منزلة آية البسملة

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد

الحَمْدُ للهِ الَّذَي لاَ يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ القَائِلُونَ، وَلاِ يُحْصِي نَعْمَاءَهُ العَادُّونَ، ولاَ يُؤَدِّي حَقَّهُ الُمجْتَهِدُونَ، الَّذِي لاَ يُدْركُهُ بُعْدُ الهِمَمِ، وَلاَ يَنَالُهُ غَوْصُ الفِطَنِ، الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ، وَلاَ نَعْتٌ مَوْجُودٌ، وَلا وَقْتٌ مَعْدُودٌ، وَلا أَجَلٌ مَمْدُودٌ. فَطَرَ الخَلائِق بـقُدْرَتِهَ، وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ، وَوَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ.(*)

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد                                                                          

تدبر في آية البسملة

منزلة آية البسملة وفيها لحاظ

الأول: إنها أعظم وأكرم آية في القرآن

– في كتاب تفسير العياشي: عن خالد بن المختار قال: سمعتُ جعفر بن محمد عليهما السلام يقول:

<<مالهم قاتلهم الله، وعمدوا إلى أعظم آية في كتاب الله فزعموا أنها بدعة إذا أظهروها وهي بسم الله الرحمن الرحيم >>(1).

– وفي كتاب تفسير العياشي أيضا: عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سرقوا أكرم آية في كتاب الله بسم الله الرحمن الرحيم (2).

وواضح لما هي أعظم لعظم كرمها في الفضل كما تكلمنا في فضل تعلمها و كتابتها و قراءتها و الاستماع إليها، بل واضح العظمة لما جاء من تفسير حروفها و مفرداتها و فضل حروفها أيضا، و سيجيء من الروايات و الموضوعات القادمة ما يبين عظمتها و كرمها وحتى لحاظ منزلتها الذي نحن بصدده.

الثاني: إنها في كل سورة إلا سورة البراءة،

  • روى عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنه قال: <<البسملة تيجان السور>>(3).

آيات الله التي في السور تظهر بواطن رحمة الله من آية البسملة التي هي رأس السور، أو قل جواب آية البسملة هو ما يجيء بعدها من آيات، إلا سورة البراءة، ومن المعلوم أن التاج هو أعلى ما في الجسد، إلا سورة البراءة لعدم وجود الرحمة للمشركين وبراءة الله و رسوله و المؤمنين من هؤلاء.

وعلة ذلك واضحة في آيات البراءة ورواية الإمام علي عليه السلام وهي أن من ينقض العهد ننتظره بعد الأشهر الحرم ودمه مباح وقبل ذلك نذيع في الحج الأكبر هذه البراءة، فإن تاب ودخل الإسلام غفرنا وإن استجار أجرنا.

– قوله تعالى: {بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ ۙ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ۙ وَرَسُولُهُ ۚ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ ۗ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ  إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ۙ وَرَسُولُهُ ۚ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ ۗ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ  إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ  فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ۚ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ  وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ }(4)

– عن الإمام علي عليه السلام: << لم ينزل بسم الله الرحمن الرحيم على رأس سورة براءة، لأن بسم الله للأمان والرحمة، ونزلت براءة لرفع الأمان بالسيف>>(5).

رب العزة رحيم في سورة البراءة إذا التزم المشركون أو تابوا أو استجاروا، لا زالت الرحمة يستحقها هؤلاء، و لكن المعنى في عدم وجود آية البسملة هو في كل السور قدم اسمه و رحمته على كل شيء، و في كل السور بدأ بالتزامه بهاتين الصفتين، و في كل السور إذا قلنا بتكثر المعاني: { قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا }(6).

أقسم على نفسه بباء القسم في آية البسملة بهاتين الصفتين و هي مقدمة بوجودها لمن يتوب و لكن في سورة البراءة كل هذه الامتيازات مرفوعة أي تقدم الصفتين والالتزام والقسم … و غيرها.

وهناك أمر آخر: إن الذين يشركون مع الله الأصنام و الأوثان فرب العزة يخاطبهم بهذا الخطاب قبل البراءة: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا}(7)، نضيف هذه الخطابات مع تجاوزات الاعتداء في الأشهر الحرم التي هي من أحكامهم أيضا.

——————————————————————

*-الطبرسي/الإحتجاج ج1من ص294.

1-العلامة المجلسي – بحار الأنوار – ج 89- الصفحة 238- حديث39.

2-نفس المصدر -ص 236 – حديث28.

3- القرطبي – تفسير القرطبي – ج1 – الصفحة 92

4- التوبة 1,2,3,4,5,6.

5-الشيخ الطبرسي – تفسير مجمع البيان – ج 5 – الصفحة 6.

6-الكهف:109.

7-النساء:48.

شرح دعاء الليلة الثلاثين

دعاء الليلة الثلاثين

بسم الله الرحمن الرحيم

ربنا فاتنا هذا الشهر المبارك، الذي أمرتنا فيه بالصيام والقيام، اللهم ولا تجعله آخر العهد منا به، واغفر لنا ما تقدم من ذنوبنا وما تأخر، ربنا ولا تخذلنا ولا تحرمنا المغفرة، واغفر لنا وارحمنا وتب علينا وارزقنا، وارض عنا واجعلنا من أوليائك المهتدين ومن أوليائك المتقين بحق محمد وآل محمد وتقبل منا هذا الشهر، ولا تجعله آخر العهد منا به، وارزقنا حج بيتك الحرام في عامنا هذا وفي كل عام، إنك المعطي الرزاق، الحنان المنان.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (ربنا فاتنا هذا الشهر المبارك، الذي أمرتنا فيه بالصيام والقيام، اللهم ولا تجعله آخر العهد منا به، واغفر لنا ما تقدم من ذنوبنا وما تأخر، ربنا ولا تخذلنا ولا تحرمنا المغفرة، واغفر لنا وارحمنا وتب علينا وارزقنا، وارض عنا).

المؤمنون يقيمون أنفسهم في نهاية  شهر رمضان المبارك فينظرون إلى ما عملوا هل عزز فيهم روح التعاون والتكافل فيما بينهم ؟ وهل هذه الأيام ساعدت في توطيد العلاقات العائلية فيما بينهم؟ 

هل كانوا من الذين ختموا كتاب الله؟

 هل غفرت لهم الذنوب؟

 هل حصلوا بما عملوا رضا الله بعد قبول العمل؟

 هل التزموا بما أمروا به من أهل البيت عليهم السلام؟

 كل ذلك لأنهم يطمعون بأجر الله الأكبر.

روي عن الْحَسَنِ بْنِ رَاشِدٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: ” إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ إِنَّ الْمَغْفِرَةَ تَنْزِلُ عَلَى مَنْ صَامَ- شَهْرَ رَمَضَانَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ؟  فَقَالَ يَا حَسَنُ إِنَّ الْقَارِيجَارَ إِنَّمَا يُعْطَى أُجْرَتَهُ عِنْدَ فَرَاغِهِ وَ ذَلِكَ لَيْلَةُ الْعِيد.

روي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى يقول إن الصوم لي وانا أجزى عليه.

المؤمنون الذين أدوا ما عليهم من صيام وقيام يسألون الله أن يكونوا من الذين قال تعالى عنهم في محكم كتابه العزيز في سورة الأحزاب: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا }.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: قال الله تبارك وتعالى: كل عمل ابن آدم هو له غير الصيام هو لي وانا أجزى به ، والصيام جنة العبد المؤمن يوم القيامة، كما يقي أحدكم سلاحه في الدنيا ، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله عز وجل من ريح المسك ، والصائم يفرح بفرحتين حين يفطر فيطعم ويشرب، وحين يلقاني فادخله الجنة.

وروى أبو ذر قال: قال رسول الله (ص) يا باذر ان الله جل ثناؤه ليدخل قوما الجنة فيعطيهم حتى يملوا وفوقهم قوم في الدرجات العلى فإذا نظروا إليهم عرفوهم فيقولون ربنا إخواننا كنا معهم في الدنيا فبم فضلتهم علينا فيقال هيهات هيهات انهم كانوا يجوعون حين تشبعون ويظمؤون حين تروون ويقومون حين تنامون ويشخصون حين تحفظون.

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (واجعلنا من أوليائك المهتدين ومن أوليائك المتقين بحق محمد وآل محمد وتقبل منا هذا الشهر، ولا تجعله آخر العهد منا به، وارزقنا حج بيتك الحرام في عامنا هذا وفي كل عام، إنك المعطي الرزاق، الحنان المنان).

إن من الأمور التي تربى عليها الصائم في هذا الشهر الشريف من الالتزام بما أمر به في خصوص شهر رمضان تعطيه عزما ببقائه في سائر الشهور لأنه آثار هذا الشهر المبارك تبقى فيه إلى أن يحدث ذنبا يمنعه.

روي عن الإمام الباقر عليه السلام قال: (إن لله ملائكة موكلين بالصائمين يستغفرون لهم في كل يوم من شهر رمضان إلى آخره وينادون الصائمين في كل ليلة عند افطارهم أبشروا عباد الله وقد جعتم قليلا وستشبعون كثيرا بوركتم وبورك فيكم حتى إذا كان آخر ليلة من شهر رمضان نادوهم أبشروا عباد الله فقد غفر الله لكم ذنوبكم وقبل توبتكم فانظروا كيف تكونون فيما تستأنفون).

المؤمنين في وداع هذا الشهر يسألون الله أن يجعلهم من الذين ختم أعمالهم بعمل صالح أو قول أو فعل.

روي عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) قال: من ختم صيامه بقول صالح أو عمل صالح تقبل الله منه صيامه، فقيل يا ربن رسول الله، ما القول الصالح؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله، والعمل الصالح، إخراج الفطرة.

