أرشيف التصنيف: رواية ودرس

سلسلة الشيخ الخال ولفتات من مستلهمة من الروايات

فضيلةُ العِفّة، الزهراءُ (ع) قُدوةٌ للمرأة المسلمة ..

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على سيدِ الأنام ونور الملك العلام، البشير النذير، والهادي الشفيع، والمحمود الأحمد محمد بن عبدالله وعلى آلهِ السراط المستقيم والسبيل القويم ..

رويَّ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: ( استأذن أعمى على فاطمة (عليها السلام) فحجبته، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لِمْ تحجبينه وهو لا يراكِ ؟

قالت: يا رسول الله، إن لم يكن يراني فإني أراه، وهو يشم الريح، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أشهد أنكِ بضعةٌ مني ) (١).

لقد اِمتازتْ سيدَةُ نساءِ العالمين الصديقةُ الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) بِميزاتٍ كثيرة ومتعددة، وخصوصياتٍ أعطاها إياها الجليل فاطرُ السماوات والأرض “جلَّ جلاله”.

فَقدْ اِصطفاها الله تبارك وتعالى في آية التطهير بقوله تعالى: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا )(٢).

فكانت من أهل الكساء الذين أذهبَ الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وهيَّ التي قد ذكرَ فضلها ومكانتها العظيمة أبوها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قائِلاً: ( إن الله اختار من النساءِ أَربَعاً مريم وآسية وخديجة وفاطمــة )(٣).

ولذا فقد امتازت السيدة الزكية أم أبيها فاطمة الزهراء (عليها السلام) بعناصر نفسية عديدة، منها:

1. العصمة: فهيَّ معصومة من اقتراف الذنوب عمداً وسهواً، فالعصمة من عناصرها ومقوماتها الذاتية. وكفى بِآية التطهير دليلاً، فأهل البيت هم: عليٌ (عليه السلام)، وفاطمة (عليها السلام)، والحسن والحُسين (عليهما السلام)(٤).

2. البر بالفقراء: كانت (عليها السلام) عطوفة على الفقراء والمحرومين، وكانت هي وزوجها وولديها من المعنيين بقوله تعالى: ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا )(٥).

3. العفاف والحجاب: ومِن العناصر النفسية والذاتية لسيدة النساء (عليها السلام) العفةُ والحجاب، فلقد أعطت بعفتها وحجابها أرقى الدروس للمرأة المسلمة، لتكون المرأة المسلمة تبلغ قمة الكمال، وتكون المربية للأجيال الصالحين في المجتمع.

وعناصرها كثيرةٌ (سلام الله تعالى عليها).

وهنا نسلطُ الضوء على ( فضيلة العفة، وشخصية الصديقة الزهراء “عليها السلام” مثالاً وقدوة للمرأة المسلمة )، في نقاط، وهيَّ كالتالي:

⁃ النقطة الأولى: معنى العفّة:

معنى العفة لغة: هي مصدر عفَّ، يقال: عَفَّ عن الحرام يعِفُّ عِفَّةً وعَفًّا وعَفَافَةً أي: كفَّ، فهو عَفٌّ وعَفيفٌّ، والمرأةُ عَفَّةٌ وعَفِيفَةٌ، وأعفَّهُ الله، واستعف عن المسألة أي: عفَّ، وتعفف: تكلف العِفَّة.

والعفة: الكف عما لا يَحِلُّ ولا يَجْمُل، والإستعفاف طلبُ العَفاف(٦).

معنى العفة في الإصطلاح:

قال الراغب الاصفهاني: العفة: هي ضبط النفس عن الملاذ الحسوانية، وهيّ حالة متوسطة من إفراط وهو الشره، وتفريط وهو جمود الشهوة(٧).

فالعفةُ هيّ صفة نفسية في الإنسان يمكن التعرف عليها من خلال آثارها التي تظهر على الإنسان، وهذه الآثار ذكرتها الروايات الشريفة بعدة معانٍ منها:

1. العفة: الصبر عن الشهوة: عن أميرالمؤمنين (عليه السلام): ( الصبر عن الشهوة عفة، وعن الغضب نجدة، وعن المعصية ورع )(٨).

2. العفة: هي الزهد أيضاً، عن أميرالمؤمنين (عليه السلام): ( العفاف زهادة )(٩).

3. العفة: هي صون النفس وتنزيهها عن كل أمر دني، عن أميرالمؤمنين (عليه السلام): ( العفاف يصون النفس وينزهها عن الدنايا )(١٠).

⁃ النقطة الثانية: مصاديق العفة:

إن العفة لها مصاديق ومتعلقات وجوانب كثيرة، نذكر بعضاً منها:

1. العفة عن أكل الحرام: عن أميرالمؤمنين (عليه السلام): ( إذا أراد الله بعبدٍ خيراً أعف بطنه وفرجه )(١١).

2. العفة عن إظهار الحاجة المادية: قال الله تعالى: ( لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ )(١٢).، وكما رويّ عن أميرالمؤمنين (عليه السلام): ( العفاف زينة الفقر، والشكر زينة الغنى )(١٣).

3. العفة في تشديد الحجاب: قال الله تعالى: ( وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ ۖ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )(١٤).، وكما رويّ عن أميرالمؤمنين (عليه السلام): ( زكاة الجمال العفاف )(١٥). فالعفة يجب أن تزداد كلما ازدادت المرأة جمالاً.

⁃ النقطة الثالثة: آثار وثمار العفة:

إنّ كل عملٍ لهُ ثمارٌ ونتائجٌ مترتبةٌ على القيام به، وبلا شك إن لفضيلة العفة والعفاف آثار وثمار عديدة، منها:

1. حسن المظهر: فهو من بركات العفة، فمما رويّ عن أميرالمؤمنين (عليه السلام): ( مَنْ عفت أطرافه حسنت أوصافه )(١٦).، وفي تفسير علي بن إبراهيم: في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: في قوله تعالى: ( يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ )(١٧).، فأما اللباس فالثياب التي تلبسون، وأما الرياش فالمتاع والمال، وأما لباس التقوى فالعفاف، إن العفيف لا تبدو له عورة، وإن كان عارياً من الثياب، والفاجر بادي العورة وإن كانّ كاسياً من الثياب، يقول الله: ( وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ) يقول العفاف خير ( ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ).(١٨).

2. الثواب العظيم: لقد بينت روايات أهل البيت (عليهم السلام) الثواب العظيم لمن يمتلك فضيلة العفة: رويّ عن أميرالمؤمنين (عليه السلام): ( طوبى لمن تحلى بالعفاف، ورضي بالكفاف )(١٩).، وعنه أيضاً (عليه السلام): ( ما المجاهد الشهيد في سبيل الله بأعظم أجراً ممت قدر فعف، لكاد العفيف أن يكون ملكاً من الملائكة )(٢٠). وما أعظمها من رواية فإنها أشارت إلى الثواب الجزيل الذي يناله صاحب فضيلة العفة – سواء ذكراً كان أم أُنثى -، وأيضاً تشير إلى أنَّ العقة سبب في ترك المعاصي، وهي من الفضائل التي تدني الإنسان وتقربه من الله تبارك وتعالى، بحيث يصبح سلوكه كله طاعة لله تعالى، وكأن العفيف مَلَكٌ مِنَّ الملائكة.

⁃ النقطة الثالثة: العفاف عند النساء:

لقد ذكر القرآن الكريم ضوابطاً وقوانيناً يطلب من المرأة أن تؤديها، كي تبلغ الهدف الأسمى وتصل إلى غاية العفة والحشمة، قال الله تعالى: ( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ).(٢١).

فإن سياق الآية المباركة يدل على أنها ترشد إلى نمط السلوك الإجتماعي الذي ينبغي أن تتمثله المرأة على نحو اللزوم، لبلوغ غاية العفة.

والضوابط المطلوب على المرأة أداؤها، لإدراك الهدف الأسمى، أربعة:

1. غض البصر.

2. حفظ الفرج.

3. كتمان الزينة.

4. ضرب الخمار.

وبمجرد تخلف أحد هذه الضوابط في مرحلة التطبيق والإمتثال ينحدر السلوك الفردي وكذلك الإجتماعي إلى الواقع الفاسد، وبذلك يستحيل الوصول إلى الغاية العالية والرفيعة وهي: العفة.

فخيرُ المرأة في عفافها، وشرُها في تبرجها.

رواية ذات معنى أخلاقي اِجتماعي:

ومن روائع الروايات ما ورد في الحديث النبوي الشريف: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ( ألا أخبركم بخير نساءكم؟ قالوا بلى يا رسول الله، فأخبرنا، قال: إن من خير نسائكم الولود الودود، والستيرة العفيفة، العزيزة في أهلها، الذليلة مع بعلها، المتبرجة مع زوجها الحصان مع غيره.

ثم قال: ألا أخبركم بِـشر نساءكم؟ قالوا بلى يا رسول الله، فأخبرنا، قال: من شر نسائكم الذليلة في أهلها، العزيزة مع بعلها، العقيم الحقود التي لا تتورع عن قبيح، المتبرجة إذا غاب عنها زوجها، الحصان معه إذا حضر )(٢٢).

⁃ النقطة الرابعة: عفاف المرأة بالحجاب في كلام الزهراء (عليها السلام):

من المُلاحظ في سيرة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام) أحاديث ونصوص كثيرة تنصب على الشخصية الإسلامية التي ينبغي للمرأة تمثيلها وانجازها، ومن أهم الأبعاد هو: التأكيد فوق العادة على اِلتزام المرأة بالحجاب والستر الذي يحول بين مفاتنها وبين الرجال، بل ويستوعب ذلك حالة ما لو كان الرجل فاقداً للبصر.

عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: ( استأذن أعمى على فاطمة (عليها السلام) فحجبته، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لِمْ تحجبينه وهو لا يراكِ ؟

قالت: يا رسول الله، إن لم يكن يراني فإني أراه، وهو يشم الريح، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أشهد أنكِ بضعةٌ مني )(٢٣).

