تكملة لفظ اسم ٣

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

اللَّهُمَّ رَبَّ شَهرِ رَمَضانَ، مُنَزِّلَ القُرآنَ، هذا شَهرُ رَمَضانَ الَّذي أنزَلتَ فيهِ القُرآنَ وأنزَلتَ فيهِ آياتٍ بَيِّناتٍ مِنَ الهُدى والفُرقانِ. اللَّهُمَّ ارزُقنا صيامَهُ، وَأعِنّا عَلى قيامِهِ.(*)

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد.

معاني مفردات البسملة

 

الحيثية الثانية في الفئة الخامسة: وهي لفظ الاسم مضافا للفظ الرب وفيها دلالة واضحة على العلامة و الرفعة و العظمة و تشملها معاني الألوهية وأسرار عند الأولياء و أسرار خصها لنفسه ، حسب استقراء الآيات :

1-{تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}(1).

2-{فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}(2).

3-{وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا}(3).

4-{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}(4).

5-{وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ}(5).

6-{ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}(6).

7-{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}(7).

مع وضوح العلامة والرفعة و العظمة إليه هناك أسرار قد كشفها الأمام الباقر عليه السلام:<<إن اسم الله الأعظم في ثلاثة وسبعين حرفا، وانما كان عند آصف منها حرف واحد فتكلم به فخسف بالأرض ما بينه وبين سرير بلقيس حتى تناول السرير بيده ثم عادت الأرض كما كانت أسرع من طرفة العين و نحن عندنا من الاسم الأعظم اثنان وسبعون حرفا وحرف عند الله تبارك تعالى استأثر به في علم الغيب عنده ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم>>(8).

و هذه الرواية شرح لأدعية الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين <<باسمك العظيم>>(9) يمكن أن يكون عند بعض الناس، و يكتسب من خلال التدبر في اسمه، و زيادة المعرفة، و ترك ما حرم، و عمل ما أوجب، فإذا قال بسم الله الرحمن الرحيم يعطى ما يطلب.

 أما قولهم في الدعاء<< باسمك الأعظم>>(10) اختصه لأوليائه <<باسمك الأعظم الأعظم>>(11) اختصه لنفسه و مع ذلك نتعلم من المعصومين التوسل بهذه الأسماء التي لا تعمل إلا وفق إمكانية الشخص نفسه، وفي مقامنا هذا آية البسملة التي قيل فيها :

– وعن محمد بن الحسن عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن سنان عن الرضا (عليه السلام) قال : بسم الله الرحمن الرحيم أقرب إلى اسم الله الأعظم من بياض العين إلى سوادها (12).

و الحيثية الثالثة من الفئة الخامسة: أثر ذكر اسم الله و ترك ذكر اسم الله بيان واضح على معنى العلامة و العلو و الرفعة. 

فالله سبحانه وتعالى ينصر من يدفع  هدم أماكن العبادة التي يُذكر فيها اسم الله في قوله تعالى: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}(13) و الله يصف الذي يخرب أماكن العبادة التي يُذكر فيها اسم الله بأنه ظالم، بل ليس هناك من هو أظلم منه في قوله تعالى:{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا ۚ أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(14). و الغاية في الآيتين هي ذكر اسم الله و هذا واضح في بيان العلامة و الرفعة و غيرها من أسرار التعظيم.

والجدير بالذكر أذن الله سبحانه برفع اسمه في بيوت معينة لأن يذكر فيها اسمه : {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ}(15) و هذا واضح جلي في دلالة العلامة و الرفعة.

و الحيثية الرابعة:  ذكر لفظ اسم مجموع و هو وصفٌ لله سبحان و تعالى في قوله تعالى : {اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ }(16) و ذلك بيان واضح في التعظيم والتجليل والعلامة و الرفعة ، و بهذه ينتهي البحث القرآني الاستقرائي ، وعليه أن ما أضيف أو جعل موصوفاً للفظ الجلالة أو الرب يكون دعاء أو تعظيما وتجليلا لله الواحد القهار، وتكون الدلالة :

أما علامة: لأن الإضافة لخبر لفظ الجلالة هو ظهور المضاف إليه، بينما لفظ الجلالة بارز وظاهر ، 

و أما رفعه: و هو واضح في مسألة الدعاء من الداني الى العالي و واضحٌ في آيات التعظيم والتجليل و أدعية أهل البيت عليهم السلام تُعضد في ذكرهم: <<باسمك العظيم و باسمك الأعظم>>(17)

و عليه لابد أن نفرق بين معنى العلامة في اسم المضاف إلى لفظ الجلالة، و العلامة المضافة إلى أي اسم في الوجود ، فالأول: عبادة (علامة و رفعة ) أو إخبار عن عبادة

و الثاني: إخبار (علامة).

 ودليل الأول الاستقراء القرآني مع رواية الصدوق عن الرضا عليه السلام، قال سألتُ الرضا علي بن موسى عليه السلام عن {بسم الله} <<قال : معنى قول القائل {بسم الله} أي السمو على نفسي سمة من سمات الله عز وجل ، وهي العبادة ، قال: فقلت له: ما السمة ؟ فقال : العلامة>>(18).

أما معنى الأخبار (علامة فقط) دليله الاستقراء القرآني مع رواية أمير المؤمنين عليه السلام لأبي الأسود حيث جاء في الحديث << الاسم ما أنبأ عن المسمى>>(19)

 إلى هنا إنتهينا من مفردة (اسم) و الحمدلله رب العالمين.

 ————————————————-

*- السيد ابن طاووس – إقبال الأعمال -ج 1-ص 78.

1-الرحمن :78

2-الحاقة:52،الواقعة:74،96

3-المزمل:8

4-الأعلى:1

5-الأعلى:15

6-الإنسان:25

7-العلق:1

8-المجلسي/بحار الأنوار ج14/ص113

9-الطوسي/مصباح المتهجد ص 75،259،416

10-نفس المصدر ص69،572،804

11-القمي/مفاتيح الجنان ص97.

12-الحر العاملي – وسائل الشيعة( آل البيت)-ج6-ص59-60

13-الحج:40

14-البقرة:114

15-النور:36

16-طه:8

17-الطوسي/ مصباح المتهجد ص416،804،572،259،75،69

18-الصدوق/التوحيد ص 229

19-المجلسي/بحار الأنوار ج43/ص162

شرح دعاء الليلة السابعة عشر

بسم الله الرحمن الرحيم 

دعاء الليلة السابعة عشر 

اللهم هذا شهر رمضان، الذي أنزلت فيه القرآن، هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، أمرتنا فيه بعمارة المساجد والدعاء والصيام والقيام، وضمنت لنا فيه الإجابة، وقد اجتهدنا وأنت أعنتنا فاغفر لنا فيه، ولا تجعله آخر العهد منه، واعف عنا، فإنك ربنا، وارحمنا فأنت سيدنا، واجعلنا ممن ينقلب إلى مغفرتك ورضوانك، إنك أنت الأجل الأعظم. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين. 

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(اللهم هذا شهر رمضان، الذي أنزلت فيه القرآن، هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان).

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة البقرة: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}.

فضل هذا الشهر الشريف المبارك أن خصه الله بتسميته في القرآن دون باقي الشهور، لما فيه من الخير والبركة والهدى للناس، ونزول القرآن فيه كما صرحت الآية المباركة. 

وروي عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الباقر عليه السَّلام قَالَ: كُنَّا عِنْدَهُ ثَمَانِيَةَ رِجَالٍ ، فَذَكَرْنَا رَمَضَانَ .

فَقَالَ عليه السلام:  لَا تَقُولُوا هَذَا رَمَضَانُ ، وَ لَا ذَهَبَ رَمَضَانُ ، وَ لَا جَاءَ رَمَضَانُ ، فَإِنَّ رَمَضَانَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ، لَا يَجِي‏ءُ وَ لَا يَذْهَبُ ، وَ إِنَّمَا يَجِي‏ءُ وَ يَذْهَبُ الزَّائِلُ ، وَ لَكِنْ قُولُوا شَهْرُ رَمَضَانَ ، فَإِنَّ الشَّهْرَ مُضَافٌ إِلَى الِاسْمِ ، وَ الِاسْمُ اسْمُ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ ، وَ هُوَ الشَّهْرُ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ جَعَلَهُ مَثَلًا وَ عِيداً.

فيعرف قدر هذا الشهر أن كان من أسماء الله تبارك وتعالى التي ندعوه بها، ونزول كتاب الله فيه ليكون عوناً لقلوب المؤمنين في معرفة عظمة الخالق، وما دارت عليه السنين الأولى، فكرامة الشهر كثرة قراءة القرآن.

و روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السَّلام قال: نَزَلَ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ ، ثُمَّ نَزَلَ فِي طُولِ عِشْرِينَ سَنَةً ، ـ ثُمَّ قَالَ ـ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله: نَزَلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ، وَ أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ، وَ أُنْزِلَ الْإِنْجِيلُ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ، وَ أُنْزِلَ الزَّبُورُ لِثَمَانَ عَشَرَ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ، وَ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ فِي ثَلَاثٍ وَ عِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ.

هدى الناس في هذا الشهر تختلف عن غيرها من الشهور لفريضة الصوم عليهم، وإحساسهم أنهم عبيد لله فجزيل الهدى كرم العطايا.

وروي عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: يا جابر !.من دخل عليه شهر رمضان ، فصام نهاره ، وقام ورداً من ليلته ، وحفظ فرجه ولسانه ، وغضّ بصره ، وكفّ أذاه ، خرج من الذنوب كيوم ولدته أمه ،

 قلت له : جعلت فداك ! ما أحسن هذا من حديث ! 

قال : ما أشدّ هذا من شرط !

فرقان شهر الله مضاعفة الأجر ومغفرته وتقسيم أرزاق العباد تعطي المؤمنين عزم الأمر وتحمل المشاق فيه.

روي عن عبد الله بن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : شهر رمضان ليس كالشهور لما تضاعف فيه من الأجور هو شهر الصيام، وشهر القيام، وشهر التوبة والاستغفار، وشهر تلاوة القرآن، هو شهر أبواب الجنان فيه مفتحة، وأبواب النيران فيه مغلقة، هو شهر يكتب فيه الآجال، ويبث فيه الأرزاق، وفيه ليلة فيها يفرق كل أمر حكيم، ويكتب فيها وفد ببيت الله الحرام _تتنزل الملائكة والروح فيها_ عليه الصائمون والصائمات، بإذن ربهم في كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر، من لم يغفر له في شهر رمضان، لم يغفر إلى قابل، فبادروا بالأعمال الصالحات الآن، وباب التوبة مفتوح، والدعاء مستجاب، قبل : أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله وأن كنت لمن الساخرين. 

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(أمرتنا فيه بعمارة المساجد والدعاء والصيام والقيام، وضمنت لنا فيه الإجابة، وقد اجتهدنا وأنت أعنتنا فاغفر لنا فيه).

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الجن: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا * وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا).

أن أفضل الأعمال التي يقوم بها المؤمن هو الالتزام بما أمره الله تعالى به، رعاية منه له ، وتقرب إلى رضوانه لكي يحس المؤمن من القرب الإلهي . 

قال تعالى في محكم كتابه المبين في سورة التوبة: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ}.

فلكل عمل يقوم به المؤمن أجرا وأعظم هذه الأجور عمارة مساجد الله، روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: من بنى مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة.

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من بنى مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة.

ولدلالة العمارة دلالة غير البناء ألا وهي السعي والذهاب للصلاة فيه لتكون بيوتهم التي يتقربون بها إلى الله، روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: مكتوب في التوراة أن بيوتي في الأرض المساجد فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي ألا إن على المزور كرامة الزاير.

وروي عنه عليه السلام قال: من مشى إلى المساجد لم يضع رجله على رطب ولا يابس إلا سبحت له الأرض إلى الأرضين السابعة.

وللجلوس في المساجد عمارة له، فتعطي جالسها أجمل أنس،  روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: يا أبا ذر! إن الله تعالى يعطيك ما دمت جالسا في المسجد بكل نفس تنفست درجة في الجنة، وتصلي عليك الملائكة، وتكتب لك بكل نفس تنفست فيه عشر حسنات، وتمحي عنك عشر سيئات.

فكل اجتهاد يقوم به المؤمن في مساجد الله من طلب الإعانة والمغفرة يعطيه الله، روي عن الإمام علي (عليه السلام): من اختلف إلى المسجد أصاب إحدى الثمان: أخا مستفادا في الله، أو علما مستطرفا، أو آية محكمة، أو رحمة منتظرة، أو كلمة ترده عن ردى، أو يسمع كلمة تدله على هدى، أو يترك ذنبا خشية أو حياء.

وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا يرجع صاحب المسجد بأقل من إحدى ثلاث: إما دعاء يدعو به يدخله الله به الجنة، وإما دعاء يدعو به ليصرف الله به عنه بلاء الدنيا، وإما أخ يستفيده في الله عز وجل.

وقد زدنا معرفة أن تكون الأمور الأربعة العمارة والدعاء والصيام والقيام، لاستجابة الدعاء في هذا الشهر المبارك.

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(ولا تجعله آخر العهد منه، واعف عنا، فإنك ربنا، وارحمنا فأنت سيدنا، واجعلنا ممن ينقلب إلى مغفرتك ورضوانك، إنك أنت الأجل الأعظم).

رجاء المؤمن عهده كل سنة بصيام هذا الشهر، ليكون من عباد الله الذي يوفقهم الله إلى رحمته أو أداء

الصيام، روى جابر بن عبد الله الأنصاري قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله في آخر جمعة من شهر رمضان فلما أبصرني  قال لي: يا جابر هذا آخر جمعة من شهر رمضان فودعه ، وقل: اللهم لا تجعله آخر العهد من صيامنا إياه فان جعلته فاجعلني مرحوما ولا تجعلني محروما فإنه من قال ذلك ظفر باحدى الحسنيين إما ببلوغ شهر رمضان من قابل وإما بغفران الله ورحمته. 

دليل سعي المؤمن هو رضا الله عنه، في هذه الليالي المباركة، قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة التوبة: {وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم}.

وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: ثلاث يبلغن بالعبد رضوان الله: كثرة الاستغفار، وخفض الجانب وكثرة الصدق.

وعن الإمام زين العابدين عليه السلام قال: إن أرضاكم عند الله أسبغكم على عياله. 

لذا دعونا نرفع أكفّنا ونتوجّه بقلب خاشع خائف مُنكسر مُتذلّل، وبعين باكية راجية رحمة الله ومغفرته، وبلسان صدق يُردِّد مناجاة أمير المؤمنين عليه السلام :إلهي جودك بسط أملي، وعفوك أفضل من عملي؛إلهي إن أخذتني بجرمي أخذتك بعفوك، وإن أخذتني بذنوبي أخذتك بمغفرتك؛ فلا تجعلني ممّن صرفت عنه وجهك، وحجبه سهوه عن عفوك”. 

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

تكملة لفظ اسم (٢)

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

اللَّهُمَّ رَبَّ شَهرِ رَمَضانَ، مُنَزِّلَ القُرآنَ، هذا شَهرُ رَمَضانَ الَّذي أنزَلتَ فيهِ القُرآنَ وأنزَلتَ فيهِ آياتٍ بَيِّناتٍ مِنَ الهُدى والفُرقانِ. اللَّهُمَّ ارزُقنا صيامَهُ، وَأعِنّا عَلى قيامِهِ.(*)

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد.

معاني مفردات البسملة

كلما تدبرنا وزدنا من معرفتنا في الذات الإلهية من كلماته و كلمات المعصومين عليهم السلام زاد تقربنا لله، و عليه يزيد تقربنا للمعصومين عليهم السلام: {قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ ۚ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ ۗ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ ۚ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} الرعد:16

شاهدنا في هذه الآية هو الوصول إلى النور.

الفئة الثالثة: لها حيثيه أخرى وهو ذكر لفظ مشتق من الاسم يشار فيه الى أولياء الله في قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}(1) ، و قوله تعالى: { قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ}(2)، فالأدلة النقلية تروي أنه علمه أسماء كل شيء، و ركزت روايات أخرى على أعلى مصداق و هم حجج الله على الأرض، قال الصدوق : حدثنا بذلك محمد بن موسى بن المتوكل قال: حدثنا محمد بن ابي عبد الله الكوفي عن الحسن بن سعيد عن محمد بن زياد عن إيمن بن محرز ،عن الصادق بن محمد عليهما السلام:  << أن الله تبارك و تعالى علم آدم عليه السلام أسماء حجج الله:  { كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}(3) بأنكم أحق بالخلافة في الأرض لتسبيحكم وتقديسكم من آدم عليه السلام: { قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }(4)، قال الله تبارك و تعالى: { قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم }(5) وقفوا على عظيم منزلتهم عند الله تعالى ذكره، فعلموا أنهم أحق بأن يكونوا خلفاء الله في أرضه، وحججه على بريته ، ثم غيبهم عن أبصارهم ، و أستبعدهم بولايتهم و محبتهم، وقال لهم: { أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ}(6)(7)

وهذه الأخبار تشير إلى العلامة دون الرفعة.

