أرشيف التصنيف: سيرة أهل البيت ع

فضيلةُ العِفّة، الزهراءُ (ع) قُدوةٌ للمرأة المسلمة ..

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على سيدِ الأنام ونور الملك العلام، البشير النذير، والهادي الشفيع، والمحمود الأحمد محمد بن عبدالله وعلى آلهِ السراط المستقيم والسبيل القويم ..

رويَّ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: ( استأذن أعمى على فاطمة (عليها السلام) فحجبته، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لِمْ تحجبينه وهو لا يراكِ ؟

قالت: يا رسول الله، إن لم يكن يراني فإني أراه، وهو يشم الريح، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أشهد أنكِ بضعةٌ مني ) (١).

لقد اِمتازتْ سيدَةُ نساءِ العالمين الصديقةُ الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) بِميزاتٍ كثيرة ومتعددة، وخصوصياتٍ أعطاها إياها الجليل فاطرُ السماوات والأرض “جلَّ جلاله”.

فَقدْ اِصطفاها الله تبارك وتعالى في آية التطهير بقوله تعالى: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا )(٢).

فكانت من أهل الكساء الذين أذهبَ الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وهيَّ التي قد ذكرَ فضلها ومكانتها العظيمة أبوها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قائِلاً: ( إن الله اختار من النساءِ أَربَعاً مريم وآسية وخديجة وفاطمــة )(٣).

ولذا فقد امتازت السيدة الزكية أم أبيها فاطمة الزهراء (عليها السلام) بعناصر نفسية عديدة، منها:

1. العصمة: فهيَّ معصومة من اقتراف الذنوب عمداً وسهواً، فالعصمة من عناصرها ومقوماتها الذاتية. وكفى بِآية التطهير دليلاً، فأهل البيت هم: عليٌ (عليه السلام)، وفاطمة (عليها السلام)، والحسن والحُسين (عليهما السلام)(٤).

2. البر بالفقراء: كانت (عليها السلام) عطوفة على الفقراء والمحرومين، وكانت هي وزوجها وولديها من المعنيين بقوله تعالى: ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا )(٥).

3. العفاف والحجاب: ومِن العناصر النفسية والذاتية لسيدة النساء (عليها السلام) العفةُ والحجاب، فلقد أعطت بعفتها وحجابها أرقى الدروس للمرأة المسلمة، لتكون المرأة المسلمة تبلغ قمة الكمال، وتكون المربية للأجيال الصالحين في المجتمع.

وعناصرها كثيرةٌ (سلام الله تعالى عليها).

وهنا نسلطُ الضوء على ( فضيلة العفة، وشخصية الصديقة الزهراء “عليها السلام” مثالاً وقدوة للمرأة المسلمة )، في نقاط، وهيَّ كالتالي:

⁃ النقطة الأولى: معنى العفّة:

معنى العفة لغة: هي مصدر عفَّ، يقال: عَفَّ عن الحرام يعِفُّ عِفَّةً وعَفًّا وعَفَافَةً أي: كفَّ، فهو عَفٌّ وعَفيفٌّ، والمرأةُ عَفَّةٌ وعَفِيفَةٌ، وأعفَّهُ الله، واستعف عن المسألة أي: عفَّ، وتعفف: تكلف العِفَّة.

والعفة: الكف عما لا يَحِلُّ ولا يَجْمُل، والإستعفاف طلبُ العَفاف(٦).

معنى العفة في الإصطلاح:

قال الراغب الاصفهاني: العفة: هي ضبط النفس عن الملاذ الحسوانية، وهيّ حالة متوسطة من إفراط وهو الشره، وتفريط وهو جمود الشهوة(٧).

فالعفةُ هيّ صفة نفسية في الإنسان يمكن التعرف عليها من خلال آثارها التي تظهر على الإنسان، وهذه الآثار ذكرتها الروايات الشريفة بعدة معانٍ منها:

1. العفة: الصبر عن الشهوة: عن أميرالمؤمنين (عليه السلام): ( الصبر عن الشهوة عفة، وعن الغضب نجدة، وعن المعصية ورع )(٨).

2. العفة: هي الزهد أيضاً، عن أميرالمؤمنين (عليه السلام): ( العفاف زهادة )(٩).

3. العفة: هي صون النفس وتنزيهها عن كل أمر دني، عن أميرالمؤمنين (عليه السلام): ( العفاف يصون النفس وينزهها عن الدنايا )(١٠).

