التوافق في تأليف القضايا العرفية

بسم الله الرحمان الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين

قد مر سابقا بأن القضايا العرفية لو دخلت في أشكال القياس لكان الحد الأوسط متفاوتا في مصداقه في عالم الإثبات، وفي هذه الحالة سنحتاج للتنسيق الإسنادي والحملي على ما يصدق عليه الدليل للوصول للهيئة المقيدة.
فلو أطلقنا العنان بلا تقييد وتركنا المفاهيم على عمومياتها لتداخلت وتعارضت حتما بكيفية قد يمتنع معها التوفيق والتنسيق حيث سيتحول الأمر من حالات التوفيق والجمع لحالات الامتناع والضد حيث ستختلف مصاديق الحد الأوسط ونفقد الاتصال بين القضيتين إما موضوعا أو حملا ..
مثلا :
الصورة الأولى :
لو قلنا بحسب الأدلة الواردة عن أهل البيت عليهم السلام بجواز غيبة الأب لإبنه وفي دليل آخر حرمة الغيبة لجمعناهما بكونهما حكمين مختلفين وحكم غيبة الأب أخص وأظهر من الحكم العام، ولكن لو فرضنا الجمع بين الحكمين فهل يتصور الحكم بالكراهة بناتج الجمع بين النهي والترخيص ؟ سياتي ذلك في الأحكام .. ولكن الذي يعنينا أنه لا شيء يجمع الموضوعين غير حمل الغيبة عموما تارة وخصوصا أخرى، ومن هذه الجهة نجد لو قلنا بالكراهة لعارضنا رواية التجويز والترخيص.
الصورة الثانية :
لو رجعنا لدليل تجويز الغيبة للفاسق عن أهل البيت عليهم السلام وحملناها على الترخيص بمفهوم الفاسق العام ، فالمعنى متفاوت حتى لغير الفاسق عرفا حيث سيشمل الغير محتشمين لقلة مروءتهم وحالق اللحية لرفض شهادته عند البعض وهكذا سيتناول مصداق الغيبة بهذا المفهوم أفرادا كثيرة قد نهتنا الأدلة وحرمت اغتيابها ..
فالتنسيق والترتيب في الاتصال بين معاني المفاهيم لتتلاقى في المصاديق الخارجية مطلوب كي لا تتغير القضايا بتغير الحدود الوسطى فتفقد هيئتها الاتصالية التي تؤلف بين موضوع الأولى ومحمول الثانية أو العكس بالعلة التي يصنعها هذا الاتصال.
لذلك مراعاة جانب الصدق في المصداق مطلوب لتحقق الظهور بالقدر المتيقن الصالح للاحتجاج وتأليف الحجج بالجمع العرفي بين الأدلة.
لو نظرنا إلى الضد في الوجه المسكوت عنه بين القضيتين فلا يعتبر ذلك مسقطا لحجيتهما بهذا التعارض وإنما قد ينفصلان كما في الصورة الأولى فتكون الأولى عامة والثانية خارجة تخصيصا لها حكمها المستقل بها ، أو كما في الصورة الثانية حيث يجمع الحكم في الظهور بالقدر المتيقن فيه الحكم من المصاديق الخارجية..

أما لو انقطع هذا الاتصال ستصبح القضيتان غريبتين عن بعضهما البعص باعتبار عدم اتحاد الموضوع أو تغير الأدلة ، كما في الأدلة : بأن في الجنة خمرا محللا وفي جانب آخر من الأدلة  بحرمته في الدنيا فلا يجتمع ذلك بكراهته وليست حليته في الجنة حجية كافية لتناوله في الدنيا لأن الدليل لم يتناول ذلك أبدا، وكل دليل مستقل بمصداقه ..
والحمد لله رب العالمين
عباس العصفور
النجف الأشرف

المسكوت عنه !