لا يغفل المؤمنين بالدعاء في وداع في هذا الشهر المبارك بما ورد عن أئمتهم عليهم السلام، عن الإمام السجاد عليه السلام قال في وداع هذا الشهر: وَقَدْ أَقامَ فينا هذَا الشَّهْرُ مَقامَ حَمْد، وَصَحِبَنا صُحْبَةَ مَبْرُور، وَأَرْبَحَنا أَفْضَلَ أَرْباحِ الْعالَمينَ، ثُمَّ قَدْ فارَقَنا عِنْدَ تَمامِ وَقْتِهِ وَانْقِطاعِ مُدَّتِهِ، وَ وَفاءِ عَدَدِهِ، فَنَحْنُ مُوَدِّعُوهُ وَداعَ مَنْ عَزَّ فِراقُهُ عَلَيْنا، وَغَمَّنا وَأَوْحَشَنَا انْصِرافهُ عَنّا، وَلَزِمَنا لَهُ الذِّمامُ الْمَحْفُوظُ، وَالْحُرْمَةُ الْمَرْعِيَّهُّ، وَالْحَقُّ الْمَقْضِىُّ.

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

فضل آية البسملة

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

اللَّهُمَّ رَبَّ شَهرِ رَمَضانَ، مُنَزِّلَ القُرآنَ، هذا شَهرُ رَمَضانَ الَّذي أنزَلتَ فيهِ القُرآنَ وأنزَلتَ فيهِ آياتٍ بَيِّناتٍ مِنَ الهُدى والفُرقانِ. اللَّهُمَّ ارزُقنا صيامَهُ، وَأعِنّا عَلى قيامِهِ.(*)

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد.

تدبر في آية البسملة

ذكرنا في بداية التدبر وبشكل مختصر إن بعد ذكر معاني الحروف و فضل الحروف و معاني المفردات نذكر فضل آية البسملة و فضل الآية فيه تقسيم لفضل فالأول من علمها، و الثاني من قرأها ، و الثالث من كتبها، و الرابع من سمعها، و بطبيعة الحال ممكن اجتماعهم في فرد واحد.

فالأول: فضل من علم آية البسملة

– فعن أبي عبدالله الصادق عليه السلام قال:<<إذا قال المعلم للصبي: قل: {بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ} كتب الله براءة للصبي و براءة لأبويه و براءة للمعلم من النار>>(١)

ويمكن أن يذهب أهل العلم و المعرفة إلى إن الله يثيب على تعليم القرآن بأقل الأمور، نشكل عليه بأن الآية هي أعظم آية في القرآن،  وبالتالي هي أعظم الأمور وفضلها براءة من النار.

الثاني والثالث من كتبها وقرأها:

– عن الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله:<<من كتب {بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ} فجوّده تعظيمًا لله، غفر الله له>>(2).

– و عنه صلى الله عليه و آله:<<إذا قال العبد عند منامه {بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ} يقول الله : ملائكتي اكتبوا بالحسنات نفسه إلى الصباح >>(3)

– و عنه صلى الله عليه و آله: <<إذا مر المؤمن على الصراط فيقول {بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ} طفئت لهب النيران وتقول : جز يا مؤمن فإنّ نورك قد أطفئ لهيبي>>4

– عن النبي صلى الله عليه وآله: <<من قال بسم الله الرحمن الرحيم بنى الله له في الجنة سبعين ألف قصر من ياقوتة حمراء في كل قصر سبعون ألف بيت من لؤلؤ بيضاء في كل بيت سبعون ألف سرير من زبرجدة خضراء فوق كل سرير سبعون ألف فراش من سندس واستبرق وعليه زوجة من الحور العين ولها سبعون ألف ذوابة مكللة بالدر واليواقيت مكتوب على خدها الأيمن محمد رسول الله وعلى خدها الأيسر على ولى الله وعلى جبينها الحسن وعلى ذقنها الحسين و على شفتيها بسم الله الرحمن الرحيم قلت يا رسول الله لمن هذه الكرامة قال لمن يقول بالحرمة والعظيم بسم الله الرحمن الرحيم>>.(5)

– و قال صلى الله عليه وآله عن سورة الفاتحة التي من ضمنها آية البسملة: <<من قراء فاتحة الكتاب أعطاه الله بعد كل آية أنزلت من السماء فيجزي بها ثوابها>>(6)

– و عن الإمام الباقر عليه السلام: أنها أكرم آية في الكتاب الله {بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ} و ينبغي الإتيان بها عند افتتاح كل أمر عظيم أو صغير ليبارك به >>(7)

الرابع: من استمع إلى الآية:

– و قال النبي صلى الله عليه وآله عن سورة الفاتحة التي من ضمنها آية البسملة من استمع إلى قارئ يقرؤها كان قدر ثلث ما للقارئ >>(8).

—————————————————————-

1- الطبرسي- مجمع البيان- ج1-ص18، العاملي -الوسائل -ج6-ص169-حديث7651.

2- الشهيد الثاني- منية المريد – ص ٣٥١ ، النوري -المستدرك- ج4 -ص371 – حديث4974.

3- النوري – المستدرك- ج4 -ص ٣٨٧-حديث4989.

4- السيد البروجردي – جامع أحاديث الشيعة –  ج 15- الصفحة 151.

5- نفس المصدر

6- الصدوق- أمالي الصدوق – ص117

7- الطبرسي- مجمع البيان- ج1-ص18

8- نفس المصدر

شرح دعاء الليلة التاسعة و العشرين

دعاء الليلة التاسعة و العشرين

بسم الله الرحمن الرحيم

توكلت على السيد الذي لا يغلبه أحد، توكلت على الجبار الذي لا يقهره أحد، توكلت على العزيز الرحيم الذي يراني حين أقوم وتقلبي في الساجدين، توكلت على الحي الذي لا يموت، توكلت على من بيده نواصي العباد، توكلت على الحليم الذي لا يعجل، توكلت على الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، توكلت على القادر القاهر العلي الأعلى الأحد، توكلت- سبعا – ، أسألك يا سيدي أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن ترحمني وتتفضل علي ولا تخزني يوم القيامة، إنك شديد العقاب غفور رحيم.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (توكلت على السيد الذي لا يغلبه أحد، توكلت على الجبار الذي لا يقهره أحد، توكلت على العزيز الرحيم الذي يراني حين أقوم وتقلبي في الساجدين، توكلت على الحي الذي لا يموت، توكلت على من بيده نواصي العباد).

رؤية المؤمنين انقضاء شهر الرحمة وهم يعلمون أن تقبل الله لأعمالهم، بتوكلهم عليه لأن التوكل أحد أركان مراتب الإيمان، والاعتماد على حول الله وقوّته وأن لا مؤثر في عالم الوجد إلا هو، ولا يتنافى التوكل والسعي والعمل، لأن الأسباب والعلل الظاهرية ليس لها تأثير مستقل، الأمور كلها بمشيئة الله وأوامره التي يتوكلون بها عليه.

قال تعالى في محكم كتابه المبين في سورة الأنفال:

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾.

روي عن الإمام علي عليه السلام قال: صلاح العبادة التوكل.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال:

سبعون ألفا من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب، هم الذين لا يكتوون، ولا يكوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون.

هدية السماء لخير الأنبياء تعطى فيفوز بها المؤمنين المريدون لدرجات ترفعهم فيكونوا من الذين قال تعالى في سورة العنكبوت: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}.

روي أن جبرائيل عليه السلام جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال يا رسول اللَّه، إن اللَّه تبارك وتعالى أرسلني إليك بهدية لم يعطها أحداً قبلك، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: قلت، وما هي؟ قال: الصبر وأحسن منه، قلت وما هو؟ قال: الرضا وأحسن منه، قلت وما هو؟ قال الزهد وأحسن منه، قلت: وما هو؟ قال: الإخلاص وأحسن منه، قلت: وما هو؟ قال: اليقين وأحسن منه، قلت: وما هو؟ قال: إن مدرجة ذلك التوكل على اللَّه عزَّ وجلّ‏َ، فقلت: وما التوكل على اللَّه عزَّ وجلّ‏َ؟ فقال: العلم بأن المخلوق لا يضرُّ ولا ينفع، ولا يعطي ولا يمنع، واستعمال اليأس من الخلق، فإذا كان العبد كذلك لم يعمل لأحد سوى اللَّه، ولم يرج ولم يخف سوى اللَّه، ولم يطع أحداً سوى اللَّه، فهذا هو التوكل.

المؤمنين يسألون ربهم بحلمه وهو الأخذ بنواصيهم يعلمون أن الأمر إليه، وهو القائل في محكم كتابه العزيز في سورة الطلاق: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}.

روي أن نبي الله سليمان عليه السلام كان جالسا على شاطئ بحر، فبصر بنملة تحمل حبة قمح تذهب بها نحو البحر، فجعل سليمان ينظر إليها حتى بلغت الماء فإذا بضفدعة قد أخرجت رأسها من الماء وفتحت فاها، فدخلت النملة فاها وغاصت الضفدعة في البحر ساعة طويلة، وسليمان يتفكر في ذلك متعجبا.

ثم إنها خرجت من الماء وفتحت فاها فخرجت النملة من فيها، ولم تكن معها الحبة فدعاها سليمان وسألها عن حالها وشأنها وأين كانت، فقالت: يا نبي الله في قعر هذا البحر الذي تراه صخرة مجوفة، وفي جوفها دودة عمياء، وقد خلقها الله تعالى هنالك فلا تقدر أن تخرج منها لطلب معاشها، وقد وكلني الله برزقها، فأنا أحمل رزقها وسخر الله هذه الضفدعة لتحملني فلا يضرني الماء في فيها، وتضع فاها على ثقب الصخرة وأدخلها، ثم إذا أوصلت رزقها إليها خرجت من ثقب الصخرة إلى فيها فتخرجني من البحر، قال سليمان: وهل سمعت لها من تسبيحة؟

قالت: نعم، تقول: يا من لا تنساني في جوف هذه الصخرة تحت هذه اللجة برزقك لا تنس عبادك المؤمنين برحمتك.

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (توكلت على الحليم الذي لا يعجل، توكلت على الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، توكلت على القادر القاهر العلي الأعلى الأحد، توكلت- سبعا -).

إن توكل المؤمنين على الله لها آثار تدخلهم الراحة التي يسعى إليها عباد الله.

