العلامة الشيخ عباس الريس (قدس سره)، عالِمٌ وخطيبٌ وشاعرٌ أديب .. جاورَ الزهراءَ في مولِدها

بسم الله الرحمن الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

والحمدُ لله رب العالمين، وصلى اللهُ على رسوله محمدٍ وعلى آله الطيبين الطاهرين ..

 

وَرَدَ في الحديث عن رسولِ الله (صلى اللهُ عليه وآلهِ وسلم): (( العلماء ورثة الأنبياء يحبهم أهل السماء ويستغفر لهم الحيتان في البحر إذا ماتوا إلى يوم القيامة )) (١).

 

إنّ المتابع والمستقصي للروايات الشريفة التي وردت في فضل العلماء ومكانتهم يجدُ بشكل واضح وصريح ( المكانة الرفيعة التي يحضى بها العلمـاء )، لما لهم مِنَ الدور الكبير في نشر العلم وهِداية الناس وبناء المجتمع الإسلامي.

 

ولِهذا نجدُ في الروايات الشريفة تفضيلُ العالمِ الذي يُنتفعُ بِعلمهِ على العُباد، كما في الرواية الواردة عن الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام): (( عالم ينتفع بعلمه أفضلُ من سبعين ألف عابد ))(٢).

 

 

فإنَّ المسؤولية التي يحملُها العلماء العاملين على عواتقهم هيَّ مسؤولية كبيرة تجاهَ الدين الحنيف، وتجاه العالم الإسلامي، وتجاه مجتمعاتهم، فهو دورٌ عظيم، فُضِلَّ على العابد، وقد بينَّ نبي الإسلام تلك العِلّة في تفضيل العالم العامل على العابد، في قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (( والذي نفس محمد بيده، لعالم واحد أشد على إبليس من ألف عابد لأن العابد لنفسه والعالم لغيره ))(٣).

وواضحٌ مِن هذه الرواية الشريفة أنّ المديح والتفضيل إلى العالم العامل، لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (والعالِمُ لغيره)، وكذا قول الإمام الباقر (عليه السلام): (عالِمٌ ينتفع بعلمه)، فالمدحُ للعالم الذي ينتَفِعُ الناس بعلمه، فيُعلِمهم، ويُأدبهم على تعاليم الشريعة السمحاء المقدسة.

 

ولِذا نقول: إنَّ من الواجِبات على المجتمع الإسلامي تجاهَ العُلماء العاملين الذين يعلمونهم أفضل العلم وهو ” العلم الديني ” أنْ يعظمونهم ويوقرونهم، وهذا بعينه ما ذكرهُ الإمام السجادُ علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام): ( وأما حق سائسك بالعلم التعظيم له )(٤)، وكذلك يجب على الناس توقير العالِم، فعن الإمام زين العابدين (عليه السلام: ( من وقر عالما فقد وقر ربه )(٥).

 

ومِن هذا المُنطلق المُبارك، وتأدية لحقٍ من حقوق العلماء اِحياءُ ذكرهم بين الناس، في حياتهم ومماتهم، أقفُ عند شخصيةٍ من شخصيات علماء بلدي البحرين العزيزة، ومن علماء قريتي ومسقط رأسي قرية الدراز الحبيبة، العالِمُ العامِل فضيلة العلامة والخطيب الحسيني والشاعر الكبير ” الشيخ عباس الريس ” ( قدس الله نفسه الزكية ).

 

رُغم رحيله بعد ولادتي بسنة واحدة، إلا أني سمعتُ عنهُ الكثير، وذلك بسببِ علاقتهِ الأخوية الكبيرة مع زميله وصديقه والدي الجد العزيز المرحوم فضيلة العلامة الشيخ جعفر الخال (قدس سره).

 

ومع ذكرى رحيله الـ 27 ، الذي يصادف يوم ذكرى ولادة سيدة نساء العالمين الصديقة فاطمة الزهراء (عليها أفضل الصلاة والسلام) الـ 20 من جمادى الآخرة، نستعرضُ شيئاً من سيرته العطرة .

 

سائلاً منّ الله العلي القدير أن يوفقني بهذه السطور اليسيرة أن أردَ للراحل الكبير العلامة الريس (رحمه الله) بعضاً قليلاً من الجميل، في تذكير نفسي وتذكير المؤمنين بهذه الشخصية العلمائية المباركة..

 

⁃ نسب الشيخ الريس (رحمه الله):

 

هو صاحب الفضيلة الشيخ عباس بن أحمد بن علي بن أحمد بن سالم بن حسين بن أحمد بن علي بن الشيخ عباس الريّس (قدس سره).

 

 

⁃ ولادتـه:

 

وُلِدَ الشيخ عباس الريّس (رحمه الله) في قرية الدراز من قُرى البحرين في الجهة الشمالية الغربية عام ١٩٣٨ ميلادية.

ينتمي إلى عائلة الريّس – بتشديد الياء – التي لها مكانتها الإجتماعية ولها شهرتها في الخطابة والأدب والشعر.

 

 

⁃ دراسته:

 

تدرج الشيخ الريّس (رحمه الله) في التعليم الحكومي النظامي من الابتدائي في مدرسة البُدَيع الابتدائية ثم التعليم الثانوي بالقسم العلمي في مدرسة المنامة الثانوية بالعاصمة المنامة.

 

وتخرّج منها بعد نجاحه وحصوله على الشهادة الثانوية – قسم معلمين علمي – وذلك في عام ١٩٦٠ – ١٩٦١ ميلادية.

 

ثم عَمِلَ بِسِلك التدريس لمدة ثلاث سنوات فقط، وفي هذه الفترة درس مبادئ العلوم الدينية على يد شخصية علمائية تخرج على يدها الكثير من علماء البحرين وهو حجة الإسلام والمسلمين العلامة السيد علوي الغريفي (قُدِسَ سره)، في مجلسه الكائن بمنطقة النعيم الذي أصبح الآن حوزة علمية ذات شهرةٍ واسعة ” حوزة الغريفي “.