إن الرواية تشتمل على رؤية دقيقة جداً، وهذه الرؤية عند الزهراء مستلهمةٌ من آيات القرآن الكريم، وهيّ: أنّ الحجاب الكامل السامل ليس هو من طرف المرأة لمنع نظر الرجل لها فحسب، وإنما هو من طرفها بحيث يؤدي نتجتين:

1. النتيجة الأولى: اِنقاص طرف الرجل.

2. النتيجة الثانية: اِنقاص طرف المرأة.

فلا تقتصر المسألة على تحديد بصر الرجل، وفي الجانب الآخر إطلاق لبصر المرأة، وإنما تحديد بصر كلا الطرفين.

وهذا هو المعنى الذي يقره الله تعالى في آيات سورة النور: ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ )(٢٤).، هذا من جهة الرجل، وأما من جهة المرأة فبعد الآية التي عن غض الرجل لبصره، فمباشرةً قال تعالى: ( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ )(٢٥).

ومن جهة أخرى لقراءة هذه الرواية الشريفة نقول: إنَّ هذا الموقف العظيم من بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سيدة نساء العالمين فاطمة (عليها السلام) يدل بوضوح على أنّها قد سمت إلى أرقى مراتب العفة، والحشمة، والطهارة، وعلى المرأة المسلمة أن تقتدي بهذه السيدة الجليلة، كي تخرج جيلاً صالحاً ومجتمعاً إسلامياً متطوراً قائماً على الشرف والفضيلة.

ومتى تزينت المرأةُ بالعفة كانت في أرقى منزلة، وأعزّ مكانة.

وفي الخبر سأل رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه عن المرأة ماهي ؟، قالوا: عورة، قال: فمتى تكون أدنى من ربِّها ؟ فلم يدروا، فلما سمعت فاطمة (عليها السلام) ذلك قالت: ( أدنى ما تكون من ربِّها أن تلزم قعر بيتها )،

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ( إن فاطمة بضعةٌ مني )(٢٦).

إنَّ عفاف الزهراء (عليها السلام) وحجابها، هو نورٌ لكلّ فتاةٍ تريد أن تعيش عزيزة في المجتمع.

يقول الشيخ الأصفهاني (قدس سره):

وخدرها السامي رواق العظمة

وهــو مطاف الكعبـة المعظمة

حجابُهـا مثــلُ حجاب البــاري

بـارقـــةٌ تــذهـب بـالأَبصـــاري

تَمثَّــل الواجبُ في حجابِها

فكيف بِالإِشراق مِن قِبابهـا

يـــا درة العصمــةِ والولايـة

مِن صدف الحكمة والعناية

فالكوكب الدري في السماءِ

من ضوء تلك الدرة البيضاءِ

والحمدُ لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

خادم الآل

الميرزا زهير الخال

الثلاثاء ١٧ جمادى الآخرة ١٤٣٩هـ.

النجف الأشرف

—————

المصادر:

1. دعائم الإسلام، القاضي النعمان المغربي، ج٢، ص٢٠٤.

2. سورة الأحزاب، آية ٣٣.

3. الخصال ج١ ص١٨٥.

4. تفسير الرازي، ج٦، ص٧٨٣.

5. سورة الدهر، آية ٨ و ٩.

6. لسان العرب لابن منظور، ج٩، ص٢٥٣.

7. الذريعة إلى مكارم الشريعة ص٣١٨.

8. مستدرك الوسائل للميرزا النوري ج١١، ص٢٦٣.

9. ميزان الحكمة للريشهري ج٣، باب العفة – الحث على العفاف.

10. موسوعة أحاديث أهل البيت (ع) الشيخ هادي النجفي ج٧، باب العفة، ص٢٠٩.

11. ميزان الحكمة للريشهري ج٣، باب العفة – ثمرة العفة.

12. سورة البقرة، آية ٢٧٣.

13. وسائل الشيعة للحر العاملي ج٩ ، ص٤٣٨.

14. سورة النور، آية ٦٠.

15. مستدرك الوسائل للميرزا النوري ج٧، ص٤٤.

16. موسوعة أحاديث أهل البيت (ع) الشيخ هادي النجفي ج٧، باب العفة، ص٢٠٩.

17. سورة الأعرف، آية ٢٦.

18. بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج٦٨ ، ص٢٧٠.

19. موسوعة أحاديث أهل البيت (ع) الشيخ هادي النجفي ج٧، باب العفة، ص٢٠٩.

20. المصدر السابق.

21. سورة النور، آية ٣١.

22. بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج١٠٠، ص٢٣٩.

23. دعائم الإسلام، القاضي النعمان المغربي، ج٢، ص٢٠٤.

24. سورة النور، آية ٣٠.

25. سورة النور، آية ٣١.

26. بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج٤٣ ،ص٩٢.

27. فاطمة (ع) تجلي النبوة ومظهر الإمامة، الشيخ حسن العالي.

فضيلةُ الصِدْق

بسم الله الرحمن الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

والحمدلله رب العالمين، والصلاةُ والسلامُ على خيرتِهِ مِنْ خلقهِ المبعوث رحمةً للعالمين الصادِق الأمين النبي الكريم محمد بن عبدالله وعلى أهل بيتهِ الطيبين الطاهرين ..
(( لا تَنْظُروا إلى كَثْرَةِ صَلاتِهِم وَصَومِهم وَكَثْرَةِ الحَجِّ والمَعرُوفِ وَطَنطَنَتِهِم بالليلِ ولَكِنْ اُنظُروا إلى صِدقِ الحَديثِ وأَداءِ الأَمانةِ ))(١).مِنْ رَوائِعِ الفضائِل الأخلاقِيَةِ المُباركة التي هيَّ مِفتاحٌ إلى نَيلِ جميعِ الفضائِل الأخلاقية والتحلي بها، وهيَّ المفتاحُ إلى الكَشفِ عن باطن شخصية الإنسان وإِلتزامه، ” فضيلةُ الصِدق ” تُشكِلُ الأَساس إلى الشخصية الإنسانية السوية والكاملة، فلذا لا يمكن إِطلاق اِسم ” الإِنسان الحقيقي ” لأي شخصيةٍ تخلو من هذه الفضيلة والصفة الأخلاقية ومع هذه الصفة صفةٌ عظيمةٌ أخرى هيَّ مِنْ لَوازِم فضيلة الصِدق وهي ” صفةُ الأَمانَة “.

 

فَبينَّ ” الصِدق ” و ” الأَمانَةِ ” أصلٌ واحدٌ وجذرٌ مشترك، فالصِدْقُ هو الأمانَةُ في القول، والأَمانةُ هيَّ الصِدقُ في العمل. لذا وردت في الروايات وكلمات الأئِمَةِ المعصومين (عليهم السلام) هاتان الصفتان سويةً، لا تفترقان كما سيتضح لنا إن شاء الله تعالى.

 

⁃ مفهوم الصِدْق:

إذا كان الكذب هو الإخبار عن الأشياء على خلاف ما هي عليه، فإنّ الصدق هو ضدّه (٢)، وهو – أي الصِدق – مطابقةُ القولِ للواقع الذي هو عليه. وهو أشرف الصفات المَرضِيَة، ورئيس الفضائل النفسية، وما ورد في مدحه وعظم فائدته من الآيات والأخبار مما لا يمكن إحصاؤه.

منها قولُ اللهِ سبحانهُ وتعالى: ﴿ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ (٣).

وقول رسول الله (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم): ( تقبّلوا إليّ بست خصال أتقبّل لكم بالجنّة: إذا حدّثتم فلا تكذبوا، وإذا وعدتم فلا تخلفوا وإذا ائتمنتم فلا تخونوا، وغضوا أبصاركم، واحفظوا فروجكم، وكفّوا أيديكم وألسنتكم )(٤).

 

⁃ أهميَّةُ الصِدْق:

إن التأمل الدقيق فيما وَرَدَ مِن الآيات الكريمة والروايات المُباركة في التأكيد على هذه الفضيلة يَتضحُ لنا أهميتها، والنتائج المترتبة بسبب التحلي بهذه الفضيلة.فمما يبين لنا أهمية ” فضيلة الصدق ” أنها هيَّ المفتاحُ إلى جميع الأخلاق الحسنة، وأنَّ جميع الفضائل الأخلاقية تجتمعُ عند من يمتلك هذه الفضيلة، هذا ما أوضحهُ لنا القرآن الكريم في قول الله تبارك وتعالى: ( لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ )(٥).

 

فإنَّ هذه الآية الشريفة كاشفة لنا أن الذي يمتلك ” فضيلة الصِدْق ” في الحقيقة أنَّهُ تجتمِعُ فيه صفاتٌ مُباركةٌ عديدة:

 

(١) الإيمان بالله تباركَّ وتعالى، وهو أصل الأصول في الإعتقادات، فالإيمان الحقيقي بالخالق العظيم، هو من أعظم الأمور الإعتقادية التي يتحلى بها الصادقون.

 

(٢) الإيمان باليوم الآخر، والملائكة والكتاب والنبيين، فهذه الإعتقادات التي تترتب على التوحيد، وهذا الإيمان الصادق تجدهُ عند من يمتلك ” فضيلة الصِدق “.

 

(٣) الإنفاق: ( وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ )، فهذا العطاء وهذا الإنفاق في سبيل الله سبحانه، السبيلُ في الوصول إليه نابِعٌ من هذه الفضيلة الأصيلة في القيم الأخلاقية.

(٤) إِقامة الصلاة: مِن عظيم العبادات ووسيلة التقرب إلى الجليل جلَّ وعلَّا، فمُقيم ” الصلاة ” العبادة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، والتي هي عمود الدين، إِقامةً حقة، هو في الحقيقة مِن أهل ” فضيلة الصِدْق “.

