المبحث الثاني: كتاب الشرائع

 

المطلب الأول: مميزاته

كتب المحقق كلها عظيمة , ولكن الخالد منها , والذي يحتفظ بملك الزمن له , هو صفائحه الفقهية , وخاصة كتابه الذي عليه البحث المعروف باسم (شرائع الإسلام)[1]

حيث مما يمتاز به هذا الكتاب الأسلوب السلس , والعبارة المشرقة والدقة في تأدية المعنى , والإيجاز في الألفاظ ,والمنهجية الفذة في البحث والموضوعية الأمينة في عرض الآراء[2].

فهو كما يقول صاحب الذريعة عنه (من أحسن المتون الفقهية ترتباً , واجمعها للفروع…)[3]

وقال المقداد السيوري (لم يسبقه أحد إلى مثله في تهذيبه ولم يلحقه لاحق في وضعه وترتيبه)[4]

وقال محمد حسن ألنجفي (ت 1266) صاحب (جواهر الكلام): (إني رأيت كتاب الشرائع) من مصنفات الإمام المحقق ..

قرأنا في الأحكام الشرعية , وفرقانا في العلوم الفقهية , فائقاً من تقدمه إحاطة ومجازا له واتقانا , و أنموذجاً لمن تأخر عنه ولساناً [5].

كما يؤيد ذلك ما ذكره جعفر كاشف الغطاء

 

المطلب الثاني : شروحه

وقد ضاعف في أهمية هذا الكتاب مكانته انه شرح بمستويات مختلفة وعلى انحاء متعددة ,مزج وتعليق وتحشية وتوضيح ,وهي مستمرة إلى وقتنا هذا إذ بلغت حسب آخر الإحصائيات المائتين[6]

ولا يزال من الكتب الدراسية في عواصم العلم الشيعية وقد اعتمد عليه الفقهاء خلال هذه القرون المتعددة فجعلوا أبحاثهم وتدريباتهم فيه , وشروحهم وحواشيهم عليه[7]

وقال صاحب أعيان الشيعة : (كل من أراد الكتابة في الفقه الاستدلالي يكتب شرحاً عليه ونسخه المخطوطة النفيسة لا تحصى كثرة) [8]

بل إن معظم الموسوعات الفقهية الضخمة , التي ألغت من بعد عصر المحقق , شروحه كما توضحه أسماؤها .

فمنها: أساس الحكم …وتقرير المرام …وجامع الجوامع …وجواهر الكلام …حاوي مدارك الأحكام…وشوارع الأعلام …وغاية المرام …. وكشف الإبهام …. وكشف الأسرار …. وكنز الإحكام …. وباني الجعفرية

 

ومدارك الأحكام ….ومسالك الإفهام …ومصباح الفقيه….ومطالع الأنوار ….ومعارج الأحكام ….وموارد الأنام ….ومواهب الإفهام ….ومناهج الأحكام ….ونكت الشرايع ….وهداية الأنام وغيرها [9]

وأكرر كلام الأعلام لأهميته في ذلك أنه (شرح بمستويات متعددة) وعلى أنحاء مختلفة من مزج وتهميش وتعليق [10]

وأول من شرحه , بعد أن اختصره , هو المحقق نفسه وقد اسماه المعتبر في شرح المختصر [11]

المطلب الثالث: ترجماته

أما ترجماته , فهو من الكتب القلة التي ترجمت إلى لغات عدة حيث ترجمه إلى الفارسية , الشيخ محمد تقي بن عباس النهاوندي المتوفى بطهران سنة (1353هـ) [12]

كذلك ترجمته إلى الروسية (قاسم بك) , والى الفرنسية (كوري ) [13]

وكذلك ترجمته إلى التركية [14]

 

المطلب الرابع

طبعاته

وقد طبع كتاب (شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام) عدة طبعات وأعيدت طباعة الكثير منها وهذه الطبعات منها محققة ومنها غير محققة:

  • طبعة سنة (1377هـ/1957م) وهي طبعه حجرية, منشورات المكتبة العلمية الإسلامية , طبع مطبعة خورشيد, طهران.
  • طبعة سنة (1389هـ / 1969م) بأربعة أجزاء تحقيق عبد الحسين محمد علي البقال , وقدم لها عميد كلية الفقه محمد تقي الحكيم وساعدت كلية الفقه على نشره , طبع مطبعة الآداب في النجف وفي نفس ألسنة , عنيت بنشره مكتبة إسماعيليان , قم – خيابان ارم
  • طبعة سنة (1389هـ / 1978م) بمجلدين في بيروت
  • طبعة سنة (1403هـ / 1983م) بأربعة أجزاء , وهي الطبعة الثانية بتحقيق عبد الحسين البقال , طبع دار الأضواء , بيروت(1) وقال في المقدمة (بناءاً على أهمية الكتاب , وإيمانا بأنه ما لا يدرك كله لا يترك جله , فقد عمدت إلى نشره ثانية علماً بأنه يمتاز عن تلك الأولى بأمور:

 

 

 

  • إنها محققة على نسخة مقروءة على المؤلف نفسه (قدس سره) وعليها خطه الشريف.
  • روعي فيها حصر الزيادات التي وردت في المتن بين أقواس , وذلك من اجل توضيح العبارة
  • كما ابعد عنها البياضات في الطباعة غير الضرورية كافة.
  • صححت التعليقات التي وردت فيها أخطاء مطبعية أو فقهية [15]
  • طبعة سنة (1409هـ / 1988م) بمجلدين ، تعليق صادق الشيرازي , طبعة مطبعة أمير , قم .
  • طبعة سنة (1415هـ / 1994م) المحققة طبع مؤسسة المعارف الإسلامية , قم.
  • طبعت سنة (1427هـ / 2006م) بمجلدين وهي الطبعة الثانية بتعليق صادق الشيرازي , طبع مطبعة ستارة , قم ولازال الكتاب كل ما ينفذ من المكاتب يطبع.

 

 

 

 

 

 

 

[1] المحقق الحلي , شرائع الاسلام , تحقيق /البقال , م

[2] نفس المصدر , ك

[3] الطهراني , الذريعة ,13/47-48

[4] ألنجفي , جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام ,1/2.

[5] التنكابني , قصص العلماء ,202

[6] الجلالي : شروح الشرائع ,328 , الطهراني ,الذريعة (شروع الشرائع ) 13 /316 – 332.م.ن (حواشي الشرائع) , 6/16-108

[7] الطهراني , الذريعة ,13/47

[8] محسن الأمين , أعيان الشيعة , 15/374

 

[9] المحقق الحلي , شرائع الاسلام تحقيق / البقال 4

[10] الطهراني , الذريعة 13/ 316 – 332

[11] المحقق الحلي :المعتبر في شرح المختصر 3

[12] الجيلي : اعلام العرب 2/97

[13] جاء في دائرة المعارف الإسلامية 8/57-58

[14] المحقق الحلي , شرائع الإسلام, تحقيق / البقال 5

[15] المحقق الحلي :شرائع الإسلام  في مسائل الحلال والحرام تحقيق / البقال 1

علامة الفعل المضارع وأحكامه – 5

أدوات الشرط

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين

 

علامة الفعل المضارع وأحكامه – 5

 

ذكرنا في المقالة السابقة ما يجزم فِعلًا مضارعًا واحدًا، وبقى ما يجزم فِعلَيْن، وهو أسلوب الشَّرط، وفيه يُـجزَمُ فِعْلُ الشَرط وجوابه.

