الفكر و الكلمة

بسم الله الرحمن الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

* الحمدلله على ماعرفّنا من نفسه و ألهمنا من شكره ، و فتح لنا من أبواب العلم بربُوبيته ودلنا عليه من الإخلاص له في توحيده ،و جنّبنا من الإلحاد و الشك في أمره ،و وفهمنا في أحكام دينه ، و صَلَّى لله علَى أشرف خَلِيفَة وخاتم أنبيائه و صفوة بريّته محمد بن عبدلله وعلى إبن عمه علي بن أبي طالب عليه السَلام ، وأما بعد …

 

[ الفكر و الكلمة ]

 

في محكمِ كتابهَ المبين :

 

{ الرَّحْمَنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢)خَلَقَ الْإِنْسَانَ (٣)عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (٤) } سورة الرحمن

 

{ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (٧٨) سورة النحل

 

الفكرة و الكلمة حقيقتان متلازمتان في حياة الأنسان وهما أبرز مظهر من مظاهر إنسانيتة ، و أعمق سبب من أسباب رقيّه و تطور حياته ، لأن الحياة الأنسانية بكل مافيها من مظاهر الحضارة و المدنية و الرقي الأجتماعي ماهي إلا نتيجة علمية للمعرفة الأنسانية ، ولقدرة الانسان على التعلم و انتزاع المعارف و العلوم واكتسابها ، ولولا وجود هذه الظاهرة الفكرية في حياة الأنسان لما شاهدنا للنشاطات الأنسانية التي تشكل صيغة الحياة المدنية و الحضارية ، كالصناعات و الاكتشافات العلوم و الفنون و الأدب و القوانين و العقائد و الأخلاق … أي أثر أو وجود .

 

وما هذه العلوم و المعارف التي أعطت الحياة الانسانية قيمتها وصيغتها إلا نتاج الفكر ووليدة الكلمة .

 

فما نشاهده من مظاهر الحضارة ونسيج العلاقات الانسانية التي تربط المجتمع الانساني وتشكل صيغته ، إن هي إلا وليدة أفكارنا ونتاج الكلمة التي نتخاطب بها و ننقل الأفكار و الأحاسيس و المشاعر عن طريقها فالكلمة ( أداة الافصاح و التعبير عن الفكرة ،، ووعاء المعنىٰ الكامن في نفس الأنسان…. ) ولولا الكلمة لنا استطاع الأنسان أن يتافهم مع الأخرين ، أو يُكوَّن حياته الاجتماعية التي استطاع أن يبني كيانها الشامخ المتطور .

 

فالفكرة و الكلمة إذن هما قاعدة البناء الحضاري …. وهما ركيزة الحياة الاجتماعية ، لذا كان اهتمام الاسلام بالكلمة بالغ الأهمية بأعتبارها الأداة المعبرة عن الفكر الانساني ، و الرسول ناطق بلسانهِ ، اذ ليست الافكار و المفاهيم إلا عالما من الصور التي ينتجها التفكير ،وينتزعها الفكر من العالم المحيط بالإنسان .

 

وهذا العالم الصامت ( الأفكار ) يعيش في جزيرة مقطوعة الاتصال و الوجود عن بقية الناس ، فهو لايستطيع الخروج من محيطه ، أو الاعلان عن وجودهِ ، إن لم تمتدَ بينَ الانسان وبين الأخرين من أبناءِ جنسه جسور الكلمات ، ومعابر الحروف التي تعبر عليها الأفكار و التصورات التي يحملها في فكره ونفسه لتصل إلىٰ الذين يُراد إيصال الفكر و المراد إليهم .

 

 

ولقد وصف القرآن الكريم هذه الحقائق وعبر عنها أدق تعبير حيّن سمَّىٰ النطق بالكلمة بياناً ، وحين جعل البيانَ مرتبطاً بالتعلم وبالخَلق و الأبداع بقوله :

 

الرَّحْمَنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢)خَلَقَ الْإِنْسَانَ (٣)عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (٤) – سورة الرحمن –

 

فدقةُ الإستعمال القرآني تتضح في تسمية القرآن الحكيم للنطق بياناً ، لأن البيان هو الكشف و الأعلان و التعبير عن المحترمٰ و المضمون الذي يحمله الانسان في نفسه وفكره.

 

ومثلما كان القرآن دقيقاً وبليغاً في وصفِ للنطق و القدرة الكلامية المعبرة ، وتسميتها بالبيان ، كان دقيقاً أيضاً حين تحدث عن كيفية اكتساب العلم وحصول المعرفة لدىٰ الانسان ، فربط بين الفكر وبين سماع الكلمة ، أداة التعبير و التوصيل الفكري فقال :

 

{ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}

 

وهكذا يكون الفكر والكلمة وليدتا (الفؤاد ، السمع ، البصر ، البيان ) يكونان في نظر القرآن ومفهومه العنصرين الأساسين في بناء الحياة الانسانية وتشكيلها الحضاري و الاجتماعس .