⁃ النقطة الثانية: مصاديق العفة:

إن العفة لها مصاديق ومتعلقات وجوانب كثيرة، نذكر بعضاً منها:

1. العفة عن أكل الحرام: عن أميرالمؤمنين (عليه السلام): ( إذا أراد الله بعبدٍ خيراً أعف بطنه وفرجه )(١١).

2. العفة عن إظهار الحاجة المادية: قال الله تعالى: ( لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ )(١٢).، وكما رويّ عن أميرالمؤمنين (عليه السلام): ( العفاف زينة الفقر، والشكر زينة الغنى )(١٣).

3. العفة في تشديد الحجاب: قال الله تعالى: ( وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ ۖ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )(١٤).، وكما رويّ عن أميرالمؤمنين (عليه السلام): ( زكاة الجمال العفاف )(١٥). فالعفة يجب أن تزداد كلما ازدادت المرأة جمالاً.

⁃ النقطة الثالثة: آثار وثمار العفة:

إنّ كل عملٍ لهُ ثمارٌ ونتائجٌ مترتبةٌ على القيام به، وبلا شك إن لفضيلة العفة والعفاف آثار وثمار عديدة، منها:

1. حسن المظهر: فهو من بركات العفة، فمما رويّ عن أميرالمؤمنين (عليه السلام): ( مَنْ عفت أطرافه حسنت أوصافه )(١٦).، وفي تفسير علي بن إبراهيم: في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: في قوله تعالى: ( يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ )(١٧).، فأما اللباس فالثياب التي تلبسون، وأما الرياش فالمتاع والمال، وأما لباس التقوى فالعفاف، إن العفيف لا تبدو له عورة، وإن كان عارياً من الثياب، والفاجر بادي العورة وإن كانّ كاسياً من الثياب، يقول الله: ( وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ) يقول العفاف خير ( ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ).(١٨).

2. الثواب العظيم: لقد بينت روايات أهل البيت (عليهم السلام) الثواب العظيم لمن يمتلك فضيلة العفة: رويّ عن أميرالمؤمنين (عليه السلام): ( طوبى لمن تحلى بالعفاف، ورضي بالكفاف )(١٩).، وعنه أيضاً (عليه السلام): ( ما المجاهد الشهيد في سبيل الله بأعظم أجراً ممت قدر فعف، لكاد العفيف أن يكون ملكاً من الملائكة )(٢٠). وما أعظمها من رواية فإنها أشارت إلى الثواب الجزيل الذي يناله صاحب فضيلة العفة – سواء ذكراً كان أم أُنثى -، وأيضاً تشير إلى أنَّ العقة سبب في ترك المعاصي، وهي من الفضائل التي تدني الإنسان وتقربه من الله تبارك وتعالى، بحيث يصبح سلوكه كله طاعة لله تعالى، وكأن العفيف مَلَكٌ مِنَّ الملائكة.

⁃ النقطة الثالثة: العفاف عند النساء:

لقد ذكر القرآن الكريم ضوابطاً وقوانيناً يطلب من المرأة أن تؤديها، كي تبلغ الهدف الأسمى وتصل إلى غاية العفة والحشمة، قال الله تعالى: ( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ).(٢١).

فإن سياق الآية المباركة يدل على أنها ترشد إلى نمط السلوك الإجتماعي الذي ينبغي أن تتمثله المرأة على نحو اللزوم، لبلوغ غاية العفة.

والضوابط المطلوب على المرأة أداؤها، لإدراك الهدف الأسمى، أربعة:

1. غض البصر.

2. حفظ الفرج.

3. كتمان الزينة.

4. ضرب الخمار.

وبمجرد تخلف أحد هذه الضوابط في مرحلة التطبيق والإمتثال ينحدر السلوك الفردي وكذلك الإجتماعي إلى الواقع الفاسد، وبذلك يستحيل الوصول إلى الغاية العالية والرفيعة وهي: العفة.

فخيرُ المرأة في عفافها، وشرُها في تبرجها.

رواية ذات معنى أخلاقي اِجتماعي:

ومن روائع الروايات ما ورد في الحديث النبوي الشريف: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ( ألا أخبركم بخير نساءكم؟ قالوا بلى يا رسول الله، فأخبرنا، قال: إن من خير نسائكم الولود الودود، والستيرة العفيفة، العزيزة في أهلها، الذليلة مع بعلها، المتبرجة مع زوجها الحصان مع غيره.