واستيعاب اسلوب الشرط بتمامه – كلامٌ – فيه إطالة، نخرج بذلك عن المطلب، لأنَّ الموضوع هو جوازم الفعل المضارع، بينما الشرط عارضٌ يَعرضُ على الفعل المضارع والماضي وشبه الجملة كذلك، ولكن لا بأس بالتعرض لبعض المسائل للتَوْضيح بشكل مختصر، من باب استيضاح المقسم في الأبواب وذكر التعدد.

 

تعريف أُسلوب الشرط:

قالوا في معنى الشرط: أنْ يقع شيء لوقوع غيره، وبعبارة أخرى: أن يتوقف وقوع شيء على تحقق شيء قبله، فإذا وقع الأول وقع الثاني، نحو: (إنْ تَـزُرْني أُكرمْك)، ونحو قوله تعالى: {فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ}[1]، فـ {فَإِنْ} الفاء استئنافية، إنْ أداة شرط جازمة، {قَاتَلُوكُمْ} فعل ماضي مبني على الضم لإتصاله بواو الجماعة، الواو في محل رفع فاعل والكاف في محل نصب مفعول به، والفعل الماضي في محل جزم فعل الشرط إن، {فَاقْتُلُوهُمْ} الفاء رابطة لجواب الشرط، اقتلوهم فعل أمر مبني على حذف النون والواو في محر رفع فاعل والهاء في محل نصب مفعول به، والجملة من الفعل والفاعل في محل جزم جواب الشرط.

 

تنبيه:

قد يخرج أسلوب الشرط عن المعنى السابق، أي: لا يكون الثاني مُسَبَّبـًا عن الأوَّل ولا متوقفًا عليه، نحو قوله تعالى: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ}[2]، فالكلب في الآية يلهث سواء حملت عليه أم لم تحمل، أي: لم يتوقف تحقق الثاني على تحقق الأول، ولكن إعرابيّا تبقى إن الشرطية جازمة لِفِعْلَيْن، فـ {إِنْ} حرف شرط جازم، {تَحْمِلْ} فعل مضارع مجزوم لأنه فعل الشرط وعلامة جزه السكون، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو، {عَلَيْهِ} جار ومجرور متعلقان بـ {تَحْمِلْ}، {يَلْهَثْ} فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الشرط وعلامة جزمه السكون، والفاعل ضمير مستتر، {أَوْ} حرف عطف للتخيير، {تَتْرُكْهُ} فعل مضارع مجزوم لأنه معطوف على فعل الشرط وجوابه ، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت، {يَلْهَثْ} فعل مضارع مجزوم لأنه معطوف على فعل الشرط وجوابه، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو.

ومثال آخر قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}[3]، فالله لا يُـحِبُ الكافرين، سواء تَوَلَّوا أم لا، و{فَإِنْ} الفاء اسئنافية، إنْ شرطية جازمة، {تَوَلَّوْا} له وجهان من الإعراب، أحدهما أن يكون فعلا مضارعا حُذِفَتْ تاؤُهُ، مجزوم لأنه فعل الشرط وعلامة جزمه حذف حرف النون، فيكون في الأصل (تَتَوَلَّوْن)، والآخر أنْ يكون فعلا ماضيا في محل جزم فعل الشرط، {فَإِنَّ اللَّهَ} الفاء واقعة في جواب الشرط، إنَّ حرف توكيد ونصب، لفظ الجلالة إسم إن، {لاَ يُحِبُّ} (لا) حرف نفي، (يحب) فعل مضارع مرفوع وعلامه رفعه الضمة، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو، {الْكَافِرِينَ} مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم، والجملة من (الفعل والفاعل) في محل رفع خبر إنَّ، وجملة {لاَ يُحِبُّ} في محل جزم جواب الشرط.

ونحو قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ}[4]، فهو لا يعبد غير الله سواء شَكُّوا أم لم يشُكُّوا.

قال الدكتور السامرائي: (فليس الشرط على هذا من باب السبب والمسبب دومًا وإنما الأصل فيه أن يكون ذلك)[5].

 

تنبيه آخر:

وقبل الشروع في ذكر أدوات الشرط الجازمة، لا بد من معرفة أنَّ فعل الشرط وجوابه يَأْتِيان بصيغة المضارعة والـمُضِي، فتجزم المضارع مباشرة والماضي محلًّا، ويأتي بصيغة جملة اسمية فيُجزم محلًّا.

المضارع نحو قوله تعالى: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ}[6]، قال الشاعر:

رُدُّوا السيوفَ إلى الأغمادِ وآتَّئِدُوا              مَنْ يُشْعِلْ الحربَ يُصْبِحْ مِنْ ضحاياها

والماضي نحو قوله تعالى: {وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا}[7]، قال الشاعر[8]:

صُم إذا سَمِعُوا خَيْراً ذُكِرْتُ بِهِ                وإنْ ذُكِرْتُ بسُوءٍ عِنْدَهُمْ أَذِنُوا

وشبه الجملة اذا حلَّت محل الجواب:

نحو قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}[9]، حيث جملة {لاَ يُحِبُّ} في محل جزم جواب الشرط ، قال الشاعر:

إنْ كنتَ عَنْ خَيرِ الأنَامِ سَائِلا                 فَخَيْرُهُمْ أكثَرُهُمْ فَضائِلا

 

أدوات الشرط:

المهم هو أدوات الشرط الجازمة، وذِكْرُ القِسْمَان الآخَرَان لتوضيح حدود أدوات الشرط الجازمة وأن الباقي خارجين عنها.

 

أدوات الشرط الجازمة:

هناك خلاف على عددهم، فأقلُّهم قال ستة، وأكثرهم اثنا عشر، ونذكر منها أحد عشر، وتنقسم إلى قسمين، أسماء وحروف:

 

أولا: الحروف:

ليس لهما محل من الإعراب، وهما حرفان:

  1. إنْ: ولها ستة أنواع تقريبا[10]، واحد منها الشَّرْطِيّ الجازم، قال الدكتور السامرائي: (تُسْتَعمل “إنْ” في المعاني المحتملة الوقوع)[11]، نحو قوله تعالى: {إِن تَتَّقُواْ اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً}[12]، {وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ}[13].
  2. إذْما: انقسم النُّحاة إلى قسمين، فقال أكثرهم أنها حرف بمعنى (إنْ)، وقال البعض أنها اسمٌ تشبه (متى) الظرفية للاستقبال، ومثالها: (إذْما تَذهَبْ أذهَبْ)، قال الشاعر:

وَإِنَّكَ إِذْمَا تَأْتِ مَا أَنْتَ آمِرٌ                  بِهِ تُلْفِ مَنْ إِيَّاهُ تَأْمُرُ آتِيَا

فـ (إِذْمَا) أداة شرط جازمة، (تَأْتِ) فعل مضارع مجزوم لأنه فعل الشرط وعلامة جزمه حذف حرف العلة، (تُلْفِ) جواب الشرط مجزوم وعلامة جزمه حذف حرف العلة.

