه و آله فقال :

أ-(متواصل الأحزان ، دائم الفكر ، ليست له راحة ، ولا يتكلم في غير حاجة).

الوظيفة التي أوكله الله أليه و هو هداية البشرية لا تقف عنده أسوار المدينة و ليست موقتة في زمان حياته، و هو يعلم بما يجري بعده، و أعد خطة التصدي، و أولها لأمير المؤمنين عليه السلام في وصيته : (فاصبر وكف يدك ولا تلق بيدك الى التهلكة) ، و آخرها لقائم آل محمد عجل الله فرجه سهل الله مخرجه، و في عدة آيات خاطب الله الرسول صلى الله عليه و آله مواسيا له لما يحمله من ثقل الرسالة، قال الله تعالى : {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} أي لا تهم نفسك لمن لا يؤمن.

ب-ثم قال الحسن عليه السلام يصف  جده صلى الله عليه و آله و سلم: (يتكلم بجوامع الكلم فصلا لا فضول فيه ولا تقصير). 

كلام الملوك ملوك الكلام حجته و برهانه في الكلمات المطلقة التي تحتها كثير من الأحكام المفصلة دون زيادة أو نقصان و بتفصيل .

وكلامه له طعم إذا تكلمنا عن أخلاق النبي الأكرم صلى الله عليه و آله و لكن إحصاءه صعب و نكتفي بهذا القدر خوفا من الإطالة.

و الحمد لله رب العالمين.

حلية الأبرار  ج١ ص١٦٥

آل عمران: ١٥٩

الإسراء:٢٩

تفسير القمي ج٢ ص١٨

موسوعة الإمام علي بن أبي طالب ج٨ ص١٨٥

بحار الأنوار ج٥٣ ص١٧٨

كتاب سليم بن قيس ص١٣٤

الكهف :٦

شرح دعاء اليوم التاسع والعشرين

بسم الله الرحمن الرحيم

اللَّهُمَّ غَشِّني فيهِ بِالرَّحمَةِ، وَارزُقني فيهِ التَّوفيقَ وَالعِصمَةَ وَطَهِّر قَلبي مِن غَياهِبِ التُّهمَةِ، يا رَحيماً بِعِبادِهِ المُؤمِنينَ.

الصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه: (اللَّهُمَّ غَشِّني فيهِ بِالرَّحمَةِ).

شهر يجود الله فيه سبحانه على عباده بأنواع الكرامات، ويجزل فيه لأوليائه العطيات، شهر التقرب من الله للفوز برفيع الدرجات، شهر رمضان المبارك أوله رحمة، تضاعف فيه الحسنات، وأوسطه مغفرة ، تغفر فيه السيئات، وآخر إجابة، تجاب فيه الدعوات.

قال الله تعالى في سورة الليل: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ }، أقسم الله تعالى بالليل يغطي الخليقة بظلامه ، وقال الله تعالى في سورة النجم: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ}  يغطي هذه الشجرة من نور الله تعالى، ونحن في وداع شهر رمضان نطلب من الله أن تظللنا رحمته يوم لا ظل إلا ظله.

قال الله عز وجل في سورة البقرة: {وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ العَظِيمِ }، روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: لو تعلمون قدر رحمة الله تعالى لاتَّكلتُم عليها.

و روي أنّه وقف صبيّ في بعض المغازي يصاح عليه فيمن يزيد في يوم صائف شديد الحرّ، و أبصرته امرأة في خباء القوم فأقبلت تشتدّ، و أقبل أصحابها خلفها ، حتّى أخذت الصبيّ و ألصقته إلى بطنها، ثمّ ألقت ظهرها على حرّ البطحاء، و جعلته على بطنها لتقيه الحرّ، و قالت: ابني ابني، فبكى النّاس و تركوا ما هم فيه، فأقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتّى وقف عليهم، فأخبروه الخبر فسرّ برحمتهم، ثمّ بشّرهم فقال صلى الله عليه وآله وسلم : أعجبتم من رحمة هذه لابنها؟! قالوا: نعم! قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: فإنّ اللّه تعالى أرحم بكم جميعا من هذه بابنها، فتفرّق المسلمون على أفضل السرور و أعظم البشارة.

وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه: (وَارزُقني فيهِ التَّوفيقَ وَالعِصمَةَ).

 يتضرع الملِحُّون إلى الله في أواخر أيام شهر رمضان أن يكونوا من المرزوقين بالتوفيق، ولاشك ان للتوفيق الأثر الكبير في هداية الإنسان إلى الصلاح والحق، وترتبط بأعمال الإنسان نفسه، فقد يحظى المرء بالفوز بالتوفيق نتيجة لعمل واحد يعمله، روي عن الهروي قال: سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام يقول: رحم الله عبدا أحيا أمرنا، فقلت له: وكيف يحيي أمركم؟ قال: يتعلم علومنا ويعلمها الناس، فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا.

أحياناً يطلق لفظ العصمة على الشيء الذي يمتلك خاصية الوقاية ويمنع الإنسان من الوقوع في ما يكره، ومن هذا المنطلق، يقول الشيخ المفيد: «إنّ العصمة في أصل اللغة هي ما اعتصم به الإنسان من الشيء كأنّه امتنع به عن الوقوع في ما يكره، ومنه قولهم: اعتصم فلان بالجبل، إذا امتنع به.

روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن الله عز ذكره يعصم من أطاعه، ولا يعتصم به من عصاه.

وروي عن الإمام الباقر عليه السلام قال: إذا علم الله تعالى حسن نية أحد اكتنفه بالعصمة.

قال تعالى في سورة الممتحنة: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}، إن الله نهى أن يُستمسك بعصمهم حتى ولو كانت زوجة، بحكم تحريمي تكليفاً ووضعاً، فلذلك إن الاعتصام بأعداء الله منهي عنه، كما هو النهي في هذه الآية، والأمر بالاعتصام بالله، قال تعالى في سورة آل عمران: {وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }، لذلك فطلب العصمة هو طلب الهداية، قال تعالى في سورة الحج: {وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ}.

وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه: (وَطَهِّر قَلبي مِن غَياهِبِ التُّهمَةِ).

قال الله تعالى في سورة آل عمران: {وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}، روي عن الإمام الباقر عليه السلام قال: واستجلب نور القلب بدوام الحزن.

قد جعل الله تعالى مدار الطهارة والظلمة على القلب، فإذا مُلِيء القلب إيماناً، وتصديقاً، وفقهاً، وإدراكاً، لمراد الله سمي القلب طاهراً، وإذا لم يتعهد الإنسان قلبه بذكر الله تعالى ومراقبته، فإن الشهوات سرعان ماتتسرب إليه وتبدأ بوادر المرض تغزوه بواسطة المعاصي والذنوب والمخالفات، فغيهب القلب التهمة أي أظلم القلب بالتهمة .

روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: أشد مرض البدن مرض القلب، وأفضل من صحة البدن تقوى القلوب.

وعنه عليه السلام قال: طهروا قلوبكم من درن السيئات تضاعف لكم الحسنات.

وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه: (يا رَحيماً بِعِبادِهِ المُؤمِنينَ).

 روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن لله تعالى تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة.

ومن تلك الأسماء الرحيم، التي تبدأ كل صلاة بها.

روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: من أراد أن ينجيه الله من الزبانية، فليقرأ بسم الله الرحمن الرحيم تسعة عشر حرفا، ليجعل الله كل حرف منها جنة من واحد منهم.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

حوارية اليوم الثامن و العشرين

بسم الله الرحمن الرحيم

السائل : في الجزء الثامن و العشرين في سورة المجادلة الآية١١{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}، هل النبي صلى الله عليه و آله أقام (انشزوا) بعض الجالسين و أجلس من جاء متأخر؟

الشيخ : في الحقيقة جاء أصحاب الفضل على الإسلام و هم أركان لقيام الإسلام بالعلم الإسلامي و الجهاد في معركة بدر الذي قال عنهم الله عز وجل و رسوله صلى الله عليه و آله : {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } فلم يفسحوا لهم فأقام الرسول صلى الله عليه و آله من هم أقل شأنا، و المستنكرين هم المنافقون المحرضون باتهام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالعنصرية ، و هذه الظاهرة ليست موجودة في مجتمعاتنا لأن الله عز وجل و أهل البيت عليهم السلام أسسو لأهل العلم الاحترام الإجتماعي ، لذلك فإن تفسيرىالقمي فسرها بمعنى آخر حيث روى : القمي: قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا دخل المسجد يقوم له الناس فنهاهم الله أن يقوموا له، فقال: ” تفسحوا ” أي وسعوا له في المجلس، ” وإذا قيل انشزوا فانشزوا ” يعني إذا قال: قوموا فقوموا، فقد يكون هناك احترام للقادمين من أهل العلم كما عن الإمام علي عليه السلام قال: (طالب العلم طالب الرحمة ، طالب العلم ركن الإسلام ، و يعطى أجره مع النبين )، و عنه عليه السلام قال:( العلماء ورثة الأنبياء) وغيرها الكثير.

السائل : في الجزء الثامن و العشرين في سورة الحشر آية ٧: { مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} لم يذكر الله الغنيمة للمحاربين؟

الشيخ : نعم! هذه الآية شرعت الغنائم من غير الحرب، و تخويف _بدون قتل_ حين مطالبة يهود بني النضير بالهجرة  لمخالفتهم الصلح ، وتركوا ديارهم و بساتينهم التي حول المدينة، فمن حق  النبي صلى الله عليه وآله أن يأخذها و يوزعها كيف شاء، فعوض  النبي صلى الله عليه و آله فاطمة الزهراء عليها السلام بها بدل ما أنفقته أمها خديجة عليها السلام للإسلام ، و يعلم إن فاطمة ستجعل ذلك كله لخدمة الدين في خلافة أمير المؤمنين عليه السلام و من بعده من الخلفاء عليهم السلام .

و الفيء يقصد به ما يرجع إلى الله مثل : الأرض الموات، و الكنز، و المال الزائد عن مؤنة السنة …ألخ، يرجع إلى الله و الرسول وأهل البيت عليهم السلام ، و اليتامى ، والمساكين، وابن السبيل .

إن هذا التشريع علته التوازن الاقتصادي، لكي لا تكون دولة الأقلية من الأغنياء: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ }.

السائل : في الجزء الثامن و العشرين في سورة المنافقون ، فما هي صفاتهم؟

الشيخ : نذكر صفات المنافقين الموجودة في السورة لكي يبتعد عنها المؤمنون:

١-الكذب: حيث يقولون ما لا يؤمنون به و إنما أخذوا الإسلام ذريعة لكي يصدون عن سبيل الله في المدينة وقد أثروا في بعض ضعفاء الإيمان.

-{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3)}.

٢-نفاقهم مخفي: بأجسامهم و كلماتهم التي فيها انفعالات وتظاهر بالإيمان، و لكن عقلهم وقلبهم أجوف من التفكر و الإيمان مثل الخشب في استقامته من دون مشاعر.

-{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ}.

٣-كل انفعالات الذم من الرسول صلى الله عليه وآله أو المؤمنين على أهل الكفر يحسبونه عليهم: و الله يخاطب النبي بالحذر لأنهم يضمرون شرا و لهم تخطيط  صد المؤمنين عن الدين ، ويمكن معرفتهم بانفعالات وجوههم أو غيرها.

-{يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ}.

٤-و إذا فعلوا شيئا مشينا به سخط الله وقام المؤمنون بنصحهم بطلب الدعاء والاستغفار من الرسول صلى الله عليه وآله لكي يغفر لهم خطأهم رفضوا وهم مستكبرون.

-{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ }.

٥- هدايتهم صعبة جداً: حتى مع تدخل الرسول صلى الله عليه وآله بالدعاء لهم.

-{سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}.

٦- لا ينفقون في سبيل الله: و يحرضون المؤمنين أيضا على عدم الإنفاق.

-{هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّوا ۗ وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ}.

السائل : في الجزء الثامن و العشرين في سورة المنافقون الآية ٩: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} ألا يكون طلب المعاش عبادة و رعاية العائلة إيضا؟؟

الشيخ : طلب المعاش واجب ، و مستلزمات العائلة أمر واجب، ولكن لابد من التنظيم ، لأن الله جعل لنا: {إن الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا}، و أكد لنا محبويته صلاة الجماعة في المسجد، حتى قال المعصوم عليه السلام في ثواب الجماعة أنه أجرها لا يحصيه إلا الله، و نحن قدوة لأولادنا ، فلنزرع التنظيم وحب الصلاة فيهم،  و بذلك نخرج من بعض إبتلاء سورة التغابن الآية ١٥في الجزء نفسه {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ۚ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}.

ذكر الله لا يجب اللهو عنه بأي عذر واحتجاج على كل حال.

التفسير المعين ص٥٤٤

النساء : ١٠٣

شرح دعاء اليوم الثامن والعشرين

اللَّهُمَّ وَفِّر حَظّي فيهِ مِنَ النَّوافِلِ، وَأكرِمني فيهِ بِإحضارِ المَسائِلِ، وَقَرِّب فيهِ وَسيلَتي إليكَ مِن بَينِ الوَسائِلِ، يا مَن لا يَشغَلُهُ إلحاحُ المُلِحّينَ.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه: (اللَّهُمَّ وَفِّر حَظّي فيهِ مِنَ النَّوافِلِ).

روي عن إمامنا الباقر عليه السلام في الحديث القدسي:  وَمَا يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِي بِشَيْ‌ءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَإِنَّهُ لَيَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّافِلَةِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ إِذاً سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَلِسَانَهُ الَّذِي يَنْطِقُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، إِنْ دَعَانِي أَجَبْتُهُ، وَ‌إِنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْتُهُ.

فالنوافل لها عدة معان منها نوافل الصلاة اليومية، والصلوات المستحبة، وكذلك كل ما يقرب من الله سبحانه وتعالى فهو نوافل، كما تقدم في حديث قرب النوافل.

