بين الأناة والعجلة

رواية ودرس 23

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]
روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

{ الأنـاةُ من الله والعجلـة من الشيطان }.

المحاسن ج1، ص 215.
– من الوصايا المباركة لأهل بيت العصمة والطهارة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) الدعوة منهم (عليهم السلام) للإنسان المؤمن في التثبت من الأمور والتأني والتمهل في الإقدام على أي أمر يريد أن يدخل فيه.

– وهي رسالةٌ تدعو الإنسان للتريث والتأمل حينما يريد أن يُنتج عملاً موفقاً أو أن يحصل على نتيجةٍ جيدة من عمله، فعليه أن يكون على علمٍ بحيثيات الأمر الذي يريده، وإلا إذا كان عجولاً في أمره قد يلتبس عليه.

ومن روائع حِكَم سيدنا ومولانا الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): { من هَجَمَ على أمرٍ بغير علمٍ جَـدعَ أنفَ نفسه }. بحار الأنوار ج57، ص269. أي: قَطَعَ أنفه.

وعلى الإنسان كذلك أن يكون عارفاً بالأمر الذي يقدم عليه، فالمعرفةُ في كل الأمور قبل الإقدام أمرٌ مطلوب، وقد حثَّ عليه أميرالمؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه أفضل الصلاة والسلام) في وصاياه إلى الصحابي الجليل كميل بن زياد النخعي اليماني (رضوان الله تعالى عليه) فيما روي عنه (عليه السلام): { يا كُمَيل، ما مِن حركةٍ إلاّ وأنت محتاجٌ فيها إلى معرفة }. تحف العقول ص118.

والتثبت في الأمور تكون فيه السلامة للإنسان، كما روى أبان بن تغلب قال: سمعتُ أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول: { مع التثبت تكون السلامة، ومع العجلة تكون الندامة، ومن ابتدا بعملٍ في غير وقته كان بلوغه في غير حينه }. الخصال ج1، ص169.

– فالعجلةُ التي هي من التسرع والإندفاع، من غير تريث وتثبت وتأني، قد ورد ذمها في الروايات الشريفة عن النبي وأهل بيته ( عليهم السلام )، فقد رويّ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): { إنما أهلكَ الناس العجلة ولو أن الناس تثبتوا لم يهلك أحد }. المحاسن ج1، ص215.
– وهنا تنبيه:

إنَّ دعوة أهل البيت (عليهم السلام) إلى التثبت والتريث والأناة والتأمل هي أمور مستحسنةٌ حينما يكون الإنسان متردداً وشاكاً في ذلك العمل.

أما ما كانَّ الخيرُ فيه معلوماً فهو ليس مورد شك أوتردد فلا دعوةَ فيهِ للتأني والتريث، ويكون هذا غير مخالف للدعوات القرآنية والروائية التي تدعو الإنسان إلى الإسراع والمبادرة في عمل الخير، لأن الأمر الذي يكون خيرهُ معلومٌ وثابت فالمسارعة فيه مطلوبة ومحمودةٌ وحسنة كـ:

– أداء الحج للمستطيع، فعليهِ أن لا يسوف ويتأخر عن أداء هذا الفرض الواجب.

– وأداء الصلاة في أول وقتها وقضائها عند الفرصة.

– وأداء دَين الناس، فالإسراع فيه ما تقتضيه المصلحة العامة.

– وإطعام الضيف، فقد ورد الحث عليه لما فيه من مردود خيرٍ وثواب جزيل.

– وإتيان كل عمل خير يُوجِبُ التقربَ إلى الله تبارك وتعالى.

والأدلة على ذلك في القرآن الكريم والروايات الشريفة كثيرة، ومنه قول الله تبارك وتعالى: { فَاستَبِقُوا الخيرات } سورة البقرة، آية 148.، وكذلك قوله عز وجل: { وَسَارعوا إلى مغفرةٍ من ربِكُم } سورة آل عمران، آية 133.، فالإنسان يبادر ويسارع إلى كل فعلٍ وعملٍ من شأنه رضا الله سبحانه وتعالى، وأن يتجنب كل فعل من شأنه سخط الله سبحانه وغضبه.
والروايات في هذا المجال كثيرة، فمن روائع ما روي من حِكم سيد البلغاء والمتكلمين أميرالمؤمنين (عليه السلام): { والفرصة تمرُّ مرَّ السحاب فانتهزوا فرص الخير }. نهج البلاغة، ج4، ص 6، رقم 21.

وكذلك ما ورد في وصية رائعة من النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أبي ذر الغفاري قال له فيها: { يا أبا ذر ! اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك }. بحار الأنوار، ج 74، ص 75.
– وهنا نقول: إن التثبت والأناة هي في الأمور التي يشك الإنسان فيها أو يتردد، وأما ما هو معلوم الخير والبركة فالمسارعة والمبادرة فيه مطلوبة.
والحمدلله رب العالمين.
خادم الآل

الميرزا زهير الخال

السبت الأول من ربيع الآخر ١٤٣٨ هـ.