 

ثانيا: الأسماء:

تُعرب حسب موقعها في الجملة، وهي كما يلي:

  • مَنْ: أداة شرط جازمة وتستخدم للعاقل، نحو قال تعالى: {مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}[14]، {وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا}[15]، ونحو قولك: (مَنْ يَدْرُسْ يَنْجَحْ).
  • ما: أداة شرط جازمة لغير العاقل، نحو قوله تعالى: {مَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ}[16]، {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}[17]، ونحو قولك: (ما تفعل أفعل).
  • مهما: أداة شرط لغير العاقل أيضا، نحو قولها تعالى: {وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ}[18]، ونحو قولك: (مهما يحدثْ فإني أُعزّك)، قال الشاعر[19]:

أغَرّكِ مِنِّي أنّ حُبّكِ قاتِلي            وأنكِ مهما تَأْمُرِي القَلْب يفعلِ

  • أيّ: أداة شرط جازمة تستخدم للعاقل ولغير العاقل، حسب إضافتها، نحو:
    • العاقل: (أيُّ رجلٍ تُحبْ أُحِبْ) و (أيُّ فقيرٍ تُعطِ أُعْطِ).
    • غير العاقل: (أيُّ سيرٍ تَسِرْ أسِرْ) و (أيُّ كتابٍ تقرأْ أقرأْ)، وللزمان نحو: (أيُّ يومٍ تعملْ أعملْ)، وللمكان نحو: (أيُّ أرضٍ تنزلْ أنزلْ).
    • وقد تدخل عليها (ما) نحو قوله تعالى: {أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى}[20].
  • متى: أداة شرط جازمة لظرفيّة الزّمان، نحو قولك: (متى تتعلمْ تتقدمْ) و (متى تأتِني أُكرمكْ).
  • أيَّان: أداة شرط جازمة لظرفيّة الزّمان أيضا، نحو قولك: (أيَّانَ تطعِ اللهَ يساعدْكَ) و (أيَّان تُنادِ أُجِبْك)، قال الشاعر:

أَيَّانَ نُؤْمِنْكَ تَأْمَنِ غَيْرَنَا، وَإِذَا                  لَمْ تُدْرِكِ الأَمْنَ مِنَّا لَمْ تَزَلْ حَذِرَا

  • أينما: أداة شرط جازمة لظرفية المكان، نحو قوله تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ}[21]، وقولك: (أينما تَكُنْ تَنجحْ)، قال الشاعر[22]:

صَعْدَةٌ نابِتَة في حَائِرٍ                  أَيْنَما الرِّيحُ تُميِّلْهَا تَمِلْ

  • حيثما: أداة شرط جازمة لظرفية المكان الـمُبْهَم، نحو قوله تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}[23]، ونحو قولك: (حيثما تنزلْ تُحتَرَمْ)، قال الشاعر:

حيثُمَا تَسْتَقِمْ يُقَدِّرْ لكَ              اللَّهُ نَجاحًا في غابِرِ الأزمانِ

  • أنّى: أداة شرط جازمة لظرفية المكان (عموم المكان)، نحو قولك: (أنّى تذهبْ أذهبْ)، قال الشاعر:

فَأَصْبَحْتَ أَنَّى تَأْتِهَا تَسْتَجِرْ بِهَا                 تَجِدْ حَطَبًا جَزْلاً وَنَارًا تَأَجَّجَا

 

أدوات الشرط المختلف فيها:

وهي ثلاث أدوات إذا أُريد باستخدامهم الشرط:

  • إذا: ظرف زمان مستقبل، وشرطية في أغلب استعمالاتها، والجزم بها مقصور على الشعر، قال الشاعر[24]:

وَإِذَا تُصِبْكَ خَصَاصَةً فَارْجُ الغِنَى               وَإِلَى الَّذِي يُعْطِي الرَّغَائِبَ فَارْغَبِ

  • كيف: وهي للسؤال عن الكيفية والهيئة، وتستخدم كأداة شرط لبيان الكيفية، (وتحتاج لجملة شرطية وجملة جوابية)[25]، والظاهر من كلماتهم أنها تفيد الشرط ولكنها لا تجزم.
  • لو: قال عباس حسن: (وأما “لو” الشرطية، فخير الآراء أنها لا تجزم مطلقا، لا في النثر ولا في الشعر)[26].

 

أدوات الشرط الغير جازمة:

وهي أدوات نفيد الشرط، لكنها لا تجزم، وهي خارج محل البحث كسابقتها، وهم: (لو، لولا، لوما، كلما، إذا، لما، أما).

 

وسيأتي الكلام عن فعل الشرط وجوابه وبعض النقاط لـخِتامِ المطلب في المقالة القادمة إنْ شاء الله.

 

والحمد لله رب العالمين

 

فواز سرحان

النجف الأشرف

27 مارس 2016

16 جمادى الثاني 1437

 

[1] سورة البقرة: 191.

[2] سورة الأعراف: 176.

[3] سورة آل عمران: 32.

[4] سورة يونس: 104.

[5] النحو العربي ج2 ص455 نقلا عن معاني النحو.

[6] سورة ابراهيم: 19.

[7] سورة الإسراء: 8.

[8] قيل أنه قعنب ابن أم صاحب بن ضمرة.

[9] سورة آل عمران: 32.

[10] النحو الوافي ج4 ص326.

[11] معاني النحو ج2 ص458.

[12] سورة الأنفال: 29.

[13] سورة الأنفال: 19.

[14] سورة النساء: 123.

[15] سورة آل عمران: 145.

[16] سورة البقرة: 197.

[17] سورة البقرة: 106.

[18] سورة الأعراف: 132.

[19] القائل هو امرؤ القيس.

[20] سورة الإسراء: 110.

[21] سورة النساء: 78.

[22] كعب بن جعيل.

[23] سورة البقرة: 144.

[24] هو النمر بن تولب.

[25] النحو الوافي ج4 ص334.

[26] النحو الوافي ج4 ص334.

التشخيصات العرفية

تبين مما سبق عبر استقراء الحالات الاجتماعية ونظرة المتشرعة أن العرفيات المسلمة عند المجتمعات منها ما هو موروث تأريخي أو ديني كما أسلفنا سابقا، وكذلك منه ما هو ثابت وما هو متغير بحسب الحاجة الاجتماعية والدينية الخاصة، كما وأن منها ما هو تلقائي عفوي وما هو مدروس.