روي عن الإمام الرضا عليه السلام أنه قال: من أراد أن يكون أقوى الناس، فليتوكل على الله.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من توكل على الله كفاه مؤنته ورزقه من حيث لا يحتسب.

ومن آثار المهمة في التوكل حبّ أهل البيت عليهم السلام يجسّد حبّ الله تعالى وحبّ رسوله صلى الله عليه وآله وسلم في أجلى صوره، وذلك غاية أمل المؤمنين، قال تعالى: ﴿ والَّذِينَ آمَنُوا أشدُّ حُبّاً للهِ  ﴾. وقال تعالى :﴿  قُلْ إن كُنتُم تُحبُّونَ اللهَ فاتَّبِعُوني يُحببكُمُ اللهُ.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من أراد التوكل على الله فليحب أهل بيتي، ومن أراد الحكمة فليحبّ أهل بيتي، فوالله ما أحبّهم أحدٌ إلاّ ربح الدنيا والآخر.

حرص المؤمنين على أفعالهم وتوجهاتهم تعطيهم حيز يكونون فيه مع ولاة أمرهم وحبل نجاتهم في توكلهم، و الإخلاص لهم يعطيهم الفوز بما عملوا لأجله.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من رزقه الله حب الاَئمة من أهل بيتي، فقد أصاب خير الدنيا والآخرة، فلا يشكّنّ أحدٌ أنه في الجنة، فإنّ في حبّ أهل بيتي عشرين خصلة، عشر منها في الدنيا، وعشر منها في الآخرة.

أما التي في الدنيا: فالزهد ، والحرص على العمل ، والورع في الدين ، والرغبة في العبادة ، والتوبة قبل الموت ، والنشاط في قيام الليل ، واليأس ممّا في أيدي الناس ، والحفظ لأمر الله ونهيه عزَّ وجل ، والتاسعة بغض الدنيا ، والعاشرة السخاء .

وأما التي في الآخرة: فلا ينشر له ديوان ، ولا ينصب له ميزان ، ويعطى كتابه بيمينه ، وتكتب له براءة من النار ، ويبيَضّ وجهه ، ويكسى حلل من حلل الجنّة ، ويُشفّع في مائة من أهل بيته ، وينظر الله عزَّ وجلّ إليه بالرحمة ، ويُتَوّج من تيجان الجنة ، والعاشرة يدخل الجنة بغير حساب ، فطوبى لمحبي أهل بيتي.

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (أسألك يا سيدي أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن ترحمني وتتفضل علي ولا تخزني يوم القيامة، إنك شديد العقاب غفور رحيم).

أمل المؤمنين في وداع شهر رمضان أن يرحمهم الله ويغفر لهم، ويعفو عنهم في الدارين، فيرفعون أكفهم بالدعاء منا ورد عن الإمام السجاد عليه السلام بدعائه بخواتم الخير:

فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ، واجْعَلْ خِتَامَ مَا تُحْصِي عَلَيْنَا كَتَبَةُ أَعْمَالِنَا تَوْبَةً مَقْبُولَةً لَا تُوقِفُنَا بَعْدَهَا عَلَى ذَنْبٍ اجْتَرَحْنَاهُ، ولَا مَعْصِيَةٍ اقْتَرَفْنَاهَا. ولَا تَكْشِفْ عَنَّا سِتْراً سَتَرْتَهُ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ، يَوْمَ تَبْلُو أَخْبَارَ عِبَادِكَ. إِنَّكَ رَحِيمٌ بِمَنْ دَعَاكَ، ومُسْتَجِيبٌ لِمَنْ نَادَاكَ.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

معنى مفردتي الرحمن و الرحيم ٥*

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

اللَّهُمَّ رَبَّ شَهرِ رَمَضانَ، مُنَزِّلَ القُرآنَ، هذا شَهرُ رَمَضانَ الَّذي أنزَلتَ فيهِ القُرآنَ وأنزَلتَ فيهِ آياتٍ بَيِّناتٍ مِنَ الهُدى والفُرقانِ. اللَّهُمَّ ارزُقنا صيامَهُ، وَأعِنّا عَلى قيامِهِ.(*)

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد.

                                                                          معنى مفردات البسملة

تكملة لحاظ و جهات في رحمة الله عزوجل

الخامس : الرحمة الإلهية في بعض نصوص أهل بيت النبوة.

بعد ما تعرضنا لذكر بعض آيات الرحمة الإلهية اخترنا من كلمات أهل البيت عليهم السلام بعض نصوص الرحمة الإلهية:

– فعن الإمام الباقر (عليه السلام): تعرض للرحمة وعفو الله بحسن المراجعة، واستعن على حسن المراجعة بخالص الدعاء والمناجاة في الظلم (1).

– الإمام علي (عليه السلام) – في وصف آخر الزمان -:وذلك زمان لا ينجو فيها إلا كل مؤمن نومة… ليسوا بالمساييح، ولا المذاييع البذر، أولئك يفتح الله لهم أبواب رحمته، ويكشف عنهم ضراء نقمته (2).

قول الإمام (المؤمن نومة) المؤمن خامل الذكر و تواصله قليل مع ربه. و قوله ليسوا بالمساييح أي لا يمشون في الأرض، و ينشرون الشر مثل النميمة و غيرها مما يفسد في الأرض، و قوله سلام الله عليه: و لا المذاييع البدر أيضا نشر الشر، و لكن الفواحش منه _أي يذيعون الفواحش_ هؤلاء الذين لا يعملون هكذا في هذا الزمان الذي فيه مجرد دخولك إلى موقع الفواحش هو دعم إليه، الإمام يصف زماننا بشكل دقيق جدا ، و يحافظ على طاعاتنا و وورعنا بشكل دقيق، إذا التزمنا كانت أبواب الرحمة و الغنى مفتوحة .

– عنه (عليه السلام): بذكر الله تستنزل الرحمة (3).

– عنه (عليه السلام): بالعفو تستنزل الرحمة (4).

– عنه (عليه السلام): ببذل الرحمة تستنزل الرحمة (5).

– عنه (عليه السلام): رحمة الضعفاء تستنزل الرحمة (6).

– عنه (عليه السلام): أبلغ ما تستدر به الرحمة أن تضمر لجميع الناس الرحمة (7).

– رسول الله (صلى الله عليه وآله): – لما قال له رجل: أحب أن يرحمني ربي؟ -: ارحم نفسك، وارحم خلق الله يرحمك الله (8).

– الإمام علي (عليه السلام): رحمة من لا يرحم تمنع الرحمة، واستبقاء من لا يبقى يهلك الأمة (9).

هذه منظومة متكاملة ويقصد الإمام عليه السلام الرحمة ممتنعة عمن لا رحمة له، و الذي يتسابق مع لقمة الفقير و لا يبقي شيئا إلى أن يهلك أمة محمد صلوات الله عليه و على آل بيته .

بعبارة أخرى : يخل بالنظام العام إلى أن يصل المجتمع الطبقي إلى أمة فيها تاجر برفاهية فاحشة و فقير تحت الصفر، و لهذا أكدت الحكومات الدستورية على كثير من الاقتصاد الشرعي ، مثل ذلك منع احتكار السلع ، ومنع المسؤول ذي سلطة دخوله في التجارة …و غيرها من القوانين، إلا أن هؤلاء قد يتجاوزون الشرع و القانون بحيلهم الملتوية.

وهناك كلمات قصار لأمير المؤمنين عليه السلام و لكن المعنى كبير يخرجنا من ظلمات إلى النور:

– الإمام علي (عليه السلام): رحم الله امرء عرف قدره ولم يتعد طوره (10).

– عنه (عليه السلام): رحم الله عبدا راقب ذنبه وخاف ربه (11).

– عنه (عليه السلام): رحم الله امرء استقبل توبته، واستقال خطيئته، وبادر منيته (12).

– عنه (عليه السلام): رحم الله امرء تفكر فاعتبر، واعتبر فأبصر (13).

– عنه (عليه السلام): رحم الله امرء جعل الصبر مطية حياته والتقوى عدة وفاته (14).

– عنه (عليه السلام): رحم الله امرء راغب ربه وتوكف ذنبه، وكابر هواه وكذب مناه،…

دائم الفكر، طويل السهر… يظهر دون ما يكتم، ويكتفي بأقل مما يعلم، أولئك ودائع الله في بلاده، المدفوع بهم عن عباده (15).

– عنه (عليه السلام): رحم الله عبدا اقترب فاعترف، ووجل فعمل، وحاذر فبادر (16).

– عنه (عليه السلام): رحم الله امرء أحيى حقا وأمات باطلا و دحض الجور وأقام العدل (17).

—————————————————-

*- السيد ابن طاووس – إقبال الأعمال -ج 1-ص 78.

1- البحار: ٧٨ / ١٦٤ / ١.

2- نهج البلاغة: الخطبة ١٠٣.

3-  ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 2- الصفحة 1

4-نفس المصدر.

5-نفس المصدر .

6- نفسالصدر.

7-نفس المصدر .

8-نفس المصدر .

9- غرر الحكم: 5430.

(10) غرر الحكم: 5204، 5205.

(11) غرر الحكم: 5204، 5205.

(12) نهج البلاغة: الخطبة 143.

(13) نهج البلاغة: الخطبة 103.

(14) غرر الحكم: 5207، 5208، 5209، 5210، 5211، 5212.

(15) البحار: 78 / 46 / 59 وص 48 / 67.

(16) البحار: 78 / 46 / 59 وص 48 / 67.

(17) غرر الحكم: 5217.

شرح دعاء الليلة الثامنة والعشرين

دعاء الليلة الثامنة والعشرين

بسم الله الرحمن الرحيم

آمنا بالله وكفرنا بالجبت والطاغوت، آمنا بمن لا يموت، آمنا بمن خلق السماوات والأرضين والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب والإنس والجن، آمنا بما أنزل إلينا وما أنزل إليكم وإلٰهنٰا وإلٰهكم وٰاحدٌ ونحن له مسلمون، آمنا برب موسى وهارون، آمنا برب الملائكة والروح، آمنا بالله وحده لا شريك له، آمنا بمن أنشأ السحاب وخلق العباد والعذاب والعقاب، آمنا بك – سبعا – ، ربنا فاغفر لنا ذنوبنا بحق محمد وآله وتجاوز عنا إنك أنت العزيز الجبار. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (آمنا بالله وكفرنا بالجبت والطاغوت، آمنا بمن لا يموت، آمنا بمن خلق السماوات والأرضين والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب والإنس والجن).