 و هناك فئة رابعة: حينما الله يخبر عن نهر في الجنة و لفظ الاسم هنا دلالته العلامة دون الرفعة في قوله تعالى: {عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلًا}(8)

وهناك فئة خامسة: فيها لفظ الاسم مضاف الى لفظ الجلالة في عدة حيثيات مختلفة:

 الحيثية الأولى: الأمر بأكل ما يذبح أو يصطاد إلا ما ذكر اسم الله عليه و النهي عن الأكل ما لم يذكر أسم الله عليه و هنا واضح الدلالة على اشتمال العلامة و الرفعة معا وذلك ، لأن غير لفظ الجلالة يحتاج إلى ظهور و أخبار عن بروزه و تشخيصه، وبهذا الفهم يجعل طلب العبد حين الذكر عبادة، حيث انه _العبد_ الداني إلى العالي، و الاستقراء القرآني في موضع حلية الأكل من الأنعام بذكر أو الدعاء بذكر اسم الله هي:

1- { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ ۖ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۙ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ ۖ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}(9).

2-{فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُم بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ}(10).

3-{وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ}(11).

4-{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ۗ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ۖ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}(12).

5-{وَقَالُوا هَٰذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَّا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَن نَّشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَّا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ ۚ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}(13)

6-{لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}(14)

7-{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۗ فَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا ۗ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ}(15).

8-{وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ۖ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ۖ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(16).

هذه آيات فيها وجوب ذكر الدعاء ، وهو اسم الله، حيث:

 الآية الأولى: فيها الابتعاد عن الحساب السريع و تقرب الموصل الى تقوى الله إن كان الذكر الواجب في الصيد أو الذبح.

والآية الثانية: الدعاء بذكر الله هو الإيمان.

و الآية الثالثة: الذكر يجعلك غير معتدي و متجاوز على الله تعالى عما يفعلون، ولا يتأثر الإنسان بأكل المذكى روحيًا ويضل عن سبيل الله بغير علم ، وسمح بأكل الميتة للمضطر.

و الآية الرابعة : عدم ذكرك اسم الله يجعلنا معرضين للشيطان ، و تكون الشياطين أولياء من فسق بأكل الميتة .

والآية الخامسة: بيان كذب على الله فيما يفعلون.

والآية السادسة: تعليم لأعمال الحج التي هي منافع للناس و تعليم أن الأضحية التي يذكر عليها اسم الله تقسم بينه وبين المحتاجين.

و الآية السابعة : تبين أن التقرب الى الله في الأديان السماوية و أن فريضة الحج التي بها الأضحية منسكا، فالغاية من المنسك هو ذكر اسم الله.

والآية الثامنة: الموصلة لشكر نعم الله عز وجل و في كل الأحوال هذه الآيات هي من الداني الى العالي الذي هو المراد منه العلامة و الرفعة.

يتبع الكلام و التدبر في مفردة اسم من مفردات البسملة. 

———————————————

*- السيد ابن طاووس – إقبال الأعمال -ج 1- الصفحة 78.

1-البقرة:31

2-البقرة:33

3-البقرة:31

4-البقرة:32

5،6-البقرة:33

7-الصدوق/كمال الدين و تمام النعمة ص14

8-الأنسان:18

9-المائدة:4

10-الأنعام:118

11-الأنعام119

12-الأنعام:121

13-الأنعام:138

14-الحج:28

15-الحج:34

16-الحج:36

شرح دعاء الليلة السادسة عشر

دعاء الليلة السادسة عشر

بسم الله الرحمن الرحيم 

يا الله – سبعا- ، يا رحمن – سبعا- ، يا رحيم – سبعا-، يا غفور – سبعا-، يارؤوف – سبعا -، ياجبار – سبعا -، يا علي- سبعا -، صل على محمد وآله إنك أنت الغفور الرحيم . 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه(يا الله – سبعا- ، يا رحمن – سبعا- ، يا رحيم – سبعا-، يا غفور – سبعا-، يارؤوف – سبعا -، ياجبار – سبعا -، يا علي- سبعا ).

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الأعراف:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ }.

وروي عن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم قال: وأسألك يا الله بحقّ هذه الأسماء الجليلة الرفيعة عندك العالية المنيعة التي اخترتها لنفسك واختصصتها لذكرك وجعلتها دليلةً عليك وسبباً إليك.

لا يمكن التكهن أو اقتحام ونسبة ماليس لله لله، وما ليس من الله لله، كما في غموض العدد سبعة فلا يخفى على المؤمنين، ولو أن طواف المؤمنين سبعة أشواط قد وردت رواية أن كل طواف بشري يعادل سبعة سنين من الملائكة.

علة هذا الأمر، روي عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) ـ في حديث ـ إن رجلا سأل أباه عن سبب الطواف بهذا البيت ، فقال : إن الله أمر الملائكة أن يطوفوا بالضراح ، وهو البيت المعمور ، فمكثوا يطوفون به سبع سنين ، فهذا كان أصل الطواف ، ثم جعل الله البيت الحرام حذو الضراح توبة لمن أذنب من بني آدم وطهورا لهم.

وقد تطرقنا في كتابنا قبسات علوية إلى سنة جد النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم_ عبد المطلب عليه السلام_ أنه طاف سبعا فأمضاها الله سنة، إلا أنه ليس في مقام التشريع ولكن قد تعزى هذه السنة إلى عبد المطلب عليه السلام كعادة وعرف منه وليس كتشريع مثل سنة رسول الله صلى الله عليه وآله. 

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في الرعد: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾.

قد وردت آيات كثيرة تحث المؤمنين على ذكر الله كثيرا، ونحن في أيام الله وضيافته نعمل بما أمرنا، ونتعلم مما ورد علينا من أهل بيت النبوة، فذكّر بهذا الدعاء التوسل إلى الله بأسمائه، ولابد أن لكل ذكر عمل، و أفضل الأعمال الأذكار التي تذكر الله لسرعة الإستجابة فيها .

وقال تعالى في محكم كتابه المبين في سورة البقرة: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾

وروي عن الإمام الصادق عليه السلام في رسالة لأصحابه: وأكثروا ذكر الله ما استطعتم في كلِّ ساعة من ساعات الليل والنهار، فإنَّ الله أمر بكثرة الذكر، والله ذاكر لمن ذكره من المؤمنين، واعلموا أنَّ الله لم يذكره أحد من عباده المؤمنين إلَّا ذكره بخير.

فيكون القلب متوجّهاً إلى الله تعالى وهو يدرك معاني الأذكار ثمَّ يأمر اللسان بالقيام بالذكر، له كما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: إلهي هبْ لي كمال الانقطاع إليك، وأنرْ أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك، حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة، وتصير أرواحنا معلَّقة بعزِّ قدسك.

فيعلم مما تقدم أن الذكر من طاعة الله وعبوديته،

روي عن الإمام الصادق عليه السلام: “من كان ذاكراً لله على الحقيقة فهو مطيع ومن كان غافلاً عنه فهو عاص.

حقيقة ذكر الله وخلوصها ترفع العبد وتقربه من المنعم لكونه ذاكرا لله مطيعا لأمنائه، روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: قال الله تعالى: إذا علمت أنَّ الغالب على عبدي الاشتغال بي، نقلت شهوته في مسألتي ومناجاتي، فإذا كان عبدي كذلك فأراد أن يسهو حلتُ بينه وبين أن يسهو، أولئك أوليائي حقّاً، أولئك الأبطال حقّاً، أولئك الذين إذا أردت أن أُهلك الأرض عقوبةً، زويتها عنهم من أجل أولئك الأبطال.

يحب المؤمن أن يكون محبوب الله في كثرة أذكاره ومناجاته له، روي عن الإمام الصادق عليه السلام: “من أكثرَ ذكر الله أحبّه الله”.

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(صل على محمد وآله إنك أنت الغفور الرحيم ).

أن من الأذكار الموجبة لرحمة الله وحب الله الصلاة على محمد وآل محمد، فيدخل في مغفرة الله ونحن في هذا الشهر المبارك نتطلع إلى قبول أعمالنا.

روي عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من ذكرني ولم يصل علي فقد شقي ، ومن أدرك رمضان فلم تصبه الرحمة فقد شقي ، ومن أدرك أبويه أو أحدهما فلم يبر فقد شقي.

وروي عن النبي  صلى الله عليه وآله من قال : صلى الله على محمد وآل محمد أعطاه الله أجر اثنين وسبعين شهيدا ، وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه .

فيكون ممن ينقلب إلى مغفرة الله ورضوانه بذكر الصلاة على محمد وآل محمد،  وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: صلواتكم علي جواز لدعائكم ، ومرضاة لربكم ، وزكاة لأعمالكم .