بسم الله الرحمان الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين

كثيرا ما يلجأ العلماء في بحث جزئيات القضايا العلمية في مسائل تبحث في أسئلة المسكوت عنه، وغير المبحوث فيه، وما شابه ذلك جملة وتفصيلا..
فالقضايا الحاوية لحمل موضوع بإسناده أو علته تحت سياق ما ستكون عامة من جهة و خاصة من جهة أخرى بحسب السياق الحملي من حيث اختصاص الموضوع بما يميزه من جهة واندراجه تحت كلي أو عام من جهة أخرى ..
مثلا : الإنسان ماشي ..
فاختيار الإنسان من بين ما يمشي من فرس وفيل وزرافة وغيرها له خصوصية تمنع غير الإنسان من الماشين في الاندراج بنفس المحمول في فحوى هذا الخطاب، كما وأن هناك خصوصية له في إرادة المتكلم، فمن جهة أخرى هناك عام يحويه ويجعله مع الباقين، ولكن ذلك ليس مذكورا في الخطاب ..
لأن مدلول اللفظ لا يبحث سوى الإنسان وإسناد المشي له فلا دخل لغير ذلك، ولا نزج أي استدلال آخر لم تتناوله الدلالة في هذا التأليف اللفظي ..
فلو حملنا جميع الماشين في محمول المشي فلن نجد للخصوصية أي سبيل في أي تمييز يقصده المتكلم ولا يمكن للعالم إفراد أي حكم ومورد يختص بالإنسان من جهة كونه ماشيا ، والحكم الجامع لكل أفراد هذه الصفة، أو ما هو كلي ، يختلف عن مدلول الفرد وإسناده للعام منفردا.
كل هذا يأتي في سياق الإثبات، والعمل بالمدلول ثبوتا، ففي طريقية الدلالة ألف المستدل كل ما يحتاجه لحفظ هذا التمييز بين الأفراد في العام على نحو كلي.
أما في القضايا الجزئية فهناك أجزاء أخرى مسكوت عنها وذلك لكون القدر المتيقن هو هذا الجزء والباقي خارج عن ذلك الحكم، إما للمغايرة أو للمجهولية ، فيسعى الباحث لإثبات حكم خاص لهذا المجهول عبر البحث في الأدلة، وهذا طبيعي ولا غبار عليه.
ولكن المنهج التشكيكي والنقضي اذا ما فكك هذه الأواصر فقد يتحول لعدة صور مختلفة :
* صورة تشويش الهيئة اللفظية التي تقيد المادة وتضيع أسباب التأليف بالكيفية التي ركب اللفظ لأجله .،
* مصادرة دلالات الإثبات وخصوصيات المعاني التي ساقت الأحكام إلى نتائجها بحسب المعنى المقيد .
* ضياع النسبة الكمية المتيقنة فيما تألف بين الموضوع والمحمول .

لذلك رفض كثير من العلماء حالة تغيير الهيئة التركيبية في القضايا.
وهناك من يحول القضايا البسيطة إلى مركبة باحثا عن الإمكان لكسر اليقينيات وجعلها إما مطلقة كما مر أو ممكنة أو مقيدة بظرف ليفتح موضوعا آخر قد خلق منه فسحة مسكوتا عنها، وهذا قد يتبعه المنهج العلمي الباحث في الظرف والإمكانات.
أما أن يتبع التفكيكيون والمشككون والنقضيون طريقا لجعل هذا المسكوت عنه المجهول النتيجة عامل نقض للثابت علميا بعد ثبوته فذلك ما يرفضه العلماء عادة .
فالقضايا المذكورة والثابتة والواضحة طريقها الإثبات عبر الدلالات بحسب حدودها وتأليفها الخاص وما كان دون ذلك أو مغايرا له فهو إضافي ولا يناقش إلا بالمعنى الإضافي، فنا ثبت بالدليل ثابت وما امتنع فهو ممتنع كمعنى إضافي ولا يمكن مصادرة الثابت يقينا به.
فالمعنى الكلي في القضايا الكلية لا ينقض بالمسكوت عنه لأنه تناول المعنى الكلي بتمامه وثبت بالأدلة، فلا يناقش إلا في أدلة الإثبات دون إضافة المعاني الإضافية أو تركيبه بما يزيد على معناه وضعا.
أما المعنى الجزئي فالمتناول هو الثبوت بنفس الكم في التأليف بين الموضوع والمحمول وماهو مسكوت عنه في الجزئي الآخر عبر التبعيض والبعض الآخر فلم يتناوله الدليل ليكون ناقضا للبعض المتيقن بل حكمه أجنبي عن مقام الجزئية، لذلك فمن الطبيعي أننا إن أخذنا الجزئية في النتائج العلمية مأخذ الكلية فتكذب النتيجة حتما ، ولو نقضوا بهذه الطريقة لعد ذلك تلاعبا لا نقضا علميا .
فالمسكوت عنه في كل الحالات غير مأخوذ في الإعتبار فكيف يصلح لنقض المعلومات عند اللاأدريين، فالأمر ليس فيه حيرة بقدر مافيه من سوء تطبيق الأقيسة ونتائجها المتبعة علميا ولا تبرير ذلك وتفسيره بأي حال..
فالإنسان الذي خصه الله بالضحك نظرا لكونه عاقلا يتعجب فيضحك لا يمكن مقارنته بالحيوانات التي تقلب عضلات وجهها لتبدوا في هيئة الضاحك لأنها لا تعقل فتتعجب .. والإنسان الماشي على رجلين لا يمكن مساواته بالحيوانات الماشية على أربع في صفة المشي إن كنا نبحث في خصوصيات الإنسان وهيئته الخاصة..