كل من يدخل الإسلام بالشهادتين أصبح مسلم فيحرم دمه وماله وعرضه.

ولكن وصوله إلى درجات الإيمان تحتاج إلى عمل وقلب يسع بتقبله لما يجب عليه من أمور تدخله مراحل النمو نحو الاتصال الحقيقي بالله عزوجل.

روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: إنّ الإيمان يبدو لُمظة بيضاء في القلب، فكلّما ازداد الإيمان عظمًا ازداد البياض، فإذا استُكمل الإيمانُ ابيضَّ القلب كلّه.

وروي عن الإمام الباقر عليه السلام في معرض تفريقه بين الإسلام والإيمان: الإيمان إقرار وعمل والإسلام إقرار بلا عمل.

العبد يعلم أن الإقرار القلبي متقدم رتبة على الإقرار اللفظي والعمل يجب أن يجمع بين الأقسام الثلاثة القلب واللفظ والعمل، فيقترن بالطاعة المطلقة لله وتنفيذ ما أمر والنهي عمّا زجر كلّ ذلك في دائرة الوعي والسلوك والعمل بما ورد عن أهل البيت عليهم السلام.

ففي جواب الإمام الصادق عليه السلام عن سؤال عجلان أبي صالح عندما سأله عن حدود الإيمان، فقال عليه السلام: شهادة أن لا إله إلّا الله، وأنَّ محمّداً رسول الله، والإقرار بما جاء به من عند الله، وصلاة الخمس، وأداء الزكاة، وصوم شهر رمضان ، وحجّ البيت ، وولاية وليّنا ، وعداوة عدّونا ، والدخول مع الصادقين.

وعن أبي عمرو الزبيدي عن الإمام أبي عبدالله الصادق عليه السلام أنّه قال: الإيمان حالات ودرجات وطبقات ومنازل ، فمنه التامّ المنتهي تمامه ، ومنه الناقص البيّن نقصانه ، ومنه الراجح الزائد رجحانه ، قلت : إنَّ الإيمان ليتم وينقص ويزيد ؟ قال عليه السلام: نعم ، قلت :  فمن أين جاءت زيادته ؟

فقال عليه السلام: قول الله عزَّ وجلَّ: (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَٰذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ )، وقال تعالى : ( نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ) . 

ولو كان واحداً لا زيادة فيه ولا نقصان لم يكن لأحد منهم فضل علىٰ الآخر ولاستوت النعم فيه ولاستوىٰ الناس وبطل التفضيل ، ولكن بتمام الإيمان دخل المؤمنون الجنّة ، وبالزيادة في الإيمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله وبالنقصان دخل المفرّطون النار.

للإيمان علامات كثيرة تدل العبد على أنه على صراط الحق والنهج الذي يتعلمه من أهل البيت عليهم السلام فمنها:

– التسليم لله تعالىٰ والرِّضا بقضائه.

– الحبّ في الله والبغض في الله.

– التمسك المطلق بالحقّ.

– حب أهل البيت عليهم السلام.

–  حالة الخوف والرجاء.

– الإيثار.

– الخُلق الحسن.

وغيرها من الأمور الكثيرة التي تصل بالعبد إلى درجة يكون فيها من الصادقين.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة النساء: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً}.

وفي هذه الآية محل تعجب أنهم أعطوا نصيبًا من الكتاب وقامت عليهم الحجة ومع ذلك يؤمنون بالجبت ويؤمنون بالطاغوت.

اذا نصل إلى أن الجبت كل شيء يعبد من دون الله ولا فائدة فيه من الإسلام بشيء والدعاية بلبس الحق بالباطل، و كل أئمة الكفر ودعاة الكفر طواغيت، والشيطان طاغوت ومن آذى المؤمنين طاغوت ومن حرّف الحق عن موضعه الحقيقي هو الجبت والطاغوت بعينه.

إذا أعداء أهل البيت عليهم السلام هم الجبت والطاغوت، وكل من حارب أهل البيت (عليهم السّلام) وأزالهُم عَن مراتبِهم التي رتبهُم الله فيها.

روي عن الإمام الباقر عليه السّلام قال: إيّاكُم والولائجَ، فإنَّ كلَّ وليجةٍ دونَنا فهيَ طاغوتٌ.

المؤمن يعرف أن الرغبة في الدنيا والافتتان بها هو الذي يوجب الطغيان واتباع الطاغوت الذي كان همه الملك وأزاحت أهل الحق عن مراتبهم التي رتبهم الله بها.

روي عن الإمام زين العابدين عليه السلام قال: كفانا اللهُ وإيّاكُم كيدَ الظّالمينَ وبغيَ الحاسدينَ وبطشَ الجبّارينَ، أيّها المؤمنونَ لا يفتننَّكُم الطّواغيتُ وأتباعُهم مِن أهلِ الرّغبةِ في الدّنيا.

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (آمنا بما أنزل إلينا وما أنزل إليكم وإلٰهنٰا وإلٰهكم وٰاحدٌ ونحن له مسلمون، آمنا برب موسى وهارون، آمنا برب الملائكة والروح، آمنا بالله وحده لا شريك له، آمنا بمن أنشأ السحاب وخلق العباد والعذاب والعقاب، آمنا بك – سبعا).

المؤمن يعلم أن الحق في التسليم والتصديق بما بعث الله من أنبياء وأوصياء وكتب سماوية هي الحق من عنده، لقول الله تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة البقرة: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}.

وأفضل الإيمان وأقصر طريق إلى الله هي ولاية أهل البيت النبوة عليهم السلام، لأنهم هم هداة الحق وبهم يفتح الله وبهم يختم، وبهم يتعلم المؤمنين معالم دينهم وما لهم وما عليهم.

روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: إنّه لا يجد عبد حقيقة الإيمان حتّىٰ يعلم أنّ ما لآخرنا لأوّلنا.

بشارة العبد المؤمن بولايته وتصديقه وإيمانه بأهل بيت النبوة، ما أورده الثعلبي في تفسيره ونقله عنه الزمخشري في الكشّاف، والقرطبي المالكي في الجامع لأحكام القرآن ، والفخر الرازي في التفسير الكبير.

روي عن النبي صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله‌ وسلم قال: من مات علىٰ حبّ آل محمّد مات شهيداً ، ألا ومن مات علىٰ حبّ آل محمّد مات مغفوراً له، ألا ومن مات علىٰ حبّ آل محمّد مات تائباً ، ألا ومن مات علىٰ حبّ آل محمّد مات مؤمناً مستكمل الإيمان ، ألا ومن مات علىٰ حبّ آل محمّد بشّره ملك الموت بالجنّة ثمّ منكر ونكير ، ألا ومن مات علىٰ حبّ آل محمّد يزّف إلىٰ الجنّة كما تزف العروس إلىٰ بيت زوجها ، ألا ومن مات علىٰ حبّ آل محمّد فتح له في قبره بابان إلىٰ الجنّة ، ألا ومن مات علىٰ حبّ آل محمّد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة ، ألا ومن مات علىٰ حبّ آل محمّد مات (علىٰ السُنّة والجماعة).

ألا ومن مات علىٰ بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوباً علىٰ عينيه آيس من رحمة الله ، ألا ومن مات علىٰ بغض آل محمّد مات كافراً، ألا ومن مات علىٰ بغض آل محمّد لم يشم رائحة الجنّة. 

روي عن زر بن حبيش قال : رأيت أمير المؤمنين عليه السلام علىٰ المنبر فسمعته يقول :  والذي فلق الحبّة وبرء النسمة ، أنّه لعهد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إليّ أنّه لا يحبّك إلّا مؤمن ولا يبغضك إلّا منافق.

اذا فالمقياس الإلهي الدقيق لمعرفة حقيقة الإيمان إذن هو حبّ أهل البيت عليهم السلام والتزام طاعتهم ، والتبرّي من أعدائهم، ككفتي ميزان إذا رحجت أحداها أما الإيمان الخالص من ولايتهم وحبهم، وأما كفة مظلمة ببغضهم عليهم السلام، وهي ليس إلا الكفر والنفاق والمروق من الدين.

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (ربنا فاغفر لنا ذنوبنا بحق محمد وآله وتجاوز عنا إنك أنت العزيز الجبار).

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة النساء: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَهَ تَوَّابًا رَحِيمً﴾.

المؤمنون المتوسلون المتقربين إلى الله عزوجل يسألونه أن يغفر ذنوبهم ويتجاوز عنهم بأحب الخلق إليه محمد وآل محمد، الذين فرض علينا طاعتهم.

روي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر، عن أبيه عليهما السلام، عن جدِّه، قال: قال رسولُ الله «صلى الله عليه وآله»: من أرادَ التوسّلَ إليَّ، وأن يكونَ لهُ عندي يدٌ أشفعُ لهُ بها يومَ القيامة، فليَصِلْ أهلَ بيتي، ويُدخِلْ السرورَ عليهم.

والمؤمنون راجون أن يستجاب دعاؤهم رافعين أكفهم إلى الله في أيام هذا الشهر الفضيل الأخيرة بما ينطق به أهل الوحي.

روي عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: قَالَ لِي الإمام أَبُو عَبْدِ الله الصادق عليه السلام ابْتِدَاءً مِنْه: يَا مُعَاوِيَةُ، أمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَجُلاً أَتَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام، فَشَكَا الإِبْطَاءَ عَلَيْه فِي الْجَوَابِ فِي دُعَائِه، فَقَالَ لَه: أَيْنَ أَنْتَ عَنِ الدُّعَاءِ السَّرِيعِ الإِجَابَةِ؟!