الصوم له نوافله التي تزيد في قوته وآثاره فصائمٌ يلتزم بالنوافل كلها ، وصائمٌ يلتزم بكف نفسه عن المفطرات العشر فقط فيكون نصيبه أداء الواجب، أما الصائم الآخر الذي التزم بجميع نوافل الصوم، يدخل على شهر رمضان ويخرج منه غنياً بالمكارم والملكات النبيلة، فمن تلك النوافل، صوم الجوارح التي يشركها الصائم مع البطن من صوم اللسان والعين وغيرها…فلا يستعملهم لاقتراف الذنب أو الإثم، روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: إذا أصبحت صائما فليصم سمعك وبصرك من الحرام، وجارحتك وجميع أعضائك من القبيح، ودع عنك الهذي وأذى الخادم، وليكن عليك وقارالصيام، والزم ما استطعت من الصمت والسكوت إلا عن ذكر الله، ولا تجعل يوم صومك كيوم فطرك.

وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:  يقول الله عز وجل من لم تصم جوارحه عن محارمي فلا حاجة لي في أن يدع طعامه وشرابه من أجلي.

فالنوم والراحة كذلك من النوافل لها فضلٌ للصائم حتى أن الله أعطى الصائم الثواب على نومه وأنفاسه، روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: نوم الصائم عبادة ونفسه تسبيح، والمراد أن يستفيد الصائم من فرص النوم والراحة ليتقوى بها على الطاعات في هذا الشهر.

والنظافة والتعطر من النوافل، فالإسلام يحب النظافة، والتعطر ويؤكد عليها في مواسم العبادة، قال الله تعالى في سورة الأعراف:{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ }، روي عن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام قال: تحفة الصائم أن يدهن لحيته ويجمر ثوبه، وتحفة المرأة الصائمة أن تمشط رأسها وتجمر ثوبها.

قراءة القرآن وكثرة العبادة التي وردت في خصوصها روايات كثيرة من مضاعفة الأجر لفاعليها في هذا الشهر المبارك، روي عن الإمام الباقر عليه السلام قال: ( لكل شئ ربيع وربيع القرآن شهر رمضان)، وصيام الإنسان صفاءٌ للنفس، ويزيد من تقربه إلى الله جل وعلا، روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: عليكم في شهر رمضان بكثرة الاستغفار والدعاء، فأما الدعاء فيدفع البلاء عنكم وأما الاستغفار فتمحى به ذنوبكم.

وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه:(وَأكرِمني فيهِ بِإحضارِ المَسائِلِ).

أولى الإسلام الاهتمام الكبير في حفظ الأحاديث الواردة عن السنة النبوية وأهل البيت عليهم السلام، والرجوع للرسالة العملية وتعلم الفروع ، ومدارسة المسائل العقائدية في الأصول ، وما يحتاج له المؤمنون في أعمالهم الشرعية، ففي هذا الشهر نستحضر مسائل فضل شهر رمضان وبركاته، روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: من أكثر فيه الصلاة علي ثقل الله ميزانه يوم تخف الموازين، روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أعطيت أمتي خمس خصال في شهر رمضان لم يعطهن أمة نبي قبلي.

أما واحدة: فإنه إذا كان أول ليلة من شهر رمضان نظر الله عز وجل إليهم ومن نظر الله إليه لم يعذبه.

والثانية: خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله من ريح المسك.

والثالثة: يستغفر لهم الملائكة في كل يوم وليلة.

والرابعة: يقول الله عز وجل لجنته: تزيني واستعدي لعبادي! يوشك أن يستريحوا من نصب الدنيا وأذاها ويصيروا إلى دار كرامتي.

والخامسة: إذا كان آخر ليلة من شهر رمضان غفر الله عز وجل لهم جميعا فقال رجل: يا رسول الله أهي ليلة القدر؟ قال: لا أما ترون العمال إذا عملوا كيف يؤتون أجورهم.

روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه: (وَقَرِّب فيهِ وَسيلَتي إليكَ مِن بَينِ الوَسائِلِ).

قامت الحياة البشرية على الإستفادة من الوسائل والأسباب الطبيعية لرفع حاجتها، فمثلا: الماء لرفع العطش، والطعام لرفع الجوع …وغيرها، والوسيلة المقصودة هي التي تكون الرابط بين الله وعباده، وهي أسرع الوسائل في التقرب إليه، ومنها وسيلة الولاية لأهل البيت عليهم السلام والتقرب بهم إلى الله عز وجل.

قال الله تعالى في سورة المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ}، فمن بدأ العمل بها كان  النبي آدم عليه السلام عندما ترك الأولى، قال تعالى في سورة طه: {وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ}، روي عن  ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لما نزلت الخطيئة بآدم وأخرج من جوار رب العالمين أتاه جبرئيل فقال: يا آدم ادع ربك! قال: يا حبيبي جبرئيل وبما أدعوه؟ قال: قل يا رب أسألك بحق الخمسة الذين تخرجهم من صلبي آخر الزمان إلا تبت علي ورحمتني، فقال: حبيبي جبرئيل سمهم لي! قال: محمد النبي، وعلي الوصي، وفاطمة بنت النبي، والحسن، والحسين سبطي النبي.

فدعا بهم آدم فتاب الله عليه وذلك قوله: (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه) (37 / البقرة: 2) وما من عبد يدعو بها إلا استجاب الله له.

فهذه الوسيلة التي قربت الأنبياء، فكيف نحن نرجوا من الله القرب بالوسيلة التي قال أمير المؤمنين عليه السلام عنها : (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ):أنا وسيلته.

وحديث سلسلة الذهب ،وإنّما وصف الحديث بـ«سلسلة الذهب» لأنّ سلسلة رواته تبدأ بالإمام الرضا عليه السلام وعن آبائه إماما عن إمام مروراً بأمير المؤمنين عليه السلام  لتصل إلى النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عن جبرئيل عن الله، حيث تتميز هذه السلسلة بإسناد إمام عن إمام.

روي عن الإمام الرضا عليه السلام  بسنده عن أمير المؤمنين عليه السلام  أنّه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: سمعت جبرئيل يقول: سمعت الله جلّ جلاله يقول: «لا إله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي» فلمّا مرّت الراحلة نادانا الإمام الرضا عليه السلام:  بشروطها وأنا من شروطها.

وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه: (يا مَن لا يَشغَلُهُ إلحاحُ المُلِحّينَ).

إن الله عز وجل من أسمائه البصير الذي يبصر خائنة الأعين وماتخفي الصدور، والذي يشاهد الأشياء كلها ظاهرها وخافيها، والبصير لجميع الوجودات، روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: إنّ الله كره إلحاح الناس بعضهم لبعض في المسألة ، وأحبّ لنفسه ، إنّ الله يحبّ أن يُسأل ويُطلب ما عنده.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

شرح دعاءاليوم السابع والعشرين

بسم الله الرحمن الرحيم

اللَّهُمَّ اغسِلني فيهِ مِنَ الذُّنوبِ، وَطَهِّرني فيهِ مِنَ العُيوبِ، وَامتَحِن قَلبي فيهِ بِتَقوى القُلوبِ، يا مُقيلَ عَثَراتِ المُذنِبينَ.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه:(اللَّهُمَّ اغسِلني فيهِ مِنَ الذُّنوبِ).