 

وفي عام ١٩٦٤ ميلادية سافر الشيخ الريس (رحمه الله) إلى مدينة النجف الأشرف (على ساكنها آلاف التحايا والسلام) مشتاقاً إلى دارسة العلوم الدينية في حوزتها الشريفة.

وهناك إِلتقى بالعلماء الأعلام وابتدأت حياته العلمية، وأخذ ينهل من مناهل مدينة النجف الأشرف الفياضة بالفقه والعلوم الإسلامية ويغرف من بحورها المتلاطمة من علوم أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام)، ما طاب له منها.

 

⁃ أساتذته في حوزة النجف الأشرف المباركة:

 

١- المرحوم العلامة الشيخ حبيب الطرفي (رحمه الله): درسَ على يديهِ شرح ألفية بن مالك، ومختصر المعاني في البلاغة، والمنطق.

 

٢- المرحوم سماحة آية الله العالِم المُجتهد الشيخ حسين زاير دهام (قُدِسَ سره): درسَ على يديه الجزء الأول من كفاية الأصول ودرس عنده المكاسب، وشرح الأفلاك، وخلاصة الحساب.

 

٣- المرحوم سماحة آية الله الشيخ عبدالمحسن الغراوي (قُدِسَ سره): درس على يديه الشرائع الإسلامية.

 

٤- المرحوم حجة الإسلام والمسلمين السيد علاء الدين بحر العلوم (قُدِسَ سره): درسَ على يديه الجزء الثاني من كفاية الأصول، والمكاسب.

 

٥- المرحوم العلامة الشيخ عبدالهادي الفضلي (قُدِسَ سره): درسَ على يديه أصول الفقه، واللغة العربية، والفقه.

 

٦- فضيلة السيد علي الناصر الأحسائي.

 

٧- فضيلة الشيخ محمد جواد الأحسائي.

 

٨- فضيلة الشيخ علي الجزائري.

 

 

⁃ عودته إلى البحرين:

 

عادَ العلامةُ الريس (قدس سره) إلى وطنه البحرين بعد ثمان سنواتٍ قضاها في مدينة النجف الأشرف مستفيداً من علمائها وأساتذتها، وعادَّ لبلدِه وهو يحملُ على عاتقه مسؤولية كبيرة وهي: نشر التعاليم والمفاهيم الإسلامية، وهيَّ زكاتُه، كما في الخبر عن الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام): ( زكاة العلم أن تعلمه عباد الله )(٦).، فسعى جاهداً في نشر المفاهيم الدينية العظيمة عن طريق المحاضرة تارة، والندوات تارة، وعن طريق المنبر الحسيني المقدس تارةً أُخرى.

 

 

⁃ علمه وشهرته وخطابته:

 

عُرِّف العلامة المرحوم الشيخ عباس الريس (رضوان الله تعالى عليه) بالتقوى والإيمان، وحُسن الخُلق وبالتواضع الكبير، فكانّ يتحلى بروحٍ اِجتماعية عالية.

 

فقد عُرف عنه (رحمه الله) بفتح بابِ مجلسه لجميع المؤمنين، فكانّ العلماء والأُدباء والخُطباء يتوافدون عليه في مجلسه، وكانَّ الصغير والكبير يأتيه، وكانّ باسماً مع الجميع، يُلاطفُ الجميع بأروع الآداب وأحسنها.

 

ولِذا كان الشباب الطموح المؤمن مُلازمين لمجلسه، ويستفيدون من علمه.

 

وأصبح مجلسهُ مدرسة ناجحة، وقد نهل من علمه جماعةٌ كثيرة من طُلاب العلوم الدينية وخطباء المنبر الحسيني.

 

وكانّ يُجيب على الأسئلة الدينية والاستشارات الاِجتماعية في مجلسه، ويحل القضايا والاختلافات والمشاكل بين أبناء بلده وأقاربه.

 

اِشتهرت خطابتهُ الحُسينية شهرةً واسعةً كبيرة، فقد كان خطيباً بارعاً جهوري الصوت، عرفته المنابر بأُسلوبه الرائع وقوته الخطابية.

فقد قرأ في بلده البحرين، والمنطقة الشرقية، وقطر.

 

⁃ مشاركته السياسية:

انتخب العلامة الريس ( رحمه الله ) عضواً في المجلس الوطني البحريني بعد اِستقلال البحرين عام ١٩٧٠م.، نائباً عن المنطقة الغربية من البحرين بعد أن فاز بأغلبيةٍ ساحقة.

 

⁃ العلامة الريس شاعراً:

 

كانَّ (رحمه الله) شاعراً فذاً، وعمداً من أعمدة الشعر والأدب والفصاحة، ذاع صيتُهُ وعلتْ مكانته في الأوساط الإجتماعية والدينية.

 

شارَكَ في كثيرٍ من الفعاليات بقصائدٍ رائعة، في الإحتفالات والمناسبات الدينية والثقافية والشعرية.

 

شارك في مسابقةٍ شعرية في لندن حول ” الشعر العربي وفصاحته ودرجة بلاغته ” بقصيدةٍ بليغةٍ رائعة وهي من روائِع شعره، في رثاء السيدة رقية بنت الإمام الحسين (عليهما السلام) وقد حازت على المركز الأول.