ثم قال: ألا أخبركم بِـشر نساءكم؟ قالوا بلى يا رسول الله، فأخبرنا، قال: من شر نسائكم الذليلة في أهلها، العزيزة مع بعلها، العقيم الحقود التي لا تتورع عن قبيح، المتبرجة إذا غاب عنها زوجها، الحصان معه إذا حضر )(٢٢).

⁃ النقطة الرابعة: عفاف المرأة بالحجاب في كلام الزهراء (عليها السلام):

من المُلاحظ في سيرة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام) أحاديث ونصوص كثيرة تنصب على الشخصية الإسلامية التي ينبغي للمرأة تمثيلها وانجازها، ومن أهم الأبعاد هو: التأكيد فوق العادة على اِلتزام المرأة بالحجاب والستر الذي يحول بين مفاتنها وبين الرجال، بل ويستوعب ذلك حالة ما لو كان الرجل فاقداً للبصر.

عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: ( استأذن أعمى على فاطمة (عليها السلام) فحجبته، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لِمْ تحجبينه وهو لا يراكِ ؟

قالت: يا رسول الله، إن لم يكن يراني فإني أراه، وهو يشم الريح، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أشهد أنكِ بضعةٌ مني )(٢٣).

إن الرواية تشتمل على رؤية دقيقة جداً، وهذه الرؤية عند الزهراء مستلهمةٌ من آيات القرآن الكريم، وهيّ: أنّ الحجاب الكامل السامل ليس هو من طرف المرأة لمنع نظر الرجل لها فحسب، وإنما هو من طرفها بحيث يؤدي نتجتين:

1. النتيجة الأولى: اِنقاص طرف الرجل.

2. النتيجة الثانية: اِنقاص طرف المرأة.

فلا تقتصر المسألة على تحديد بصر الرجل، وفي الجانب الآخر إطلاق لبصر المرأة، وإنما تحديد بصر كلا الطرفين.

وهذا هو المعنى الذي يقره الله تعالى في آيات سورة النور: ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ )(٢٤).، هذا من جهة الرجل، وأما من جهة المرأة فبعد الآية التي عن غض الرجل لبصره، فمباشرةً قال تعالى: ( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ )(٢٥).

ومن جهة أخرى لقراءة هذه الرواية الشريفة نقول: إنَّ هذا الموقف العظيم من بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سيدة نساء العالمين فاطمة (عليها السلام) يدل بوضوح على أنّها قد سمت إلى أرقى مراتب العفة، والحشمة، والطهارة، وعلى المرأة المسلمة أن تقتدي بهذه السيدة الجليلة، كي تخرج جيلاً صالحاً ومجتمعاً إسلامياً متطوراً قائماً على الشرف والفضيلة.

ومتى تزينت المرأةُ بالعفة كانت في أرقى منزلة، وأعزّ مكانة.

وفي الخبر سأل رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه عن المرأة ماهي ؟، قالوا: عورة، قال: فمتى تكون أدنى من ربِّها ؟ فلم يدروا، فلما سمعت فاطمة (عليها السلام) ذلك قالت: ( أدنى ما تكون من ربِّها أن تلزم قعر بيتها )،

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ( إن فاطمة بضعةٌ مني )(٢٦).

إنَّ عفاف الزهراء (عليها السلام) وحجابها، هو نورٌ لكلّ فتاةٍ تريد أن تعيش عزيزة في المجتمع.

يقول الشيخ الأصفهاني (قدس سره):

وخدرها السامي رواق العظمة

وهــو مطاف الكعبـة المعظمة

حجابُهـا مثــلُ حجاب البــاري

بـارقـــةٌ تــذهـب بـالأَبصـــاري

تَمثَّــل الواجبُ في حجابِها

فكيف بِالإِشراق مِن قِبابهـا

يـــا درة العصمــةِ والولايـة

مِن صدف الحكمة والعناية

فالكوكب الدري في السماءِ

من ضوء تلك الدرة البيضاءِ

والحمدُ لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

خادم الآل

الميرزا زهير الخال

الثلاثاء ١٧ جمادى الآخرة ١٤٣٩هـ.

النجف الأشرف

—————

المصادر:

1. دعائم الإسلام، القاضي النعمان المغربي، ج٢، ص٢٠٤.

2. سورة الأحزاب، آية ٣٣.

3. الخصال ج١ ص١٨٥.

4. تفسير الرازي، ج٦، ص٧٨٣.

5. سورة الدهر، آية ٨ و ٩.