إن حوائج الإنسان التطهيرية متعددة، ومنها الغسل لتحصيل النظافة والطهارة الظاهرية لجسم الإنسان، وكذلك يحتاج الإنسان إلى غسل النفس و حالاته النفسية التي تراكمت فيها الذنوب، يطلب من الله في هذا الشهر الكريم و كله أمل برحمة الله أن يحقق ذلك، قال تعالى عز ذكره في سورة الزمر:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُالذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}، فالاستغفار باب غسل الذنوب الذي فتحه الله لعباده، قال تعالى في سورة آل عمران:{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ}، ولكل غسل مواد ،ومواد غسل الذنوب هي الأعمال الصالحة ، روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: من عمل سيئة في السر فليعمل حسنة قي السر، ومن عمل سيئة في العلانية فليعمل حسنة في العلانية.

تقوية الروح بالأعمال الحسنة التي لاتمحو الآثار التي خلفها الذنب فحسب، بل يطبع على النفس الآثار النورانية للأعمال الحسنة، فمثلاً: إذا كان الفرد عاقا لأبويه وتاب فلا تكون التوبة بمجرد قطع العقوق عنهم، بل يجب أن يذيقهم حلاوة المحبة، ليزيل عنهم مرارة العقوق السابقة، قال تعالى في سورة الرعد:{ وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ}، روي عن الإمام الباقر عليه السلام قال:ما أحسن الحسنات بعد السيئات.

ومن مواد غسل الذنوب السجود، روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما جاء شخص وقال: ذنوبي كثيرة وأعمالي الصالحة قليلة! فقال صلى الله عليه وآله وسلم: أكثر من السجود فإنه يحط الذنوب كما تحط الريح ورق الشجر.

وردت روايات كثيرة تعلمنا كيفية غسل الذنوب بكثرة الطاعة لله والأعمال الصالحة، فمثلاً: رد الحق إلى أهله، كف النظر عما حرم الله، والنظر إلى القرآن يحط من الذنوب ، والنظر إلى وجه الأب والأم يحط من الذنوب.

وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سأله شخص : ما هي الأشياء التي تمحو الذنب بعد التوبة؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: الدموع والخضوع والأمراض.

قال الله عز ذكره في سورة آل عمران: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}.

وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه: (وَطَهِّرني فيهِ مِنَ العُيوبِ)، الطهارة عنوان كبير له مواضيع وأفراد متعددة وينقسم بحسب حكمه في قوة التطهيررعند المؤمنين، فمثلا: ماء طاهر، الثياب طاهرة … إلى غيرها، وكذلك أستعمل بمعنى القلب الطاهر، وبالوصف كأناس يتطهرون، قال تعالى ذكره في سورة الأعراف: {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}، إن الإنسان يحتاج إلى التطهير الظاهري، و تطهير الجوارح، التي  روي عن الإمام السجاد عليه السلام أنه قال عنها: الخير عمله صيانة الإنسان نفسه.

النفس التي يحتاج الإنسان تطهيرها من العيب كريمة عليه، روي عن الإمام السجاد عليه السلام أنه قال: (من كرمت عليه نفسه هانت عليه الدنيا)، تُطهّر النفس بنصحها سرا وهو من أرفع درجات تطهير العيب النفسي، روي عن الإمام السجاد عليه السلام قال: إذا نصح العبد لله في سره أطلعه الله على مساوئ عمله، فتشاغل بذنوبه عن معايب الناس.

طوبى لراجي الطهارة من العيب في شهر رمضان، الذي فيه العمل مضاعف ، فتتساقط الرذائل ليصبح الإنسان خاليا، روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: أيها الناس طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وطوبى لمن لزم بيته، وأكل قوته، واشتغل بطاعة ربه، وبكى على خطيئته، وكان من نفسه في شغل ، والناس منه في راحة، واجتناب الفساد في الأرض.

وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه: (وَامتَحِن قَلبي فيهِ بِتَقوى القُلوبِ)، قال الله عز ذكره في سورة المطففين:{كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ}، هناك امتحان وتمحيص في هذه الدنيا، سواء أكان هذا الإمتحان على مستوى الفرد أو على مستوى أمة كاملة، فتارة يمتحن الله الفرد بفقدان أولاده أو صحته، وغيرها من الأمور الدنيوية، وقد يمتحن الله العبد بدينه، وهذا الامتحان العظيم الذي لا مجال للنجاة منه إلا بمعرفة الطريق الصحيح، روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: أما والله ليغيبن عنكم مهديكم حتى يأتي الجاهل منكم، فيقول: ما لله في آل محمد حاجة ، فيأتي كالشهاب الثاقب فيملأها عدلاً وقسطا كما ملئت جوراً وظلما.

فبعد معرفة سبيل النجاة الذي يوصل الإنسان إلى رفع درجات القلب، روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: التقوى على ثلاثة أوجه تقوى بالله في الله، وهو ترك الحلال فضلا عن الشبهة، وهو تقوى خاص الخاص، وتقوى من الله وهو ترك الشبهات فضلا عن حرام ،وهو تقوى الخاص، وتقوى من خوف النار والعقاب وهو ترك الحرام، وهو تقوى العام.

قال الله عز وجل في سورة آل عمران:{بَلَىٰ مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَاتَّقَىٰ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}، ان التقوى مفتاح كل شئ، وعن الإمام علي عليه السلام قال: إن تقوى الله مفتاح سداد.

قال الله عز وجل في سورة البقرة:{وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ۗ }.

وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه:( يا مُقيلَ عَثَراتِ المُذنِبينَ).

 إن الله عز وجل يقيل أي يرفع غفلة المذنبين لأنهم الظالمون لأنفسهم ، متناسين عما يجري عليهم في غدهم بما اقترفوه، فلا زالوا في زلاتهم يوما بعد يوم، روي عن الإمام الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يقول الله عز وجل: يابن آدم ماتنصفني، أتحبب إليك بالنعم، وتتمقت إلي بالمعاصي، خيري عليك منزل، وشَرّك إلي صاعد، ولا يزال ملك كريم يأتيني عنك في كل يوم وليلة بعمل قبيح، يا ابن آدم لو سمعت وصفك من غيرك، وأنت لا تعلم من الموصوف، لسارعت إلى مقته.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

حوارية اليوم السابع والعشرين

السائل : في الجزء السابع و العشرين من سورة الطور في قوله تعالى الآية: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ} ماهي خصائص المتقين؟

الشيخ : 

١-المصدق بما أنزل على الرسل كالأصول الخمسة و الفروع و يسمى الإيمان.

٢-يعطون حقوق الناس بما أكرمهم الله .

٣- يقيمون الصلاة .