والحمد لله رب العالمين
عباس العصفور
النجف الأشرف

الموضوعية

بسم الله الرحمن الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

{وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا}

حين يتحدث القرآن الكريم عن النصارى لايجمعهم في فئة واحدة ، بل يصنفهم لينصفهم

{وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ}
{ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ } – سورة آل عمران

* وهو درس جميل رائع للجميع ألا يعتمدوا التنميط و التعميم في حكمهم على الأشخاص و الجماعات ، فقد نزلت الآية المباركة وغيرها من الآيات في فترة يعي المسلمون فيها صراعاً فكرياً مع النصارى ،  إلا أن القرآن الكريم ،و هو الحق في كل آياته ، يذكر الصفات الإيجابية لدى النصارى ،و من هذه الآيات :

{ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ}
(٨٢) سورة المائدة

{لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣)يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٤)وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ }(١١٥)
سورة آل عمران

{وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } (١٩٩) سورة النساء

* أن تحري الدقه في الحديث عن الأخرين مبدأ إسلامي وأخلاقي مهم جداً .

                      … الميرزا الشيخ حسين النعيمي
| ٧ ربيع الأول ١٤٣٨هــ |
٧ ديسمبر ٢٠١٦

                             [ولله ولي التوفيق ]

سيدُ الأخلاق

بسم الله الرحمن الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

{ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ }
صدق الله العلي العظيم

من الصعب جداً إدراك حقيقة مقامات النبي المصطفى محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعظمته، ومكانته، ومن يريد أن يتحدث عن أعظم شخصيةٍ وأن يدرك حقيقة الإنسان الأول في عالم الوجود على الإطلاق كمن يحاول أن يكيل البحر بقدح، كمن يحاول إدخال الشمس في كوّة البيت .

فالحديثُ عن مقامات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حديثٌ كبير وخطير وعظيم جداً.

كيف لا يكون كذلك وهو الشخصية العظمى التي وصفها الجليل جلَّ وعلا في كتابه المجيد قائلاً:

( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) سورة الأنبياء، آية 107.
ومن خصوصيات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومقاماته العظيمة، أنه ( صاحب الخُلُق العظيم )  أختُص به (صلى الله عليه وآله) وخصهُ اللهُ تبارك وتعالى بها في كتابه الكريم قائِلاً: { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } سورة القلم، آية 4.
لقد أكد القرآن الكريم واهتمّ بمكارم الأخلاق وذم مساوئها في سوره وآياته المؤكدة حيث بلغت مجموع الآيات التي تحدثت عن الأخلاق بالتصريح أو بالإشارة، أمراً أو نهياً، ما يقرب ربع العدد الإجمالي لآيات القرآن الكريم.

ولعل السر في عناية القرآن المجيد بهذا العنصر المهم هو ما ذكره الله سبحانه في قوله:

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ سورة آل عمران، آية 159.

وهكذا كانت حياة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) متصفةً بأهم أصول وقواعد هذا الدين القيم المبارك، وهكذا كانت حياته مع الناس.

ومن هنا يتضح أهمية ما أثنى به الجليل سبحانه وتعالى على سيد الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث قال: { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } سورة القلم، آية 4.

والخلق العظيم هو: (( الخُلُق الأكرم في نوع الأخلاق، وهو البالغ أشدّ الكمال المحمود في طبع الإنسان .. فهو أرفع من مطلق الخُلُق الحسن )). التحرير والتنوير المعروف بتفسير ابن عاشور التونسي، تأليف الإمام الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور التونسي، ج29، ص60.

