مشروعية زيارة قبور أهل البيت (ع) والتبرك بهم

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

روي عَنْ الإِمام محمدٍ بن عليٍ بن الحُسينِ (عليهم السلام) قال:

قال رسول الله (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم):

(( مَنْ زارني أو زارَ أحداً من ذريتي زرتُهُ يومَ القِيَامةِ، فأنقذتُهُ من أهوالها )).

كامل الزيارات – للشيخ أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه القمي (قدس سره) المتوفي (368 هـ)، تحقيق الشيخ جواد القيومي، الباب (1)، حديث (4)، ص41.
لقد اِمتازت الشيعةُ الإِمامِيَةُ بالإِهتمامِ والعناية بأمرينِ تجاهَ النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيتهِ (عليهم السلام)، وهما: زيارة قبرِ النبيِّ (صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ) وقبور أهل بيتهِ (سلامُ اللهِ عليهم)، والتبرُكُ بآثارِهِم (عليهم السلام).
ويُضَحِي الشِيعةُ بِكُلِّ غالٍ ونَفِيسٍ عن إِيمانٍ ويقينٍ راسِخ، ويرخصُ كلُ شيء عندَهُمُ مِنْ أجلِ نبيِّ الهُدى وأهلِ بيتهِ (صلواتُ اللهِ عليهم أجمعين)، ومن أجلِ التبرُكِ بهم وبِزيارةِ مَراقدهم.
وقَدْ أدبَ أهلُ البيتِ (عليهم السلام) شِيعتهم وحثوهم بالرِواياتِ المستفيضةِ عندنا عنهم على الزيارة، وعلموهُم كيفِيَةَ الزِيارة وآدابها، وترغيبهم فيما لها مِنَ الثوابِ الجزيلِ عند الله عزَّ وجلَّ.
حتى اِتُهِمَ الشيعةُ بالشِركِ لِزيارتهم لقبر النبي (صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ) وقبور أهلِ بيتِهِ (عليهم السلام)، والتوسُل بِهِم، والتبرُكِ بآثارهم.
وملخص الإتهام هو: إن اللهَ تبارك وتعالى هو النافِعُ والضار، ولا يجوزُ للمسلم التوسلُ بغيرِهِ تعالى، فما هيَّ المنفعةُ التي تُرجى من التبرك بأهلِ البيتِ والتوسل بهم وزيارة قبورهم ؟!
ومعَ التَأَمُلِ في هذا الإِتهام المُوَجَهِ إلى الشيعة نَجِدُ هذا الإتهام لا يرقى إلى الحقيقة أبداً، وما عَمِلَ الشيعةُ هذا بِدُونِ دليلٍ، بل يبتنون على قواعد وأدِلَة ثابتَةٍ عندَ المُسلمين، ولقد كانت سيرة المسلمين بأجمعهم على التبرك بآثارِ النبيِّ (صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ) وأهل بيته (عليهم السلام) وزيارة قبورِهِم والتوسل بِهِم إلى الله تبارك وتعالى، وقد ذُكرت روايات عديدة في كُتُبِ أكابِرِ علماءِ العامةِ، تدل على زيارة القبور، وتدل على التبرك بآثار النبي (صلى الله عليه وآله).
ومِنْ تِلك الروايات:-
1 – عن عبد الله بن أبي مليكة: ( أن عائشة أقبلت ذات يوم من المقابر، فقلت لها: يا أم المؤمنين من أين أقبلت؟ قالت: من قبر عبد الرحمن بن أبي بكر، فقلت لها: أليس كان رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – نهى عن زيارة القبور؟ قالت: نعم: ثم أمر بزيارتها). وفي رواية عنها ( أن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – رخص في زيارة القبور ). أخرجه الحاكم (1/ 376) وعنه البيهقي (4/ 78) من طريق بسطام بن مسلم عن أبي التياح يزيد بن حميد عن عبد الله بن أبي مليكة، والرواية الاخرى لابن ماجه (1/ 475).