٤- يوفون بعهد الله.

٥-صابرين في البأساء و الضراء و حين البأس.

٦- يقضون الليل  في الرغائب و التهجد و طلب العلم، مما يجعلهم قليلي النوم في الليل.

٧-يستغفرون إلى الله في الأسحار.

٨-يؤمنون بالغيب كقيام آل محمد من المنتظر عجل الله فرجه و رجعة الأئِمة الأطهار سلام الله عليهم و يوم القيامة.

نجد هذه النقاط في قوله تعالى:

-{وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}

-{۞ لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ }

-{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)}

-{ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)}

٩- العفو سجيتهم، في قوله تعالى {وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ} وهم تقاة.

١٠- قوامين لله بالعدل الاجتماعي في شهاداتهم و بيعهم و شرائهم و حكمهم.

كما في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }.

١١-  الاقتصاد في معيشتهم و يصرفون ما يكفيهم من مؤونة.

١٢- يتعاونون وقت الحاجة و تجدهم موجودين، و غيرتهم لا تسمح لهم إلا بقضاء حوائج المؤمنين، و بالخصوص أمور الآخرة و ما يقربك إلى الله من بر.

١٣- منقطعين في محبة الله و محبة أوليائه.

١٤- طاعة الله تجعل الدنيا توحشهم وهي مقدمة على شهواتهم و لذاتهم نجد هذا الكلام في روايات أهل البيت عليهم السلام.

‏- عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) : (إن أهل التقوى هم الأغنياء ، أغناهم القليل من الدنيا ، فمؤونتهم يسيرة ، إن نسيت الخیر ذکروك ، وإن عملت به أعانوك ، أخروا شهواتهم ولذاتهم خلفهم ، وقدموا طاعة ربهم أمامهم ، ونظروا إلى سبيل الخير وإلى ولاية أحباء الله فأحبوهم ، وتولوهم واتبعوهم ).

– و عنه ( عليه السلام ) : (إن أهل التقوى أيسر أهل الدنيا مؤونة ، وأكثرهم لك معونة ، تذكر فيعينونك ، وإن نسيت ذكروك ، قوالون بأمر الله ، قوامون على أمر الله، قطعوا محبتهم بمحبة ربهم ، ووحشوا الدنيا لطاعة مليكهم ، ونظروا إلى الله عز وجل وإلى محبته بقلوبهم ، وعلموا أن ذلك هو المنظور العظيم شأنه ).

١٥- كلامهم دائما في تأمل وتعقل.

١٦- متواضعين 

١٧- يغضون من أبصارهم عما حرم الله.

١٨-يحبون طلب العلم النافع لهم ولآخرتهم.

١٩-تجدههم في البلاء مثلما تجدهم في الرخاء بالصبر و النفس الكريمة.

٢٠- خاشعون لرب العالمين لولا أوامر الله لما ستقرت روحهم كأنهم ينظرون إلى الجنة و النار في الحقيقة.

وكل هذه النقاط العشرين و أكثر في خطبة لأمير المؤمنين.

 رُوِيَ أَنَّ صَاحِباً لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السلام ) يُقَالُ لَه هَمَّامٌ ، كَانَ رَجُلًا عَابِداً فَقَالَ لَه: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ  صِفْ لِيَ الْمُتَّقِينَ حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ، فَتَثَاقَلَ ( عليه السلام) عَنْ جَوَابِه ، ثُمَّ قَالَ: يَا هَمَّامُ اتَّقِ اللَّه وأَحْسِنْ  فَإِنَّ الله مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا والَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ، فَلَمْ يَقْنَعْ هَمَّامٌ بِهَذَا الْقَوْلِ حَتَّى عَزَمَ عَلَيْه ، فَحَمِدَ اللَّه وأَثْنَى عَلَيْه وصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وآله ) – ثُمَّ قَالَ ( عليه السلام ):

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّه سُبْحَانَه وتَعَالَى خَلَقَ الْخَلْقَ حِينَ خَلَقَهُمْ غَنِيّاً عَنْ طَاعَتِهِمْ ، آمِناً مِنْ مَعْصِيَتِهِمْ ، لأَنَّه لَا تَضُرُّه مَعْصِيَةُ مَنْ عَصَاه ، ولَا تَنْفَعُه طَاعَةُ مَنْ أَطَاعَه، فَقَسَمَ بَيْنَهُمْ مَعَايِشَهُمْ ، ووَضَعَهُمْ مِنَ الدُّنْيَا مَوَاضِعَهُمْ ، فَالْمُتَّقُونَ فِيهَا هُمْ أَهْلُ الْفَضَائِلِ ، مَنْطِقُهُمُ الصَّوَابُ، ومَلْبَسُهُمُ الِاقْتِصَادُ، ومَشْيُهُمُ التَّوَاضُعُ ، غَضُّوا أَبْصَارَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ ، ووَقَفُوا أَسْمَاعَهُمْ عَلَى الْعِلْمِ النَّافِعِ لَهُمْ ، نُزِّلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِي الْبَلَاءِ ، كَالَّتِي نُزِّلَتْ فِي الرَّخَاءِ ، ولَوْ لَا الأَجَلُ الَّذِي كَتَبَ اللَّه عَلَيْهِمْ ، لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ ، شَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ ، وخَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ ، عَظُمَ الْخَالِقُ فِي أَنْفُسِهِمْ فَصَغُرَ مَا دُونَه فِي أَعْيُنِهِمْ ، فَهُمْ والْجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُنَعَّمُونَ ، وهُمْ والنَّارُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُونَ ، قُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ وشُرُورُهُمْ مَأْمُونَةٌ ، وأَجْسَادُهُمْ نَحِيفَةٌ وحَاجَاتُهُمْ

