أرشيف التصنيف: شرح أدعية ليالي شهر رمضان المبارك

شرح دعاء الليلة الثلاثين

دعاء الليلة الثلاثين

بسم الله الرحمن الرحيم

ربنا فاتنا هذا الشهر المبارك، الذي أمرتنا فيه بالصيام والقيام، اللهم ولا تجعله آخر العهد منا به، واغفر لنا ما تقدم من ذنوبنا وما تأخر، ربنا ولا تخذلنا ولا تحرمنا المغفرة، واغفر لنا وارحمنا وتب علينا وارزقنا، وارض عنا واجعلنا من أوليائك المهتدين ومن أوليائك المتقين بحق محمد وآل محمد وتقبل منا هذا الشهر، ولا تجعله آخر العهد منا به، وارزقنا حج بيتك الحرام في عامنا هذا وفي كل عام، إنك المعطي الرزاق، الحنان المنان.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (ربنا فاتنا هذا الشهر المبارك، الذي أمرتنا فيه بالصيام والقيام، اللهم ولا تجعله آخر العهد منا به، واغفر لنا ما تقدم من ذنوبنا وما تأخر، ربنا ولا تخذلنا ولا تحرمنا المغفرة، واغفر لنا وارحمنا وتب علينا وارزقنا، وارض عنا).

المؤمنون يقيمون أنفسهم في نهاية  شهر رمضان المبارك فينظرون إلى ما عملوا هل عزز فيهم روح التعاون والتكافل فيما بينهم ؟ وهل هذه الأيام ساعدت في توطيد العلاقات العائلية فيما بينهم؟ 

هل كانوا من الذين ختموا كتاب الله؟

 هل غفرت لهم الذنوب؟

 هل حصلوا بما عملوا رضا الله بعد قبول العمل؟

 هل التزموا بما أمروا به من أهل البيت عليهم السلام؟

 كل ذلك لأنهم يطمعون بأجر الله الأكبر.

روي عن الْحَسَنِ بْنِ رَاشِدٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: ” إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ إِنَّ الْمَغْفِرَةَ تَنْزِلُ عَلَى مَنْ صَامَ- شَهْرَ رَمَضَانَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ؟  فَقَالَ يَا حَسَنُ إِنَّ الْقَارِيجَارَ إِنَّمَا يُعْطَى أُجْرَتَهُ عِنْدَ فَرَاغِهِ وَ ذَلِكَ لَيْلَةُ الْعِيد.

روي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى يقول إن الصوم لي وانا أجزى عليه.

المؤمنون الذين أدوا ما عليهم من صيام وقيام يسألون الله أن يكونوا من الذين قال تعالى عنهم في محكم كتابه العزيز في سورة الأحزاب: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا }.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: قال الله تبارك وتعالى: كل عمل ابن آدم هو له غير الصيام هو لي وانا أجزى به ، والصيام جنة العبد المؤمن يوم القيامة، كما يقي أحدكم سلاحه في الدنيا ، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله عز وجل من ريح المسك ، والصائم يفرح بفرحتين حين يفطر فيطعم ويشرب، وحين يلقاني فادخله الجنة.

وروى أبو ذر قال: قال رسول الله (ص) يا باذر ان الله جل ثناؤه ليدخل قوما الجنة فيعطيهم حتى يملوا وفوقهم قوم في الدرجات العلى فإذا نظروا إليهم عرفوهم فيقولون ربنا إخواننا كنا معهم في الدنيا فبم فضلتهم علينا فيقال هيهات هيهات انهم كانوا يجوعون حين تشبعون ويظمؤون حين تروون ويقومون حين تنامون ويشخصون حين تحفظون.

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (واجعلنا من أوليائك المهتدين ومن أوليائك المتقين بحق محمد وآل محمد وتقبل منا هذا الشهر، ولا تجعله آخر العهد منا به، وارزقنا حج بيتك الحرام في عامنا هذا وفي كل عام، إنك المعطي الرزاق، الحنان المنان).

إن من الأمور التي تربى عليها الصائم في هذا الشهر الشريف من الالتزام بما أمر به في خصوص شهر رمضان تعطيه عزما ببقائه في سائر الشهور لأنه آثار هذا الشهر المبارك تبقى فيه إلى أن يحدث ذنبا يمنعه.

روي عن الإمام الباقر عليه السلام قال: (إن لله ملائكة موكلين بالصائمين يستغفرون لهم في كل يوم من شهر رمضان إلى آخره وينادون الصائمين في كل ليلة عند افطارهم أبشروا عباد الله وقد جعتم قليلا وستشبعون كثيرا بوركتم وبورك فيكم حتى إذا كان آخر ليلة من شهر رمضان نادوهم أبشروا عباد الله فقد غفر الله لكم ذنوبكم وقبل توبتكم فانظروا كيف تكونون فيما تستأنفون).

المؤمنين في وداع هذا الشهر يسألون الله أن يجعلهم من الذين ختم أعمالهم بعمل صالح أو قول أو فعل.

روي عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) قال: من ختم صيامه بقول صالح أو عمل صالح تقبل الله منه صيامه، فقيل يا ربن رسول الله، ما القول الصالح؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله، والعمل الصالح، إخراج الفطرة.

لا يغفل المؤمنين بالدعاء في وداع في هذا الشهر المبارك بما ورد عن أئمتهم عليهم السلام، عن الإمام السجاد عليه السلام قال في وداع هذا الشهر: وَقَدْ أَقامَ فينا هذَا الشَّهْرُ مَقامَ حَمْد، وَصَحِبَنا صُحْبَةَ مَبْرُور، وَأَرْبَحَنا أَفْضَلَ أَرْباحِ الْعالَمينَ، ثُمَّ قَدْ فارَقَنا عِنْدَ تَمامِ وَقْتِهِ وَانْقِطاعِ مُدَّتِهِ، وَ وَفاءِ عَدَدِهِ، فَنَحْنُ مُوَدِّعُوهُ وَداعَ مَنْ عَزَّ فِراقُهُ عَلَيْنا، وَغَمَّنا وَأَوْحَشَنَا انْصِرافهُ عَنّا، وَلَزِمَنا لَهُ الذِّمامُ الْمَحْفُوظُ، وَالْحُرْمَةُ الْمَرْعِيَّهُّ، وَالْحَقُّ الْمَقْضِىُّ.

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

شرح دعاء الليلة التاسعة و العشرين

دعاء الليلة التاسعة و العشرين

بسم الله الرحمن الرحيم

توكلت على السيد الذي لا يغلبه أحد، توكلت على الجبار الذي لا يقهره أحد، توكلت على العزيز الرحيم الذي يراني حين أقوم وتقلبي في الساجدين، توكلت على الحي الذي لا يموت، توكلت على من بيده نواصي العباد، توكلت على الحليم الذي لا يعجل، توكلت على الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، توكلت على القادر القاهر العلي الأعلى الأحد، توكلت- سبعا – ، أسألك يا سيدي أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن ترحمني وتتفضل علي ولا تخزني يوم القيامة، إنك شديد العقاب غفور رحيم.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (توكلت على السيد الذي لا يغلبه أحد، توكلت على الجبار الذي لا يقهره أحد، توكلت على العزيز الرحيم الذي يراني حين أقوم وتقلبي في الساجدين، توكلت على الحي الذي لا يموت، توكلت على من بيده نواصي العباد).

رؤية المؤمنين انقضاء شهر الرحمة وهم يعلمون أن تقبل الله لأعمالهم، بتوكلهم عليه لأن التوكل أحد أركان مراتب الإيمان، والاعتماد على حول الله وقوّته وأن لا مؤثر في عالم الوجد إلا هو، ولا يتنافى التوكل والسعي والعمل، لأن الأسباب والعلل الظاهرية ليس لها تأثير مستقل، الأمور كلها بمشيئة الله وأوامره التي يتوكلون بها عليه.

قال تعالى في محكم كتابه المبين في سورة الأنفال:

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾.

روي عن الإمام علي عليه السلام قال: صلاح العبادة التوكل.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال:

سبعون ألفا من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب، هم الذين لا يكتوون، ولا يكوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون.

هدية السماء لخير الأنبياء تعطى فيفوز بها المؤمنين المريدون لدرجات ترفعهم فيكونوا من الذين قال تعالى في سورة العنكبوت: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}.

روي أن جبرائيل عليه السلام جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال يا رسول اللَّه، إن اللَّه تبارك وتعالى أرسلني إليك بهدية لم يعطها أحداً قبلك، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: قلت، وما هي؟ قال: الصبر وأحسن منه، قلت وما هو؟ قال: الرضا وأحسن منه، قلت وما هو؟ قال الزهد وأحسن منه، قلت: وما هو؟ قال: الإخلاص وأحسن منه، قلت: وما هو؟ قال: اليقين وأحسن منه، قلت: وما هو؟ قال: إن مدرجة ذلك التوكل على اللَّه عزَّ وجلّ‏َ، فقلت: وما التوكل على اللَّه عزَّ وجلّ‏َ؟ فقال: العلم بأن المخلوق لا يضرُّ ولا ينفع، ولا يعطي ولا يمنع، واستعمال اليأس من الخلق، فإذا كان العبد كذلك لم يعمل لأحد سوى اللَّه، ولم يرج ولم يخف سوى اللَّه، ولم يطع أحداً سوى اللَّه، فهذا هو التوكل.

المؤمنين يسألون ربهم بحلمه وهو الأخذ بنواصيهم يعلمون أن الأمر إليه، وهو القائل في محكم كتابه العزيز في سورة الطلاق: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}.

روي أن نبي الله سليمان عليه السلام كان جالسا على شاطئ بحر، فبصر بنملة تحمل حبة قمح تذهب بها نحو البحر، فجعل سليمان ينظر إليها حتى بلغت الماء فإذا بضفدعة قد أخرجت رأسها من الماء وفتحت فاها، فدخلت النملة فاها وغاصت الضفدعة في البحر ساعة طويلة، وسليمان يتفكر في ذلك متعجبا.

ثم إنها خرجت من الماء وفتحت فاها فخرجت النملة من فيها، ولم تكن معها الحبة فدعاها سليمان وسألها عن حالها وشأنها وأين كانت، فقالت: يا نبي الله في قعر هذا البحر الذي تراه صخرة مجوفة، وفي جوفها دودة عمياء، وقد خلقها الله تعالى هنالك فلا تقدر أن تخرج منها لطلب معاشها، وقد وكلني الله برزقها، فأنا أحمل رزقها وسخر الله هذه الضفدعة لتحملني فلا يضرني الماء في فيها، وتضع فاها على ثقب الصخرة وأدخلها، ثم إذا أوصلت رزقها إليها خرجت من ثقب الصخرة إلى فيها فتخرجني من البحر، قال سليمان: وهل سمعت لها من تسبيحة؟

قالت: نعم، تقول: يا من لا تنساني في جوف هذه الصخرة تحت هذه اللجة برزقك لا تنس عبادك المؤمنين برحمتك.

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (توكلت على الحليم الذي لا يعجل، توكلت على الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، توكلت على القادر القاهر العلي الأعلى الأحد، توكلت- سبعا -).

إن توكل المؤمنين على الله لها آثار تدخلهم الراحة التي يسعى إليها عباد الله.

روي عن الإمام الرضا عليه السلام أنه قال: من أراد أن يكون أقوى الناس، فليتوكل على الله.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من توكل على الله كفاه مؤنته ورزقه من حيث لا يحتسب.

ومن آثار المهمة في التوكل حبّ أهل البيت عليهم السلام يجسّد حبّ الله تعالى وحبّ رسوله صلى الله عليه وآله وسلم في أجلى صوره، وذلك غاية أمل المؤمنين، قال تعالى: ﴿ والَّذِينَ آمَنُوا أشدُّ حُبّاً للهِ  ﴾. وقال تعالى :﴿  قُلْ إن كُنتُم تُحبُّونَ اللهَ فاتَّبِعُوني يُحببكُمُ اللهُ.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من أراد التوكل على الله فليحب أهل بيتي، ومن أراد الحكمة فليحبّ أهل بيتي، فوالله ما أحبّهم أحدٌ إلاّ ربح الدنيا والآخر.