قال البوصيري في (الزوائد) (988/ 1): (إسناده صحيح رجاله ثقات). وقال الحافظ العراقي في (تخريج الإحياء) (4/ 418): (رواه ابن أبي الدنيا في (القبور) والحاكم بإسناد جيد).
٢. روى الترمذي بسنده عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ( قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور فقد أذن لمحمد في زيارة قبر أمه فزوروها فإنها تذكر الآخرة ).

سنن الترمذي، كتاب الجنائز عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، باب ما جاء في الرخصة في زيارة القبور: 1054.
3. روى مسلم بسنده عن انس قال: (( رأيتُ رسول الله (صلى الله ُعليهِ وآلِهِ) والحلاق يحلقه وقد طاف بهِ أصحابه ما يريدون أن تقعَ شعرة إلا في يدِ رجل )).

صحيح مسلم بشرح النووي: 15: 83.
4. روى البخاري بسنده عن أبي جحيفة قال: (( أتيتُ النبي (صلى اللهُ عليهِ وآله) وهو في قبة حمراء من أدم ورأيتُ بلالاً أخذ وضوء النبي (صلى اللهُ عليهِ وآله) والناس يتبادرون الوضوء فمن صاب شيئاً تمسَّحَ به ومَن لم يُصِبْ منهُ شيئاً أخذ مِن بَلَلِ يدِ صاحِبِهِ )).

صحيح البخاري، كتاب اللباس، باب القبة الحمراء ح5859، أخرجه مسلم 503.
5. روى البخاري في صحيحه بسنده عن موسى بن عقبة قال: رأيت سالم بن عبدالله يتحرَّى أماكن من الطريق فيصلِّي فيها ويحدث أنَّ أباه كان يصلِّي فيها، وأنه رأى النبي (صلى اللهُ عليهِ وآله) يصلِّي في تلك الأمكنة. وسألت سالماً فلا أعلمه إلا وافق نافعاً في الأمكنة إلا أنهما اختلفا في مسجد بشرف الروحاء.

صحيح البخاري: 1 / 130، الإصابة لابن حجر: 2 / 349. ترجمة عبدالله بن عمر.

قال ابن حجر في كتابه فتح الباري في مقام شرحه للحديث: (( عُرِفَّ مِن صنيعِ ابن عمر استحباب تتبع آثار النبي (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ) والتبرُك بها )).

فتح الباري في شرح صحيح البخاري: 1: 469.
فهذهِ بعض من الروايات، وإلا فالرِوايات بهذا الخصوصِ كثيرةٌ، تدُلُ على مشروعية زيارةِ القبور وأنها أمرٌ من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وتدلُ كذلك على أنَّ الصحابة والمسلمين في زَمَنِ حياةِ النبي وبعد حياته كانوا يتبركون بآثارِهِ (صلى الله عليه وآله)، وقد شَهِدَ بها علماءُ العامةِ في كتبهم.
وبلا شكٍ ولا ريب بأنَّ أهل بيتِ النبي (صلى الله عليه وآله) هُم أعظمُ آثارِهِ وهُم قُربى رسولِ اللهِ (صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلم)، فإِن جازَ واستُحِبَ التبرُكُ بشعرهِ (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ)، أو بماءِ وضوءٍ توضأَ بِهِ، أو بِمَوقعِ صلاةٍ صلى فيه، أو دفن فيه، فإن التبرُكَ بأهلِ بيتهم (عليهم السلام) مِن بابٍ أولى أن يتبرَكَ بهم، وهُمُ الذين مَدَحَهُمُ الله سبحانهُ وتعالى في كِتابِه المجيد فقال: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) سورة الأحزاب، آية 33.، وقال تعالى: ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) سورة الشورى، آية 23.

وهمُ الذين قال فيهم رسول الله (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ): (( إن مثلهم في هذهِ الأُمةِ كسَفِينَةِ نوحٍ مَنْ رَكِبها نجـا ومن تخلفَ عنهُم غَرِقَ وهوى )).

دعائم الإسلام للقاضي النعمان المغربي (363هـ.): 1: 28: 80.، الصواعق المحرقة لابن حجر الهيتمي (974هـ.): 152.، عيون أخبار الرضا (381هـ): 1: 30.