خَفِيفَةٌ وأَنْفُسُهُمْ عَفِيفَةٌ ، صَبَرُوا أَيَّاماً قَصِيرَةً أَعْقَبَتْهُمْ رَاحَةً طَوِيلَةً ، تِجَارَةٌ مُرْبِحَةٌ يَسَّرَهَا لَهُمْ رَبُّهُمْ ، أَرَادَتْهُمُ الدُّنْيَا فَلَمْ يُرِيدُوهَا ،وأَسَرَتْهُمْ فَفَدَوْا أَنْفُسَهُمْ مِنْهَا ، أَمَّا اللَّيْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ ، تَالِينَ لأَجْزَاءِ الْقُرْآنِ يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلًا ، يُحَزِّنُونَ بِه أَنْفُسَهُمْ ويَسْتَثِيرُونَ بِه دَوَاءَ دَائِهِمْ ، فَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَشْوِيقٌ رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعاً ، وتَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقاً وظَنُّوا أَنَّهَا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ ، وإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَخْوِيفٌ ، أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ ، وظَنُّوا أَنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وشَهِيقَهَا فِي أُصُولِ آذَانِهِمْ ، فَهُمْ حَانُونَ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ ، مُفْتَرِشُونَ لِجِبَاهِهِمْ وأَكُفِّهِمْ ورُكَبِهِمْ وأَطْرَافِ أَقْدَامِهِمْ ، يَطْلُبُونَ إِلَى اللَّه تَعَالَى فِي فَكَاكِ رِقَابِهِمْ ، وأَمَّا النَّهَارَ فَحُلَمَاءُ عُلَمَاءُ أَبْرَارٌ أَتْقِيَاءُ ، قَدْ بَرَاهُمُ الْخَوْفُ بَرْيَ الْقِدَاحِ ، يَنْظُرُ إِلَيْهِمُ النَّاظِرُ فَيَحْسَبُهُمْ مَرْضَى ، ومَا بِالْقَوْمِ مِنْ مَرَضٍ ويَقُولُ لَقَدْ خُولِطُوا ، ولَقَدْ خَالَطَهُمْ أَمْرٌ عَظِيمٌ ، لَا يَرْضَوْنَ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الْقَلِيلَ ، ولَا يَسْتَكْثِرُونَ الْكَثِيرَ ، فَهُمْ لأَنْفُسِهِمْ مُتَّهِمُونَ ومِنْ أَعْمَالِهِمْ مُشْفِقُونَ ، إِذَا زُكِّيَ أَحَدٌ مِنْهُمْ خَافَ مِمَّا يُقَالُ لَه فَيَقُولُ ، أَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِي مِنْ غَيْرِي ورَبِّي أَعْلَمُ بِي مِنِّي بِنَفْسِي ، اللَّهُمَّ لَا

تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ ، واجْعَلْنِي أَفْضَلَ مِمَّا يَظُنُّونَ، واغْفِرْ لِي مَا لَا يَعْلَمُونَ، فَمِنْ عَلَامَةِ أَحَدِهِمْ أَنَّكَ تَرَى لَه قُوَّةً فِي دِينٍ ، وحَزْماً فِي لِينٍ وإِيمَاناً فِي يَقِينٍ وحِرْصاً فِي عِلْمٍ ، وعِلْماً فِي حِلْمٍ وقَصْداً فِي غِنًى وخُشُوعاً فِي عِبَادَةٍ ، وتَجَمُّلًا فِي فَاقَةٍ وصَبْراً فِي شِدَّةٍ وطَلَباً فِي حَلَالٍ ، ونَشَاطاً فِي هُدًى وتَحَرُّجاً عَنْ طَمَعٍ ، يَعْمَلُ الأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ وهُوَ عَلَى وَجَلٍ ، يُمْسِي وهَمُّه الشُّكْرُ ويُصْبِحُ وهَمُّه الذِّكْرُ ، يَبِيتُ حَذِراً ويُصْبِحُ فَرِحاً ، حَذِراً لِمَا حُذِّرَ مِنَ الْغَفْلَةِ ، وفَرِحاً بِمَا أَصَابَ مِنَ الْفَضْلِ والرَّحْمَةِ ، إِنِ اسْتَصْعَبَتْ عَلَيْه نَفْسُه فِيمَا تَكْرَه ، لَمْ يُعْطِهَا سُؤْلَهَا فِيمَا تُحِبُّ ، قُرَّةُ عَيْنِه فِيمَا لَا يَزُولُ وزَهَادَتُه فِيمَا لَا يَبْقَى ، يَمْزُجُ الْحِلْمَ بِالْعِلْمِ والْقَوْلَ بِالْعَمَلِ ، تَرَاه قَرِيباً أَمَلُه قَلِيلًا زَلَلُه خَاشِعاً قَلْبُه ، قَانِعَةً نَفْسُه مَنْزُوراً أَكْلُه سَهْلًا أَمْرُه ، حَرِيزاً دِينُه مَيِّتَةً شَهْوَتُه مَكْظُوماً غَيْظُه ، الْخَيْرُ مِنْه مَأْمُولٌ والشَّرُّ مِنْه مَأْمُونٌ ، إِنْ كَانَ فِي الْغَافِلِينَ كُتِبَ فِي الذَّاكِرِينَ ،وإِنْ كَانَ فِي الذَّاكِرِينَ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ ، يَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَه ويُعْطِي مَنْ حَرَمَه ، ويَصِلُ مَنْ قَطَعَه بَعِيداً فُحْشُه ، لَيِّناً قَوْلُه غَائِباً مُنْكَرُه حَاضِراً مَعْرُوفُه ،

مُقْبِلًا خَيْرُه مُدْبِراً شَرُّه ، فِي الزَّلَازِلِ وَقُورٌ وفِي الْمَكَارِه صَبُورٌ ، وفِي الرَّخَاءِ شَكُورٌ لَا يَحِيفُ عَلَى مَنْ يُبْغِضُ ، ولَا يَأْثَمُ فِيمَنْ يُحِبُّ ، يَعْتَرِفُ بِالْحَقِّ قَبْلَ أَنْ يُشْهَدَ عَلَيْه ، لَا يُضِيعُ مَا اسْتُحْفِظَ ولَا يَنْسَى مَا ذُكِّرَ ، ولَا يُنَابِزُ بِالأَلْقَابِ ولَا يُضَارُّ بِالْجَارِ ، ولَا يَشْمَتُ بِالْمَصَائِبِ ولَا يَدْخُلُ فِي الْبَاطِلِ ، ولَا يَخْرُجُ مِنَ الْحَقِّ ، إِنْ صَمَتَ لَمْ يَغُمَّه صَمْتُه وإِنْ ضَحِكَ لَمْ يَعْلُ صَوْتُه ، وإِنْ بُغِيَ عَلَيْه صَبَرَ حَتَّى يَكُونَ اللَّه هُوَ الَّذِي يَنْتَقِمُ لَه ، نَفْسُه مِنْه فِي عَنَاءٍ والنَّاسُ مِنْه فِي رَاحَةٍ ، أَتْعَبَ نَفْسَه لِآخِرَتِه وأَرَاحَ النَّاسَ مِنْ نَفْسِه ، بُعْدُه عَمَّنْ تَبَاعَدَ عَنْه زُهْدٌ ونَزَاهَةٌ ، ودُنُوُّه مِمَّنْ دَنَا مِنْه لِينٌ ورَحْمَةٌ ، لَيْسَ تَبَاعُدُه بِكِبْرٍ وعَظَمَةٍ ولَا دُنُوُّه بِمَكْرٍ وخَدِيعَةٍ ، قَالَ فَصَعِقَ هَمَّامٌ صَعْقَةً كَانَتْ نَفْسُه فِيهَا ،فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السلام ) : أَمَا واللَّه لَقَدْ كُنْتُ أَخَافُهَا عَلَيْه ، ثُمَّ قَالَ: أَهَكَذَا تَصْنَعُ الْمَوَاعِظُ الْبَالِغَةُ بِأَهْلِهَا ؟ فَقَالَ لَه قَائِلٌ: فَمَا بَالُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ فَقَالَ (عليه السلام): وَيْحَكَ إِنَّ لِكُلِّ أَجَلٍ وَقْتاً لَا يَعْدُوه ، وسَبَباً لَا يَتَجَاوَزُه فَمَهْلًا لَا تَعُدْ لِمِثْلِهَا ، فَإِنَّمَا نَفَثَ الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِكَ.

