‎ نعمة الإحسان

[ إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ ]

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

هذه الإية المباركة القصيرة تقطع الطريق على حبائل الشيطان ، و مكائده ،فكثيراً مايحرم الإنسان نفسه من عمل الخيرات بمبررات هي في الحقيقة من وساوس الشيطان أو من أمراض النفس ، فحين يعزم على فعل الخير و الإحسان تأتيه مبررات التراجع :

١- هذا الشخص لا يستحق .
٢- هذا الإنسان لا يثمر فيه الخير .
٣- هذا الرجل أساء إليَّ .
٤-هذا يحتاج الى تأديب .
٥- هذا مغرور .

الى أخر المبررات و الحجج التي تحاول أن تمنع الإنسان من عمل الخير و الإحسان .

الله سبحانه وتعالى يقرر الحقيقة التي تتجاوز الوساوس و الانفعالات النفسية، فالإحسان يعود للمحسن بالدرجة الأولى ؛ إلا أن تربية النفس على العطاء و الخير و الإحسان تسمو بالإنسان في مراتب الكمال ،و تكسبه الاستقرار النفسي ، و السعادة في الدنيا و الفلاح في الإخرة .
وعلى العكس من ذلك إنْ هو عاش حالة ردود الأفعال مع من هم حوله .

{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (٢٦ – سورة يونس )

وقال سيّد المتكلمين أمير المؤمنين علي أبن ابي طالب (ع) :
( رأس الإيمان الإحسان الى الناس )
تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم: 382-383 ، ح/ 8687-8706 .

وأعظم الإحسان أن يعبد الإنسان ربه تعالى كما أمره, ورد عن عمر بن يزيد قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: إذا أحسن المؤمن عمله ضاعف الله عمله، لكل حسنة سبعمائة، وذلك قول الله تبارك وتعالى: ((والله يضاعف لمن يشاء)) ، فأحسنوا أعمالكم التي تعملونها لثواب الله، فقلت له: وما الإحسان؟

فقال: إذا صليت فأحسن ركوعك وسجودك، وإذا صمت فتوقَّ كلما فيه فساد صومك، وإذا حججت فتوقَّ ما يحرم عليك في حجك وعمرتك، قال: وكل عمل تعمله لله فليكن نقياً من الدنس .
البرقي، المحاسن: 1/255

| الميرزا الشيخ حُسَيْن النُعَيمِي ……
١٨ جمادى الثاني ١٤٣٨ هـ
الموافق ١٦ / ٣ / ٢٠١٧ م

إشكال من القراء

بسم الله الرحمان الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]
والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أجمعين
قد مر في المقالت السابقة أن الانتزاع يجب أن يكون من المصاديق الخارجية ليلامس الحقيقة، ويكون مأخوذا منها فعلا بطريق مجرد وواضح .
وقد أشكل بعض القراء الأعزاء بأن الانتزاع لا يختلف بين الأفراد التي تم استقراءها وبين الفرد الواحد، فمبدأ الاستقراء لانتزاع الحقيقة واحد سواءا كان من فرد أو من أفراد متعددة.
فلو دققنا في الأفراد المتعددة لوجدنا عدة أمور:
العدد والتعداد: ان تم الانتزاع من عدد معين تن حصره تحت مسمى متفاوت يصعب انتزاع الجامع بينه نظرا لكون الجمع العددي المميز لا يجمعه إلا تمييز العدد
الاستقراء: الجامع فيه عنوان عام وما يندرج تحته فهو مندرج أصلا تحت الجامع العنواني العام ، ومادام عاما فلا يمكن ملاحظة الخصوصيات من خلاله.
الفردي: انتزاع الحقيقة من الفرد بملاحظة جميع خصوصياته وماهيته يكون أكثر دقة في الوصول للحقيقة، ويمكن ذلك بملاحظة الفرد وجزئياته ومركباته وجهاته لتحديد ءلك والوصول للحدود المقنعة بالحقيقة.

بينما انتزاع العنوان العام والمعنى العام لا يرقى أكثر من كونه ملاحظة الجامع وتحديد عنوان عام، فما كان تحت هذا العنوان متفق عليه فلا كلام، ولكن ماذا في الأفراد المشككين والمتفاوتين الذين يشملهم هذا العنوان من وجه أو لا يمكن إدراك ما يشملهم او لا؟
هكذا اذا حاول اللاأدريون انتزاع مفهوم الرب من استقراءاتهم الخاصة من أفراد جمعوها أصلا من مفهوم ذهني عام جاهز، ثم جاؤوا لينتزعوا منه عنوان الرب مرة أخرى..
فهم قد جمعوا على نحو التعداد قائمة من كل مسمى للرب في عالم الأديان ثم جاؤوا يبحثون عن انتزاع الحقيقة؟!
كيف جمعوا عباد الأصنام الذين اخترعوا ربا من أذهانهم مع الوثنيين الذين اعتقدوا بالظواهر الطبيعية أو مخترعي الأديان من عبدة الحيوانات والإبراهيميين ليجعلوهم في معنى رب واحد؟ بالتعداد ! واعتبروهم مثيليين في استقراء موحد ليحاولوا انتزاع عنوان الرب ؟؟!
ولو أمعنا التأمل والتركيز، سنرى بأن في أفرادهم مجموعة من الممكنات والمفتقرة للعباد لتوجد في الخارج كمصاديق، ولكن الرب الذي أرسل ملائكته ورسله واجب الوجود قائما بذاته، فلذلك وجب أن يدل عل ذاته بذاته، فيسهل انتزاع حقيقة معنى الربوبية بما يدل عليه بذاته وصفاته حتى بالاستدلال البسيط والمباشر..
ومن هذا المنطلق اختلف الانتزاع ومؤداه والتبادر ومؤداه بين كونه من مجموعة أو أفراد، استقراءا أو استنباط، فالباحث عن الحقيقة لا يلقاها في جامع أفراد تتفاوت من جهة وتتباين من جهة، بل يبحثها في الفرد الجوهري المثالي الأسمى المميز الدال على ذاته بذاته..
والحمد لله رب العالمين