ومن العرف ما يتم الإقناع بالحاجة إليه على نحو الترغيب وإبرازه كنوع من أنواع الحلول لمشكلة ما في المجتمع عادة، وحينما يعجب الناس دوره ووضعه يتسالمون عليه ومن ثم يشيع استحسانه فيتعاملون به بينهم.

حينها تتدخل الشريعة من عدة وجوه مهمة على نحو تنظيمي وتشريعي حسب مقتضى الحال وبروز عناوين مختلفة تحتاج للتشريع لكونها متعلقات بأحكام تختص بتلك العناوين.

اشتبه كثيرون حينما اعتبروا بأن التسالم تحت عنوان التراضي كاف لتصحيح كافة المعاملات عبر السياقات والصور العرفية، وذلك _في نظرهم_ كافٍ لتغيير صور المعاملات عبر تحويلها لجعليات خاصة في صور التراضي دائما، ولكن ذلك قد يتوقف في حالات شرعية كثيرة كالربا والمعاملات المحرمة حيث وجود المانع الشرعي من التداول بهذه الصورة.

كما لا يمكن أن نحكم على خمرٍ مثلا بكونه خلا، إن كان مازال بحكم الخمرية شرعا ولم يستوفِ كافة شروط فساده ليحكم بكونه خلا ولو تسالمت الناس على ذلك.

نعم، قد يمضي الشارع بعض العرفيات والمعاملات حسب المقتضي وإن خالفت واقعا ما بشرط أن إمضاء أمثالها تكون لتدارك مصلحة عامة للمجتمع، ودفع مفسدة واقعية كبيرة بحال من الأحوال، ولكن العناوين المحرمة غير داخلة في مثل هذه الإمضاءات إلا في حال الاضطرار وهذه قضية شخصية للفرد وظرفية للمجتمع بلحاظ آخر مجموعي، لا يمكن جعلها عرفا أو قانونا عرفيا يعمل به دائما.

وقد يتغير الحكم الشرعي المتعلق بعنوان ما قد تم تشخيصه عرفا كلباس الشهرة مثلا، بحسب تغير التشخيصات، فما كان شاذا بالأمس قد يكون متعارفا اليوم، وما كان مكروها ومرفوضا قد يصبح مرغوبا بحسب ما يشيع ويشتهر بين الناس، فيصبح لباس الشهرة عاديا لا شهرة له فينتفي سبب المنع عنه.

كما قد تتغير ملابس الحداد للمتوفى عنها زوجها بحسب التسالم العرفي، فالمتعارف في النصوص الشرعية لبس الملابس الداكنة، ولكنها تتحول لملابس فاتحة في شرق آسيا حيث يتسالمون على جعل اللون الداكن للفرح والفاتح للحداد، فيتحقق عنوان الحداد الشرعي عندهم بلبس الأبيض.

فالحقائق الشرعية والمتشرعية تمثل واقعا حكميا وتشخيصا خاصا له طرقه الخاصة المختلفة عن التشخيص العرفي فلا يمكن جعل العرف حاكما أو مشخصا فيها بحال ولا التصرف بتحويلها لعناوين كي يغير متعلق الحكم الشرعي وإن كانت الحقيقة المتشرعية تخص عرف المتشرعة ولكن لتسالم ذلك العرف معاييره الخاصة المتمسكة بالسياق الشرعي وهذا يختلف عن السياق العرفي المجرد ..

 

والحمد لله رب العالمين

 

الميرزا عباس العصفور

النجف الأشرف

فريضةٌ بها تستقرُ الأمور

رواية ودرس 16

📚 روي عن الإمام الصادق “ع”:

( وَيلٌ لِقَومٍ لا يَدينُونَ الله بالأمرِ بالمعروفِ والنَهي عن المُنكَر ).

الكافي ج5 ص57.
📌 سَبيلُ الأنبياءِ ومنهاجُ الصُلحاء، أَهمُ الفرائِض الإسلامية، التي بها تستقيمُ الأمور، وتُردُ المظالم، وتعمر الأرضُ كما عبر أئمةُ الهدى من آل بيت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

📌 من أعظمِ الواجبات الدينية ” الأمرُ بالمعروفِ والنَهي عن المُنكرِ ” التي تجب على الإنسان، وخصوصاً في هذا الزمان الذي عَمَّت فيهِ الفِتَنُ وانتشرت الضلالة وانعدمت القيمُ والفضائل.

📚 ويستَدَلُ على وجوبِها بقولِ الله عز وجل:

( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) سورة آل عمران، آية 104.

وعن سول الله (ص): ( ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ولم يوقر كبيرنا، ولم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر) مستدرك الوسائل ج12 ص185.، وقول أمير المؤمنين (ع): ( قُوامُ الشَرِيعةِ الأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر ) ميزان الحكمة ج3 ح 1940.

فلما أمرنا الله سبحانه وأهل البيت (ع) بأداءِ هذه الفريضة المقدسة، كذلك نهوا عن تركها أشدَ النهي، والتهاون فيها، فتركها يترتب عليه انحرافُ المجتمعِ وزيغِهِ عن سُنن العدل وطريقِ الصواب، فتركها يترتب عليه أيضاً آثارٌ عكسية في حياة الأُمة فيسودُ الباطل ويعبث فيها.

📚 فعن جابر عن أبي جعفر الباقر (ع) قال: ( أوحى الله إلى شعيب النبي: إني معذبٌ من قومِكَ مائةَ ألف، أربعين ألفاً من شرارهم وستين ألفاً من خيارهم، فقال: يا رب هؤلاء الأشرار فما بالُ الأخيار ؟ فأوحى الله عز وجل إليه: داهنوا أهل المعاصي فلم يغضبوا لغضبي ). الكافي : 5/56 ، كتاب الجهاد ، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ح1.

وروي عن النبي محمد (ص): ( لا يزال الناس بخيرٍ ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البر، فإذا لم يفعلوا ذلك نُزِعَتْ منهم البركات وسلّط بعضهم ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء ). وسائل الشيعة ج11، ص398.
📝 ولهذه الفريضةِ الواجبة شروط:

العلم بكونه معروفاً أو منكراً ليأمن من الخطأ، والعلم بالتأثير ولو بشكل جزئي، والقدرة والتمكن منه وعدم ترتب الضرر عليه، وأن يكون مرتكب المنكر أو تارك المعروف مصراً على عمله.

وينبغي أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ملتزماً هو بنفسه لكي يؤثر على الآخرين.