حرص المؤمنين على أفعالهم وتوجهاتهم تعطيهم حيز يكونون فيه مع ولاة أمرهم وحبل نجاتهم في توكلهم، و الإخلاص لهم يعطيهم الفوز بما عملوا لأجله.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من رزقه الله حب الاَئمة من أهل بيتي، فقد أصاب خير الدنيا والآخرة، فلا يشكّنّ أحدٌ أنه في الجنة، فإنّ في حبّ أهل بيتي عشرين خصلة، عشر منها في الدنيا، وعشر منها في الآخرة.

أما التي في الدنيا: فالزهد ، والحرص على العمل ، والورع في الدين ، والرغبة في العبادة ، والتوبة قبل الموت ، والنشاط في قيام الليل ، واليأس ممّا في أيدي الناس ، والحفظ لأمر الله ونهيه عزَّ وجل ، والتاسعة بغض الدنيا ، والعاشرة السخاء .

وأما التي في الآخرة: فلا ينشر له ديوان ، ولا ينصب له ميزان ، ويعطى كتابه بيمينه ، وتكتب له براءة من النار ، ويبيَضّ وجهه ، ويكسى حلل من حلل الجنّة ، ويُشفّع في مائة من أهل بيته ، وينظر الله عزَّ وجلّ إليه بالرحمة ، ويُتَوّج من تيجان الجنة ، والعاشرة يدخل الجنة بغير حساب ، فطوبى لمحبي أهل بيتي.

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (أسألك يا سيدي أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن ترحمني وتتفضل علي ولا تخزني يوم القيامة، إنك شديد العقاب غفور رحيم).

أمل المؤمنين في وداع شهر رمضان أن يرحمهم الله ويغفر لهم، ويعفو عنهم في الدارين، فيرفعون أكفهم بالدعاء منا ورد عن الإمام السجاد عليه السلام بدعائه بخواتم الخير:

فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ، واجْعَلْ خِتَامَ مَا تُحْصِي عَلَيْنَا كَتَبَةُ أَعْمَالِنَا تَوْبَةً مَقْبُولَةً لَا تُوقِفُنَا بَعْدَهَا عَلَى ذَنْبٍ اجْتَرَحْنَاهُ، ولَا مَعْصِيَةٍ اقْتَرَفْنَاهَا. ولَا تَكْشِفْ عَنَّا سِتْراً سَتَرْتَهُ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ، يَوْمَ تَبْلُو أَخْبَارَ عِبَادِكَ. إِنَّكَ رَحِيمٌ بِمَنْ دَعَاكَ، ومُسْتَجِيبٌ لِمَنْ نَادَاكَ.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

شرح دعاء الليلة الثامنة والعشرين

دعاء الليلة الثامنة والعشرين

بسم الله الرحمن الرحيم

آمنا بالله وكفرنا بالجبت والطاغوت، آمنا بمن لا يموت، آمنا بمن خلق السماوات والأرضين والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب والإنس والجن، آمنا بما أنزل إلينا وما أنزل إليكم وإلٰهنٰا وإلٰهكم وٰاحدٌ ونحن له مسلمون، آمنا برب موسى وهارون، آمنا برب الملائكة والروح، آمنا بالله وحده لا شريك له، آمنا بمن أنشأ السحاب وخلق العباد والعذاب والعقاب، آمنا بك – سبعا – ، ربنا فاغفر لنا ذنوبنا بحق محمد وآله وتجاوز عنا إنك أنت العزيز الجبار. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (آمنا بالله وكفرنا بالجبت والطاغوت، آمنا بمن لا يموت، آمنا بمن خلق السماوات والأرضين والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب والإنس والجن).

كل من يدخل الإسلام بالشهادتين أصبح مسلم فيحرم دمه وماله وعرضه.

ولكن وصوله إلى درجات الإيمان تحتاج إلى عمل وقلب يسع بتقبله لما يجب عليه من أمور تدخله مراحل النمو نحو الاتصال الحقيقي بالله عزوجل.

روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: إنّ الإيمان يبدو لُمظة بيضاء في القلب، فكلّما ازداد الإيمان عظمًا ازداد البياض، فإذا استُكمل الإيمانُ ابيضَّ القلب كلّه.

وروي عن الإمام الباقر عليه السلام في معرض تفريقه بين الإسلام والإيمان: الإيمان إقرار وعمل والإسلام إقرار بلا عمل.

العبد يعلم أن الإقرار القلبي متقدم رتبة على الإقرار اللفظي والعمل يجب أن يجمع بين الأقسام الثلاثة القلب واللفظ والعمل، فيقترن بالطاعة المطلقة لله وتنفيذ ما أمر والنهي عمّا زجر كلّ ذلك في دائرة الوعي والسلوك والعمل بما ورد عن أهل البيت عليهم السلام.

ففي جواب الإمام الصادق عليه السلام عن سؤال عجلان أبي صالح عندما سأله عن حدود الإيمان، فقال عليه السلام: شهادة أن لا إله إلّا الله، وأنَّ محمّداً رسول الله، والإقرار بما جاء به من عند الله، وصلاة الخمس، وأداء الزكاة، وصوم شهر رمضان ، وحجّ البيت ، وولاية وليّنا ، وعداوة عدّونا ، والدخول مع الصادقين.

وعن أبي عمرو الزبيدي عن الإمام أبي عبدالله الصادق عليه السلام أنّه قال: الإيمان حالات ودرجات وطبقات ومنازل ، فمنه التامّ المنتهي تمامه ، ومنه الناقص البيّن نقصانه ، ومنه الراجح الزائد رجحانه ، قلت : إنَّ الإيمان ليتم وينقص ويزيد ؟ قال عليه السلام: نعم ، قلت :  فمن أين جاءت زيادته ؟

فقال عليه السلام: قول الله عزَّ وجلَّ: (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَٰذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ )، وقال تعالى : ( نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ) . 

ولو كان واحداً لا زيادة فيه ولا نقصان لم يكن لأحد منهم فضل علىٰ الآخر ولاستوت النعم فيه ولاستوىٰ الناس وبطل التفضيل ، ولكن بتمام الإيمان دخل المؤمنون الجنّة ، وبالزيادة في الإيمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله وبالنقصان دخل المفرّطون النار.

للإيمان علامات كثيرة تدل العبد على أنه على صراط الحق والنهج الذي يتعلمه من أهل البيت عليهم السلام فمنها:

– التسليم لله تعالىٰ والرِّضا بقضائه.

– الحبّ في الله والبغض في الله.

– التمسك المطلق بالحقّ.

– حب أهل البيت عليهم السلام.

–  حالة الخوف والرجاء.

– الإيثار.

– الخُلق الحسن.

وغيرها من الأمور الكثيرة التي تصل بالعبد إلى درجة يكون فيها من الصادقين.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة النساء: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً}.

وفي هذه الآية محل تعجب أنهم أعطوا نصيبًا من الكتاب وقامت عليهم الحجة ومع ذلك يؤمنون بالجبت ويؤمنون بالطاغوت.

اذا نصل إلى أن الجبت كل شيء يعبد من دون الله ولا فائدة فيه من الإسلام بشيء والدعاية بلبس الحق بالباطل، و كل أئمة الكفر ودعاة الكفر طواغيت، والشيطان طاغوت ومن آذى المؤمنين طاغوت ومن حرّف الحق عن موضعه الحقيقي هو الجبت والطاغوت بعينه.

إذا أعداء أهل البيت عليهم السلام هم الجبت والطاغوت، وكل من حارب أهل البيت (عليهم السّلام) وأزالهُم عَن مراتبِهم التي رتبهُم الله فيها.

روي عن الإمام الباقر عليه السّلام قال: إيّاكُم والولائجَ، فإنَّ كلَّ وليجةٍ دونَنا فهيَ طاغوتٌ.

المؤمن يعرف أن الرغبة في الدنيا والافتتان بها هو الذي يوجب الطغيان واتباع الطاغوت الذي كان همه الملك وأزاحت أهل الحق عن مراتبهم التي رتبهم الله بها.

روي عن الإمام زين العابدين عليه السلام قال: كفانا اللهُ وإيّاكُم كيدَ الظّالمينَ وبغيَ الحاسدينَ وبطشَ الجبّارينَ، أيّها المؤمنونَ لا يفتننَّكُم الطّواغيتُ وأتباعُهم مِن أهلِ الرّغبةِ في الدّنيا.

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (آمنا بما أنزل إلينا وما أنزل إليكم وإلٰهنٰا وإلٰهكم وٰاحدٌ ونحن له مسلمون، آمنا برب موسى وهارون، آمنا برب الملائكة والروح، آمنا بالله وحده لا شريك له، آمنا بمن أنشأ السحاب وخلق العباد والعذاب والعقاب، آمنا بك – سبعا).

المؤمن يعلم أن الحق في التسليم والتصديق بما بعث الله من أنبياء وأوصياء وكتب سماوية هي الحق من عنده، لقول الله تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة البقرة: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}.

وأفضل الإيمان وأقصر طريق إلى الله هي ولاية أهل البيت النبوة عليهم السلام، لأنهم هم هداة الحق وبهم يفتح الله وبهم يختم، وبهم يتعلم المؤمنين معالم دينهم وما لهم وما عليهم.

روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: إنّه لا يجد عبد حقيقة الإيمان حتّىٰ يعلم أنّ ما لآخرنا لأوّلنا.

بشارة العبد المؤمن بولايته وتصديقه وإيمانه بأهل بيت النبوة، ما أورده الثعلبي في تفسيره ونقله عنه الزمخشري في الكشّاف، والقرطبي المالكي في الجامع لأحكام القرآن ، والفخر الرازي في التفسير الكبير.

روي عن النبي صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله‌ وسلم قال: من مات علىٰ حبّ آل محمّد مات شهيداً ، ألا ومن مات علىٰ حبّ آل محمّد مات مغفوراً له، ألا ومن مات علىٰ حبّ آل محمّد مات تائباً ، ألا ومن مات علىٰ حبّ آل محمّد مات مؤمناً مستكمل الإيمان ، ألا ومن مات علىٰ حبّ آل محمّد بشّره ملك الموت بالجنّة ثمّ منكر ونكير ، ألا ومن مات علىٰ حبّ آل محمّد يزّف إلىٰ الجنّة كما تزف العروس إلىٰ بيت زوجها ، ألا ومن مات علىٰ حبّ آل محمّد فتح له في قبره بابان إلىٰ الجنّة ، ألا ومن مات علىٰ حبّ آل محمّد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة ، ألا ومن مات علىٰ حبّ آل محمّد مات (علىٰ السُنّة والجماعة).

ألا ومن مات علىٰ بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوباً علىٰ عينيه آيس من رحمة الله ، ألا ومن مات علىٰ بغض آل محمّد مات كافراً، ألا ومن مات علىٰ بغض آل محمّد لم يشم رائحة الجنّة. 

روي عن زر بن حبيش قال : رأيت أمير المؤمنين عليه السلام علىٰ المنبر فسمعته يقول :  والذي فلق الحبّة وبرء النسمة ، أنّه لعهد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إليّ أنّه لا يحبّك إلّا مؤمن ولا يبغضك إلّا منافق.

اذا فالمقياس الإلهي الدقيق لمعرفة حقيقة الإيمان إذن هو حبّ أهل البيت عليهم السلام والتزام طاعتهم ، والتبرّي من أعدائهم، ككفتي ميزان إذا رحجت أحداها أما الإيمان الخالص من ولايتهم وحبهم، وأما كفة مظلمة ببغضهم عليهم السلام، وهي ليس إلا الكفر والنفاق والمروق من الدين.

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (ربنا فاغفر لنا ذنوبنا بحق محمد وآله وتجاوز عنا إنك أنت العزيز الجبار).

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة النساء: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَهَ تَوَّابًا رَحِيمً﴾.

المؤمنون المتوسلون المتقربين إلى الله عزوجل يسألونه أن يغفر ذنوبهم ويتجاوز عنهم بأحب الخلق إليه محمد وآل محمد، الذين فرض علينا طاعتهم.

روي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر، عن أبيه عليهما السلام، عن جدِّه، قال: قال رسولُ الله «صلى الله عليه وآله»: من أرادَ التوسّلَ إليَّ، وأن يكونَ لهُ عندي يدٌ أشفعُ لهُ بها يومَ القيامة، فليَصِلْ أهلَ بيتي، ويُدخِلْ السرورَ عليهم.

والمؤمنون راجون أن يستجاب دعاؤهم رافعين أكفهم إلى الله في أيام هذا الشهر الفضيل الأخيرة بما ينطق به أهل الوحي.