الزمر :٣٣،البقرة:من٢إلى٤ البقرة :١٧٧ ،الذاريات: من١٥إلى١٩

البقرة:٢٣٧، المائدة :٨

البحار ج٧٨ ص١٦٦ حديث٢

الكافي ج٢ ص١٣٣ حديث١٦

نهج البلاغة :خطبة١٩٣

ميزان الحكمة ج٤ ص٣٦٣٤،٣٦٣٥،٣٦٣٦

شرح دعاء اليوم السادس والعشرين

بسم الله الرحمن الرحيم

اللَّهُمَّ اجعَل سَعيي فيهِ مَشكوراً، وَذَنبي فيهِ مَغفوراً، وَعَمَلي فيهِ مَقبولاً، وَعَيبي فيهِ مَستوراً، يا أسمَعَ السَّامِعينَ.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه: (اللَّهُمَّ اجعَل سَعيي فيهِ مَشكوراً).

إذا تأملنا في سعي المؤمنين في هذا الشهر الكريم فبين صائم، وراكع، وتال للقرآن، يتضح لدينا أن الغاية عندهم واحدة وهي درجات السعي المشكور، قال الله عز ذكره في سورة الإسراء: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا}، ومصداق التقبل هو الشكر، لأن طمع الوصول إلى درجة السعي المشكور يقارن ما وعد الله به الشاكرين، فمثلا: الرزق يزداد بكثرة الشكر ، الولد يبارك كذلك وغيرها من الأمور الدنيوية تزداد بركتها بالشكر، فكله من متاع الحياة الدنيا، وأما ما عند الله خير وأبقى منفعة، قال تعالى ذكره في سورة ابراهيم: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}، والسعي المطلوب في الحصول عليه هو المشكور منه عزوجل ليضاعف كثيرا، فتعب الساعي جزاؤه قبول الباري عز وجل له ، قال تعالى عز ذكره في سورةالأنبياء: {فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ }، درجة الساعين إليه كمشكورين ترضيهم ما كانوا يأملون به من الله ، قال تعالى ذكره في سورة الحديد: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ}.
روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: هيهات لا يخدع الله عن جنته، فالمؤمنون يلتمسون رفع سعيهم إلى درجة الشكر ، روي عن الإمام الهادي عليه السلام قال: ألقوا النعم بحسن مجاورتها، والتمسوا الزيادة فيها بالشكر عليها.
وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه:(وَذَنبي فيهِ مَغفوراً).

المؤمنون يعرفون أن الذنب المرتكب لا يغفره إلا الله سبحانه وتعالى، قال تعالى ذكره في سورة آل عمران: { فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ}، فهذه المعرفة التي وصل إليها المؤمنون بأن الله يغفر الذنب ووعد الله هذا الأمر لهم، قال الله عز وجل في سورة المائدة:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ۙ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}.
فبعد تحصيل المؤمنين الوعد الإلهي بالغفران، تراهم يسارعون إلى الوصول إليه لنيل جنة الله الخالدة، قال تعالى ذكره في سورة آل عمران: {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ }.
روي عن أمير المؤمنين عليه السلام عندما سأله كميل ابن زياد قال: يا أمير المؤمنين العبد يصيب الذنب فيستغفر الله منه فما حد الاستغفار؟ قال: يا ابن زياد! التوبة، قلت: بس؟ قال: لا، قلت: فكيف؟ قال: إن العبد إذا أصاب ذنبا يقول: أستغفر الله بالتحريك، قلت: وما التحريك؟ قال: الشفتان واللسان يريد أن يتبع ذلك بالحقيقة؟ قلت: وما الحقيقة؟ قال: تصديق في القلب وإضمار أن لا يعود إلى الذنب الذي استغفر منه، قال كميل: فإذا فعلت ذلك فأنا من المستغفرين؟ قال: لا، قال كميل: فكيف ذاك؟ قال: لأنك لم تبلغ إلى الأصل بعد، قال كميل: فأصل الاستغفار ما هو؟ قال: الرجوع إلى التوبة من الذنب الذي استغفرت منه، وهي أول درجة العابدين، وترك الذنب، والاستغفار اسم واقع لمعان ست:

أولها: الندم على ما مضى،

والثاني: العزم على ترك العود أبدا،

والثالث: أن تؤدي حقوق المخلوقين التي بينك وبينهم،

والرابع: أن تؤدي حق الله في كل فرض،

والخامس: أن تذيب اللحم الذي نبت على السحت والحرام حتى يرجع الجلد إلى عظمه ثم تنشئ فيما بينهما لحما جديدا،

والسادس: أن تذيق البدن ألم الطاعات كما أذقته لذات المعاصي.
وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه: (وَعَمَلي فيهِ مَقبولاً).

قال الله عز وجل في سورة الجاثية: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} ، أعمال العباد لخالقها مقرونة بقبولها من الله عز وجل، فهذه الاقتران شرطه أن تكون النية خالصة لوجه الله الكريم، لأن أعمال العباد تكون خاصة له ليس فيها شريك، وخصوصيتها أن تؤدى له دون رياء لأنه شاهد عليها، قال تعالى عز ذكره في سورة يونس: {وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّاعَلَيْكُمْ شُهُودًا}.
تترقي الدرجات حتى ينعم المؤمنون بجنة الله، فيبشرهم بها قال تعالى عز ذكره في سورة البقرة: {وَبَشِّرِالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ }، فقرينة الأعمال الإيمان و الصلاح، والغاية التي يرجوها من الله هي قبولها، فكيف إذا كان للناس ميزة في الدنيا وميزة في الآخرة، فهم يعرفون بآبائهم جينيا وبدنيا وفي الآخرة يعرفون بأعمالهم، فمن حسن عمله فإن الله لا يضيع عنده شئ، قال تعالى في سورة آل عمران: {أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ}.
روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: إنما يستدل على الصالحين بما يجري لهم على ألسن عباده، فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح.
العمل خليل الناس فمن أعمالهم يعرفون،و يدل عليهم إن كان صالحاً أشير لهم وإن كان شراً فعليهم، روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:إن لأحدكم ثلاثة أخلاء : منهم من يمتعه بما سأله فذلك ماله ، ومنهم خليل ينطلق معه حتى يلج القبر ولا يعطيه شيئا ولا يصحبه بعد ذلك فأولئك قريبه ، ومنهم خليل يقول : والله أنا ذاهب معك حيث ذهبت ولست مفارقك ! فذلك عمله إن كان خيرا وإن كان شرا.
روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه:(وَعَيبي فيهِ مَستوراً)، إن الله عز وجل جعل لكل عمل يصدر من الناس سترا، فيسترهم بأمور يفعلونها أخفيت عن غيرهم، والستر مطلوب بين الناس كي لا يفسدون وتشيع الفاحشة، قال الله عز ذكره في سورة النور: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَاوَالْآخِرَةِ}، إذا نفهم من مصداق الآية الكريمة أن الله يحب الذي يستر عيب أخيه، وهو من الأعمال التي يؤجر عليها، روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا يستر عبد عيب عبد إلا ستره الله يوم القيامة.
يسطع الأمر جلياً لنا أن الإسلام قد أمر الناس بالتستر على بعضهم البعض وأوجب لهم جزيل الدرجات، روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا يرى امرؤ من أخيه عورة فيسترها عليه إلا دخل الجنة.
فكيف بالآمر بالستر ، ونرجوه أن يستر علينا ، ولا يأخذ بذنوبنا و يفضحها يوم الشاهد والمشهود، ومن أسمائه الحسنى التى سمى نفسه بها الستار، لأنه تعالى يحب أن تشيع المحبة والألفة بين خلقه، فيجعل الناس يحسنون الظن ببعضهم البعض.
وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه:(يا أسمَعَ السَّامِعينَ).الصوت الذي يخرج من الناس يحتاج دائما إلى من يسمعه في شكواه وطلبه للحاجة، لأن الناس بطبيعتها لا تستمع إلى هموم وشكاوى ومصائب بعضهم، فهذا الصوت يسمع عند الله الدعاء، وقد أمرهم بدعائه ليسمع نجواهم وكل مايهمهم من أمر دنياهم وآخرتهم، روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: أحب الأعمال إلى الله عز وجل في الأرض الدعاء.
فيعرف الله عزوجل بالسميع ، وهو أحد أسمائه الحسنى التي سمى نفسه بها، روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: إنّ العبد الولي لله يدعو الله في الأمر ينوبه ، فيقال للملَك الموكل به : اقض لعبدي حاجته ولا تعجّلها ، فإنّي أشتهي أن أسمع نداءه وصوته.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