6. لسان العرب لابن منظور، ج٩، ص٢٥٣.

7. الذريعة إلى مكارم الشريعة ص٣١٨.

8. مستدرك الوسائل للميرزا النوري ج١١، ص٢٦٣.

9. ميزان الحكمة للريشهري ج٣، باب العفة – الحث على العفاف.

10. موسوعة أحاديث أهل البيت (ع) الشيخ هادي النجفي ج٧، باب العفة، ص٢٠٩.

11. ميزان الحكمة للريشهري ج٣، باب العفة – ثمرة العفة.

12. سورة البقرة، آية ٢٧٣.

13. وسائل الشيعة للحر العاملي ج٩ ، ص٤٣٨.

14. سورة النور، آية ٦٠.

15. مستدرك الوسائل للميرزا النوري ج٧، ص٤٤.

16. موسوعة أحاديث أهل البيت (ع) الشيخ هادي النجفي ج٧، باب العفة، ص٢٠٩.

17. سورة الأعرف، آية ٢٦.

18. بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج٦٨ ، ص٢٧٠.

19. موسوعة أحاديث أهل البيت (ع) الشيخ هادي النجفي ج٧، باب العفة، ص٢٠٩.

20. المصدر السابق.

21. سورة النور، آية ٣١.

22. بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج١٠٠، ص٢٣٩.

23. دعائم الإسلام، القاضي النعمان المغربي، ج٢، ص٢٠٤.

24. سورة النور، آية ٣٠.

25. سورة النور، آية ٣١.

26. بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج٤٣ ،ص٩٢.

27. فاطمة (ع) تجلي النبوة ومظهر الإمامة، الشيخ حسن العالي.

وما أدراكَ ما “المعصومـة” !

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمدلله ربِّ العالمين، وصلى الله على المبعوثِ رَحمةً للعالمين المصطفى محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ..

 

جاءَ في كِتابِ كامل الزيارات:

عن الإمام محمد بن علي الجواد (عليه أفضل الصلاة والسلام) أنَّهُ قال:

(( مَنْ زارَ عمتي بِـقم فَلَهُ الجَنّة )).(١).

 

مِنْ سلالة الإمامة ومِنْ شخصياتِ أهلِ بيتِ العصمة والطهارة الذين أذهبَ اللهُ عنهُم الرِجس وطهرهم تطهيراً، السيدة الجليلة فاطِمة المعصومَة بنتُ الإِمام موسى بن جعفرٍ الكاظِم (عليهُم السلام)، وهي من السلالةِ الطاهرة الزكية، والتي خصها أئِمةُ الدين (عليهم السلام) بِذكرها في رواياتهم، فقد بشرَّ بها الإمام الصادق (عليه السلام)، وذَكرَ الأئمةُ (عليهم السلام) فضلَّ زِيارَتِها بأرضِ قُمْ.

 

إنَّ السيدة فاطمة الكبرى – المعصومة – هيَّ بنتُ الإمام الصابر والعبد الصالح، الذي مَثَلُهُ كمثل الشمس في كبدِ السماء ( وصيُّ الأبرار، وإمامُ الأخيار، وعَيْبَة الأنوار، ووارث السكينة والوقار، والحِكَمِ والآثار )(٢)، الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)، وأخوها الإمامُ الثامن من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) الذي قال فيه أبوه الكاظم (عليه السلام) وهو يُخاطِبُ أولاده: ( هذا أخوكُم عليُّ بن موسى عالمُ آل محمد )(٣)، وقد كانت السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) أُختاً للإمام الرضا (عليه السلام) مِنْ أمـه، فأمهما واحدة(٤)، وهي السيدةُ تُكْتَم (عليها السلام) ولها أسماءٌ أخرى، منها: نجمة، أروى، سُمان، سكن أو سُكنى(٥)، وتُكْتَم هو ما استقر عليها اسمها حين ملكها الإمام الكاظم (عليه السلام)، فلما وَلَدَت الإمام الرضا (عليه السلام) سمَّاها الطاهرة، وكانت تكنى بـ: أم البنين(٦).

وُلدت السيدة المعصومة (عليها السلام) في المدينة المنورة في غُرة شهر ذي القعدة من سنة 173 هـ.(٧).

وقد توفيت في اليوم العاشر من شهر ربيع الآخر سنة 201 هـ.، على المشهور.