فَقَالَ لَه الرَّجُلُ: مَا هُوَ؟

قَالَ: قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْعَظِيمِ الأَعْظَمِ، الأَجَلِّ الأَكْرَمِ، الْمَخْزُونِ الْمَكْنُونِ، النُّورِ الْحَقِّ، الْبُرْهَانِ الْمُبِينِ، وأَتَوَجَّه إِلَيْكَ بِمُحَمَّدٍ وأَهْلِ بَيْتِه، أَسْأَلُكَ بِكَ وبِهِمْ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، وأَنْ تَفْعَلَ بِي ..كذا وكذا..

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

شرح دعاء الليلة السابعة والعشرين

دعاء الليلة السابعة والعشرين

بسم الله الرحمن الرحيم

ربنا اصرف عنٰا عذٰاب جهنم إن عذٰابهٰا كٰان غرٰاماً، ربنٰا هب لنٰا من أزوٰاجنٰا وذريٰاتنٰا قرة أعين واجعلنٰا للمتقين إمٰاماً، ربنٰا عليك توكلنٰا وإليك أنبنٰا وإليك المصير، ربنٰا لٰا تجعلنٰا فتنةً للذين كفروا، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوفٌ رحيمٌ، صل على محمد وآله واستر علي ذنوبي وعيوبي واغفر لي بحق محمد وآل محمد إنك أنت الرؤوف الرحيم.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (ربنا اصرف عنٰا عذٰاب جهنم إن عذٰابهٰا كٰان غرٰاماً، ربنٰا هب لنٰا من أزوٰاجنٰا وذريٰاتنٰا قرة أعين واجعلنٰا للمتقين إمٰاماً).

المؤمنون الذين هم مع اجتهادهم في العبادة يخافون الله فيدعونه أن ينجيهم من عذاب جهنم، حيث إن عذابها يلازم صاحبه، لشدة ما سمعوا عن جهنم فتراهم مشفقين خاشعين لاحول ولا قوة لهم إلا بالله، ومجتهدين بالابتعاد عن كل شيء يولجهم النار.

روي عن عُبيد بن زُرارة قال: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السَّلام) عَنِ الْكَبَائِرِ؟

فَقَالَ: “هُنَّ فِي كِتَابِ عَلِيٍّ (عليه السَّلام) سَبْعٌ:

–  الْكُفْرُ بِاللَّهِ، وَ قَتْلُ النَّفْسِ، وَ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَ أَكْلُ الرِّبَا بَعْدَ الْبَيِّنَةِ، وَ أَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ظُلْماً، وَ الْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ.

كل ما يلزم المؤمنين من التزام الأوامر والابتعاد عن النواهي التي وردت إليهم من الشرع الشريف تزيدهم إصرارا على عدم فعل مثل تلك الأفعال.

روي عن الإمام الرِّضَا عليه السلام، عَنْ آبَائِهِ عليهم السلام، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه و آله): مَنْ أَذَلَّ مُؤْمِناً، أَوْ حَقَّرَهُ لِفَقْرِهِ وَ قِلَّةِ ذَاتِ يَدِهِ، شَهَرَهُ اللَّهُ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

إن صرف أهوال جهنم وما يفزغ منه المؤمنون بأعمال وأمور عدة، توجب لهم الابتعاد عما خافوا منه ألا وهو لزوم عذاب جهنم لهم، فيطمئنوا بما ينطق به أهل المودة والثقلين عليهم السلام، عند التزامهم بالأعمال الحسنة والأخلاق الحميدة.

روي عن الإمام محمد بن علي الباقر عليهما السلام أنَّهُ قال: “مَنْ أَدْمَنَ قِرَاءَةَ سُورَةِ الْغَاشِيَةِ غَشَّاهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ، وَ آمَنَهُ مِنْ عَذَابِ النَّارِ.

روي عن الإمام أبي جعفر عليه السلام قال: صلى أمير المؤمنين عليه السلام بالناس الصبح بالعراق، ثم انصرف فوعظهم، فبكى وأبكى من خوف الله تعالى، ثم قال: أما والله، لقد عهدت أقواماً على عهد خليلي رسول الله صلى اللهّ عليه وآله، وأنهم ليصبحون ويمسون شعثاً غبراً خمصاً، بين أعينهم كركب المعزى، يبيتون لربهم سجداً وقياماً يراوحون بين أقدامهم وجباههم، يناجون ربهم، ويسألونه فكاك رقابهم من النار، والله لقد رأيتهم مع هذا وهم خائفون وجلون مشفقون.

المؤمنون الراغبون إلى ما ينفعهم والممتثلين لقول الله تعالى في سورة الزمر: { فبشر عبادِ الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه}، تنير قلوبهم بما ينطق به سيد الكلام الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام بتنبيهات قال فيها:

• فَإِنَّ الدُّنْيَا أَدْبَرَتْ وَ آذَنَتْ‏  بِوَدَاعٍ .

• وَ إِنَّ الْآخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ وَ أَشْرَفَتْ بِاطِّلَاعٍ‏  .

• أَلَا وَ إِنَّ الْيَوْمَ الْمِضْمَارَ  وَ غَداً السِّبَاقَ ، وَ السَّبَقَةُ الْجَنَّةُ وَ الْغَايَةُ النَّارُ.

• أَفَلَا تَائِبٌ مِنْ خَطِيئَتِهِ‏ قَبْلَ مَنِيَّتِهِ  .

• أَلَا عَامِلٌ لِنَفْسِهِ قَبْلَ يَوْمِ بُؤْسِهِ‏  .

• أَلَا وَ إِنَّكُمْ فِي أَيَّامِ أَمَلٍ مِنْ وَرَائِهِ أَجَلٌ ، فَمَنْ عَمِلَ فِي أَيَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ فَقَدْ نَفَعَهُ عَمَلُهُ وَ لَمْ يَضْرُرْهُ أَجَلُهُ ، وَ مَنْ قَصَّرَ فِي أَيَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ فَقَدْ خَسِرَ عَمَلُهُ وَ ضَرَّهُ أَجَلُهُ.

• أَلَا فَاعْمَلُوا فِي الرَّغْبَةِ كَمَا تَعْمَلُونَ فِي الرَّهْبَةِ  .

• أَلَا وَ إِنِّي لَمْ أَرَ كَالْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا وَ لَا كَالنَّارِ نَامَ هَارِبُهَا .

• أَلَا وَ إِنَّهُ مَنْ لَا يَنْفَعُهُ الْحَقُّ يَضُرُّهُ الْبَاطِلُ ، وَ مَنْ لَا يَسْتَقِيمُ بِهِ الْهُدَى يَجُرُّ بِهِ الضَّلَالُ إِلَى الرَّدَ.

• أَلَا وَ إِنَّكُمْ قَدْ أُمِرْتُمْ بِالظَّعْنِ‏ وَ دُلِلْتُمْ عَلَى الزَّادِ.

• وَ إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اثْنَتَانِ ، اتِّبَاعُ الْهَوَى وَ طُولُ الْأَمَلِ ، فَتَزَوَّدُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا مَا تَحْرُزُونَ بِهِ أَنْفُسَكُمْ‏  غَداً.

فوز الصائمين في شهر رمضان المبارك بصبرهم وحلمه، يرون جزائه فيطمعون به وهم في أواخر هذه الأيام والليالي.

روي عن رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه و آله) قال: مَا مِنْ عَبْدٍ صَالِحٍ يُشْتَمُ فَيَقُولُ: إِنِّي صَائِمٌ، سَلَامٌ عَلَيْكَ، لَا أَشْتِمُكَ كَمَا شَتَمْتَنِي، إِلَّا قَالَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى: اسْتَجَارَ عَبْدِي بِالصَّوْمِ مِنْ شَرِّ عَبْدِي، فَقَدْ أَجَرْتُهُ مِنَ النَّارِ.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة النور: {وانكِحُوا الأيامَى مِنكُم والصَّالِحينَ مِن عِبادِكُم وإمائكُم}.

المؤمنون المتقون الذين يحبون أن تبقى ذكراهم موجودة بعد مماتهم لأنهم يعلمون أن الله عزوجل قهرعباده بالموت والفناء، فيسعون إلى اختيار الزوجة الصالحة التي تستثمر صلاحها في تربية وتنشئة ذرية طيبة، ذات أخلاق حسنة، لأنها رسالة نبيهم صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم.

روي عن النبي صلی الله عليه وآله قال: إذا مات المؤمن انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له.

روي عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: أتى رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) يستأمره في النكاح، فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم  ): نعم انكح وعليك بذوات الدين تربت يداك.

المؤمنون الموالون يدعون الله في هذه الليالي المباركة أن يهبهم ذرية تكون من أنصار أمام زمانها المسارعين في قضاء حوائجه الذابين عنه والمستشهدين بين يده لأنه الغائب عنا فزادهم شوقا فدعاء يعقوب أن يرى يوسف هو دعاءهم أن يروه وتكون ذراريهم من أعوانه، وممن يلقون نبيهم صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله‌ وسلم فيكونون من أصحابه.

روي عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم وعنده جماعة من أصحابه : اللهم لقني إخواني مرتين ، فقال من حوله من أصحابه : أما نحن إخوانك يا رسول الله؟ فقال : لا ، إنكم أصحابي ، وإخواني قوم من آخر الزمان آمنوا بي ولم يروني، لقد عرفنيهم الله بأسمائهم وأسماء آبائهم من قبل أن يخرجهم من أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم ، لأحدُهم أشدُّ بُقيَةً على دينه من خرط القتاد في الليلة الظلماء ، أو كالقابض على جمر الغضا ، أولئك مصابيح الدجى ، ينجيهم الله من كل فتنة غبراء مظلمة .

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (ربنٰا عليك توكلنٰا وإليك أنبنٰا وإليك المصير، ربنٰا لٰا تجعلنٰا فتنةً للذين كفروا، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوفٌ رحيمٌ).

توكل المؤمنين في مصيرهم وأنابتهم لله وألا يكون من الذين يسلط عليهم الكافرين فيؤذوهم.

روي عن أبي جعفر عليه السلام في قوله عز وجل: وقال موسى لقومه يا قوم ان كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا ان كنتم مسلمين وقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين فان قوم موسى استعبدهم آل فرعون وقالوا: لو كان لهؤلاء على الله كرامة كما يقولون ما سلطنا عليهم.