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

لفظة (اسم)

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

اللَّهُمَّ رَبَّ شَهرِ رَمَضانَ، مُنَزِّلَ القُرآنَ، هذا شَهرُ رَمَضانَ الَّذي أنزَلتَ فيهِ القُرآنَ وأنزَلتَ فيهِ آياتٍ بَيِّناتٍ مِنَ الهُدى والفُرقانِ. اللَّهُمَّ ارزُقنا صيامَهُ، وَأعِنّا عَلى قيامِهِ.(*)

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد.

معاني مفردات البسملة

الاسم لغة هو العلامة(1) ، وهو مأخوذ من السمو أي الارتفاع(2)، أو مأخوذ من السمة أي الوسم، بمعنى العلامة و على كل حال إن اشتراك المعاني في لفظ واحد لا إشكال فيه ، و بالخصوص في لفظ قرين لفظ الجلالة (الله) و هذه المعاني بينها الإمام الرضا عليه السلام و زاد عليها فقد رويت في كتاب التوحيد.

– حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد مولى بني هاشم، عن علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه، قال: سألت الرضا علي بن موسى عليهما السلام، عن بسم الله،

 قال: معنى قول القائل بسم الله أي أسم على نفسي سمة من سمات الله عز وجل وهي العبادة .

قال: فقلت له: ما السمة؟ 

فقال: العلامة.(3)

أسم على نفسي ، هذه للعلامة فقط ، ومن سمات الله عز وجل للناس العبادة و هذه للرفعة.

وبعد هذه المقدمة يظهر أننا إذا نستقرئ القرآن الكريم لكلمة (اسم) نجد لها عدة معاني عبر أربع آيات في معنى توقيت زمني غير المصرح به في أثناء الكلام، ويفهم منه العلامة في هذه الحالة دون الرفعة ، وهي:

1- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ۚ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ۚ وَلَا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا ۖ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ۗ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ۚ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ۚ وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}(4)

2-{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَىٰ أَجَلًا ۖ وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ۖ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ}(5).

3-{وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُّسَمًّى ۖ ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}(6).

4-{يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ ۖ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}(7).

غضب الله عز وجل و هود عليه السلام على قوم عاد في أصنام قد أسموها، ويريدون أن يشركوها مع الله!  وهنا لفظ أسم إذا كان مجعولا بالإضافة مع تسميات الصنم لتكون رفعة و علامة من قبل اللادينين، في قوله تعالى: {قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ ۖ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ}(8).

وهناك فئة ثالثة مقرونة بأسماء الأولياء تجدها في الأخبار عن علامة ، لا تجد في طيات الكلام غير العلامة، وهي في أربع آيات، بإضافة مع ضمير متصل يعود على أولياء الله ،وهو الهاء، يظهر أنه للإخبار، أي العلامة دون الرفعة :

1-{فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}(9).

2-{إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ}(10).

3-{يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا}(11).

4-{وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ}(12).

يتبع الكلام و التدبر في مفردة (اسم) 

من مفردات البسملة .

 —————————————————————

*- السيد ابن طاووس – إقبال الأعمال -ج 1- الصفحة 78.

1 – ابن منظور – لسان العرب -ج4 -الصفحة 401.

2 – نفس المصدر الصفحة 397 ، الأصفهاني- مفردات الراغب 355.

3 – الصدوق – التوحيد -الصفحة 229-230.

4 -البقرة:282

5-الأنعام:2

6-الأنعام:60

7-نوح:4

8-الأعراف:71

9-آل عمران:36

10-آل عمران:45

11-مريم:7

12 -الصف:6

شرح دعاء الليلة الخامسة عشر

بسم الله الرحمن الرحيم 

دعاء الليلة الخامسة عشر

يا جبار أنت سيدي المنان، أنت مولاي الكريم، أنت سيدي الغفور أنت مولاي الحليم، أنت سيدي الوهاب، أنت مولاي العزيز، أنت سيدي القدير، أنت مولاي الواحد،أنت سيدي القائم، أنت مولاي الصمد أنت سيدي الخالق، أنت مولاي البارئ صل على محمد وآله، واغفر لي وارحمني وتجاوز عني إنك أنت الأجل الأعظم. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين. 

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(يا جبار أنت سيدي المنان، أنت مولاي الكريم، أنت سيدي الغفور أنت مولاي الحليم).

مضى نصف شهر رمضان المبارك، والمؤمن تارك أمره إلى صاحب الضيافة الكبرى، متأملا منه جزيل العطايا وكرم العفو وهديته الكبرى أن يجعله من عتقائه من النار، فيرسم صورة الأمل الكبيرة من السيد والمولى الجليل.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة آل عمران:{لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ}.

وقال عز من قال في سورة الحجرات:{بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ }

اذا فالمنان، معناه هو المعطى المنعم ومنه قوله تعالى في سورة ص :{فامنن أو أمسك بغير حساب}.

في بيوتهم نزل الذكر العزيز فلا يجيء عنهم غير نطق الوحي الكريم، روي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: علي سيد العرب. 

فقالت عايشة: يا رسول الله ألست سيد العرب ؟! 

فقال صلى الله عليه وآله: أنا سيد ولد آدم وعلي عليه السلام سيد العرب.

 فقالت: يا رسول الله: وما السيد ؟ 

فقال: هو من افترضت طاعته كما افترضت طاعتي.

 فعلى هذا الحديث السيد هو الملك الواجب الطاعة ، فما بالك بسيد السموات والأرضين؟!

بحلم الله يستغيث المؤمن في هذه الليلة المباركة _ ليلة النصف من شهر رمضان_ فيعلم المؤمن أن بيوت الرحمن هم أهل بيت النبوة ، ونحن في فرحة ولادة سبط النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، وقد اشتهر عن الإمام الحسن عليه السلام الحلم حتى لقب بـ(حليم أهل البيت) لكثرة حلمه، وعدم انفعاله، وقدرته العجيبة على ضبط النفس ضد مهيجات الغضب.

وقد أعترف أعداء الإمام بحلمه الواسع، روي انه لَمّا استشهد الإمام الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ عليه السّلام أخرَجوا جِنازَتَهُ، فَحَمَلَ مَروانُ سَريرَهُ، فَقالَ لَهُ الحُسَينُ عليه السّلام: أتَحمِلُ سَريرَهُ؟ أما وَاللَّهِ لَقَد كُنتَ تُجَرِّعُهُ الغَيظَ. 

فَقالَ مَروانُ: إنّي قَد أفعَلُ ذاكَ بِمَن يُوازِنُ حِلمُهُ الجِبالَ.

هذا مروان حامل الغيظ والكره والعداء يعترف بحلم الإمام عليه السلام .

ونحن بهذه الليلة الكريمة نسأله بحق الحسن عليه السلام أن يجعلنا من عتقائه من النار. 

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(أنت سيدي الوهاب، أنت مولاي العزيز، أنت سيدي القدير، أنت مولاي الواحد).

الواهب هو المعطي ، والوهاب مبالغة من الوهب، والوهاب والواهب من أسماء الله الحسنى، يعطى الحاجة بدون سؤال، ويبدأ بالعطية، والله كثير النعم.

قال تعالى في محكم كتابه المبين في سورة الشورى:

{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ }

معرفة الواهب وجوب شكره، روي عن الإمام الصادق عليه السلام، وقد سأله أبو بصير: هل للشكر حد إذا فعله العبد كان شاكرا؟ 

قال عليه السلام: نعم

قلت: ما هو؟

قال: يحمد الله على كل نعمة عليه في أهل ومال، وإن كان فيما أنعم عليه في ماله حق أداه، ومنه قوله عزوجل: (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين).

وقال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الأنعام:{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمسسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }.

يعرف المؤمن قدرة الله على عباده فتراه يقرأ قصة أيوب عليه السلام فيعرف أن القدرة المطلق له عزوجل، لابد من تمامیت الأمور بقدرته سبحانه وتعالى ،حيث ذكر الله في كتابه العزيز في سورة الأنبياء: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ *فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ.}

روي عن أبي بصير قال سألت أبا الحسن الماضي عليه السلام، عن بلية‌ أيوب التي ابتلي بها في الدنيا لأي علة كانت قال عليه السلام: لنعمة أنعم الله عليه بها في الدنيا فأدى شكرها فحسده إبليس فقال : يا رب ان أيوب لم يؤد شكر هذه النعمة إلا بما أعطيته من الدنيا ولو حرمته الدنيا ما أدي إليك شكر نعمة أبداً .

قال فقيل له : إني سلطتك على ماله وولده.

 فانحدر الشيطان فلم يبق له مالاً‌ ولا ولداً‌ إلا أعطبه فلما رأي إبليس أنه لا يصل إلى شيء من أمره قال : يا رب إن أيوب يعلم أنك سترد عليه دنياه التي أخذتها منه فسلطني على بدنه.

