بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
سورة البقرة، من آية 64، إلى آية 66
ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَ ما خَلْفَها وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ(1)
الكلام الثاني استقراء آيات أصحاب السبت و التأمل فيها .
– سورة النساء، آية 47، صفحة 86
يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَ كانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً
أنزل الله عزوجل العقاب الدنيوي قبل الأخروي كالذي أنزل على أصحاب السبت كزجر عام لعدة أمم، لبيان هول العقاب و بيان أن الله شديد العقاب، أولا على صعيد المعتقد الديني، وثانيا أنه ليس هناك تساهل في نصرت أنبياءه، و الجدير بالذكر أنه لم يقتصر الأمر في الزجر فقط، و إنما أكد على فعل هذا العقاب، و قد أخذ الناس به و كان رحمة على بقية الناس.
و قد استخدم اسلوب هذا الزجر رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم في يوم الغدير، في أحاديث الإمامية و أهل السنة، وهناك ثلاثين مصدر من طرق المذاهب نكتفي بواحد فقط، وكل رواياتهم مشبعة بالولاية ۖ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ۖ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ:
- الحافظ أبو جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفى 310 (المترجم ص 100) أخرج بإسناده في – كتاب الولاية في طرق حديث الغدير – عن زيد بن أرقم قال لما نزل النبي صلى الله عليه وسلم بغدير خم في رجوعه من حجة الوداع وكان في وقت الضحى وحر شديد أمر بالدوحات فقمت ونادى الصلاة جماعة فاجتمعنا فخطب خطبة بالغة – إلى أن قال في آخر فقرة- معاشر الناس؟ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أنزل معه مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ. النور من الله في ثم في علي ثم في النسل منه إلى القائم المهدي. معاشر الناس؟ سيكون من بعدي أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون، وإن الله وأنا بريئان منهم إنهم وأنصارهم وأتباعهم في الدرك الأسفل من النار، وسيجعلونها ملكا اغتصابا فعندها يفرغ لكم أيها الثقلان؟ يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنْتَصِرَانِ .
حيث ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذ آية من سورة التغابن، الآية 8، صفحة 556
فَآمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ والنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ، و مزجها مع الآية الزاجرة، و إذا تتبعنا سياق الآيات في سورة النساء و جدنا الله عزوجل يؤكد على خصوص الأصول الثلاثة التي لها تفريعات حتى تصل إلى خمسة، ويؤكد على التوحيد الذي من تفريعه العدل، ردا على الجبرية، و المفوضة، و النبوة التي من تفريعها الإمامة، رداً على المذاهب السياسية و الميعاد.
سورة النساء، آية 136، صفحة 100
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ الْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَ الْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَ مَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً
ذكر الله عدة عقوبات دنيوية قد أخذ بها بني إسرائيل، مثل: موتهم بصاعقة، و حين قالوا أرنا الله ثم أحياهم، و عفى عنهم و أماتهم في الصحراء مرة أخرى حين عبدو العجل، و بعد ذلك أحياهم وعفى عنهم أيضا، زجرهم برفع جبل الطورعليهم و هم يشهدون لكي يؤمنوا بميثاقهم، و اختبرهم بباب حطة الذي فيه إعلان توبتهم، و حين لم يطيعوا الله في بعض نواهيه عاقبهم، مثل أصحاب السبت، لكي يستخلص لنفسه المتقين منهم، و شدد عليهم بالمواثيق الغليظة، و لكن بعد ذلك نقضوا تعاليم الرب، و قتلوا الأنبياء، و كذبوا في حق مريم عليها السلام، و هموا بقتل عيسى عليه السلام و لكن الله قال في محكم كتابه شُبِّهَ لَهُمْ!
ونصر نبيه ورفعه إليه، و عاقبهم عقابا دنيويا لمصلحة هو يراها، و لا يستبعد بعض العلماء أن المصلحة في قتل أصحاب السبت لأنه لا يوجد في نسلهم من هو مؤمن، أما هؤلاء فإن أبنائهم ينصرون عزير النبي عليه السلام و عيسى المسيح عليه السلام و الإمام الحجة المنتظر عجل الله فرجه الشريف.
سورة النساء، من آية 153، إلى آية 158
يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَ آتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً وَ رَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَ قُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَ قُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَ أَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَ كُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَ قَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَ قَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً وَ بِكُفْرِهِمْ وَ قَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً وَ قَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَ ما قَتَلُوهُ وَ ما صَلَبُوهُ وَ لكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِّ وَ ما قَتَلُوهُ يَقِيناً، بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَ كانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً
بعيدا عن القصة المذكورة المروية عن الإمام العسكري هناك بعض التأملات في الآيات، حيث أن السمك لا يتواجد إلا في يوم السبت، لكي يبلوهم الله و يمحصهم و يستخلص لنفسه المتقين، فإن دار الدنيا دار اختبار، فهناك ثلاث فئات: فئة أقدمت على الفعل، و فئة لم تنهى عن المنكر، و فئة تأمر بالمعروف لفئة صمتت و لم تتكلم و تنهى عن فعل الفئة الأولى التي أقدمت على المحرم المنهي عنه، حيث أنهم لم يتوقفوا بل استمروا بالفعل بقوله تعالى واصفا إياهم (عتوا)، و بسبب استمرارهم من بعد إعطائهم المهلة عاقبهم، كما ان الله سبحانه في الآيات قد ألهمهم بالابتعاد عن المعتدين، و الذين لم ينهو عن السوء ولم ينهوا عن المنكر.
سورة الأعراف، من آية 163، إلى آية 166
وَ سْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَ يَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ وَ إِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَ أَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ
بطبيعة الحال قد اختلف أصحاب السبت، فمنهم وعشرة ألاف قالوا هذا الفعل محرم ونحن ملتزمون بأوامر الله ونواهيه ونأمركم بهذا الالتزام، ولسنا راضين على من لا ينهاكم، ومنهم السبعون ألف الباقين يقولون ليس هناك من حرج لأن الله بارك في رزقنا ونحن أصحاب نفوذ بفضل هذا الشيء، ومنهم من كان يشتري منهم، بل روجوا للباطل من خلال الشراء، وهكذا حصل الاختلاف في هذا اليوم، وسيحكم الله بينهم.
سورة النحل، آية 124، صفحة 281
إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَ إِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
——————————————————
*-الطبرسي – الإحتجاج – ج1 – ص294.
1- البقرة : 64، إلى آية 66 .