ومنهـا:

 

تباركتَ في الدهرِ مِن مرقـدِ

تزيَّــــنَ بـالدرِّ والــعســـجـدِ

وسالَ على الشامِ من ومضهِ

شعـاعٌ تعالــــى على الفرقدِ

فأمرعَ ذاك الحمـــى بالحيا

أمـــا آن للنـاسِ أنْ تهتــــدي

فمـا القبـرُ لولا الــذي حلَّـهُ

سـوى حفـرَةٍ مِـن صنيع اليدِ

رُقيّـةُ بنـتُ الحُسيـنِ الشهيدِ

وبضعةُ خيـرِ الــورى أحمــدِ

 

 

ومن شعرِهُ (رحمه الله) مؤبناً سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محسن الحكيم (قدس سره الشريف) الذي صادفَ رحيله مع تواجد الشيخ الري (رحمه الله) في النجف الأشرف، فكتب هذين البيتين من الشعر على قطعة قماش، وحملها المشيعون أمام الجنازة بإسم الجالية البحرانية في النجف الأشرف، وهما:

 

إنْ غابَ شخصُكَ تحت أطباقِ الثرى

فالشمـــسُ تبــــدو للـورى وتغيـــبُ

لكنّ شمســك قد بدا مِـن بَعــــدهــا

قمــــرٌ منيـــرٌ للقلـــــوب حـبـيـــــبُ

 

ولَهُ (رحمه الله) إحدى عشَـرَ قصيدةٍ كتبها في المناسبة العظيمة ” عيد الله الأكبر .. عيد الغدير الأغر “

 

ومن أبيات قصيدته بعنوان ” يوم الغدير الخالد “:

 

لكَ اللهُ مِن يومٍ على الدهرِ لم يـزلْ

حديثـاً، قديـماً، مُستــمراً، مجـددا

تعاليتَ ذكــراً إذ تقدّســـتَ جانبــاً

فلولاكَ ذاك اليوم لمْ يكملِ اْلهـدى

هنيئاً أبا السبطين بالمنصبِ الـذي

بِهِ سدتَ مَنْ في الكون: عبداً وسيدا

 

ومطلَعُ قصيدته بعنوان ” الغـديـر “:

 

هـلّلْ ليوم أبي الحُسينِ وكبّـرِ

وانشر ولاءك يوم بيعـةِ حيدرِ

 

ومن أبيات قصيدته بعنوان ” الحق المغدور “:

 

سبحانك اللهم قد أكرمتنا

بمحمد فهو البشير المنذرُ

نادى فكان نداؤه في نبـرة

منها لتنتعش القلوب وتسكرُ

( من كنت مولاه فهذا حيدر

مولاه )، هذا امر ربي فاذكروا

لا تحسدوه فانه هو خيركم

وحذار من أن تغدروه فتكفروا

فاخذل الهي من بحيدر يغدرُ

وانصر الهي من لحيدر ينصرُ

 

 

وقد كتبَ قصائداً كثيرةً في مناسبة عاشوراء في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته (عليهم السلام) وأصحابه.

 

ومن قصائده في عاشوراء:

 

هلال تجلى:

 

هلالٌ تجلى وناعٍ نعٰى

لآل الرسولِ فتى أروعا

تقوس منحياً كالحُسين

يروم لهــمِّ الحشا منزعا

وذاك دم الطهر طه بدا

به الأفق مرتدياً برقعـا

تصاعد من كربلا للسماءِ

وليس عجيباً بأن يرفعـا

فما فضلُ عيسى على قومه

سوى أنه بِـحسين دعـا

 

يوم الشهيد:

هكذا فلتكــــن حيــاةُ الشهــيدِ

شمس قدسٍ تنسر درب الخلودِ

إن مــوت الشهيـد عمرٌ جديــدٌ

( كل يوم يأتـي بفجـرٍ جديـــدِ )

 

رثاء العباس (عليه السلام):

 

يومٌ أبــو الفضــــل قد ثارت حميته

في بقعة الطف وهو الضيغمُ العلمُ

غداة صــــال على الأعــداء منحدراً

نحو الفُـراتِ كــليثٍ حوله نـعمُ

 

 

وقد كتبَ قصائداً في المناسبات الإجتماعية:

 

قصيدة بمناسبة زواج العلامة المرحوم الشهيد السيد أحمد الغريفي (قدس سره):

 

لمـن غـرَّدِ الورقُ فوقَ الشجرْ

وماست دلالاً غصـونُ الزهـــرْ

واعبق جــو الحمى بالشـــذى

فهـــبّ النسيمُ بهُ في السحـرْ

لمـن رقصتْ في السماءِ النجوم

وغنتـهُ بالضوءِ دون الــوتـــرْ

فقالـــوا تــزوَّجَ مَن جــــــدّه

رســولاً أتــى رحمــةً للبشــرْ

 

ولهُ قصائدٌ عديدة بالشعر العربي الفصيح والشعر النبطي الشعبي الدارج، وهي كثيرة طُبعت في ديوانه.

 

 

⁃ مؤلفاته:

1. ( أصول المعرفة في شرح دعاء عرفة للإمام الحُسين “عليه السلام” ) وهو من أربعة أجزاء، كتابٌ قيمٌ غنيٌ بالعلم، يشتمل على الفلسفة والمنطق والتفسير والشعر.

2. ( درر المدح والرثاء ) وهو ديوانهُ الشعري المتألف من جزئين.

 

⁃ أولاده:

لهُ (رحمه الله) من الأولاد الذكور ستة، وهم: محمد باقر، محمد أمين، مهدي، حسين، فاضل، أحمد.

ومن الإناث لهُ أربع بنات.

 

 

⁃ وفاته (قدس سره):

 

إِلتحقَّ العلامة الريس (رضوان الله تعالى عليه) إلى الرفيق الأعلى في يوم الجمعة ٢٧ / ١٢ / ١٩٩١م.، الموافق ٢٠ جمادى الآخرة ١٤١٢هـ.

يوم مولد الصديقة الطاهرة أم أبيها سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام).