روي عن أميرالمؤمنين (ع) قوله: ( من تَرَكَ انكار المنكر بقلبه ويدهِ ولِسانه فهو ” ميتُ الأحياء ” ). ميزان الحكمة ج3، ص1951.
خادم الآل

الميرزا زهير الخال

النجف الأشرف

الأحد ٢٨ جمادى الأولى ١٤٣٥هـ

العرف المصطنع

بسم الله الرحمان الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

غالبا ما ينشأ العرف من القواعد البديهية أو المباني اللغوية الخاصة أو الطبائع المتحدة بين جماعة بجانب الاستدلال العقلي البسيط المعتمد على حب العدل وكره الظلم والمصالح والمفاسد على نحو من القضايا الشخصية تحفظ حقوق الأفراد مع مراعاة الجانب الفردي بما هو مع غض الطرف عن المصالح العامة تحصل بذلك أم لا، وإن كانت تحصل بتحصيل حاصل على الأغلب، فالمصلحة العامة لحاظها مصلحة الجميع وإن شذ في قاعدتها أطراف، والمصلحة الخاصة إن اجتمعت لمؤدى المصلحة العامة فذاك وإلا فلا تصلح أن تكون قانونا لشخصيتها وجزئيتها.

وقد تنشأ الأعراف من موروثات الأديان السابقة التي كانت تعتنقها فئة ما ولو من سنين بعيدة، ولو جهلت مصادر صدورها، حيث يبحث علماء الاجتماع ودارسوا الأديان عن مناشئها من هيئات مبانيها الكاشفة عن مصدريتها ومنبعها.

وقد تنشأ من تسالم أهل الفنون والمهن على طريقة معاملاتية معينة، كتحويل المقاييس وتفضيل الصفات لغيرها بحسب تغيير المرغوبيات والخصائص الخارجية للأشياء كل بحسبه.

ولكن قد تتفق فئة ما على نقل الأعراف أو نسخها بعرف جديد على ما تقتضيه المصلحة وبحجة دفع الضرر أو اكتشاف عدم جدوائية العرف السابق مع التطورات والمستجدات الحاصلة في نواحي الحياة المختلفة.

وهنا ثلاث صور:

الصورة الأولى:

حين يغلب الجانب البديهي على الجانب العرفي رغم تسالماته نظرا لكون الملاك العقلي الفطري واضحا فيه ويشترك في تسالمه جميع العقلاء لو خليناهم وطبعهم من جهة، وسبق كون العقل هو الحاكم على العمل به قبل التسالم على إمضائه اجتماعيا فعليا ، حيث تكون الأقيسة المباشرة حاضرة منطقيا وقياس الأولوية حاضر شرعا.

أما الألفاظ والمباني اللغوية فهي موضوعة من قبل المجتمع على نحو إيجاد المعاني فما يحصل فيها من تغيير فهو في مباني اللفظ خاصة.

في الصورة الثانية:

إن الشريعة الإسلامية السمحاء قد نسخت كافة الأديان السماوية التي سبقتها وما كان منسوخا فقد هجر التعبد به، ولكن هناك ما هو مستمر من الأديان وقد أمضته الشريعة الإسلامية كونها امتدادا لعبادة رب الأرباب الواحد الأحد واتحاد المشرع والمعبود..

فما كان ماضيا من الشرع فهو ماضٍ وما هو منسوخ فقد وجب تركه والتعبد بالشريحة الناسخة وهجر الشرائع المنسوخة وعدم إحياءها في العادات والتقاليد أبدا.

في الصورة الثالثة:

فالتسالم فيها يكون سببا لحفظ المصالح المعيشية والبشرية من جهة الإدراك العقلي بين المتعاملين باعتبار أنها وضعت لمصلحة ما، فتتدخل الشريعة فيه لحفظ وتنظيم مصالح الناس.

 

ولكن اذا اتفقت أو تسالمت فئة ما على جعل عرف جديد من حيثيات وجهات معينة فإنه ينحو المنحى اللفظي في الشياع، كمنحى أي وضع جديد يحتاج للتعيين حتى يشيع فيتعين، فيتدرج نحو الفناء في المعنى التسالمي العرفي على نحو الشياع المستلزم لهجران الوضع الالتزامي والتقنيني السابق إن كان له معنى سابقا أو بروزه كقانون أو معنى جديد إن كان مستجدا..وهكذا..

فلا يمكن للشريعة الاعتداد به كعرف من حين ولادته حتى يصبح عرفا فعلا، فنتمكن من البناء عليه كعنوان عرفي بأي نحو أو جهة، لأن الأحكام الشرعية تتعلق بالمعنون بعد وجوده أو إيجاده في الخارج حتى يمكن البناء عليه وانطباق وجوده في الخارج على مفهومه العنواني، فلا يمكن التعامل مع الشايع قبل حمله أوليا.

ويتحصل من هذا كله أنه ليس كل ما شاع بين الناس يعد عرفا إن لم يتسالموا على العمل به ولا العكس، بمعنى آخر، أن ليس كل متسالم عليه يعد عرفا إن لم يحصل على مرتبة الشيوع مقارنة بالعمل به.

 

والحمد لله رب العالمين

ميرزا عباس العصفور

النجف الأشرف

 

 

وباءٌ إجتماعي مدمر

رواية ودرس 15
📚 روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال:

( تركُ الغيبة أحبُ إلى الله من عشرة آلاف ركعة تطوعاً ).

بحار الأنوار ج ٧٢ ص ٢١٦.
📌 من الذنوب المنتشرة في مجتمعاتنا، والتي أصبحت لها السيادة في المجالس والديوانيات، ذَنبٌ أشدُ مِن الزنى والعياذُ بالله، وهو ” الغِيبة ” ومعناها: ( أن يتكلم الإنسان خلف إنسان مستور بما يغمه لو سمعه، فإن كان صِدقاً سمي غيبة، وإن كان كذباً سمي بهتاناً ).

📚 مما جاء في وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أبي ذر الغفاري (رضوان الله تعالى عليه): { يا أبا ذر إياكَ والغيبة فإن الغيبة أشدُ مِن الزنى، قلت: ولم ذاك يا رسول الله ؟ قال: لأن الرجل يزني فيتوب إلى الله فيتوبُ الله عليه، والغيبة لا تغفرُ حتى يغفرها صاحبُها }. وسائل الشيعة: 13 / 280.

📌 لقد ورد لفظ الغيبة في القرآن الكريم مرةً واحدة في سورة الحجرات آية ١٢ حيث قال تعالى: { ولا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ }.

وأما الأحاديث الشريفة التي وردت في النهي عن الغيبة والآثار الناجمة من الغيبة عن أهل بيت العصمةِ الأطهار ( عليهم السلام ) كثيرةٌ جِداً.

فالمُغتابُ يُأكلُ مِن لحمِهِ يوم القيامة، فعن أميرالمؤمنين “ع” أنهُ قال في وصيته لنوف البكالي في مسجد الكوفة المعظم: ( اجتنب الغيبة فإنها ادامُ كلابِ النار، ثم قال: يا نوف كذب من زعم أنهُ ولد حلال وهو يأكُلُ لحوم الناسِ بالغيبة ). بحار الأنوار ج 74 – ص 382 – 383.