وقد رُوِيَّ عنهُ (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ):

(( النجومُ أمانٌ لأهل السماءِ، وأهل بيتي أمانٌ لأُمتي )).

عيون أخبار الرضا: 1: 30، باب فيما جاء عن الرضا من الأخبار المجموعة، ح14.
فأهلُ البيتِ (عليهمُ السلام) هم وصيةُ النبيِّ (صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلم)، في أن نقتدي بهم ونعظمهم، فإنَّ التبرُكَ بآثارِهِم وزِيارَةِ قبورهم ليست شركاً.

وإن اِعتبرها أحدٌ انها شرك، فمن باب أولى أن يكون التبركُ بِآثار الرسول (صلى الله عليه وآله) شرك كذلك، وإن لم يكن التبرُك بآثار الرسول شركاً فكذلك التبرُكُ بآثار أهلِ بيتهِ ليس من الشِركِ في شيء.
هذا بالإِضافةِ إلى أمرٍ آخر:
إنَّ جَعْلَ أيِّ شيء طريقاً للنفع ودفعِ الضررِ بإعتِقادِ اِسْتِقلاليتهِ عن اللهِ عزَّ وجلَّ فهو يكون شركاً.

أما لو كانَّ الإِعتقادُ بأنهُ طريقٌ لِتَحصِيلِ النفعِ أو لِدَفْعِ الضررِ مع الأخذِ بعينِ الإِعتبار أن الذي ينفع والذي يدفع الضرر حقيقةً هو اللهُ تباركَ وتعالى فذلك ليسَ مِنَ الشركِ.
وأبسطُ مِثال واضح: إنَّ الإِنسانَّ إِذا مَرِضَ يَذْهَبُ إلى الطبيب لتحصيلِ النفعِ وَلِدَفعِ أَضرارِ المَرَضِ الذي نزل بهِ، فهذا توسلٌ مِنَ المريضِ بالطَبِيبِ المعالج، فهذا ليسَ مِنَ الشرك، لأنَّ المريض لا يعتقد بأن علاج الطبيب هو الشافي والمعافي من المرض.
كذلك التوسلُ بأهل البيت (عليهم السلام) لتحصيل الخير والبركة ليس شركاً، لأننا ما توسلنا بهم إِلا من اِعتقادٍ ثابتٍ بأنَّ اللهَ سُبحانهُ وتعالى جعل آثارهم وقبورهم طريقاً لتحصيل البركة.

فتحصيلُ الخير والبركة في آثارهم (عليهم السلام) هيَّ مِن اللهِ وحده.
والأدلة القرآنية في هذا واضحة، كانَّ النبيُ عيسى بن مريم (على نبينا وآله وعليهِ أفضل الصلاة والسلام) يبرئ الأكمه والأبرص ويُحيي الموتى، قول الله تعالى:

( إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا ۖ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ۖ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي ۖ وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ ) سورة المائدة، آية 110.
فالأدلة على مشروعية التوسل وزيارة القبور كثيرةٌ في الكُتُبِ، واضحةٌ كالشمس الساطعة لا تُغطى بالغربال، قول الله تعالى: ( وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) سورة المائِدة، آية 35.
فمن أجلى مصاديق الوسيلة إلى الله (سبحانه وتعالى) هو رسول الله (صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ) وأهل بيتهِ (عليهمُ السلام)، ففي كتاب تفسير البرهان للعلامة المحدث السيد هاشم البحراني (قدس سره الشريف)، في الجزء الثاني، الصفحة 449، حول الآية الشريفة، نقل عن تفسير القمي: علي بن إبراهيم قال: ( تقربوا إليه بالإمام ). ونقل كذلك عن ابن شهر آشوب قال: قال أميرُ المؤمنين (عليه السلام) في قوله تعالى ( وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ): ( أنا وسيلَتُه ).

