الليلة السابعة والعشرون

الشيخ حسين الشيخ علي المولى
Latest posts by الشيخ حسين الشيخ علي المولى (see all)

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

أنا الَّذي أسأتُ، أنا الَّذي أخطَأتُ، أنا الَّذي هَمَمتُ، أنا الَّذي جَهِلتُ، أنا الَّذي غَفَلتُ، أنا الَّذي سَهَوتُ، أنا الَّذي اعتَمَدتُ، أنا الَّذي تَعَمَّدتُ، أنا الَّذي وَعَدتُ، أنا الَّذي أخلَفتُ، أنا الَّذي نَكَثتُ، أنا الَّذي أقرَرتُ، أنا الِّذي اعتَرَفتُ بِنِعمَتِكَ عَلَيَّ وَعِندي، وَأبوءُ بِذُنوبي فَاغفِرها لي.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة التوبة: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.

روي عن الإمام الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، عن جبرئيل (عليه السلام) قال: قال الله جل جلاله: من أذنب ذنبا صغيرا كان أو كبيرا وهو لا يعلم أن لي أن أعذبه أو أعفو عنه لا غفرت له ذلك الذنب أبدا ومن أذنب ذنبا صغيرا كان أو كبيرا وهو يعلم أن لي أن أعذبه أو أعفو عنه عفوت عنه.

الإقرار الحقيقي بالذنوب من حيث ما أراد الله عز وجل، وليس ما أراده الشيطان من الاعتراف من دون الرجوع عنه، وهناك تبريرات كثيرة في التاريخ خطها المؤرخون في كتبهم واندفعت أقلام علماء التبرير للدفاع عن تلك الذنوب الكبيرة، التي تحير العقول من مرتكبيها وغيرت مجريات الأمور من النور إلى الظلام، ومنها ما جرى من سفك دماء الأنبياء عليهم السلام، وظلم آل محمد عليهم السلام.

إن ما أراده الشيطان _كما يروى_ عن هشام بن الحكم عن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: كان رجل في الزمن الأوّل طلب الدنيا من الحلال فلم يقدر عليها، وطلبها من الحرام فلم يقدر عليها، فأتاه الشيطان فقال له: ألا أدلّك على شيء تكثر به دنياك وتكثر به تبعك؟

 فقال: بلى،

قال: تبتدع ديناً، وتدعو الناس إليه.

ففعل، فاستجاب له الناس وأطاعوه، فأصاب من الدنيا، ثُمّ إنّه فكّر

فقال: ما صنعت؟! ابتدعت ديناً، ودعوت الناس إليه ما أرى لي من توبة إلاّ أن آتي من دعوته إليه فأردّه عنه، فجعل يأتي أصحابه الذين أجابوه، فيقول: إنّ الذي دعوتكم إليه باطل، وإنّما ابتدعته، فجعلوا يقولون: كذبت هو الحقّ، ولكنّك شككت في دينك، فرجعت عنه.

فلمّا رأى ذلك عمد إلى سلسلة فوتّد لها وتداً، ثُمّ جعلها في عنقه وقال: لا أحلّها حتّى يتوب الله عزّ وجلّ عليَّ، فأوحى الله عزّ وجل إلى نبيّ من الأنبياء قل لفلان: وعزّتي لو دعوتني حتّى تنقطع أوصالك ما استجبت لك حتّى تردّ من مات على ما دعوته إليه فيرجع عنه.

إن حقيقة الإقرار بالذنوب تأخذها العباد من مصادر ومعادن وحي الله عز وجل محمد وآل محمد سلام الله عليهم، روي عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا والله ما أراد الله تعالى من الناس إلا خصلتين: أن يقروا له بالنعم فيزيدهم وبالذنوب فيغفرها لهم.

ولكن نرى منهم إلى يومنا هذا بما كسبت أحقادهم و مدارسهم الأموية سينالون عقاب ذنوبهم مع ذنوب المدافعين عنهم حتى وأن كانت كل الدنيا تبرر أفعالهم.

روي عن شريك يرفعه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا كان يوم القيامة جاءت فاطمة عليها السلام في لمة من نسائها فيقال: لها ادخلي الجنة.

فتقول: لا أدخل حتى أعلم ما صنع بولدي من بعدي!

فيقال لها: انظري في قلب القيامة!

فتنظر إلى الحسين عليه السلام قائما وليس عليه رأس، فتصرخ صرخة، وأصرخ لصراخها، وتصرخ الملائكة لصراخها، فيغضب الله عز وجل عند ذلك، فيأمر نارا يقال لها هبهب، قد أوقد عليها ألف عام حتى اسودت، لا يدخلها روح أبدا، ولا يخرج منها غم أبدا،

فيقال: التقطي قتلة الحسين، وحملة القرآن، فتلتقطهم، فإذا صاروا في حوصلتها صهلت وصهلوا بها، وشهقت وشهقوا بها، وزفرت وزفروا بها،

فينطقون بألسنة ذلقة طلقة: يا ربنا فيما أوجبت لنا النار قبل عبدة الأوثان؟!