روي عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: قَالَ لِي الإمام أَبُو عَبْدِ الله الصادق عليه السلام ابْتِدَاءً مِنْه: يَا مُعَاوِيَةُ، أمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَجُلاً أَتَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام، فَشَكَا الإِبْطَاءَ عَلَيْه فِي الْجَوَابِ فِي دُعَائِه، فَقَالَ لَه: أَيْنَ أَنْتَ عَنِ الدُّعَاءِ السَّرِيعِ الإِجَابَةِ؟!

فَقَالَ لَه الرَّجُلُ: مَا هُوَ؟

قَالَ: قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْعَظِيمِ الأَعْظَمِ، الأَجَلِّ الأَكْرَمِ، الْمَخْزُونِ الْمَكْنُونِ، النُّورِ الْحَقِّ، الْبُرْهَانِ الْمُبِينِ، وأَتَوَجَّه إِلَيْكَ بِمُحَمَّدٍ وأَهْلِ بَيْتِه، أَسْأَلُكَ بِكَ وبِهِمْ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، وأَنْ تَفْعَلَ بِي ..كذا وكذا..

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

شرح دعاء الليلة السابعة والعشرين

دعاء الليلة السابعة والعشرين

بسم الله الرحمن الرحيم

ربنا اصرف عنٰا عذٰاب جهنم إن عذٰابهٰا كٰان غرٰاماً، ربنٰا هب لنٰا من أزوٰاجنٰا وذريٰاتنٰا قرة أعين واجعلنٰا للمتقين إمٰاماً، ربنٰا عليك توكلنٰا وإليك أنبنٰا وإليك المصير، ربنٰا لٰا تجعلنٰا فتنةً للذين كفروا، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوفٌ رحيمٌ، صل على محمد وآله واستر علي ذنوبي وعيوبي واغفر لي بحق محمد وآل محمد إنك أنت الرؤوف الرحيم.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (ربنا اصرف عنٰا عذٰاب جهنم إن عذٰابهٰا كٰان غرٰاماً، ربنٰا هب لنٰا من أزوٰاجنٰا وذريٰاتنٰا قرة أعين واجعلنٰا للمتقين إمٰاماً).

المؤمنون الذين هم مع اجتهادهم في العبادة يخافون الله فيدعونه أن ينجيهم من عذاب جهنم، حيث إن عذابها يلازم صاحبه، لشدة ما سمعوا عن جهنم فتراهم مشفقين خاشعين لاحول ولا قوة لهم إلا بالله، ومجتهدين بالابتعاد عن كل شيء يولجهم النار.

روي عن عُبيد بن زُرارة قال: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السَّلام) عَنِ الْكَبَائِرِ؟

فَقَالَ: “هُنَّ فِي كِتَابِ عَلِيٍّ (عليه السَّلام) سَبْعٌ:

–  الْكُفْرُ بِاللَّهِ، وَ قَتْلُ النَّفْسِ، وَ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَ أَكْلُ الرِّبَا بَعْدَ الْبَيِّنَةِ، وَ أَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ظُلْماً، وَ الْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ.

كل ما يلزم المؤمنين من التزام الأوامر والابتعاد عن النواهي التي وردت إليهم من الشرع الشريف تزيدهم إصرارا على عدم فعل مثل تلك الأفعال.

روي عن الإمام الرِّضَا عليه السلام، عَنْ آبَائِهِ عليهم السلام، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه و آله): مَنْ أَذَلَّ مُؤْمِناً، أَوْ حَقَّرَهُ لِفَقْرِهِ وَ قِلَّةِ ذَاتِ يَدِهِ، شَهَرَهُ اللَّهُ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

إن صرف أهوال جهنم وما يفزغ منه المؤمنون بأعمال وأمور عدة، توجب لهم الابتعاد عما خافوا منه ألا وهو لزوم عذاب جهنم لهم، فيطمئنوا بما ينطق به أهل المودة والثقلين عليهم السلام، عند التزامهم بالأعمال الحسنة والأخلاق الحميدة.

روي عن الإمام محمد بن علي الباقر عليهما السلام أنَّهُ قال: “مَنْ أَدْمَنَ قِرَاءَةَ سُورَةِ الْغَاشِيَةِ غَشَّاهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ، وَ آمَنَهُ مِنْ عَذَابِ النَّارِ.

روي عن الإمام أبي جعفر عليه السلام قال: صلى أمير المؤمنين عليه السلام بالناس الصبح بالعراق، ثم انصرف فوعظهم، فبكى وأبكى من خوف الله تعالى، ثم قال: أما والله، لقد عهدت أقواماً على عهد خليلي رسول الله صلى اللهّ عليه وآله، وأنهم ليصبحون ويمسون شعثاً غبراً خمصاً، بين أعينهم كركب المعزى، يبيتون لربهم سجداً وقياماً يراوحون بين أقدامهم وجباههم، يناجون ربهم، ويسألونه فكاك رقابهم من النار، والله لقد رأيتهم مع هذا وهم خائفون وجلون مشفقون.

المؤمنون الراغبون إلى ما ينفعهم والممتثلين لقول الله تعالى في سورة الزمر: { فبشر عبادِ الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه}، تنير قلوبهم بما ينطق به سيد الكلام الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام بتنبيهات قال فيها:

• فَإِنَّ الدُّنْيَا أَدْبَرَتْ وَ آذَنَتْ‏  بِوَدَاعٍ .

• وَ إِنَّ الْآخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ وَ أَشْرَفَتْ بِاطِّلَاعٍ‏  .

• أَلَا وَ إِنَّ الْيَوْمَ الْمِضْمَارَ  وَ غَداً السِّبَاقَ ، وَ السَّبَقَةُ الْجَنَّةُ وَ الْغَايَةُ النَّارُ.

• أَفَلَا تَائِبٌ مِنْ خَطِيئَتِهِ‏ قَبْلَ مَنِيَّتِهِ  .

• أَلَا عَامِلٌ لِنَفْسِهِ قَبْلَ يَوْمِ بُؤْسِهِ‏  .

• أَلَا وَ إِنَّكُمْ فِي أَيَّامِ أَمَلٍ مِنْ وَرَائِهِ أَجَلٌ ، فَمَنْ عَمِلَ فِي أَيَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ فَقَدْ نَفَعَهُ عَمَلُهُ وَ لَمْ يَضْرُرْهُ أَجَلُهُ ، وَ مَنْ قَصَّرَ فِي أَيَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ فَقَدْ خَسِرَ عَمَلُهُ وَ ضَرَّهُ أَجَلُهُ.

• أَلَا فَاعْمَلُوا فِي الرَّغْبَةِ كَمَا تَعْمَلُونَ فِي الرَّهْبَةِ  .

• أَلَا وَ إِنِّي لَمْ أَرَ كَالْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا وَ لَا كَالنَّارِ نَامَ هَارِبُهَا .

• أَلَا وَ إِنَّهُ مَنْ لَا يَنْفَعُهُ الْحَقُّ يَضُرُّهُ الْبَاطِلُ ، وَ مَنْ لَا يَسْتَقِيمُ بِهِ الْهُدَى يَجُرُّ بِهِ الضَّلَالُ إِلَى الرَّدَ.

• أَلَا وَ إِنَّكُمْ قَدْ أُمِرْتُمْ بِالظَّعْنِ‏ وَ دُلِلْتُمْ عَلَى الزَّادِ.

• وَ إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اثْنَتَانِ ، اتِّبَاعُ الْهَوَى وَ طُولُ الْأَمَلِ ، فَتَزَوَّدُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا مَا تَحْرُزُونَ بِهِ أَنْفُسَكُمْ‏  غَداً.

فوز الصائمين في شهر رمضان المبارك بصبرهم وحلمه، يرون جزائه فيطمعون به وهم في أواخر هذه الأيام والليالي.

روي عن رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه و آله) قال: مَا مِنْ عَبْدٍ صَالِحٍ يُشْتَمُ فَيَقُولُ: إِنِّي صَائِمٌ، سَلَامٌ عَلَيْكَ، لَا أَشْتِمُكَ كَمَا شَتَمْتَنِي، إِلَّا قَالَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى: اسْتَجَارَ عَبْدِي بِالصَّوْمِ مِنْ شَرِّ عَبْدِي، فَقَدْ أَجَرْتُهُ مِنَ النَّارِ.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة النور: {وانكِحُوا الأيامَى مِنكُم والصَّالِحينَ مِن عِبادِكُم وإمائكُم}.

المؤمنون المتقون الذين يحبون أن تبقى ذكراهم موجودة بعد مماتهم لأنهم يعلمون أن الله عزوجل قهرعباده بالموت والفناء، فيسعون إلى اختيار الزوجة الصالحة التي تستثمر صلاحها في تربية وتنشئة ذرية طيبة، ذات أخلاق حسنة، لأنها رسالة نبيهم صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم.

روي عن النبي صلی الله عليه وآله قال: إذا مات المؤمن انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له.

روي عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: أتى رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) يستأمره في النكاح، فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم  ): نعم انكح وعليك بذوات الدين تربت يداك.

المؤمنون الموالون يدعون الله في هذه الليالي المباركة أن يهبهم ذرية تكون من أنصار أمام زمانها المسارعين في قضاء حوائجه الذابين عنه والمستشهدين بين يده لأنه الغائب عنا فزادهم شوقا فدعاء يعقوب أن يرى يوسف هو دعاءهم أن يروه وتكون ذراريهم من أعوانه، وممن يلقون نبيهم صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله‌ وسلم فيكونون من أصحابه.

روي عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم وعنده جماعة من أصحابه : اللهم لقني إخواني مرتين ، فقال من حوله من أصحابه : أما نحن إخوانك يا رسول الله؟ فقال : لا ، إنكم أصحابي ، وإخواني قوم من آخر الزمان آمنوا بي ولم يروني، لقد عرفنيهم الله بأسمائهم وأسماء آبائهم من قبل أن يخرجهم من أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم ، لأحدُهم أشدُّ بُقيَةً على دينه من خرط القتاد في الليلة الظلماء ، أو كالقابض على جمر الغضا ، أولئك مصابيح الدجى ، ينجيهم الله من كل فتنة غبراء مظلمة .

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (ربنٰا عليك توكلنٰا وإليك أنبنٰا وإليك المصير، ربنٰا لٰا تجعلنٰا فتنةً للذين كفروا، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوفٌ رحيمٌ).

توكل المؤمنين في مصيرهم وأنابتهم لله وألا يكون من الذين يسلط عليهم الكافرين فيؤذوهم.

روي عن أبي جعفر عليه السلام في قوله عز وجل: وقال موسى لقومه يا قوم ان كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا ان كنتم مسلمين وقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين فان قوم موسى استعبدهم آل فرعون وقالوا: لو كان لهؤلاء على الله كرامة كما يقولون ما سلطنا عليهم.

فقال موسى لقومه: يا قوم ان كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين.

إن من أهم التعاليم التي يتربى عليها المؤمنون هو الدعاء لإخوانهم الماضيين و الذين سبقوهم بالإيمان، وهؤلاء لهم صفات ينطق بها أمناء الرحمن.

روي عن أبي حمزة الثمالي، عن الإمام علي بن الحسين عليهما السلام قال: “المؤمن يصمت ليسلم، وينطق ليعلم، لا يحدث أمانته الأصدقاء، ولا يكتم شهادته من البعداء، ولا يعمل شيئاً من الخير رياءً، ولا يتركه حياءً، إن زكي خاف مما يقولون، ويستغفر الله مما لا يعلمون، لا يغره قول من جهله، ويخاف إحصاء ما عمله.

وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: المؤمن كمثل شجرة لا ينحات ورقها في شتاء ولا صيف، قالوا: يا رسول الله، وماهي ؟ قال: النخلة.

إن المؤمنين بدعائهم لبعضهم البعض ينجون، هذا ما وعدهم الله ورسوله.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: وإنّ العبد المؤمن ليُؤمر به إلى النار يكون من أهل المعصية والخطايا ، فيُسحب فيقول المؤمنون والمؤمنات : إلهنا !.. عبدك هذا كان يدعو لنا فشفّعنا فيه ، فيشفّعهم الله عزّ وجلّ فيه ، فينجو من النار برحمة من الله عزّ وجلّ.