حوارية اليوم السادس و العشرين

بسم الله الرحمن الرحيم

السائل : سورة الأحقاف تبدأ بحروف مقطعة، وهناك سور أخرى أيضا، فما هي أسرارها؟

الشيخ: إن أسرار الحروف المقطعة  عند الله وعند أهل بيت النبوة عليهم السلام لأنهم موضع الرسالة، و محال معرفة الله كما جاء في الزيارة الجامعة ، ومن المعلوم بأن حروف القرآن المقطعة أتعبت العلماء
لاكتشاف سرها، و القدر المتيقن أن الحروف الهجائية لها قيمة عالية لأنها باب من الأبواب إلى  العلوم و معرفة النظام الإلهي، فإذا قال الله عزوجل: {حم (1) تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)}، يعني بالحروف نزل القرآن الكري،م و اجتمعت  أئمة أهل اللغة القرآنية أنها أسماء، و تلفظ حين القراءة كل حرف لوحده هكذا حاء ميم و يسكن آخره، و هناك محاولات وصلت إلى عشر آراء، المتيقن منها أنها أسماء لله، و هي مأثورة عن أهل البيت عليهم السلام، وهناك تأويل مأثور أيضا عنهم لأحداث غيبية، ومع ذلك يبقى ذكر هذه الأسماء فيها جنبة كبيرة من السرية أعطاها الله إلى أوليائه صلوات الله عليهم، و يرشد إلى ذلك انقطاعهم بدعاء يسألون الله بفواتح السور، ويرمز إلى أن لها منزلة عظيمة.

السائل : هل هناك موعظة في آيات الجزء السادس و العشرين؟
الشيخ : هناك ظاهرة يبتلى بها بعض المؤمنين، و يمكن أن يمسنا شيء منها، وهي ظاهرة تفوت علينا الكثير من الأمور، و يمكن أن تكون للبعض  بابا للمعصية، وهي: عدم الصبر، التي خاطب بها الله عزّ وجل الرسول صلى الله عليه و آله من باب أخاطبك و أعني بذلك أمتك، في نهاية سورة الأحقاف الآية ٥٣: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ ۚ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ ۚ بَلَاغٌ ۚ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ}.
إن الله أعطى قيمة كبيرة لفضيلة الصبر، إلى إن قال: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}، و الله مع المؤمنين الذين فيهم هذه الفضيلة، في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}،  ورجح رسول الله صلى الله عليه و آله كفة ميزان الصابر على أعمال جمع المؤمنين في قوله :( لئن تصبروا على مثل ما أنتم عليه أحب إلي من أن يوافيني كل امرئ منكم بمثل عمل جميعكم) ، و اعتبرها الإمام علي عليه السلام بأحسن خاصية في الإيمان، وبأشرف خلق في الإنسان في قوله :(الصبر أحسن خلل الإيمان و أشرف خلايق الإنسان)، و جعلها المسيح عليه السلام غاية للوصول إلى ما نحب كحب الباري عزّ و جل في قوله:(إنكم لا تدركون ما تحبون إلا بصبركم على ما تكرهون)، و من أراد الوصول إلى الكمال جعل إمامنا الصادق عليه السلام الصبر شرطا في قوله:(لا ينبغي لمن لم يكن صبورا أن يعد كاملا) ، و إن سجية الصبر ترشدنا إلى الخير الكثير كما قال رسول الله صلى الله عليه و آله: (في الصبر على ما يكره خير كثير) حتى جعله مساويا للإيمان في قوله :-لما سئل عن الإيمان – قال : الصبر)، و عبر عنه الإمام علي عليه السلام بواسطة للوصول إلى المراد في قوله:( الصبر مطية لا تكبو) ، وعبر عنها رسول الله صلى الله عليه وآله إنها السد المنيع عن الدخول في حالة نفسية من قوة المصائب والعضد لتخطيها ، في قوله: (الصبر ستر من الكروب، و عون على الخطوب) ، و كم من رجال تشد أليهم الأعناق بزينة أفعالهم و عبر عن ذلك الإمام علي عليه السلام: ( الصبر زينة البلوى) ، و كم من دول ثابتة كطود بالصبر كأن سجيتهم قول الإمام عليه السلام : (الصبر يرغم الأعداء)، و كأن سيدتي زينب عليها السلام مرآة لكلمات أبيها عليه السلام حين قال في مواطن متعدد عن الصبر: (الصبر يمحص الرزية)، (الصبر يهون الفجيعة)، (الصبر على البلاء أفضل من العافية في الرخاء)، وجعل الإمام عليه السلام الصبر أكبر قيادي في مسائل العقل في قوله: ( العقل خليل المرء، و الحلم و زيره ، و الرفق والده، و الصبر من خير جنوده).

و الكلام يطول في أقسامه و علاماته و نكتفي بهذا القدر.. و الحمد لله رب العالمين.

آل عمران:١٤٦
الأنفال:٤٦
مسكن الفؤاد: ص٤٧
غرر الحكم :ص١٨٩٣
مسكن الفؤاد :ص٤٨
تحف العقول:ص٣٦٤
مسكن الفؤاد:ص٥٠
الكراجكي /كنز الفوائد ج١/ص١٣٩
الإرشاد ج١ ص٣٠٠
ميزان الحكمة ص١٥٥٦،١٥٥٧