 

وقد شَيعتهُ الجماهير المؤمنة الغفيرة في تشييع مهيبٍ بعد صلاة الجُمعة حيثُ أعلن عن مراسيم التشييع العلامة المُقدس السيد جواد الوداعي (قدس سره الشريف) وقد صلى المقدس الوداعي على جثمان العلامة الريس، وحملَّ المشيعون النعش في شوارع قرية الدراز، ووُريَّ الثرى في مقبرة الدراز المجاورة لجامع الإمام الصادق (عليه السلام) الذي اُقيمت فيه مراسيم العزاء لفاتحته، وله ضريحٌ ويُزارُ قبرهُ (رحمه الله) من قِبل المؤمنين .

 

وقد هتف المشيعون في تشييعه ( رحمه الله ) بهذا البيت الشعري الذي اشتهر بعدها لزماننا هذا:

 

جاورَ الزهـــــراء في مولِدِهـا

” شيخ عباس ” الذي فاز بها

 

رحمَّه الله رحمة الأبرار وحشره مع النبي المصطفى وآله الأطهار، وجعلَّ شفيعته الصديقة الزهراء (عليه السلام)..

 

والحمدُ لله رب العالمين، وصلى اللهُ على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين ..

 

ورحمَّ اللهُ مَنْ أهدى لروحهِ سورة الفاتحة.

 

خادم الآل

الميرزا زهير الخال

مساء يوم الخميس ٨ / ٣ / ٢٠١٨م.

ليلة الجمعة المباركة

ليلة ذكرى ولادة السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)..

النجف الأشرف

 

 

————

الهوامش:

1. ميزان الحكمة، حديث ١٣٩٦٨.

2. ميزان الحكمة، حديث ١٣٧١٩.

3. ميزان الحكمة، حديث ١٣٧٣١.

4. رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (عليه السلام).

5. ميزان الحكمة، حديث ١٣٩٠١.

6. الكافي ج١، ص٤١.

————

المصادر:

⁃ فقهاء البحرين في الماضي والحاضر، للعلامة المرحوم الشيخ علي آل عصفور (رحمه الله).

⁃ ديوان المدح والرثاء، للعلامة الشيخ عباس الريس (رحمه الله).

فضيلةُ العِفّة، الزهراءُ (ع) قُدوةٌ للمرأة المسلمة ..

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على سيدِ الأنام ونور الملك العلام، البشير النذير، والهادي الشفيع، والمحمود الأحمد محمد بن عبدالله وعلى آلهِ السراط المستقيم والسبيل القويم ..

رويَّ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: ( استأذن أعمى على فاطمة (عليها السلام) فحجبته، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لِمْ تحجبينه وهو لا يراكِ ؟

قالت: يا رسول الله، إن لم يكن يراني فإني أراه، وهو يشم الريح، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أشهد أنكِ بضعةٌ مني ) (١).

لقد اِمتازتْ سيدَةُ نساءِ العالمين الصديقةُ الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) بِميزاتٍ كثيرة ومتعددة، وخصوصياتٍ أعطاها إياها الجليل فاطرُ السماوات والأرض “جلَّ جلاله”.

فَقدْ اِصطفاها الله تبارك وتعالى في آية التطهير بقوله تعالى: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا )(٢).

فكانت من أهل الكساء الذين أذهبَ الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وهيَّ التي قد ذكرَ فضلها ومكانتها العظيمة أبوها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قائِلاً: ( إن الله اختار من النساءِ أَربَعاً مريم وآسية وخديجة وفاطمــة )(٣).

ولذا فقد امتازت السيدة الزكية أم أبيها فاطمة الزهراء (عليها السلام) بعناصر نفسية عديدة، منها:

1. العصمة: فهيَّ معصومة من اقتراف الذنوب عمداً وسهواً، فالعصمة من عناصرها ومقوماتها الذاتية. وكفى بِآية التطهير دليلاً، فأهل البيت هم: عليٌ (عليه السلام)، وفاطمة (عليها السلام)، والحسن والحُسين (عليهما السلام)(٤).

2. البر بالفقراء: كانت (عليها السلام) عطوفة على الفقراء والمحرومين، وكانت هي وزوجها وولديها من المعنيين بقوله تعالى: ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا )(٥).

3. العفاف والحجاب: ومِن العناصر النفسية والذاتية لسيدة النساء (عليها السلام) العفةُ والحجاب، فلقد أعطت بعفتها وحجابها أرقى الدروس للمرأة المسلمة، لتكون المرأة المسلمة تبلغ قمة الكمال، وتكون المربية للأجيال الصالحين في المجتمع.

وعناصرها كثيرةٌ (سلام الله تعالى عليها).

وهنا نسلطُ الضوء على ( فضيلة العفة، وشخصية الصديقة الزهراء “عليها السلام” مثالاً وقدوة للمرأة المسلمة )، في نقاط، وهيَّ كالتالي:

⁃ النقطة الأولى: معنى العفّة:

معنى العفة لغة: هي مصدر عفَّ، يقال: عَفَّ عن الحرام يعِفُّ عِفَّةً وعَفًّا وعَفَافَةً أي: كفَّ، فهو عَفٌّ وعَفيفٌّ، والمرأةُ عَفَّةٌ وعَفِيفَةٌ، وأعفَّهُ الله، واستعف عن المسألة أي: عفَّ، وتعفف: تكلف العِفَّة.

والعفة: الكف عما لا يَحِلُّ ولا يَجْمُل، والإستعفاف طلبُ العَفاف(٦).

معنى العفة في الإصطلاح:

قال الراغب الاصفهاني: العفة: هي ضبط النفس عن الملاذ الحسوانية، وهيّ حالة متوسطة من إفراط وهو الشره، وتفريط وهو جمود الشهوة(٧).

فالعفةُ هيّ صفة نفسية في الإنسان يمكن التعرف عليها من خلال آثارها التي تظهر على الإنسان، وهذه الآثار ذكرتها الروايات الشريفة بعدة معانٍ منها:

1. العفة: الصبر عن الشهوة: عن أميرالمؤمنين (عليه السلام): ( الصبر عن الشهوة عفة، وعن الغضب نجدة، وعن المعصية ورع )(٨).