ويمكن أن أقول: إنا إِقامة الصلاة من أحب الأعمال العبادية لأهل الصِدْق.

 

(٥) إعطاء الزكاة: وهذه قِيمةٌ أخرى يمتلُكها أهلُ ” فضيلة الصِدْق ” والتي هيَّ – الزكاة – مِنْ أبواب الفَلاح، فقد قال سبحانه وتعالى: ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ) (٦).(٦) الوفاء بالعهود: وهو الخُلق الشريف العالي الرفيع(٧)، وهو الذي يترتب عليهِ بناء الدولة، وبناء المجتمع، وبناء الصرح الأخلاقي عند الإنسان. هو من الأخلاق التي تكون عند ” أهل الصِدْق “.

(٧) الصبر: وهو حبسُ النفس عن فعل شيءٍ أو تركُهُ ابتغاء وجهِ الله سبحانه، قال تعالى: { وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ }(٨).، صِفَةٌ تَدُلُ على كمال الإيمان، بل هي رأسُ الإيمان كما دلَّ على ذلك الحديثُ عن الإمام الصادق “ع”: ( الصبر من الإيمان بمنزلةِ الرأس من الجسد فإذا ذهب الرأسُ ذَهَبَ الجسد، كذلك إذا ذهبَ الصبرُ ذَهبَ الإِيمان ).(٩)، وهذا الصفة الأخلاقية العظيمة يمتلكها أيضاً ” أهل الصِدق “.

 

ففي ختام الآية الشريفة تعطينا نتجةً واضحة: وهي .. إن كل هذه الصفات تكون من ملكات أصحاب ف
( أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ).

فقد عرفت لنا الآية الشريفة معنى الصِدق بالواقع العملي التطبيقي لأهل هذه الفضيلة، أي: إذا أردتَّ أن تعرف أهل الصِدْق فسوف تعرفهم بهذه الصفات وبواقعهم العملي إليها، فَهُمُ أهل الصِدق.

وهذا معنى القول بِـأنَّ فضيلة الصِدق مفتاحٌ إلى كُلِّ الفضائِل الأخلاقية.

 

ومِنَّ الأدِلة الروائية التي يُستدلُ بِها على أهمية فضيلة الصِدق ما ورد في النصوص عن الإمام الصادق (عليه السلام): ( إنَّ الله لم يبعث نبيّاً إلا بِصدقِ الحديث وأداءِ الأمانة )(١٠). وهذا معناهُ أنَّ النبي المبعوث إلى الناس يكونُ مُتلبساً بالصِدْقِ في كلامه، و ” وجوب الصِدْق في الحديث كانَّ مِنْ أحكام شريعته “(١١)، فلولا “الصدق في الحديث” و “أداء الأمانة” لَمْ يتبعِ الناسُ الأنبياءَ في دعوتهم. ولضرورتها وأهميتها كانت صفةً أخلاقية مِنْ صِفاتِ جميعِ الأنبياء، وعلى رأسِهم سيدُ الأنبياء النبي المصطفى محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلِذا كانَّت تُلقِبُهُ قُريش بـ “الصادِق الأمين”.

وهذه الفضيلة هيَّ التي يختبر بها الإنسانُ الصالح، ففي الرواية عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: ( لا تغتروا بِصلاتهم، ولا بِصيامِهم، فإنَّ الرجل ربما لهج بالصلاة والصوم حتى لو تركه اِستوحش، ولكن إِختبروهم عند صدق الحديث وأداءِ الأمانة )(١٢).

وفي الرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام): ( الصِدْقُ كمالُ النُّبل )(١٣)، وعنه (عليه السلام) أنَّهُ قال: ( الصِدْقٌ مُباركٌ، والكَذِبُ مَشُوم )(١٤).

 

وفي الختام نقول: إذا اِتضحَ لنا أهمية “فضيلة الصِدْق” وضرورتها وصعوبتها أيضاً، سيتضحُ لنا إيضاً خطورة ما هو ضِد الصدق وهو (رذيلة الكذب) أيضاً، وعلى الإنسان الصالِح أن يسعى في تحصيل “فضيلة الصدق”، التي هي – كما في عدد من روايات أهل البيت (عليهم السلام) ومضامين أحاديثهم – رأسُ الدين ولِباسُ اليقين، وسجية المخلصين، وَأَنْجَحُ دليل، ولباسُ الحق.

قال الله تبارك وتعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ )(١٥).

 

اللهم إجعلنا مِنَ اْلصادِقين ..
والحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلى الله على محمدٍ وأهل بيته الطيبين الطاهرين.

 

خادم الآل

الميرزا زهير الخال
الأحد ١٩ ربيع الآخر ١٤٣٩هـ.

النجف الأشرف

 

 

1. بحار الأنوار للعلامة المجلسي، ج68، ص9، ح13.

2. جامع السعادات للمولى النراقي، تحرير رضا مختاري، بيروت، الأمير للطباعة والنشر، 2009م، ط 1، ص360 و370.3. سورة التوبة، الآية 119.

4. بحار الأنوار للعلامة المجلسي، ج66، ص372.

5. سورة البقرة، الآية 177.

6. سورة الأعلى، الآية 14.

7. لسان العرب لابن منظور
t;

8. سورة الرعد، الآية 22.

9. الكافي للكليني، ج2، ص88.

10. الكافي للكليني، ج2، ص104، ح1.

ong>11. دروس في الأخلاق، آية الله المشكيني، ص88.

12. الكافي للكليني، ج2، ص104، ح2.

13. غرر الحكم، الرقم 1056.

14. بحار الأنوار للعلامة المجلسي، ج77، ص67، ح6.

15. سورة التوبة، الآية 119.

وما أدراكَ ما “المعصومـة” !

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمدلله ربِّ العالمين، وصلى الله على المبعوثِ رَحمةً للعالمين المصطفى محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ..

 

جاءَ في كِتابِ كامل الزيارات:

عن الإمام محمد بن علي الجواد (عليه أفضل الصلاة والسلام) أنَّهُ قال:

(( مَنْ زارَ عمتي بِـقم فَلَهُ الجَنّة )).(١).

 

مِنْ سلالة الإمامة ومِنْ شخصياتِ أهلِ بيتِ العصمة والطهارة الذين أذهبَ اللهُ عنهُم الرِجس وطهرهم تطهيراً، السيدة الجليلة فاطِمة المعصومَة بنتُ الإِمام موسى بن جعفرٍ الكاظِم (عليهُم السلام)، وهي من السلالةِ الطاهرة الزكية، والتي خصها أئِمةُ الدين (عليهم السلام) بِذكرها في رواياتهم، فقد بشرَّ بها الإمام الصادق (عليه السلام)، وذَكرَ الأئمةُ (عليهم السلام) فضلَّ زِيارَتِها بأرضِ قُمْ.

 

إنَّ السيدة فاطمة الكبرى – المعصومة – هيَّ بنتُ الإمام الصابر والعبد الصالح، الذي مَثَلُهُ كمثل الشمس في كبدِ السماء ( وصيُّ الأبرار، وإمامُ الأخيار، وعَيْبَة الأنوار، ووارث السكينة والوقار، والحِكَمِ والآثار )(٢)، الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)، وأخوها الإمامُ الثامن من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) الذي قال فيه أبوه الكاظم (عليه السلام) وهو يُخاطِبُ أولاده: ( هذا أخوكُم عليُّ بن موسى عالمُ آل محمد )(٣)، وقد كانت السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) أُختاً للإمام الرضا (عليه السلام) مِنْ أمـه، فأمهما واحدة(٤)، وهي السيدةُ تُكْتَم (عليها السلام) ولها أسماءٌ أخرى، منها: نجمة، أروى، سُمان، سكن أو سُكنى(٥)، وتُكْتَم هو ما استقر عليها اسمها حين ملكها الإمام الكاظم (عليه السلام)، فلما وَلَدَت الإمام الرضا (عليه السلام) سمَّاها الطاهرة، وكانت تكنى بـ: أم البنين(٦).

وُلدت السيدة المعصومة (عليها السلام) في المدينة المنورة في غُرة شهر ذي القعدة من سنة 173 هـ.(٧).

وقد توفيت في اليوم العاشر من شهر ربيع الآخر سنة 201 هـ.، على المشهور.

وقد ترعرعت هذه السيدة الفاضلة الجليلة في بيت أبيها الإمام الكاظم (عليه السلام)، فورثت نور أهل بيت العصمة والطهارة، وأخذت من هديِّهم وعلومهم.

 

ومِنْ ألقابها (عليها السلام): “المعصومة”: وهو أشهرُ ألقابها، وأكثر ما تعرف به، وقد نُقِلَ عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنهُ قال: ( مَْن زارَ المعصومةَ بِقُم كمن زارني )(٨).

وكذلكَ تُلقبُ بـ “أخت الرضا”: ولعلَّ هذا اللقب لُقِبتْ بهِ لتعلقها بأخيها الإمام الرؤوف علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، وشوقها الكبير إليه بعد أن اِستدعاه المأمون العباسي إلى ( مرو ) بخراسان.

ومن ألقابها التي تُعرف بهِ عند الخاصة بـ “كريمة أهل البيت”: فإنَّ كرمها واضحٌ جليٌ لأتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، وهو لقبٌ منطبقٌ معناهُ ودلالته على هذه السيدة الكريمة، يقصدها الشيعة ويتوسلون بها إلى الله تعالى في قضاء حوائجهم، وتقضى حوائجهم ببركة هذه السيدة الجليلة الكريمة.

وهاهيَّ مدينةُ قم تُعرف بها، وهي مدينة للحوزة العلمية المباركة، يقصدها طُلابُ العلوم ويُهاجرون لها من أجل الدراسة الحوزوية، وحضرتها الشريفة تحتوي على قبورِ كبارٍ من مراجع الطائفة وعلمائِها الأعلام.