وجاء في كتاب ( وفاء الوفاء ) لمؤلفه العالم السنّي المشهور ( السمهودي ) إن طلب العون والشفاعة من النّبي (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ) أو التوسل إلى الله بجاهِ النّبي وشخصه جائز قبل أن يولد (صلى اللهُ عليهِ وآله) وبعد ولادته ووفاته وفي عالم البرزخ وفي يوم القيامة، ثم ينقل السمهودي في هذا المجال عن عمر بن الخطاب الرواية المعروفة التي تتحدث عن توسل آدم (عليه السلام) إلى الله بنبي الإسلام محمد (صلى اللهُ عليه وآلهِ) وذلك لعلم آدم بأن هذا النبي سيإتي إلى الوجود في المستقبل، ولعلمه بالمنزلة العظيمة التي يحظى بها عند الله، فيقول آدم: ( ربّ إنّي أسألك بحق محمد لما غفرت لي ). وفاء الوفاء، ج3، ص1371.
وقد ذُكرَّ في التاريخ عن توسل أكابر علماء العامة بقبور المعصومين (عليهم السلام)، وهنا أذكر شاهداً واحداً – وإلا فالشواهد عديدة – لأحد علماء العامة الذي كانَّ يتوسلُ بقبرِ إِمامنا وسيدنا باب الحوائج الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام).

ما أخرجهُ الخطيب البغدادي بإسناده عن أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي قال: سمعت الحسن بن إِبراهيم أبا علي الخلال شيخ الحنابلة في عصره يقول: (( ما أهمني أمرٌ فقصدتُ قبر موسى بن جعفر فتوسلتُ بهِ إلا سهلَّ اللهُ تعالى ليَّ ما أُحب )). تاريخ بغداد: 1 / 120.
فما قدمناه في هذا المقال يؤكد على أن الشيعة الإمامية قد استندوا إلى أدلةٍ ثابتة يعترف بها المسلمون في زيارة القبور والتبرك بآثار الرسول (صلى الله عليه وآله) وآثار أهل بيته (عليهم السلام)، وإنها ليست من الشرك بل هي ذات غاياتٍ عظيمة وأعظم غاية فيها التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بأشرف خلقه الذين شرفهم وكرمهم.

ثبتنا الله وإياكم على محبتهم.
والحمدلله رب العالمين وصلى اللهُ على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
خادم الآل

الميرزا زهير الخال

الخميس ٢٩ رجب ١٤٣٨هـ.

النجف الأشرف

مِنْ بركاتِ زيارَةِ أميرالمؤمنين (عليه السلام)..

بسم الله الرحمن الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

والحمدلله ربِّ العالمين، وصلى اللهُ على خيرِ خلقِهِ محمدٍ وعلى أهلِ بيته الطيبين الطاهرين..
رويَّ عن الصادقِ جعفر بن محمد (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام)، عن رسولِ الله (صلى الله عليهِ وآله) قال:(( مَنْ زارَ عليّاً بعد وفاتِهِ فلهُ الجنّة )).

المقنعة: 461، وعنه الوسائل: 14/ 379، ح10.
مِنْ مصاديقِ التَقَرُبِ إلى اللهِ (جلَّ جلاله) زيارَةُ المعصومِ (عليه السلام)، فإنَّ زيارةَ المعصوم من أوضح وأجلى مصاديق الإيمان باللهِ تبارك وتعالى، لأننا نؤمن أن المعصوم هو خليفةُ الله سبحانهُ وحجته على خلقِه.

والأدلةُ على مشروعية الزيارة واضحةٌ جداً، ولا شك في هذا، ومع مشروعيتها فإن لها تأثيرٌ نافعٌ على الزائِر، في التقرب إلى الله سبحانه والحصول على ثوابه وجزيل عطاءِه.
ومما وردَّ لنا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعن أهل بيته (عليهم أفضل الصلاة والسلام) وحثونا عليه، هو زيارةُ نفس الرسول وأخوه، وزوج البتول، وسيف الله المسلول، إمام المتقين وقائد الغُرِّ المحجّلين أميرالمؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه أفضل الصلاة والسلام).

فإن المُتَتَبِعِ للأخبار الواردة عن المعصومين (عليهم السلام) في فضل زيارته (عليه السلام) يقفُ أمام حقائِق تُبين فَضلَّ عليٍّ ومقامه عند الله تعالى، وعند رسوله (صلى الله عليه وآله).