 فقيل له : قد سلطتك على بدنه ما خلا قلبه ولسانه وعينيه وسمعه فانحدر إبليس مستعملاً مخافة أن تدركه رحمة ‌الرب عزوجل فتحول بينه وبين أيوب فلما اشتد به البلاء وكان في آخر بلية جاءه أصحابه فقالوا له : ما نعلم أحداً‌ ابتلي بمثل هذه البلية إلا لسريرة سوء، فلعلك أسررت سوءا في الذي تبدي لنا!

 قال فعند ذلك ناجي أيوب ربه فقال : رب ابتليتني بهذه البلية وأنت أعلم أنه لم يعرض لي أمران قط إلا ألزمت أخشنهما على بدني، ولم آكل أكلة قط إلا وعلى خواني يتيم،

 فقيل له: يا أيوب من حبب إليك الطاعة؟

قال: فأخذ كفاًً‌ من تراب فوضعه في فيه ثم قال : أنت أنت . 

وكانت زوجته رحمة بنت افرائيم بن يوسف، صبرت معه وكانت تخدم في المنازل وتأتي إليه بما يأكله ويشربه وتحمد الله تعالى معه إذا حمد .

وفي بعض الكتب أن إبليس لعنه الله قال لزوجة أيوب : إن شئت فاسجدي لي سجدة واحدة حتي أرد عليك المال والولد وأعافي زوجك، فرجعت إلى ايوب عليه الصلاة والسلام وأخبرته بما قال لها وما أراها .

فقال: لقد اتاك عدو الله ليفتنك عن دينك ثم أقسم إن عافاه أن يضربها مائة جلدة.

وفي رواية أخرى : أنها لم تجد ما تطعم زوجها، وأبي الناس أن يستخدموها ، فجزت شعرها فباعته برغيف فأتت به أيوب، فقال لها: أين شعرك؟! فأخبرته 

فقال عند ذلك: {رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرحَمُ الرَّاحِمِينَ} فعافاه الله ورد عليه ماله وولده .

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(أنت سيدي القائم، أنت مولاي الصمد أنت سيدي الخالق، أنت مولاي البارئ).

المؤمن يحتاج إلى قيام أموره العبادية بالصمد إلى الله، فعرف معنى الصمد أنه السيد الذي يصمد إليه في الأمور، ويقصد في الحوائج والنوازل.

ومن اختاره الله ليكون مقصد عباده في مهمات دينهم ودنياهم، فقد أجرى على لسانه ويده حوائج خلقه، هم محمد وآل محمد عليهم السلام فوجبت معرفتهم من الناس .

روي عن الأصبَغِ بنِ نَباتَةَ قَالَ: كُنتُ عندَ أمِيرِ المُؤمنِينَ (عليه السلام) فجَاءَه ابنُ الكَوا فقَالَ: يا أمِيرَ المُؤمنِينَ، قَولُ اللهِ (عزَّ وجلَّ):

 (وليسَ البِرُّ بأنْ تَأتُوا البُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا ولكنَّ البِرَّ مَن اتَّقَى وأتُوا البُيُوتَ مِن أبوَابِهَا) .

فقَالَ (عليه السلام): “نحنُ البُيُوتُ أمرَ اللهُ أنْ تُؤتَى أبوَابُها، نحنُ بَابُ اللهِ وبُيُوتُه التي يُؤتَى منْه، فمَن بَايَعَنا وأقرَّ بوِلَايَتِنا فقَد أتَى البُيُوتَ مِن أبوَابِها، ومَن خَالَفَنا وفَضَّلَ عَليْنا غَيرَنا فقَد أتَى البُيُوتَ مِن ظُهُورِها، إنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) لو شاءَ عرَّفَ النَّاسَ نَفسَه حتى يَعرِفُوهُ ويأتُوهُ مِن بَابِه، ولكنْ جَعَلَنا أبوَابَه وصِراطَه وسَبِيلَه وبَابَه الَّذي يُؤتَى منْه، قَالَ: فمَن عَدلَ عن وِلَايَتِنا وفَضَّلَ عَليْنا غَيرَنا فقَد أتَى البُيُوتَ مِن ظُهُورِها، وإنَّهم عن الصِّرَاطِ لنَاكِبُونَ.

يرغب المؤمن في توجهه إلى البارئ خلوصه من أدناس هموم وغموم الدنيا.

فيعلم معنى البارئ أنها من أسماء الله تعالى وهو الذي خلق الخلق لا عن مثال، والبرء أخص من الخلق، فخلق الله السموات والأرض، وبرأ الله النسمة، كبرئ الله آدم من طين. 

البارئ الذي يبرئ جوهر المخلوقات من الآفات، وهو موجد الأشياء بريئة من التفاوت وعدم التناسق، وهو معطى كل مخلوق صفته التي علمها له في الأزل.

وفي كلام أمير المؤمنين عليه السلام عند تأكيده حقه قال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لقد علمتم أني صاحبكم والذي به أمرتم، وأني عالمكم.

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: صل على محمد وآله، واغفر لي وارحمني وتجاوز عني إنك أنت الأجل الأعظم).

المؤمن المتعجل بثقل ميزان حسناته، متمسك بالعروة الوثقى، روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في فضل شهر رمضان : مَن أكثر فيه من الصلاة عليّ ثقّل الله ميزانه يوم تخفّ الموازين.

وعن الإمام الرضا عليه السلام قال: مَن لم يقدر على ما يكفّر به ذنوبه ، فليُكثر من الصلاة على محمد وآله ، فإنها تهدم الذنوب هدماً.

والمؤمن عارف بانقضاء أيام رحمة الله ولياليه المباركة سريعا، وها هو الشهر قد تصرمت أكثر أيامه، فتراه مشفقا على نفسه، متعجلا التزود فيه ، فيقول كما قال إلامام سيد الساجدين عليه السلام: أللَّهُمَّ اسلَخْنَا بِانْسِلاَخِ هَذَا الشَّهْرِ مِنْ خَطَايَانَا وَأَخْرِجْنَا بُخُرُوجِهِ مِنْ سَيِّئاتِنَا وَاجْعَلْنَا مِنْ أَسْعَدِ أَهْلِهِ بِهِ وَأَجْزَلِهِمْ قِسَمَاً فِيـهِ وَأَوْفَـرِهِمْ حَظّاً مِنْـهُ.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

منزلة و فضل حروف البسملة

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

اللَّهُمَّ رَبَّ شَهرِ رَمَضانَ، مُنَزِّلَ القُرآنَ، هذا شَهرُ رَمَضانَ الَّذي أنزَلتَ فيهِ القُرآنَ وأنزَلتَ فيهِ آياتٍ بَيِّناتٍ مِنَ الهُدى والفُرقانِ. اللَّهُمَّ ارزُقنا صيامَهُ، وَأعِنّا عَلى قيامِهِ.(*)

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد.

نحن نعلم أننا لا نستطيع أن ندخل في عمق التدبر و معرفة الأسرار ، و ما زلنا على أسوار معاني الحروف، لأن منزلة الحروف شيء عجيب، و هناك أسرار لا يصل إليها إلا المصطفين عن طريق وحي أو موروث من المعصومين عليهم السلام.

شرح أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عباس باء بسم الله في تمام ليلة ولم يتعد حرف السين، ثم قال: لو شئت لأوقرت أربعين بعيرا من شرح بسم الله .

في كتاب الإحقاق قال: وروينا عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه كان يقول: لو شئت لأوقرت لكم ثمانين بعيرا من معنى الباء.

وفيه : إن جميع أسرار الكتب السماوية في القرآن، وجميع ما في القرآن في الفاتحة، وجميع ما في الفاتحة في البسملة في باء البسملة، وجميع ما في باء البسملة في النقطة التي تحت الباء.

وفيه : أخذ بيدي الإمام علي ليلة فخرج بي إلى البقيع وقال: إقرأ يا بن عباس فقرأت بسم الله الرحمن الرحيم فتكلم في أسرار الباء إلى بزوغ الفجرة.

وقال: يشرح لنا علي نقطة الباء من بسم الله الرحمن الرحيم ليلة، فانفلق عمود الصبح وهو بعد لم يفرغ>>(1)

أما فضل الحروف فشيء عجيب أيضا حيث تُبين لنا الروايات عن عظيم حروفها:

فعن النبي صلى الله عليه و آله في رواية طويلة يتكلم عن آية البسملة: <<ألا فمن قرأها معتقدا لموالاة محمد وآله الطيبين، منقادا لأمرهم، مؤمنا بظاهرهم وباطنهم، أعطاه الله عز وجل بكل حرف منها حسنة، كل حسنة منها أفضل له من الدنيا وما فيها من أصناف أموالها وخيراتها ومن استمع قارئا يقرأها كان له قدر ثلث ما للقارئ، فليستكثر أحدكم من هذا الخير المعرض لكم، فإنه غنيمة لا يذهبن أوانه، فتبقى في قلوبكم الحسرة>>.(2)

و الشاهد فيها: <<أعطاه الله عز وجل بكل حرف منها حسنة، كل حسنة منها أفضل له من الدنيا وما فيها من أصناف أموالها وخيراتها>>.