روي عن الإمام قال أبو الحسن عليه السلام قال: مَن دعا لإخوانه من المؤمنين وكل الله به عن كلّ مؤمنٍ ملكاً يدعو له ، وما من مؤمنٍ يدعو للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات ، إلاّ ردّ الله عليه من كل مؤمنٍ ومؤمنةٍ حسنة ، منذ بعث الله آدم عليه السلام إلى أن تقوم الساعة . 

المؤمنين عارفين بحقوق أخوتهم تراهم ملتزمين بما أمروا به من الدعاء، بظهر الغيب.

روي عن عبد الله بن جندب قال : كنت في الموقف فلمّا أفضت لقيت إبراهيم بن شعيب فسلمت عليه ، وكان مصاباً بإحدى عينيه ، وإذا عينه الصحيحة حمراء كأنّها علقة دم ، فقلت له : قد أصبت بإحدى عينيك ، وأنا مشفقٌ لك على الأخرى ، فلو قصرت من البكاء قليلاً .

قال : لا والله يا أبا محمد !.. ما دعوت لنفسي اليوم بدعوةٍ ، فقلت :فلمَن دعوت ؟.. قال : دعوت لإخواني ، سمعت الإمام أبا عبد الله الصادق عليه ‌السلام يقول : مَن دعا لأخيه بظهر الغيب وكّل الله به ملكاً يقول : ولك مثلاه ، فأردت أن أكون إنّما أدعو لإخواني ، ويكون الملَك يدعو لي ، لأنّي في شكٍّ من دعائي لنفسي ، ولست في شكٍّ من دعاء الملك لي . 

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(صل على محمد وآله واستر علي ذنوبي وعيوبي واغفر لي بحق محمد وآل محمد إنك أنت الرؤوف الرحيم ).

المؤمنون الذين يلهجون بطلب ستر عيوبهم والغفران بآخر أيام شهر رمضان يعلمون أن بفعلهم الذي يتركوه من كشف ستر أخيهم المؤمن، والتشهير به لهم حظ.

روي عن الامام الصادق عليه السلام قال: من ستر على مؤمن عورة يخافها ستر الله عليه سبعين عورة من عورات الدنيا والآخرة.

موعظة الكلام ترجع إليهم فهم القرآن الناطق والحق منهم وإليهم فيعرفوننا معان تنجينا من سخط الله.

ومن كلام لأمير المؤمنين عليه السلام قال:

  يا عبد الله! لا تعجل في عيب أحد بذنبه، فلعله مغفور له، ولا تأمن على نفسك صغير معصية، فلعلك معذب عليه، فليكفف من علم منكم عيب غيره لما يعلم من عيب نفسه، وليكن الشكر شاغلاً على معافاته مما ابتلي به غيره، فلا يستعجل الإنسان بفضح أخيه لعله أفضل منه، وقد يكون قد تاب وغفر الله له، فيكسب الشاهر الذي ينشر الأقاويل والتحدث عن هذا وذاك سخط الله وغضبه.

وآخر دعوانا أن الحمدالله رب العالمين.

شرح دعاء الليلة السادسة والعشرين

دعاء الليلة السادسة والعشرين

بسم الله الرحمن الرحيم

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنك أنت الوهاب.

ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار.

ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.

ربنا صل على محمد وآل محمد واستجب دعاءنا واغفر لنا ولوالدينا وولدنا وما ولدوا إنك أنت الغفور الرحيم.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنك أنت الوهاب.

ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار).

العبد المؤمن يعرف أن للقلوب تحولات كثيرة تخرجه من لذة الهداية إلى غصة المعصية، فدوام دعائه أن يثبت على الهداية الحقة من الإيمان والولاية لمحمد وآل محمد.

روي عن هشام ابن الحكم في وصية الإمام موسى الكاظم عليه السلام قال: يَا هِشَامُ إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَ عَزَّ حَكَى عَنْ قَوْمٍ صَالِحِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا- رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَ هَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ‏ حِينَ عَلِمُوا أَنَّ الْقُلُوبَ تَزِيغُ وَ تَعُودُ إِلَى عَمَاهَا وَ رَدَاهَا، إِنَّهُ لَمْ يَخَفِ اللَّهَ مَنْ لَمْ يَعْقِلْ عَنِ اللَّهِ وَ مَنْ لَمْ يَعْقِلْ عَنِ اللَّهِ لَمْ يُعْقَدْ قَلْبُهُ عَلَى مَعْرِفَةٍ ثَابِتَةٍ يُبْصِرُهَا وَ يَجِدُ حَقِيقَتَهَا فِي قَلْبِهِ، وَ لَا يَكُونُ أَحَدٌ كَذَلِكَ إِلَّا مَنْ كَانَ قَوْلُهُ لِفِعْلِهِ مُصَدِّقاً وَ سِرُّهُ لِعَلَانِيَتِهِ مُوَافِقاً، لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَدُلَ‏ عَلَى الْبَاطِنِ الْخَفِيِّ مِنَ الْعَقْلِ إِلَّا بِظَاهِرٍ مِنْهُ وَ نَاطِقٍ عَنْهُ.

البقاء الثابت على الإيمان في القلب هو من أصعب ما يمر به المؤمن وهو في ضيافة الرحمن وآخر ليالي هذا الشهر الفضيل لذلك يسأل الله الرحمة في بقائه على ولاية محمد وآله عليهم السلام، وأن لا يزغ قلبه، فيكون من الأخسرين والذين حبطت أعمالهم.

روي عن أبي بصير، عندما سئل أبي جعفر عليه السلام عن قوله تعالى: “هو الّذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقرّ ومستودع” قال عليه السلام: ما يقول أهل بلدك الّذي أنت فيه؟ قال: قلت: يقولون مستقرّ في الرحم، ومستودع في الصلب. فقال عليه السلام: “كذبوا، المستقرّ ما استقرّ الإيمان في قلبه، فلا ينزع منه أبداً، والمستودع الّذي يستودع الإيمان زماناً ثمّ يسلبه، وقد كان الزبير منهم.

روي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: إن الله جبل النبيين على نبوّتهم، فلا يرتدّون أبدا، وجبل الأوصياء على وصاياهم فلا يرتدّون أبدا، وجبل بعض المؤمنين على الإيمان فلا يرتدون أبدا ومنهم من أعير الإيمان عارية، فإذا هو دعا وألح في الدعاء مات على الإيمان.

ينادي النبي صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم إلى الإيمان بالله وما أؤتي به أنه الحق من عند الله عزوجل، ليغفر الله ذنوب العاصين ويمحي السيئات عنهم، ولكن هيهات من دون ولايتهم لأهل البيت عليهم السلام والثبات فيها، لأنه سيكون معرّضاً للتزلزل عند عصف الأهواء، وهزاهز اللأواء، وعندها سيدخل العبد في دائرة الخطر والخوف على الإيمان الذي ينادي به رسول الله صلى الله عليه وآله، لكثرة الشكوك والشبهات التي تعرض عليه، كما حدث لبلعم بن باعوراء.

روي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام: أنه أعطي بلعم بن باعوراء الاسم الأعظم وكان يدعو به فيستجاب له ، فمال إلى فرعون، فلما مر فرعون في طلب موسى عليه السلام وأصحابه قال فرعون لبلعم: ادعُ الله على موسى وأصحابه ليحبسه علينا، فركب حمارته ليمر في طلب موسى عليه السلام فامتنعت عليه حمارته، فأقبل يضربها فأنطقها الله عز وجل فقالت: ويل لك على ما تضربني؟! أتريد أن أجيء معك لتدعو على نبي الله وقوم مؤمنين؟! فلم يزل يضربها حتى قتله، وانسلخ الاسم الأعظم من لسانه وهو قوله: ﴿فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ ولَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِه ولكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ واتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ وتَتْرُكْهُ يَلْهَثْ﴾، وهو مثل ضربه الله، فقال الإمام الرضا عليه السلام: فلا يدخل الجنة من البهائم إلا ثلاثة حمارة بلعم وكلب أصحاب الكهف والذئب وكان سبب الذئب أنه بعث ملك ظالم رجلا شرطيا ليحشر قوما من المؤمنين وهو يعذبهم ، وكان للشرطي ابن يحبه فجاء ذئب فأكل ابنه، فحزن الشرطي فأدخل الله ذلك الذئب الجنة لما أحزن الشرطي.

قال ابن عباس دخل الذئب الجنة بأكله لابن الشرطي فلو أكل الشرطي لرفعه الله تعالى إلى عليين، والشرطي من أعوان الظلمة من الشرطة، وهي: العلامة لأنهم يعلمون أنفسهم بعلامات يعرفون بها.

لا يكون العبد في ما يتمنى أن يكون مع الأبرار إذا لم يثبت في تمسكه باعتقاده للحق في زمن غيبة ولي الله الأعظم عجل الله تعالى فرجه الشريف، والتزامه الكامل بما أمروا به شيعتهم.

روي عن الإمام موسى الكاظم عليه السلام قال: طوبى لشيعتنا، المتمسكين بحبلنا في غيبة قائمنا، الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا، أولئك منا ونحن منهم، قد رضوا بنا أئمة، ورضينا بهم شيعة، فطوبى لهم، ثم طوبى لهم، وهم والله معنا في درجاتنا يوم القيامة.

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين).

يشار إلى أن الإيمان بالله، والتصديق بالأنبياء، والإيمان بالمعاد، ومراعاة حق عبادة الله، والإيمان القلبي والطاعة العملية للمؤمنين، والمغفرة، وعدم تحميلهم العبادة أكثر من طاقتهم.

روي عن الإمام الصادق أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: رفع عن أمتي تسعة أشياء: الخطأ، والنسيان، وما أكرهوا عليه، وما لا يعلمون، وما لا يطيقون، وما اضطروا إليه، والحسد، والطيرة، والتفكر في الوسوسة في الخلوة ما لم ينطقوا بشفة.

والإصر قيل: العهد المؤكد الذي يثبط ناقضة عن الثواب والخيرات، وتعقيد الأمر عليه، كما حملته على الذين من قبلنا، في الأمم كبني إسرائيل من قتل النفس في التوبة وإخراج ربع المال في الزكاة وقرض موضع النجاسة.

وروي عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: رفع عن أمتي أربع خصال: خطاؤها ونسيانها وما أكرهوا عليه وما لم يطيقوا، وذلك قول الله عز وجل: ربنا إلى آخر الآية.

فقاعدة اللطف تقتضي إعلام العباد بما فيه صلاحهم وما فيه فسادهم لطفاً بهم، فكل شيء يترتب عليه صلاحهم يرشدهم إليه، وكل شيء فيه فسادهم ينهاهم عنه، ومن هنا اقتضت قاعدة اللطف بعث الرسل والأنبياء ليتم البلاغ على أيديهم، فيبشرون الناس وينذرونهم، ويبلغون لهم الأحكام، فوجود الأنبياء في الأرض يمثل اللطف الإلهي، فعلى هذا يكون كلُّ لطف واجباً فعله.

ومن كلام الإمام أمير المؤمنين علي عليه السَّلام إشارة إلى هذا قال عليه السَّلام: “أيها الناس، إن الله تبارك وتعالى لما خلق خلقه أراد أن يكونوا على آداب رفيعة وأخلاق شريفة، فعلم أنهم لم يكونوا كذلك إلا بأَن يعرّفهم مالهم وما عليهم، والتعريف لا يكون إلا بالأمر والنهي6. والأمر والنهي لا يجتمعان إلا بالوعد والوعيد، والوعد لا يكون إلا بالترغيب، والوعيد لا يكون إلا بالترهيب، والترغيب لا يكون إلا بما تشتهيه أنفسهم وتلذه أعينهم، والترهيب لا يكون إلا بضد ذلك.

والنصرة لا تكون إلا من الله عزوجل على الكافرين، فدعاء الافتتاح للإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه: “اللهمّ أعزّه واعزز به، وانصره وانتصر به، وانصره نصرًا عزيزًا، وافتح له فتحًا يسيرًا، واجعل له من لدنك سلطانًا نصيرًا… وانصرنا به على عدوّك وعدوّنا… وأعنّا على ذلك بفتح تعجّله… ونصرٍ تعزّه وسلطان حقٍّ تظهره.

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (ربنا صل على محمد وآل محمد واستجب دعاءنا واغفر لنا ولوالدينا وولدنا وما ولدوا إنك أنت الغفور الرحيم).