وقال الرازي في التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب في الجزء 29، ص71: ( لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) وكلمة (على) للإستعلاء، فدلّ اللفظ على أنه مستعلٍ على هذه الأخلاق ومستولٍ عليها، وإنه بالنسبة لهذه الأخلاق الجميلة كالمولى بالنسبة إلى العبد، وكالأمير بالنسبة إلى المأمور.
ولقد تكرر مثل هذا الإسلوب الإستعلائي في كلام الله سبحانه وتعالى في مقامات مختلفة، حيث قال في حق نبيه المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم): { إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدًى مُّسْتَقِيمٍ } سورة الحج، آية 67. وقال: { فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۖ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ } سورة النمل، آية 79.

لذا قيل في وصف خلقه (صلى الله عليه وآله): (( ويعجز كل قلم ويعجز كل تصوّر عن وصف قيمة هذه الكلمة العظيمة من رب الوجود، وهي شهادة من الله، في ميزان الله، لعبد الله، يقول له فيها:

{ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } ومدلول الخُلُق العظيم، هو ما هو عند الله مما لا يبلغ إلى إدراك مداه أحد من العالمين !. ))
لقد وصف القرآن الكريم النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) بالخلق العظيم ولم يصف باقي الأنبياء (عليهم السلام) بهذا الوصف، وهذا يعني أن عظمة الأخلاق لم يقر القرآن المجيد بها لأحد من المخلوقات بما فيها الأنبياء والرسل إلا النبي الأكرم محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله)، حيث قال: { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ }.

نعم لقد وصف القرآن الكريم باقي الأنبياء بصفات عديدة مثل:

– النبي نوح (عليه السلام) وصف بالعبد الشكور، في قوله تعالى: { ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا } سورة الإسراء، آية 3.
– النبي إبراهيم (عليه السلام) وصف بالحلم، في قوله تعالى: { وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ۚ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ } سورة التوبة، آية 114.
– النبي يحيى (عليه السلام) وصفه الله تعالى بالسيد الحصور، في قوله تعالى: { أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ }. سورة آل عمران، آية 39.

وغير ذلك من الصفات المذكورة للأنبياء (عليهم السلام) في القرآن الكريم، أما وصف جميع الصفات والكمالات الخلقية والنفسية والروحية والتي اجتمعت في شخص واحد لم يصف القرآن فيها أحداً إلا إثنين – كما ذكره المحقق آية الله اشيخ محمد السند (دام ظله الشريف) في كتابه مقامات النبي والنبوة – وهما النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وخليفته الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه أفضل الصلاة والسلام) كما في قوله تعالى: { وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ } سورة آل عمران، آية 61.

ولما جعل الله تبارك وتعالى نبيه المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذه الصفة { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ }، أرسله ليتمم مكارم الأخلاق كما قال (صلى الله عليه وآله): ( بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ). بحار الأنوار للمجلسي، ج16، ص210.

وإن كان الأنبياء السابقون قد أسسوا ورسموا مكارم الأخلاق لنا فقد تممها النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله).

فإذا نظرت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) من خلال مرآة شفافة صافية وهي نفس القرآن الكريم أو من خلال مدرسة أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام) فسوف ترى الصورة الجميلة عن سيد الأنبياء (صلى الله عليه وآله) وأنها أكمل صورة إنسانية إبتدعها الله سبحانه وتعالى في خلقه.
ومن روائع ما وصفَ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) به النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، قوله: ( كان أجود الناسِ كفاً، وأجرأ الناسِ صدراً، وأصدقُ الناس لهجةً، وأوفاهم ذمّةً، وألينهم عريكةً، وأكرمهم عشرةً، من رآه بديهة هابه، ومن خالطهُ معرفةً أحبّه، لم أرَ قبلهُ ولا بعدهُ مثله ). مكارم الأخلاق ص 17.
ومن نماذج تعامله وأخلاقه (صلى الله عليه وآله) ما ذكرته الكتب والروايات:

– كان (صلى الله عليه وآله) يجلس على الأرض. الآمالي للشيخ الطوسي ص393.

– ويأكل مع العبيد، ويسلم على الصبيان. الأمالي للصدوق المجلس السابع عشر، ح2، ص130.

– وكان يأكل أكلة العبد، ويجلس جلسة العبد. المحاسن ص456، باب 51، ح 386.

– مرت به امرأة بدوية وكان يأكل وهو جالس على الأرض، فقالت: يا محمد، والله إنك لتأكل أكل العبد، وتجلس جلوسه.، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ويحك أيُّ عبدٍ أعبد مني ؟. الكافي ج2، ص157.