2. العفة: هي الزهد أيضاً، عن أميرالمؤمنين (عليه السلام): ( العفاف زهادة )(٩).

3. العفة: هي صون النفس وتنزيهها عن كل أمر دني، عن أميرالمؤمنين (عليه السلام): ( العفاف يصون النفس وينزهها عن الدنايا )(١٠).

⁃ النقطة الثانية: مصاديق العفة:

إن العفة لها مصاديق ومتعلقات وجوانب كثيرة، نذكر بعضاً منها:

1. العفة عن أكل الحرام: عن أميرالمؤمنين (عليه السلام): ( إذا أراد الله بعبدٍ خيراً أعف بطنه وفرجه )(١١).

2. العفة عن إظهار الحاجة المادية: قال الله تعالى: ( لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ )(١٢).، وكما رويّ عن أميرالمؤمنين (عليه السلام): ( العفاف زينة الفقر، والشكر زينة الغنى )(١٣).

3. العفة في تشديد الحجاب: قال الله تعالى: ( وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ ۖ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )(١٤).، وكما رويّ عن أميرالمؤمنين (عليه السلام): ( زكاة الجمال العفاف )(١٥). فالعفة يجب أن تزداد كلما ازدادت المرأة جمالاً.

⁃ النقطة الثالثة: آثار وثمار العفة:

إنّ كل عملٍ لهُ ثمارٌ ونتائجٌ مترتبةٌ على القيام به، وبلا شك إن لفضيلة العفة والعفاف آثار وثمار عديدة، منها:

1. حسن المظهر: فهو من بركات العفة، فمما رويّ عن أميرالمؤمنين (عليه السلام): ( مَنْ عفت أطرافه حسنت أوصافه )(١٦).، وفي تفسير علي بن إبراهيم: في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: في قوله تعالى: ( يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ )(١٧).، فأما اللباس فالثياب التي تلبسون، وأما الرياش فالمتاع والمال، وأما لباس التقوى فالعفاف، إن العفيف لا تبدو له عورة، وإن كان عارياً من الثياب، والفاجر بادي العورة وإن كانّ كاسياً من الثياب، يقول الله: ( وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ) يقول العفاف خير ( ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ).(١٨).

2. الثواب العظيم: لقد بينت روايات أهل البيت (عليهم السلام) الثواب العظيم لمن يمتلك فضيلة العفة: رويّ عن أميرالمؤمنين (عليه السلام): ( طوبى لمن تحلى بالعفاف، ورضي بالكفاف )(١٩).، وعنه أيضاً (عليه السلام): ( ما المجاهد الشهيد في سبيل الله بأعظم أجراً ممت قدر فعف، لكاد العفيف أن يكون ملكاً من الملائكة )(٢٠). وما أعظمها من رواية فإنها أشارت إلى الثواب الجزيل الذي يناله صاحب فضيلة العفة – سواء ذكراً كان أم أُنثى -، وأيضاً تشير إلى أنَّ العقة سبب في ترك المعاصي، وهي من الفضائل التي تدني الإنسان وتقربه من الله تبارك وتعالى، بحيث يصبح سلوكه كله طاعة لله تعالى، وكأن العفيف مَلَكٌ مِنَّ الملائكة.

⁃ النقطة الثالثة: العفاف عند النساء:

لقد ذكر القرآن الكريم ضوابطاً وقوانيناً يطلب من المرأة أن تؤديها، كي تبلغ الهدف الأسمى وتصل إلى غاية العفة والحشمة، قال الله تعالى: ( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ).(٢١).

فإن سياق الآية المباركة يدل على أنها ترشد إلى نمط السلوك الإجتماعي الذي ينبغي أن تتمثله المرأة على نحو اللزوم، لبلوغ غاية العفة.

والضوابط المطلوب على المرأة أداؤها، لإدراك الهدف الأسمى، أربعة:

1. غض البصر.

2. حفظ الفرج.

3. كتمان الزينة.

4. ضرب الخمار.

وبمجرد تخلف أحد هذه الضوابط في مرحلة التطبيق والإمتثال ينحدر السلوك الفردي وكذلك الإجتماعي إلى الواقع الفاسد، وبذلك يستحيل الوصول إلى الغاية العالية والرفيعة وهي: العفة.

فخيرُ المرأة في عفافها، وشرُها في تبرجها.

رواية ذات معنى أخلاقي اِجتماعي:

ومن روائع الروايات ما ورد في الحديث النبوي الشريف: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ( ألا أخبركم بخير نساءكم؟ قالوا بلى يا رسول الله، فأخبرنا، قال: إن من خير نسائكم الولود الودود، والستيرة العفيفة، العزيزة في أهلها، الذليلة مع بعلها، المتبرجة مع زوجها الحصان مع غيره.

ثم قال: ألا أخبركم بِـشر نساءكم؟ قالوا بلى يا رسول الله، فأخبرنا، قال: من شر نسائكم الذليلة في أهلها، العزيزة مع بعلها، العقيم الحقود التي لا تتورع عن قبيح، المتبرجة إذا غاب عنها زوجها، الحصان معه إذا حضر )(٢٢).

⁃ النقطة الرابعة: عفاف المرأة بالحجاب في كلام الزهراء (عليها السلام):

من المُلاحظ في سيرة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام) أحاديث ونصوص كثيرة تنصب على الشخصية الإسلامية التي ينبغي للمرأة تمثيلها وانجازها، ومن أهم الأبعاد هو: التأكيد فوق العادة على اِلتزام المرأة بالحجاب والستر الذي يحول بين مفاتنها وبين الرجال، بل ويستوعب ذلك حالة ما لو كان الرجل فاقداً للبصر.

عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: ( استأذن أعمى على فاطمة (عليها السلام) فحجبته، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لِمْ تحجبينه وهو لا يراكِ ؟

قالت: يا رسول الله، إن لم يكن يراني فإني أراه، وهو يشم الريح، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أشهد أنكِ بضعةٌ مني )(٢٣).

إن الرواية تشتمل على رؤية دقيقة جداً، وهذه الرؤية عند الزهراء مستلهمةٌ من آيات القرآن الكريم، وهيّ: أنّ الحجاب الكامل السامل ليس هو من طرف المرأة لمنع نظر الرجل لها فحسب، وإنما هو من طرفها بحيث يؤدي نتجتين:

1. النتيجة الأولى: اِنقاص طرف الرجل.

2. النتيجة الثانية: اِنقاص طرف المرأة.

فلا تقتصر المسألة على تحديد بصر الرجل، وفي الجانب الآخر إطلاق لبصر المرأة، وإنما تحديد بصر كلا الطرفين.

وهذا هو المعنى الذي يقره الله تعالى في آيات سورة النور: ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ )(٢٤).، هذا من جهة الرجل، وأما من جهة المرأة فبعد الآية التي عن غض الرجل لبصره، فمباشرةً قال تعالى: ( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ )(٢٥).

ومن جهة أخرى لقراءة هذه الرواية الشريفة نقول: إنَّ هذا الموقف العظيم من بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سيدة نساء العالمين فاطمة (عليها السلام) يدل بوضوح على أنّها قد سمت إلى أرقى مراتب العفة، والحشمة، والطهارة، وعلى المرأة المسلمة أن تقتدي بهذه السيدة الجليلة، كي تخرج جيلاً صالحاً ومجتمعاً إسلامياً متطوراً قائماً على الشرف والفضيلة.

ومتى تزينت المرأةُ بالعفة كانت في أرقى منزلة، وأعزّ مكانة.

وفي الخبر سأل رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه عن المرأة ماهي ؟، قالوا: عورة، قال: فمتى تكون أدنى من ربِّها ؟ فلم يدروا، فلما سمعت فاطمة (عليها السلام) ذلك قالت: ( أدنى ما تكون من ربِّها أن تلزم قعر بيتها )،

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ( إن فاطمة بضعةٌ مني )(٢٦).

إنَّ عفاف الزهراء (عليها السلام) وحجابها، هو نورٌ لكلّ فتاةٍ تريد أن تعيش عزيزة في المجتمع.

يقول الشيخ الأصفهاني (قدس سره):

وخدرها السامي رواق العظمة

وهــو مطاف الكعبـة المعظمة

حجابُهـا مثــلُ حجاب البــاري

بـارقـــةٌ تــذهـب بـالأَبصـــاري

تَمثَّــل الواجبُ في حجابِها

فكيف بِالإِشراق مِن قِبابهـا

يـــا درة العصمــةِ والولايـة

مِن صدف الحكمة والعناية

فالكوكب الدري في السماءِ

من ضوء تلك الدرة البيضاءِ

والحمدُ لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

خادم الآل

الميرزا زهير الخال

الثلاثاء ١٧ جمادى الآخرة ١٤٣٩هـ.

النجف الأشرف

—————

المصادر:

1. دعائم الإسلام، القاضي النعمان المغربي، ج٢، ص٢٠٤.

2. سورة الأحزاب، آية ٣٣.

3. الخصال ج١ ص١٨٥.

4. تفسير الرازي، ج٦، ص٧٨٣.

5. سورة الدهر، آية ٨ و ٩.

6. لسان العرب لابن منظور، ج٩، ص٢٥٣.

7. الذريعة إلى مكارم الشريعة ص٣١٨.

8. مستدرك الوسائل للميرزا النوري ج١١، ص٢٦٣.

9. ميزان الحكمة للريشهري ج٣، باب العفة – الحث على العفاف.

10. موسوعة أحاديث أهل البيت (ع) الشيخ هادي النجفي ج٧، باب العفة، ص٢٠٩.

11. ميزان الحكمة للريشهري ج٣، باب العفة – ثمرة العفة.

12. سورة البقرة، آية ٢٧٣.

13. وسائل الشيعة للحر العاملي ج٩ ، ص٤٣٨.

14. سورة النور، آية ٦٠.

15. مستدرك الوسائل للميرزا النوري ج٧، ص٤٤.

16. موسوعة أحاديث أهل البيت (ع) الشيخ هادي النجفي ج٧، باب العفة، ص٢٠٩.

17. سورة الأعرف، آية ٢٦.

18. بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج٦٨ ، ص٢٧٠.

19. موسوعة أحاديث أهل البيت (ع) الشيخ هادي النجفي ج٧، باب العفة، ص٢٠٩.

20. المصدر السابق.

21. سورة النور، آية ٣١.

22. بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج١٠٠، ص٢٣٩.

23. دعائم الإسلام، القاضي النعمان المغربي، ج٢، ص٢٠٤.

24. سورة النور، آية ٣٠.

25. سورة النور، آية ٣١.

26. بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج٤٣ ،ص٩٢.

27. فاطمة (ع) تجلي النبوة ومظهر الإمامة، الشيخ حسن العالي.

مفهوم الحرية

بسم الله الرحمان الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين..