فقال موسى لقومه: يا قوم ان كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين.

إن من أهم التعاليم التي يتربى عليها المؤمنون هو الدعاء لإخوانهم الماضيين و الذين سبقوهم بالإيمان، وهؤلاء لهم صفات ينطق بها أمناء الرحمن.

روي عن أبي حمزة الثمالي، عن الإمام علي بن الحسين عليهما السلام قال: “المؤمن يصمت ليسلم، وينطق ليعلم، لا يحدث أمانته الأصدقاء، ولا يكتم شهادته من البعداء، ولا يعمل شيئاً من الخير رياءً، ولا يتركه حياءً، إن زكي خاف مما يقولون، ويستغفر الله مما لا يعلمون، لا يغره قول من جهله، ويخاف إحصاء ما عمله.

وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: المؤمن كمثل شجرة لا ينحات ورقها في شتاء ولا صيف، قالوا: يا رسول الله، وماهي ؟ قال: النخلة.

إن المؤمنين بدعائهم لبعضهم البعض ينجون، هذا ما وعدهم الله ورسوله.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: وإنّ العبد المؤمن ليُؤمر به إلى النار يكون من أهل المعصية والخطايا ، فيُسحب فيقول المؤمنون والمؤمنات : إلهنا !.. عبدك هذا كان يدعو لنا فشفّعنا فيه ، فيشفّعهم الله عزّ وجلّ فيه ، فينجو من النار برحمة من الله عزّ وجلّ.

روي عن الإمام قال أبو الحسن عليه السلام قال: مَن دعا لإخوانه من المؤمنين وكل الله به عن كلّ مؤمنٍ ملكاً يدعو له ، وما من مؤمنٍ يدعو للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات ، إلاّ ردّ الله عليه من كل مؤمنٍ ومؤمنةٍ حسنة ، منذ بعث الله آدم عليه السلام إلى أن تقوم الساعة . 

المؤمنين عارفين بحقوق أخوتهم تراهم ملتزمين بما أمروا به من الدعاء، بظهر الغيب.

روي عن عبد الله بن جندب قال : كنت في الموقف فلمّا أفضت لقيت إبراهيم بن شعيب فسلمت عليه ، وكان مصاباً بإحدى عينيه ، وإذا عينه الصحيحة حمراء كأنّها علقة دم ، فقلت له : قد أصبت بإحدى عينيك ، وأنا مشفقٌ لك على الأخرى ، فلو قصرت من البكاء قليلاً .

قال : لا والله يا أبا محمد !.. ما دعوت لنفسي اليوم بدعوةٍ ، فقلت :فلمَن دعوت ؟.. قال : دعوت لإخواني ، سمعت الإمام أبا عبد الله الصادق عليه ‌السلام يقول : مَن دعا لأخيه بظهر الغيب وكّل الله به ملكاً يقول : ولك مثلاه ، فأردت أن أكون إنّما أدعو لإخواني ، ويكون الملَك يدعو لي ، لأنّي في شكٍّ من دعائي لنفسي ، ولست في شكٍّ من دعاء الملك لي . 

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(صل على محمد وآله واستر علي ذنوبي وعيوبي واغفر لي بحق محمد وآل محمد إنك أنت الرؤوف الرحيم ).

المؤمنون الذين يلهجون بطلب ستر عيوبهم والغفران بآخر أيام شهر رمضان يعلمون أن بفعلهم الذي يتركوه من كشف ستر أخيهم المؤمن، والتشهير به لهم حظ.

روي عن الامام الصادق عليه السلام قال: من ستر على مؤمن عورة يخافها ستر الله عليه سبعين عورة من عورات الدنيا والآخرة.

موعظة الكلام ترجع إليهم فهم القرآن الناطق والحق منهم وإليهم فيعرفوننا معان تنجينا من سخط الله.

ومن كلام لأمير المؤمنين عليه السلام قال:

  يا عبد الله! لا تعجل في عيب أحد بذنبه، فلعله مغفور له، ولا تأمن على نفسك صغير معصية، فلعلك معذب عليه، فليكفف من علم منكم عيب غيره لما يعلم من عيب نفسه، وليكن الشكر شاغلاً على معافاته مما ابتلي به غيره، فلا يستعجل الإنسان بفضح أخيه لعله أفضل منه، وقد يكون قد تاب وغفر الله له، فيكسب الشاهر الذي ينشر الأقاويل والتحدث عن هذا وذاك سخط الله وغضبه.

وآخر دعوانا أن الحمدالله رب العالمين.

شرح دعاء الليلة السادسة والعشرين

دعاء الليلة السادسة والعشرين

بسم الله الرحمن الرحيم

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنك أنت الوهاب.

ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار.

ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.

ربنا صل على محمد وآل محمد واستجب دعاءنا واغفر لنا ولوالدينا وولدنا وما ولدوا إنك أنت الغفور الرحيم.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنك أنت الوهاب.

ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار).

العبد المؤمن يعرف أن للقلوب تحولات كثيرة تخرجه من لذة الهداية إلى غصة المعصية، فدوام دعائه أن يثبت على الهداية الحقة من الإيمان والولاية لمحمد وآل محمد.

روي عن هشام ابن الحكم في وصية الإمام موسى الكاظم عليه السلام قال: يَا هِشَامُ إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَ عَزَّ حَكَى عَنْ قَوْمٍ صَالِحِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا- رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَ هَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ‏ حِينَ عَلِمُوا أَنَّ الْقُلُوبَ تَزِيغُ وَ تَعُودُ إِلَى عَمَاهَا وَ رَدَاهَا، إِنَّهُ لَمْ يَخَفِ اللَّهَ مَنْ لَمْ يَعْقِلْ عَنِ اللَّهِ وَ مَنْ لَمْ يَعْقِلْ عَنِ اللَّهِ لَمْ يُعْقَدْ قَلْبُهُ عَلَى مَعْرِفَةٍ ثَابِتَةٍ يُبْصِرُهَا وَ يَجِدُ حَقِيقَتَهَا فِي قَلْبِهِ، وَ لَا يَكُونُ أَحَدٌ كَذَلِكَ إِلَّا مَنْ كَانَ قَوْلُهُ لِفِعْلِهِ مُصَدِّقاً وَ سِرُّهُ لِعَلَانِيَتِهِ مُوَافِقاً، لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَدُلَ‏ عَلَى الْبَاطِنِ الْخَفِيِّ مِنَ الْعَقْلِ إِلَّا بِظَاهِرٍ مِنْهُ وَ نَاطِقٍ عَنْهُ.

البقاء الثابت على الإيمان في القلب هو من أصعب ما يمر به المؤمن وهو في ضيافة الرحمن وآخر ليالي هذا الشهر الفضيل لذلك يسأل الله الرحمة في بقائه على ولاية محمد وآله عليهم السلام، وأن لا يزغ قلبه، فيكون من الأخسرين والذين حبطت أعمالهم.

روي عن أبي بصير، عندما سئل أبي جعفر عليه السلام عن قوله تعالى: “هو الّذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقرّ ومستودع” قال عليه السلام: ما يقول أهل بلدك الّذي أنت فيه؟ قال: قلت: يقولون مستقرّ في الرحم، ومستودع في الصلب. فقال عليه السلام: “كذبوا، المستقرّ ما استقرّ الإيمان في قلبه، فلا ينزع منه أبداً، والمستودع الّذي يستودع الإيمان زماناً ثمّ يسلبه، وقد كان الزبير منهم.

روي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: إن الله جبل النبيين على نبوّتهم، فلا يرتدّون أبدا، وجبل الأوصياء على وصاياهم فلا يرتدّون أبدا، وجبل بعض المؤمنين على الإيمان فلا يرتدون أبدا ومنهم من أعير الإيمان عارية، فإذا هو دعا وألح في الدعاء مات على الإيمان.

ينادي النبي صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم إلى الإيمان بالله وما أؤتي به أنه الحق من عند الله عزوجل، ليغفر الله ذنوب العاصين ويمحي السيئات عنهم، ولكن هيهات من دون ولايتهم لأهل البيت عليهم السلام والثبات فيها، لأنه سيكون معرّضاً للتزلزل عند عصف الأهواء، وهزاهز اللأواء، وعندها سيدخل العبد في دائرة الخطر والخوف على الإيمان الذي ينادي به رسول الله صلى الله عليه وآله، لكثرة الشكوك والشبهات التي تعرض عليه، كما حدث لبلعم بن باعوراء.

روي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام: أنه أعطي بلعم بن باعوراء الاسم الأعظم وكان يدعو به فيستجاب له ، فمال إلى فرعون، فلما مر فرعون في طلب موسى عليه السلام وأصحابه قال فرعون لبلعم: ادعُ الله على موسى وأصحابه ليحبسه علينا، فركب حمارته ليمر في طلب موسى عليه السلام فامتنعت عليه حمارته، فأقبل يضربها فأنطقها الله عز وجل فقالت: ويل لك على ما تضربني؟! أتريد أن أجيء معك لتدعو على نبي الله وقوم مؤمنين؟! فلم يزل يضربها حتى قتله، وانسلخ الاسم الأعظم من لسانه وهو قوله: ﴿فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ ولَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِه ولكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ واتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ وتَتْرُكْهُ يَلْهَثْ﴾، وهو مثل ضربه الله، فقال الإمام الرضا عليه السلام: فلا يدخل الجنة من البهائم إلا ثلاثة حمارة بلعم وكلب أصحاب الكهف والذئب وكان سبب الذئب أنه بعث ملك ظالم رجلا شرطيا ليحشر قوما من المؤمنين وهو يعذبهم ، وكان للشرطي ابن يحبه فجاء ذئب فأكل ابنه، فحزن الشرطي فأدخل الله ذلك الذئب الجنة لما أحزن الشرطي.

قال ابن عباس دخل الذئب الجنة بأكله لابن الشرطي فلو أكل الشرطي لرفعه الله تعالى إلى عليين، والشرطي من أعوان الظلمة من الشرطة، وهي: العلامة لأنهم يعلمون أنفسهم بعلامات يعرفون بها.