من الأمور التي يعمل بها المؤمن هو كثرة دعائه لأبويه وذريته بالعفو والمغفرة، وقد أولى أئمتنا عليهم السلام المزيد من الاهتمام في الدعاء والابتهال إلى الله، لأنه من أنجع الوسائل وأعمقها، في تهذيب النفوس، واتصالها بالله تعالى.

روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: كان أبي عليه السلام يقول: خمس دعوات، لا يحجبن عن الرب تبارك وتعالى، دعوة الإمام المقسط، ودعوة المظلوم، يقول الله عز وجل: «لأنتقمن لك، ولو بعد حين » ودعوة الولد الصالح لوالديه ، ودعوة الوالد الصالح لولده ، ودعوة المؤمن لأخيه بظهر الغيب ، فيقول : ولك مثله.

اللهم اجعلنا من الذين كثرت أدعيتهم الصاعدة إليك، ممن استجبت لهم ولوالديهم وما ولدو وذرياتنا وإخواننا.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

شرح دعاء الليلة الخامسة والعشرين

دعاء الليلة الخامسة والعشرين

بسم الله الرحمن الرحيم 

تبارك الله أحسن الخالقين، خالق الخلق، منشئ السحاب، وآمر الرعد أن يسبح له، تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شئ قدير، الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا، تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا.

تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا، تبارك الله أحسن الخالقين، يا إلهي وإله العالمين، وإله السماوات السبع ومافيهن ومابينهن، وإله الأرضين السبع ومافيهن وما بينهن صل على محمد وآل محمد، وامنن علي بالجنة، ونجني من النار إنك أنت المنجي المنان. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين. 

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(تبارك الله أحسن الخالقين، خالق الخلق، منشئ السحاب، وآمر الرعد أن يسبح له، تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شئ قدير، الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا). 

تبارك الله أي، تقدّس وتعالى وتَنَزَّه وتعاظَم وكثُرت خيراتُه وعمَّت بركاتُه.

المؤمن بعدما تهيأ في أمور عبادته إلى الله و كان ساعيا في يومه وليله في كل أموره له، لا يخفى أن العلم والتعلم والمعرفة أصل في نموه نحو المعرفة التي تصدح في الوصول إلى كنه وكنف الحق فينطق الحق ما يتأجج في قلب المؤمن. 

روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) كثيراً ما يقول إذا فرغ من صلاة الليل : (أشهد أنّ السماوات والأرض وما بينهما آيات تدلّ عليك، وشواهد تشهد بما إليه دعوتَ، كلّ ما يؤدّي عنك الحجّة، ويشهد لك بالربوبيّة، موسوم بآثار نعمتك ومعالم تدبيرك، علوتَ بها عن خلقك، فأوصلت إلى القلوب من معرفتك ما آنسها من وحشة الفكر، وكفاها رجْم الاحتجاج؛ فهي مع معرفتها بك، وولهها إليك ؛ شاهدة بأنّك لا تأخذك الأوهام، ولا تدركك العقول ولا الأبصار. 

يتهيأ المؤمن بعد معرفته أن الموت والحياة بيد الله، والموت ليس نهاية، بل هو حالة انتقال من دار الفناء إلى دار البقاء.

روي عن الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال: “أيّها الناس، إنّا خُلقنا وإيّاكم للبقاء، لا للفناء، لكنَّكم من دار إلى دار تُنقلون.

روي عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عن الموت قال: الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر، والموت جسر هؤلاء إلى جنّاتهم وجسر هؤلاء إلى جحيمهم.

المؤمن العالم أن الغاية من خلق الحياة والموت هو مقدمة للأمتحان في حسن عمله وقبحه والتمييز فيه يكون لأستقبال الجزاء عليه من الله. 

روي عن الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام قال: احذروا عباد الله الموت وقربه، وأعدوا له عدته، فإنه يأتي بأمر عظيم وخطب جليل، بخير لا يكون معه شر أبدا، أو شر لا يكون معه خير أبدا، فمن أقرب إلى الجنة من عاملها! ومن أقرب إلى النار من عاملها!. 

العمل الحسن المنجي لكل عبد هو طمع المتنافسين في حصولهم على أفضل الأعمال وأحسنها عند الله وذلك قوله تعالى في سورة المطففين: {خِتَامُهُ مِسْكٌ ۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}.

روي عن  قيس بن عاصم قال: وفدت مع جماعة من بني تميم إلى النبي صلى اللّه عليه وآله، فقلت: يا نبي اللّه عظنا موعظة ننتفع بها، فإنا قوم نعمّر في البرّية.

فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: “يا قيس إنّ مع العز ذُلاً، وإنّ مع الحياة موتاً، وإنّ مع الدنيا آخرة، وإنّ لكل شيء حسيباً، وعلى كل شيء رقيباً، وإن لكل حسنة ثواباً، ولكل سيئة عقاباً، ولكل أجل كتاباً. وإنه لا بد لك يا قيس من قرين يُدفن معك وهو حيّ، وتدفن معه وأنت ميت، فإن كان كريماً أكرمك، وإن كان لئيماً أسلمك، ثم لا يحشر إلا معك، ولا تبعث إلا معه، ولا تسأل إلا عنه، فلا تجعله إلا صالحاً، فإنه إن صلح أنست به، وإن فسد لم تستوحش إلا منه، وهو فعلك.

حذر المؤمن في قلبه فينظر هل هو من أهل الطاعة؟ أم من أهل العصاة حائر لبه؟

روي عن الإمام الباقر عليه السلام: إذا أردت أن تعلم أن فيك خيراً، فانظر الى قلبك، فان كان يحب أهل طاعة اللّه عز وجل ويبغض أهل معصيته ففيك خير، واللّه يحبك. وإن كان يبغض أهل طاعة اللّه، ويحبّ أهل معصيته فليس فيك خير، واللّه يبغضك، والمرء مع من أحب.

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا، تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا، تبارك الله أحسن الخالقين).

أنزل الله في كتابه العزيز سورة الفرقان نصرة لنبيه بعدما حاجوه أنه مثلهم يأكل ويشرب ويمشي بالأسواق.

روي عن عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام، أنّه قال: قلت لأبي علي بن محمد عليه السلام: هل كان رسول اللّه  يناظر اليهود والمشركين إذا عاتبوه ويحاجّهم؟ قال: مراراً كثيرة وذلك أنّ رسول اللّه كان قاعداً ذات يوم بفناء الكعبة، فابتدأ عبد اللّه بن أبي أمية المخزومي، فقال: يا محمد لقد ادّعيت دعوى عظيمة، وقلت مقالاً هائلاً، زعمت أنّك رسول ربّ العالمين، وما ينبغي لربّ العالمين‏ وخالق الخلق أجمعين أن يكون مثلك رسوله بشراً مثلنا، تأكل كما نأكل وتمشي في الأسواق كما نمشي، فقال رسول اللّه: اللّهمّ أنت السامع لكل صوت، والعالم بكلّ شي‏ء، تعلم ما قاله عبادك، فأنزل اللّه عليه هذه السورة.

معرفتهم صلوات الله عليهم هي أساس الحق ومبدأه، فالمؤمن العارف المتيقن بما أوجبه الله عليه من وجوب معرفته يعبد الله ويتوسل إليه بهم وعند ذكره يستبشر ويفرح قلبه، لا يتمنى لحظة أن يكون مثل الذين قال تعالى عنهم في سورة الحجرات:{قَالَتِ ٱلْأَعْرَابُ ءَامَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَٰكِن قُولُوٓاْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلْإِيمَٰنُ فِى قُلُوبِكُمْ ۖ وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَٰلِكُمْ شَيْـًٔا ۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.

روي عن رسول اللَّه  قال: مَا بَالُ أَقْوَامٍ إِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُمْ آلُ إِبْرَاهِيمَ  فَرِحُوا وَاسْتَبْشَرُوا، وَإِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُمْ آلُ مُحَمَّدٍ  اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُهُمْ؟ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ عَبْداً جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِعَمَلِ سَبْعِينَ نَبِيّاً، مَا قَبِلَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْهُ حَتَّى يَلْقَاهُ بِوَلَايَتِي وَ وَلَايَةِ أَهْلِ بَيْتِي. 

المؤمن يعرف أن الله خلق كل شيء لأجلهم ولولاهم ما خلق الخلق لأن الأمر المتوجب عليه هو الموالاة لهم عليهم السلام ومعرفتهم .

روي عن الإمام الرضا عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

ما خلق الله عز وجل خلقا أفضل مني ولا أكرم عليه مني.

قال علي (عليه السلام): فقلت: يا رسول الله فأنت أفضل أو جبرئيل؟ 

فقال (صلى الله عليه وآله): يا علي إن الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين، وفضلني على جميع النبيين والمرسلين، والفضل بعدي لك يا علي وللأئمة من بعدك، وإن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا، يا علي الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا.

يا علي لولا نحن ما خلق، آدم ولا حواء، ولا الجنة ولا النار، ولا السماء ولا الأرض، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى معرفة ربنا وتسبيحه وتهليله وتقديسه؟ لأن أول ما خلق الله عز وجل خلق أرواحنا فأنطقنا بتوحيده وتحميده.

ثم خلق الملائكة فلما شاهدوا أرواحنا نورا واحدا استعظموا أمرنا، فسبحنا لتعلم الملائكة أنا خلق مخلوقون، وأنه منزه عن صفاتنا، فسبحت الملائكة بتسبيحنا، ونزهته عن صفاتنا، فلما شاهدوا عظم شأننا هللنا لتعلم الملائكة أن لا إله إلا الله وإنا عبيد ولسنا بآلهة يجب أن يعبد معه أو دونه ، فقالوا: لا إله إلا الله.

فلما شاهدوا كبر محلنا كبرنا لتعلم الملائكة أن الله أكبر من أن ينال عظم المحل إلا به، فلما شاهدوا ما جعله لنا من العز والقوة قلنا: لا حول ولا قوة إلا بالله  لتعلم الملائكة أن لا حول لنا ولا قوة إلا بالله.

فلما شاهدوا ما أنعم الله به علينا وأوجبه لنا من فرض الطاعة قلنا: الحمد لله لتعلم الملائكة ما يحق لله تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمه فقالت الملائكة:

الحمد لله، فبنا اهتدوا إلى معرفة توحيد الله وتسبيحه وتهليله وتحميده وتمجيده. 

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (، يا إلهي وإله العالمين، وإله السماوات السبع ومافيهن وما بينهن، وإله الأرضين السبع ومافيهن وما بينهن صل على محمد وآل محمد، وامنن علي بالجنة، ونجني من النار إنك أنت المنجي المنان).

يقسم المؤمن و يتمنى الفوز في هذا الشهر الكريم بالجنة والنجاة من النار، بالله وبمحمد وآل محمد، لأن محبهم سيدخل الجنة وإن كان عاصياً، ومبغضهم يدخل النار وإن أطاع الله وعبده حتى تنكسر رقبته.

روي عن ابن عباس قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): يا علي إن فاطمة بضعة مني، هي نور عيني وثمرة فؤادي، يسوؤني ما ساءها ويسرني ما سرها، ثم رفع يديه إلى السماء .

فقال: اللهم إني أشهدك أني محب لمن أحبهم، مبغض لمن أبغضهم، سلم لمن سالمهم، حرب لمن حاربهم، عدو لمن عاداهم، ولي لمن والاهم.

الحق يعرف في العباد بتميزهم في عبادتهم وأعمالهم التي تكون سبيل نجاتهم المرجوة من الله لهم، وأن أسروا ما في قلوبهم يعلمه الله فيجازيهم بما عملوا ، أما في الدنيا، وأما في الأخرة، ولكن لكل شئ فريضة وفريضة قبول عمله وعبادتهم هي ولايتهم ومحبتهم لأمير المؤمنين عليه السلام. 

روي عن أبي الصلت الهروي قال: 

قال المأمون لعلي الرضا ابن موسى الكاظم عليهما السلام: اخبرني عن جدك أمير المؤمنين علي عليه السلام بأي وجه هو قسيم الجنة والنار؟

فقال له الرضا (عليه السلام): (ألم ترو عن آبائك عن عبد الله بن عباس أنه قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: حب علي إيمان وبغضه كفر؟

 فقال : بلى.

