أرشيف التصنيف: تأملات

كلمات مستلهمة من المصادر الدينية

تأملات في ميثاق أهل السبت

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

سورة البقرة، من آية 64، إلى آية 66

 ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَ ما خَلْفَها وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ(1)

بقي الكلام في جهة واحدة: أن الإمام عليه السلام يوجهنا لمسألة مهمة جدا ألا وهي: الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، حيث أن من عمل على ذلك _و هم العشرة ألاف من السبعين ألف_ لم يصبه عقاب الدنيا، و هناك رواية أنهم أحبار، و الذين أقدموا و تجرأوا و استمروا في بغيهم مسخوا، هم و الذين قد سكتوا على ذلك، و هناك جهات أخرى في عشر روايات يمكن للقارئ الكريم الرجوع فيها إلى كتاب بحار الأنوار، ليستخلص منها تلك الجهات، و نكتفي بهذا القدر.

حدثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: وجدنا في كتاب علي عليه السلام أن قوما من أهل أبلة (2) من قوم ثمود، وأن الحيتان كانت سبقت إليهم يوم السبت (3) ليختبر الله طاعتهم في ذلك، فشرعت إليهم يوم سبتهم في ناديهم وقدام أبوابهم في أنهارهم وسواقيهم، فبادروا إليها فأخذوا يصطادونها ولبثوا في ذلك ما شاء الله، لا ينهاهم عنها الأحبار ولا يمنعهم العلماء من صيدها، ثم إن الشيطان أوحى إلى طائفة منهم أنما نهيتم عن أكلها يوم السبت ولم تنهوا عن صيدها، (4) فاصطادوا يوم السبت وكلوها فيما سوى ذلك من الأيام، (5) فقالت طائفة منهم: الآن نصطادها، (6) فعتت وانحازت طائفة أخرى منهم ذات اليمين، فقالوا:

ننهاهم (7) عن عقوبة الله أن تتعرضوا بخلاف أمره، واعتزلت طائفة منهم ذات اليسار

فتنكبت (8) فلم تعظهم،

فقالت للطائفة التي وعظتهم: ” لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا؟”

فقالت الطائفة التي وعظتهم: ” معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون “

قال: فقال الله عز وجل: ” فلما نسوا ما ذكروا به ” يعني لما تركوا ما وعظوا به ومضوا على الخطيئة،

فقالت الطائفة التي وعظتهم: لا والله لا نجامعكم ولا نبايتكم الليلة في مدينتكم هذه التي عصيتم الله فيها مخافة أن ينزل بكم البلاء فيعمنا معكم،

قال: فخرجوا عنهم من المدينة مخافة أن يصيبهم البلاء فنزلوا قريبا من المدينة فباتوا تحت السماء، فلما أصبح أولياء الله المطيعون لأمر الله غدوا لينظروا ما حال أهل المعصية، فأتوا باب المدينة فإذا هو مصمت فدقوه، فلم يجابوا، ولم يسمعوا منها حس أحد، فوضعوا سلما على سور المدينة ثم أصعدوا رجلا منهم فأشرف على المدينة فنظر فإذا هو بالقوم قردة يتعاوون،

فقال الرجل لأصحابه: يا قوم أرى والله عجبا،

قالوا: وما ترى؟

قال: أرى القوم قد صاروا قردة يتعاوون، لها أذناب، فكسروا الباب،

قال: فعرفت القردة أنسابها من الإنس، (9) ولم تعرف الإنس أنسابها من القردة،

فقال القوم للقردة: ألم ننهكم؟

فقال علي عليه السلام: والله الذي فلق الحبة و برأ النسمة إني لأعرف أنسابها (10) من هذه الأمة لا ينكرون ولا يغيرون (11) بل تركوا ما أمروا به فتفرقوا، وقد قال الله تعالى: ” فبعدا للقوم الظالمين ” فقال الله: ” أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون “.(12)

——————————————————

*-الطبرسي – الاحتجاج – ج1 – ص294.

1- البقرة : 64، إلى آية 66 .

2- هكذا في النسخ، وفي المصدر: أيكة، وكلاهما مصح. فان، والصحيح كما في سعد السعود وفى البرهان نقلا عن تفسير القمي والعياشي ” أيلة ” قال ياقوت: أيلة بالفتح: مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام، وقيل: هي آخر الحجاز وأول الشام، قال أبو زيد: أيلة مدينة صغيرة عامرة بها زرع يسير، وهي مدينة لليهود الذين حرم الله عليهم صيد السمك يوم السبت فخالفوا فمسخوا قردة وخنازير.

3- هكذا في نسخ وفى المصدر، وفى سعد السعود: فان الحيتان كانت قد سبقت لهم يوم السبت ولعل الصحيح كما في نسختين: أن قوما من أهل أيلة من قوم ثمود سبقت الحيتان إليهم يوم السبت قوله: (من قوم ثمود) أي من ذريتهم وأخلافهم.

4- في التفسير: إنما نهيتكم عن أكلها يوم السبت فانتهيتم عن صيدها؟

5- في التفسير وسعد السعود: وأكلوها فيما سوى ذلك من الأيام.

6- في سعد السعود: لا الا أن نصطادها.

7- في التفسير وفي نسخة: ننهاكم، وفي التفسير: لخلاف أمره. وفي سعد السعود: فقالوا:

الله الله ننهاكم. وفيه أيضا لخلاف أمره.

8-تنكب عنه: عدل. وفى المصدرين: فسكتت.

9- في سعد السعود: ولهم أذناب، فكسروا الباب، ودخلوا المدينة، قال: فعرف القردة أشباهها من الانس، ولم تعرف الانس أشباهها من القردة.

10- في سعد السعود: أشباهها.

11- في سعد السعود: ولا يقرون.

12-تفسير القمي: 226 – 228.

ميثاق أصحاب السبت

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

سورة البقرة، من آية 64، إلى آية 66

 ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَ ما خَلْفَها وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ(1)

الثالث: في النظر في الروايات التي تخص أصحاب السبت.

هناك بعض الجهات لم يتكلم عنها الإمام العسكري في قصة أصحاب السبت

 – تفسير علي بن إبراهيم: إن أصحاب السبت قد كان أملى الله لهم حتى أثروا (2) وقالوا: إن السبت لنا حلال، وإنما كان حرم على أولينا، وكانوا يعاقبون على استحلالهم السبت، فأما نحن فليس علينا حرام، (3) وما زلنا بخير منذ استحللنا، وقد كثرت أموالنا وصحت أبداننا، ثم أخذهم الله ليلا وهم غافلون. (4)

إن اكثر راوٍ اعتمد عليه أصحاب الجوامع الحديثية هو علي بن إبراهيم وأبوه إبراهيم بن هاشم القمي، فقد كان علي شيخاً للكليني وعاصر عدداً من الأئمة المتأخرين، ويعد من أصحاب الإمام الهادي عليه السلام وإن لم يثبت أنه روى عنه شيئاً ولا عن غيره من الأئمة مباشرة[5]. وبلغت رواياته في الكافي وحده اكثر من سبعة الاف (7068) رواية[6]، كان منها اكثر من ستة الاف (6214) رواية منقولة عن والده ابراهيم[7]. وقد وقع في إسناد كثير من الروايات تبلغ سبعة آلاف ومائة وأربعين (7140) مورداً[8]. وهو بنظر القدماء يعد من المشايخ الثقات، فقد عرفه النجاشي بانه ثقة في الحديث، ثبت معتمد صحيح المذهب، سمع فأكثر، وصنف كتباً وأضر في وسط عمره، وله كتاب التفسير والناسخ والمنسوخ وقرب الإسناد والشرائع.. الخ[9].

ووصلنا منه تفسيره للقرآن، وهو تفسير بالرواية عن الإمام الصادق عليه السلام، وذكر في مقدمة الكتاب أنه روى فيه عن الثقات من مشايخه وسائر الرواة حتى ينتهي إلى الأئمة، فقال: ‹‹ونحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهي إلينا ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض الله طاعتهم وأوجب ولايتهم ولا يقبل عمل إلا بهم››[10].

جماعة يوم السبت المعتدية شرعنت بخلافها للنصوص حكما شرعيا، أي غيرت مواضع الكلم لتشتري و تستفيد بالشرعنة الثمن الذي هو و أن كان كثيرا نقدا، ولكنه في مقابل طاعة الرب ثمن بخس ، و لم يستفيدوا ولم يتفكروا من تأجيل العقوبة عليهم، و إنما صار عندهم تفويض بأن الله سيسامحنا، إلى أن وصلوا لشرعنة جديدة و هي: أن الله لم يعاقبنا، فهو قد رضى عنا، و نحن مستمرون لذلك.

سورة النمل، آية 14، صفحة 378

 وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ

 أما في الجهة الأخرى فقد تكلم المعصوم عن عدة مسوخ، ففي بيان حكمها المورد هنا حاكم بالابتعاد عن أكلها، أو قل حرمة بعض الحيوانات التي قد مسخت مثلها .

 الكافي: الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن محمد بن علي الهمداني، عن سماعة ابن مهران، عن الكلبي النسابة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجري (11) فقال:

إن الله عز وجل مسخ طائفة من بني إسرائيل فما أخذ منهم بحرا فهو الجري والزمير (12) والمار ما هي وما سوى ذلك، وما أخذ منهم برا فالقردة والخنازير والوبر (13) والورل وما سوى ذلك. (14) بيان: قال الجوهري: الورل: دابة مثل الضب.

 وفي هذه الجهة نظر الإمام عليه السلام لقدسية اليوم الذي جعل لهم للتفرغ للعبادة، و وعدم العمل فيه، مثل: يوم الجمعة للمسلمين، و الأحد للمسيحيين، فالظاهر أن هناك شيء يوحّد الروايات، و هو وجوب الطاعة لله، و لكن المعصوم يبين في كل رواية مواردها الخاصة.

الكافي: علي بن محمد، عن بعض أصحابه، عن آدم بن إسحاق، عن عبد الرزاق بن مهران، عن الحسين بن ميمون، عن محمد بن سالم، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث طويل قال:

فلما استجاب لكل نبي من استجاب له من قومه من المؤمنين جعل لكل نبي منهم شرعة ومنهاجا، والشرعة والمنهاج سبيل وسنة، وكان من السبيل والسنة التي أمر الله عز وجل بها موسى أن جعل عليهم السبت، وكان من أعظم السبت ولم يستحل أن يفعل ذلك من خشية الله من قوم ثمود سبقت الحيتان إليهم يوم السبت أدخلها الله الجنة، ومن استخف بحقه واستحل ما حرم الله عليه من العمل الذي نهى الله عنه فيه أدخله الله عز وجل النار، وذلك حيث استحلوا الحيتان واحتبسوها وأكلوها يوم السبت غضب الله عليهم من غير أن يكون أشركوا بالرحمن ولا شكوا في شئ مما جاء به موسى عليه السلام، قال الله عز وجل: ” ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ” الخبر. (15)

-و الرواية الأخيرة في نفس الجهة المنظور إليها و هي قدسية اليوم المنصوص للتفرغ للعبادة، و لكنه ذكر علة ابتلائهم، لأن الله أراد لهم يوم الجمعة، فأرادوا بمخالفتهم غيره فزادهم في البلاء، و في الأخير لو نظرنا في جميع الجهات نرى أنهم خالفوا طاعة الله عزوجل.

 علل الشرائع: أبي، عن سعد، عن ابن عيسى، عن عبد الله بن محمد الحجال، عن علي بن عقبة، عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن اليهود أمروا بالإمساك يوم الجمعة فتركوا يوم الجمعة وأمسكوا يوم السبت، فحرم عليهم الصيد يوم السبت. (16) تفسير العياشي: عن علي بن عقبة مثله. (17)

وهناك تتمة في تعدد المخالفات و التجوزات على طاعة الله عزوجل من عدة جهات في الرواية أشار إليها ونبهنا إليها المعصومون عليهم السلام.

——————————————————

*-الطبرسي – الإحتجاج – ج1 – ص294.

1- البقرة : 64، إلى آية 66 .

2 – أملى لهم أي أمهلهم.

3- هكذا في النسخ والمصدر، وفي البرهان: فليس علينا حراما.

4-  تفسير القمي: 168.

5- معجم رجال الحديث، ج12، ص208

6- المصدر السابق، ج19، ص59

7- المصدر السابق، ج1، ص292، وج12، ص213

8- المصدر السابق، ج12، ص213

9- رجال النجاشي، ص260

10- تفسير القمي للقرآن، مكتبة: الكوثر الالكترونية، ج1، ص4

11-الجرى: نوع من السمك النهري الطويل المعروف بالحنكليس ويدعونه في مصر ثعبان الماء وليس له عظم الا عظم الرأس والسلسلة.

12-الزمير: نوع من السمك له شوك ناتئ على ظهره، وأكثر ما يكون في المياه العذبة.

13-الوبر: دويبة كالسنور لكنها أصغر منه وهي قصير الذنب والاذنين.

14-فروع الكافي ٢: ١٤٥.

15-أصول الكافي: ٢: ٢٨ و 29.

16-علل الشرائع: ٣٥.

17-تفسير العياشي مخطوط.

الميثاق المقدس

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ


سورة البقرة، من آية 64، إلى آية 66

 ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَ ما خَلْفَها وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ(1)

بعد المبحث الاستقرائي لآيات الميثاق فهناك في سياق الآيات عدة أمور:

الأول: نزلت رحمته لمن رفع فوقهم جبل الطّور، و استقاموا من بعد الزجر، و كانت عاقبتهم حسنه.

الثاني: زجر آخر بتذكيرهم لمن نزل عليهم العقاب الدنيوي قبل الأخروي، ألا وهو مسخ قوم خالفوا الأوامر الإلهية.

الثالث: تذكير الشريحة المتقية لتعزيز ثبات التقوى بقصة أصحاب السبت.

الكلام في الشريحة التي قد مسخت إلى قردة وخنازير:

الأول: [قصة أصحاب السبت:] وقال علي بن الحسين عليهما السلام: كان هؤلاء قوما يسكنون على شاطئ بحر، نهاهم الله وأنبياؤه عن اصطياد السمك في يوم السبت.

فتوصلوا إلى حيلة ليحلوا بها لأنفسهم ما حرم الله، فخذوا أخاديد، وعملوا طرقا تؤدي إلى حياض، يتهيأ للحيتان الدخول فيها من تلك الطرق، ولا يتهيأ لها الخروج إذا همت بالرجوع منها إلى اللجج.

فجاءت الحيتان يوم السبت جارية على أمان الله لها فدخلت الأخاديد وحصلت في الحياض والغدران.

فلما كانت عشية اليوم همت بالرجوع منها إلى اللجج لتأمن صائدها، فرامت الرجوع فلم تقدر، وأبقيت ليلتها في مكان يتهيأ أخذها يوم الأحد بلا اصطياد لاسترسالها فيه، وعجزها عن الامتناع لمنع المكان لها.

فكانوا يأخذونها يوم الأحد، ويقولون: ما اصطدنا يوم السبت، إنما اصطدنا في الأحد، وكذب أعداء الله! بل كانوا آخذين لها بأخاديدهم التي عملوها يوم السبت، حتى كثر من ذلك مالهم وثراؤهم، وتنعموا بالنساء وغيرهن لاتساع أيديهم به.

وكانوا في المدينة نيفا وثمانين ألفا، فعل هذا منهم سبعون ألفا، وأنكر عليهم الباقون، كما قص الله تعالى سورة الأعراف، من آية 163، إلى آية 164

 {وَ سْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَ يَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ وَ إِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى‏ رَبِّكُمْ وَ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}. 2))

وذلك أن طائفة منهم وعظوهم وزجروهم، ومن عذاب الله خوفوهم، ومن انتقامه وشديد بأسه حذروهم، فأجابوهم عن وعظهم {لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ} بذنوبهم هلاك الاصطلام {أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً}.

فأجابوا قائلين لهم هذا: {مَعْذِرَةً إِلى‏ رَبِّكُمْ} هذا القول منا لهم معذرة إلى ربكم، إذ كلفنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فنحن ننهى عن المنكر ليعلم ربنا مخالفتنا لهم، وكراهتنا لفعلهم.

قالوا: {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} ونعظهم أيضا لعلهم تنجع فيهم المواعظ، فيتقوا هذه الموبقة، ويحذروا عقوبتها.

قال الله عز وجل: سورة الأعراف، آية 166، صفحة 172

 {فَلَمَّا عَتَوْا} حادوا وأعرضوا وتكبروا عن قبولهم الزجر {عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ} مبعدين عن الخير، مقصين.

قال: فلما نظر العشرة الآلاف والنيف أن السبعين ألفا لا يقبلون مواعظهم، ولا يحفلون  بتخويفهم إياهم وتحذيرهم لهم، اعتزلوهم إلى قرية أخرى قريبة من قريتهم وقالوا: نكره أن ينزل بهم عذاب الله ونحن في خلالهم.

فأمسوا ليلة، فمسخهم الله تعالى كلهم قردة خاسئين، وبقي باب المدينة مغلقا لا يخرج منه أحد ولا يدخله أحد.

وتسامع بذلك أهل القرى فقصدوهم، وتسنموا حيطان البلد، فاطلعوا عليهم فإذا هم كلهم رجالهم ونساؤهم قردة يموج بعضهم في بعض! يعرف هؤلاء الناظرون معارفهم وقراباتهم وخلطاءهم، يقول المطلع لبعضهم: أنت فلان؟ أنت فلانة؟

فتدمع عينه، ويؤمي برأسه (بلا، أو نعم).

فما زالوا كذلك ثلاثة أيام، ثم بعث الله عز وجل عليهم مطرا وريحا فجرفهم إلى البحر، وما بقي مسخ بعد ثلاثة أيام، وإنما الذين ترون من هذه المصورات بصورها فإنما هي أشباهها، لا هي بأعيانها ولا من نسلها.

——————————————————

*-الطبرسي – الإحتجاج – ج1 – ص294.

1- البقرة : 64، إلى آية 66 .

2- الأعراف:من آية 163، إلى آية 164 .

3- تفسير الإمام العسكري (ع) – المنسوب إلى الإمام العسكري (ع) – الصفحة 270.

التطبيق السابع و العشرون

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ


اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد الحَمْدُ للهِ الَّذَي لاَ يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ القَائِلُونَ، وَلاِ يُحْصِي نَعْمَاءَهُ العَادُّونَ، ولاَ يُؤَدِّي حَقَّهُ الُمجْتَهِدُونَ، الَّذِي لاَ يُدْركُهُ بُعْدُ الهِمَمِ، وَلاَ يَنَالُهُ غَوْصُ الفِطَنِ، الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ، وَلاَ نَعْتٌ مَوْجُودٌ، وَلا وَقْتٌ مَعْدُودٌ، وَلا أَجَلٌ مَمْدُودٌ. فَطَرَ الخَلائِق بـقُدْرَتِهَ، وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ، وَوَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ.(*) اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد
و لازلنا نطبق هيمنة البسملة بشكل متسلسل لآيات سورة البقرة و بعض الأحيان نقوم بتفسير موضوعي وطريقته استقراء آيات الموضوع.

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)(1)

قبل هذه الآية تم ذكر ضعف الإيمان و عدمه و النتيجة كانت الإسراف بالمعصية و اللاإنسانية ، و في هذه الأية سيكون الكلام عن الإيمان الذي يلتقي في طريقه بكل مفاهيم الإنسانية، و نتيجته حسن العاقبة و أفضل الكلام عن مفهوم الإيمان هو كلام أهل بيت النبوة صلوات الله عليه وسلم .

  • الإمام علي (عليه السلام): الإيمان أصل الحق، والحق سبيل الهدى، وسيفه جامع الحلية، قديم العدة، الدنيا مضماره (2).
    كلام جميل و مختصر لمسيرة الحياة و معرفة امتحانات و ابتلاءات الدنيا و النجاح و الفلاح فيها .
  • عنه (عليه السلام): بالإيمان يستدل على الصالحات وبالصالحات يستدل على الإيمان، وبالإيمان يعمر العلم (3).

أما تعريف الإيمان عند الرسول صلى الله عليه وآله:

  • الإمام علي (عليه السلام): قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله):
    يا علي، اكتب، فقلت: ما أكتب: فقال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، الإيمان ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال، والإسلام ما جرى على اللسان وحلت به المناكحة (4).

أما تعريف الإمام الباقر الإيمان :

الإمام الباقر (عليه السلام): الإيمان ما كان في القلب، والإسلام ما عليه التناكح والتوارث وحقنت به الدماء، والإيمان يشرك الإسلام، والإسلام لا يشرك الإيمان (5).

  • عنه (عليه السلام): الإيمان إقرار وعمل، والإسلام إقرار بلا عمل (6).

روايات الإيمان كثيرة جدا و لكن الإمام الباقر اختصر الكلام في حقيقة الإيمان فقال: إقرار، و هو الاعتقاد بأصول الدين الحقة و هي : التوحيد و والعدل و النبوة و الإمامة و المعاد، ثم قال: عمل أي : فروع الدين، فأي شخص يترك جزئية من هذه الجزئيات من أصول الدين و فروع الدين خرج عن الإيمان وصار مسلما شكليا فقط، وإن ترك الأصول والفروع فقط فقد كقر.

الإمام الكاظم (عليه السلام) – وقد سئل عن الكبائر هل تخرج من الإيمان؟ -: نعم، وما دون الكبائر، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا يزني الزاني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق وهو مؤمن (7).

  • الإمام الصادق (عليه السلام) – وقد سأله زرارة عن قول النبي: لا يزني الزاني وهو مؤمن -: حتى ينزع عنه روح الإيمان. قال: قلت: ينزع عنه روح الإيمان؟ قال: [قلت:] فحدثني عن روح الإيمان. قال: هو شئ، ثم قال: احذر ان تفهمه [أ] ما رأيت الإنسان يهم بالشئ فيعرض بنفسه الشئ يزجره عن ذلك وينهاه؟ قلت:
    نعم، قال: هو ذاك (8).

ومن هاتين الروايتين نفهم أن نزع الإيمان في حال ترك شيء من فروع الإسلام من واجباته و نواهيه كما هو الحال في ترك أصل من أصول الدين.

هذه هي الاستعانة التي ينبغي العمل بها و هذا هو السمو الذي أراده الله عزوجل لهم و لنا بنصرة آل بيته و هنا تتجلي رحمة الله بتعاليمه و هذه هيمنة البسملة في آياته.

——————————————————
*-الطبرسي – الإحتجاج – ج1 – ص294.
1- البقرة:62.
6-5-4-3-2-ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 1- الصفحة 194
8-7-نفس المصد -الصفحة 194.

التطبيق السادس و العشرون


بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ


اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد الحَمْدُ للهِ الَّذَي لاَ يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ القَائِلُونَ، وَلاِ يُحْصِي نَعْمَاءَهُ العَادُّونَ، ولاَ يُؤَدِّي حَقَّهُ الُمجْتَهِدُونَ، الَّذِي لاَ يُدْركُهُ بُعْدُ الهِمَمِ، وَلاَ يَنَالُهُ غَوْصُ الفِطَنِ، الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ، وَلاَ نَعْتٌ مَوْجُودٌ، وَلا وَقْتٌ مَعْدُودٌ، وَلا أَجَلٌ مَمْدُودٌ. فَطَرَ الخَلائِق بـقُدْرَتِهَ، وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ، وَوَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ.(*) اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد
و لازلنا نطبق هيمنة البسملة بشكل متسلسل لآيات سورة البقرة و بعض الأحيان نقوم بتفسير موضوعي وطريقته استقراء آيات الموضوع.

وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ۖ قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ۚ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ ۗ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)(1)

في هذه الآية ثلاثة تعاليم وقيم من الله عزوجل إذا لم نعمل بها يتكون السبب في ضعف الإيمان وعدم الاجتهاد في تحصيل القيم و الأخلاق و الصلة (العبادة) مع الله عز وجل، وحصول نتيجة العصيان و قد اسرف بني إسرائيل بقتل الأنبياء الذين هم من نفس الدم و العقيدة.

القيمة التعليمية الأولى هي عدم القناعة :{وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ} و أهل البيت يتكلمون عن القناعة التي توصل العبد إلى بر الأمان و عدم القناعة تغرق العبد في تيه الشهوات.

قال الله تعالى * {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)} * (2).

  • في مجمع البيان: { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ }قيل: فيه أقوال: أحدها: أن الحياة الطيبة الرزق الحلال، عن ابن عباس وسعيد بن جبير وعطاء، وثانيها: أنها القناعة والرضا بما قسم الله، عن الحسن ووهب وروي ذلك عن النبي (صلى الله عليه وآله) (3).
  • الإمام علي (عليه السلام) – لما سئل عن قوله تعالى:{فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ} * -: هي القناعة (4).
  • عنه (عليه السلام): طوبى لمن ذكر المعاد، وعمل للحساب، وقنع بالكفاف، ورضي عن الله (5).
  • عنه (عليه السلام) – في ذكر خباب بن الأرت -:
    يرحم الله خباب بن الأرت، فلقد أسلم راغبا، وهاجر طائعا، وقنع بالكفاف، ورضي عن الله، وعاش مجاهدا (6).
  • عنه (عليه السلام): لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير العمل… يقول في الدنيا بقول الزاهدين، ويعمل فيها بعمل الراغبين، إن أعطي منها لم يشبع، وإن منع منها لم يقنع (7).
  • عنه (عليه السلام) – في صفة الأنبياء -: ولكن الله سبحانه جعل رسله أولى قوة في عزائمهم، وضعفة فيما ترى الأعين من حالاتهم، مع قناعة تملأ القلوب والعيون غنى، وخصاصة تملأ الأبصار والأسماع أذى (8).
  • عنه (عليه السلام): ألهم نفسك القنوع (9).
  • عنه (عليه السلام): نعم الحظ القناعة (10).
  • الإمام علي (عليه السلام): انتقم من حرصك بالقنوع كما تنتقم من عدوك بالقصاص (12).

القيمة التعليمية الثانية و الثالثة هي ضعف الإيمان و وقلة العزيمة و الاجتهاد في مرضاة الله عزوجل و النتيجة هو الإسراف و الطغيان و المعصية {اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ ۗ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ }

وقد يتبين من كلام أهل البيت في درجات الإيمان و فضل الإيمان عكس ما يقولون فإذا كان في منطوق الروايات:

الإمام علي (عليه السلام): إن الإيمان يبدو لمظة بيضاء في القلب، فكلما ازداد الإيمان عظما ازداد البياض، فإذا استكمل الإيمان ابيض القلب كله (13).

المفهوم يكون عكس المنطوق و هنا ضعف الايمان ظلام و تيه في القلب فكلما عتم الظلام دخلت في تيه السيئات و الشهوات .

و إذا كان منطوق ما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله): أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيث ما كنت (14).

و يكون مفهوم ضعف الإيمان بعدك عن الله عزوجل.

و إذا كان منطوق ما قاله رسول الله
(صلى الله عليه وآله): أفضل الإيمان أن تحب لله، وتبغض لله، وتعمل لسانك في ذكر الله عز وجل، وأن تحب للناس ما تحب لنفسك، وتكره لهم ما تكره لنفسك، وأن تقول خيرا أو تصمت (15).

  • عنه (صلى الله عليه وآله): أفضل الإيمان الصبر والسماحة (16).
  • عنه (صلى الله عليه وآله): أفضل الإيمان خلق حسن (17).
  • الإمام علي (عليه السلام): أفضل الإيمان حسن الإيقان

يكون المفهوم ضعف الايمان عكس ما قاله النبي الأعظم صلوات لله عليه حبه و بغضه ليس لله و كلامه وحبه لنفسه فقط و يلبس الحق باطل في كلامه غير صبور متسرع غضوب أخلاقه غير حسنه ليس عنده توكل و تسليم لله عزوجل.

و عدم الاجتهاد و العزيمة التي لا يريدها الله في العبد على جميع المستويات الأخلاقية و التعبدية و العقائدية نتيجتها مثل ضعف الايمان وعدم الطاعة لله عزوجل في جميع أوامره و نواهيه نتيجتها الإسراف في العصيان الذي عبر عنه الله عزوجل في نهاية الآية{وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ }.

هذه هي الإستعانة التي ينبغي العمل عليها و هذا هو السمو الذي أراده الله عزوجل لهم و لنا بنصرة آل بيته و هذه تجلي رحمة الله بتعاليمه و هذه هيمنة البسملة في آياته.

——————————————————
*-الطبرسي – الإحتجاج – ج1 – ص294.
1- البقرة:61.
2-النحل:97.
12-11-10-9-8-7-6-5-4-3-ميزان الحكمة – محمد الريشهري -ج3-الصفحة2636.
17-16-15-14-13-نفس المصدر – ج 1 – الصفحة 198.

التطبيق الخامس و العشرون

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ


اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد الحَمْدُ للهِ الَّذَي لاَ يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ القَائِلُونَ، وَلاِ يُحْصِي نَعْمَاءَهُ العَادُّونَ، ولاَ يُؤَدِّي حَقَّهُ الُمجْتَهِدُونَ، الَّذِي لاَ يُدْركُهُ بُعْدُ الهِمَمِ، وَلاَ يَنَالُهُ غَوْصُ الفِطَنِ، الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ، وَلاَ نَعْتٌ مَوْجُودٌ، وَلا وَقْتٌ مَعْدُودٌ، وَلا أَجَلٌ مَمْدُودٌ. فَطَرَ الخَلائِق بـقُدْرَتِهَ، وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ، وَوَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ.(*) اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد
و لازلنا نطبق هيمنة البسملة بشكل متسلسل لآيات سورة البقرة و بعض الأحيان نقوم بتفسير موضوعي وطريقته استقراء آيات الموضوع.

۞ وَإِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ۖ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ۖ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60) (١)

من النعم التي أعطيت إلى بني إسرائيل العيون التي انفجرت بعصا موسى عليه السلام لإثنى عشرة قبيلة بشرط أن يتحلوا بأخلاق النبين صلوات الله عليهم و يعمروا الأرض بالمعرفة و حضارة الأخلاق و الدين.

و في هذه النعمة أيضا تذكير ليهود المدينة بما منَّ الله على أجدادهم شريطة نصرة أنبياء الله عزوجل بما فيهم النبي الخاتم و الوصي العلي صلوات الله عليهما وهم السبب الأول لتذكيرهم بهذه النعم لعل يحدث منهم تراجعا في الغدر و الخذلان.

جاء في تفسير الإمام العسكري: قال الله تعالى ” وإذا استسقى موسى لقومه ” قال: واذكروا بني إسرائيل ” إذ استسقى موسى لقومه ” طلب لهم السقي لما لحقهم العطش في التيه وضجوا بالبكاء إلى موسى، وقالوا هلكنا بالعطش، فقال موسى: إلهي بحق محمد سيد الأنبياء وبحق علي سيد الأوصياء وبحق فاطمة سيدة النساء، وبحق الحسن سيد الأولياء وبحق الحسين أفضل الشهداء، وبحق عترتهم وخلفائهم سادة الأزكياء لما سقيت عبادك هؤلاء.

فأوحى الله تعالى: يا موسى ” اضرب بعصاك الحجر ” فضربه بها ” فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس ” كل قبيلة من بني أب من أولاد يعقوب ” مشربهم ” فلا يزاحم الآخرين في مشربهم، قال الله تعالى ” كلوا واشربوا من رزق الله ” الذي آتاكموه ” ولا تعثوا في الأرض مفسدين ” ولا تسعوا فيها وأنتم مفسدون عاصون.

فقال الله تعالى لبني إسرائيل الموجودين في عصر النبي محمد صلى الله عليه وآله: إنما دعي أسلافكم إلى موالاة محمد وآله، وأنتم لما شهدتموهم فقد وصلتم إلى الغرض والمطلب الأفضل من موالاة محمد وآله، فتقربوا إلى الله عز وجل بالتقرب إليهم ولا تتقربوا من سخطه، ولا تباعدوا من رحمته بالإزراء عنا (٢).

هذه هي الاستعانة التي ينبغي العمل بها و هذا هو السمو الذي أراده الله عزوجل لهم و لنا بنصرة آل بيته و هذه تجلي رحمة الله بتعاليمه و هذه هيمنة البسملة في آياته.

——————————————————
*-الطبرسي – الإحتجاج – ج1 – ص294.
1- البقرة:60.
2-بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج 91 – الصفحة 9-8.

التطبيق الرابع والعشرون


بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ


اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدالحَمْدُ للهِ الَّذَي لاَ يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ القَائِلُونَ، وَلاِ يُحْصِي نَعْمَاءَهُ العَادُّونَ، ولاَ يُؤَدِّي حَقَّهُ الُمجْتَهِدُونَ، الَّذِي لاَ يُدْركُهُ بُعْدُ الهِمَمِ، وَلاَ يَنَالُهُ غَوْصُ الفِطَنِ، الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ، وَلاَ نَعْتٌ مَوْجُودٌ، وَلا وَقْتٌ مَعْدُودٌ، وَلا أَجَلٌ مَمْدُودٌ. فَطَرَ الخَلائِق بـقُدْرَتِهَ، وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ، وَوَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ.(*) اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد
و لازلنا نطبق هيمنة البسملة بشكل متسلسل لآيات سورة البقرة و بعض الأحيان نقوم بتفسير موضوعي وطريقته استقراء آيات الموضوع.

فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59)(1)

الله عزوجل يمن في ذكر النعم التي انزلها على بني إسرائيل لكي يتذكر يهود أهل المدينة ويرجعوا إلى رشدهم، ولكي يرجعوا عما حرفوه، و من ثم يؤمنون بالنبي الأعظم و الوصي العلي صلوات الله وسلامه عليهما .

وسياق ذكر النعم غالبا يبتدئ آياته بكلمة {و إذ} ولكن هذه المرة في وسط تذكيرهم بالنعم جاء زجر و عذاب في الدنيا قبل الآخرة.

بنسبة إلى التحريف هناك عدة جهات يمكن النظر إليها:

1- الجهة الأولى: الذين يحرفون الكتب السماوية، و هؤلاء عليهم لعنة الله عزوجل، و قد ذكرو في عدة آيات { مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَٰكِن لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (46)}(2)
و في هذه الآية تحدي و تجري و تجاسر منهم بدون عقل على الله عز وجل.
و آية أخر ذكرت في موضعين من سورة المائدة:

  • الآية ١٣: و لكن فصل في شخصية المحرّف المغير في كلام رب العزة و الجبروت..
  • الآية ٤١: حيث يسارعون للكفر، ميالين للنفاق، و يستمعون للكذب، و يستمعون لأهل الفتن،فوصف الله عزوجل بهذه الصفات قلوبهم بعدم الصفاء، و توعدهم بعذاب الدنيا قبل الآخرة في قوله تعالى مخاطبا نبيه و مواسيه على عدم إيمانهم {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ ۛ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا ۛ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ۖ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ۚ وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41)}(3)

٢- الجهة الثانية: الذين يطمعون بإيمان المحرفين و هذا لا يحصل عادة.

{أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) } .(4)

٣- الجهة الثالثة: أنه الحق في محكمه و متشابهه و ظاهره و باطنه و ناسخه و أحكامه و عقائده و أخلاقه و وعيده {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) }(5)خطاب طمأنة من رب العزة في من يريد تحريف آخر الكتب و هو القرآن الكريم { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} (6)هذه الآية تثبت انه لا يمكن تغيره.

٤-الجهة الرابعة : أي شيء يخالف كتاب الله عزوجل لا يؤخذ به..

  • أنه حضر ابن أبي يعفور في هذا المجلس قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به ومنهم من لا تثق به؟ قال: إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وإلا فالذي جاء كم به أولى به.(7)
  • عن أيوب بن الحر قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
    كل شئ مردود إلى الكتاب والسنة، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف.(8)

——————————————————
*-الطبرسي – الإحتجاج – ج1 – ص294.
1- البقرة:59.
2-النساء:46.
3-المائدة:41.
4-البقرة:75.
5- المائدة:48.
6-الحجر :9.
8-7-الكافي – الشيخ الكليني – ج 1- الصفحة 69.

التطبيق الثالث والعشرون


بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ


اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدالحَمْدُ للهِ الَّذَي لاَ يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ القَائِلُونَ، وَلاِ يُحْصِي نَعْمَاءَهُ العَادُّونَ، ولاَ يُؤَدِّي حَقَّهُ الُمجْتَهِدُونَ، الَّذِي لاَ يُدْركُهُ بُعْدُ الهِمَمِ، وَلاَ يَنَالُهُ غَوْصُ الفِطَنِ، الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ، وَلاَ نَعْتٌ مَوْجُودٌ، وَلا وَقْتٌ مَعْدُودٌ، وَلا أَجَلٌ مَمْدُودٌ. فَطَرَ الخَلائِق بـقُدْرَتِهَ، وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ، وَوَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ.(*) اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد

و لازلنا نطبق هيمنة البسملة بشكل متسلسل على آيات سورة البقرة و بعض الأحيان نقوم بتفسير موضوعي وطريقته استقراء آيات الموضوع.

وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَٰذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ ۚ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58)(1)

الله عزوجل يخاطب أهل المدينة لأنهم ألبسوا الحق بالباطل و الباطل بالحق بتحريفهم كتبهم التي فيها كل صفات النبي و الوصي صلوات الله عليهما و الخطاب في تعداد النعم التي أعطاها الله عزوجل إلى بني إسرائيل بشرط نصرة النبي الخاتم.

فمن النعم ما هو بعد المعرفة للدين الحق حيث يقبل الله توبتهم، و تحط كل ذنوبهم عند الباب الخشبي الذي سمي بباب حطة، وهو باب من أبواب البيت المقدس، يدخلون متواضعين و يسجدون لله بعد دخولهم، و بعضهم يقدم الإحسان من نذور و صدقات، وهناك من لم يذنب ولكن استجابة الى دعوة الله عزوجل و عمل الخير و وتزود من المعرفة و كان رساليا و عالما للدين الحق و عن طريقة تعليمه إلى الناس صار الناس يلتجؤون إلى الله عزوجل.

هذه الرحمة الإلاهية التي أعطية لبني إسرائيل التي برحمته إيضا ذكر يهود أهل المدينة بما صنع لآبائهم لعلهم يؤمنون بالنبي الموعود لهم و وصيه صلوات الله عليهما.

أما الرحمة فهو خطاب النبي و أهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين لنا أنه و أهل بيته مثل باب حطة من دخله أمن و من تخلف عنه لا يؤمن عليه.

  • تفسير العياشي: عن سليمان الجعفري قال: سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام في قول الله: ” وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم ” قال: قال أبو جعفر عليه السلام: نحن باب حطتكم (2).
  • تفسير الإمام العسكري عليه السلام: قال أمير المؤمنين عليه السلام: هؤلاء بنو إسرائيل نصب لهم باب حطة وأنتم يا معشر أمة محمد نصب لكم باب حطة أهل بيت محمد عليه السلام، وأمرتم باتباع هداهم، ولزوم طريقتهم ليغفر لكم بذلك خطاياكم وذنوبكم، وليزداد المحسنون منكم، وباب حطتكم أفضل من باب حطتهم، لان ذلك كان بأخاشيب ونحن الناطقون الصادقون المؤمنون الهادون الفاضلون، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
    إن النجوم في السماء أمان من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الضلالة في أديانهم، لا يهلكون ما دام منهم من يتبعون هديه وسنته، أما إن رسول الله صلى الله عليه وآله قد قال: من أراد أن يحيى حياتي، ويموت مماتي، وأن يسكن جنة عدن التي وعدني ربي وأن يمسك قضيبا غرسه بيده وقال الله: كن فكان، فليتول علي ابن أبي طالب عليه السلام، وليوال وليه، وليعاد عدوه، وليتول ذريته الفاضلين المطيعين لله من بعده، فإنهم خلقوا من طينتي، ورزقوا فهمي وعلمي، فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي (3).
  • أمالي الطوسي: ابن الصلت، عن ابن عقدة، عن أحمد بن القاسم الأكفاني، عن عباد بن يعقوب، عن موسى بن عثمان الحضرمي عن الأعمش عن مورق العجلي قال: رأيت أبا ذر آخذا بحلقة باب الكعبة وهو يقول: من عرفني فأنا جندب، و إلا فأنا أبو ذر الغفاري، برح الخفاء، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق، ومثل باب حطة يحط الله بها الخطايا (4).

——————————————————
*-الطبرسي – الإحتجاج – ج1 – ص294.
1- البقرة:

4-3-2-بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج 23 – الصفحة 122 – 123

التطبيق الثاني و العشرون

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ محمد الحمد للهِ الَّذَي لاَ يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ القَائِلُونَ، وَلاِ يُحْصِي نَعْمَاءَهُ العَادُّونَ، ولاَ يُؤَدِّي حَقَّهُ الُمجْتَهِدُونَ، الَّذِي لاَ يُدْركُهُ بُعْدُ الهِمَمِ، وَلاَ يَنَالُهُ غَوْصُ الفِطَنِ، الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ، وَلاَ نَعْتٌ مَوْجُودٌ، وَلا وَقْتٌ مَعْدُودٌ، وَلا أَجَلٌ مَمْدُودٌ. فَطَرَ الخَلائِق بـقُدْرَتِهَ، وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ، وَوَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ.(*)اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد

الحكمة من اختيار السمو في البسملة و لفظ الجلالة {الله} الذي يشمل جميع الأسماء و الصفات و بينهم اختيار صفتي الرحمن و الرحيم ، و القسم بهما دون غيرهما من الصفات والتي فيها شمول و هيمنة آية البسملة .و لازلنا نطبق هيمنة البسملة بشكل متسلسل لآيات سورة البقرة و بعض الأحيان نقوم بتفسير موضوعي وطريقته استقراء آيات الموضوع.

وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56) وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ ۖ كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ۖ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57)

لازال الله سبحانه يذكر بالنعم التي أعطاها مع وجود الظلم الصريح لأنفسهم ، وتجسيمهم لرب العزة في عقولهم، فأنذرهم و زجرهم ثم منَّ عليهم من نعمه و بعثهم مرة أخرى، وهناك من يشاهد كل هذه العملية .

بعد كل هذا الرعب الذي زجرهم الله به منَّ الله عليهم مرة أخرى ورزقهم و بارك في رزقهم ليطمئنهم وهم في الصحراء التي ليس فيها شيء من الطعام و الشراب الذي يكفيهم و يغطي حاجاتهم .

و بقي الكلام عن ظلم النفس وما يقابله من الجهاد الأكبر، و أول شيء اعتقاداتهم في رب العزة تعالى عما يصفون.

و بني إسرائيل ظلموا انفسهم مرة باتخاذهم العجل و مرة بتصورهم إلى تركيب و تجسيد الله عزوجل و قد تمت معاقبتهم على ذلك.

والتذكير بالنعم هنا لليهود الموجودين في المدينة، و سبب وجودهم هو : نصرة النبي صلى الله عليه و آله وسلم، ألا أن علمائهم من رهبان و أحبار قد حرفوا في كل ما يدل من حجة على نبوة النبي محمد صلى الله عليه وآله و إمامة علي الوصي صلوات الله عليهم اجمعين.

بعد معرفة هذه السيرة الكلام في كيفية مقابلة نعم الله عزوجل ؟
و ماذا يقول أهل البيت عليهم السلام عن ظلم النفس .
– بماذا نستعين

  • و ما هو السمو أو العلو أو السمة أو العلامة ؟
  • و أي صفة نأخذها من لفظ الجلالة؟
  • وأي رحمة نأخذها من الرحمٰن الرحيم؟ كي نعرف هيمنة البسملة في هذه الآيات.

تكلمنا في كثير من المقالات كيف نتعامل مع نعم الله عزوجل، و أصدّق شيء و أجلى شيء لنعم الله عزوجل هي العقائد و أصول الدين.

وهذه العقائد هي السبب في تذكير يهود المدينة بتلك النعم التي منّ الله عزوجل على أجدادهم .

لكي يتم تصديق النبي و الوصي صلوات الله عليهم اجمعين.

و بما أن في البسملة من المعاني مما يتم تعليمنا منه هذا الثبات بالاعتقاد .
و عدم ظلم انفسنا بعدم الاعتقاد.


أما كلام أهل البيت عليهم السلام في ظلم النفس:

الإمام علي (عليه السلام): كيف يعدل في غيره من يظلم نفسه؟! (2).

  • عنه (عليه السلام): من ظلم نفسه كان لغيره أظلم (3).
  • عنه (عليه السلام): عجبت لمن يظلم نفسه كيف ينصف غيره؟! (4).
  • عنه (عليه السلام): ظلم نفسه من رضي بدار الفناء عوضا عن دار البقاء (5).
  • عنه (عليه السلام): ظلم نفسه من عصى الله وأطاع الشيطان (6).
  • عنه (عليه السلام): من أهمل العمل بطاعة الله ظلم نفسه (7).
  • الإمام الصادق (عليه السلام): كتب رجل إلى أبي ذر – (رضي الله عنه) – يا أبا ذر! أطرفني بشئ من العلم، فكتب إليه: أن العلم كثير ولكن إن قدرت أن لا تسئ إلى من تحبه فافعل، قال: فقال له الرجل: وهل رأيت أحدا يسئ إلى من يحبه؟!
    فقال له: نعم، نفسك أحب الأنفس إليك، فإذا أنت عصيت الله فقد أسأت إليها (8).

——————————————————
*-الطبرسي – الإحتجاج – ج1 – ص294.

1- البقرة:55-56-57.

6-5-4-3-2-ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 2- الصفحة 1781.

8-7-نفس المصدر-ج2- الصفحة 1782

التطبيق الحادي و العشرون

تطبيق هيمنة البسملة


بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ


اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ محمد الحمد للهِ الَّذَي لاَ يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ القَائِلُونَ، وَلاِ يُحْصِي نَعْمَاءَهُ العَادُّونَ، ولاَ يُؤَدِّي حَقَّهُ الُمجْتَهِدُونَ، الَّذِي لاَ يُدْركُهُ بُعْدُ الهِمَمِ، وَلاَ يَنَالُهُ غَوْصُ الفِطَنِ، الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ، وَلاَ نَعْتٌ مَوْجُودٌ، وَلا وَقْتٌ مَعْدُودٌ، وَلا أَجَلٌ مَمْدُودٌ. فَطَرَ الخَلائِق بـقُدْرَتِهَ، وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ، وَوَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ.(*) اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد
و لازلنا نطبق هيمنة البسملة بشكل متسلسل لآيات سورة البقرة و بعض الأحيان نقوم بتفسير موضوعي وطريقته استقراء آيات الموضوع.

وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ (51) ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52) وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53) وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54)(1)

هيمنة البسملة في هذه الآية في مسألة المعرفة، أي السمو المأخوذ من {بسم} حيث باسمه يسمو الإنسان ، و تجلي العالم للعبد المأخوذ من لفظ {الله}، و الرحمة المعرفية المأخوذة {الرحمٰن الرحيم }، التي هي من دواعي العفو و الذي تقدم الكلام عنه.

و التوبة التي سيأتي الكلام عنها، و كلام في المعرفة الحق من الله عز وجل، و كل ما كان مقدار معارفنا زائد تقربنا إلى الله واستجيب دعاؤنا، ويمكن ان نعطي مثال في مسألة المعرفة في الدعاء من الآية٦٢ من سورة النمل: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} ،

إن طريق الوصول إلى الله هو المعرفة أي العلم، و لا يكون إلا من المعصومين عليهم السلام، فعلّة وجودنا مرتبطة بثلاث أمور :

  • العلم،
  • و الموصل للعلم (المعصوم) ،
  • و غاية العلم(الدعاء الذي هو من جنس العبادة).

_ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يقول الله عز وجل: من سألني وهو يعلم أني أضر وأنفع أستجيب له .(2)

– عن الإمام الصادق (عليه السلام) – وقد سأله قومه -: ندعو فلا يستجاب لنا؟! -: لأنكم تدعون من لا تعرفونه .(3)

– وعنه (عليه السلام) – في قوله {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي} -: يعلمون أني أقدر على أن أعطيهم ما يسألوني .(4)

المثال الثاني : في زيارة المعصوم عليه السلام..

  • عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من أتى الحسين عليه السلام عارفا بحقه كتب الله تعالى له في أعلى عليين.(5)
  • عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال: من زار قبر الحسين بن علي عليهما السلام عارفا بحقه غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.(6)
  • عن هارون بن خارجة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام انهم يرون ان من زار قبر الحسين عليه السلام كانت له حجة وعمرة قال من زاره والله عارفا بحقه غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.(7)

المثال الثالث: في المعرفة العقائدية و الأمانة العلمية حيث تشمل كلا المثالين أو قل هي بمثابة العنوان و العام للمثالين السابقين.

عن زرارة، قال:
” سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن للقائم (عليه السلام) غيبة قبل أن يقوم.
فقلت: ولم؟
قال: يخاف – وأومئ بيده إلى بطنه -، ثم قال: يا زرارة، وهو المنتظر، وهو الذي يشك في ولادته، فمنهم من يقول: مات أبوه بلا خلف، ومنهم من يقول:
حمل، ومنهم من يقول: غائب، ومنهم من يقول: ولد قبل وفاة أبيه بسنين ، وهو المنتظر غير أن الله يحب أن يمتحن قلوب الشيعة فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة.
قال زرارة: قلت: جعلت فداك، إن أدركت ذلك الزمان أي شيء أعمل؟
قال: يا زرارة، متى أدركت ذلك الزمان فلتدع بهذا الدعاء: ” اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني “، ثم قال: يا زرارة، لا بد من قتل غلام بالمدينة.
قلت: جعلت فداك، أوليس الذي يقتله جيش السفياني؟
قال: لا، ولكن يقتله جيش بني فلان، يخرج حتى يدخل المدينة ولا يدري الناس في أي شيء دخل ، فيأخذ الغلام فيقتله، فإذا قتله بغيا وعدوانا وظلما لم يمهلهم الله، فعند ذلك يتوقع الفرج “.(8)

وهذه الرواية تختصر لنا معرفة هيمنة البسملة على الآية حيث لا يكون رفع الضلالة إلا بالمعرفة، و لا يكون ثبات نور العقيدة في القلب إلا بالمعرفة، و لا يكون التعبد و التقرب إلا بالمعرفة، في كل أزمان غياب الحجج ، حتى مع قيام الحجج: فأي ضال عفوه متوقف – {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ (51) ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} _و توبته متوقفة -{وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }(54) _في الدرجة الأولى على المعرفة {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }(53)

محل المعرفة هنا المعبر عنه بضمير ناء الفاعلين في {آتَيْنَا}، و الله عزوجل و النبوة أي حجته وهو {مُوسَى} في هذه الآية، و التعليم من {الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ }، و غاية هذا السمو و العلم و الرحمة المعرفية {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }.

——————————————————
*-الطبرسي – الإحتجاج – ج1 – ص294.
1- البقرة:51 52 53 54 .
2- بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج90 – الصفحة357.
3 – نفس المصدر الصفحة 368.
4- نفس المصدر الصفحة 323.

7-6-5-ثواب الأعمال – الشيخ الصدوق – الصفحة85.
8- كتاب الغيبة – النعماني – ج١ – الصفحة 168.