ومِن تلك الآثار التي يحظى بِها زائرُ أميرِالمؤمنين (عليه السلام)، ما نُقل لنا من لسانِ المعصوم (عليه السلام)، ومنها الأجرُ العظيم الذي يُعطيهِ إياه صاحبُ العطاء الذي لا انقطاع لعطائِه، وغفران الذنوب التي يغفرها الغفورُ الكريم بسبب التقرب له بزيارة وليهِ، والبركات العظيمة التي ذكرها إمامنا الصادِقُ جعفر من آلِ محمدٍ (صلواتُ اللهِ عليهم أجمعين.

فقد روي عن الإِمامِ الصادق (عليهِ السلام) أنهُ قال:

(( مَنْ زارَ أميرالمؤمنين (عليه السلام) عارفاً بحقّه غير مُتجبّر ولا مُتكبّر، كتب الله له أجر مائة ألف شهيد، وغفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخّر، وبُعث من الآمنين، وهوّن عليه الحساب، واستقبلته الملائكة، فإذا انصرف شيّعَته إلى منزله، فإن مرض عادوه، وإن مات تبعوه بالإستغفار إلى قبره )). امالي الطوسي: 1/ 218.
وهذا العطاءُ الإلهي الذي ذكره الإمام (عليه السلام) مشروطٌ بأمرٍ مهم مِن شرائط الإعتقاد بالإمامة، قوله: ( عارفاً بحقّه ).، الإعترافُ بإمامَتِهِ والإقرارُ بِولايته، فأقل المعرفة أن يُقرَّ الزائرُ بإمامةِ الإمامِ المزور، والتمسُكِ بولايَتِهِ التي فرضها الله سبحانهُ وتَعالى على عِباده.
ومِن هنا نقفُ أمامَ حقيقةٍ نُقِرُ بها في زيارة أميرالمؤمنين (عليهِ أفضل الصلاةِ والسلام)، وهي: أن القصد لِزيارة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) هي توجُهُ القصدِ إلى الله جلَّ جلالهُ، لأنَّ المعصوم سبيلٌ إلى اللهِ سبحانهُ والباب إليه، والوفود عليه، وزيارَةُ عليٍّ سعيُ إلى الله تعالى.

ففي مزار الشهيد: ص 29 – 37.، روي عن صفوان أنهُ قال: سألتُ الصادِقَ (عليه السلام) كيف تزور أميرالمؤمنين (عليه السلام)؟

فقال: يا صفوان، إذا أردت ذلك فأغتسل، والبس ثوبين طاهرين، ونل شيئاً من الطّيب – وإن لم تنل أجزاك – فإذا خرجت من منزلك فقُل:

( اللهُمَّ إنِّي خرجتُ مني منزلي أبغي فضلك، وأزور وصيَّ نَبِيِّكَ صلواتك عليهما ..ألخ )

فالزائِرُ لأميرالمؤمنين (عليه السلام) يبتغي فضلَّ الله سبحانه، فزيارةُ عليٍّ سببٌ مِن أسباب الحصول على فضلِ الله تعالى.

وقال الصادق (عليه السلام): فإذا تراءت لك القبّة الشّريفة فقُل:

( الحمدُللهِ على ما اختَصَّني مِنْ طِيبِ المولد، واستخلصني إكراماً بِهِ مِنْ مُوالاةِ الأبرار، السَّفرة الأطهار، والخِيَرَةِ الأعلام.

اللهُمَّ فَتَقَبَّلْ سَعْيِي إليكَ، وتضرُّعي بين يديك، واغفر ليَ الذُّنوبَ التي لا تخفى عليك، إنَّكَ أنتَ اللهُ المَلِكُ الغَفّارُ ).
هنا يذكرُ الإمامُ الصادِقُ (عليهِ السلام) خصوصيةً يحمُد الزائرُ عليها الله تبارك وتعالى، وهي (طيب المولد) و (الإستخلاص) فهما نتيجةُ (مُولاةِ الأبرار)، فعن أميرالمؤمنين (عليه السلام) في وصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لاَبي ذر (رضي الله عنه) قال : « قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يا أبا ذر، من أحبّنا أهل البيت فليحمد الله على أوّل النعم. قال: يا رسول الله، وما أول النعم؟ قال: طيب الولادة، إنّه لا يحبنا إلاّ من طاب مولده ». معاني الاَخبار | الصدوق : 161 | 1 ، دار المعرفة ـ بيروت .