📌 ولذا إن ماتَ المغتاب قبل أن يعتذر ممن اغتابه ولم يَتُب إلى الله – كما عبر رسول الله (ص) – ماتَ مستحلاً لما حرم الله عز وجل.

ولنا الموعظة الكبرى في حديثِ الإسراء والمعراج عن رسول الله (ص) قال: ” مَرَرتُ ليلة أسري بي على قومٍ يخمشونَ وجوههم بأظافيرهم، فقلت: يا جبرئيل من هؤلاء؟ فقال: هؤلاء الذين يغتابون الناس ويقعون في أعراضِهم “. تنبيه الخواطر 1/115 .
🚩 سؤال: ما هيَّ مسببات الغيبة التي تدفع الإنسان لإرتكاب مرضِ الغيبة ؟

الجواب: الغضبُ، والحِقدُ، والحسدُ، والتكبُر على الغير، ومجالسةُ الأشرار التي تورث سوء الظن بالأخيار.

ولذا فالغيبةُ حرام والإِستماعُ لها حرام حتى وإن رَضِيَّ المُغتاب.
خادم الآل

الميرزا زهير الخال

النجف الأشرف

السبت ٦ جمادى الأولى ١٤٣٥هـ

في رحاب أنوار فاطمة ع المظلومة

والحمدلله حمدا _ لا انقطاع له والشكر لنعمائه شكرا   _ متواصلا لرضاه و فضله، والصلاة والسلام على خير خلقه الذين اصطفاهم لعلمه محمد وآل محمد ، وجعل مقاليد الأمور إليهم بالدلائل والبراهين رغم جحود الجاحدين، فمن كتابه وسنن نبيه صلى الله عليه آله عرفنا وحدانية الله وكتبه ورسله، فتعلقنا وتحدقنا لنصل لمرضاته عبر أوليائه محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين وبالتسعة المعصومين من ذرية الحسين عليهم السلام طائعين غير منكرين.

مقالي يتمحور عن مظلومية فاطمة الزهراء عليها السلام ,ونكون في رحاب نورها صلوات الله وسلامه عليها .

إن عجز المسلمين عن وصولهم لكنه او توصيف فاطمة (عليها السلام) ليس لتقصيرهم بل لعجزهم عن وصف تلك المعصومة التي آثرت وتحملت وقاست في سبيل الله عز وجل ما قاست، أكتب هذه الكلمات وقد عجزت عن إعطاءها حقها ولكن لرفع الشبهة وتقديم الحق وهو من ديدن أمورنا، فنحن أصحاب الدليل أينما مال نميل، وفي مقالي هذا لا أستطيع أن أحيط بكل شيء ولكن أذكر ما يوفقني الله عليه أتوكل ومنه التوفيق.

فاطمة بنت محمد ص عليها السلام:

منشأ نطفتها من الجنة ، حين هبط الأمين جبرائيل ذات يوم بهديةَ من أثمن الهدايا ألتي أهدتها السماء إلى خاتم الرسل (ًصلى الله عليه وآله وسلم) وهي تفاحة من الجنة تحمل سرا “عجيبا” أودعه فيها ربّ العزة، فيتناول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تلك التفاحة لتتحول في صلبه نطفة لهذه الوليدة التي حملت بها سيدتنا أم المؤمنين خديجة عليها السلام وتبدأ رحلت الوليدة الجديدة للنبي (ص) وخديجة عليها السلام .

فعند وضعها عليها السلام تقول :الروايات من العامة 1 أن قوابل فاطمة عليها السلام هم حواء (عليها السلام)، وآسية (عليها السلام)، وكلثم (عليها السلام)، ومريم (عليها السلام) ، وأن الله تبارك سماها فاطمة لأنها تفطم شيعتها عن النار2،

إن الاختلاف وقع بين الإمامية والعامة في تحديد ولادتها سلام الله عليها ولا أخوض في الخلاف، ولكن أرادت السماء أن تصوغ امرأة يُراد لها أن تكون نموذجا  للنساء في الكمال والفضل والعفة والطهارة 3 والشرف فخلّقت فاطمة الطاهرة البتول العابدة الصديقة العالمة، فهذه الوليدة ترعرعت في كنف أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى أضحت مثلهُ لأنه أطلق عليها لقب لم يحظى به أحدٌ قبلها ولا بعدها، وهو (أم أبيها)4 لتعلقه بها، كان يقول لها قولي ((يا أبه)) فإنه أحب للقلب وأرضى للرب وهذا أنموذج بسيط عن علاقتها بأبيها.

فمولاتنا فاطمة التي كان وجهها ينيرُ المدينة في الليل، كما ذكر المؤرخ القرماني عن عائشة: كنا نخيط ونغزل وننظم الإبرة بالليل في ضوء وجه فاطمة.

فلهذا النور قصة قبل خلق الخلق، فقد روى عن ابن عباس قال: لما أمر الله تعالى آدم بالخروج من الجنة، رفع طرفه نحو السماء فرأى خمسة أشباح عن يمين العرش فقال: إلهي! هل خلقت خلقا قبلي؟ فأوحى الله تعالى إليه: أما تنظر إلى هذه الأشباح؟ قال: بلى! قال تعالى: هؤلاء الصفوة من نوري، اشتققت أسماءهم من أسمي، فأنا الله المحمود وهذا محمد، وانا العلي وهذا علي، وأنا الفاطر وهذه فاطمة، وأنا المحسن وهذا الحسن، ولي الأسماء الحسنى وهذا الحسين. فقال آدم: فبحقهم اغفر لي، فأوحى الله تعالى إليه: قد غفرت لك. وهن الكلمات التي قال تعالى عنها : [فتلقى آدم من ربه كلماتٍ فتاب عليه]5.

وهذه الأنوار المتكاملة في عالم الذّر، متكافئة في الدنيا فشـاءت إرادة السماء على تزويج النور من النور، وأخرج ابن عساكر عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام ) أمرت بتزويجك من السماء …

قد أضاء النور الفاطمي بيت الإمام علي عليه السلام، وكانت فاطمة كفوا “ونظيرا” لأمير المؤمنين (عليه السلام) في أن يكون كل منهما مقياسا للحق ومحورا له، وقد عاشت في بيتها ملتزمة بأموره، إلى أن استشهدت مظلومة مهضومة الحق ولم يراعوا قول نبيهم (صلى الله عليه وآله) في حقها، هجموا على دارها وأحرقوا بابها وكسروا ضلعها وأسقطوا جنينها، حتى دفنها بعلها (عليه السلام ) ليلا، وأعفى قبرها لكي لا ينال شفاعتها من ظلمها.

 

قد أخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما يجري عليها وذكر أكثر علماء العامة ما يجري عليها6.