لا يكون العبد في ما يتمنى أن يكون مع الأبرار إذا لم يثبت في تمسكه باعتقاده للحق في زمن غيبة ولي الله الأعظم عجل الله تعالى فرجه الشريف، والتزامه الكامل بما أمروا به شيعتهم.

روي عن الإمام موسى الكاظم عليه السلام قال: طوبى لشيعتنا، المتمسكين بحبلنا في غيبة قائمنا، الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا، أولئك منا ونحن منهم، قد رضوا بنا أئمة، ورضينا بهم شيعة، فطوبى لهم، ثم طوبى لهم، وهم والله معنا في درجاتنا يوم القيامة.

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين).

يشار إلى أن الإيمان بالله، والتصديق بالأنبياء، والإيمان بالمعاد، ومراعاة حق عبادة الله، والإيمان القلبي والطاعة العملية للمؤمنين، والمغفرة، وعدم تحميلهم العبادة أكثر من طاقتهم.

روي عن الإمام الصادق أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: رفع عن أمتي تسعة أشياء: الخطأ، والنسيان، وما أكرهوا عليه، وما لا يعلمون، وما لا يطيقون، وما اضطروا إليه، والحسد، والطيرة، والتفكر في الوسوسة في الخلوة ما لم ينطقوا بشفة.

والإصر قيل: العهد المؤكد الذي يثبط ناقضة عن الثواب والخيرات، وتعقيد الأمر عليه، كما حملته على الذين من قبلنا، في الأمم كبني إسرائيل من قتل النفس في التوبة وإخراج ربع المال في الزكاة وقرض موضع النجاسة.

وروي عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: رفع عن أمتي أربع خصال: خطاؤها ونسيانها وما أكرهوا عليه وما لم يطيقوا، وذلك قول الله عز وجل: ربنا إلى آخر الآية.

فقاعدة اللطف تقتضي إعلام العباد بما فيه صلاحهم وما فيه فسادهم لطفاً بهم، فكل شيء يترتب عليه صلاحهم يرشدهم إليه، وكل شيء فيه فسادهم ينهاهم عنه، ومن هنا اقتضت قاعدة اللطف بعث الرسل والأنبياء ليتم البلاغ على أيديهم، فيبشرون الناس وينذرونهم، ويبلغون لهم الأحكام، فوجود الأنبياء في الأرض يمثل اللطف الإلهي، فعلى هذا يكون كلُّ لطف واجباً فعله.

ومن كلام الإمام أمير المؤمنين علي عليه السَّلام إشارة إلى هذا قال عليه السَّلام: “أيها الناس، إن الله تبارك وتعالى لما خلق خلقه أراد أن يكونوا على آداب رفيعة وأخلاق شريفة، فعلم أنهم لم يكونوا كذلك إلا بأَن يعرّفهم مالهم وما عليهم، والتعريف لا يكون إلا بالأمر والنهي6. والأمر والنهي لا يجتمعان إلا بالوعد والوعيد، والوعد لا يكون إلا بالترغيب، والوعيد لا يكون إلا بالترهيب، والترغيب لا يكون إلا بما تشتهيه أنفسهم وتلذه أعينهم، والترهيب لا يكون إلا بضد ذلك.

والنصرة لا تكون إلا من الله عزوجل على الكافرين، فدعاء الافتتاح للإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه: “اللهمّ أعزّه واعزز به، وانصره وانتصر به، وانصره نصرًا عزيزًا، وافتح له فتحًا يسيرًا، واجعل له من لدنك سلطانًا نصيرًا… وانصرنا به على عدوّك وعدوّنا… وأعنّا على ذلك بفتح تعجّله… ونصرٍ تعزّه وسلطان حقٍّ تظهره.

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (ربنا صل على محمد وآل محمد واستجب دعاءنا واغفر لنا ولوالدينا وولدنا وما ولدوا إنك أنت الغفور الرحيم).

من الأمور التي يعمل بها المؤمن هو كثرة دعائه لأبويه وذريته بالعفو والمغفرة، وقد أولى أئمتنا عليهم السلام المزيد من الاهتمام في الدعاء والابتهال إلى الله، لأنه من أنجع الوسائل وأعمقها، في تهذيب النفوس، واتصالها بالله تعالى.

روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: كان أبي عليه السلام يقول: خمس دعوات، لا يحجبن عن الرب تبارك وتعالى، دعوة الإمام المقسط، ودعوة المظلوم، يقول الله عز وجل: «لأنتقمن لك، ولو بعد حين » ودعوة الولد الصالح لوالديه ، ودعوة الوالد الصالح لولده ، ودعوة المؤمن لأخيه بظهر الغيب ، فيقول : ولك مثله.

اللهم اجعلنا من الذين كثرت أدعيتهم الصاعدة إليك، ممن استجبت لهم ولوالديهم وما ولدو وذرياتنا وإخواننا.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مفردتي الرحمن و الرحيم٤

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

اللَّهُمَّ رَبَّ شَهرِ رَمَضانَ، مُنَزِّلَ القُرآنَ، هذا شَهرُ رَمَضانَ الَّذي أنزَلتَ فيهِ القُرآنَ وأنزَلتَ فيهِ آياتٍ بَيِّناتٍ مِنَ الهُدى والفُرقانِ. اللَّهُمَّ ارزُقنا صيامَهُ، وَأعِنّا عَلى قيامِهِ.(*)

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد.

                                                                          معنى مفردات البسملة

تكملة لحاظ و جهات في رحمة الله عزوجل

الرابع: الرحمة الإلهية في النصوص القرآنية.

1- قوله تعالى في سورة الفاتحة: {الرحمن الرحيم} تكرار الجملة بعد جملتين قصيرتين دليل على تثبيت ما جاء من جميل القول و تقديم هذه الصفتين على باقي الصفات مثل تكرارهم قبل كل سورة عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنه قال: <<البسملة تيجان السور>>(1).

و بطبيعة الحال إن التاج أعلى مرتبة في الإجسام عادة.

2- قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ }(2)

هذه الحياة الدنيا امتحان و تمحيص حسب قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ }(3) يمتحننا بالخوف و بالبلاء مثل بعض الأمراض ، و أكبر مصداق لمثل هذه الامتحانات مرض أيوب عليه السلام و صبره ، و موت أبنائه، و انتهاء مزارعه بالحرق، رغم كل هذه الابتلاءات فقد صبر عليه السلام ، فنزلت عليه الرحمة في الدنيا قبل الآخرة، وأعاد الله له كل هذه الأمور، شوفي من مرضه و رزقهم الله عشرة أولاد كالسابق، و فاضت مزارعه من الثمرات جزاءً له بما صبر، فأنزل الله عزوجل الرحمة عليه.

3- قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (4).

زكاة العلم تعليمه، و لابد من إظهار العلم في وقت الحاجة، فكتمانها لعنة من الله، و أظهارها رحمة منه.

4- قوله تعالى : {و اتقوا النار التي أعدت للكفرين و أطيعوا الله و الرسول لعلكم ترحمون}(5)

العمل على أوامر الله و رسوله و ترك النواهي إيضا موجب للرحمة الإلهية.

5- قوله تعالى: {فأما الذين ءامنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمةٍ منه وفضل و يهديهم إليه صراطا مستقيما}(6).

في الشق الرابع أشار رب عزة و جلال إلى فروع الإسلام من أوامر و نواهي، و لكن هنا يشير إلى أركان الاسلام و عقيدة المرء بشرط أن تكون ثابتة، و وعد برحمة ، و أكدها بحرف الجر و الضمير العائد إليه (منه)، و تبعها بفضل، أن يوضح للمؤمن نور طريق الهداية إلى الصراط المستقيم .

والحمد لله رب العالمين

——————————————————

1- تفسير القرطبي – ج1-ص92

2-البقرة 156-157

3- الملك2

4- البقرة159-200

5- آل عمران 132

6- النساء 175

شرح دعاء الليلة الخامسة والعشرين

دعاء الليلة الخامسة والعشرين

بسم الله الرحمن الرحيم 

تبارك الله أحسن الخالقين، خالق الخلق، منشئ السحاب، وآمر الرعد أن يسبح له، تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شئ قدير، الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا، تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا.

تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا، تبارك الله أحسن الخالقين، يا إلهي وإله العالمين، وإله السماوات السبع ومافيهن ومابينهن، وإله الأرضين السبع ومافيهن وما بينهن صل على محمد وآل محمد، وامنن علي بالجنة، ونجني من النار إنك أنت المنجي المنان. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين. 

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(تبارك الله أحسن الخالقين، خالق الخلق، منشئ السحاب، وآمر الرعد أن يسبح له، تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شئ قدير، الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا). 

تبارك الله أي، تقدّس وتعالى وتَنَزَّه وتعاظَم وكثُرت خيراتُه وعمَّت بركاتُه.

المؤمن بعدما تهيأ في أمور عبادته إلى الله و كان ساعيا في يومه وليله في كل أموره له، لا يخفى أن العلم والتعلم والمعرفة أصل في نموه نحو المعرفة التي تصدح في الوصول إلى كنه وكنف الحق فينطق الحق ما يتأجج في قلب المؤمن. 

روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) كثيراً ما يقول إذا فرغ من صلاة الليل : (أشهد أنّ السماوات والأرض وما بينهما آيات تدلّ عليك، وشواهد تشهد بما إليه دعوتَ، كلّ ما يؤدّي عنك الحجّة، ويشهد لك بالربوبيّة، موسوم بآثار نعمتك ومعالم تدبيرك، علوتَ بها عن خلقك، فأوصلت إلى القلوب من معرفتك ما آنسها من وحشة الفكر، وكفاها رجْم الاحتجاج؛ فهي مع معرفتها بك، وولهها إليك ؛ شاهدة بأنّك لا تأخذك الأوهام، ولا تدركك العقول ولا الأبصار. 