 

ومن الأمور التي ينبغي التأملُ فيها في شأنِ السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) ما بينته لنا روايةٌ عن الإِمام جعفر الصادق (عليه السلام) وقد بَشَرَ بحفيدتِهِ قبل ولادتها.

فقد رُويَّ عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّهُ قال:

( إنَّ لله حرماً وهو مكّة، وإنَّ للرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) حرماً وهو المدينة، وإنَّ لِأَميرِ المؤمنين (عليه السلام) حرماً وهو الكوفة، وإنَّ لنا حرماً وهو بلدة قـم، وستدفن فيها امرأةٌ من أولادي تُسمى فاطمة، فمن زارها وجبتْ لهُ الجنة )(٩).

ويستفادُ مِن هذه الرواية الشريفة أمورٌ، منها:

⁃ إخبار الإمام الصادق (عليه السلام) عن ولادة حفيدته السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام).

⁃ الإخبار عن اِسمها الشريف، فإنها سَمِيَّةُ جدتها سيدة نساء العالمين فاطمةِ الزهراء (عليها السلام).

⁃ ذِكر الإمام الصادق (عليه السلام) لِمَكان مدفن السيدة المعصومة (عليها السلام) الذي يكون في أرض “قُـم”.

⁃ “قُم” حرمٌ لِأهلِ البيت (عليهم السلام): ( وإنَّ لنا حرماً وهو بلدةُ قم ).

⁃ لقد حَثَّ الإمام (عليه السلام) على زيارة قبرِ حفيدته فاطمة، وذَكَرَ ثواب زيارتها (عليها السلام): ( فمن زارها وجبت لهُ الجنة ).

 

وأما في فضلِّ زيارتها (عليها أفضل الصلاة والسلام) فقد وردت لنا روايات عامة في شأن زيارة ذرية الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) ومما لا شكَّ فيه أنَّ السيدةَ المعصومة (عليها السلام) من ذريةِ النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، فجدتها الصديقة الزكية فاطمة الزهراء (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وذريةُ النبيِّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) مِنَ السيدةِ الزهراء فاطمة (عليها السلام)، فقد روي عَنْ الإِمام محمدٍ بن عليٍ بن الحُسينِ (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم):

(( مَنْ زارني أو زارَ أحداً من ذُريتي زرتُهُ يومَ القِيَامةِ، فأنقذتُهُ من أهوالها ))(١٠).

فالسيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) هيَّ من ذرية النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم).

 

وأما الروايات الخاصة في خصوص زيارتها (عليها السلام) فثلاثةٌ مِن الأئمة المعصومين، الصادق، والرضا، والجواد (عليهم السلام) بشروا زوارها بالجنّة:

 

⁃ عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّهُ قال:

( إنَّ لله حرماً وهو مكّة، وإنَّ للرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) حرماً وهو المدينة، وإنَّ لِأَميرِ المؤمنين (عليه السلام) حرماً وهو الكوفة، وإنَّ لنا حرماً وهو بلدة قـم، وستدفن فيها امرأةٌ من أولادي تُسمى فاطمة، فمن زارها وجبتْ لهُ الجنة )(١١).

⁃ عن سعد بن سعد، قال: سألتُ أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن زيارة فاطمة بنت موسى الكاظم (عليه السلام)، فقال: ( مَنْ زارها فلهُ الجنة )(١٢).

⁃ عن الإمام محمد الجواد (عليه السلام) أنه قال: ( مَنْ زارَ عمّتي بقم فله الجنة )(١٣).

 

ومِما بَشرنا به أئِمةُ الدين والهدى (عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام) نعرفُ بعضاً مِن مقامات هذه السيدة الجليلة الكريمة، وقدرها عند الله تبارك وتعالى، وكفى بذلك ما ذكره الأئمة من العطاء والثواب العظيم، “الجنّة” لزائِر السيدة فاطمة المعصومة بنت الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليهما السلام).

 

اللهم ارزقنا في الدُنيا زيارتها، وفي الآخرة شفاعتها.

 

والحمدلله ربِّ العالمين، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

 

خادم الآل

الميرزا زهير الخال

الجمعة 10 ربيع الآخر لسنة 1439هـ.

يوم ذكرى رحيل السيدة المعصومة (عليها السلام)

النجف الأشرف

 

 

1. كامل الزيارات، ص324، ح2.

2. مصباح الزائر، ص382.

3. كشف الغمة، ج3، ص111.

4. دلائل الإمامة، ص309.

5. عيون أخبار الرضا، ج1، ص15.

6. المصدر السابق،ص 14 – 17.

7. مستدرك سفينة البحار، ج8، ص257.

8. ناسخ التواريخ، ج7، ص337.

9. ترجمة تاريخ قم، ص215.، وعنه في بحار الأنوار، ج57، ص216، ح41.

10. كامل الزيارات، ص41، ح4.

11. ترجمة تاريخ قم، ص215.، وعنه في بحار الأنوار، ج57، ص216، ح41.

12. كامل الزيارات، ص324، ح1.

13. كامل الزيارات، ص324، ح2.

بين ” حُسن الخُلق ” و ” سُوء الخُلق “..

بسم الله الرحمن الرحيم

 

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

والحمدلله رب العالمين، وصلى الله على نبيه المصطفى الأمين محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله) وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ..

 

روى الشيخ الكليني (رضوان الله عليه) في كتابه الكافي، عن الإمام الصادق (عليه أفضل الصلاة والسلام) أنهُ قال:

(( مَنْ ساءَ خُلقه عَذّبَ نفسه )).(١)

 

تُعتبرُ الأخلاق مفتاحاً لصلاحِ الإنسان، وباباً كبيراً يمكن للإنسان المسلم أن يرتقي لدرجات الكمال الرفيعة من خِلالها.

وإن مِن طبيعة الإنسان أن يرتبط بالمجتمع، ويقضي عهد حياته مع الآخرين، فيكون المجتمع مِن ضروريات نظامه الوجودي، فلهذا لا يستطيعُ الإنسان أن يقطع أواصر الإرتباط بأبناء جنسه ويعتزلهم عزلة تامة، فلو اعتزلهم دخلَّ في ظلامِ الوحشة والوحدة التي تجعل وجه الحياة عليهِ عبوساً قمطريراً، وتكون روحهُ في حالةٍ من الإحتباس والضِيق الشديد، ويعيشُ غريباً عن مجتمعه.

 

ومن هنا نقول: إن العامل الذي يقوي الإنسان في ارتباطه بالمجتمع والناس وتكوين الناس معه علاقة الصداقة والمحبة والمودة، هو عامل ” الأخلاق الحسنة “.

 

ولهذا نجدُ أنَّ القُرآن الكريم والروايات الشريفة قد أكدت على أهمية الأخلاق الحسنة.

وقد اهتمّ القرآن الكريم بمكارم الأخلاق وذمّ مساوئها، ولعل من أوضح الآيات الشريفة التي تؤكد على أهمية حُسن الأخلاق وخطورة الأخلاق السيئة، قول الله تبارك وتعالى: ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ).(٢)

والفظّ هو: الغليظُ الجانب السيّئ الخُلُق، والآيةُ مقصودها أن من أهداف البعثة النبوية أن يبلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تكاليفَ الله إلى خلقه، ولا يتمُ الهدف والغرض إلا إذا مالت قلوب الخَلقِ لرسول الله، وسكنت نفوسهم لديه، ولا يكون ميلان القلب وسكون النفس إلا إذا كان رحيماً كريماً، ولهذه الأسباب وَجَبَ أن يكون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مبرأً عن سُوء الخُلُق، ولذا لو كان غليظ القلب لما مالت له القلوب وسكنت له النفوس، وأخذت منه واتبعته، ولو انفضوا من حوله لفات وانتفى الهدف والغاية من البعثة والرسالة.

ولذا أكد القرآن الكريم على الخُلُق العظيم الذي يمتلكه النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث قال الله سبحانه: ( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ).(٣).

 

ونجد مجموعة من الروايات الشريفة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذكرت وبينت هدف البعثة النبوية على إِتمام مكارم الأخلاق، من خلال ألسنة متعددة وبيانات مختلفة، فقد ورد عنه أنهُ قال:

( إنما بعثت لأتمّمَ مكارم الأخلاق )

وفي رواية:

( إنما بعثت لأُتمّمَ صالح الأخلاق )

وفي رواية أخرى:

( إنّ بعثتي بتمام مكارم الأخلاق وكمال محاسن الأفعال ). (٤).

 

فإذا اتضحت لنا أهميةُ ” حُسن الخُلق “، فتتضح لنا الخطورة الكبيرة في ” سُوء الخُلُق “.

فإن سوء الخُلق يبعدُ الإِنسان عن الخالقِ والمخلُوق، وهذا ما رويَّ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) أنَّهُ قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ( أبى الله عزَّ وجلَّ لصاحب الخُلق السيء بالتوبة، قيل: وكيف ذاك يا رسول الله ؟ فقال: لأنه إذا تاب مِن ذَنبٍ وقعَ في ذنبٍ أعظم منهُ ).(٥)، فسوء الأخلاق ذنبٌ يُبَعد الإنسان عن التقرب إلى الله تبارك وتعالى، ويجعل الإنسان غير مقبول ومرغوب به عند الناس، فيبتعد عن الخالق والمخلوق لسوء خُلقه. ولذا يعيش سيء الأخلاق عذاباً نفسياً دائماً تَسَببهُ لِنفسهِ بِسَبَب اِرتكابه للرذائل الأخلاقية وتعامله مع مجتمعه بالأخلاق السيئة، وهذا ما وضحته الرواية التي صدرتُ بها هذا المقال، عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنهُ قال: (( مَنْ ساءَ خُلقه عَذّبَ نفسه )).