و قد أخبر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه إذا كان يوم القيامة _ لأنه يوم الثواب والأكبر لأولياء الله تعالى،يوم طالما انتظره المقربون بفارغ الصبر لينالوا من معبودهم الجزاء الأوفى والأوفر_ جمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، ثم نادى من بطون العرش: إن الجليل جل جلاله يقول:(نكسوا رؤوسكم وغضوا أبصاركم فإن فاطمة بنت محمد ( عليها السلام) تريد أن تمر على الصراط7.

ألا يحق لها وهي أم العفاف حتى أنها لم تخرج حتى على الأعمى، ولعل قائلا يقول هذا من عندكم! متهما النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والرواة الثقاة عنه!  أوليس كله من عند الله لأنه (صلى الله عليه وآله) لا ينطق عن الهوى.

وقد أخبرنا (صلى الله عليه وآله): يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها، والحديث من الفريقين، فتكون (عليها السلام) الشافعة لمن رضت عنه مصداقا لقوله تعالى: (لا يشفعون إلا لمن ارتضى) لأنها وعدت شيعتها أنها لن تدخل الجنة حتى يدخلوا معها.

كذا في حديث الخوارزمي عن سلمان قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا سلمان من أحب فاطمة ابنتي فهو معي في الجنة ومن أبغضها فهو في النار. يا سلمان! حبّ فاطمة ينفع في مائة من المواطن، أيسر تلك المواطن الموت، والقبر، والميزان، والمحشر، والصراط، و المحاسبة، فمن رضيت عليه ابنتي فاطمة رضيت عنه، ومن رضيت عنه رضي الله عنه، ومن غضبت عليه ابنتي فاطمة غضبتُ عليه، ومن غضبتُ عليه غضب الله عليه، ياسلمان! ويل لمن يظلمها ويظلم بعلها أمير المؤمنين عليا (عليه السلام)، وويل لمن يظلم ذريتها وشيعتها.

وفاطمة مقامها أجل من المؤمنين الذين أجمع الفرقاء على قبول شفاعتهم لأريعين نفر يوم القيامة، ولا يمكن للباحث عن الحقيقة التنكر بعقلية لا ترضى بدليل ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

الشيخ حسين علي المولى

النجف الاشرف 2جمادي الاخر 1437هجري

 

1-_ذخائر العقبى ص45-الحنفي في ينابيع المودةج3ص135الرقم382.

2-_الذهبي عن البخاري وأخرجه ابن حجر عن البخاري.

-3_إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)33اية سورة الأحزاب.

4-_المعجم الكبيرج22 ص397-تاريخ مدينة دمشق ج3ص156.

5-_تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبين ص23-البقرة 37.

6-_ابن قتيبة الدنيوري في المستدرك-البلاذري في كتاب الإمامة والسياسة-مروج الذهب

كتاب المحسن السبط لسيد محمد مهدي الخرسان دام ظله ذكر اسانيد كثيرة تثلج الفؤاد.

7-_نظم درر السمطين ص182

 

الغضب، مفتاح كل شر

رواية ودرس 14
📌 روي عن الإمام الصادق “عليه السلام”:

( الغضبُ مِفتاحُ كل شر ). الكافي، ج٢، ص٣٠٢.
📚 الغضبُ كما عرفه صاحب كتاب “جامع السعادات”: ( كيفية نفسانية موجبة لحركة الروح من الداخل إلى الخارج للغلبة، ومبدؤُهُ شهوة الإنتقام ).

حالةٌ تُخرِجُ الإنسان عن سلطان العقل، وتجعلهُ وحشاً لا يهمه إلا الإنتقام.

وهي حالةٌ لها آثار سلبية على الإنسان والمجتمع، فهيَّ تفسد أخلاق الإنسان إذا اتصف بها، وتفسد المجتمع إذا ما دخلت فيه.

وقد بين أهل بيتِ العصمة “عليهم أفضل الصلاة والسلام” آثار الغضب، وأمروا الإنسان المسلم المؤمن أن يجتنب الغضب، لأنَّ الغضب يُفسِدُ الإيمان، فلهذا شبهَهُ النبي (ص) بـ الخل الذي يفسد العسل، عن رسول الله (ص): ( الغضبُ يُفسِدُ الإيمان كما يفسد الخلّ العسل ). الكافي، ج٢، ص٣٠٢.

📚 والغضبُ يُوَرِثُ العدوات والأحقاد التي تحرق المجتمع، مثلما تأكُل النارُ الحَطبَ، لأنَّ الغضب من أشدِ جنود إبليس التي يستخدمها لتدمير الإنسان، وأيضاً شدةُ الغضب كما قال أميرالمؤمنين “ع”: ( شدة الغضب تغير المنطق وتقطع مادة الحجة وتفرق الفهم ). بحار الأنوار، ج68، ص 428.

ولهذا الغاضبُ مصيرهُ إلى النار، كما أكد الإمام الباقر “ع”: ( إن الرجل ليغضب فما يرضى أبداً حتى يدخل النـار ). الكافي، ج٢، ص٣٠٢.

📚 لقد خاطب الله سبحانه نبيهُ موسى “ع” كما هو مكتوبٌ في التوراة: ( يا موسـى أمسك غضبك عمن ملكتك عليه أكفُ عنكَ غضبي ) الكافي، ج٢، ص٣٠٢.، فعلى الإنسان المؤمن أن يُمسك غضبه ليكون من أهلِ ” وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ “.

🚩 للغضب علاج، ومن علاجهِ التفكرُ فيما وردَ في ذم الغضب ومدح كظم الغيظ والحلم والعفو، وأن يجلس من فوره إذا كانَّ قائِماً وذلك مجرب.

ومن أعظم المجربات ومِن أهمِ علاج للغضب هـو ” الوضــوء “، عن النبي (ص): ( إذا غضب أحدكم فليتوضأ وليغتسل فإن الغضب من النار ) بحار الأنوار: 70/ 272.، وفي رواية أخرى: ( الغضبُ من الشيطان وأن الشيطان خُلِقَ مِنَ النار وإنما يطفئ النارَ الماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ ).
خادم الآل

الميرزا زهير الخال

النجف الأشرف

الجمعة ٥ جمادى الأولى ١٤٣٥هـ

المحقق الحلي : شيوخه , تلامذته.

المطلب الرابع

شيوخه , تلامذته

بعض شيوخه :

  • والده الشيخ حسن بن يحيى رحمه الله  [1] .
  • محمد بن عبد الله بن زهرة الحسيني صاحب كتاب(الأربعين في حقوق الإخوان) [2].
  • نجيب الدين محمد بن جعفر بن أبي البقاء(ابن نما الحلي) (ت645هـ)   [3]
  • شمس الدين فخار بن معد الموسوي , صاحب كتاب(الحجة على المذاهب الى تكفير أبي طالب)(ت630هـ).
  • سيد الدين سالم بن محفوظ.