يتهيأ المؤمن بعد معرفته أن الموت والحياة بيد الله، والموت ليس نهاية، بل هو حالة انتقال من دار الفناء إلى دار البقاء.

روي عن الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال: “أيّها الناس، إنّا خُلقنا وإيّاكم للبقاء، لا للفناء، لكنَّكم من دار إلى دار تُنقلون.

روي عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عن الموت قال: الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر، والموت جسر هؤلاء إلى جنّاتهم وجسر هؤلاء إلى جحيمهم.

المؤمن العالم أن الغاية من خلق الحياة والموت هو مقدمة للأمتحان في حسن عمله وقبحه والتمييز فيه يكون لأستقبال الجزاء عليه من الله. 

روي عن الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام قال: احذروا عباد الله الموت وقربه، وأعدوا له عدته، فإنه يأتي بأمر عظيم وخطب جليل، بخير لا يكون معه شر أبدا، أو شر لا يكون معه خير أبدا، فمن أقرب إلى الجنة من عاملها! ومن أقرب إلى النار من عاملها!. 

العمل الحسن المنجي لكل عبد هو طمع المتنافسين في حصولهم على أفضل الأعمال وأحسنها عند الله وذلك قوله تعالى في سورة المطففين: {خِتَامُهُ مِسْكٌ ۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}.

روي عن  قيس بن عاصم قال: وفدت مع جماعة من بني تميم إلى النبي صلى اللّه عليه وآله، فقلت: يا نبي اللّه عظنا موعظة ننتفع بها، فإنا قوم نعمّر في البرّية.

فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: “يا قيس إنّ مع العز ذُلاً، وإنّ مع الحياة موتاً، وإنّ مع الدنيا آخرة، وإنّ لكل شيء حسيباً، وعلى كل شيء رقيباً، وإن لكل حسنة ثواباً، ولكل سيئة عقاباً، ولكل أجل كتاباً. وإنه لا بد لك يا قيس من قرين يُدفن معك وهو حيّ، وتدفن معه وأنت ميت، فإن كان كريماً أكرمك، وإن كان لئيماً أسلمك، ثم لا يحشر إلا معك، ولا تبعث إلا معه، ولا تسأل إلا عنه، فلا تجعله إلا صالحاً، فإنه إن صلح أنست به، وإن فسد لم تستوحش إلا منه، وهو فعلك.

حذر المؤمن في قلبه فينظر هل هو من أهل الطاعة؟ أم من أهل العصاة حائر لبه؟

روي عن الإمام الباقر عليه السلام: إذا أردت أن تعلم أن فيك خيراً، فانظر الى قلبك، فان كان يحب أهل طاعة اللّه عز وجل ويبغض أهل معصيته ففيك خير، واللّه يحبك. وإن كان يبغض أهل طاعة اللّه، ويحبّ أهل معصيته فليس فيك خير، واللّه يبغضك، والمرء مع من أحب.

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا، تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا، تبارك الله أحسن الخالقين).

أنزل الله في كتابه العزيز سورة الفرقان نصرة لنبيه بعدما حاجوه أنه مثلهم يأكل ويشرب ويمشي بالأسواق.

روي عن عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام، أنّه قال: قلت لأبي علي بن محمد عليه السلام: هل كان رسول اللّه  يناظر اليهود والمشركين إذا عاتبوه ويحاجّهم؟ قال: مراراً كثيرة وذلك أنّ رسول اللّه كان قاعداً ذات يوم بفناء الكعبة، فابتدأ عبد اللّه بن أبي أمية المخزومي، فقال: يا محمد لقد ادّعيت دعوى عظيمة، وقلت مقالاً هائلاً، زعمت أنّك رسول ربّ العالمين، وما ينبغي لربّ العالمين‏ وخالق الخلق أجمعين أن يكون مثلك رسوله بشراً مثلنا، تأكل كما نأكل وتمشي في الأسواق كما نمشي، فقال رسول اللّه: اللّهمّ أنت السامع لكل صوت، والعالم بكلّ شي‏ء، تعلم ما قاله عبادك، فأنزل اللّه عليه هذه السورة.

معرفتهم صلوات الله عليهم هي أساس الحق ومبدأه، فالمؤمن العارف المتيقن بما أوجبه الله عليه من وجوب معرفته يعبد الله ويتوسل إليه بهم وعند ذكره يستبشر ويفرح قلبه، لا يتمنى لحظة أن يكون مثل الذين قال تعالى عنهم في سورة الحجرات:{قَالَتِ ٱلْأَعْرَابُ ءَامَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَٰكِن قُولُوٓاْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلْإِيمَٰنُ فِى قُلُوبِكُمْ ۖ وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَٰلِكُمْ شَيْـًٔا ۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.

روي عن رسول اللَّه  قال: مَا بَالُ أَقْوَامٍ إِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُمْ آلُ إِبْرَاهِيمَ  فَرِحُوا وَاسْتَبْشَرُوا، وَإِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُمْ آلُ مُحَمَّدٍ  اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُهُمْ؟ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ عَبْداً جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِعَمَلِ سَبْعِينَ نَبِيّاً، مَا قَبِلَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْهُ حَتَّى يَلْقَاهُ بِوَلَايَتِي وَ وَلَايَةِ أَهْلِ بَيْتِي. 

المؤمن يعرف أن الله خلق كل شيء لأجلهم ولولاهم ما خلق الخلق لأن الأمر المتوجب عليه هو الموالاة لهم عليهم السلام ومعرفتهم .

روي عن الإمام الرضا عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

ما خلق الله عز وجل خلقا أفضل مني ولا أكرم عليه مني.

قال علي (عليه السلام): فقلت: يا رسول الله فأنت أفضل أو جبرئيل؟ 

فقال (صلى الله عليه وآله): يا علي إن الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين، وفضلني على جميع النبيين والمرسلين، والفضل بعدي لك يا علي وللأئمة من بعدك، وإن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا، يا علي الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا.

يا علي لولا نحن ما خلق، آدم ولا حواء، ولا الجنة ولا النار، ولا السماء ولا الأرض، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى معرفة ربنا وتسبيحه وتهليله وتقديسه؟ لأن أول ما خلق الله عز وجل خلق أرواحنا فأنطقنا بتوحيده وتحميده.

ثم خلق الملائكة فلما شاهدوا أرواحنا نورا واحدا استعظموا أمرنا، فسبحنا لتعلم الملائكة أنا خلق مخلوقون، وأنه منزه عن صفاتنا، فسبحت الملائكة بتسبيحنا، ونزهته عن صفاتنا، فلما شاهدوا عظم شأننا هللنا لتعلم الملائكة أن لا إله إلا الله وإنا عبيد ولسنا بآلهة يجب أن يعبد معه أو دونه ، فقالوا: لا إله إلا الله.

فلما شاهدوا كبر محلنا كبرنا لتعلم الملائكة أن الله أكبر من أن ينال عظم المحل إلا به، فلما شاهدوا ما جعله لنا من العز والقوة قلنا: لا حول ولا قوة إلا بالله  لتعلم الملائكة أن لا حول لنا ولا قوة إلا بالله.

فلما شاهدوا ما أنعم الله به علينا وأوجبه لنا من فرض الطاعة قلنا: الحمد لله لتعلم الملائكة ما يحق لله تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمه فقالت الملائكة:

الحمد لله، فبنا اهتدوا إلى معرفة توحيد الله وتسبيحه وتهليله وتحميده وتمجيده. 

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (، يا إلهي وإله العالمين، وإله السماوات السبع ومافيهن وما بينهن، وإله الأرضين السبع ومافيهن وما بينهن صل على محمد وآل محمد، وامنن علي بالجنة، ونجني من النار إنك أنت المنجي المنان).

يقسم المؤمن و يتمنى الفوز في هذا الشهر الكريم بالجنة والنجاة من النار، بالله وبمحمد وآل محمد، لأن محبهم سيدخل الجنة وإن كان عاصياً، ومبغضهم يدخل النار وإن أطاع الله وعبده حتى تنكسر رقبته.

روي عن ابن عباس قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): يا علي إن فاطمة بضعة مني، هي نور عيني وثمرة فؤادي، يسوؤني ما ساءها ويسرني ما سرها، ثم رفع يديه إلى السماء .

فقال: اللهم إني أشهدك أني محب لمن أحبهم، مبغض لمن أبغضهم، سلم لمن سالمهم، حرب لمن حاربهم، عدو لمن عاداهم، ولي لمن والاهم.

الحق يعرف في العباد بتميزهم في عبادتهم وأعمالهم التي تكون سبيل نجاتهم المرجوة من الله لهم، وأن أسروا ما في قلوبهم يعلمه الله فيجازيهم بما عملوا ، أما في الدنيا، وأما في الأخرة، ولكن لكل شئ فريضة وفريضة قبول عمله وعبادتهم هي ولايتهم ومحبتهم لأمير المؤمنين عليه السلام. 

روي عن أبي الصلت الهروي قال: 

قال المأمون لعلي الرضا ابن موسى الكاظم عليهما السلام: اخبرني عن جدك أمير المؤمنين علي عليه السلام بأي وجه هو قسيم الجنة والنار؟

فقال له الرضا (عليه السلام): (ألم ترو عن آبائك عن عبد الله بن عباس أنه قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: حب علي إيمان وبغضه كفر؟

 فقال : بلى.

فقـال الرضا (عليه السلام): لما كانت الجنة للمؤمن والنار للكافر فقسمة الجنة والنار إذا كان على حبه وبغضه فهو قسيم الجنة والنار.

فقال المأمون: لا أبقاني الله بعدك، إنك وارث جدك رسول الله. 

هذه لياليه الباقية تعجل بالرحيل ونحن الصائمون الخائفون من رحيلها قبل نزول رحمته ومغفرته علينا، نرفع أكفنا بدعاء الإمام الصادق عليه السلام:

اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد عليك صل على محمد وآل محمد، واجعل النور في بصري، والبصيرة في ديني، واليقين في قلبي، والإخلاص في عملي، والسلامة في نفسي، والسعة في رزقي، والشكر لك أبدا ما أبقيتني.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.