 

فلذا على الإنسان المسلم أن يتجنب ” سوء الخُلق “، وأن يسعى لفلاحه ونجاحه في التحلي بـ ” مكارم الأخلاق “، وأن يزكي نفسه فقد قال اللهُ تعالى: ( أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ).(٦)، وعليه أن يتحلى بالأخلاق الحسنة فإنها أفضل صفات الأولياء، وهي طريق التقرب إلى الله سبحانه وتعالى وإلى رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأوليائِه الصالحين، فقد رويَّ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنَّهُ قال: ( إنّ أحبّكُم إليَّ وأقربكُم منّي يوم القِيامةِ مجلساً أحسنُكم خُلقاً ).(٧).

 

والحمدلله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

 

خادم الآل

الميرزا زهير الخال

الأربعاء 8 ربيع الآخر 1439هـ.

النجف الأشرف

 

1. الكافي، ج2، ص242، ح4.

2. سورة آل عمران، آية 159.

3. سورة القلم، آية 4.

4. مستدرك الوسائل، ج11، ص187.

5. الكافي، ج2، ص242، ح2.

6. سورة الشمس، آية 9، 10.

7. الكافي، ج2، ص81، ح1، باب حُسن الخلق.

النصيحةُ مِن محاسنِ الأخلاق

رواية ودرس 26
بسم الله الرحمن الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

والحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوثِ رحمةً للعالمين النبي الأمين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين..

في الرواية عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

(( لينصح الرجل منكم أخاه كنصيحته لنفسه )).

الكافي ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب نصيحة المؤمن، ص208، ح4.

مِنَ القِيَمِ الأخلاقيةِ في الإسلامِ الحنيف، التي تُبينُ العلاقة السليمةَ بين المُسلِم وأخيه المسلم، وتجعلُ الترابُط الأخوي في أروعِ صورهِ، بين المؤمن وأخيه المؤمن كما عبر القرآن الكريم في وصف العلاقة بين المؤمنين بعضهم ببعض قوله عزَّ وجلَّ: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) سورة الحجرات، آية 10.

وهذا تعبيرٌ في غاية الدقة لتبيانِ قُوة الأواصر الأخوية بين المؤمنين.

وقد بينَ الإسلامُ المباركُ شروطَ هذه الأخوة وأبعادها وما يترتبُ مِنَ الحقوقِ على الأخِ تجاه أخيه.

ومِن تِلكَ القيمِ الإسلامية المباركة التي أكدتْ عليها رواياتُ المعصومين مِن آلِ محمدٍ (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ) في العلاقةِ الأخوية، موضوع بالغُ الأهمية في الترابط الأخوي، ألا وهو: ( النصيحة ).

والنصيحة من أهم مقومات المودةِ وأعظم لوازم المحبة، ولا تَتِمُ الأُخوةُ ما لم تكن النصيحةُ رائدها وباعثها.

وإنها لَتُعتَبرُ مِن أفضلِ الأعمالِ كما في الرواية عن سفيان ابن عيينة قال: سمعتُ أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: (( عليكم بالنصح لله في خلقه فلن تلقاه بعملٍ أفضل منه )). الكافي ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب نصيحة المؤمن، ص208، ح6.
النَصِيحة في اللُغة:

نَصَحَ: نصح الشيء، خَلَصَ، ونصحه ونَصحَ له يَنصح، قال الله سبحانه: ( وَأَنصَحُ لَكُمْ ) سورة الأعراف، آية 62.، يعني الخلوص والغلو عن الغش وعن الشيء الدخيل.

والناصح: الخالص من العسل وغيره، وقال الأصمعي: الناصحُ الخالي مِنَ الغِلِ، وكل شيء خلص فقد نصح.

والناصح في دين الله هو الذي يؤلف بين عباد الله وما فيه سعادتهم. لسان العرب ج5، ص615.
النصيحة في الإصطلاح:

النَصِيحةُ كلمةٌ جامعة يعبر بها عن جملة: وهي إرادة الخير من الناصح للمنصوح له.

وكل تعاريفِ النصيحة تدورُ حولَ المصلحةِ أو الخيرِ أو الصلاح أو العناية للمنصوحِ لهُ.

فالنصيحة هي أن يحمل الإنسان في قلبِهِ وعقلهِ ولسانهِ الخيرَ لجميعِ الناس، فَيُحبُ لأخيهِ ما يُحِبُ لنفسه، وهذا ما أكدتهُ الرِوايةُ التي صدرنا بها هذا المقال عن رسول الله (ص): ( لينصح الرجل منكم أخاه كنصيحته لنفسه ).، فالنبيُ العظيم يؤكدُ على أهميةِ النصيحة لأخيكَ كما تنصحُ نفسك بِفعلِ العملِ الصالحِ وتَجَنُب العمل الفاسِد.
النصيحةُ في الأدلةِ الشرعية:

أولاً: في القرآن الكريم:
1. ( أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) سورة الأعراف، آية 62.

لقد أدى النبي نوح (عليه السلام) تبليغ رسالة الله سبحانهُ وتعالى إلى قومه ونصحهم ( وأنصحُ لكم ) فَنَصحَ في تبليغ الرسالة على أكمل وجهها.
2. ( وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ) سورة الأعراف، آية 21.

والمقاسَمةُ لا تكون إلا بين اثنين، والقسم كان من إِبليس لا مِن آدم فهو من باب عافاه الله والمعنى ( وقاسمهما ) أي حلفَ لهما بالله حتى خدعهما وقال: ( إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ) أي المخلصين النصيحة في دعائكما إلى التناول من هذه الشجرة، وظن آدم وحواء لا يقدر على اليمين بالله تعالى إلا صادقاً فدعاهما ذلك إلى تناول الشجرة. مجمع البيان ج3، ص30.
ثانياً: في الأحاديث الشريفة:
1. عن السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (( إنَّ أعظم الناس منزلة عند الله يوم القيامة أمشاهم في أرضه بالنصيحة لخلقه )). الكافي ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب نصيحة المؤمن، ص208، ح5.

فالنصيحة من محامد الأخلاق ومحاسن الصفات التي يتحلى بها الإنسان، فلذا حث الإسلامُ لها.

والمشي في الحديث الشريف إما المشي حقيقة أو كناية عن شدّة الإهتمام.
2. عن عيسى بن أبي منصور عن أبي عبدالله (عليه السلام): (( يجب للمؤمن على المؤمن أن يناصحه )). الكافي ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب نصيحة المؤمن، ص208، ح1.

فالرواية تعتبرُ أن النصيحة للأخ المؤمن حقٌ مِن حقوقه، فعلى المؤمن إرشاد أخيه إلى مصالح دِينه ودُنياه وآخرته، بأمرِهِ بالمعروفِ ونَهيهِ عن المنكر.
3. خبر تميم الداري قال: قال رسولُ الله ( صلى الله عليه وآله ) ثلاثاً: (( الدين النصيحة، قيل لمن يا رسول الله ؟ قال: لله ولرسوله ولأئمةِ الدين ولجماعة المسلمين )). وسائل الشيعة، ج11، ص595، باب 35 من أبواب فعل المعروف، الحديث 7.

وقد ذكرَ علماءُ الحديثِ بأنَّ هذا الحديث لهُ شأنٌ عظيمٌ وعليهِ مَدارُ الإسلام، قال أبو داود: ( إن هذا الحديث أحد الأحاديث التي يدور عليها الفقه ). جامع العلوم والحكم ج1، ص76.
شروط النصيحة:

وللنصيحةِ شروط معينةٌ نذكر بعضها بإختصار:
1. الإخلاص في النصيحة وابتغاء وجه الله سبحانه.
2. أن تكون النصيحة لِحاجةٍ ماسةٍ لحفظ مقاصد الشريعة من الدين والنفس والعقل والعِرض والمال.
3. أن تقتصر النصيحة على المقدار اللازم منها، فيذكر الناصح ما يخص الأمر الذي فيه النصح ولا يتجاوزه.
شروط الناصح:

كذلك لابُد أن تتوفر في الناصح أمورٌ عدة، نذكر بعضها بإختصار:
1. أن يكون مُطَبقاً لما ينصح، لقوله تعالى: ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) سورة البقرة، آية 44.
2. أن ينصحَّ بالكلمة الحسنة الطيبة السديدة، لقوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ) سورة الأحزاب، آية 70.
3. أن ينصح المؤمن أخاه المؤمنَ سراً، فلا تكون النصيحةُ على رؤوس الأشهاد، فقد رويَّ عن الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ): (( من وعظ أخاه سِراً فقد زانه، ومن وعظه علانيةً فقد شانه )). بحار الأنوار ج75، ص374، ح33.
وهنا سؤال:

هل يمكن للإنسانِ في هذا الزمان أن يتوقف عن مبدأ النصيحة من المؤمن لأخيه الذي طالبتنا بها النصوص القرآنية والنصوص الروائية بِسَبَبِ التغيرات النفسية والإجتماعية في عدمِ تقبلِ النصيحةِ من الآخر ؟، وبسب خوف عدم رضا الآخر النصيحة من أخيه المؤمن ؟.
الجواب: لا يمكن بأي حالٍ تركُ النصيحةِ والتناصح، لما أَورَدْنا من النصوصِ في الحثِ على النصح. فقد ورد في الحديث النبوي ( الدين النصيحه )، ولا شك أن ترك النصيحة نوعٌ من الخيانة، لرواية علي بن عقبة عن أبي عبدالله (عليه السلام): (( إن المؤمن أخو المؤمن عينه ودليله لا يخونه )). الوافي ج3، ص101، باب أخوة المؤمنين.

وورد من طرق أهل البيت (عليهم السلام)، عن هاشم بن سالم عن أبي عبدالله (عليه السلام): ( ليس منا من غشنا ) الكافي ج5، ص160، باب الغش.، ولا شك أنَّ متاركة النصيحة نوع من الغش.