عباس العصفور
النجف الأشرف

المثيلي والمثالي 4

بسم الله الرحمان الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

قد مر في الكلام في طريقة استقراء اللا أدريين لمصاديق الرب بين الأديان المختلفة ، فمع مافيه من طريقة تجميع الأفراد بطريقة المسمى اللفظي عند المتعبدين بما تسالموا على ربوبيته إلا أنهم جميعا أثبتوا نفس الصفات لذلك الرب بغريزتهم الفطرية ومعاييرهم العقلية، فمنهم من عدد الأرباب ومنهم من وحده ومنهم من ثلثه.
بقي أن مفهوم الإله المتفاوت بين الأديان تتحاور الأديان فيه بين بعضها البعض ، فمنهم من ارتكز المفهوم عنده في ذهنه قبل مراجعة الواقع وابتلي بالمخيلة، فصار يتخيل ربا ثم يبحث عن مصاديقه في الخارج فإن لم يجده صنع صنما يشبهه ، ومنهم من اتبع الأنبياء والرسل ووصل للواقع الأمثل بفرد مثالي للمفهوم فانتزع المفهوم من المصاديق الواقعية، وتوجه لربه..وهكذا، يكفي التعرض لهذا المبحث بهذا المقدار هنا ..
وما مر لا ينفي وجود رب واجب الوجود ، ولا يمكن الجمع بين خلافات الأديان بنفي الرب ووجوده، لأن الجامع لا يمتنع عن إثبات وجوده بل يقره _ كما مر _ حسب مقتضى استقرائهم ، حسب مدعى أقوالهم..
في كل الحالات الآنفة هناك مفهوم لواجب الوجود عند العقلاء لا يمكن نفيه ، سواء كان المفهوم انتزاعيا أو حمليا، فالعقل يدرك بفطرته وتوجهاته وتنظيراته لابدية وجود الإله .
بقي أن نسأل اللا أدريين عن مفهوم الرب الذي يبحثونه، مانوع الرب في قضاياهم الذهنية؟ ما هو تصورهم ؟ ما هي الدراسة التي اعتمدوها في إثباته ؟
للباحثين سبل نقضية وإثباتية في الاستدلال، فالنقض عادة طريق سهل يسلكه من لا يملك الحجة، ولكن البحث يجب أن يكون في جانب الإثبات كماهو في جانب النفي، فالتوقف عند النفي بسبب عدم اتحاد الناس على كلمة واحدة بعد استقراء بين المثيليات لا يكفي في نقض ونفي وجود الرب، لأن الموضوع أصلا موحود واقعا وقد يختلف العقلاء _ كل حسب معلوماته _ بين الشيئية حتى التشخيص الفعلي الواقعي أو التأويلي ، فالقضية ليست سالبة بانتفاء الموضوع حسب المدعى لينكروها.
ولإثبات المواضيع بالعلل اللزومية والدلالات لا يلجأ الباحث للاستقراء دائما، فالاستقراء معد للانتزاعيات عادة والتوصل لنتائج نسبية في الاثبات، وهم لجأوا له لنفي وجود الله الذي تعضده الدلالات والعلل والترتبات والزوميات والضرورات، فكيف لهم أن ينفوا ذلك بالاستقراء؟ ثم يقولون لا ندري؟!!

فما اتخذوه من طريق الاستقراء قد أوصلهم لنسبة إثبات كما أوصلهم لرؤى متعددة، فجعل الأديان المختلفة كلها في سمت واحد لتحديد وجود الرب غريب عن طرق البحث العلمي، لأنهم في اختلافهم تعدد الآراء ونسبية الصحة والاشتباه والغفلة عند مجموعات الأديان بين الوثنية والتقليدية والابراهيمية حسب اعتقادهم لا يكفي لنفي وجود الرب والخالق.. بل يثبت وجوده بطريقة يقينية لإجماع الكل على وجوده..

بقي أمر :

إن البحث عن الرب الخالق لايكون بالاستقراء، لأن الاستقراء يكون عادة لمن يتبعون كلام الناس، أي للمقلدين والمتبعين، بينما نبحث عن وجود الخالق والرب في أنفسنا وعقولنا ووجداننا، بعيدا عن أقوال غيرنا واستقراءاتها، فالوصول لوجود الله بسيط وليس معقدا..

والحمد لله رب العالمين

عباس العصفور
النجف الأشرف