فقـال الرضا (عليه السلام): لما كانت الجنة للمؤمن والنار للكافر فقسمة الجنة والنار إذا كان على حبه وبغضه فهو قسيم الجنة والنار.

فقال المأمون: لا أبقاني الله بعدك، إنك وارث جدك رسول الله. 

هذه لياليه الباقية تعجل بالرحيل ونحن الصائمون الخائفون من رحيلها قبل نزول رحمته ومغفرته علينا، نرفع أكفنا بدعاء الإمام الصادق عليه السلام:

اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد عليك صل على محمد وآل محمد، واجعل النور في بصري، والبصيرة في ديني، واليقين في قلبي، والإخلاص في عملي، والسلامة في نفسي، والسعة في رزقي، والشكر لك أبدا ما أبقيتني.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.  

شرح دعاء الليلة الرابعة والعشرين

دعاء الليلة الرابعة والعشرين

بسم الله الرحمن الرحيم 

اللهم أمرت بالدعاء وضمنت الإجابة ودعوناك ونحن عبادك ولن يصل العباد مسألتك والرغبة إليك كرماً وجوداً وربوبيةً ووحدانيةً يا موضع شكوى السائلين ومنتهى حاجة الراغبين ويا ذا الجبروت والملكوت يا ذا العز والسلطان يا حي يا قيوم يا بر يا رحيم يا حنان يا منان يا بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا ذا النعم الجسام والطول الذي لا يرام صل على محمد وآله واغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين. 

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (اللهم أمرت بالدعاء وضمنت الإجابة ودعوناك ونحن عبادك ولن يصل العباد مسألتك والرغبة إليك كرماً وجوداً وربوبيةً ووحدانية).

قال تعالى في محكم كتابه المبين في سورة غافر: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾. 

الدعاء سلاح المؤمن أعطاه الله له ليفر إليه في كل شدة أو رخاء لأن العبد يتعرض في حياته اليومية وغيرها إلى مواقف يحتاج فيها إلى أمر غيبي يفعله ويتوجه فيه، لحاجته الضرورية حتى لا يشعر أن خالقه لم يعطه شيئا ينتصر به، حتى غير المسلم تراه في أوقات الشدة يلجأ إلى الدعاء.

روي عن الإمام موسى الكاظم عليه السلام: عليكم بالدُّعاء، فإنَّ الدُّعاء والطلب إلى الله عزّ وجلّ يردّ البلاء، وقد قدّر وقضى، فلم يبقَ إلّا إمضاؤه فإذا دُعي الله وسُئل، صرَفَ البلاء صرفاً. 

للفظ الدعاء دلالات متنوعة ذكرها العلماء واللغويون، والتي منها على سبيل الإجمال ما جاء في المعجم المفصّل من أنّ الدعاء هو طلب فعل الشيء أو الكفّ عنه، واشترط أن يكون الطلب مخصوصاً من أدنى لأعلى؛ لأنّه إن كان من أعلى لأدنى فهو أمر، وإن كان بين متساويين فهو التماس. 

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة البقرة: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾. 

العبد يمتثل أمر الله بالدعاء لأن استقرار نفسه بالتوجه بما أمر ويتفكر أن هذا الفعل هو أكبر المنجيات لخلوص الأمر في معرفته قصص الأمم السابقة في نجاتهم من غضب الله، ونزول عذابه في تضرعهم بالدعاء إلى الله، بعد معرفتهم أن الهروب من العذاب هو صدح أصواتهم بالدعاء.

حتى الأنبياء لم يتركوا الدعاء لكشف ما بهم، هذا أيوب يدعو الله ليكشف ما به من غم وهم، والنبي موسى عليه السلام كذلك، والأنبياء الباقين إما نصرة لهم أو لكشف مابهم.

روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: الدعاء مخّ العبادة ولا يهلك مع الدعاء أحد.

روي عن الإمام الرضا (عليه السلام): عليكم بسلاح الأنبياء، فقيل وما سلاح الأنبياء؟ فقال: الدعاء.

المؤمن يرفع أكفه بالدعاء ليعلم أن الأمر كله يرجع إلى الله، من حفظ وتسهيل شؤون وتكون المنفعة الحاصلة له هي من الله.

روي عن الرَّسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال لأبي ذر رضوان الله عليه: “احفظ الله يحفظك الله، احفظ الله تجده أمامك، تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدّة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، فقد جرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة، ولو أنّ الخلق كلّهم جهدوا على أن ينفعوك بما لم يكتبه الله لك ما قدروا عليه. 

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (يا موضع شكوى السائلين ومنتهى حاجة الراغبين ويا ذا الجبروت والملكوت يا ذا العز والسلطان يا حي يا قيوم يا بر يا رحيم يا حنان يا منان).

لم تحظ العبادات بمثل ما حظيت مفردة الدعاء لأنه هو لبّ العبادة وجوهرها، فالعبادة بلا تضرّع وتوسّل بالله سبحانه فارغة المحتوى والمضمون، فيكون موضع السائلين وحاجة الراغبين.

روي عن  رسول الله صلى الله عليه وآله قال:ألا أدلكم على سلاح ينجيكم من أعدائكم ويدرّ أرزاقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: تدعون ربّكم باللّيل والنهار، فإنّ سلاح المؤمن الدعاء.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الملك: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}.

روي عن الإمام الصادق عليه‌ السلام : عليكم بالدعاء ، فإنكم لا تقربون بمثله ، ولا تتركوا صغيرة لصغرها أن تدعوا بها، إن صاحب الصغار هو صاحب الكبار.

فهؤلاء الراغبين إلى الله في سلطانه وعزه، ورحمته وحنانه ومنته الدائمة عليهم، يدعونه بأسمائه الحسنى.

روي عن الإمام الصادق عليه‌ السلام قال: إذا طلب أحدكم الحاجة ، فليثن على ربه ، وليمدحه ، فإن الرجل إذا طلب الحاجة من السلطان ، هيأ له من الكلام أحسن ما يقدر عليه، فإذا طلبتم الحاجة، فمجدوا الله العزيز الجبار ، و امدحوه ، وأثنوا عليه.

ثبُت قلب الشاكين إلى الله بجبروته أن لا يرد شكواهم لأن الجواب منه لما هم فيه من عظم الأمر، فيدعون بما يرفع شكواهم بلا حجاب عليها.

روي عن الإمام الصادق عليه‌ السلام قال : « إياكم إذا أراد أحدكم أن يسأل ربه شيئا من حوائج الدنيا والآخرة ، حتى يبدأ بالثناء على الله عز وجل ، والمدح له ، والصلاة على النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله ، ثم يسأل الله حوائجه.

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (يا بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا ذا النعم الجسام والطول الذي لا يرام صل على محمد وآله واغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم).

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة إبراهيم: ﴿وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾.

إن نعم الله على عباده لا تعد ولا تحصى، فمذ كان في عالم الذر إلى وصوله إلى عالم الدنيا هو في نعمة من الجليل، التي مهما حاول العبد من أن يحصيها تراه عاجزا أمام نعم الله .

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة النحل:﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.

ونحن في الليالي العشرة الأخيرة من شهر رمضان نشكر الله كثيرا أنه عرفنا معالم نصل فيها إلى رضوانه ألا وهي نعمة ولايتنا لمحمد وآل محمد.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة لقمان: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ۗ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ}.

روي عن ابن عباس سألت النبي (صلى الله عليه وآله) عن قوله تعالى: * (ظاهرة وباطنة) * فقال: يا بن عباس! أما ما ظهر فالإسلام، وما سوى الله من خلقك، وما أفاض عليك من الرزق، وأما ما بطن فستر مساوئ عملك ولم يفضحك به، يا بن عباس إن الله تعالى يقول:

ثلاثة جعلتهن للمؤمن ولم تكن له: صلاة المؤمنين عليه من بعد انقطاع عمله، وجعلت له ثلث ماله أكفّر به عنه خطاياه، والثالث: سترت مساوئ عمله ولم أفضحه بشيء منه ولو أبديتها عليه لنبذه أهله فمن سواهم.

وروي عن الإمام  الباقر (عليه السلام) قال: النعمة الظاهرة النبي (صلى الله عليه وآله) وما جاء به النبي من معرفة الله عز وجل وتوحيده، وأما النعمة الباطنة فولايتنا أهل البيت وعقد مودتنا.

المؤمن يسعى لمغفرة ورحمة من الله لدخول جنته التي وعدها لعباده المخلصين الراغبين، فجعل لها فروضا على كل مؤمن.

روي عن موسى بن بكر قال: كنا عند أبي عبد الله عليه السلام فقال رجل في المجلس: أسأل الله الجنة! 

فقال أبو عبد الله عليه السلام: أنتم في الجنة فاسألوا الله أن لا يخرجكم منها! 

فقالوا: جعلنا فداك نحن في الدنيا؟! 

فقال عليه السلام: ألستم تقرون بإمامتنا؟ 

قالوا: نعم! 

فقال عليه السلام: هذا معنى الجنة الذي من أقر به كان في الجنة فاسألوا الله أن لا يسلبكم.

يرقب المؤمن من الله كل خير في هذا الشهر وأن يجعله من الذين قال تعالى عنهم في محكم كتابه العزيز في سورة فاطر: {يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون}.

اللهم اجعلنا من الذاكرين لنعمك بأحب الخلق إليك محمد وآل محمد.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

شرح دعاء الليلة الثالثة والعشرين

دعاء الليلة الثالثة والعشرين

بسم الله الرحمن الرحيم 

سبوح قدوس رب الملائكة والروح، سبوح قدوس رب الحيتان والبحار، والهوام والسباع في الآكام، سبوح قدوس رب الروح والعرش، سبوح قدوس رب السماوات والأرضين، سبوح قدوس سبحت لك الملائكة المقربون، سبوح قدوس علا فقهر، وخلق فقدر، سبوح قدوس – سبعا – ،أسئلك أن تصلي على محمد وآله وأن تغفر لي وترحمني، فإنك أنت الأحد الصمد. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين. 

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (سبوح قدوس رب الملائكة والروح، سبوح قدوس رب الحيتان والبحار، والهوام والسباع في الآكام).

السبوح: هو المنزه عن كل ما لا ينبغي أن يوصف به، ليس في كلام العرب فعول بضم الفاء الاسبوح وقدوس معناهما واحد.

القدوس: فعول من القدس وهو الطهارة، والقدوس الطاهر من العيوب المنزه عن الأنداد والأولاد، والتقديس التطهير والتنزيه.

المؤمن لا يقدر على شئ من دون اللطف الإلهي له من تسبيح وتقديس لله، ومخلوقات الله عزوجل جميعا تسبح وتقدس لله ، لأن المؤمن له مقدار من العلم وهو الباحث عن العلم ليغرف منه، فينطق به عالم الغيب والشهادة سيد الموحدين شهيد هذا الشهر الفضيل الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام. 

روي عن الأصبغ بن نباتة قال: جاء ابن الكوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين! والله إن في كتاب الله تعالى لآية قد أفسدت علي قلبي، وشككتني في ديني.

فقال له علي عليه السلام: ثكلتك أمك وعدمتك وما تلك الآية؟ 

قال: قول الله تعالى في سورة النور: { والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه}.

فقال له أمير المؤمنين: يا ابن الكوا إن الله تبارك وتعالى خلق الملائكة في صور شتى: إن لله تعالى ملكا ” في صورة ديك أبج أشهب، براثنه في الأرضين السابعة السفلى، وعرفه مثنى تحت العرش، له جناحان: جناح في المشرق وجناح في المغرب واحد من نار والآخر من ثلج، فإذا حضر وقت الصلاة قام على براثنه ثم رفع عنقه من تحت العرش، ثم صفق بجناحيه كما تصفق الديوك في منازلكم فلا الذي من النار يذنب الثلج، ولا الذي من الثلج يطفئ النار.

فينادي ” أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا ” سيد النبيين وأن وصيه سيد الوصيين، وأن الله سبوح قدوس رب الملائكة والروح ” قال: فتخفق الديكة بأجنحتها في منازلكم فتجيبه عن قوله، وهو قوله عز وجل “والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه ” من الديكة في الأرض.

معرفة المؤمن أن كل شئ يسبح ويقدس لله تجعله من المسارعين إلى طلب المعرفة الحقة من بيوت علم الله وخاصته وخالصته محمد وآل محمد.