وعلى هذا الأَساس لا يصلح عدمُ قبولِ الآخر أو تَحَسُسُهُ النفسي مِنَ النصيحةِ عُذراً لِتركِ النُصح الذي هو دين وله تأثير حاسم في الإصلاحِ والصلاح.

هذا مضافاً إلى أنهُ يمكن سلوك عدة خطوات لخلقِ أَرضية قبول النصيحة وهي كالتالي:
1. بيان حث الدِين على تبادُلِ النصيحةِ، وما فيها مِن ثمارٍ للمنصوح، إذ ورد مِن حديثِ الإمام الصادق (عليه السلام): ( ثمَّ تشاور الناس فإنَّ الله يُجري لك الخيرة على لسان مَن أحب ). مكارم الأخلاق للطبرسي ص407.
2. الرفق واللين في النصيحة واظهارها بالشفقةِ فهذا اِسلوبٌ يدعو للقبول.

فقد ورد عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) في رسالة الحقوق: ( 41: وأما حقُ المستنصح فإن حقهُ أن تؤدي إليه النصيحة على الحق الذي ترى له أن يحمل، ويخرج المخرج الذي يلين على مسامعه وتكلمه من الكلام بما يطيقه عقله، فإن لكل عقا طيقة من الكلام، يعرفه ويجيبه وليكن مذهبك الرحمة له ولا قوة إلا بالله ).
3. في حالات عديدة يمكن التوسل لتأثير النصيحة بتبديل قالبها، من قالبٍ وعظي تقريعي إلى قالبٍ علمي ومعلوماتي، بأن يتقمص الناصحُ اسلوب الطبيبِ في وصفِ الدواء للمريض ببيانِ آثارِ تناول الدواء وآثار عدم تناوله.
ولا يتحسسُ عادةً أيُ إنسانٍ إِذا ما طرحتَ لهُ النصيحةَ والتصويب بإسلوبٍ علمي بعيداً عن الخطابِ الشخصي.

بل لعل أفضل دواعي تحريك الإنسان هو اسلوب البيانِ العلمي للأُمور. ولذا قيل: ( إن الإِنسانَ موجودٌ علمي ).

أي: لا ينبعثُ إلا بِعلمٍ وفكرةٍ حتى ولو كانت خطأً،

ولتكن النصيحة ببيانِ أوصافِ وتداعياتِ

وتأثيراتِ الاُمور والتوجهاتِ، فهذا أبلغُ في تقبلِ النصيحة.
والحمدللهِ رب العالمين، وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين.
خادم الآل

الميرزا زهير الخال

الأحد 27 جمادى الآخرة ١٤٣٨ هـ.

النجف الأشرف

احفظ لسانـك

رواية ودرس 24

بسم الله الرحمن الرحيم

 

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]
من وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأميرالمؤمنين (عليه السلام): ( يا علي من خاف الناس لسانه فهو من أهل النار ). سفينة البحار ج7 ص589.
لقد أنعمَ الله سبحانهُ وتعالى على الإنسانِ نِعَماً كثيرة لا تُعَدّ ولا تُحصى، كما قال الله في كتابه المجيد: ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ) سورة النحل، آية 18.

ومِن تِلكَ النِعَم والعطايا الإلهية التي أنعمَ اللهُ بها على عباده هي نعمة: “اللسـان”، كما قال الله تعالى: { أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ } سورة البلد آية 8-9. ، تلك الآلة المسؤولة عن النطق والإفصاح لدى الإنسان التي يعبر بها عما في نفسه لإفهام من يتحدث معه، ويُبَين بها ما يريدُ ويحتاج.

عطيةٌ إلهيةٌ للعِبَاد كي تُسْتَخدم في طريقِ الصلاح والصواب، وقد أوجدها الله لمصلحةِ هذا الإنسان.

وهذا اللـسان هو الوسيلة الأمثل للتعبير عما في داخله وفي مكنون نفسِه، فقد رويَّ عن أميرالمؤمنين (عليه السلام): ( تكلَّموا تُعرفوا فإن المرء مخبُوءٌ تحت لِسانِهِ ). عيون الحكم والمواعظ ص١٦٥.
ولقد اِهْتَمَ الإسلامُ الحنيف بعفةِ اللسان وطهره وإبعادِه عن القولِ القبيحِ وسيئ الألفاظ. فقال سبحانه: { وقولوا للناسِ حسنا } سورة البقرة، آية 83.، وأحاط اللسان بملكين كريمين يكتبان كل ما ينطق به الإنسان، رقابةٌ إلهية: { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق، آية 18.، فعلى المؤمِن الذي يخشى الله ألاَّ ينطق إلا بما يسرُّه أن يَلقَاه يوم القيامة، وأن يُعَوِّد لسانه قول الخير، فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا ﴾ سورة الأحزاب، آية70.
فإذا قُلنا أن اللسان هو الآلة المسؤولة عن النطق والإفصاح بما في داخل الإنسان، فإن الإنسانَ قادرٌ على استخدامها كيفما شاء، فيمكِنُهُ أن ينطق بما هو خيرٌ وحَسن، ويمكِنُهُ أن ينطق بما هو سوءٌ وفُحش، فاللسانُ سلاحٌ ذو حدين.

فإن للسان محاسنٌ وكذلك لهُ آفات:
بعض من محاسن اللسان:
– ذكرُ الله تبارك وتعالى: من أكبر العبادات وأفضل الحسنات، التي إذا نطقها الإنسان عادت لهُ بالعوائد الطيبة المباركة، وكفانا بذلك قوله تعالى: { الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } سورة الرعد، آية 28.
– الكلمة الطيبة: القول الطيب الذي يبثُهُ الإنسان، ويتبادل به بين إخوانه، الذي من محاسنها بناءُ مجتمع متحاب يقوم على المودة والمحبة مع سائر أطيافه، فتؤتي الكلمة الطيبة أُكُلَهَا كل حين، قوله عز وجل: {

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ }. سورة ابراهيم، آية 24.
– الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: من أهم الأدوار التي تقع على عاتق الفرد من أجل اصلاح المجتمع، هو فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واللسان هو أحد أدوات هذه الفريضة، كما جاء في الحديث النبوي الشريف عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): ( مَنْ رأى مِنكم مُنكراً فليُغيرهُ بيدِه، فإن لم يستطع فَبِلِسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعفُ الإيمان ). ميزان الحكمة ج6، ص286.
بعض من آفات اللسان:
– الفحش: وهو التعبير عن الأمور المستقبحة بالعبارة الصريحة، وهذه من آفات اللسان، التي يدعو لتركها منهج أهل بيت العصمة والطهارة (عليهم السلام)، كما جاء عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام): ( إنَ الله يبغضُ الفاحش المتفحش ). الكافي ج2، ص324.
– الغيبة: من الذنوب المنتشرة في مجتمعاتنا، والتي أصبحت لها السيادة في المجالس والديوانيات، (ذَنبٌ أشدُ مِن الزنى) وسائل الشيعة: 13 / 280.، والعياذُ بالله، وهو ” الغِيبة ” ومعناها: ( أن يتكلم الإنسان خلف إنسان مستور بما يغمه لو سمعه، فإن كان صِدقاً سمي غيبة، وإن كان كذباً سمي بهتاناً ). وقد صرَّح الله تعالى في كتابه عن حرمة الغيبة وذمها: { ولا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ } سورة الحجرات، آية12.
– التنابز بالألقاب: وهو كما ورد في كتاب الصحاح في اللغة ج2، ص189: ( النَبَزُ بالتحريك: اللقَب، والجمع الأنْبَازُ.. تقول: نَبزَهُ يَنْبِزُهُ نَبْزاً، أي لقَّبه. وتَنابَزوا بالألقاب، أي لقَّبَ بعضهم بعضاً ).، وقال الشيخ النمازي: ( والتلقّب المنهي هو ما يكون فيه الذّم والنقص، وأما ما يحبّه ويزيّنه فلا بأس ). مستدرك سفينة البحار ج9، ص530.، وهو من آفات اللسان التي نهى الإسلامُ عنها، وعاقبةٌ مرتكبها أن يكون مع الظالمين، قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }. سورة الحجرات، آية 11.
والأمثلة كثيرةٌ في كِلا القسمين: المحاسن والآفات.
فإن الإنسان إذا أراد أن يبلغ إلى رِضا الله سبحانه وتعالى، ويرجو نجاة نفسه، سيصون لسانه عن الرذائل بشتى أنواعها ويترفع عنها كـالكذب والخوض في الباطل، وبالتالي سوف يبتغي أن يحصل على المحاسن والفضائل بشتى أنواعها الحسنة كـالصدق، فقد ورد في القرآن الكريم في دعاء نبي الله إبراهيم (عليه السلام): { وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ } سورة الشعراء، آية84.
إنَّ للسانِ دور كبير في نجاة الإنسان، فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ( نجاة المؤمن في حفظ لسانه ). الكافي ج2، ص114.، ولأن (أكثر خطايا ابن آدم في لسانه)، كما في الحديث النبوي الشريف. مجموعة ورام ج1، ص4.

فينبغي على العاقل أن يحفظ لسانه ويتخير ألفاظه حتى لا يقع في المهالك.
في الرواية الشريفة: ( جاءَ رجلٌ إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول الله أوصني، قال: احفظ لسانـك، قال: يا رسول الله أوصني، قال: احفظ لسانـك، قال: يا رسول الله أوصني، قال: احفظ لسانـك ويحك وهل يُكبُ الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم ).

الكافي ج2، ص115.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين .
خادم الآل

الميرزا زهير الخال

النجف الأشرف

الصدقةُ تكافلٌ اجتماعي

رواية ودرس 25

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]
روي عن أميرالمؤمنين (عليه أفضل الصلاة والسلام):

( الصدقة جنـةٌ مِـن النـار ).