النجف الأشرف

المثيلي والمثالي 2

بسم الله الرحمان الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
قد مر الكلام في طريقة كشف الواقع عبر الاستقراء وتتبع الأفراد المتماثلة والمندرجة تحت عنوان مفهومي يعمها؛ كما وقد يتم تقسيم هذه الأفراد في مقسم معين بطرق القسمة المختلفة .
بقي الكلام في مناقشة كيف الاستدلال عند اللاأدريين..
من المنطقي والمعقول أن ينتزع الإنسان العنوان الجامع من مثيلات الأفراد والنتيجة الواضحة المنكشفة من جراء هذه العملية الجامعة تحت عنوان معين من الواقع والمصاديق الخارجية .
قد يتوهم الكثيرون بأن فائدة تتبع الأفراد المتماثلة تكمن في الحصر والتعداد والتدوين فقط ولكنها تتعدى ذلك لتكون مصاديقا خارجية يمكن انتزاع العناوين منها والخصائص الجامعة بأي حال من الأحوال خصوصا وأن الأمور متعقلة من العقل الفطري والطريق الوجداني.
فالثابت في الاستقراءات التي قاموا بها إجماع الأديان على وجود رب أو إله تتوجه له النفس، وقد تتبعوا ذلك وجمعوه تحت قناعة أن جميع العقائد تثبت ضرورة ووجوب وجود الرب والإله .
وبعد هذا الاستقراء لجأوا للتقسيم وتدوين أنواع هذا الرب في جميع العقائد البشرية وعوائل الأديان من إبراهيمية أو وثنية أو غيرها، ومن طبيعة التقسيم أن يكون القسيم مباينا لقسيمه من وجه ومؤالفا معه في وجه آخر، والقسمة قائمة على جمع المتآلف مع العنوان الجامع العام والذي يسمى بالمقسم، فلا يمكن لبناء القسمة أن يستقيم بلا هذا الجامع ولا يمكن للاستقراء أن يكون علميا استنباطيا ذو نتيجة ملزمة بلا جامع أيضا..
فملاحقة القسمة ومحاولة نقضها عبر البحث في الجانب المباين الجزئي غير موفق وغير صحيح وليس بمثمر نظرا لكون القسمة لا تتناول إلا المثيل وليس في هيكلها الوجه المباين في الأقسام، لأنها لم تكن تخلق تنافرا بينها، فلو انطبق القسيم مع قسيمه في كل جزئياتها لصار فردا واحدا وانتفى الداعي للقسمة..
لكن جعل هذا التباين الجزئي في التقسيم كنوع من أنواع الحكم بتكاذب الأقسام كلها وادعاء أن كل دين يكذب الآخر فهو غير صحيح ، ولإثبات هذا المدعى عليهم أن يسلكوا طريقا آخر يتخذ النتائج المتناقضة لا النتائج المتضادة ولا الداخلة تحت التضاد فهي متوافقة أحيانا ولو من وجه .
والباحث عن الحقيقة عبر الاستقراء هو باحث عن الاثبات لا عن السلب ولا النفي لأنها ليست بسهلة الحصر ولا من أدواته.
وكذلك الاستقراء الذي قاموا به من تجميع مفهوم الأرباب عند كل دين ومذهب فهو في صالح الأديان وليس في صالح الملحدين!
كيف؟!
إن العقل المجموعي وإجماع العقلاء أقر عبر استقراءاتهم بوجود الرب في عقيدة كل دين، بقي أمر نقاش كون الرب المعتقد به صحيحا أم لا فهو موضوع أعمق ويحتاج لاستقراء آخر أخص يبحث بين التوحيد والتعدد في عقائد الأديان وصحة ذلك تحتاج لاستدلال آخر.
فالخلاف بين الأديان في عقيدة الرب والإله متعدد ومتفرع لكثير من الدراسات والبحوث، وهذا صحي، ولكن من غير الصحي أن نخطيء الجميع بمجرد اختلافهم، ولا من المعقول أن نرفض كل العقائد بسبب تشكيكنا وتوقفنا عن البحث والتنقيب في الحق والحقيقة وادعاء التناقض !
اللاأدريون أنفسهم يشكون في نتائجهم وهم يختلفون في رؤاهم وآرائهم وهم أولى بأن يخطؤوا أنفسهم نظرا لوجود الخلاف بينهم، أسوة بالمنهج الذي اتخذوه عبر تخطئة الأديان في وجود الخالق، رغم اتفاق الأديان عليه، وتخطئتهم بسبب اختلافهم ، رغم أن استقراءات الاأدريين وتقسيماتهم قصرت عن تناول ذلك في انتزاعياتهم !
مثلا:
إن اختلاف الأطباء في تشخيصاتهم لا يعني عجز الطب ولا عدم جدواه ولا تخطئته رغم علمنا بصحة تشخيص أحدهم، بل يتكبد الباحثون مزيدا من العناء للوصول للنتيجة الواقعية الصحيحة، ويدونون التشخيصات في استقراءاتهم لتتبعها من عدة وجوه.. فلو اتخذوا النقض للكل لما أثبتوا شيئا ولبقوا مشككين كاللاأدريين وكانت كل النتائج لا أدري!
والبحث عن الفرد المثالي الحاوي لكل الخصائص المثالية يحتاج لمفهوم مثالي يكون معيارا ومدركا لانتزاع الحقيقة .. يأتي عليه الكلام ..
والحمد لله رب العالمين
عباس العصفور
النجف الأشرف