روي عن أبي بصير، قال:

سألت أبا عبد الله الصادق عليه‌السلام عن قول الله عز وجل ” وإن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ” 

قال عليه السلام: نقض الجدر تسبيحها! 

قلت: نقض الجدر تسبيحها؟! 

قال: نعم.

وَعن الإِمام محمّد الباقر عليه السلام  قال: نهى رسول الله أن توسم البهائم في وجوهها، وأن تضرب وجوهها لأنّها تسبِّح بحمد ربِّها. 

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (سبوح قدوس رب الروح والعرش، سبوح قدوس رب السماوات والأرضين، سبوح قدوس سبحت لك الملائكة المقربون، سبوح قدوس علا فقهر، وخلق فقدر).

المؤمن في ليالي القدر يسأل الله أن يكون من المسبحين المقدسين له، وهذه الليلة لها فضل عظيم فتراه متوجها إلى الله أن يكون من الذين دعا لهم أهل البيت عليهم السلام. 

روي عن ابن مسعود قال: (دخلت يوماً على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت: يا رسول الله عليك السلام أرني الحق لأنظر إليه، 

فقال صلى الله عليه وآله: يا عبد الله لج المخدع، فولجت المخدع وعلى ابن أبي طالب (عليه السلام) يصلي وهو يقول في سجوده وركوعه: اللهم بحق محمد عبدك اغفر للخاطئين من شيعتي، فخرجت حتى اجتزت برسول الله فرأيته يصلي وهو يقول: اللهم بحق علي عبدك اغفر للخاطئين من أمتي. 

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث طويل  قال: فتعرضوا عباد الله بدعاء علي لكم، ولا تتعرضوا لدعاء علي عليكم، فإن من دعا عليه أهلكه الله ولو كانت حسناته عدد ما خلق الله، كما أن من دعى له أسعده الله ولو كانت سيئاته بعدد ما خلق الله.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة القدر:

(بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ * إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَة الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْر * تَنَزّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيَها بِإِذْنِ رَبّـِهم مِّن كُلِّ أَمْر * سَلاَمٌ هِيَ حتّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ). 

وسُئل الإمام الباقر(عليه السلام) عن قول الله تعالى: (إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) قال: نعم، ليلة القدر، وهي في كلّ سنة في شهر رمضان في العشر الأواخر، فلم ينزل القرآن إلّا في ليلة القدر، قال الله تعالى: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ). 

ورد في روايات أهل البيت(عليهم السلام) أنّها باقية متكرّرة كلّ سنة، وأنّها من شهر رمضان، وإنّها إحدى الليالي الثلاث، ولذلك دأب المؤمنون على تسمية الليالي الثلاث بليالي القدر، الصغرى والوسطى والكبرى التي نحن فيها التي نسأل الله أن يجعلنا ممن عرف فقدر .

روي عن الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام)قال: قال لي رسول الله(صلى الله عليه وآله): يا علي أتدري ما معنى ليلة القدر؟ فقلت: لا، يا رسول الله.

فقال(صلى الله عليه وآله): إنّ الله تبارك وتعالى قدّر فيها ما هو كائن إلى يوم القيامة، فكان فيما قدّر ولايتك وولاية الأئمّة من ولدك إلى يوم القيامة. 

الأمر والاعتقاد  أنّ اختفاء ليلة القدر  بين ليالي شهر رمضان المبارك يعود إلى توجيه الناس إلى الاهتمام بجميع هذه الليالي، مثلما أخفى رضاه بين أعمال الطاعات كي يتّجه الناس إلى جميع الطاعات، وأخفى غضبه بين المعاصي كي يتجنّب العباد جميع المعاصي، وأخفى أحباءه بين العباد كي يحترم كلّ الناس، وأخفى الإجابة بين الأدعية لتقرأ الأدعية كلها، وأخفى الاسم الأعظم  بين أسمائه كي تعظّم وتقدس كلّ أسمائه، وأخفى وقت الموت عن عباده كي يكون الناس دائماً على استعداد له. 

روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه سئل هل الروح جبرئيل عليه السلام؟ فقال: جبرئيل من الملائكة، والروح أعظم من الملائكة، أليس أن الله عز وجل يقول: (تَنَزَّلُ الْمَلآَئِكَةُ وَالرُّوحُ). 

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(سبوح قدوس – سبعا – ،أسئلك أن تصلي على محمد وآله وأن تغفر لي وترحمني، فإنك أنت الأحد الصمد).

المؤمن منتظر أن يكون من الذين أصابتهم رحمة ومغفرة في هذه الليلة. 

روي الإمام الباقر (عليه السلام) – وقد سأله حمران عن قوله تعالى: * (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) * -:

نعم، هي ليلة القدر، وهي في كل سنة في شهر رمضان في العشر الأواخر، فلم ينزل القرآن إلا في ليلة القدر، قال الله عز وجل: * (فيها يفرق كل أمر حكيم) * قال: يقدر في ليلة القدر كل شئ يكون في تلك السنة إلى مثلها من قابل من خير أو شر أو طاعة أو معصية أو مولود أو أجل أو رزق، فما قدر في تلك الليلة وقضي فهو من المحتوم ولله فيه المشيئة.

قلت: * (ليلة القدر خير من ألف شهر) * أي شئ عنى بها؟. قال: العمل الصالح فيها من الصلاة والزكاة وأنواع الخير، خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، ولولا ما يضاعف الله للمؤمنين ما بلغوا ولكن الله عز وجل يضاعف لهم الحسنات.

إن المؤمن يعتصر قلبه شوقاً للقاء أمام زمانه فلا يغفل أن في هذه الليلة تعرض عليه أعمال سنته فلا يكون من الذين يزعجون قلب أمامه.

روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) – في قوله تعالى: * (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد…) * -: نزلت في أمة محمد (صلى الله عليه وآله) خاصة في كل قرن منهم إمام منا شاهد عليهم، ومحمد (صلى الله عليه وآله) شاهد علينا.

اللهم اجعلنا من الذين يكثرون من الدعاء بتعجيل فرج أمامهم رافعين أيدينا إلى السماء مرددين: 

اَللّهُمَّ كُنْ لِوَلِيِّكَ الْحُجَّةِ بْنِ الْحَسَنِ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَعَلي آبائِهِ في هذِهِ السّاعَةِ وَفي كُلِّ ساعَةٍ وَلِيّاً وَحافِظاً وَقائِداً وَناصِراً وَدَليلاً وَعَيْناً حَتّي تُسْكِنَهُ أَرْضَكَ طَوْعاً وَتُمَتِّعَهُ فيها طَويل برحمتك يا أرحم الراحمين.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

شرح دعاء الليلة الثانية والعشرين

دعاء الليلة الثانية والعشرين

بسم الله الرحمن الرحيم 

أنت سيدي جبار غفار قادر قاهر، سميع عليم، غفور رحيم، غافر الذنب، وقابل التوب، شديد العقاب، فالق الحب والنوى، تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ۖ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ۖ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ.

يا جبار – سبعا – ، صل على محمد وآل محمد، واعف عني واغفر لي في هذا الشهر وهذه الليلة، إنك أنت الغفور الرحيم. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(أنت سيدي جبار غفار قادر قاهر، سميع عليم، غفور رحيم، غافر الذنب، وقابل التوب، شديد العقاب).

ظاهر الأمر المتوجب على المؤمن هو معرفته أن الله رحمته وسعت كل شئ، فلا يمكن التفريط مطلقا وأخذ باب الرحمة والغفلة، إن الله شديد العقاب على الذنوب والأفعال التي يرتكبها الفرد بحق نفسه أو بحق غيره.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة المائدة: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. 

روي عن الإمام الباقر عليه السلام عندما سأله عمرو بن عبيد عن قوله تعالى: (وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى)، ما ذلك الغضب؟ فقال أبو جعفر (ع): هو العقاب. 

روي عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: ألا إن الله تعالى قد كشف الخلق كشفة، لا أنه جهل ما أخفوه من مصون أسرارهم ومكنون ضمائرهم، ولكن ليبلوهم أيهم أحسن عملا، فيكون الثواب جزاء، والعقاب بواء.

حياة العباد في الدنيا لها عقاب وفي الآخرة لها عتاب، فالعقاب أنواع دنيوي وأخروي، لا يمر فعل يغضب الله من عقابه عز وجل. 

روي عن  الإمام الصادق عليه السلام قال: لله عقوبتان، إحداهما من الروح، والأخرى تسليط الناس بعض على بعض، فما كان من قبل الروح فهو السقم والفقر، وما كان من تسليط فهو النقمة، وذلك قول الله عز وجل: {وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون} من الذنوب. 

فما كان من ذنب الروح فعقوبته بذلك السقم والفقر، وما كان من تسليط فهو النقمة، وكل ذلك عقوبة للمؤمن في الدنيا وعذاب له فيها، وأما الكافر فنقمة عليه في الدنيا وسوء العذاب في الآخرة.

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:( فالق الحب والنوى، تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ۖ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ۖ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ).

المؤمن يتأمل تحرك الأفلاك بقدرة الله وعنايته، ويدور بعضها حول بعض فتتعدد الفصول، لذلك مرة يصوم ساعات طوال فيقع صيامه في الصيف، ومرة يصوم ساعات قليلة فيقع صيامه بالشتاء، فيعلم تقدير الله وتدبيره. 

روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: من صام لله عز وجل يوما في شدة الحر فأصابه ظمأ، وكل الله به ألف ملك يمسحون وجهه ويبشرونه، حتى إذا أفطر قال الله عز وجل: ما أطيب ريحك وروحك، ملائكتي اشهدوا أني قد غفرت له.

ولوج المؤمن في أعماله وصيامه في فصول السنة تعطيه معرفة أن تقلب الأمور بيد الله فيبحث عن ما يقربه منه.

روي عن الإمام الصادق عليه‌ السلام قال: الشتاء ربيع المؤمن، يطول فيه ليله فيستعين به على قيامه، ويقصر فيه نهاره فيستعين به على صيامه.

يستغل المؤمن ساعاته وشهوره وسنينه بالتقرب إلى الله.

روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: ما أسرع الساعات في اليوم، وأسرع الأيام في الشهر، وأسرع الشهور في السنة، وأسرع السنين في العمر! 

لكل عمل أو فعل يقوم به العبد إلى الله في أيامه وساعاته يراها يوم الشاهد والمشهود أمامه ، فأما سرور وفرح وأما فزع وجزع.

روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): يفتح للعبد يوم القيامة على كل يوم من أيام عمره أربعة وعشرون خزانة عدد ساعات الليل والنهار، فخزانة يجدها مملوءة نورا وسرورا فيناله عند مشاهدتها من الفرح والسرور ما لو وزع على أهل النار لأدهشهم عن الإحساس بألم النار، وهي الساعة التي أطاع فيها ربه، ثم يفتح له خزانة أخرى فيراها مظلمة منتنة مفزعة فيناله عند مشاهدتها من الفزع والجزع ما لو قسم على أهل الجنة لنغص عليهم نعيمها، وهي الساعة التي عصى فيها ربه، ثم يفتح له خزانة أخرى فيراها فارغة ليس فيها ما يسره ولا ما يسوؤه، وهي الساعة التي نام فيها أو اشتغل فيها بشئ من مباحات الدنيا، فيناله من الغبن والأسف على فواتها – حيث كان متمكنا من أن يملأها حسنات – ما لا يوصف. 

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(يا جبار – سبعا – ، صل على محمد وآل محمد، واعف عني واغفر لي في هذا الشهر وهذه الليلة، إنك أنت الغفور الرحيم).

يشتد جزع المؤمن بانقضاء شهر الرحمة الذي يأمل منه كل خير، لأنه الشهر الوحيد الذي قال فيه الإمام زين العابدين عليه السلام: السلام عليك من ناصر أعان على الشيطان.

وروي عن الإمام موسى الكاظم عليه السلام قال: إنّ للّه عز وجل في كل يوم وليلة منادياً ينادي: مهلاً مهلاً، عباد اللّه عن معاصي اللّه، فلولا بهائم رتّع، وصبية رضّع، وشيوخ ركّع، لصبّ عليكم العذاب صبّاً، ترضّون به رضّاً.

والمؤمن يقول في العشرة الأخيرة من هذا الشهر يكثر ما يتعلمه عن أهل بيت النبوة.

روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: “عليكم في شهر رمضان بكثرة الاستغفار والدعاء، فأما الدعاء فيدفع به عنكم البلاء وأما الاستغفار فيمحو ذنوبكم.