الحرية كما ورد سابقا هو مفهوم عام له جهات متعددة تختلف باختلاف ملاكاتها، فكل شخص قد يتأدلج ويترتب بحسب مفهومه العام للحرية التي قد يتلقنها أو يتعلمها أو يزنها بعقله حسب ييرة العقلاء.
فعند أهل اللغة معنى الحرية _ مصدر حر_ هو الخلوص من الشوائب، كما ولها استعمالات متعددة تعتبر من التقييم الأخلاقي في صفات الناس ، فالحر من الناس هو صاحب الفضائل والحرة كذلك ، تعد من ألفاظ المدح في عرف اللغويين.
وبنفس معنى الخلوص والتخلص كفت المعاجم العلمية المختلفة في مواضيعها على تعريف الحرية، ففي السياسة أخذت معنى التخلص من هيمنة الأنظمة، وفي الاقتصاد التخلص من قوانين اقتصادية في نظام ما، حتى الملاحة البحرية الحرة أخذت معنى عدم فرض نظام معرقل للحركة عليها في المياه الإقليمية… ودواليك.

فالمتتبع والمستقريء لاستعمالات هذه الكلمة لينتزع منها مفهوما جامعا قد يتوقف عند علماء الإجتماع والفلاسفة والكلاميين والمتشرعة، لأن التخلص العام من كل القيود و كل المسؤوليات قبيح عند أهل العقل وله تبعات وضحايا ،والنظر والعقل لا يطمئن للنتائج القبيحة بشكل عام..

فمن ناحية اجتماعية قسموا الحرية إلى:
حرية فردية: وهي حرية الفرد في تصرفاته وأقواله وعقيدته..
حرية الجماعة: وهي حرية المجموعة في التصرفات والعقائد والأقوال وما يخصها كمجموعة متفقة على شيء ما تعتقد وتقتنع به.
وعلى هذا فيجب أن تكون الحرية الشخصية على قسمين ، حرية الفرد بما في شخصيته الخاصة الداخلية، وحرية برؤية الجماعة أو اتفاقهم وفي هذه الصورة يجب أن تكون هذه الجماعة متشابهة عقلا في التفكير وتنطبق مع بعضها البعض تماما ، وهذا لا يمكن تخيل وجوده بهذه الدقة عقلا، إلا بانقياد الفرد في بعض الأمور للجماعة من أجل هدف خارج عن معنى الحرية أصلا!

ومن ناحية فلسفية:
السفسطائيون قسموها بحسب الشعور بها في حالة الإنسان النفسية والفردية والشخصية، وقد قسموها دينيا يحرية الاعتقاد وطبيعيا بالحرية السياسية وسفليا بحرية الأخلاق، وهكذا فهم يرون أن الحرية هي الشعور النفسي بما يتمتع به الشخص من الإحساس بالحرية وأنه غير مقيد..
أما الأبيقوريون فقد رأوا الحرية للعقل من الأوهام والمخاوف، فكلما تحرر الإنسان منها كان حرا بعقله وتفكيره..
الأرسطيون ركزوا على أن الحرية هي بناء شخصية الفرد الداخلية والخارجية، فالداخلية تخص ذاته، والخارجية تخص مجموعته، ولكن اعتبر الأخلاق مسؤولية خاصة..

فكما تلاحظون بأن الفلاسفة حملوا الحرية على موضوع فردي وفق ضوابط شخصية خاصة، والحال أن مثل هذا الحمل يجعل صعوبة في تحديد قوانين الحرية إن حملت على اتجاهات القضايا الشخصية..
فلو نظرنا للوجوديين الذين يطالبون بحرية الفرد المطلقة، فكيف سيوفقون لبناء مجتمع مجموعي من عدة توجهات فردية شخصية لكل شخص غير موجهة أبدا لأي جهة، ولو نظرت لألفاظ فلاسفتهم لوجدت نوعا من التنمر في الألفاظ مثل: لا أحد له سلطة علينا لا علاقة لأي شيء لإخضاعنا … وأمثالها، على إلرغم من أن قوانين العلوم الطبيعية تخضعهم بإذعان لنتائجها، وقانون الحياة والموت والسياسة يخضعهم أيضا.. لذلك ستجد تيارهم مليء بالأدبيات نظرا لكونهم قد بدأوا كحركة أدبية ثم تحولت لفلسفية قبل قرن، ولكن الواقع يتناقص مع أطروحات الأدباء كثيرا.
والمضحك المبكي كلام التنويريين الذين قالوا : خروج الإنسان عن سباته العقلي الذي وضع نفسه فيه باستخدام العقل، وكأن عموم العقلاء ومسلماتهم وتجاربياتهم كلها قيود وليست منجزات، وكأن غيرهم ليسوا بعقلاء، ويرد عليهم نفس إشكال الوجوديين وزيادة أنهم يرفضون حتى سيرة العقلاء المتسالم عليها وعمومات بديهية عقلية، فكيف لحرية أن تكون بمثل هذا الظرف إلا من الفوضى..

أما التيارات المختلفة كاللبرالية والعلمانية فنجد فيها:
الليبراليون الذين لم يتسالموا على تعريف محدد للبرالية حتى اليوم قد يكون بسبب تلك الحرية المتصادمة في مفهومها ضمن غزل النسيج الاجتماعي، فهم نادوا بنزعة حرية الفرد والمؤسسات الاجتماعية لتكون خادمة لهذا الفرد فتصادمت نداءاتهم بالديموقراطية حيث لا يمكن إخضاع هذا الفرد وشخصيته الخاصة لإرادة الأغلبية! وبهذا قد يتعذر الاتفاق الاجتماعي كثيرا وتتعثر القرارات الجمعية والمنظومية، ولكن الغريب بعد هذا اقتنعوا بالليبرالية الأوتوقراطية التي تجعل الحاكم حرا في التصرف بأمور الناس!
العلمانيون اتبعوا عكس ذلك وقالوا بأن اتباعهم للأكثرية تضحية بحريتهم من أجل إحقاق نظام عام تسوده المحبة عبر التنازلات لتحقيق المساواة، وكأن المساواة دائما صحيحة وعصا سحرية تحقق العصمة في كل فكرة عبر الواقع الخارجي.. وقد يلاحظ المنصفون التشويش في معنى الحرية المطلقة المدعاة وبين التضحية بها..