المثيلي والمثالي

بسم الله الرحمان الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين..
في عملية الاستقراء يتم جمع الأفراد تحت عنوان عام سواء كان وصفيا أو ذاتيا وذلك عبر التتبع والملاحظة، ويراعى في مثل هذا العمل البحث في المماثل، فقد يتناول هذا التتبع تمام الأفراد وقد يستعصي ذلك بسبب مطاطية العنوان أو تكثر الأفراد..
وهناك غرضان من هذا العمل في السياق العلمي، فقد يتم جمع الأفراد تحت مسمى واحد لجعلها في حكم واحد وقد يتم جمع مجموعة أفراد بلا مسمى معين لانتزاع مسمى واحد يجمعهم تحت عنوان معين يكون محكوما بمفهوم معين.
ففي الأول : هناك حمل أولي لمفهوم ما يتتبع الأفراد،
وفي الثاني : فهناك حمل شايع ننتزع من مصاديق أفراده مجتمعة المفهوم لنحمله لحمل الأولي .
مثال الصورة الأولى :
أن نجمع كل حدث مقترن بالزمان لنجعلها تحت مسمى الأفعال في اللغة العربية .
مثال الصورة الثانية :
أن ننتزع من هذه الأفراد تقسيمات بحسب الزمان كالماضي والمضارع والأمر .. أو تصريفاتها كالمبني للمجهول والمعلوم في أبنيتها، أو اللازم والمتعدي ..

قد كثر الحديث والنقاش في الاستقراء ومديات إمكانيته الاستدلالية عبر مثل هذه الدلالات لما تحمله المثلية من دلالات متفاوتية بجانب الاندراج على نحو متفاوت في مفهوم العنوان لمن يقول بهذا التفاوت في اندراج المركبات فيه بجزئيات معينة دون أخرى :
مثلا :
* الجدلية في اندراج كان الناقصة تحت مسمى الأفعال في القسمة قد يجعله فردا مرددا في الاستقراء رغم المماثلة من وجه .
* جدليات المعنى الحرفي الذي يستبطن الإسمي أيضا ..
* جدليات الأفعال الجامدة بين كونها فعلا أو إسما..
وهكذا فالبحث في المصاديق الخارجية قد يتفاوت في المركبات والأفراد المشككة.
فهل يا ترى يستطيع الاستقراء بطريقته الجامعة أو الانتزاعية الوصول لحقيقة مثل هذه الأفراد المرددة والمشككة المجهولة؟ وإن جعلنا عنوانه المنتزع تحت حكم عقلي معين فهل سيشمل الفرد المردد والمشكك؟
كل ذلك محكوم بسياق المسألة العقلية وإمكانية القسمة بأشكالها المنطقية والطبيعية والعقلية بحسب المقسم، واندراج القسيم فيها لا يلاحظ فيه سوى الجامع بين الأفراد لتحقيق القسمة القائمة على بحث المثيل دون النظر للخصوصيات التي تختلف بين القسيمين..
كما اتفقنا على توافق المثيل في الاندراج تحت عنوان ما في قسمة أو استقراء فكذلك لا نختلف في ضد هذا المثيل مع قسيمه في ما يميزه عنه من وجه آخر وبعنوان آخر وفي موضوع آخر، فالمثلية لها سياق ووجه وموضوع معين والضد كذلك يستلزم موضوعا آخرا ومعينا أيضا ..
هذا ما هو متبع في العلوم الطبيعية وسياقاتها المعرفية ، أما ما اتبعه بعض علماء اللاهوت والعقائد من (خلق) مفهوم أولا للرب وللإله ثم أخذوا يبحثون عنه بنحو وجه استقرائي تتبعي أو انتزاعي بسيطا كان أو مركبا جعلهم يدورون في أفلاك متعددة بين تعدد الرب للمعنى المركب حيث يستلزم الإضافات المتعددة كلما دعت الحاجة له ، وبين المفهوم البسيط الذي لا يتناول المعاني المركبة، فظهر عندهم الرب ذو الأيادي المجسمة أو الأيادي المتعددة أو الرؤوس المتعددة وماشابه ذلك وشاكله وماثله..
وهنا وقف اللا أدريون مدعين صعوبة اكتشاف الرب في استقراءاتهم، وافتقارهم في تعدد الدلالات إلى ضابط واحد يبين الحقيقة للجميع عبر الاستقراء ..
وقد اتخذوا في مثل هذه المسألة حالة تخطئة كل الأديان في مفهوم الربوبية وقالوا: بأن الرب غير موجود عبر استقراءاتنا لتضارب المفاهيم وضدها واختلافها مع بعضها البعض عند الأديان ! وادعوا بأن مصاديق الإله في الخارج تكذب بعضها البعض ! وقد ضاع علينا المفهوم المثالي.
وللحديث تتمة ..
والحمد لله رب العالمين

عباس العصفور
النجف الأشرف

السعادة الزوجية

بسم الله الرحمن الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (٢١) سورة الروم

تنوع حاجات الإنسان الى ثلاثة :
* نفسية معنوية .
* عقلية فكرية .
* جسدية مادية .

كثيراً ما يبالغ الإنسان في اهتمامه بحاجاته المادية على حساب حاجاته المعنوية .