وسائِل الشيعة ج9، ص371.
لقد ركزَ الإِسلامُ المُبارك على عملِ الخير والفضائل والقيم الأخلاقية التي لابُد للإنسانِ المُسلم أن يتحلى بها، ويجعلها نصبَ عينيه.
ومِنَ صفاتِ وخصائِص المُجتمعِ الإسلامي ومِنَ القِيَّمِ التي دَعـا الإسلام لهـا ( التراحِم والتَواصل والبِر والترابط الإنساني والأخوي )، فَلِذا مِن رَوائِعِ المجتمع الإسلامي أنـهُ ( مجتمعٌ تكافُلي ).
لِذا وضعَّ الإسلامُ نِظاماً فريداً للعِلاقاتِ الإنسانية والروابِطِ الأَخوية ومِن ثوابتِهِ وأُسُسِهِ الحَكِيمة أنْ جَعَلَ فضائِل الأعمال ومكارم الأخلاق هي المُرتكز الذي على أَسَاسِه تَقومُ دعائِم بناء المُجتمعِ الإِسلامي.
ومِنْ تِلكَ الأعمال والفَضائِل التي يَتَقَربُ بها الإِنسان إلى الله سبحانَهُ وتعالى، وهي تبني مجتمعاً متكافلاً صالحاً مترابطاً هي : ( الصـدقة ).

وَتُعَرَّف الصَدَقة على أنها كُل ما يتم اعطاؤُه للمحتاجين مِن أجلِ التَقرُب لله عز وجل وطَلَباً لِرِضاه وثوابـه.
وَقَد حَثَّ اللهُ تبارَك وتعالى عِبَادَه على البَذلِ والإِنفاق في سبيلِهِ، والإِنفاق محمودٌ بكُلِ أشكالِه في قولِهِ تعالى: { الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } سورة البقرة، آية 274.، وهذه الطُرق المُختلفة يتم سلك أحدٍ منها بِمُراعاةِ الشرائِطِ الأفضل للإِنفاق، فالمُنفق عليهِ أن يُراعي الجوانبِ الأخلاقية والإجتماعية في انفاقِهِ الليلي أو النهاري، العلني أو السري.

فإِذا لا يكون هناك ثمة مبرر لإظهار الإنفاق على المحتاجين فينبَغي أن يكون في الخفاءِ لحفظِ كرامتهم وتركيزاً لإِخلاصِ النية، وإما إذا تطلبت المصلحةُ اعلان الإنفاقِ واِظهاره كـتعظِيم الشعائِر الدينية والترغيب والحث على الإنفاق شريطَةَ أن لا يُؤدي ذلك إلى هتك حُرمةِ أحدٍ مِن المُؤمنين فَليُعْلِن.
وقد وَرَدَتْ روايات تُؤكد على فضل صدقةِ السِر، ففي الحديثِ النبوي الشريف عنه (صلى الله عليهِ وآله): ( صدَقةُ السِر تُطفئ غَضَبَ الرب ). الكافي ج4، ص7.، وعن عمار الساباطي قال: قال لي أبو عبدالله (عليهِ السلام): ( يا عمار الصدقةُ واللهِ في السِرِ أفضلُ مِن الصدقة في العلانية وكذلك واللهِ العبادة في السِر أفضلُ منها في العلانية ). الكافي ج4، ص8.، وهذا ما ذكرهُ الله سبحانهُ في كتابه المجيد: ( وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) سورة البقرة، آية271.

وقَد أكدَ الفُقهاءُ على أن صدقةَ السِر أفضل إذا كانت مندوبة أي: مستحبة، أما إذا كانت واجبة فالأفضلُ اظهارها لما رواه في الغوالي عن ابن عباس عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): ( إن صدقة السِر في التَطوعِ تفضل علانيتها بسبعين ضعفاً، وصدقةُ الفريضةِ علانيتها أفضلُ مِن سِرِها بخمسة وعشرين ضعفاً ). مستدرك الوسائِل الباب 11 من أبواب الصدقة حديث 13.، وَلِخَبرِ أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام): ( كلما فرضَ اللهُ عليكَ علانيته فإعلانه أفضل من اسراره، وكلما كانَّ تطوعاً فإسرارُهُ أفضل من اعلانِه ). الوسائِل الباب 54 مِن أبواب مستحقي الزكاة حديث 1.

وقَد ذَكَرَ الشهيد الأول الشيخ محمد بن جمال العاملي في كتابه اللمعة الدمشقية: ( وصدقة السِر أفضل إلا أن يُتهم بالتَرك ) الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ج3، ص192.

فإذا خافَ الإنسانُ أن يتهم بتركِ الصدقة المُستحبة فالأفضل له اظهارها وكذلك الأفضل اظهارها إذا قصدَ بهِ متابعة الناس لهُ فيها، لما في الاظهارِ من التحريض على نفع الفقراء.
ولِذا حثت الروايات الشريفة على فضل الصدقة وبينت لنا آثار الصدقة، ومنها:
١- تطفئ حر القبور: في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ( إن الصدقة لتطفئ عن أهلها حر القبور، وإنما يستظل المُؤمن يومَ القِيامة في ظل صدقته ). كنز العمال 15996.
٢- تدفع ميتة السوء: في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ( الصدقةُ تدفعُ ميتةَ السُوء ). الكافي ج4، ص2.
٣- تدفع البلاء: في الحديثِ عَن رسولِ الله (صلى الله عليه وآله): ( بكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطاها ). الكافي ج4، ص6.

وفي الرواية عن أبي عبدالله (عليه السلام): ( مَن تَصَدَقَ بِصَدَقةٍ حين يصبح أذهَبَ اللهُ عنهُ نحس ذاك اليوم ). الكافي ج4، ص6.
٤- تزيد في المال: في الرواية عن السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ( تصدقوا فإن الصدقة تزيد في المال كثرة، فتصدقوا رحمكم الله ). الوسائِل الباب 1 من أبواب الصدقة الحديث 8.
٥- دواءٌ للمريض: في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ( داووا مرضاكم بالصدقة ). الوسائِل الباب 1 من أبواب الصدقة الحديث 18.
٦- تكسر ظهر الشيطان: في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ( الصدقةُ تكسِرُ ظهرَ الشيطان ). بحار الأنوار ج60، ص264.
وللصدقةِ آثارٌ كثيرة ذكرتها الروايات الشريفة عن أهل بيت العصمة والطهارة (عليهم أفضلُ الصلاةِ والسَلام)، وما ذكرناهُ هنا هو بعضٌ منها.
والحمدللهِ رب العالمين، وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين .
خادم الآل

الميرزا زهير الخال

النجف الأشرف

بين الأناة والعجلة

رواية ودرس 23

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]
روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

{ الأنـاةُ من الله والعجلـة من الشيطان }.

المحاسن ج1، ص 215.
– من الوصايا المباركة لأهل بيت العصمة والطهارة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) الدعوة منهم (عليهم السلام) للإنسان المؤمن في التثبت من الأمور والتأني والتمهل في الإقدام على أي أمر يريد أن يدخل فيه.

– وهي رسالةٌ تدعو الإنسان للتريث والتأمل حينما يريد أن يُنتج عملاً موفقاً أو أن يحصل على نتيجةٍ جيدة من عمله، فعليه أن يكون على علمٍ بحيثيات الأمر الذي يريده، وإلا إذا كان عجولاً في أمره قد يلتبس عليه.

ومن روائع حِكَم سيدنا ومولانا الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): { من هَجَمَ على أمرٍ بغير علمٍ جَـدعَ أنفَ نفسه }. بحار الأنوار ج57، ص269. أي: قَطَعَ أنفه.

وعلى الإنسان كذلك أن يكون عارفاً بالأمر الذي يقدم عليه، فالمعرفةُ في كل الأمور قبل الإقدام أمرٌ مطلوب، وقد حثَّ عليه أميرالمؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه أفضل الصلاة والسلام) في وصاياه إلى الصحابي الجليل كميل بن زياد النخعي اليماني (رضوان الله تعالى عليه) فيما روي عنه (عليه السلام): { يا كُمَيل، ما مِن حركةٍ إلاّ وأنت محتاجٌ فيها إلى معرفة }. تحف العقول ص118.

والتثبت في الأمور تكون فيه السلامة للإنسان، كما روى أبان بن تغلب قال: سمعتُ أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول: { مع التثبت تكون السلامة، ومع العجلة تكون الندامة، ومن ابتدا بعملٍ في غير وقته كان بلوغه في غير حينه }. الخصال ج1، ص169.

– فالعجلةُ التي هي من التسرع والإندفاع، من غير تريث وتثبت وتأني، قد ورد ذمها في الروايات الشريفة عن النبي وأهل بيته ( عليهم السلام )، فقد رويّ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): { إنما أهلكَ الناس العجلة ولو أن الناس تثبتوا لم يهلك أحد }. المحاسن ج1، ص215.
– وهنا تنبيه:

إنَّ دعوة أهل البيت (عليهم السلام) إلى التثبت والتريث والأناة والتأمل هي أمور مستحسنةٌ حينما يكون الإنسان متردداً وشاكاً في ذلك العمل.

أما ما كانَّ الخيرُ فيه معلوماً فهو ليس مورد شك أوتردد فلا دعوةَ فيهِ للتأني والتريث، ويكون هذا غير مخالف للدعوات القرآنية والروائية التي تدعو الإنسان إلى الإسراع والمبادرة في عمل الخير، لأن الأمر الذي يكون خيرهُ معلومٌ وثابت فالمسارعة فيه مطلوبة ومحمودةٌ وحسنة كـ:

– أداء الحج للمستطيع، فعليهِ أن لا يسوف ويتأخر عن أداء هذا الفرض الواجب.

– وأداء الصلاة في أول وقتها وقضائها عند الفرصة.