والخصوصية الثانية قوله (عليه السلام): ( اللهُمَّ فَتَقَبَّلْ سَعْيِي إليكَ ..ألخ ).
فهنا يؤكد الصادِقُ (سلامُ اللهِ عليه) أنَّ زيارة أميرالمؤمنين (عليهِ أفضلُ الصلاةِ والسَلام) هي سعيٌّ إلى الله سبحانه وفي مرضاته، وتضرعٌ إلى الله بزيارةِ الأَمير، فيلتمسُ الزائِر بهذه الزيارة من الله عزَّ وجلَّ غُفران الذنوب.

وكذلك ما ورد في كتاب فرحة الغري لعبدالكريم بن طاووس: 93 – بإسناد متصل إلى صفوان الجمال عن الصادق (عليه السلام)، في زيارةِ أميرِالمُؤمنين (عليه السلام)، التنصيص على كل ذلك، ففي وسط الزيارة قال: ( وأَشهد أنك حبيبُ الله، وأنك بابُ الله الذي يؤتى منهُ، وأنك سبيلُ الله، وأنك عبدُ الله وأخو رسوله (صلى الله عليه وآله)، أتيتك متقرباً إلى الله بزيارتك ).
فهذا المقطعُ فيهِ تعليلٌ وبيانٌ وبرهان على كون زيارة المعصومين اقترابٌ ودُنو وحضورٌ عند الله تعالى، وذلك لكون المعصوم (عليه السلام)، باب الله الذي يؤتى منه، فمن أراد الإتيان إلى الله والوفود على الحَضرة الإلهية، لابُدَّ أن يأتي إلى الباب، كما قال الله تعالى في كتابه المجيد: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}. سورة البقرة، آية 189.

فإن هذا الإعتقاد بأنَّ الأئِمَةَ أبوابٌ إلى السماءِ الإِلهية، هي حقيقةٌ قُرآنية كما قال سبحانه: { إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ }. سورة الأعراف، آية 40.

إذاً فالزيارةُ المنصوصة لها غاياتٌ عُظْمَى وعديدة:
1. الغاية العظمى: التوجه إلى الله بزيارة المعصوم، والوفود على الله بوسيلته، فيما روي عن مولانا الإمام محمد الباقر (عليه السلام)، في زيارة جده أميرالمؤمنين (عليه السلام): ( أنتَ وسيلتي إلى الله وذريعتي ). المزار القديم على ما في المستدرك: 10 / 222 ح1.، وابتغاء مرضاة الله سبحانه، فعن يوسف الكُناسي ومعاوية بن عمّار، عن أبي عبدالله (عليه السلام) فيما ذكر في نص زيارة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال: ( اللهُمَ إنِّي لُذْتُ بِقَبرِ أخي رسولك اِبتِغَاءَ مرضاتِك، فَانْظُرِ اليومَ إلى تَقَلُّبي في هذا القبر، وبه تكّفني من النار .. ألخ ). المزار الكبير: 293 – 314 (ط: 225 – 238 )، عنه البحار: 100 / 334 ح32.

2. الإقرار بالذنوب بين يَدي المعصوم (عليه السلام)، لأنها بمنزلة الإقرار بها بين يدي الله سبحانه، لأنهُ خليفة الله، والموكَّل من قبله لإقامة الحساب ( وإياب الخلق إليكم، وحسابهم عليكم ).
3. تجديد العهد والميثاق مع المعصوم، بإعتبار أن قبره الشريف باب غيبته، ورحيله إلى البرزخ، وأنه سيخرج منه في الرجعة، ويظهر منه، فتعاهد قبره، انتظارٌ وترقب لظهور ذلك المعصوم، واقامته دولة العدل.