 

لذلك خاطب الله سبحانه الانسان بالكلمة ، وحاور الفكر و العقل الانساني بأدق منطق وأرصن برهان .

 

 

وهاتان الأداتان البنائينان – الفكر و الكلمة – كغيرها من الأدوات و الوسائل الانسانية ، قابلتان للاستعمال و التوجيه الخير و البنَّاء ، كما انهما خاضعتان لأمكان الانحراف و الهدم و التخريب … لذلك حرص الاسلام كل الحرص على صيانة الفكر و الكلمة و إخضاعهما للالتزام و الانضباط ، وحفظاً على سيرة الحياة ، وحماية لأهداف الانسان الخيرة فيها .

 

 

 

 

بقلم : الميرزا حُسَيْن الْنُعَيّمي |

٣ رمضان الكريم ١٤٣٨ هـ

٢٩ مايو ٢٠١٧ م

المُعجِزَةُ الخالِدة ..

بسم الله الرحمن الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

والحمدلله رب العالمين، والصلاةُ والسلامُ على البدرِ التمامِ وشمسِ الشموس والنورِ الباهر والعلمِ الزاهر البشيرِ النذير محمد وعلى آله بدور الخلفاء، ونجوم الأصفياء ..
📚 في الحديث الشريفِ عَنْ رسولِ الله (صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلم):

(( فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه )).

بحار الانوار، ج89، ص19.
📌 إنَّ القرآن الكريم هو الوحي الإِلهي المُنزل مِن الله سبحانهُ وتعالى على لسان نبيهِ المصطفى محمدٍ (صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلم)، وهو مُعْجِزتهُ الخالِدة التي أعجزت البشرَ عَن مُجاراتها في البلاغَةِ والفصاحة، وفيما حوى من معارِفٍ عاليةٍ وحقائق عظيمة.

فهو “المعجِزَةُ الخالِدة”.
🖊 ولقد عرَّف العلماءُ ” المعجزةَ ” بأنها: عبارة عن الأمر الخارقِ للعادَة، يأتي بها مدَّعي النبوة بِإِرادة الله جلَّ جلاله، وتكونُ دليلاً على صدقِ دعواه، ويعجزُ الناس عن مجاراتها والإتيان بمثلها.
📌 وهذا التعريف يوضِحُ لنا أموراً أربعة:
1. وجود بعض الظواهر الخارقة للعادة، وهي التي لا يمكن أن تكون موجودةً من خلال العلل والأسباب العادية والطبيعية.

2. أن الأمر الخارق للعادة من الأنبياء هو بإِرادة اللهِ سُبحانهُ، وتكون مِنَ النبيِّ بِإِذنٍ خاصٍ مَِ الله عزَّ وجلَّ.

3. إن مثل هذا الأمر الخارق، يمكن أن يكون دليلاً على صدق دعوى النبيِّ بِالنبوة، فيصطلحُ عليهِ بـ ” المُعْجِزَة “.

4. أن هذا الأمر الخارق للعادة يعجزُ عن اِتيانه سائر البشر العاديين.
🖊 لقد بَعَثَ الله سبحانه في مراحل تاريخيَّة مختلِفة عشرات الآلاف من الأنبياء وجعلهُم مناراً لهداية عبادِهِ وأيدهم بالدلائِل الواضِحَةِ والمعاجزِ الباهرة، الخارقة للعادة، لتكون علامةً على صدقِ كلِّ نبيٍّ بعثَهُ الله تعالى لهدايةِ البشر، وتكون حجة على الناس.
📌 ومِنَّ الأمور الدقيقةِ في معاجِز الأنبياءِ عندما يتأمل القارئ لمعجِزَةِ كلِّ نبيٍّ مِن أنبياءِ الله تعالى، أن معجزة كل نبيٍّ تتناسَبُ مع ما اشتُهِرَ