القرآن الكريم يرشد الإنسان ويوجهه إلى الحاجات المعنوية ، فهي من أهم مفاتيح السعادة .

كما يحتاج الإنسان الى منزل يأوي إليه كذلك هو بحاجة الى سكن معنوي يتمثل في الحياة الزوجية المستقرة ، وهو ماينبغي أن يوليه عنايته و اهتمامه.

*ومن أهم مقومات السعادة في الحياة الزوجية :
١/ (مَّوَدَّةً ) وهي الحب ، فينبغي إظهاره بالقول و العمل .
٢/ (رَحْمَةً ) وهي العطف واللين و الشفقة وينتج منها حسن المعاملة

عن رسول الله (ص) : (قَولُ الرَّجل للمرأة : إِنّي أُحبُّكِ ، لا يَذْهَبُ مِن قَلْبِهَا أبداً )
( الكافي للكليني، ج5، ص569، ح59، باب النوادر).

كثيراً ما يختلف الزوجان بسبب أمور مادية تافهة ،ويخسران حاجاتهما المعنوية العليا .
أشعر … أشعري زوجك المودة و الرحمة ، فهما من أهم الحاجات على الإطلاق .
عبر عن مشاعرك وحبك لزوجتك … عبري عن مشاعرك وحبك لزوجك

•الكلمة الطيبة تصنع المعجزات •

الميرزا الشيخ حسين النعيمي
٢٠١٧/١/٦ –
الجمعة ٧ ربيع الثاني ١٤٣٨ هـ

عقيدة الرجعة

بسم الله الرحمان الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

والحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلقه رسوله المصطفى محمد بن عبدالله وعلى آله الهداة الطيبين الطاهرين ..

من الأمور الإعتقادية المهمة التي تعتقد بها الشيعة الإمامية عقيدة الرجعة، رجعة النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) والحجج والشهداء والمؤمنين إلى الدنيا بعد الموت، وبعد قيام دولة الإمام المنتظر المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وقبل القيامة ليروا دولة الحق ويفرحوا لذلك وينتقموا من أعدائهم وجماعة من الكافرين والمنافقين.

وفي هذا يقول الشيخ المفيد: ( إن الله يحيي قوماً من أمةِ محمد (صلى الله عليه وآله) بعد موتهم قبل يوم القيامة، وهذا مذهب تختص به آل محمد (صلى الله عليه وآله) ). مصنفات الشيخ المفيد ج7، ص32، المسائل السروية.

وقد انفردت الشيعة الإمامية بالإعتقاد في الرجعة واعتمدتها كضرورة من ضروريات المذهب ونظرية مسلمة ويجب الإقرار بها والاعتقاد بها، وتجديد الإعتراف بها في الأدعية والزيارات.
والبحث هنا يقع في نقاط:

ونستمد من الله التوفيق ..
– تعريف الرجعة:

الرجعة في معناها اللغوي: بمعنى العود والرجوع مقابل الذهاب.

ويطلق عليها الكرة من الكر بمعنى الرجوع أيضاً. قاموس المحيط ج3، ص28، ( رجع ).

ففي كتاب الصحاح للجوهري 3: 1216 ( رجع ): وفلانٌ يؤمن بالرَّجْعَةِ، أي: الرجوع إلى الدنيا بعد الموت.
والرجعة في معناها الإصطلاحي الشرعي: هي رجوع أهل البيت (ع) إلى الدنيا ورجوع كثير من الأموات إلى عالم الدنيا.

يقول الشيخ الحر العاملي صاحب كتاب وسائل الشيعة في كتابه الإيقاظ من الهجعة في البرهان على الرجعة: إعلم أن الرجعة هنا هي الحياة بعد الموت قبل القيامة وهو الذي يتبادر من معناها. ص71.
– إن الرجعة من الحقائق القطعية التي دلت عليها البراهين الجلية وقامت عليها إجماعات الإمامية وتميزت بحقيقتها الإعتقادات الضرورية وقد أكد الحر العاملي على تجديد الإعتقاد بالرجعة والإعتراف بها في كل وقت كالإقرار في كثير من الأوقات بالتوحيد والنبوة والإمامة والمعاد.

فأجمعت عليها وتواترت بها الأخبار ودلت عليها عدة من الأيات البينات.

– ويقول الشيخ محمد رضا المظفر في كتابه عقائد الإمامية: ان الذي تذهب إليه الشيعة الإمامية أخذا بما جاء به أهل البيت (عليهم السلام) إن الله تعالى يعيد قوماً من الأموات إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها فيعُز فريقا ويذل فريقا آخر وذلك عند قيام مهدي آل محمد (عجل الله تعالى فرجه الشريف).

ولا يرجع إلا من علت درجته في الإيمان أو من بلغ الغاية من الفساد ثم يصيرون بعد ذلك إلى الموت ومن بعده إلى النشور وما يستحقونه من الثواب والعقاب. ص160.
– الأدلة على الرجعة:

إن الذي يدل على صحة الرجعة وإمكانها ووقوعها أدلة كثيرة:

1. الدليل الذي استدلوا به على صحة المعاد بأنه ممكن.