بعض تلامذته:

  • الحسن بن يوسف المطهّر(العلامة الحلي) (ت726هـ) [4].
  • الحسن بن داود صاحب كتاب الرجال الذي فرع من تأليفه(707هـ) [5].
  • السيد غياث الدين عبد الكريم أحمد بن طاووس صاحب كتاب(فرحة الغري) [6].
  • الشيخ عز الدين الحسن بن أبي طالب اليوسفي الآبي صاحب كتاب(كاشف الرموز في شرح المختصر النافع) [7].
  • نجيب الدين يحيى بن أحمد بن سعيد الحلي صاحب كتاب(الجامع للشرائع) وهو ابن عم المحقق [8].
  • رضي الدين علي بن يوسف الحلي , صاحب كتاب(العدد القوي) [9]

 

 

انتهى مبحث ترجمة سيرة المحقق الحلي وندخل في مباحث منهجية وتاريخ كتاب شرائع الإسلام في المقالات القادمة ضمن هذه السلسلة.

 

 

[1] الحر العاملي : أمل الآمل , 2/80-280.

[2] المحقق الحلي ,المسلك في أصول الدين , تحقيق / رضا الاستادي , ص15

[3] أفندي , رياض  العلماء , 2/412.

[4] ابن داود : الرجال , ص78.

 

[5] الحر العاملي: أمل الامل , 2/70-71 , البحراني لؤلؤة البحرين , ص268.

[6] المحقق الحلي, المسلك في أصول الدين , تحقيق /رضاالاستادي , ص16.

[7] نفس المصدر, ص16.

[8] نفس المصدر, ص16

[9] نفس المصدر,ص16

 

صناعة العرف

بسم الله الرحمان الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين .

لكل فعل اعتبار من جهة ما عند العقلاء، فتارة تقوّم لشخص الفاعل وظرفه وتارة للظرف العام وفينة لمن وقع عليه الفعل، فالحكم العرفي حينئذٍ يكون مختصا بجهات الاعتبار في لحاظ المصلحة والمفسدة، فما كان ظرفا عاما أو خاصا يتقيد به وما كان ذاتا أو موضوعا يندرج تحت عناوينه العرفية المحكومة به.

فالجهات الظرفية المأخوذة في عين الاعتبار الشرعي هو مما له الأثر الموضوعي وعنوانه الشرعي في المعاملات بين الناس، كتقويم الأسعار حال تفضيلات السلع في موسم ما وفرقه مع ظرف عادي غيره حال تعلق قيمته في الذمة حين التلف زادت أو نقصت، رغم أن هذه القيمة تتغير بتغير الظرف والأحداث حولها.

والذوات يلحظ في ماهيتها عناوين الموضوع الشرعي من قريب أو بعيد بحسب تصنيفه وما كان منه وما يُحكم به، ككون المعاملة ذات ماهية ربوية أم لا؟ أو كون العقد المستحدث يحمل على الصحة أو البطلان في حكمه وحكم التعامل به، وبهذا قد تتقيد الذات بقيود المحمول من مفهوم العنوان الشرعي من حيث وجوده أو عدمه في تباين خاص بحسب ما يخلفه من أثر شرعي في سياق شرطي من الوجود والعدم، فما عد صحيحا كان موجودا وما عد باطلا كان في حكم المعدوم شرعا، وفي نفس السياق قد تؤخذ حتى العناصر العرفية الزائدة عن مفهوم العنوان الشرعي بشرط الإضافة له إن تعلقت بالعقود والعهود وجودا أو صحة.

فقد يهرع وجهاء قوم أو أهل الحرف والمهن لصناعة عرف ما كالقيمة السوقية أو أجور المنافع أو كيفيات المنافع وتسمياتها أو تجزيئها وتقسيمها خصوصا في المدن الصغيرة حيث يكونون معدودين على الأصابع، فيتفقون ويتسالمون ويشيعون عرفا معينا يحكمون به في السوق وفي الحياة الاجتماعية من كيفيات الزواج والطلاق الخارجة عن الصيغة الشرعية في أمورهم الحياتية حتى يشيع ويصبح جزءا من حياتنا كم يفعله الإعلام في المجتمع ضمن هذه الكيفيات حتى في المأكل والملبس.

فلو نظرنا للعرف وطبيعته الظرفية وتأملناه نجده محلا للحوادث والمتغيرات بحدوثيات العالم من تطورات حادثة ومتغيرة تؤثر في تغير الثقافات عبر تلاقحاتها الفكرية حيث تتعدد المعايير في البيع والشراء أو تتغير فيترك المعيار السابق في المكيل والموزون بل قد لا يباع بالمعيارين السابقين ويتحول بيعه معدودا بحسب الاستهلاك السوقي واتفاق التجار في المجتمع أو ما يفرضه عليهم القانون الوضعي في الاستيراد والتصدير، أو جنوحهم لتقليل العرض ليحصلوا كثرة الطلب بين الناس.

لذا فإن الشريعة السمحاء تلحظ ذاتية البيع وتقيد ماهيته بمفهوم العنوان الشرعي وتحليل كل تلك التغيرات بقانون التراضي عرفا ولا تتدخل بتحولات المكيل والموزون والمعدود ولا تتقيد بأحدهم لأنها تلحظ في اعتباراتها ما يؤثر في البيع فقط من تحديد الكم والعوض عن المعوض ولا تمنع إلا بما له مانع شرعي حتى لو تراضى عليه العرف كالربا المحرم بدليل تحليل البيع وتحريم الربا .

قد يرجع العالم المجتهد والحاكم الشرعي للعرف لبيان هذه المقادير في أحكامه الفعلية والنزاعات بين الناس باعتبار كلام أهل الصنف والخبرة في تحديد المشكوك والمبهم لتحقيق الحكم بالظاهر.. وما نراه اليوم من تصحيح البيع المعاطاتي بالتراضي وبلا صيغة لفظية مخصوصة بالبيع دليل على إمضاء صورة البيع الحاصلة بالتصرف الدال على الإيجاب والقبول عرفا بين الطرفين.

وقد يتعدى الناس على نحو متعارف بزيادة ما لا يضر بماهية المعاملات كزيادة أيام الخيار أو إضافة متاع للعروس كهدية خارجة عن المهر أو داخلة فيه يعده الشارع اتفاقا أو تراضيا على أمر مشروع وقد يصنف مثل هذه الأمور شروطا في العقود إن تم ذكرها ضمنيا، فتتعدى حينها عن كونها اتفاقا أو تراضيا محضا لتكون شرطا في صحة العقد.

الحاكم الشرعي يرجع في نزاعاتها للمتعارف حيث مهر المثل للعروس، والتقويم بحسب العرف في القيمة السوقية، حتى الأرش كذلك يكون بما تعارف عليه أهل الحرف والصناعات والأصناف ليخضع لأقوال أهل الخبرة لمعرفتهم بهم وبالحال السائد عرفا.

 

والحمد لله رب العالمين