فيأتيهم الجواب عن الله تعالى: إن من علم ليس كمن لا يعلم.

و إنّ أحد الامراض التي ابتلي بها المجتمع الإسلامي منذ الصدر الأول بصورة عامة هو تبرير الذنوب في صور مختلفة .

حيث ينحرف بها الخاص والعام عن الطريق المستقيم. والأخطر من ذلك هو: غلق أبواب الصلاح أمام المذنب وأحياناً تغلق أبواب الحقيقة في نظره.

وإلى المبررين لأعظم واقعة في التاريخ فمن بكته الأنبياء عليهم السلام يصبح قاتله مسلم!!!

قال ابن خلكان: (…وقد أفتى الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى في مثل هذه المسألة بخلاف ذلك فإنه سئل عمن صرح بلعن يزيد هل يحكم بفسقه؟ أم هل يكون ذلك مرخصا فيه؟ وهل كان مريدا قتل الحسين رضي الله عنه؟ أم كان قصده الدفع؟ وهل يسوغ الترحم عليه أم السكوت عنه أفضل؟ ينعم بإزالة الاشتباه مثابا.

فأجاب: لا يجوز لعن المسلم أصلا ومن لعن مسلما فهو الملعون…)

والكلام طويل صادر منه ومن أمثاله ثبتنا الله على ولاية محمد وآل محمد.

ما يخفى على العبد في الذنوب التي تكون معصية لله التي ساقه إليها الشيطان الرجيم، والذنوب كلّها شديدةٌ، وجميعها كبائر، ولا فرق بينها من جهة مخالفة المولى سبحانه وتعالى، وإنّما الكبائر والصَّغائر هي أمورٌ نسبيةٌ لا ذاتيةٌ ، وإنما نُطلِقُ عليها لفظ الصغائر بالإضافة إلى ما هو أكبر منها، ونطلق عليها لفظ الكبائر بالإضافة والنسبة إلى ما هو أصغر منها في الفعل.

يروى ‎عن الإمام الكاظم عليه السلام قال: جاء أحد علماء الاسلام وهو عمرو بن عبيد إلى الإمام الصادق عليه السلام، بعد أن سلّم عليه وقرأ هذه الآية: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ﴾، بعدها سكت ولم يكمل الآية.

قال الإمام الصادق عليه السلام: لماذا سكتّ؟

أجاب عمرو بن عبيد: أحبّ ان أعرف الذنوب الكبيرة في كتاب الله تعالى!

أجابه الإمام الصادق عليه السلام: نعم يا عمرو!، اسمع:

1 ـ أكبر الذنوب الكبيرة الشرك بالله سبحانه كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا﴾.

2 ـ وبعده اليأس من رحمته، قال الله تعالى: ﴿إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُون﴾.

3 ـ وبعدهما الأمان من مكر الله تعالى. قال الله تعالى: ﴿فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُون﴾.

4 ـ ومن جملة الذنوب الكبيرة عقوق الوالدين. حيث أطلق الله على عاق الوالدين بـ ﴿جَبَّارًا شَقِيًّا﴾.

5 ـ قتل النفس المحترمة إلا في موارد الحق حيث قال الله سبحانه: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾.

6 ـ قذف المرأة الطاهرة بالزنا كما يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم﴾1.

7 ـ أكل مال اليتيم: قال الله تعالى في مورد عاقبة الذين يأكلون مال اليتيم: ﴿إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾.

8- الفرار من جبهة الجهاد: كقوله تعالى: ﴿وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِير﴾.

9ـ أكل الربا: قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾.

10ـ السحر والشعبذة: حيث قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَق﴾.

11ـ الزنا، قال الله تعالى: ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا﴾.

12ـ القسم الكاذب للذنب، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ﴾.

13ـ الخيانة عند غنائم الحرب، كقوله تعالى: ﴿وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَة﴾.

14ـ منع الزكاة، حيث قال الله تعالى في مورد عاقبة مانع الزكاة: ﴿يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ﴾.

15ـ الشهادة كذباً وكتمان شهادة الحق، كقوله تعالى: ﴿وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾.

16ـ شرب الخمر: لأن الله سبحانه نهى عنها كما نهى عن عبادة الأوثان والأصنام.{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُلَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}

17ـ ترك الصلاة أو أحد الواجبات الإلهية الأخرى عمداً. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “من ترك الصلاة متعمداً فقد بريء من ذمة الله وذمة رسول الله”.

18و 19 ـ عدم الوفاء بالعهد، وقطع صلة الرحم: كقوله تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾.

قال الراوي: ولما أن وصل الإمام الصادق عليه السلام إلى هذه النقطة أجهش عمرو بن عبيد بالبكاء والعويل من شدة الحزن وخرج من مجلسه وهو يقول: هلك من قال برأيه ونازعكم في الفضل والعلم.

ونحن في هذه الأيام والليالي المباركة نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.

روي عن الامام المهدي(عج)قال: فليعمل كلُ أمرؤ منكم بما يقربُ به من محبتنا، ويتجنب ما يدنيه من كراهيتنا وسخطنا.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *