أرشيف التصنيف: الأخلاق

تكملة لفظ اسم (٢)

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

اللَّهُمَّ رَبَّ شَهرِ رَمَضانَ، مُنَزِّلَ القُرآنَ، هذا شَهرُ رَمَضانَ الَّذي أنزَلتَ فيهِ القُرآنَ وأنزَلتَ فيهِ آياتٍ بَيِّناتٍ مِنَ الهُدى والفُرقانِ. اللَّهُمَّ ارزُقنا صيامَهُ، وَأعِنّا عَلى قيامِهِ.(*)

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد.

معاني مفردات البسملة

كلما تدبرنا وزدنا من معرفتنا في الذات الإلهية من كلماته و كلمات المعصومين عليهم السلام زاد تقربنا لله، و عليه يزيد تقربنا للمعصومين عليهم السلام: {قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ ۚ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ ۗ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ ۚ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} الرعد:16

شاهدنا في هذه الآية هو الوصول إلى النور.

الفئة الثالثة: لها حيثيه أخرى وهو ذكر لفظ مشتق من الاسم يشار فيه الى أولياء الله في قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}(1) ، و قوله تعالى: { قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ}(2)، فالأدلة النقلية تروي أنه علمه أسماء كل شيء، و ركزت روايات أخرى على أعلى مصداق و هم حجج الله على الأرض، قال الصدوق : حدثنا بذلك محمد بن موسى بن المتوكل قال: حدثنا محمد بن ابي عبد الله الكوفي عن الحسن بن سعيد عن محمد بن زياد عن إيمن بن محرز ،عن الصادق بن محمد عليهما السلام:  << أن الله تبارك و تعالى علم آدم عليه السلام أسماء حجج الله:  { كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}(3) بأنكم أحق بالخلافة في الأرض لتسبيحكم وتقديسكم من آدم عليه السلام: { قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }(4)، قال الله تبارك و تعالى: { قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم }(5) وقفوا على عظيم منزلتهم عند الله تعالى ذكره، فعلموا أنهم أحق بأن يكونوا خلفاء الله في أرضه، وحججه على بريته ، ثم غيبهم عن أبصارهم ، و أستبعدهم بولايتهم و محبتهم، وقال لهم: { أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ}(6)(7)

وهذه الأخبار تشير إلى العلامة دون الرفعة.

 و هناك فئة رابعة: حينما الله يخبر عن نهر في الجنة و لفظ الاسم هنا دلالته العلامة دون الرفعة في قوله تعالى: {عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلًا}(8)

وهناك فئة خامسة: فيها لفظ الاسم مضاف الى لفظ الجلالة في عدة حيثيات مختلفة:

 الحيثية الأولى: الأمر بأكل ما يذبح أو يصطاد إلا ما ذكر اسم الله عليه و النهي عن الأكل ما لم يذكر أسم الله عليه و هنا واضح الدلالة على اشتمال العلامة و الرفعة معا وذلك ، لأن غير لفظ الجلالة يحتاج إلى ظهور و أخبار عن بروزه و تشخيصه، وبهذا الفهم يجعل طلب العبد حين الذكر عبادة، حيث انه _العبد_ الداني إلى العالي، و الاستقراء القرآني في موضع حلية الأكل من الأنعام بذكر أو الدعاء بذكر اسم الله هي:

1- { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ ۖ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۙ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ ۖ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}(9).

2-{فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُم بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ}(10).

3-{وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ}(11).

4-{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ۗ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ۖ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}(12).

5-{وَقَالُوا هَٰذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَّا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَن نَّشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَّا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ ۚ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}(13)

6-{لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}(14)

7-{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۗ فَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا ۗ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ}(15).

8-{وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ۖ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ۖ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(16).

هذه آيات فيها وجوب ذكر الدعاء ، وهو اسم الله، حيث:

 الآية الأولى: فيها الابتعاد عن الحساب السريع و تقرب الموصل الى تقوى الله إن كان الذكر الواجب في الصيد أو الذبح.

والآية الثانية: الدعاء بذكر الله هو الإيمان.

و الآية الثالثة: الذكر يجعلك غير معتدي و متجاوز على الله تعالى عما يفعلون، ولا يتأثر الإنسان بأكل المذكى روحيًا ويضل عن سبيل الله بغير علم ، وسمح بأكل الميتة للمضطر.

و الآية الرابعة : عدم ذكرك اسم الله يجعلنا معرضين للشيطان ، و تكون الشياطين أولياء من فسق بأكل الميتة .

والآية الخامسة: بيان كذب على الله فيما يفعلون.

والآية السادسة: تعليم لأعمال الحج التي هي منافع للناس و تعليم أن الأضحية التي يذكر عليها اسم الله تقسم بينه وبين المحتاجين.

و الآية السابعة : تبين أن التقرب الى الله في الأديان السماوية و أن فريضة الحج التي بها الأضحية منسكا، فالغاية من المنسك هو ذكر اسم الله.

والآية الثامنة: الموصلة لشكر نعم الله عز وجل و في كل الأحوال هذه الآيات هي من الداني الى العالي الذي هو المراد منه العلامة و الرفعة.

يتبع الكلام و التدبر في مفردة اسم من مفردات البسملة. 

———————————————

*- السيد ابن طاووس – إقبال الأعمال -ج 1- الصفحة 78.

1-البقرة:31

2-البقرة:33

3-البقرة:31

4-البقرة:32

5،6-البقرة:33

7-الصدوق/كمال الدين و تمام النعمة ص14

8-الأنسان:18

9-المائدة:4

10-الأنعام:118

11-الأنعام119

12-الأنعام:121

13-الأنعام:138

14-الحج:28

15-الحج:34

16-الحج:36

شرح دعاء الليلة السابعة

دعاء الليلة السابعة

بسم الله الرحمن الرحيم

يا من كان ويكون وليس كمثله شئ، يا من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته، يا من إذا دعي أجاب، يامن إذا استرحم رحم، يا من لا يدرك الواصفون عظمته، يا من لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، وهو اللطيف الخبير، يا من يرى ولا يرى، وهو بالمنظر الأعلى، يا من بيده نواصي العباد.

أسألك بحق محمد عليك، وبحقك عليه، أن تصلي على محمد وآله أفضل ما صليت وباركت  على إبراهيم وآل إبراهيم ، إنك حميد مجيد وأن تغفر لي وترحمني، إنك أنت الأجل الأعظم. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

روي عنه صلى الله علیه وآله وسلم في دعائه:(يا من كان ويكون وليس كمثله شئ، يا من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته، يا من إذا دعي أجاب، يامن إذا استرحم رحم، يا من لا يدرك الواصفون عظمته).

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة البقرة:{وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.

المؤمن يرقى بعبادته لله تعالى فيشرح الله له صدره للمعرفة، فما روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام في خطبة الوسيلة : الحمد للّه الذي أعجز الأوهام أن تنال إلا وجوده ، و حجب العقول عن أن تتخيل ذاته في امتناعها من الشبه‌ و الشكل، بل هو الذي لم يتفاوت في ذاته ولم يتبعض بتجرية العدد في كماله، فارق ‌الأشياء لا على اختلاف الأماكن ، وتمكن منها لا على الممازجة، و علم بها لا بإرادة لا يكون العلم إلا بها وليس بينه وبين معلومه علم غيره، إن قيل كان فعلى تأويل أزلية الوجود، و إن قيل لم يزل فعلى تأويل نفي العدم. 

يطمئن قلب المؤمن أنه مازال في مدرسة العلوم المحمدية الوجود علوية البقاء، فاحتجاج الإمام الصادق عليه السلام على ابن أبي العوجاء، عندما أتى مجلس الإمام عليه السلام فجلس إليه في جماعة من نظرائه فقال ابن أبي العوجاء: يا أبا عبد الله إن المجالس بالأمانات، ولا بد لكل من به سؤال أن يسأل أفتأذن لي في الكلام؟ فقال الصادق عليه السلام: تكلم بما شئت، فقال: إلى كم تدوسون هذا البيدر؟ وتلوذون بهذا الحجر؟ وتعبدون هذا البيت المرفوع بالطوب والمدر؟ وتهرولون حوله كهرولة البعير إذا نفر؟ إن من فكر في هذا وقدر، علم أن هذا فعل أسسه غير حكيم ولا ذي نظر، فقل فإنك رأس هذا الأمر وسنامه، وأبوك أسه ونظامه. 

فقال أبو عبد الله عليه السلام: إن من أضله الله وأعمى قلبه استوخم الحق ولم يستعذبه، وصار الشيطان وليه، يورده مناهل الهلكة ثم لا يصدره، وهذا بيت استعبد الله به عباده ليختبر طاعتهم في إتيانه، فحثهم على تعظيمه وزيارته، وجعله محل أنبيائه، وقبلة للمصلين له، فهو شعبة من رضوانه، وطريق يؤدي إلى غفرانه، منصوب على استواء الكمال، ومجتمع العظمة والجلال، خلقه الله قبل دحو الأرض بألفي عام، فأحق من أطيع فيما أمر وانتهى عما نهى عنه وزجر، الله المنشئ للأرواح والصور. 

فقال ابن أبي العوجاء: ذكرت الله، فأحلت على غائب.

فقال أبو عبد الله عليه السلام: ويلك كيف يكون غائبا من هو مع خلقه شاهد، وإليه أقرب من حبل الوريد، يسمع كلامهم ويرى أشخاصهم، ويعلم أسرارهم.

فقال ابن أبي العوجاء: فهو في كل مكان أليس إذا كان في السماء كيف يكون في الأرض؟

وإذا كان في الأرض كيف يكون في السماء؟ 

فقال أبو عبد الله عليه السلام: إنما وصفت المخلوق الذي إذا انتقل من مكان اشتغل به مكان وخلا منه مكان، فلا يدري في المكان الذي صار إليه ما حدث في المكان الذي كان فيه، فأما الله العظيم الشأن الملك الديان فلا يخلو منه مكان ولا يشتغل به مكان ولا يكون إلى مكان أقرب منه إلى مكان. 

وروي عنه صلى الله علیه وآله وسلم في دعائه:(يا من لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، وهو اللطيف الخبير، يا من يرى ولا يرى، وهو بالمنظر الأعلى، يا من بيده نواصي العباد). 

قال تعالى في محكم كتابه المبين في سورة الأنعام:{لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}.

يروى لنا بما أجاب أئمتنا عليهم السلام في عدم قدرة الإنسان على الإدراك ويعجز عن العقل عنها إلا ما  وصف الله به نفسه في كتابه الكريم .

روي عن أبي حمزة، عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: قال: لو اجتمع أهل السماء والأرض أن يصفوا الله بعظمته لم يقدروا.

وروي عن محمد بن حكيم قال: كتب أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام إلى أبي: أن الله أعلا وأجل وأعظم من أن يبلغ كنه صفته، فصفوه بما وصف به نفسه، وكفوا عما سوى ذلك.

وروي عن المفضل قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن شئ من الصفة فقال: لا تجاوز ما في القرآن. 

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة هود:{مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا}.

أي أن الله عزوجل له كمال السلطة ونهاية القدرة على عباده، كون سنته في الخليقة واحدة ثابتة غير متغيرة وهو تدبير الأمور على منهاج العدل والحكمة فهو يحق الحق ويبطل الباطل. 

فيعرف المؤمن أن الأمر منه وإليه فيكون التسليم له ولأوليائه الذين هم ما روي عن محمد بن المثنى الأزدي أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: نحن السبب بينكم وبين الله عز وجل. 

فتكون ناصية العباد هي معرفتهم عليهم السلام،  ما روي عن نصر العطار عمن رفعه باسناده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: ثلاث أقسم أنهن حق: إنك والأوصياء من بعدك عرفاء لا يعرف الله إلا بسبيل معرفتكم وعرفاء لا يدخل الجنة إلا من عرفكم وعرفتموه، وعرفاء لا يدخل النار إلا من أنكركم وأنكرتموه.

وروي عنه صلى الله علیه وآله وسلم في دعائه:(أسألك بحق محمد عليك، وبحقك عليه، أن تصلي على محمد وآله أفضل ما صليت وباركت  على إبراهيم وآل إبراهيم ، إنك حميد مجيد وأن تغفر لي وترحمني، إنك أنت الأجل الأعظم).

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الأحزاب:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.

 جاءت نصوص أهل البيت عليهم السلام توضح خصائص ورغبات الصلاة عليه وعلى آله، بأسلوب شيق جذاب. 

عن أبان بن تغلب عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله من أراد التوسل إلي، وأن يكون له عندي يد أشفع له بها يوم القيامة، فليصل على أهل بيتي ويدخل السرور عليهم.

وروي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم لعلي عليه السلام:  ألا أبشرك؟ 

فقال: بلى! يأبى أنت وأمي! فإنك لم تزل مبشرا بكل خير، 

فقال: أخبرني جبرائيل آنفا بالعجب! 

فقال له علي عليه السلام: وما الذي أخبرك يا رسول الله؟ 

فقال: أخبرني أن الرجل من أمتي إذا صلى علي وأتبع بالصلاة على أهل بيتي فتحت له أبواب السماء وصلت عليه الملائكة سبعين صلاة وإن كان لمذنب خطأ  ثم تتحات عنه الذنوب كما يتحات  الورق من الشجر ويقول الله تبارك وتعالى لبيك عبدي وسعديك ويقول الله لملائكته  يا ملائكتي أنتم تصلون عليه سبعين صلاة وأنا أصلى عليه سبعمائة صلاة،فإذا صلى عليّ ولم يتبع بالصلاة على أهل بيتي كان بينها وبين السماء سبعون حجابا ويقول الله جل جلاله لا لبيك ولا سعديك يا ملائكتي لا تصعدوا دعاءه إلا أن يلحق بنبيه عترته فلا زال  محجوبا حتى يلحق بي أهل بيتي.

نعم هم صفوة الخلق، وحجج العباد، وسفن النجاة، وخير من أقلته الأرض وأظلّته السماء بعد جدهم الأعظم صلى اللّه عليه وآله حسباً ونسباً وفضائل وأمجاداً. وكيف يرتضي الوجدان السليم محبة النبي صلى اللّه عليه وآله دون أهل بيته الطاهرين.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

فضيلةُ العِفّة، الزهراءُ (ع) قُدوةٌ للمرأة المسلمة ..

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على سيدِ الأنام ونور الملك العلام، البشير النذير، والهادي الشفيع، والمحمود الأحمد محمد بن عبدالله وعلى آلهِ السراط المستقيم والسبيل القويم ..

رويَّ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: ( استأذن أعمى على فاطمة (عليها السلام) فحجبته، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لِمْ تحجبينه وهو لا يراكِ ؟

قالت: يا رسول الله، إن لم يكن يراني فإني أراه، وهو يشم الريح، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أشهد أنكِ بضعةٌ مني ) (١).

لقد اِمتازتْ سيدَةُ نساءِ العالمين الصديقةُ الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) بِميزاتٍ كثيرة ومتعددة، وخصوصياتٍ أعطاها إياها الجليل فاطرُ السماوات والأرض “جلَّ جلاله”.

فَقدْ اِصطفاها الله تبارك وتعالى في آية التطهير بقوله تعالى: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا )(٢).

فكانت من أهل الكساء الذين أذهبَ الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وهيَّ التي قد ذكرَ فضلها ومكانتها العظيمة أبوها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قائِلاً: ( إن الله اختار من النساءِ أَربَعاً مريم وآسية وخديجة وفاطمــة )(٣).

ولذا فقد امتازت السيدة الزكية أم أبيها فاطمة الزهراء (عليها السلام) بعناصر نفسية عديدة، منها:

1. العصمة: فهيَّ معصومة من اقتراف الذنوب عمداً وسهواً، فالعصمة من عناصرها ومقوماتها الذاتية. وكفى بِآية التطهير دليلاً، فأهل البيت هم: عليٌ (عليه السلام)، وفاطمة (عليها السلام)، والحسن والحُسين (عليهما السلام)(٤).

2. البر بالفقراء: كانت (عليها السلام) عطوفة على الفقراء والمحرومين، وكانت هي وزوجها وولديها من المعنيين بقوله تعالى: ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا )(٥).

3. العفاف والحجاب: ومِن العناصر النفسية والذاتية لسيدة النساء (عليها السلام) العفةُ والحجاب، فلقد أعطت بعفتها وحجابها أرقى الدروس للمرأة المسلمة، لتكون المرأة المسلمة تبلغ قمة الكمال، وتكون المربية للأجيال الصالحين في المجتمع.

وعناصرها كثيرةٌ (سلام الله تعالى عليها).

وهنا نسلطُ الضوء على ( فضيلة العفة، وشخصية الصديقة الزهراء “عليها السلام” مثالاً وقدوة للمرأة المسلمة )، في نقاط، وهيَّ كالتالي:

⁃ النقطة الأولى: معنى العفّة:

معنى العفة لغة: هي مصدر عفَّ، يقال: عَفَّ عن الحرام يعِفُّ عِفَّةً وعَفًّا وعَفَافَةً أي: كفَّ، فهو عَفٌّ وعَفيفٌّ، والمرأةُ عَفَّةٌ وعَفِيفَةٌ، وأعفَّهُ الله، واستعف عن المسألة أي: عفَّ، وتعفف: تكلف العِفَّة.

والعفة: الكف عما لا يَحِلُّ ولا يَجْمُل، والإستعفاف طلبُ العَفاف(٦).

معنى العفة في الإصطلاح:

قال الراغب الاصفهاني: العفة: هي ضبط النفس عن الملاذ الحسوانية، وهيّ حالة متوسطة من إفراط وهو الشره، وتفريط وهو جمود الشهوة(٧).

فالعفةُ هيّ صفة نفسية في الإنسان يمكن التعرف عليها من خلال آثارها التي تظهر على الإنسان، وهذه الآثار ذكرتها الروايات الشريفة بعدة معانٍ منها:

1. العفة: الصبر عن الشهوة: عن أميرالمؤمنين (عليه السلام): ( الصبر عن الشهوة عفة، وعن الغضب نجدة، وعن المعصية ورع )(٨).

2. العفة: هي الزهد أيضاً، عن أميرالمؤمنين (عليه السلام): ( العفاف زهادة )(٩).

3. العفة: هي صون النفس وتنزيهها عن كل أمر دني، عن أميرالمؤمنين (عليه السلام): ( العفاف يصون النفس وينزهها عن الدنايا )(١٠).

⁃ النقطة الثانية: مصاديق العفة:

إن العفة لها مصاديق ومتعلقات وجوانب كثيرة، نذكر بعضاً منها:

1. العفة عن أكل الحرام: عن أميرالمؤمنين (عليه السلام): ( إذا أراد الله بعبدٍ خيراً أعف بطنه وفرجه )(١١).

2. العفة عن إظهار الحاجة المادية: قال الله تعالى: ( لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ )(١٢).، وكما رويّ عن أميرالمؤمنين (عليه السلام): ( العفاف زينة الفقر، والشكر زينة الغنى )(١٣).

3. العفة في تشديد الحجاب: قال الله تعالى: ( وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ ۖ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )(١٤).، وكما رويّ عن أميرالمؤمنين (عليه السلام): ( زكاة الجمال العفاف )(١٥). فالعفة يجب أن تزداد كلما ازدادت المرأة جمالاً.

⁃ النقطة الثالثة: آثار وثمار العفة:

إنّ كل عملٍ لهُ ثمارٌ ونتائجٌ مترتبةٌ على القيام به، وبلا شك إن لفضيلة العفة والعفاف آثار وثمار عديدة، منها:

1. حسن المظهر: فهو من بركات العفة، فمما رويّ عن أميرالمؤمنين (عليه السلام): ( مَنْ عفت أطرافه حسنت أوصافه )(١٦).، وفي تفسير علي بن إبراهيم: في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: في قوله تعالى: ( يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ )(١٧).، فأما اللباس فالثياب التي تلبسون، وأما الرياش فالمتاع والمال، وأما لباس التقوى فالعفاف، إن العفيف لا تبدو له عورة، وإن كان عارياً من الثياب، والفاجر بادي العورة وإن كانّ كاسياً من الثياب، يقول الله: ( وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ) يقول العفاف خير ( ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ).(١٨).

2. الثواب العظيم: لقد بينت روايات أهل البيت (عليهم السلام) الثواب العظيم لمن يمتلك فضيلة العفة: رويّ عن أميرالمؤمنين (عليه السلام): ( طوبى لمن تحلى بالعفاف، ورضي بالكفاف )(١٩).، وعنه أيضاً (عليه السلام): ( ما المجاهد الشهيد في سبيل الله بأعظم أجراً ممت قدر فعف، لكاد العفيف أن يكون ملكاً من الملائكة )(٢٠). وما أعظمها من رواية فإنها أشارت إلى الثواب الجزيل الذي يناله صاحب فضيلة العفة – سواء ذكراً كان أم أُنثى -، وأيضاً تشير إلى أنَّ العقة سبب في ترك المعاصي، وهي من الفضائل التي تدني الإنسان وتقربه من الله تبارك وتعالى، بحيث يصبح سلوكه كله طاعة لله تعالى، وكأن العفيف مَلَكٌ مِنَّ الملائكة.

⁃ النقطة الثالثة: العفاف عند النساء:

لقد ذكر القرآن الكريم ضوابطاً وقوانيناً يطلب من المرأة أن تؤديها، كي تبلغ الهدف الأسمى وتصل إلى غاية العفة والحشمة، قال الله تعالى: ( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ).(٢١).

فإن سياق الآية المباركة يدل على أنها ترشد إلى نمط السلوك الإجتماعي الذي ينبغي أن تتمثله المرأة على نحو اللزوم، لبلوغ غاية العفة.

والضوابط المطلوب على المرأة أداؤها، لإدراك الهدف الأسمى، أربعة:

1. غض البصر.

2. حفظ الفرج.

3. كتمان الزينة.

4. ضرب الخمار.

وبمجرد تخلف أحد هذه الضوابط في مرحلة التطبيق والإمتثال ينحدر السلوك الفردي وكذلك الإجتماعي إلى الواقع الفاسد، وبذلك يستحيل الوصول إلى الغاية العالية والرفيعة وهي: العفة.

فخيرُ المرأة في عفافها، وشرُها في تبرجها.

رواية ذات معنى أخلاقي اِجتماعي:

ومن روائع الروايات ما ورد في الحديث النبوي الشريف: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ( ألا أخبركم بخير نساءكم؟ قالوا بلى يا رسول الله، فأخبرنا، قال: إن من خير نسائكم الولود الودود، والستيرة العفيفة، العزيزة في أهلها، الذليلة مع بعلها، المتبرجة مع زوجها الحصان مع غيره.

ثم قال: ألا أخبركم بِـشر نساءكم؟ قالوا بلى يا رسول الله، فأخبرنا، قال: من شر نسائكم الذليلة في أهلها، العزيزة مع بعلها، العقيم الحقود التي لا تتورع عن قبيح، المتبرجة إذا غاب عنها زوجها، الحصان معه إذا حضر )(٢٢).

⁃ النقطة الرابعة: عفاف المرأة بالحجاب في كلام الزهراء (عليها السلام):

من المُلاحظ في سيرة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام) أحاديث ونصوص كثيرة تنصب على الشخصية الإسلامية التي ينبغي للمرأة تمثيلها وانجازها، ومن أهم الأبعاد هو: التأكيد فوق العادة على اِلتزام المرأة بالحجاب والستر الذي يحول بين مفاتنها وبين الرجال، بل ويستوعب ذلك حالة ما لو كان الرجل فاقداً للبصر.

عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: ( استأذن أعمى على فاطمة (عليها السلام) فحجبته، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لِمْ تحجبينه وهو لا يراكِ ؟

قالت: يا رسول الله، إن لم يكن يراني فإني أراه، وهو يشم الريح، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أشهد أنكِ بضعةٌ مني )(٢٣).

إن الرواية تشتمل على رؤية دقيقة جداً، وهذه الرؤية عند الزهراء مستلهمةٌ من آيات القرآن الكريم، وهيّ: أنّ الحجاب الكامل السامل ليس هو من طرف المرأة لمنع نظر الرجل لها فحسب، وإنما هو من طرفها بحيث يؤدي نتجتين:

1. النتيجة الأولى: اِنقاص طرف الرجل.

2. النتيجة الثانية: اِنقاص طرف المرأة.

فلا تقتصر المسألة على تحديد بصر الرجل، وفي الجانب الآخر إطلاق لبصر المرأة، وإنما تحديد بصر كلا الطرفين.

وهذا هو المعنى الذي يقره الله تعالى في آيات سورة النور: ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ )(٢٤).، هذا من جهة الرجل، وأما من جهة المرأة فبعد الآية التي عن غض الرجل لبصره، فمباشرةً قال تعالى: ( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ )(٢٥).

ومن جهة أخرى لقراءة هذه الرواية الشريفة نقول: إنَّ هذا الموقف العظيم من بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سيدة نساء العالمين فاطمة (عليها السلام) يدل بوضوح على أنّها قد سمت إلى أرقى مراتب العفة، والحشمة، والطهارة، وعلى المرأة المسلمة أن تقتدي بهذه السيدة الجليلة، كي تخرج جيلاً صالحاً ومجتمعاً إسلامياً متطوراً قائماً على الشرف والفضيلة.

ومتى تزينت المرأةُ بالعفة كانت في أرقى منزلة، وأعزّ مكانة.

وفي الخبر سأل رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه عن المرأة ماهي ؟، قالوا: عورة، قال: فمتى تكون أدنى من ربِّها ؟ فلم يدروا، فلما سمعت فاطمة (عليها السلام) ذلك قالت: ( أدنى ما تكون من ربِّها أن تلزم قعر بيتها )،

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ( إن فاطمة بضعةٌ مني )(٢٦).

إنَّ عفاف الزهراء (عليها السلام) وحجابها، هو نورٌ لكلّ فتاةٍ تريد أن تعيش عزيزة في المجتمع.

يقول الشيخ الأصفهاني (قدس سره):

وخدرها السامي رواق العظمة

وهــو مطاف الكعبـة المعظمة

حجابُهـا مثــلُ حجاب البــاري

بـارقـــةٌ تــذهـب بـالأَبصـــاري

تَمثَّــل الواجبُ في حجابِها

فكيف بِالإِشراق مِن قِبابهـا

يـــا درة العصمــةِ والولايـة

مِن صدف الحكمة والعناية

فالكوكب الدري في السماءِ

من ضوء تلك الدرة البيضاءِ

والحمدُ لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

خادم الآل

الميرزا زهير الخال

الثلاثاء ١٧ جمادى الآخرة ١٤٣٩هـ.

النجف الأشرف

—————

المصادر:

1. دعائم الإسلام، القاضي النعمان المغربي، ج٢، ص٢٠٤.

2. سورة الأحزاب، آية ٣٣.

3. الخصال ج١ ص١٨٥.

4. تفسير الرازي، ج٦، ص٧٨٣.

5. سورة الدهر، آية ٨ و ٩.

6. لسان العرب لابن منظور، ج٩، ص٢٥٣.

7. الذريعة إلى مكارم الشريعة ص٣١٨.

8. مستدرك الوسائل للميرزا النوري ج١١، ص٢٦٣.

9. ميزان الحكمة للريشهري ج٣، باب العفة – الحث على العفاف.

10. موسوعة أحاديث أهل البيت (ع) الشيخ هادي النجفي ج٧، باب العفة، ص٢٠٩.

11. ميزان الحكمة للريشهري ج٣، باب العفة – ثمرة العفة.

12. سورة البقرة، آية ٢٧٣.

13. وسائل الشيعة للحر العاملي ج٩ ، ص٤٣٨.

14. سورة النور، آية ٦٠.

15. مستدرك الوسائل للميرزا النوري ج٧، ص٤٤.

16. موسوعة أحاديث أهل البيت (ع) الشيخ هادي النجفي ج٧، باب العفة، ص٢٠٩.

17. سورة الأعرف، آية ٢٦.

18. بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج٦٨ ، ص٢٧٠.

19. موسوعة أحاديث أهل البيت (ع) الشيخ هادي النجفي ج٧، باب العفة، ص٢٠٩.

20. المصدر السابق.

21. سورة النور، آية ٣١.

22. بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج١٠٠، ص٢٣٩.

23. دعائم الإسلام، القاضي النعمان المغربي، ج٢، ص٢٠٤.

24. سورة النور، آية ٣٠.

25. سورة النور، آية ٣١.

26. بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج٤٣ ،ص٩٢.

27. فاطمة (ع) تجلي النبوة ومظهر الإمامة، الشيخ حسن العالي.

فضيلةُ الصِدْق

بسم الله الرحمن الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

والحمدلله رب العالمين، والصلاةُ والسلامُ على خيرتِهِ مِنْ خلقهِ المبعوث رحمةً للعالمين الصادِق الأمين النبي الكريم محمد بن عبدالله وعلى أهل بيتهِ الطيبين الطاهرين ..
(( لا تَنْظُروا إلى كَثْرَةِ صَلاتِهِم وَصَومِهم وَكَثْرَةِ الحَجِّ والمَعرُوفِ وَطَنطَنَتِهِم بالليلِ ولَكِنْ اُنظُروا إلى صِدقِ الحَديثِ وأَداءِ الأَمانةِ ))(١).مِنْ رَوائِعِ الفضائِل الأخلاقِيَةِ المُباركة التي هيَّ مِفتاحٌ إلى نَيلِ جميعِ الفضائِل الأخلاقية والتحلي بها، وهيَّ المفتاحُ إلى الكَشفِ عن باطن شخصية الإنسان وإِلتزامه، ” فضيلةُ الصِدق ” تُشكِلُ الأَساس إلى الشخصية الإنسانية السوية والكاملة، فلذا لا يمكن إِطلاق اِسم ” الإِنسان الحقيقي ” لأي شخصيةٍ تخلو من هذه الفضيلة والصفة الأخلاقية ومع هذه الصفة صفةٌ عظيمةٌ أخرى هيَّ مِنْ لَوازِم فضيلة الصِدق وهي ” صفةُ الأَمانَة “.

 

فَبينَّ ” الصِدق ” و ” الأَمانَةِ ” أصلٌ واحدٌ وجذرٌ مشترك، فالصِدْقُ هو الأمانَةُ في القول، والأَمانةُ هيَّ الصِدقُ في العمل. لذا وردت في الروايات وكلمات الأئِمَةِ المعصومين (عليهم السلام) هاتان الصفتان سويةً، لا تفترقان كما سيتضح لنا إن شاء الله تعالى.

 

⁃ مفهوم الصِدْق:

إذا كان الكذب هو الإخبار عن الأشياء على خلاف ما هي عليه، فإنّ الصدق هو ضدّه (٢)، وهو – أي الصِدق – مطابقةُ القولِ للواقع الذي هو عليه. وهو أشرف الصفات المَرضِيَة، ورئيس الفضائل النفسية، وما ورد في مدحه وعظم فائدته من الآيات والأخبار مما لا يمكن إحصاؤه.

منها قولُ اللهِ سبحانهُ وتعالى: ﴿ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ (٣).

وقول رسول الله (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم): ( تقبّلوا إليّ بست خصال أتقبّل لكم بالجنّة: إذا حدّثتم فلا تكذبوا، وإذا وعدتم فلا تخلفوا وإذا ائتمنتم فلا تخونوا، وغضوا أبصاركم، واحفظوا فروجكم، وكفّوا أيديكم وألسنتكم )(٤).

 

⁃ أهميَّةُ الصِدْق:

إن التأمل الدقيق فيما وَرَدَ مِن الآيات الكريمة والروايات المُباركة في التأكيد على هذه الفضيلة يَتضحُ لنا أهميتها، والنتائج المترتبة بسبب التحلي بهذه الفضيلة.فمما يبين لنا أهمية ” فضيلة الصدق ” أنها هيَّ المفتاحُ إلى جميع الأخلاق الحسنة، وأنَّ جميع الفضائل الأخلاقية تجتمعُ عند من يمتلك هذه الفضيلة، هذا ما أوضحهُ لنا القرآن الكريم في قول الله تبارك وتعالى: ( لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ )(٥).

 

فإنَّ هذه الآية الشريفة كاشفة لنا أن الذي يمتلك ” فضيلة الصِدْق ” في الحقيقة أنَّهُ تجتمِعُ فيه صفاتٌ مُباركةٌ عديدة:

 

(١) الإيمان بالله تباركَّ وتعالى، وهو أصل الأصول في الإعتقادات، فالإيمان الحقيقي بالخالق العظيم، هو من أعظم الأمور الإعتقادية التي يتحلى بها الصادقون.

 

(٢) الإيمان باليوم الآخر، والملائكة والكتاب والنبيين، فهذه الإعتقادات التي تترتب على التوحيد، وهذا الإيمان الصادق تجدهُ عند من يمتلك ” فضيلة الصِدق “.

 

(٣) الإنفاق: ( وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ )، فهذا العطاء وهذا الإنفاق في سبيل الله سبحانه، السبيلُ في الوصول إليه نابِعٌ من هذه الفضيلة الأصيلة في القيم الأخلاقية.

(٤) إِقامة الصلاة: مِن عظيم العبادات ووسيلة التقرب إلى الجليل جلَّ وعلَّا، فمُقيم ” الصلاة ” العبادة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، والتي هي عمود الدين، إِقامةً حقة، هو في الحقيقة مِن أهل ” فضيلة الصِدْق “.

ويمكن أن أقول: إنا إِقامة الصلاة من أحب الأعمال العبادية لأهل الصِدْق.

 

(٥) إعطاء الزكاة: وهذه قِيمةٌ أخرى يمتلُكها أهلُ ” فضيلة الصِدْق ” والتي هيَّ – الزكاة – مِنْ أبواب الفَلاح، فقد قال سبحانه وتعالى: ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ) (٦).(٦) الوفاء بالعهود: وهو الخُلق الشريف العالي الرفيع(٧)، وهو الذي يترتب عليهِ بناء الدولة، وبناء المجتمع، وبناء الصرح الأخلاقي عند الإنسان. هو من الأخلاق التي تكون عند ” أهل الصِدْق “.

(٧) الصبر: وهو حبسُ النفس عن فعل شيءٍ أو تركُهُ ابتغاء وجهِ الله سبحانه، قال تعالى: { وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ }(٨).، صِفَةٌ تَدُلُ على كمال الإيمان، بل هي رأسُ الإيمان كما دلَّ على ذلك الحديثُ عن الإمام الصادق “ع”: ( الصبر من الإيمان بمنزلةِ الرأس من الجسد فإذا ذهب الرأسُ ذَهَبَ الجسد، كذلك إذا ذهبَ الصبرُ ذَهبَ الإِيمان ).(٩)، وهذا الصفة الأخلاقية العظيمة يمتلكها أيضاً ” أهل الصِدق “.

 

ففي ختام الآية الشريفة تعطينا نتجةً واضحة: وهي .. إن كل هذه الصفات تكون من ملكات أصحاب ف
( أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ).

فقد عرفت لنا الآية الشريفة معنى الصِدق بالواقع العملي التطبيقي لأهل هذه الفضيلة، أي: إذا أردتَّ أن تعرف أهل الصِدْق فسوف تعرفهم بهذه الصفات وبواقعهم العملي إليها، فَهُمُ أهل الصِدق.

وهذا معنى القول بِـأنَّ فضيلة الصِدق مفتاحٌ إلى كُلِّ الفضائِل الأخلاقية.

 

ومِنَّ الأدِلة الروائية التي يُستدلُ بِها على أهمية فضيلة الصِدق ما ورد في النصوص عن الإمام الصادق (عليه السلام): ( إنَّ الله لم يبعث نبيّاً إلا بِصدقِ الحديث وأداءِ الأمانة )(١٠). وهذا معناهُ أنَّ النبي المبعوث إلى الناس يكونُ مُتلبساً بالصِدْقِ في كلامه، و ” وجوب الصِدْق في الحديث كانَّ مِنْ أحكام شريعته “(١١)، فلولا “الصدق في الحديث” و “أداء الأمانة” لَمْ يتبعِ الناسُ الأنبياءَ في دعوتهم. ولضرورتها وأهميتها كانت صفةً أخلاقية مِنْ صِفاتِ جميعِ الأنبياء، وعلى رأسِهم سيدُ الأنبياء النبي المصطفى محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلِذا كانَّت تُلقِبُهُ قُريش بـ “الصادِق الأمين”.

وهذه الفضيلة هيَّ التي يختبر بها الإنسانُ الصالح، ففي الرواية عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: ( لا تغتروا بِصلاتهم، ولا بِصيامِهم، فإنَّ الرجل ربما لهج بالصلاة والصوم حتى لو تركه اِستوحش، ولكن إِختبروهم عند صدق الحديث وأداءِ الأمانة )(١٢).

وفي الرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام): ( الصِدْقُ كمالُ النُّبل )(١٣)، وعنه (عليه السلام) أنَّهُ قال: ( الصِدْقٌ مُباركٌ، والكَذِبُ مَشُوم )(١٤).

 

وفي الختام نقول: إذا اِتضحَ لنا أهمية “فضيلة الصِدْق” وضرورتها وصعوبتها أيضاً، سيتضحُ لنا إيضاً خطورة ما هو ضِد الصدق وهو (رذيلة الكذب) أيضاً، وعلى الإنسان الصالِح أن يسعى في تحصيل “فضيلة الصدق”، التي هي – كما في عدد من روايات أهل البيت (عليهم السلام) ومضامين أحاديثهم – رأسُ الدين ولِباسُ اليقين، وسجية المخلصين، وَأَنْجَحُ دليل، ولباسُ الحق.

قال الله تبارك وتعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ )(١٥).

 

اللهم إجعلنا مِنَ اْلصادِقين ..
والحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلى الله على محمدٍ وأهل بيته الطيبين الطاهرين.

 

خادم الآل

الميرزا زهير الخال
الأحد ١٩ ربيع الآخر ١٤٣٩هـ.

النجف الأشرف

 

 

1. بحار الأنوار للعلامة المجلسي، ج68، ص9، ح13.

2. جامع السعادات للمولى النراقي، تحرير رضا مختاري، بيروت، الأمير للطباعة والنشر، 2009م، ط 1، ص360 و370.3. سورة التوبة، الآية 119.

4. بحار الأنوار للعلامة المجلسي، ج66، ص372.

5. سورة البقرة، الآية 177.

6. سورة الأعلى، الآية 14.

7. لسان العرب لابن منظور
t;

8. سورة الرعد، الآية 22.

9. الكافي للكليني، ج2، ص88.

10. الكافي للكليني، ج2، ص104، ح1.

ong>11. دروس في الأخلاق، آية الله المشكيني، ص88.

12. الكافي للكليني، ج2، ص104، ح2.

13. غرر الحكم، الرقم 1056.

14. بحار الأنوار للعلامة المجلسي، ج77، ص67، ح6.

15. سورة التوبة، الآية 119.

عظمة الإحسان للوالدين في القرآن الكريم

 [responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

الحمد لله ربِّ العالمين و صلاة و السلام على أشرف الخلق محمد و آله الطيبين الطاهرين.

 

أولى الإسلام الحنيف _ضمن دائرة اهتمامه ببناء العلائق الاجتماعية المتينة_ فصول علاقة الولد بوالديه كبير اهتمامه، وعميق عنايته، بل خصها من ذلك بما ميّزها عن سواها‌ من‌ مفردات المنظومة الاجتماعية، ووضع لهـا أسـساً وقواعد رصينة تستوعب كل جزئياتها، وتشيد منها نظاماً اجتماعياً وأخلاقياً فاضلاً متكاملاً.

 

حيث قال عزوجل في قرآنه المجيد:

{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا . رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا } {الإسراء/23-25}

عـن الإمام الصادق عليه السلام في قوله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} قال‌: «الإحسان أن تحسن صحبتهما، وألاّ تكلفهما أن يسألاك شيئاً مـما يحتاجان إليه، وإن كانا مستغنيين».

لو تأملنا قليلا

قرن الله عزوجل أصل من أصول الدين وهو التوحيد مع الإحسان بالوالدين لبيان التأكيد على أهميته ،و في آيات أخر دعا الله لنفسه بالعبوديةو عطفها مباشرة ببرّ الوالدين ،وبعبارة أخرى العبادة سر خلق البشريةوأقترانها ببرّ الوالدين دليل على عظمة هذه العبادة، و تكرارها في عدة مواطن في القرآن الكريم  وهي :

* { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } الأنعام/151

 

* { وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا. } النساء/36

 

* { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ }البقرة/83

هذا التكرار و هو تكرار الإحسان و اقترانه بالعبودية دليل بلاغي و نتيجته عظمة الإحسان للوالدين.

ذكر الله عزوجل مفردة قضى و لم يذكر أمر لتقدمها  في دلالة المعنى على الألزام و الحتمية و الوجوب و ذلك أيضا لأهمية ، ثم ذكر الله عزوجل مصاديق الإحسان..

إن مفردة أف أقل ما يتلفظه الإنسان به فترك الكلام الأكثر قبحا أولى و ترك رفع الصوت بغضب أولى و الأولى منهم الضرب .

إن الخطاب جاء بصيغة الجمع (تَعْبُدُواْ) من ثم خطاب بصيغة الفرد الأكثر قوه في هذه الحاله فهو يفيد نهي كل أحد أي لا شك  أن الخطاب موجه إلى كل .

لقد جاء الخطاب ب (أُفٍّ) منونه ليدل بها على كل أنواع التضجر و الاستقذار دون استثناء وفي هذا قوه بيانية تضاف إلى ما أشرت إليه سابقا ، و لو جاء بها غير منونة لدلت على نوع خاص من التضجر ، راجع الفرق بين صه و صهٍ وهم أسماء أفعال.

{إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا }..

الله عزوجل بعد تركيزه على الوالدين زاده في تركيزه على كبار السن منهم لما يحتاجون أليه من أهتمام خاص حيث إن العمر و الصحة   لا يسمح لأي ضغوطات شخصية من أفراد العائلة أو عامة من عامة الناس و الواجب الحتمي و الضروري إظهار التبجيل و التعظيم و مبالغة في خدمتهم و السؤال عنهم و تخصيص وقت أسبوعي لدعوتهم في الثلاث الأوقات  ،وعدم ذَكر الشيء القبيح في محضرهم ، (وغض النظر عن تصرفاتهم) و نحن مأمورون التعامل بالمعروف مع الوالدين من غير ديانة, أو قل حتى لو كان مسيئا لنفسه أو من المشركين أو المخالفين كما جاء عن أهل البيت عليهم السلام..

* روي عن الإمـام الصـادق عليه السلام: «ثلاث لم يجعل اللّه عزّ وجل لأحد فيهن رخصة: أداء الأمانة إلى البرّ والفاجر‌، والوفاء‌ بالعهد للبر‌ والفاجر، وبر الوالدين برين كانا أو فاجرين».

* وعن جابر قـال: «سمعت رجلاً يقول لأبي عبد اللّه عـليه السـلام: إنّ لي أبوين مخالفين، فقال: «برّهما كما تبرّ المسلمين ممن يتولاّنا‌».

* روي عن الإمام‌ الرضا عليه السلام: «برّ الوالدين واجب وإن كانا مشركين، ولا طاعة لهما في معصية الخـالق».

(وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا.وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ)

بالغ في التواضع والخضوع لهما قولا و فعلا وبرا بهما وشفقه عليهما و المراد بالذل هاهنا اللين و التواضع دون الهوان من خفض الطائر جناحه إذا ضم فرخه أليه، وهناك صوره أخرى لخفض الجناح ،الإنسان بطبيعته العالية الشامخة كأنه طائر أرتفع إلى عنان السماء و لكن مع الوالدين أخفض جناحيك و أبرز التصاغر بدل العلو وكلا صورتين جميلتين فتأمل.

 

وضمّ لزوم شكرهما إلى وجوب‌ شكره‌ في قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}(لقمان/14)، وذلك واضـح في دلالته على كبير حقهما وحرمتهما في‌ نظر‌ الشـارع‌ الأقـدس.

 

وفي الختام جاء في الدعاء عنا الإمام زين‌ العابدين عليه‌ السـلام لأبـويه:

«اللّهم‌ اجـعلني أهـابهما هيبة السلطان العسوف، وأبرهما برّ الأم الرؤوف، واجعل طـاعتي لوالدي وبري بهما أقرّ لعيني من رقدة الوسنان، وأثلج‌ لصدري من شربة الظمآن، حتى أوثـر على هواي‌ هواهما، وأقدّم على‌ رضاي رضاهما، وأستكثر برهما بي‌ وإن قـل، واستقل بري بهما وإن كثر، اللّهم خـفض لهما صوتي، وأطب لهما كلامي، وألن لهما عريكتي، وأعطف عليهما قلبي وصيرني بـهما رفيقاً، وعليهما شفيقاً‌»

الهم أغفر للوالديَ

صادق الجفيري

بين ” حُسن الخُلق ” و ” سُوء الخُلق “..

بسم الله الرحمن الرحيم

 

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

والحمدلله رب العالمين، وصلى الله على نبيه المصطفى الأمين محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله) وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ..

 

روى الشيخ الكليني (رضوان الله عليه) في كتابه الكافي، عن الإمام الصادق (عليه أفضل الصلاة والسلام) أنهُ قال:

(( مَنْ ساءَ خُلقه عَذّبَ نفسه )).(١)

 

تُعتبرُ الأخلاق مفتاحاً لصلاحِ الإنسان، وباباً كبيراً يمكن للإنسان المسلم أن يرتقي لدرجات الكمال الرفيعة من خِلالها.

وإن مِن طبيعة الإنسان أن يرتبط بالمجتمع، ويقضي عهد حياته مع الآخرين، فيكون المجتمع مِن ضروريات نظامه الوجودي، فلهذا لا يستطيعُ الإنسان أن يقطع أواصر الإرتباط بأبناء جنسه ويعتزلهم عزلة تامة، فلو اعتزلهم دخلَّ في ظلامِ الوحشة والوحدة التي تجعل وجه الحياة عليهِ عبوساً قمطريراً، وتكون روحهُ في حالةٍ من الإحتباس والضِيق الشديد، ويعيشُ غريباً عن مجتمعه.

 

ومن هنا نقول: إن العامل الذي يقوي الإنسان في ارتباطه بالمجتمع والناس وتكوين الناس معه علاقة الصداقة والمحبة والمودة، هو عامل ” الأخلاق الحسنة “.

 

ولهذا نجدُ أنَّ القُرآن الكريم والروايات الشريفة قد أكدت على أهمية الأخلاق الحسنة.

وقد اهتمّ القرآن الكريم بمكارم الأخلاق وذمّ مساوئها، ولعل من أوضح الآيات الشريفة التي تؤكد على أهمية حُسن الأخلاق وخطورة الأخلاق السيئة، قول الله تبارك وتعالى: ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ).(٢)

والفظّ هو: الغليظُ الجانب السيّئ الخُلُق، والآيةُ مقصودها أن من أهداف البعثة النبوية أن يبلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تكاليفَ الله إلى خلقه، ولا يتمُ الهدف والغرض إلا إذا مالت قلوب الخَلقِ لرسول الله، وسكنت نفوسهم لديه، ولا يكون ميلان القلب وسكون النفس إلا إذا كان رحيماً كريماً، ولهذه الأسباب وَجَبَ أن يكون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مبرأً عن سُوء الخُلُق، ولذا لو كان غليظ القلب لما مالت له القلوب وسكنت له النفوس، وأخذت منه واتبعته، ولو انفضوا من حوله لفات وانتفى الهدف والغاية من البعثة والرسالة.

ولذا أكد القرآن الكريم على الخُلُق العظيم الذي يمتلكه النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث قال الله سبحانه: ( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ).(٣).

 

ونجد مجموعة من الروايات الشريفة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذكرت وبينت هدف البعثة النبوية على إِتمام مكارم الأخلاق، من خلال ألسنة متعددة وبيانات مختلفة، فقد ورد عنه أنهُ قال:

( إنما بعثت لأتمّمَ مكارم الأخلاق )

وفي رواية:

( إنما بعثت لأُتمّمَ صالح الأخلاق )

وفي رواية أخرى:

( إنّ بعثتي بتمام مكارم الأخلاق وكمال محاسن الأفعال ). (٤).

 

فإذا اتضحت لنا أهميةُ ” حُسن الخُلق “، فتتضح لنا الخطورة الكبيرة في ” سُوء الخُلُق “.

فإن سوء الخُلق يبعدُ الإِنسان عن الخالقِ والمخلُوق، وهذا ما رويَّ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) أنَّهُ قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ( أبى الله عزَّ وجلَّ لصاحب الخُلق السيء بالتوبة، قيل: وكيف ذاك يا رسول الله ؟ فقال: لأنه إذا تاب مِن ذَنبٍ وقعَ في ذنبٍ أعظم منهُ ).(٥)، فسوء الأخلاق ذنبٌ يُبَعد الإنسان عن التقرب إلى الله تبارك وتعالى، ويجعل الإنسان غير مقبول ومرغوب به عند الناس، فيبتعد عن الخالق والمخلوق لسوء خُلقه. ولذا يعيش سيء الأخلاق عذاباً نفسياً دائماً تَسَببهُ لِنفسهِ بِسَبَب اِرتكابه للرذائل الأخلاقية وتعامله مع مجتمعه بالأخلاق السيئة، وهذا ما وضحته الرواية التي صدرتُ بها هذا المقال، عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنهُ قال: (( مَنْ ساءَ خُلقه عَذّبَ نفسه )).

 

فلذا على الإنسان المسلم أن يتجنب ” سوء الخُلق “، وأن يسعى لفلاحه ونجاحه في التحلي بـ ” مكارم الأخلاق “، وأن يزكي نفسه فقد قال اللهُ تعالى: ( أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ).(٦)، وعليه أن يتحلى بالأخلاق الحسنة فإنها أفضل صفات الأولياء، وهي طريق التقرب إلى الله سبحانه وتعالى وإلى رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأوليائِه الصالحين، فقد رويَّ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنَّهُ قال: ( إنّ أحبّكُم إليَّ وأقربكُم منّي يوم القِيامةِ مجلساً أحسنُكم خُلقاً ).(٧).

 

والحمدلله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

 

خادم الآل

الميرزا زهير الخال

الأربعاء 8 ربيع الآخر 1439هـ.

النجف الأشرف

 

1. الكافي، ج2، ص242، ح4.

2. سورة آل عمران، آية 159.

3. سورة القلم، آية 4.

4. مستدرك الوسائل، ج11، ص187.

5. الكافي، ج2، ص242، ح2.

6. سورة الشمس، آية 9، 10.

7. الكافي، ج2، ص81، ح1، باب حُسن الخلق.

النصيحةُ مِن محاسنِ الأخلاق

رواية ودرس 26
بسم الله الرحمن الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

والحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوثِ رحمةً للعالمين النبي الأمين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين..

في الرواية عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

(( لينصح الرجل منكم أخاه كنصيحته لنفسه )).

الكافي ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب نصيحة المؤمن، ص208، ح4.

مِنَ القِيَمِ الأخلاقيةِ في الإسلامِ الحنيف، التي تُبينُ العلاقة السليمةَ بين المُسلِم وأخيه المسلم، وتجعلُ الترابُط الأخوي في أروعِ صورهِ، بين المؤمن وأخيه المؤمن كما عبر القرآن الكريم في وصف العلاقة بين المؤمنين بعضهم ببعض قوله عزَّ وجلَّ: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) سورة الحجرات، آية 10.

وهذا تعبيرٌ في غاية الدقة لتبيانِ قُوة الأواصر الأخوية بين المؤمنين.

وقد بينَ الإسلامُ المباركُ شروطَ هذه الأخوة وأبعادها وما يترتبُ مِنَ الحقوقِ على الأخِ تجاه أخيه.

ومِن تِلكَ القيمِ الإسلامية المباركة التي أكدتْ عليها رواياتُ المعصومين مِن آلِ محمدٍ (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ) في العلاقةِ الأخوية، موضوع بالغُ الأهمية في الترابط الأخوي، ألا وهو: ( النصيحة ).

والنصيحة من أهم مقومات المودةِ وأعظم لوازم المحبة، ولا تَتِمُ الأُخوةُ ما لم تكن النصيحةُ رائدها وباعثها.

وإنها لَتُعتَبرُ مِن أفضلِ الأعمالِ كما في الرواية عن سفيان ابن عيينة قال: سمعتُ أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: (( عليكم بالنصح لله في خلقه فلن تلقاه بعملٍ أفضل منه )). الكافي ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب نصيحة المؤمن، ص208، ح6.
النَصِيحة في اللُغة:

نَصَحَ: نصح الشيء، خَلَصَ، ونصحه ونَصحَ له يَنصح، قال الله سبحانه: ( وَأَنصَحُ لَكُمْ ) سورة الأعراف، آية 62.، يعني الخلوص والغلو عن الغش وعن الشيء الدخيل.

والناصح: الخالص من العسل وغيره، وقال الأصمعي: الناصحُ الخالي مِنَ الغِلِ، وكل شيء خلص فقد نصح.

والناصح في دين الله هو الذي يؤلف بين عباد الله وما فيه سعادتهم. لسان العرب ج5، ص615.
النصيحة في الإصطلاح:

النَصِيحةُ كلمةٌ جامعة يعبر بها عن جملة: وهي إرادة الخير من الناصح للمنصوح له.

وكل تعاريفِ النصيحة تدورُ حولَ المصلحةِ أو الخيرِ أو الصلاح أو العناية للمنصوحِ لهُ.

فالنصيحة هي أن يحمل الإنسان في قلبِهِ وعقلهِ ولسانهِ الخيرَ لجميعِ الناس، فَيُحبُ لأخيهِ ما يُحِبُ لنفسه، وهذا ما أكدتهُ الرِوايةُ التي صدرنا بها هذا المقال عن رسول الله (ص): ( لينصح الرجل منكم أخاه كنصيحته لنفسه ).، فالنبيُ العظيم يؤكدُ على أهميةِ النصيحة لأخيكَ كما تنصحُ نفسك بِفعلِ العملِ الصالحِ وتَجَنُب العمل الفاسِد.
النصيحةُ في الأدلةِ الشرعية:

أولاً: في القرآن الكريم:
1. ( أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) سورة الأعراف، آية 62.

لقد أدى النبي نوح (عليه السلام) تبليغ رسالة الله سبحانهُ وتعالى إلى قومه ونصحهم ( وأنصحُ لكم ) فَنَصحَ في تبليغ الرسالة على أكمل وجهها.
2. ( وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ) سورة الأعراف، آية 21.

والمقاسَمةُ لا تكون إلا بين اثنين، والقسم كان من إِبليس لا مِن آدم فهو من باب عافاه الله والمعنى ( وقاسمهما ) أي حلفَ لهما بالله حتى خدعهما وقال: ( إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ) أي المخلصين النصيحة في دعائكما إلى التناول من هذه الشجرة، وظن آدم وحواء لا يقدر على اليمين بالله تعالى إلا صادقاً فدعاهما ذلك إلى تناول الشجرة. مجمع البيان ج3، ص30.
ثانياً: في الأحاديث الشريفة:
1. عن السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (( إنَّ أعظم الناس منزلة عند الله يوم القيامة أمشاهم في أرضه بالنصيحة لخلقه )). الكافي ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب نصيحة المؤمن، ص208، ح5.

فالنصيحة من محامد الأخلاق ومحاسن الصفات التي يتحلى بها الإنسان، فلذا حث الإسلامُ لها.

والمشي في الحديث الشريف إما المشي حقيقة أو كناية عن شدّة الإهتمام.
2. عن عيسى بن أبي منصور عن أبي عبدالله (عليه السلام): (( يجب للمؤمن على المؤمن أن يناصحه )). الكافي ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب نصيحة المؤمن، ص208، ح1.

فالرواية تعتبرُ أن النصيحة للأخ المؤمن حقٌ مِن حقوقه، فعلى المؤمن إرشاد أخيه إلى مصالح دِينه ودُنياه وآخرته، بأمرِهِ بالمعروفِ ونَهيهِ عن المنكر.
3. خبر تميم الداري قال: قال رسولُ الله ( صلى الله عليه وآله ) ثلاثاً: (( الدين النصيحة، قيل لمن يا رسول الله ؟ قال: لله ولرسوله ولأئمةِ الدين ولجماعة المسلمين )). وسائل الشيعة، ج11، ص595، باب 35 من أبواب فعل المعروف، الحديث 7.

وقد ذكرَ علماءُ الحديثِ بأنَّ هذا الحديث لهُ شأنٌ عظيمٌ وعليهِ مَدارُ الإسلام، قال أبو داود: ( إن هذا الحديث أحد الأحاديث التي يدور عليها الفقه ). جامع العلوم والحكم ج1، ص76.
شروط النصيحة:

وللنصيحةِ شروط معينةٌ نذكر بعضها بإختصار:
1. الإخلاص في النصيحة وابتغاء وجه الله سبحانه.
2. أن تكون النصيحة لِحاجةٍ ماسةٍ لحفظ مقاصد الشريعة من الدين والنفس والعقل والعِرض والمال.
3. أن تقتصر النصيحة على المقدار اللازم منها، فيذكر الناصح ما يخص الأمر الذي فيه النصح ولا يتجاوزه.
شروط الناصح:

كذلك لابُد أن تتوفر في الناصح أمورٌ عدة، نذكر بعضها بإختصار:
1. أن يكون مُطَبقاً لما ينصح، لقوله تعالى: ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) سورة البقرة، آية 44.
2. أن ينصحَّ بالكلمة الحسنة الطيبة السديدة، لقوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ) سورة الأحزاب، آية 70.
3. أن ينصح المؤمن أخاه المؤمنَ سراً، فلا تكون النصيحةُ على رؤوس الأشهاد، فقد رويَّ عن الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ): (( من وعظ أخاه سِراً فقد زانه، ومن وعظه علانيةً فقد شانه )). بحار الأنوار ج75، ص374، ح33.
وهنا سؤال:

هل يمكن للإنسانِ في هذا الزمان أن يتوقف عن مبدأ النصيحة من المؤمن لأخيه الذي طالبتنا بها النصوص القرآنية والنصوص الروائية بِسَبَبِ التغيرات النفسية والإجتماعية في عدمِ تقبلِ النصيحةِ من الآخر ؟، وبسب خوف عدم رضا الآخر النصيحة من أخيه المؤمن ؟.
الجواب: لا يمكن بأي حالٍ تركُ النصيحةِ والتناصح، لما أَورَدْنا من النصوصِ في الحثِ على النصح. فقد ورد في الحديث النبوي ( الدين النصيحه )، ولا شك أن ترك النصيحة نوعٌ من الخيانة، لرواية علي بن عقبة عن أبي عبدالله (عليه السلام): (( إن المؤمن أخو المؤمن عينه ودليله لا يخونه )). الوافي ج3، ص101، باب أخوة المؤمنين.

وورد من طرق أهل البيت (عليهم السلام)، عن هاشم بن سالم عن أبي عبدالله (عليه السلام): ( ليس منا من غشنا ) الكافي ج5، ص160، باب الغش.، ولا شك أنَّ متاركة النصيحة نوع من الغش.

وعلى هذا الأَساس لا يصلح عدمُ قبولِ الآخر أو تَحَسُسُهُ النفسي مِنَ النصيحةِ عُذراً لِتركِ النُصح الذي هو دين وله تأثير حاسم في الإصلاحِ والصلاح.

هذا مضافاً إلى أنهُ يمكن سلوك عدة خطوات لخلقِ أَرضية قبول النصيحة وهي كالتالي:
1. بيان حث الدِين على تبادُلِ النصيحةِ، وما فيها مِن ثمارٍ للمنصوح، إذ ورد مِن حديثِ الإمام الصادق (عليه السلام): ( ثمَّ تشاور الناس فإنَّ الله يُجري لك الخيرة على لسان مَن أحب ). مكارم الأخلاق للطبرسي ص407.
2. الرفق واللين في النصيحة واظهارها بالشفقةِ فهذا اِسلوبٌ يدعو للقبول.

فقد ورد عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) في رسالة الحقوق: ( 41: وأما حقُ المستنصح فإن حقهُ أن تؤدي إليه النصيحة على الحق الذي ترى له أن يحمل، ويخرج المخرج الذي يلين على مسامعه وتكلمه من الكلام بما يطيقه عقله، فإن لكل عقا طيقة من الكلام، يعرفه ويجيبه وليكن مذهبك الرحمة له ولا قوة إلا بالله ).
3. في حالات عديدة يمكن التوسل لتأثير النصيحة بتبديل قالبها، من قالبٍ وعظي تقريعي إلى قالبٍ علمي ومعلوماتي، بأن يتقمص الناصحُ اسلوب الطبيبِ في وصفِ الدواء للمريض ببيانِ آثارِ تناول الدواء وآثار عدم تناوله.
ولا يتحسسُ عادةً أيُ إنسانٍ إِذا ما طرحتَ لهُ النصيحةَ والتصويب بإسلوبٍ علمي بعيداً عن الخطابِ الشخصي.

بل لعل أفضل دواعي تحريك الإنسان هو اسلوب البيانِ العلمي للأُمور. ولذا قيل: ( إن الإِنسانَ موجودٌ علمي ).

أي: لا ينبعثُ إلا بِعلمٍ وفكرةٍ حتى ولو كانت خطأً،

ولتكن النصيحة ببيانِ أوصافِ وتداعياتِ

وتأثيراتِ الاُمور والتوجهاتِ، فهذا أبلغُ في تقبلِ النصيحة.
والحمدللهِ رب العالمين، وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين.
خادم الآل

الميرزا زهير الخال

الأحد 27 جمادى الآخرة ١٤٣٨ هـ.

النجف الأشرف

أسلوب الدعوة إلى لله

‎ بسم لله الرحمٰن الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

* الحمدلله على ماعرفّنا من نفسه و ألهمنا من شكره ، و فتح لنا من أبواب العلم بربُوبيته ودلنا عليه من الإخلاص له في توحيده ،و جنّبنا من الإلحاد و الشك في أمره ،و وفهمنا في أحكام دينه ، و صَلَّى لله علَى أشرف خَلِيفَة وخاتم أنبيائه و صفوة بريّته محمد بن عبدلله وعلى إبن عمه علي بن أبي طالب عليه السَلام ، وأما بعد ..

الكثير منّا يُحب أن يدعو الناس الى الطريق طريق الحق الذي لا ضلال بَعْدِه لكن طريقة الدعوة الى الله لا تكون بتشدد ،و المغالطة و الصراخ لكن تكون على أُسس علمية قال عزّ القائل :
{ ادْعُ إِلٓى سّبِيلِ رَبٌكٓ بِالْحِكْمَةِ وَالْمٓوْعظٓةِ الْحٓسٓنٓةِ …} -الأية ١٢٥ سورة النحل –

أما قولُ (جل شأنه) … {بِالْحِكْمٓةِ} إشارة إلى الجانب المنطقي و الأدلة العلمية .
و أما قولُ (جل شأنه) … {وَالْمٓوْعظٓةِ الْحٓسٓنٓةِ} إشارة إلى الجانب العاطفي أو النفسي .

فأجمل مثال يحتذى بهِ هي قصّة الإمامين الحسنين (ع) مع الشيخ الذي لايعرف الوضوء وجوابهما المؤدب :

مرّ الإمامان الحسن والحسين (عليهما السلام) ، على شيخ يتوضأ فوجداه لا يحسن الوضوء وكانا عليهما السلام آنداك طفلين صغيرين ، إلا أنّ الواجب الديني يحتم عليهما أن يرشداه ويعلماه كيفيّة الوضوء الصحيح ، ولكن كيف يعلمانه بصورة لا يتأثّر نفسيّا منها؟

إن أخبراه بأنّ وضوءه غير صحيح ، يولّد هذا التوجيه أثرا” سيئا” على نفسه ، إضافة إلى أنّه ربما اعتبر هذا الإرشاد بمثابة تحقير موجه له !

فكّر الإمامان بأسلوب أنهما يستطيعان أن يرشداه إلى الصواب بصورة غير مباشرة ، لجأ حينئذٍ إلى التنازع الظاهري بينهما فأخذ كل واحد منهما يقول للآخر أنت لا تحسن الوضوء ، وأخيرا”، اتّفقا على أن يجعلا الشيخ حكما” بينهما ، فتقدما إليه وقالا له أيُّها الشيخ كن حكما” بيننا ، وافق الشيخ على ذلك فتوصأ كل منهما والشيخ ينظر ، ثم قالا أيُّنا يحسن الوضوء ، فقال لهما إنّكما تحسنان الوضوء ولكن الشيخ الجاهل هو الذي لم يكن يحسن وتعلم منكما ..

* أساليب الدعوة فهي و إن كانت تختلف من زمان إلى زمان و من مكان إلى آخر بل و من شخص إلى آخر و من وسيلة إلى أخرى إلا أن ما عرضه الأئمة عليهم السلام في كلامهم لشيعتهم و بالأخص في الروايات الصحيحة حول هذا الجانب فهو واف كاف :

‎عن الامام الصادق (ع) : ” كونوا دعاة لنا بغير السنتكم
[وسائل الشيعة ج١٥ ص٢٣٢ -٢٤٨ ]
* لا يكفي أن يحمل الإنسان هدفاً نبيلاً وفكرة صحيحة كي ينجح في دعوته بل لابد من مراعاة الأسلوب الجميل و الطريقة المناسبة لإيصال الدعوة الصحيحة و الممثلة للاسلام .

والحمدُللهِ رب العالَمين ..
٤ شعبان ١٤٣٨ هـ
الموافق : ٢٠١٧/٥/١ م

الميرزا حُسَيْن النُعَيمِي

‎ نعمة الإحسان

[ إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ ]

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

هذه الإية المباركة القصيرة تقطع الطريق على حبائل الشيطان ، و مكائده ،فكثيراً مايحرم الإنسان نفسه من عمل الخيرات بمبررات هي في الحقيقة من وساوس الشيطان أو من أمراض النفس ، فحين يعزم على فعل الخير و الإحسان تأتيه مبررات التراجع :

١- هذا الشخص لا يستحق .
٢- هذا الإنسان لا يثمر فيه الخير .
٣- هذا الرجل أساء إليَّ .
٤-هذا يحتاج الى تأديب .
٥- هذا مغرور .

الى أخر المبررات و الحجج التي تحاول أن تمنع الإنسان من عمل الخير و الإحسان .

الله سبحانه وتعالى يقرر الحقيقة التي تتجاوز الوساوس و الانفعالات النفسية، فالإحسان يعود للمحسن بالدرجة الأولى ؛ إلا أن تربية النفس على العطاء و الخير و الإحسان تسمو بالإنسان في مراتب الكمال ،و تكسبه الاستقرار النفسي ، و السعادة في الدنيا و الفلاح في الإخرة .
وعلى العكس من ذلك إنْ هو عاش حالة ردود الأفعال مع من هم حوله .

{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (٢٦ – سورة يونس )

وقال سيّد المتكلمين أمير المؤمنين علي أبن ابي طالب (ع) :
( رأس الإيمان الإحسان الى الناس )
تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم: 382-383 ، ح/ 8687-8706 .

وأعظم الإحسان أن يعبد الإنسان ربه تعالى كما أمره, ورد عن عمر بن يزيد قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: إذا أحسن المؤمن عمله ضاعف الله عمله، لكل حسنة سبعمائة، وذلك قول الله تبارك وتعالى: ((والله يضاعف لمن يشاء)) ، فأحسنوا أعمالكم التي تعملونها لثواب الله، فقلت له: وما الإحسان؟

فقال: إذا صليت فأحسن ركوعك وسجودك، وإذا صمت فتوقَّ كلما فيه فساد صومك، وإذا حججت فتوقَّ ما يحرم عليك في حجك وعمرتك، قال: وكل عمل تعمله لله فليكن نقياً من الدنس .
البرقي، المحاسن: 1/255

| الميرزا الشيخ حُسَيْن النُعَيمِي ……
١٨ جمادى الثاني ١٤٣٨ هـ
الموافق ١٦ / ٣ / ٢٠١٧ م

احفظ لسانـك

رواية ودرس 24

بسم الله الرحمن الرحيم

 

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]
من وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأميرالمؤمنين (عليه السلام): ( يا علي من خاف الناس لسانه فهو من أهل النار ). سفينة البحار ج7 ص589.
لقد أنعمَ الله سبحانهُ وتعالى على الإنسانِ نِعَماً كثيرة لا تُعَدّ ولا تُحصى، كما قال الله في كتابه المجيد: ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ) سورة النحل، آية 18.

ومِن تِلكَ النِعَم والعطايا الإلهية التي أنعمَ اللهُ بها على عباده هي نعمة: “اللسـان”، كما قال الله تعالى: { أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ } سورة البلد آية 8-9. ، تلك الآلة المسؤولة عن النطق والإفصاح لدى الإنسان التي يعبر بها عما في نفسه لإفهام من يتحدث معه، ويُبَين بها ما يريدُ ويحتاج.

عطيةٌ إلهيةٌ للعِبَاد كي تُسْتَخدم في طريقِ الصلاح والصواب، وقد أوجدها الله لمصلحةِ هذا الإنسان.

وهذا اللـسان هو الوسيلة الأمثل للتعبير عما في داخله وفي مكنون نفسِه، فقد رويَّ عن أميرالمؤمنين (عليه السلام): ( تكلَّموا تُعرفوا فإن المرء مخبُوءٌ تحت لِسانِهِ ). عيون الحكم والمواعظ ص١٦٥.
ولقد اِهْتَمَ الإسلامُ الحنيف بعفةِ اللسان وطهره وإبعادِه عن القولِ القبيحِ وسيئ الألفاظ. فقال سبحانه: { وقولوا للناسِ حسنا } سورة البقرة، آية 83.، وأحاط اللسان بملكين كريمين يكتبان كل ما ينطق به الإنسان، رقابةٌ إلهية: { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق، آية 18.، فعلى المؤمِن الذي يخشى الله ألاَّ ينطق إلا بما يسرُّه أن يَلقَاه يوم القيامة، وأن يُعَوِّد لسانه قول الخير، فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا ﴾ سورة الأحزاب، آية70.
فإذا قُلنا أن اللسان هو الآلة المسؤولة عن النطق والإفصاح بما في داخل الإنسان، فإن الإنسانَ قادرٌ على استخدامها كيفما شاء، فيمكِنُهُ أن ينطق بما هو خيرٌ وحَسن، ويمكِنُهُ أن ينطق بما هو سوءٌ وفُحش، فاللسانُ سلاحٌ ذو حدين.

فإن للسان محاسنٌ وكذلك لهُ آفات:
بعض من محاسن اللسان:
– ذكرُ الله تبارك وتعالى: من أكبر العبادات وأفضل الحسنات، التي إذا نطقها الإنسان عادت لهُ بالعوائد الطيبة المباركة، وكفانا بذلك قوله تعالى: { الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } سورة الرعد، آية 28.
– الكلمة الطيبة: القول الطيب الذي يبثُهُ الإنسان، ويتبادل به بين إخوانه، الذي من محاسنها بناءُ مجتمع متحاب يقوم على المودة والمحبة مع سائر أطيافه، فتؤتي الكلمة الطيبة أُكُلَهَا كل حين، قوله عز وجل: {

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ }. سورة ابراهيم، آية 24.
– الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: من أهم الأدوار التي تقع على عاتق الفرد من أجل اصلاح المجتمع، هو فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واللسان هو أحد أدوات هذه الفريضة، كما جاء في الحديث النبوي الشريف عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): ( مَنْ رأى مِنكم مُنكراً فليُغيرهُ بيدِه، فإن لم يستطع فَبِلِسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعفُ الإيمان ). ميزان الحكمة ج6، ص286.
بعض من آفات اللسان:
– الفحش: وهو التعبير عن الأمور المستقبحة بالعبارة الصريحة، وهذه من آفات اللسان، التي يدعو لتركها منهج أهل بيت العصمة والطهارة (عليهم السلام)، كما جاء عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام): ( إنَ الله يبغضُ الفاحش المتفحش ). الكافي ج2، ص324.
– الغيبة: من الذنوب المنتشرة في مجتمعاتنا، والتي أصبحت لها السيادة في المجالس والديوانيات، (ذَنبٌ أشدُ مِن الزنى) وسائل الشيعة: 13 / 280.، والعياذُ بالله، وهو ” الغِيبة ” ومعناها: ( أن يتكلم الإنسان خلف إنسان مستور بما يغمه لو سمعه، فإن كان صِدقاً سمي غيبة، وإن كان كذباً سمي بهتاناً ). وقد صرَّح الله تعالى في كتابه عن حرمة الغيبة وذمها: { ولا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ } سورة الحجرات، آية12.
– التنابز بالألقاب: وهو كما ورد في كتاب الصحاح في اللغة ج2، ص189: ( النَبَزُ بالتحريك: اللقَب، والجمع الأنْبَازُ.. تقول: نَبزَهُ يَنْبِزُهُ نَبْزاً، أي لقَّبه. وتَنابَزوا بالألقاب، أي لقَّبَ بعضهم بعضاً ).، وقال الشيخ النمازي: ( والتلقّب المنهي هو ما يكون فيه الذّم والنقص، وأما ما يحبّه ويزيّنه فلا بأس ). مستدرك سفينة البحار ج9، ص530.، وهو من آفات اللسان التي نهى الإسلامُ عنها، وعاقبةٌ مرتكبها أن يكون مع الظالمين، قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }. سورة الحجرات، آية 11.
والأمثلة كثيرةٌ في كِلا القسمين: المحاسن والآفات.
فإن الإنسان إذا أراد أن يبلغ إلى رِضا الله سبحانه وتعالى، ويرجو نجاة نفسه، سيصون لسانه عن الرذائل بشتى أنواعها ويترفع عنها كـالكذب والخوض في الباطل، وبالتالي سوف يبتغي أن يحصل على المحاسن والفضائل بشتى أنواعها الحسنة كـالصدق، فقد ورد في القرآن الكريم في دعاء نبي الله إبراهيم (عليه السلام): { وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ } سورة الشعراء، آية84.
إنَّ للسانِ دور كبير في نجاة الإنسان، فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ( نجاة المؤمن في حفظ لسانه ). الكافي ج2، ص114.، ولأن (أكثر خطايا ابن آدم في لسانه)، كما في الحديث النبوي الشريف. مجموعة ورام ج1، ص4.

فينبغي على العاقل أن يحفظ لسانه ويتخير ألفاظه حتى لا يقع في المهالك.
في الرواية الشريفة: ( جاءَ رجلٌ إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول الله أوصني، قال: احفظ لسانـك، قال: يا رسول الله أوصني، قال: احفظ لسانـك، قال: يا رسول الله أوصني، قال: احفظ لسانـك ويحك وهل يُكبُ الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم ).

الكافي ج2، ص115.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين .
خادم الآل

الميرزا زهير الخال

النجف الأشرف