2. إجماع جميع الشيعة الإمامية واطباق الطائفة الإثنى عشرية بالاعتقاد بصحة الرجعة فلا يظهر منهم مخالف يعتمد به من العلماء السابقين واللاحقين وقد علم دخول المعصوم في هذا الإجماع بورود الأحاديث المتواترة عن النبي والأئمة الدالة على اعتقادهم بصحة الرجعة.

3. الآيات القرآنية الكثيرة الدالة على ذلك إما نصا صريحا أو بمعونة الأحاديث المعتدة الواردة في تفسرها.

4. الأحاديث الكثيرة المتواترة عن النبي والأئمة المروية في الكتب المعتمدة التي هي صريحة اكثرها لا مجال إلى تأويله وهي أكثر من 200 رواية.
– الرجعة في أقوال علماء الشيعة الإمامية:

من أجل أن نقف على الآيات القرآنية والروايات الشريفة الدالة على عقيدة الرجعة، لابُد أن نقف على أقوال كبار علماء الشيعة الإمامية فيما ذكروهُ حول ( الإعتقاد بـ الرجعة ) كي يكون الخوض في الأدلة القرآنية والأدلة الروائية واضحاً ومنهجاً منظماً لفهم الأدلة فهماً دقيقاً وواضحاً.
. الشيخ الصدوق رحمه الله في كتابه ( الإعتقادات _ باب الاعتقاد في الرجعة ص142 ): اعتقادنا في الرجعة أنها حق.

. الشيخ المفيد رحمه الله في كتابه ( أوائل المقالات ص 51 ): اتفقت الإمامية على وجوب رجعة كثير من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة، وإن كان بينهم في معنى الرجعة إختلاف .

وقال أيضاً: قد جاء القرآن بصحة ذلك وتظاهرت به الأخبار، والإمامية بأجمعها عليه إلا شذاذا منهم.

. الشيخ الحر العاملي صاحب كتاب وسائل الشيعة في كتابه ( الإيقاظ من الهجعة في البرهان على الرجعة، باب الإستدلال على صحة الرجعة ): ومما يدل على ثبوت الإجماع اتفاقهم على رواية أحاديث الرجعة حتى أنه لا يكاد يخلو منها كتاب من كتب الشيعة، ولا تراهم يضعفون حديثا واحداً منها، ولا يتعرضون لتأويل شيء منها.

إلى أن قال: ومما يدل على ذلك كثرة المصنفين الذين رووا أحاديث الرجعة في مصنفات خاصة بها أوشاملة لها، وقد عرفت من أسماء الكتب التي نقلنا منها – في كتابه الإيقاظ من الهجعة – ما يزيد على 70 كتاباً، قد صنفها عظماء علماء الإمامية كثقة الإسلام الكليني، ورئيس المحدثين ابن بابويه، ورئيس الطائفة ابن جعفر الطوسي، والسيد المرتضى والنجاشي والكشي والعياشي، وعلي ابن ابراهيم، والشيخ المفيد، والكراجكي والنعماني والصفار.

ثم ذهب الشيخ المجلسي صاحب البحار إلى أن الرجعة من ضروريات المذهب .
– بعد ما ذكره علماء الإمامية نقف على الآيات والروايات الدالة على عقيدة الرجعة .
– الرجعة في القرآن:

1. قول الله عز وجل مخاطباً نبيه عيسى ابن مريم ( على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام ): ( وإذ تخرج الموتى بإذني ) سورة المائدة، آية 110.

هذه الآية تدل على وقوع الرجعة وحصولها فإن عيسى ابن مريم أحيى الموتى بإذن الله، فجميع الموتى الذين أحياهم عيسى (ع) بإذن الله رجعوا إلى الدنيا وبقوا فيها ثم ماتوا بآجالهم.
2. قول الله سبحانه وتعالى: ( واقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث اللهُ من يموت بلى وعداً عليه حقاً ) سورة النحل، آية 38.

ما رواه الشيخ الكليني ( كتاب الكافي 8: 50 / 14 ) والشيخ الصدوق ( اعتقادات الصدوق: 63 – ضمن مصنفات المفيد ج5) وعلي ابن ابراهيم ( تفسير القمي 1: 385 ): إنها نزلت في الرجعة.

وما ذكره ابن بابويه (رحمه الله) حول هذه الآية: ذلك في الرجعة، لمـاذا ؟ قال: لأنه عقبه بقوله تعالى: ( ليبين لهم الذي فيه يختلفون ) والتبيين إنما يكون في الدُنيـا لا في القيامة.
3. قول الله تبارك وتعالى: ( أليسَ ذلك بقادرٍ على أن يحيي الموتى ). سورة القيامة، آية 40.

هذه الآيـة دالة على إمكان الرجعة، فإنها من قسم إحياء الموتى.
4. قول الله عز وجل: ( وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ ۖ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) ) سورة يس.

وهي دالة على إمكان الرجعة دلالة واضحة ظاهرة.
5. قول الله سبحانه وتعالى: ( ولقد كتبنا في الزبور من بعدِ الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) سورة الأنبياء، آية 105.

روي في تفسير القمي عن علي بن ابراهيم: أن المراد بها أخبار الرجعة. ج2، ص171.
6. قول الله عز وجل: ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ) سورة البقرة، آية 243.