– وأداء دَين الناس، فالإسراع فيه ما تقتضيه المصلحة العامة.

– وإطعام الضيف، فقد ورد الحث عليه لما فيه من مردود خيرٍ وثواب جزيل.

– وإتيان كل عمل خير يُوجِبُ التقربَ إلى الله تبارك وتعالى.

والأدلة على ذلك في القرآن الكريم والروايات الشريفة كثيرة، ومنه قول الله تبارك وتعالى: { فَاستَبِقُوا الخيرات } سورة البقرة، آية 148.، وكذلك قوله عز وجل: { وَسَارعوا إلى مغفرةٍ من ربِكُم } سورة آل عمران، آية 133.، فالإنسان يبادر ويسارع إلى كل فعلٍ وعملٍ من شأنه رضا الله سبحانه وتعالى، وأن يتجنب كل فعل من شأنه سخط الله سبحانه وغضبه.
والروايات في هذا المجال كثيرة، فمن روائع ما روي من حِكم سيد البلغاء والمتكلمين أميرالمؤمنين (عليه السلام): { والفرصة تمرُّ مرَّ السحاب فانتهزوا فرص الخير }. نهج البلاغة، ج4، ص 6، رقم 21.

وكذلك ما ورد في وصية رائعة من النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أبي ذر الغفاري قال له فيها: { يا أبا ذر ! اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك }. بحار الأنوار، ج 74، ص 75.
– وهنا نقول: إن التثبت والأناة هي في الأمور التي يشك الإنسان فيها أو يتردد، وأما ما هو معلوم الخير والبركة فالمسارعة والمبادرة فيه مطلوبة.
والحمدلله رب العالمين.
خادم الآل

الميرزا زهير الخال

السبت الأول من ربيع الآخر ١٤٣٨ هـ.

النجف الأشرف

ميزان الابتلاء

رواية ودرس 22

بسم الله الرحمن الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]
روي عن الإمام جعفر الصادق (عليه أفضل الصلاة والسلام): ( إنما المؤمن بمنزلة كفة الميزان كلما زيد في إيمانه زيد في بلائه ). الكافي ج2، ص254.
من السنن الإلهية في الأرض هي سُنة البلاء والإبتلاء، وهذا شأن الحياة الدنيا التي خلق فيها الإنسان، فلا بُد أن يتعرض الإنسان في دار الدنيا إلى البلاء والإبتلاء، ولقد تعرضت المجتمعات البشرية عبر مراحل التاريخ إلى هذه السنة الإلهية، والشواهد على ذلك عديدة.
– البلاء في اللغة: هو الإختبار والإمتحان، وتأتي الفتنة بمعنى الإبتلاء كما ذكره صاحب مجمع البحرين: قوله تعالى: ( واتقوا فتنةً ) سورة الأنفال، آية 25، أي: ( بليةً وقيل ذنباً وقيل عذاباً ). ج6، ص291. وقد ذكرها الله عز وجل في كتابه الكريم، قال تعالى: ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) ). سورة العنكبوت.
– إن البلاء والابتلاء يرافق المؤمنين في كل مراحل الحياة وبحسب درجاتهم، وأشد الناس ابتلاءا هم الأنبياء كما ورد في الروايات الكثيرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن أهل بيته (صلوات الله عليهم)، كما روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): ( إن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم الأمثل فالأمثل ). الكافي ج2، ص252. قوله (ع): الأمثل فالأمثل، أي: من كان أمثلهم في الفضل والقرب عند الله عز وجل.
– والبلاء والابتلاء في أمور عديدة وأنواعه كثيرة، وقد ذكر القرآن الكريم ذلك في قوله تبارك وتعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:155-157].

وهذا إخبار من الله سبحانه وتعالى بأنه لا بد أن يبتلي عباده بالمحن، ويختبرهم لكي يتبين الصادق من الكاذب، والجازع من الصابر، ويعتلي المؤمن في درجات الإيمان بصبره وتحمله ليحصل على البشارة التي وعد الله بها في كتابه وهو أصدق القائلين: (وبشر الصابرين).

فالعطية الإلهية العظمى منه عز وجل (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).

وهذه سنة الله في عباده، لأن السراء لو استمرت لأهل الإيمان، ولم يحصل معها محنة وابتلاء، لحصل الاختلاط الذي هو فساد، وحكمة الله سبحانه تقتضي تمييز أهل الخير من أهل الشر. وهذه فائدة الابتلاء، فهو ليس إزالة لما مع المؤمنين من الإيمان، ولا ردهم عن دينهم، فما كان الله ليضيع إيمان المؤمنين.
فالبلاء للمؤمن تمحيص للذنوب التي يقترفها ويعملها في دار الدنيا، فيُعد الابتلاء للمؤمن تطهيرٌ له، ومحوٌ لذنوبه، وهذا ما بينهُ إمامُ المتقين وأميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (عليه أفضل الصلاة والسلام) فيما روي عنه: { ما من الشيعة عبدٌ يقارف أمراً نهيناهُ عنه فيموت حتى يبتلى ببليةٍ تمحص بها ذنوبه إما في مالٍ وإما في ولدٍ وإما في نفسه حتى يلقى الله عز وجل وماله ذنب وأنه ليبقى عليه الشيء من ذنوبه فيشدد به عليه عند موته }. الخصال ج2، ص635.
وقد أكدت الروايات على هدف البلاء والابتلاء أنهُ ليس شراً بل هو خيرٌ للإنسان، وأسلوبٌ ناجح لثنيه عن طريق الفساد والإفساد، ومنه ما روي عن أميرالمؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): ” إنّ البلاء للظالم أدب، وللمؤمن امتحان، وللأنبياء درجة وللأولياء كرامة “. بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج64، ص235.
فالبلاء الذي ينزل حتّى على الظالم ليس شرّاً محضاً بل فيه تأديب له، ومحاولة لإعادته إلى طريق الصواب، وهذا ليس شرّاً. وقد ورد عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): { ما من بليّة إلا ولله فيها نعمة تحيط بها }. تحف العقول ص489.
والحمدلله رب العالمين .
خادم الآل

الميرزا زهير الخال

الجمعة ٣٠ ربيع الأول ١٤٣٨هـ.

النجف الأشرف

شهر رمضان .. مُنطلق التغيير

رواية ودرس 21
📜 من خطبة رسول الله (ص) في آخر جمعة من شهر شعبان، إنه قال: ( أيها الناس إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهرٌ هو عند الله أفضَلُ الشهور، وأيامُه أفضل الأيام، ولياليه أفضلُ الليالي، وساعاتُهُ أفضَلُ الساعات ).

وسائل الشيعة ج١٠، ص٣١٣.
📌 إن الإنسان بحاجة إلى مرفأ يرسو عليه بعد رحلة حياتية طويلة مليئة بالسعي في مناكب الدنيا، وملذاتها وشهواتها، بحلالها وشُبهاتها وحرامها، “يحتاج إلى نسمات صافية تنقله روحيا إلى معرفةِ ذَاته ومحاسبة نفسه والخلوص إلى التوبة والعودة إلى الله تبارك وتعالى، في أجواء قدسية طاهرة”.
شهر الله سبحانه وتعالى شهر رمضان المبارك، هو فرصةُ العبدِ للعودة إلى الله عز وجل، وهو من أعظم الشهور بركة ورحمة ومغفرة – كما أكد النبي (ص) في خطبته -، وفيه ليلة القدر التي هي خيرٌ من ألف شهر، وقد جاءت روايات النبي الأكرم (ص) وأهل بيته (ع) مؤكدةً على فضله وأهمية الإقبال على الله تعالى فيه بالدعاء والصلاة وقراءة القرآن الكريم.

فعلى الإنسان الإجتهاد قَدَرَ المستطاعِ إلى التزودِ من بركاتِ هذا الشهر الفضيل، أخلاقاً وآداباً وعبادة ومعرفة، لأنَّ الثواب في هذا الشهر يُضاعِفُهُ اللهُ إلى عبدِهِ كي ينال أعلى الدرجاتِ في طاعة ربِه الكريم.
يؤكد لنا الإمام الصادِقُ (ع) فيما يرويه عن جدِه إمام المتقين علي بن أبي طالب (ع)، بمَّ نجتهِدُ في هذا الشهر الفضيل، فرويَّ عن الصادق (ع) أنه قال: قال أميرالمؤمنين (ع): ” عليكم في شهر رمضان بالإِستغفار والدعاء، أما الدّعاء فيدفَعُ عنكُمُ البلاء، وأما الإِستغفار فيمحو ذنوبكم “. إقبال الأعمال – السيد ابن طاووس الحسني ج 1 ص 69
📚 سؤال: كيف نستقبل شهر رمضان ونجعلهُ منطلقاً للتغير ؟

الجواب: هنا عدة نقاط:
أولاً: الإستعداد النفسي المسبق له، وذلك بالالتفات إلى أهميته وقيمته وآثاره الدينية والحضارية، وكونه شهراً استثنائِياً كمناسبة إلهية.
ثانياً: الإحاطة الضرورية بما لهذه الفريضة الدينية الهامة من أحكام شرعية مما قد ذكره الفقهاء في رسائلهم العملية، فالتعرفُ على أحكام هذا الشهر وشروطه وحدوده يعطي المكلف البصيرة الواضحة والإطمئنان النفسي بأنه على الجادة في امتثاله الشرعي لفريضة الصيام.
ثالثاً: الإستغلال الكامل لأجواءِ هذه المناسبة في إِحداث التغييرات اللازمة في شخصياتنا كلٌّ بِحَسَبِ وضعيته وأحواله وما يجده في نفسه من الضعف والحاجة.
وفقنا الله وإياكم إلى طاعته في هذا الشهر الفضيل.
خادم الآل

الميرزا زهير الخال

البحرين

الجمعة ٢٩ شعبان المعظم ١٤٣٥هـ