– وكان يرقع ثوبه.

– ويحلب عنز أهله.

– ويجيب دعوة الحر والعبد.

– ويعود المرضى في أقصى المدينة.

– ويجالس الفقراء، ويأكل مع المساكين.

– وكان إذا صافحه أحدٌ لم يجر يده من يده حتى يتركها الآخر.

– ويجلس حيث ينتهي به المجلس.

– ولا يثبت بصره في وجه أحد.

– يغضبُ لربه ولا يغضبُ لنفسه. مناقب آل أبي طالب ص 146 – 147.
وإن مثل هذا الرسول العظيم يستطيع أن يقول: ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ).

وأنـى يتيسر شرح فضائله الأخلاقية، والله عز وجل يقول له: { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ }.
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، وبارك على محمد وآل محمد، كما صليتَ وباركتَ على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين.
خادم الآل

الميرزا زهير الخال

النجف الأشرف

الثلاثاء ١٣ ربيع الأول ١٤٣٨هـ.

الموافق ١٣ / ١٢ / ٢٠١٦م.

الشك العلمي وشك الجاهل

بسم الله الرحمان الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين ..

لا تكاد فكرة ما أو قضية ما تخلوا من جهات مسكوت عنها أو يتم البحث فيها بشكل علمي واضح وفق معطياتها ومدعاها، ولكن الجهة المتيقنة فيها يكون الحكم قد وصل للحقيقة واليقين الذي يطمئن له العقلاء وتسكن النفس، بل قد يقطع الإنسان بما لديه من معرفة تطابق معلومات القضية ونتائجها المستخرجة حسب الطرق العلمية المعتمدة..

ولكن!

قد تطرأ احتمالات متعددة تحتاج للتتبع والبحث والتنقيب للوصول للنتائج المعتمدة الجديدة التي قد تغير مسار بحث القضية ولو بوجه من الوجوه أو تغير فهمها ومعرفتها كليا، وهذه الاحتمالات التي يتوقف عندها الاستدلال الذي يقال فيه أنه الاحتمال الذي يبطل عنده الاستدلال، فهو يحتوي على حجج معترف بها ومثبتة للمعلومات والرؤى بحسب القانون الطبيعي للعلوم ومن زوايا معينة، فقد يكون الاحتمال من جهة مؤثرا ومعتبرا وفاعلا للشك والفضول لحل مسألة علمية ذات ثمرة علمية أو عملية، وهذا النوع من الشك يدركه العلماء ومن لديهم أوليات المعرفة وقدرات الاستنباط في مسائل العلوم ولا يمكن تسليط غير ذوي الاختصاص فيه وذلك لكون كل المعلومات المطروحة غائبة عن غير المختص فتكون جميعها ذات معنى مشكوك عند المتلقي حتى يبدأ بتجريبها وتقليبها بين معرفياته في عملية تلقي هاضمة قد تنجح في استقبال المعلومة أو قد تتعسر في هضم المتلقي فترتكز مشوهة.

فالعالم القادر على فهم الكبريات والصغريات والمدرك لهيئات ومواد القضايا وحدود التأليف والإسناد التي تنتج كميات وكيفيات لا يختلف عليها اثنان من العلماء، يدرك الشك في محال بناء القضايا ، ويعلم مظان التفكيك واللزوم ،والعلة والترتبيات، والتجريبيات التي يبحث هو في عللها بحسب المصاديق الخارجية… الخ، فهو يدرك أماكن الاحتمال والشك وفق معلوماته، وطريقية الإثبات والنقض واضحة عنده للوصول للنتائج المجهولة بخطوات معلومة وعلمية، ومن هنا يتبين له الأصل في الحقائق وغيره من المشكوكات التي قد يلتفت إليها أو لا يلتفت ، وكل ذلك يحتاج للعلم والقناعة واليقين لمعرفة الأصل والحقيقة للمحافظة عليها وتمييز المشكوك المبحوث في احتمالات يلتفت إليها.

وهناك من شك في كل شيء يطرح، وفي كل حقيقة، حيث المدعى أنه لا توجد حقيقة مطلقة لوجود شوائب الشك في كل معلومة علمية، وأنها معرضة لطروء الاحتمالات التي قد تبطل الاستدلالات كما توجه لها بعض الفلاسفة التشكيكيين والتفكيكيين، وتوقفوا عند كل اليقينيات بنقضيات يعرفونها من معلومات في جزئيات الحقائق بما يعرفونه كما يعرفونه مع فرض ظروف مانعة في المفاهيم والمباديء والحقائق.