في زيارته: ( السَّلامُ عليك يا صاحِبَ الكَرَّةِ وَالرَّجعة ) وكذلك: ( مُحتِجِبٌ بِذِمَّتِكَ، موقِنٌ بِإِيابك، مُؤمِنٌ برجعتك، مُنتظِرٌ لِأَمرِكَ مُتَرَقِّبٌ لِدَولَتِك ) وكذلك: ( زائِرٌ لَكَ، لائِذٌ بِبابك الذي فيه غِبتَ ومنهُ تظهر ). المزار الكبير: 416 – 435.

مضافاً إلى ذَلِك فإِنَّ التوجه إلى زيارةِ المعصوم (عليه السلام) وقراءة الزيارات المنصوصة مِن المعصوم في حق المعصوم (عليهم جميعاً سلامُ الله)، ومنها ما ورد من المعصومين (عليهم السلام) من نصوص معصومية في حق زيارَةِ إمامِ المتقين علي بن أبي طالب (عليهِ السلام)، فَإِنَّ هذه النصوص هي عبارة عن ” منظومةٍ عقائدية “، ففيها من المطالب العقائدية ما يُقوي عقيدة الإنسان وتَمَسكه بحبلِّ الله (عزَّ وجلَّ) وثباتِهِ على محبَةِ أولياءِ الله وأُمنائِه، ففي النصوص ما يشير إلى (عقيدةِ التوحيد) و (عقيدة النبوة) و (عقيدة الإمامة) و (عقيدة المعاد)، ومفاهيم عقائدية عديدة.
وفي هذهِ الزيارات ما يُبَّينُ مِن مقاماتٍ لأميرالمؤمنين (عليه السلام) وعظمته، والإقرار بِولايتِهِ التي هي من أصول اِعتقاداتنا، وما أعطاهُ الله سبحانه وتعالى لِوليّه (عليهِ السلام)، وما خصَّ اللهُ بِهِ عليّاً، من اِصطفاءٍ، ومِن اختيار، ومن فضلٍ لعليٍّ أعطاهُ اللهُ إياه، ومكانةٍ في الإِسلام جعلها له.
وتبينُ تلك النصوص المعصومية أموراً تختصُ بأميرِالمؤمنين (عليه السلام)، مِـنْ ( ظُلامةِ عليٍّ ) و (صبر عليٍّ) و (عدلِّ عليٍّ) و (حكومة عليٍّ) و (جِهاد عليٍّ) و (عبادةِ عليٍّ) و (مُصيبةِ عليٍّ) “عليه أفضلُ الصلاةِ والسلام”.
وهنا أُشير بِإختصارٍ لبعض الجُمل في زيارات الإمام (عليه السلام) تدعونا للتأمل في ما وصفَّ به أهلُ بيتِ العصمةِ (عليهم السلام) أميرَالمؤمنين (سلامُ اللهِ عليهِ).
1. من الزيارة المروية عن الإمام زين العابدين (عليه السلام)، المعروفة بـ( زيارة أمين الله ):

( السلامُ عليك يا أمينَ الله في أرضه، وحجته على عبادِه، السلام عليك يا أميرالمؤمنين. أشهَدُ أنَّك جاهدت في اللهِ حق جهادِهِ، وعَمِلْتَ بِكِتابِهِ، واتَّبعتَ سنن نبيه (صلى الله عليه وآله) ).

كامل الزيارات: 39، ب 11، ح 1.

الأمينُ من قِبَّلِ الله تعالى في الأرض، والحُجة التي جعلها تعالى على عباده، ويشهدُ الإمامُ لِعليٍّ بِجهاده الذي نصرَّ الدين وأقامَّ الحق، وأن عليّاً عَمِلَ بكتاب الله، فهو مع القرآن والقرآن مع عليٍّ (عليه السلام).