والرواية قد عددت شرطين:

 1-الولاية: وهو الإيمان بظاهر المعصومين و باطنهم.

2- والانقياد لأمرهم صلوات الله عليهم .

شرطان فيهما الخير الكثير و عدمهما لا شيء بل حسرةٌ و ندامة.

يا أيها الذين آمنو و أطاعوا الله والرسول و أولي أمر منكم في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ}(3) أنتم الذين مع الذين: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}(4).

– عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و آله قال:<<ه من قرأ بسم الله الرحمن الرحيم كتب الله له بكل حرف أربعة آلاف حسنة ومحا عنه أربعة آلاف سيئة ورفع له أربعة آلاف درجة>>. (5)

– وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و آله قال: <<من أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر، فليقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، فإنها تسعة عشر حرفا، ليجعل الله كل حرف منها جنة من واحد منهم>>(6).

 وَقَالَ قَتَادَةُ: الزَّبانِية عِنْدَ الْعَرَبِ الشُّرَطُ، وَكُلُّهُ مِنَ الدَّفْع، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ بَعْضُ الْمَلَائِكَةِ لِدَفْعِهِمْ أَهل النَّارِ إِلَيْهَا. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلْيَدْعُ نادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ} وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الزَّبانية الْغِلَاظُ الشِّدَادُ، وَاحِدُهُمْ زِبْنية، وَهُمْ هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ}، وَهُمُ الزَّبانية(7).

————————————————

1 – الشاهرودي -مستدرك سفينة البحار – – ج 1 – الصفحة 269.

2 – تفسير الإمام العسكري (ع) – المنسوب إلى الإمام العسكري (ع) – الصفحة  29.

3 – النساء 59.

4 – يونس 62.

5 – السيد البروجردي – جامع أحاديث الشيعة -ج15- الصفحة 150.

6 – الطوسي – تفسير مجمع البيان- ج1-الصفحة 50.

7- ابن منظور – لسان العرب- ج13-194.

شرح دعاء الليلة الرابعة عشر

بسم الله الرحمن الرحيم 

دعاء الليلة الرابعة عشر 

يا أول الأولين، ويا آخر الآخرين،ويا جبار الجبابرة، ويا إله الأولين والآخرين، أنت خلقتني ولم أك شيئا مذكورا، وأنت أمرتني بالطاعة فأطعت سيدي جهدي، وان كنت توانيت أو أخطأت أو نسيت فتفضل علي سيدي، ولا تقطع رجائي، وامنن علي بالجنة، واجمع بيني وبين نبي الرحمة، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله، واغفر لي إنك أنت التواب الرحيم. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين. 

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(يا أول الأولين، ويا آخر الآخرين،ويا جبار الجبابرة، ويا إله الأولين والآخرين، أنت خلقتني ولم أك شيئا مذكورا).

المؤمن تراهُ سائحاً في تفكيره في خلق الله عز وجل، بكل جوارحه ، لا مفر من العظة الكبرى له، ألا وهي خلق الله للإنسان، فيبين الله ذلك له في كتابه العزيز، قال تعالى في محكم كتابه المبين في سورة الطارق: {فَلْيَنْظُرِ الإنسان مِمَّ خُلِقَ}، قد لهفت نفسه سر المعرفة للحق في تكوينه، قال تعالى: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ }. 

فتكون أول معرفته النظر في أنه مخلوق، فتتفتح آفاق التفكير العميق عند المؤمن لتصل إلى كنه غايته الأساسية في المعرفة، قال تعالى في محكم كتابه المبين في سورة الحجر:﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ ﴾

تبارك الله خالق الإعجاز محير العقول، غير محتاج إلى مخلوقاته مخبرهم سر خلقهم بمراحله الأولى، قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة المؤمنون:{﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾.

وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام): والعجب من مخلوق يزعم أن الله يخفى على عباده وهو يرى أثر الصنع في نفسه بتركيب يبهر عقله، وتأليف يبطل حجته، ولعمري لو تفكروا في هذه الأمور العظام لعاينوا من أمر التركيب البين، ولطف التدبير الظاهر، ووجود الأشياء مخلوقة بعد أن لم تكن، ثم تحولها من طبيعة إلى طبيعة، وصنيعة بعد صنيعة، ما يدلهم على الصانع.

عن وصول طريق معرفته إلى مرحلة الإعجاز الإلهيّ في وصف الدقيق لمراحل خلق الإنسان، قال تعالى في محكم كتابه المبين في سورة غافر: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾

وقال تعالى في سورة النحل: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾

فتبقى الغاية هي كمال المعرفة للحق، يصدح في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، لتخرجنا من الباطل إلى الحق فمدرستهم منهاج الله، فهم أهل بيت النبوة وموضع الرسالة وكلامهم كلام الله، روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: أيها المخلوق السوي، والمنشأ المرعي، في ظلمات الأرحام ومضاعفات الأستار، بدأت من سلالة من طين… ثم أخرجت من مقرك إلى دار لم تشهدها، ولم تعرف سبل منافعها، فمن هداك لاجترار الغذاء من ثدي أمك، وعرفك عند الحاجة مواضع طلبك وإرادتك؟!.  

ثم يكونوا حصن الله في المعرفة والتوضيح ليرتقي المؤمن إلى أعلى مراتب العلم من كتاب الله الناطق فتطمئن نفسه أنه على صراط الله المستقيم.

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (وأنت أمرتني بالطاعة فأطعت سيدي جهدي، وان كنت توانيت أو أخطأت أو نسيت فتفضل علي سيدي، ولا تقطع رجائي).

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الكهف: ﴿ إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ﴾.

المؤمن يلحظ فضائل ونورانية هذا الشهر فيستغل وقته في البحث عن أفضل العبادة، وأفضل أماكنها، وأي الطرق أسرع في الهروب من الفتنة، والخطأ الذي يوجب له العقاب، فيتفكر في هؤلاء الفتية الذين هربوا وضجوا إلى الله.

روي عن الإمام  الصادق عليه السلام: إن أصحاب الكهف والرقيم كانوا في زمن ملك جبار عات، وكان يدعو أهل مملكته إلى عبادة الأصنام، فمن لم يجبه قتله، وكان هؤلاء  قوما مؤمنين يعبدون الله عز وجل، ووكل الملك بباب المدينة حرسا ولم يدع أحدا يخرج حتى يسجد للأصنام، وخرج هؤلاء بعلة الصيد، وذلك أنهم مروا براع في طريقهم فدعوه إلى أمرهم فلم يجبهم، وكان مع الراعي كلب فأجابهم الكلب وخرج معهم، فقال الصادق عليه السلام: فلا يدخل  الجنة من البهائم إلا ثلاثة: حمار بلعم  بن باعوراء، و ذئب يوسف، وكلب أصحاب الكهف.

فهروبهم من السجود لغير الله كانت لهم نجاة إلى طريق عبادة الله.

فخرج أصحاب الكهف من المدينة بعلة الصيد هربا من دين ذلك الملك، فلما أمسوا دخلوا ذلك الكهف والكلب معهم، فألقى الله عليهم النعاس كما قال تبارك وتعالى:

” فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا ” فناموا حتى أهلك الله ذلك الملك وأهل مملكته وذهب ذلك الزمان وجاء زمان آخر وقوم آخرون ثم انتبهوا، فقال بعضهم لبعض: كم نمنا ههنا؟ فنظروا إلى الشمس قد ارتفعت فقالوا: نمنا يوما أو بعض يوم.

إن بإخلاصهم لله في العبادة جعلهم الله آية للأمم الآتية وأعطاهم أجرا عظيما، روي عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام وذكر أصحاب الكهف فقال عليه السلام: لو كلفكم قومكم ما كلفهم قومهم فافعلوا فعلهم، فقيل له: وما كلفهم قومهم؟

قال: كلفوهم الشرك بالله فأظهروه لهم، وأسروا الايمان حتى جاءهم الفرج. 

وقال عليه السلام: إن أصحاب الكهف كذبوا فآجرهم وصدقوا فآجرهم الله.  

وقال عليه السلام: كانوا صيارفة كلام، ولم يكونوا صيارفة الدراهم. 

وقال: خرج أصحاب الكهف على غير ميعاد، فلما صاروا في الصحراء أخذ هذا على هذا وهذا على هذا العهد والميثاق، ثم قال: أظهروا أمركم فأظهروه فإذا هم على أمر واحد. 