إن سلم الفرد مثل هذا المنهج فسيلتزم بنفي الأصول والمعطيات ويحطم جدران وحدود وأسوار القضايا بالضبابية التي ستطال الحدود والتعاريف والتآليف فيتعذر الإسناد والجمع بين المعاني، فلذلك لجأوا إلى التقيد بالمعنى اللفظي ومدلولاته، والتقيد بما يفهم من مراده، ولكن هذا المنحى قد ضيع كثيرا من المعاني العقلية والحمليات الأولية التي لا يقدر اللفظ على سد معانيها التامة والتعبير عنها بشكل مطابق، فلو تأملنا ودققنا أكثر سنجد أن مثل هذا المنهج النقضي والتفكيكي يطال حتى المنطق الرياضي الذي استعاض عن اللفظ بالرموز التي جعلها بمدلول ثابت هروبا عن التفاوت المدعى، فالتفاوت حاصل حتى مع التشكيك النقضي.

إن طريقة النقض للأصول والجزئيات في كل صغيرة وكبيرة لا تعد شكا أكثر من كونها جهلا بالمواضيع وحدودها وأصولياتها، وليس بأكثر من محاولة للتشكيك في المعلومات المتيقنة أو المعلومة في أجزاء متفاوتة منها لخلق الشك في جزئيات قد تكون لها مدلولات منفصلة عن القضايا لعدم شمولها في التأليف والإسناد بين الموضوع والمحمول، بل إنها لا يمكن التفريق بينها وبين أسئلة الجاهل المستفسر لما لا يعرفه !! لذلك فلا يتناولها الاستدلال في وجهته وسياقه وموضوعه وتصبح مسكوتا عنها.. وسيأتي الكلام حول ذلك..

فلو قلبنا هذا الأمر النقضي على الناقض ونفينا كلامه، فما كان من كلامه مدعى للحجة سيكون مثبتا لو كان شكه علما معلوما، ولكن! شكه وتفكيكه للجزئيات لدرجة تحول الموضوع الواحد والعنوان الجامع لعناوين متعددة ثم تأليفه وتركيبه لمثل هذه الجزئيات بطريقة تشوه المعنى أو تغيره كاف لعدم جدارة هذا المنهج بإثبات أي معلومة، فالعلم يتألف من معلومات لا من مجهولات كما لا يخفى، لأننا لو سلمنا بهذا المنهج فكيف ستثبت التشكيكات والتفكيكات نتيجة أكثر من مشكوكة وغير ثابتة؟!!

 

والحمد لله رب العالمين

 

عباس العصفور

النجف الأشرف

ومن أحسن قولا؟

بسم الله الرحمن الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

{ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}  (٣٣) فصلت

يتنوع الناس في سعيهم و منطلقاتهم فهناك من تقتصر أهدافه على تلبية احتياجاته المادية ، و هناك من يسعى لتحصيل الكماليّات المعنوية الشخصية ،

وهناك من تحركه دوافع الفئة التي ينتمي لها أو الجماعات التي يعيش معها .

و أعلى الأهداف و أجملها هي الدعوة إلى لله سبحانه وتعالى .

إن عبارة (دَعَا إلَى اللَّه) تتضمن آفاقاً رحبة من المعاني الشريفة ، ويكفي أن نشير إلى أهمية الإخلاص في العمل ، و السعي لهداية الناس وحب الخير لهم .

وقد جاء التوجية الإلهي لنبيه الكريم (ص) لتحديد العنوان العربض للشخصية في الحياة :

{ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}  (١٠٨) يوسف

هكذا يمكن أن نختار هذا الهدف الأجمل في حياتنا حتى نتشرف كل لحظة من لحظات عمرنا بالقرب من الله سبحانه و تعالى .

يعتقد كثير من الناس أن الدعوة الله تقتصر على العلماء المتخصصين فقط !
لكن الواحد منا يتمكن من الدعوة الى الخير و الإصلاح في حدود علمه وإمكاناته .

          ✍🏻 الميرزا الشيخ حسين النعيمي
| 9  نوفمبر ٢٠١٦ |
الموافق  ٨ صفر ١٤٣٨ هـ