كان هؤلاء سبعين ألف بيت، وكان يقع فيهم الطاعون كل سنة، فيخرج الأغنياء لقوّتهم، ويبقى الفقراء لضعفهم، فيقلّ الطاعون في الذين يخرجون، ويكثر في الذين يقيمون، فيقول الذين يقيمون: لو خرجنا لما أصابنا الطاعون، ويقول الذين خرجوا: لو أقمنا لأصابنا كما أصابهم.

فأجمعوا على أن يخرجوا جميعاً من ديارهم إذا كان وقت الطاعون، فخرجوا بأجمعهم فنزلوا على شط بحر، فلما وضعوا رحالهم ناداهم الله: موتوا، فماتوا جميعاً، فكنسهم المارة عن الطريق، فبقوا بذلك ما شاء الله.

فمر بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له ارميا – وقيل: حزقيل – ، فقال: ( يا رب لو شئت لأحييتهم فعمروا بلادك، و ولدوا عبادك، وعبدوك مع من يعبدك ).

فأوحى الله تبارك وتعالى إليه: ( أفتحب أن أُحييهم لك ؟ ).

قال: ( نعم يا رب ).

فأحياهم الله وبعثهم معه.

المصدر: الكافي: 8 / 198 – 199 ح 237 ، تفسير نور الثقلين: 1 / 241 ح 961 ، البرهان في تفسير القرآن: 1 / 233 ح 1 ، الدر المنثور للسيوطي: 1 / 310.
والآيات القرآنية المباركة كثيرة في اثبات الرجعة.
– الرجعة في روايات أهل البيت (ع):
. ما رواه الشيخ الطوسي في ( المصباح ): في اعمال يوم الجمعة, عن الصادق (ع) أنه قال: ( من أراد أن يزور قبر رسول الله (ص) وأميرالمؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وقبور الحجج وهو في بلده فليغتسل يوم الجمعة – إلى أن قال: وليقل: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته, السلام عليك أيها النبي المرسل, والوصي المرتضى والسيدة الكبرى والسيدة الزهراء والسبطان المنتجبان والأولاد والأعلام والأمناء المستخزنون. إلى أن يقول: فمعكم معكم لا مع عدوكم إني من القائلين بفضلكم, مقرٌ برجعتكم, لا أُنكر لله قدرة ولا أزعم إلا ماشاء الله ). مصباح المتهجد ص253.
. ما رواه ابن بابويه في كتاب ( الفقيه ) و (عيون الأخبار) ورئيس الطائفة أبو جعفر الطوسي في ( التهذيب ) بأسانيدهما الصحيحة: عن محمد بن إسماعيل البرمكي عن موسى بن عبدالله النخعي, عن الإمام علي بن محمد الهادي في الزارة الجامعة يقول فيها: ( أُشهد الله واُشهدكم إني مؤمن بكم وبما آمنتم به, كافر بعدوكم وبما كفرتم به, إلى أن قال: معترفٌ بكم, مؤمن بإيابكم, مصدقٌ برجعتكم, منتظرٌ لأمركم, مرتقبُ لدولتكم ).

ثم قال: ( ونصرتي لكم معدة, حتى يُحيي الله دينهُ بكم, ويردكم في أيامه, ويظهركم لعدله, ويمكنكم في أرضه ).

ثم قال: (فثبتني الله أبداً ما بقيت على موالاتكم، وجعلني ممن يقتص آثاركم، ويسلك سبيلكم، ويهتدي بهديكم، ويحشر في زمرتكم، ويكر في رجعتكم، ويملك في دولتكم، ويشرّف في عافيتكم، ويمكَّن في أيامكم، وتقرّ عينه غداً برؤيتكم).

من لا يحضره الفقيه ج2، ص370، عيون أخبار الرضا ج2، ص275 – 276.
. ما رواه ابن بابويه في ( عيون الأخبار ): عن الحسن بن الجهم – في حديث طويل – أن المأمون قال لأبي الحسن الرضا (ع): ما تقول في الرجعة ؟ فقال الرضا(ع): ( إنها لحق, وقد كانت في الأُمم السالفة وقد نطق بها القرآن, وقد قال رسول الله (ص): يكون في هذه الأُمة كل ما كان في الأُمم السالفة حذو النعل بالنعل والذة بالقذة. وقد قال (صلى الله عليه وآله): إذا خرج المهدي من ولدي نزل عيسى بن مريم (عليه السلام) فصلى خلفه.

عيون أخبار الرضا ج2، ص201 – 202.
. ما رواه الشيخ الطوسي في (المصباح) في زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عرفة: { وأَشهدُ أنّك الإمام البرّ التقي وأنّ الأئمة من ولدك كلمة التقوى وأعلام الهدى أُشهد الله وملائكته وأنبياءه ورسله أني بكم مؤمن وبإيابكم موقن }. مصباح المتهجد ص664.