في زمانِهِ وعصرِه مِنَ العُلوم والفنون.
📌 فكانت معجزةُ نبيِّ اللهِ موسى الكليم (على نبينا وآله وعليه الصلاة السلام) هي ” العصا ” التي تلقف السحر وما يأفكون، حيث كانَّ السِحر في عصرِ النبي موسى فناً شائِعاً، فكانت معجزتُهُ تتناسبُ معَ عصرهِ، وأنها مما عجز عن مثله البشر.
📌 وكذلك مُعجزةُ نبيِّ الله عيسى بن مريم (عليه السلام) هي ” إبراء الأكمه والأبرص وإِحياء الموتى “، إذ جائتْ هذهِ المُعْجِزَةُ في زمانٍ كان فنُ الطبِ هو السائِدُ بين الناس، وفيه أطباء لهم مكانتهم العالية والخاصة في مجتمعهم، فعجز طبهم وعلمهم عن مُجاراةِ ما جاء بِهِ نبيُّ اللهِ عيسى (عليهِ السلام).
📌 وفي القرن السادس بعد ميلاد نبيِّ اللهِ عيسى (عليهِ السلام)، جاء الهادي والمُرسل لكُلِّ الناس كافة، أفضل خلقِ الله سبحانه النبيُّ المُصطفى محمد بن عبدالله (صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلم) وهو يحملُ المُعجزَةَ الخالِدَة وهي ” الْقرآن الكريم “، المعجزُ بِبَلاغَتِهِ وفصاحته، في وقتٍ كانَّ علمُ البلاغة وفن الفصاحةِ معروفاً وسائداً، وكانَّ البُلغاءُ هم المقدمون عندَ الناسِ بسموِ فَصَاحَتهم، وحُسنِ بلاغتهم وبيانهم، فجاءَ كتابُ الله سبحانهُ وتعالى كَالصاعقةِ التي أدهشتهم وأوقفت عقولهم، وأفهمتهم أنهُ لا قِبلَ له بهذا الكتاب العظيم.
🖊 لهذا كانَّ القرآن الكريم – ” المُعجِزَة الخالِدة ” – الكتاب السماوي الوحيد الذي أعلن بكلِّ قوةٍ وصراحة أنْ لا أحد يتمكن من الإتيان بمثلِهِ أبداً، حتى لو اِجتمعت الإنسُ والجنُّ.
📚 قال اللهُ تعالى: { قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } سورة الإِسراء، آية 88.
📌 وقد تحدى القرآنُ تحدياً بكلِّ قوة أولئك البلغاء والفصحاء، لا أن يأتوا بمثل هذا القرآن، بل أن يأتوا بسورة من مثله، ولو سورة قصيرة.

فقال سبحانه وتعالى: { وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } سورة البقرة، آية 23.
📌 ومِن عناصرِ ودلائِل الإِعجاز في كتابِ الله الْقُرآن الكريم، فصاحته وبلاغته، أي أنَّ الله سبحانه وتعالى اِستخدمَ لِعرض مقاصِدِهِ في كلِّ مَوضوعٍ أعذب الألفاظ، وأجملها، وأجودَ التراكيب سبكاً وتأثيراً واعتدالاً.
📌 ومِنْ دلائِل إِعجازِ القرآن الكريم أنه لا يعتريهِ التبديل والتغيير والتحريف، وأنَّ هذا القرآن الكريم الذي بين أيدينا ونتلوهُ هو نفسُ الْقُرآنِ المُنزل على رسولِ اللهِ (صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلم)، وأيُ مُدعٍ يدعي غير هذا فهو مخترق أو مغالط أو مشتبه، وأن مَنْ يقول بتحريف القرآن أو أنه غير الذي أُنزل على رسول الله فهو على غير هُدى، فإنَّ هذا القرآن هو كلام الله والمعجِزَةُ الخالدة التي قال بحقِ الجليلُ سبحانهُ وتعالى: { لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } سورة فصلت، آية 42.
📚 وقد رويَّ عن الإِمامِ جعفرٍ الصادق (عليه السلام): (( هو قول اللّه .. وهو الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيلٌ من حكيم حميد )).

امالي الصدوق، ص326.
📌 وَمِنْ دَلائِل الإعجازِ الْقُرآني ” التناسق وعدم الإختلاف، فإنَّ القُرآنَ الكريم كِتابٌ نزل خلال ثلاثة وعشرين عاماً مِنْ حياةِ الرسولِ الأَكرم، وهذه السنين والأعوام شهدت عِدة مراحل مليئة بالحوادِث والإضطرابات الملتهبة، ورُغم هذه الحوادث والتحدِّيات والمتغيِّرات لم يكن لها أيُّ تأثيرٍ مِن محتويات القرآن وأُسلوبِ إعجازِهِ.

فقد قال اللهُ سبحانه: { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا } سورة النساء، آية 82.
📌 وإنَّ مِن الدلائِل الواضحات لذوي البصائِرِ والعقول على إِعجازِ الْقُرآنِ المجيد أنهُ كلما تقدمَ الزمن وتقدمتْ العلوم والفنون فهو باقٍ على طراوتِهِ وسمو مقاصِده وعظيم حلاوته، لا يظهرُ فيه خطأٌ في أي نظريةٍ علميةٍ ثابتة، ولا يطرأُ عليهِ تبديلٌ أو تحريف، قال تعالى: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } سورة الحجر، آية 9.
والحمدُ للهِ رب العالمين ..

وصلى اللهُ على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين ..
خادم الآل

الميرزا زهير الخال

الجمعة 22 شعبان 1438هـ.

البحرين