أما المتشرعة والمتدينون فهم ينظرون لملاك ومدارك القضايا لتحقيق المصلحة العامة للمجتمع لتنعكس على الفرد بعدها كخلية فيها حرية محدودة لكل فرد بالحقوق والواجبات والمسؤوليات التي تكون منظومة أمان وراحة للآخرين.

ومن أمثلة ذلك خطابات كثيرة تتنوع بتنوع حال العبادات والمعاملات وحقوق النفس وحقوق العباد والمجتمعات …
ومن أمثلة مفهوم الحرية الشخصية بين أهل الدين وغيرهم:
روي أنه كان الإمام الكاظم ( عليه السلام ) يمشي في الأزقّة يوماً فسمع غناءً ماجناً ينبعث من أحد البيوت . وفي الأثناء خرجتْ فتاة ، فتوقّف الإمام وسلّم عليها ثم سألها قائلاً : صاحب البيت حرٌّ أم عبد ؟ . فقالت متعجّبة : بل حرّ .فقال الإمام : صدقتِ لو كان عبداً لخاف سيّده .عادت الفتاة وسألها صاحب البيت – واسمه بشر – عن سبب تأخّرها فقالت : مرّ رجلٌ وسألني : صاحب البيت حرّ أم عبد .فقال بشر : وبماذا أجبتيه ؟قالت الفتاة : قلت له : حرّ ، فقال لي : صدقتِ لو كان عبداً لخاف سيّده .أطرق بشر مفكراً ، وشعر بالكلمات تهزّ أعماقه ، فانطلق خلف الإمام حافياً يعلن توبته وعودته إلى أحضان الدين والإيمان . ومن ذلك اليوم دُعي ببشر الحافي واشتهر بين الناس بزهده وعبادته .

والمجموعي: هو حماية المجتمع من أهواء تلاعبات أهل الحرية المطلقة كي لا يفسدوه تلبة لطلباتهم النفسية الشخصية الخاصة دون مراعاة المجتمعات وأمانها، وإلزامهم باحترام حريات غيرهم والنسيج الإجتماعي العام..

عباس العصفور
النجف الأشرف

التمهيد

بسم الله الرحمان الرحيم

التمهيد

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

لفظ الحرية له موسيقى خاصة في نفوس الناس، لفظ يحول كل حالات التقييد والمسؤوليات والالتزامات إلى عبيء في النفس وشقاء في الروح تنقلب لثورة عارمة واندفاع للخلاص من كل ما يشغل بال الإنسان من التزاماته ..
هذه اللفظة اللي حار بها الفلاسفة، والمناطقة، والسياسيين، والتيارات المختلفة، والمتدينين، والمثقفين، بل حتى حين إعلان حقوق الإنسان في البيان الصّادر عام 1789م على أنّه: (حقّ الفرد في أن يفعل ما لا يَضُرّ الآخرين) ليس كافيا لرسم صورة ومعنى الحرية في الأذهان.
إن رمزية الحرية في العالم كله جعلها متفاوتة في المعاني لدرجة جعلت لها مصاديق متعددة تصل للتباين والتقاطع في كثير من الحالات وتجعل صورتها مشوشة في العقل بما يجعلها في حالات متناقضة بتناقض جهات إسم الفاعل فيها، فالفاعل المتصف بالحرية قد يكون سلبيا وقد يكون إيجابيا، وقد يكون بناء وقد يكون مدمرا، وهكذا فمفهوم الحرية الذي تنادي به الشعوب والأفراد والأديان باختلافها تختلف من منطلقاتها المؤدلجة لمعناها.
وعلماء الأخلاق أنفسهم قد عرفوها بحملها على ما يسعد الفرد والمجتمع مع التفاوت في مفاهيم السعادة واختلافهم فيها مع الفلاسفة ، فيتحول الأمر لحيرة المتلقي في تحصيل معناها المعقد في جهات الموضوع وجهات المحمول من جهة، وحيرة بين المصاديق الخارجية من جهة أخرى !
رغم هذا الضجيج اللفظي والمعنوي لهذه الكلمة، أنى للسامع من تبادر لمعناها؟ هل نأخذها بمعناها الاصطلاحي المتنازع عليه؟ أم بمعناها العرفي؟! خصوصا وأن أفرادها الخارجية مختلفة ومشككة بين الجماعات والأفراد والسياسيين والأخلاقيين … وغيرهم.
هذه الكلمة تحتاج عادة لوضع حدود تامة لمعانيها وإن تشتتت الوجوه، وتقييدها عن إطلاقها وإن اختلفت السياقات، فكثير من المنادين بها لم يدركوا معناها التام إلى يومنا، خصوصا وأنهم لا يؤمنون ببديهيات وقوانين تقود لحقيقة المفاهيم حتى مع استعمال الأدلة العقلية الملزمة للعقلاء..
إنا نحتاج لأن نتعقل معنى الحرية على نحو معرفي خاص كي نستطيع إدراج أفرادها في الخارج ضمن قوالبها وقوانينها المحكمة التي يمكن للعقلاء أن يتحاكموا عندما يقع النزاع فيها بين طرفين، ويمكن للمتشرعة أن يحاسبوا المقصر فيها إذا ما تسبب بالفساد عموما..
ففي هذا المعترك لهذا المفهوم المشكك نادت بعض التيارات لحرية المرأة، وعقدت الندوات، وكتبت المقالات، وألفت الكتب، رغم اختلاف الفلاسفة المسلمين وغير المسلمين والملحدين والعلمانيين في معنى الحرية! وصار المؤذن يؤذن للمدينة الفاضلة دون أن يقرأ دور المرأة فيه ووضعها باسم الحرية لها!
في هذه السلسلة البسيطة …
سنتناول معنى حرية المرأة التي ينادون بها ونجعلها في الميزان … تابعونا..

عباس العصفور
النجف الأشرف