وقد علق الشيخ الحر في (الإيقاظ من الهجعة) على هذه الرواية: ( أقول: هذا أوضح دلالة في رجعتهم (عليهم السلام) فإنّ الإياب: الرجوع، وليس المراد القيامة قطعاً، لعدم افادته، وعدم اختصاص الإقرار بالزائر أصلاً. ) ص318.
– وإلى هنا تعرف أيها القارئ الكريم ما أثبته علماؤنا وفقهاؤنا الأعلام في عقيدة الرجعة، وأنها حقٌ، وأنها ثابتةٌ في القرآن الكريم وقد جرت في الأمم السابقة، وتجري في أمة محمد (صلى الله عليه وآله)، وكذلك هي مثبتةٌ في الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام)، واعتبرها علماؤنا من ضروريات المذهب.
– وما ذِكرُها المتكرر في كثير من الأدعية والزيارات التي وردت عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) إلا دليل على أهميتها وعظمتها، وأن نُقِر بهذه العقيدة في كل يوم وفي الأعمال المستحبة من الزيارات والأدعية، التي تَكرر فيها ذكر الرجعة.

وقد أكد الشيخ الحر العاملي على الإقرار بها، وهذا معناه ليس علينا فقط الإعتقاد القلبي بها، وإنما كذلك الإقرار باللسان بهذه العقيدة وتكرار الإقرار.
– وقد كُتبت بحوثٌ تفصيلية كثيرة حولهـا، وأُلِفَتْ كُتُبٌ خاصة بعقيدة الرجعة، وقد عُرضت فيها الأدلة عرضاً مبوباً ومفصلاً، وما ذكرناهُ هنا هو مختصرٌ ومجمل جداً، من أجل إلفات القارئ على بعض النقاط المهمة حول هذه العقيدة، وإلا فالبحث كبيرٌ وعميق.
وآخر دعوانـا أن الحمدلله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآلـه الطيبين الطاهرين.
خادم الآل

الميرزا زهير الخال

فجر الجمعة 7 ربيع الآخر 1438 هـ.

النجف الأشرف

العرف والأحكام الشرعية

بسم الله الرحمان الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
الأحكام الشرعية الخمسة من وجوب واستحباب وتحريم وكراهة وإباحة معروفة عند المتشرعة بمصطلحاتها وملاكاتها على نحو معروف وحقيقي، إلا أن الخلاف في الإباحة حيث وجود الملاك وعدمه وكلام طويل موسع يحتاج لبحثه في كتب الأصول أحيانا.
وكذلك قد يختلف العلماء في موردية الاختلاف بين الوجوب والاستحباب بين من يقول بالاختلاف وبين من يرى أنه لا يعدو عن كونه قوة وضعفا في منطوق الأمر ، وكذلك في التحريم والكراهة نفس النقاش على نحو زجري ونهي ..وما مضى هو من كلام المتخصصين .
أما المثقفين والعوام غير المتخصصين فلا يعلمون بمثل هذه التقسيمات ولا مقسمها ولا نقاشات العلماء فيها، ولذلك قد يتوجهون لعرف المعنى اللفظي، فينتزعون المفهوم منه بحسب ما يتبادر لهم دون الاهتمام بجهة الخطاب الشرعي وخصوصياته وإنما لعموميات الألفاظ ومعانيها فتضيع الخصوصيات فتصبح المعاني عامة بعموم قد يتناول الوجوب والاستحباب تحت مسمى الطلب كفرد واحد ، والنهي والحرمة تحت مسمى الزجر والنهي كفرد واحد ، بل يمكن أن يحصل الضد في أفراد الوجوب بعموم حكم حرمة الترك ، أو في أفراد الحرمة بعموم حكم وجوب الترك .. وقد بحث الشيخ الآخوند (قدس سره) في الكفاية هذا الأمر معتبرا أن لا ضد بينهما في كلام واضح ورد من يقول بالضد فيهما..
ومن منطلق انتزاع المفهوم من معاني الألفاظ عرفا دون الرجوع للمصطلحات والحدود التامة، قد لا نجد هذا الضد أصلا في الاستحباب لأنه لا يحرم تركه، كما لا نجده في المكروهات لأنه لا يحرم فعلها ، بل وقد يتحاوز المفهوم العرفي باعتبارها مرخصة الترك في المستحبات، ومرخصة الفعل في المكروهات، رغم الأمر والنهي في الخطابين الشرعيين ..
لذلك فمن الضروري مراعاة هذا التفاوت في الملاكات والموارد التي تنظر لهذه الخصوصية.
فمن الممكن ارتفاع هذه الأضداد في فرد إن تم مراعاة السياق فيه، كالزجر عن ترك الصلاة لامتثال الأمر بأدائها، والنهي عن ترك المستحبات لتحصيل ثوابها وضرورة التقرب إلى الله، والأمر بترك المكروهات لتحصيل ثواب ذلك بالقربة لله سبحانه وتعالى، والزجر عن المحرمات بالأمر بتركها للنجاة من النار، فهذه الجهة فرعية..
فالجمع العرفي لا يأبى مثل هذه السياقات لعدم تناقضها وإمكان ارقفاع ضدها في الفرد الواحد وعدم امتناعه، حيث أن الامتناع يحصل فيما لو حصل في فردين متمانعين .
فالجمع العرفي يأبى الجمع بين فردين متمانعين مختلفين إلا إذا كان هناك ما يجمعهما في المورد فيتقيد العرف بهذا المورد الجامع ..
أما تحويل مسألة تقسيم الأحكام للجهة الأصولية العقدية فقد يصادر هذا المورد حتى خصوصيات الأحكام العلميةوالمصطلحاتية، لذلك فقد ترى كثيرين يقولون: كيف لا ننتهي عن المكروهات وقد نهانا عنها الإمام المعصوم مفترض الطاعة؟
إن نهي الإمام عليه السلام منه ما فيه الترخيص بالأدلة المتصلة أو المنفصلة فيكون مكروها ومرخصا بخطابه .. ومنه ما فيه الأمر بالفعل مع الترخيص بالترك فيكون كذلك بحسب توجيهات الإمام عليه السلام، بل وأن جعل المستحب واجبا في قول الإمام عليه السلام وتقريره، وجعل المكروه حراما، تشريع وادعاء لنسب مالم يصدر منه إليه وهو من الكبائر، فالظهور يأبى في خطابه إلا ما بتبادر إلينا منه في مقام التلقي والامتثال.