ونحن مودعوه وداع من عزّ فراقه علينا، وغمنا وأوحشنا انصرافه عنا.

اللهم أن نرفع أكفنا إليك ونقول ما قال سيدنا ومولانا الإمام علي بن الحسين:

السلام عليك ما كان أَحرَصَنَا بالأَمسِ عَلَيك وأَشدَّ شَوْقَنَا غداً إِليك. 

السلام عليك وعلى فَضلِكَ الَّذي حُرِمْنَاه وعلى مَاضٍ من بَرَكَاتِكَ سُلِبْنَاه.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

شرح دعاء الليلة الحادية والعشرين

دعاء الليلة الحادية والعشرين

بسم الله الرحمن الرحيم 

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأشهد أن الجنة حق، والنار حق، وأن الله يبعث من في القبور وأشهد أن الرب ربي لا شريك له، ولا ولد له ، و أشهد أنه الفعال لما يريد، والقاهر من يشاء، والواضع من يشاء، والرافع من يشاء، ملك الملوك، رازق العباد، الغفور الرحيم، العليم الحكيم.

أشهد – سبعا- ،أنك سيدي كذلك، وفوق ذلك، ولا يبلغ الواصفون كنه عظمتك، اللهم صل على محمد وآله، واهدني ولا تضلني بعد إذ هديتني، إنك أنت الهادي المهدي. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأشهد أن الجنة حق، والنار حق، وأن الله يبعث من في القبور وأشهد أن الرب ربي لا شريك له، ولا ولد له ، و أشهد أنه الفعال لما يريد). 

أن إقرار العبد المؤمن لله بالوحدانية والعبودية، ولنبيه صلى الله عليه وآله بالنبوة، وإقراره أن ما أتى به من عند الله لا مبدل لكلمات الله، وأن الجنة والنار حق، وأن البعث حق، هي مبدأ معتقداته الحقة التي توصله إلى الراحة الأبدية.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة آل عمران:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}.

لابد للمؤمن في هذه الليالي المباركة وغيرها أن يكرر شهادته لله وأهل البيت عليهم السلام بكل يقين مطلقا، و يكررها عند كل صلاة واجبة، حيث يعلم أن الشبهات كثيرة الموارد على النفس ولكن حرصه الدائم ليصل إلى رضوان الله ومحبته لا تخلو من صعاب.

روي عن الإمام الصادق عليه‌ السلام  قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله هل للجنة من ثمن؟ 

قال صلى الله عليه وآله : نعم. 

قال: ما ثمنها؟

 قال صلى الله عليه وآله: لا إله إلا الله، يقولها العبد مخلصا بها. 

قال: وما إخلاصها؟ 

قال صلى الله عليه وآله: العمل بما بعثت به في حقه، وحب أهل بيتي. 

قال: فداك أبي وأمي ! وإن حب أهل البيت لمن حقها؟ 

قال صلى الله عليه وآله:  إن حبهم لأعظم حقها.

وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: إن الله رفع درجة اللسان فأنطقه بتوحيده من بين الجوارح.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة المجادلة:

{ ‏‏يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ }.

لابد أن تكون  المعرفة في التصديق والتسليم والإخلاص في السر والعلانية، لكي لا يكون من الذين قال تعالى عنهم في سورة آل عمران:{هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ۚ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ}. 

روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: العارف شخصه مع الخلق وقلبه مع الله، لو سها قلبه عن الله طرفة عين لمات شوقا إليه، والعارف أمين ودائع الله وكنز أسراره ومعدن نوره، ودليل رحمته على خلقه، ومطية علومه، وميزان فضله وعدله، قد غني عن الخلق والمراد والدنيا، فلا مؤنس له سوى الله، ولا نطق ولا إشارة ولا نفس إلا بالله ، ولله ومن الله ومع الله، فهو في رياض قدسه متردد، ومن لطائف فضله إليه متزود، والمعرفة أصل فرعه الإيمان.

هذه المعارف التي يحصلها المؤمن من الشهادة لله ومعرفة الجنة والنار والبعث لها شروط يجب أن يتمسك بها.

روي أن رجلا أتى أبا جعفر  الباقر عليه السلام فسأله عن الحديث الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، فقال أبو جعفر  الباقر عليه السلام: الخبر حق، فولى الرجل مدبرا فلما خرج أمر برده ثم قال: يا هذا إن لا إله إلا الله شروطا ألا وإني من شروطها. 

قال تعالى في محكم كتابه المبين في سورة الصافات:{ قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ }.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الواقعة:

{ قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ والآخرين لمجموعون إلى ميقات يَوْمٍ مَعْلُومٍ}.

روي عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام: “إنَّ أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن: يوم يولد ويخرج من بطن أمه فيرى الدنيا. ويوم يموت فيرى الآخرة وأهلها، ويوم يبعث فيرى أحكاماً لم يرها في دار الدنيا، وقد سلّم الله عزّ وجلّ على يحيى في هذه الثلاثة المواطن، وآمن روعته فقال: ﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا﴾(مريم:15)، وقد سلَّم عيسى بن مريم عليه السلام على نفسه في هذه المواطن الثلاثة فقال: ﴿وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾.

هي ساعات تكون أصعب ما يمر به العبد لغموض موقفه، هل هو في بعثه إلى النار أم إلى الجنة؟

ورُوِىَ عن الإمام علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهم السلام: “أشدّ ساعات ابن آدم ثلاث ساعات: الساعة التي يعاين فيها ملك الموت، والساعة التي يقوم فيها من قبره، والساعة التي يقف فيها بين يدي الله تبارك وتعالى، فإمَّا إلى الجنّة وإمَّا إلى النار. 

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(والقاهر من يشاء، والواضع من يشاء، والرافع من يشاء، ملك الملوك، رازق العباد، الغفور الرحيم، العليم الحكيم).

أن المشيئة لله وحده وهي من صفاته الفعلية، فخلق المشيئة ثم صير ما يريد من الأشياء منها.

روي عن الإمام الرضا عليه السلام قال: المشيئة والإرادة من صفات الأفعال، فمن زعم أنّ الله تعالي لم يزل مريداً شائياً فليس بموحّد. 

أعطى الله القاهر الواضع مكانة لم يسبقهم فيها أحد قبل أو بعد، ورفعهم أعلى رفعة فجعلهم خاصته، هم أهل بيت النبوة وموضع الرسالة.

روي عن الإمام الباقر (عليه السلام): ” اختارنا الله من نور ذاته وفوض إلينا أمر عباده، فنحن نفعل بإذنه ما نشاء، ونحن لا نشاء إلا ما شاء الله، وإذا أردنا أراد الله، فمن أنكر من ذلك شيئا ورده فقد رد على الله.

وروي وخرج كتاب عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام) أنه قال: ” إن الله جعل قلوب الأئمة موردا لإرادته، فإذا شاء الله شاؤوا، وهو قول الله تعالى:  (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله). 

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(أشهد – سبعا- ،أنك سيدي كذلك، وفوق ذلك، ولا يبلغ الواصفون كنه عظمتك، اللهم صل على محمد وآله، واهدني ولا تضلني بعد إذ هديتني، إنك أنت الهادي المهدي).

تنزل في هذه الليلة كل روح والملائكة لتشهد المتوسلين والداعين إليه فتكون بركة هدايته وعدم انجراره إلى طريق الضلالة، و التوفيق لأداء أعمال هذه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.

روي عن عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فَقَالَ لَهُ أَبُو بَصِيرٍ جُعِلْتُ فِدَاكَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يُرْجَى فِيهَا مَا يُرْجَى‏  ؟

فَقَالَ عليه السلام: “فِي إِحْدَى وَ عِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثٍ وَ عِشْرِينَ”.

قَالَ: فَإِنْ لَمْ أَقْوَ عَلَى كِلْتَيْهِمَا؟

فَقَالَ عليه السلام : “مَا أَيْسَرَ لَيْلَتَيْنِ‏ فِيمَا تَطْلُبُ”؟

قُلْتُ: فَرُبَّمَا رَأَيْنَا الْهِلَالَ عِنْدَنَا وَ جَاءَنَا مَنْ يُخْبِرُنَا بِخِلَافِ ذَلِكَ مِنْ أَرْضٍ أُخْرَى؟

فَقَالَ عليه السلام: “مَا أَيْسَرَ أَرْبَعَ لَيَالٍ تَطْلُبُهَا فِيهَا”؟

قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ- لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَ عِشْرِينَ لَيْلَةُ الْجُهَنِيِ‏  ؟

فَقَالَ عليه السلام: “إِنَّ ذَلِكَ لَيُقَالُ”.

قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ خَالِدٍ رَوَى فِي تِسْعَ عَشْرَةَ يُكْتَبُ وَفْدُ الْحَاجِ‏؟

فَقَالَ لِي عليه السلام: “يَا أَبَا مُحَمَّدٍ وَفْدُ الْحَاجِّ يُكْتَبُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَ الْمَنَايَا  وَ الْبَلَايَا وَ الْأَرْزَاقُ وَ مَا يَكُونُ إِلَى مِثْلِهَا فِي قَابِلٍ، فَاطْلُبْهَا فِي لَيْلَةِ إِحْدَى وَ عِشْرِينَ وَ ثَلَاثٍ وَ عِشْرِينَ، وَ صَلِّ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِائَةَ رَكْعَةٍ وَ أَحْيِهِمَا إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَى النُّورِ  وَ اغْتَسِلْ فِيهِمَا”.

قَالَ قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَقْدِرْ عَلَى‏ ذَلِكَ وَ أَنَا قَائِمٌ؟

قَالَ عليه السلام: “فَصَلِّ وَ أَنْتَ جَالِسٌ”.

قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَسْتَطِعْ؟

قَالَ عليه السلام: “فَعَلَى فِرَاشِكَ، لَا عَلَيْكَ أَنْ تَكْتَحِلَ أَوَّلَ اللَّيْلِ بِشَيْ‏ءٍ مِنَ النَّوْمِ، إِنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ تُفَتَّحُ فِي رَمَضَانَ، وَ تُصَفَّدُ الشَّيَاطِينُ‏، وَ تُقْبَلُ أَعْمَالُ الْمُؤْمِنِينَ، نِعْمَ الشَّهْرُ رَمَضَانُ، كَانَ يُسَمَّى عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ص الْمَرْزُوقَ.

وفي هذه الليلة تثكل شيعة أمير المؤمنين عليه السلام بشهادته.

روي عن محمد بن الحنفية قال: لما كانت ليلة إحدى وعشرين، جمع أبي أولاده وأهل بيته وودعهم، ثم قال لهم: الله خليفتي عليكم، وهو حسبي ونعم الوكيل. وتزايد ولوج السم في جسده حتى نظرنا إلى قدميه وقد احمرتا جميعا، فكبر ذلك علينا وأيسنا منه. 

ثم عرضنا عليه المأكول والمشروب فأبى أن يشرب، فنظرنا إلى شفتيه يختلجان بذكر الله، ثم نادى أولاده كلهم بأسمائهم واحدا بعد واحد، وجعل يودعهم وهم يبكون،

 فقال الحسن عليه السلام: ما دعاك إلى هذا؟ 

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يا بني إني رأيت جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله) في منامي قبل هذه الكائنة بليلة، فشكوت إليه ما أنا فيه من التذلل والأذى من هذه الأمة، فقال لي صلى الله عليه وآله: ادع عليهم. 

فقلت : اللهم أبدلهم بي شراً مني، وأبدلني بهم خيرا منهم، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله: قد استجاب الله دعاك، سينقلك إلينا بعد ثلاث.

ثم عرق جبين الإمام فجعل يمسح العرق بيده، فقالت ابنته زينب عليها السلام: يا أبه أراك تمسح جبينك؟ 

قال: يا بنية سمعت جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إن المؤمن إذا نزل به الموت ودنت وفاته، عرق جبينه وصار كاللؤلؤ الرطب وسكن أنينه. 

ومازال يذكر الله، ويتشهد الشهادتين، ثم استقبل القبلة، وغمض عينيه، ومدد رجليه ويديه، وقال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. 

ثم قضى نحبه وفاضت روحه الطاهرة، ولقي ربه شهيدا مظلوما.

 رحم الله من نادى وا إماماه وا علياه وا سيداه. 

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.