وقال: إن أصحاب الكهف أسروا الايمان وأظهروا الكفر، فكانوا على إظهارهم الكفر أعظم أجرا منهم على إسرارهم الايمان. 

وقال: ما بلغت تقية أحد ما بلغت تقية أصحاب الكهف وإن كانوا ليشدون الزنانير، ويشهدون الأعياد، فأعطاهم الله أجرهم مرتين.

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (وامنن علي بالجنة، واجمع بيني وبين نبي الرحمة، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله، واغفر لي إنك أنت التواب الرحيم).

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة النساء:  {وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفَى باللهِ عَلِيمًا}.

المؤمن الراحل في هذا الشهر الكريم إلى طاعة الله شاكرا على نور الهداية العظمى .

روي عن الإمام جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: رأس طاعة الله الرضا بما صنع الله فيما أحب العبد وفيما كره، ولم يصنع الله (تعالى) بعبد شيئا إلا وهو خير له.

رجاء الجنة هو معرفة المؤمن صراط الحق، روي عن أصبغ بن نباتة الحنظلي قال: رأيت أمير المؤمنين عليه السلام يوم افتتح البصرة وركب بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال: أيها الناس ألا أخبركم بخير الخلق يوم يجمعهم الله؟

فقام إليه أبو أيوب الأنصاري فقال: بلى يا أمير المؤمنين حدثنا فإنك كنت تشهد ونغيب.

 فقال: إن خير الخلق يوم يجمعهم الله سبعة من ولد عبد المطلب لا ينكر فضلهم إلا كافر ولا يجحد به إلا جاحد. 

فقام عمار بن ياسر – رحمه الله – فقال: يا أمير المؤمنين ! سمهم لنا لنعرفهم .

فقال: إن خير الخلق يوم يجمعهم الله الرسل وإن أفضل الرسل محمد صلى الله عليه وآله وإن أفضل كل أمة بعد نبيها وصي نبيها حتى يدركه نبي، ألا وإن أفضل الأوصياء وصي محمد عليه وآله السلام، ألا وإن أفضل الخلق بعد الأوصياء الشهداء، ألا وإن أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب، وجعفر بن أبي طالب له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنة، لم ينحل أحد من هذه الأمة جناحان غيره، شئ كرم الله به محمدا صلى الله عليه وآله وشرفه والسبطان الحسن والحسين والمهدي عليهم السلام، يجعله الله من شاء منا أهل البيت، ثم تلا هذه الآية ” ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا * ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما” .

يعلم المؤمن أن خلاص أموره ولايته لأهل البيت عليهم السلام ليكون مع النبي صلى‌ الله‌ عليه ‌وآله‌ وسلم في الجنة، فينطق اللسان بدعاء الرجاء: اللهم اجعلنا من المتمسكين بولايتهم.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

معنى الياء في الرحيم

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

اللَّهُمَّ رَبَّ شَهرِ رَمَضانَ، مُنَزِّلَ القُرآنَ، هذا شَهرُ رَمَضانَ الَّذي أنزَلتَ فيهِ القُرآنَ وأنزَلتَ فيهِ آياتٍ بَيِّناتٍ مِنَ الهُدى والفُرقانِ. اللَّهُمَّ ارزُقنا صيامَهُ، وَأعِنّا عَلى قيامِهِ.(*)

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد.

جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام : <<“ي” يد الله فوق خلقه باسطة بالرزق ، سبحانه و تعالى عما يشركون>>(1)

من المقالات السابقة عرفنا أن رزقه سبحانه لجميع خلقه و لكن الإمام في آخر كلامه يقول سبحانه و تعالى عما يشركون فمن هم ؟؟

قال رب العزة في كتابه المجيد{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ}(2).

ينسبون لربِّ العزةِ و الجلالة البخل و هذا موجود عند بعض الناس الذين لا يتحملون بعض الامتحانات التي يبتلي بها الله عباده ، هذه مسألة قلبية بين العبد و ربه، فالحذر من نزول اللعنات ، لقوله في آية السابقة: {وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا}.

و ما سبب جرأتهم على ربِّ العزة ؟!

 يتضح مما سبق: ضعف النفوس و سببه ما جاء في الآيات التي سبقت هذه الآية حيث قال تعالى: {وَتَرَىٰ كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }.(3)

و من المعلوم أكل السحت يهدم دولٌ و ممالك، لأنه لا يبقي للأخلاق شيء، بل و أكثر من ذلك في لسان الآية التي قبل هذه الآية حيث قال الله تعالى : {وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَد دَّخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ ۚ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ} (4)وصريح الآية يفصح أنهم يخرجون عن ملتهم و شريعتهم.

لأن هذا النظام الإلهي مبني على أركان تقوّم البشر، وذلك لارتباط كل ركن بالآخر، منها الركن الأخلاقي: هو عدم الاعتداء و عدم أكل الحرام يقوّم اعتقادنا بالله و برسالته من نبوة و إمامة و بالآخرة، و هنا إن قول الباطل على الله هو المسبب للعنات: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ } حيث سبب أكل الحرام ذلك .

أما الأركان الأخرى فهي في مقابل ترك المحرم ، و هي العمل بالواجب، مثلا : {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ} (5) فالصلاة تقوّم تلك الأركان بل ربِّ العزة يقول ويقسم بالأمر أنه أكبر من ذلك، يعني ليست تقوّم فقط ، بل ترفع المجتمعات و دول و ممالك إلى العيش الكريم حيث تنهى عن الفحشاء والمنكر، و هذا من الجانب الاقتصادي والاجتماعي والروحي الفردظي والجماعي، إلى حيث أن يكتمل النظام الإلهي في الأرض من كل الجوانب .

و نحن البشر جميعا ننتظر هذا النظام آلاف السنين بخروج المخلص عجل الله فرجه الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما جاء في كتاب غيبة الشيخ الطوسي: بهذا الإسناد، عن الحسن بن الحسين، عن تليد، عن أبي الحجاف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أبشروا بالمهدي قالها ثلاثا يخرج على حين اختلاف من الناس وزلزال شديد يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا يملأ قلوب عباده عبادة ويسعهم عدله.

فهو و أهل بيت نبوة عليهم السلام يد الله و قل أعلى مصداق ليد الله:

– قال الله تعالى لنبيه{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}.(6)

– حدثنا أحمد بن محمد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن محمد بن حمران عن أسود بن سعيد قال كنت عند أبي جعفر عليه السلام فأنشأ يقول ابتداء من غير أن يسأل : نحن حجة الله ، ونحن باب الله، ونحن لسان الله، ونحن وجه الله، ونحن عين الله في خلقه، ونحن ولاة أمر الله في عباده.

– حدثنا أحمد بن الحسين قال أخبرنا أحمد بن بشر قال حدثنا حسان الجمال قال حدثنا هاشم بن أبي عمار قال سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: أنا عين الله وأنا يد الله وأنا جنب الله وأنا باب الله.

– أحمد بن موسى عن الحسن بن موسى الخشاب عن علي بن حسان عن عبد الرحمن بن كثير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : نحن ولاة أمر الله، وخزنة علم الله، وعيبة وحى الله، وأهل دين الله، وعلينا نزل كتاب الله، وبنا عبد الله ، ولولانا ما عرف الله، ونحن ورثة نبي الله وعترته.

– حدثنا محمد بن عبد الجبار عن البرقي عن فضالة بن أيوب عن عبد الله بن أبي يعفور قال قال لي أبو عبد الله عليه السلام: يا ابن أبي يعفور إن الله تبارك وتعالى واحد متوحد بالوحدانية، متفرد بأمره، فخلق خلقا ففردهم لذلك الأمر، فنحن هم يا بن أبي يعفور، فنحن حجج الله في عباده، وشهداؤه في خلقه، وأمنائه وخزانه على علمه، والداعون إلى سبيله ، و القائمون بذلك، فمن أطاعنا فقد أطاع الله.(7)

——————————————

– *- السيد ابن طاووس – إقبال الأعمال -ج 1- الصفحة 78.

– 1- الجزائري/نور البراهين2 /ص8،9،10،11.

– 2- المائدة64

– 3 – المائدة62

– 4 – المائدة61

– 5 – العنكبوت 45

– 6 – الفتح 10

– 7 – الصفار – بصائر الدرجات- ص81

شرح دعاء الليلة الثالثة عشر

بسم الله الرحمن الرحيم 

دعاء الليلة الثالثة عشر

يا جبار السماوات والأرضين، ومن له ملكوت السماوات و الأرضين، غفار الذنوب، الغفور الرحيم،السميع العليم، العزيز الحكيم، الصمد الفرد الذي لا شبيه لك، أنت العلي الأعلى العزيز القادر، أنت التواب الرحيم، أسألك أن تصلي على محمد وآله، وأن تغفر لي وترحمني، إنك أنت أرحم الراحمين. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين. 