2. من زيارة الإمام الصادق (عليه السلام) لِجدِهِ أميرالمؤمنين (عليه السلام):

( السلامُ عليك يا وَلِيَّ اللهِ، أنتَ أوَّلُ مظلومٍ، وأول مَنْ غُصِبَ حقُّهُ، صبرت واحتسبتَ حتى أتاك اليقين، وأشهدُ أنَّك لقيتَ اللهَ وأنتَ شهيدٌ، عذَّبَ اللهُ قاتِلَكَ بِأَنواعِ العذاب ).

المزار الكبير: 293 – 314 (ط: 225 – 238 )، عنه البحار: 100 / 334 ح32.

هُنا إِلفاتٌ من الصادق (عليه السلام) على مظلومية الإمام أميرالمؤمنين (عليه السلام) وما جرى عليه من الظلم والأذى، وغصب الحق، ومع كل هذه الظُلامة كيف قابلها إمام المُتقين؟ ( صبرت واحتسبت )، من أشرف خلائق الإنسان الصبر، وإذا كانَّ الإمامُ هو الصابِر فأي درجات الصبر قد بلغ.!

وهذا ما فصلته وبينتهُ زيارة الإمام الهادي (عليه السلام) الزيارة المخصوصة في يوم الغدير، ماذا جرى على أخي الرسول (صلى الله عليه وآله) وعلى أهل بيته (عليهم السلام)؟، قال:

( والأمرُ الأعجَبُ والخطبُ الأفظَعُ بعدَ جَحدِكَ فضلَكَ، غصبُ الصِّدِّيقة الزَّهراء سيدةِ النساءِ فدك، وردُّ شهادَتِكَ وشهادَةِ السَّيِّدَينِ سُلالتك وعِترةِ أخِيك المصطفى صلوات الله عليكم، وقد أعلى الله تعالى على الاُمَّةِ دَرَجتكم، ورَفَع منزِلتكُم، وأبانَّ فضلكُم .. ألخ ).

المزار الكبير: 357 – 385.

3. زيارة الإمام الصادق (عليه السلام) المروية عن صفوان بن مهران الجمّال قال: قال أبوعبدالله (عليه السلام): يا صفوان، إذا حدث لك إلى الله حاجة فزره بهذه الزيارة من حيث كان، جاء فيها:

( السلامُ على مولانا أميرِالمؤمنين علي بن أبي طالب، صاحب السَّوابقِ والمناقب والنجدةِ، مبيدِ الكتائب، الشديد البأس، العظيم المِراس، المكين الأساس، ساقي المؤمنين بالكأس مِنْ حوضِ الرَّسول المَكين الأمين. السلامُ على صاحب النُّهى والفضلِ والطَّوائِلِ، والمكرمات والنَّوائل ).

مجموعةٌ من مناقِب أسدِ اللهِ الغالب (عليه السلام) ووصفه بهذه الأوصاف والفضائل والمناقب والمكرمات التي أعطاها اللهُ تعالى إليه.

وهُنا تنبيهٌ:

إن الزيارات المنصوصة من أهل البيت (عليهم السلام) التي نقرأها عندما نزور الإمام المعصوم (عليه السلام) فيها مِنَّ الشواهد والدلائِل الواضحة البينة التي أختُصُوا بها، تدعونا للتأمل في الزيارة، وأن تكون درساً عقائِدياً لنا حين الزيارة، فهي دورة عقائِدية وعِبادية وتربوية مكثفة ومركزة، فعلينا أن نغتنمها ونستفيد منا، للدينِ والدُنيا والآخرة.

فالحمدُللهِ الذي مَنَّ علينا بولايةِ أميرالمؤمنين، ولا حرمنا الله تعالى من زيارته، ورزقنا في الآخرةِ شفاعته.

فثوابُ زيارةِ الأميرِ (عليه السلام) حقا كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ( مَنْ زارَ عليّاً بعد وفاتِهِ فلهُ الجنّة ).

رزقنا اللهُ وإياكم جنتهُ بجوارِ أوليائِهِ وحُجَجِه.

والحمدُلله رب العالمين، وصلى اللهُ على محمد وآله الطيبين الطاهرين ..
خادم الآل

الميرزا زهير الخال

الثلاثاء 13 رجب الأصب 1438هـ

ذكرى ولادة أميرالمؤمنين (عليه السلام)

النجف الأشرف