والحمد لله رب العالمين
عباس العصفور
النجف الأشرف

ميزان الابتلاء

رواية ودرس 22

بسم الله الرحمن الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]
روي عن الإمام جعفر الصادق (عليه أفضل الصلاة والسلام): ( إنما المؤمن بمنزلة كفة الميزان كلما زيد في إيمانه زيد في بلائه ). الكافي ج2، ص254.
من السنن الإلهية في الأرض هي سُنة البلاء والإبتلاء، وهذا شأن الحياة الدنيا التي خلق فيها الإنسان، فلا بُد أن يتعرض الإنسان في دار الدنيا إلى البلاء والإبتلاء، ولقد تعرضت المجتمعات البشرية عبر مراحل التاريخ إلى هذه السنة الإلهية، والشواهد على ذلك عديدة.
– البلاء في اللغة: هو الإختبار والإمتحان، وتأتي الفتنة بمعنى الإبتلاء كما ذكره صاحب مجمع البحرين: قوله تعالى: ( واتقوا فتنةً ) سورة الأنفال، آية 25، أي: ( بليةً وقيل ذنباً وقيل عذاباً ). ج6، ص291. وقد ذكرها الله عز وجل في كتابه الكريم، قال تعالى: ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) ). سورة العنكبوت.
– إن البلاء والابتلاء يرافق المؤمنين في كل مراحل الحياة وبحسب درجاتهم، وأشد الناس ابتلاءا هم الأنبياء كما ورد في الروايات الكثيرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن أهل بيته (صلوات الله عليهم)، كما روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): ( إن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم الأمثل فالأمثل ). الكافي ج2، ص252. قوله (ع): الأمثل فالأمثل، أي: من كان أمثلهم في الفضل والقرب عند الله عز وجل.
– والبلاء والابتلاء في أمور عديدة وأنواعه كثيرة، وقد ذكر القرآن الكريم ذلك في قوله تبارك وتعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:155-157].

وهذا إخبار من الله سبحانه وتعالى بأنه لا بد أن يبتلي عباده بالمحن، ويختبرهم لكي يتبين الصادق من الكاذب، والجازع من الصابر، ويعتلي المؤمن في درجات الإيمان بصبره وتحمله ليحصل على البشارة التي وعد الله بها في كتابه وهو أصدق القائلين: (وبشر الصابرين).

فالعطية الإلهية العظمى منه عز وجل (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).

وهذه سنة الله في عباده، لأن السراء لو استمرت لأهل الإيمان، ولم يحصل معها محنة وابتلاء، لحصل الاختلاط الذي هو فساد، وحكمة الله سبحانه تقتضي تمييز أهل الخير من أهل الشر. وهذه فائدة الابتلاء، فهو ليس إزالة لما مع المؤمنين من الإيمان، ولا ردهم عن دينهم، فما كان الله ليضيع إيمان المؤمنين.
فالبلاء للمؤمن تمحيص للذنوب التي يقترفها ويعملها في دار الدنيا، فيُعد الابتلاء للمؤمن تطهيرٌ له، ومحوٌ لذنوبه، وهذا ما بينهُ إمامُ المتقين وأميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (عليه أفضل الصلاة والسلام) فيما روي عنه: { ما من الشيعة عبدٌ يقارف أمراً نهيناهُ عنه فيموت حتى يبتلى ببليةٍ تمحص بها ذنوبه إما في مالٍ وإما في ولدٍ وإما في نفسه حتى يلقى الله عز وجل وماله ذنب وأنه ليبقى عليه الشيء من ذنوبه فيشدد به عليه عند موته }. الخصال ج2، ص635.
وقد أكدت الروايات على هدف البلاء والابتلاء أنهُ ليس شراً بل هو خيرٌ للإنسان، وأسلوبٌ ناجح لثنيه عن طريق الفساد والإفساد، ومنه ما روي عن أميرالمؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): ” إنّ البلاء للظالم أدب، وللمؤمن امتحان، وللأنبياء درجة وللأولياء كرامة “. بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج64، ص235.
فالبلاء الذي ينزل حتّى على الظالم ليس شرّاً محضاً بل فيه تأديب له، ومحاولة لإعادته إلى طريق الصواب، وهذا ليس شرّاً. وقد ورد عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): { ما من بليّة إلا ولله فيها نعمة تحيط بها }. تحف العقول ص489.
والحمدلله رب العالمين .
خادم الآل

الميرزا زهير الخال

الجمعة ٣٠ ربيع الأول ١٤٣٨هـ.

النجف الأشرف