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(يا جبار السماوات والأرضين، ومن له ملكوت السماوات و الأرضين). 

قال تعالى في محكم كتابه المبين في سورة الحج:{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۗ إِنَّ ذَٰلِكَ فِي كِتَابٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ }.

وقال عز ذكره في سورة التغابن:{يَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ۚ وَٱللَّهُ عَلِيمٌۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ}.

إن تعامل المؤمن مع الله تعالى معاملة العبد المتيقن أنه عالمٌ بالسر والجهر والغيب والشهادة وأنه عز وجل لا تخفى عليه خافية في السموات والأرض، فيطمئن قلبه في  الإجلال والتعظيم له تبارك الله العزيز القدير.

روي ، عن الحسين بن بشار عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام قال: سألته أيعلم الله الشئ الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون أولا يعلم إلا ما يكون؟ فقال عليه السلام: إن الله تعالى هو العالم بالأشياء قبل كون الأشياء قال عز وجل: ” إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ” وقال لأهل النار: ” ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ” فقد علم عز وجل أنه لو ردهم لعادوا لما نهوا عنه، وقال للملائكة لما قالوا: ” أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم مالا تعلمون ” فلم يزل الله عز وجل علمه سابقا للأشياء، قديما قبل أن يخلقها، فتبارك ربنا وتعالى علوا كبيرا، خلق الأشياء وعلمه بها سابق لها كما شاء، كذلك لم يزل ربنا عليما سميعا بصيرا.

المؤمن يحلل عقدة لسانه في أعذب كلام يملأ قلبه يقينا بنسمات التوحيد ومن كلام سيد الموحدين أمير المؤمنين عليه السلام قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بَطَنَ خَفِيَّاتِ الْأَمُوُرِ وَدَلَّتْ عَلَيْهِ أَعْلَامُ الظُّهُورِ وَامْتَنَعَ عَلَى عَيْنِ الْبَصِيرِ فَلَا عَيْنُ مَنْ لَمْ يَرَهُ تُنْكِرُهُ وَلَا قَلْبُ مَنْ أَثْبَتَهُ يُبْصِرُهُ سَبَقَ فِي الْعُلُوِّ فَلَا شَيْ‏ءَ أَعْلَى مِنْهُ وَقَرُبَ فِي الدُّنُوِّ فَلَا شَيْ‏ءَ أَقْرَبُ مِنْهُ فَلَا اسْتِعْلَاؤُهُ بَاعَدَهُ عَنْ شَيْ‏ءٍ مِنْ خَلْقِهِ وَلَا قُرْبُهُ سَاوَاهُمْ فِي الْمَكَانِ بِهِ لَمْ يُطْلِعِ الْعُقُولَ عَلَى تَحْدِيدِ صِفَتِهِ وَلَمْ يَحْجُبْهَا عَنْ وَاجِبِ مَعْرِفَتِهِ فَهُوَ الَّذِي تَشْهَدُ لَهُ أَعْلَامُ الْوُجُودِ عَلَى إِقْرَارِ قَلْبِ ذِي الْجُحُودِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُهُ الْمُشَبِّهُونَ بِهِ وَالْجَاحِدُونَ لَهُ عُلُوّاً كَبِيراً .

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(غفار الذنوب، الغفور الرحيم،السميع العليم، العزيز الحكيم، الصمد الفرد الذي لا شبيه لك).

إن للذنوب آثار سيئة تنعكس على الإنسان فتكون النتيجة ضرراً ومآسي وشقاء عليه، متحولة إلى سموما مهلكة له، معرضة أياه إلى الأخطار والمهالك، وقد أشار الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز حيث قال في سورة الأنعام: ﴿أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ﴾.

وروي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال: عجبت لمن يحتمي من الطعام مخافة الدّاء، كيف لا يحتمي من الذنوب مخافة النار؟!.

عند معرفة المؤمن غوائل الذنوب، وأضرارها المادية والروحية الجسمية وفداحتها وسوء آثارها على الإنسان.

روي عن الإمام الباقر عليه السلام قال: إن العبد يسأل اللّه الحاجة، فيكون من شأنه قضاؤها الى أجل قريب أو الى وقت بطيء، فيذنب العبد ذنباً، فيقول اللّه تبارك وتعالى للملك: لا تقضِ حاجته، واحرمه إياها، فانه تعرّض لسخطي، واستوجب الحرمان مني.

ونحن في ظل جائحة ألمت على أهل الأرض حيرت العقول قد تكون لذنوب ارتكبوها فأغضبت العزيز الجبار.

وروي عن الإمام الرضا عليه السلام قال :كلّما أحدث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعلمون، أحدث اللّه لهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون.

وعن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام قال: توقوا الذنوب، فما من بلية، ولا نقص رزق، إلا بذنب، حتى الخدش، والكبوة، والمصيبة، قال اللّه عز وجل: وما أصابكم من مصيبة، فبما كسبت أيديكم، ويعفو عن كثير.

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(أنت العلي الأعلى العزيز القادر، أنت التواب الرحيم، أسألك أن تصلي على محمد وآله، وأن تغفر لي وترحمني، إنك أنت أرحم الراحمين). 

وعند معرفة غوائل الذنوب، وأضرارها المادية والروحية، والجسمية في فداحتها، وسوء آثارها على الإنسان، يجب البحث والمبادرة إلى تطهير هذه الروح و معالجة النفس من الآثار التي أوجدتها، بيقظة الضمير وشعوره بالأسى والندم على معصية الله ، فتكون بابا لوصوله إلى الإنابة إلى الله عز وجل ، والعزم الصادق على طاعته، لتصفية النفس من الذنوب فتتحقق التوبة.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في الزمر: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾.

وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ليس شيء أحب الى اللّه من مؤمن تائب، أو مؤمنة تائبة. 

وروي عن أبي عبد اللّه أو عن ابي جعفر عليهما السلام قال: “إن آدم قال: يا رب سلّطت عليّ الشيطان وأجريته مجرى الدم مني فاجعل لي شيئاً. 

فقال: يا آدم جعلتُ لك أن من همّ من ذريتك بسيئة لم يكتب عليه شيء، فإن عملها كتبت عليه سيئة، ومن همّ منهم بحسنة فإن لم يعملها كتبت له حسنة، فإن هو عملها كتبت له عشراً. 

قال: يا رب زدني. 

قال: جعلت لك أن من عمل منهم سيئة ثم استغفرني غفرت له. 

قال: يا رب زدني. 

قال: جعلت لهم التوبة حتى يبلغ النفس هذه. 

قال: يا رب حسبي.

وروي عن محمد بن مسلم قال: قال الباقر عليه السلام: “يا محمد بن مسلم ذنوب المؤمن إذا تاب عنها مغفورة له، فليعمل المؤمن لما يستأنف بعد التوبة والمغفرة، أما واللّه إنها ليست إلا لأهل الإيمان. 

قلت: فإن عاد بعد التوبة والاستغفار في الذنوب؟ وعاد في التوبة؟

فقال عليه السلام: يا محمد بن مسلم أترى العبد المؤمن يندم على ذنبه ويستغفر اللّه تعالى منه ويتوب ثم لا يقبل اللّه توبته؟!! 

قلت: فانه فعل ذلك مراراً، يذنب ثم يتوب ويستغفر.

فقال عليه السلام: كلّما عاد المؤمن بالاستغفار والتوبة، عاد اللّه عليه بالمغفرة، وإنّ اللّه غفور رحيم، يقبل التوبة، ويعفو عن السيئات، فإيّاك أن تُقنّط المؤمنين من رحمة اللّه تعالى.

فضائل التوبة ومآثر التائبين، وما حباهم اللّه به من كريم العفو، وجزيل الأجر، وسمو العناية واللطف، في هذا الشهر المبارك فيجتهدون بأعمالهم وقيامهم ليكونوا قد جمعوا خصالا.

 يروى عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أعطيت أمتي خمس خصال في شهر رمضان لم يعطهن أمة نبي قبلي. أما واحدة فإنه إذا كان أول ليلة من شهر رمضان نظر الله عز وجل إليهم ومن نظر الله إليه لم يعذبه .

والثانية : خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله من ريح المسك . 

والثالثة : يستغفر لهم الملائكة في كل يوم وليلة .

والرابعة : يقول الله عز وجل لجنته : تزيني واستعدي لعبادي يوشك أن يستريحوا من نصب الدنيا وأذاها ويصيروا إلى دار كرامتي . 

والخامسة : إذا كان آخر ليلة من شهر رمضان غفر الله عز وجل لهم جميعا .

فقال رجل: يارسول الله أهي ليلة القدر؟

قال:لا أما ترون العمال إذا عملوا كيف يؤتون أجورهم ؟!

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.