وقد ترعرعت هذه السيدة الفاضلة الجليلة في بيت أبيها الإمام الكاظم (عليه السلام)، فورثت نور أهل بيت العصمة والطهارة، وأخذت من هديِّهم وعلومهم.

 

ومِنْ ألقابها (عليها السلام): “المعصومة”: وهو أشهرُ ألقابها، وأكثر ما تعرف به، وقد نُقِلَ عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنهُ قال: ( مَْن زارَ المعصومةَ بِقُم كمن زارني )(٨).

وكذلكَ تُلقبُ بـ “أخت الرضا”: ولعلَّ هذا اللقب لُقِبتْ بهِ لتعلقها بأخيها الإمام الرؤوف علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، وشوقها الكبير إليه بعد أن اِستدعاه المأمون العباسي إلى ( مرو ) بخراسان.

ومن ألقابها التي تُعرف بهِ عند الخاصة بـ “كريمة أهل البيت”: فإنَّ كرمها واضحٌ جليٌ لأتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، وهو لقبٌ منطبقٌ معناهُ ودلالته على هذه السيدة الكريمة، يقصدها الشيعة ويتوسلون بها إلى الله تعالى في قضاء حوائجهم، وتقضى حوائجهم ببركة هذه السيدة الجليلة الكريمة.

وهاهيَّ مدينةُ قم تُعرف بها، وهي مدينة للحوزة العلمية المباركة، يقصدها طُلابُ العلوم ويُهاجرون لها من أجل الدراسة الحوزوية، وحضرتها الشريفة تحتوي على قبورِ كبارٍ من مراجع الطائفة وعلمائِها الأعلام.

 

ومن الأمور التي ينبغي التأملُ فيها في شأنِ السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) ما بينته لنا روايةٌ عن الإِمام جعفر الصادق (عليه السلام) وقد بَشَرَ بحفيدتِهِ قبل ولادتها.

فقد رُويَّ عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّهُ قال:

( إنَّ لله حرماً وهو مكّة، وإنَّ للرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) حرماً وهو المدينة، وإنَّ لِأَميرِ المؤمنين (عليه السلام) حرماً وهو الكوفة، وإنَّ لنا حرماً وهو بلدة قـم، وستدفن فيها امرأةٌ من أولادي تُسمى فاطمة، فمن زارها وجبتْ لهُ الجنة )(٩).

ويستفادُ مِن هذه الرواية الشريفة أمورٌ، منها:

⁃ إخبار الإمام الصادق (عليه السلام) عن ولادة حفيدته السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام).

⁃ الإخبار عن اِسمها الشريف، فإنها سَمِيَّةُ جدتها سيدة نساء العالمين فاطمةِ الزهراء (عليها السلام).

⁃ ذِكر الإمام الصادق (عليه السلام) لِمَكان مدفن السيدة المعصومة (عليها السلام) الذي يكون في أرض “قُـم”.

⁃ “قُم” حرمٌ لِأهلِ البيت (عليهم السلام): ( وإنَّ لنا حرماً وهو بلدةُ قم ).

⁃ لقد حَثَّ الإمام (عليه السلام) على زيارة قبرِ حفيدته فاطمة، وذَكَرَ ثواب زيارتها (عليها السلام): ( فمن زارها وجبت لهُ الجنة ).

 

وأما في فضلِّ زيارتها (عليها أفضل الصلاة والسلام) فقد وردت لنا روايات عامة في شأن زيارة ذرية الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) ومما لا شكَّ فيه أنَّ السيدةَ المعصومة (عليها السلام) من ذريةِ النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، فجدتها الصديقة الزكية فاطمة الزهراء (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وذريةُ النبيِّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) مِنَ السيدةِ الزهراء فاطمة (عليها السلام)، فقد روي عَنْ الإِمام محمدٍ بن عليٍ بن الحُسينِ (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم):

(( مَنْ زارني أو زارَ أحداً من ذُريتي زرتُهُ يومَ القِيَامةِ، فأنقذتُهُ من أهوالها ))(١٠).

فالسيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) هيَّ من ذرية النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم).

 

وأما الروايات الخاصة في خصوص زيارتها (عليها السلام) فثلاثةٌ مِن الأئمة المعصومين، الصادق، والرضا، والجواد (عليهم السلام) بشروا زوارها بالجنّة:

 

⁃ عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّهُ قال:

( إنَّ لله حرماً وهو مكّة، وإنَّ للرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) حرماً وهو المدينة، وإنَّ لِأَميرِ المؤمنين (عليه السلام) حرماً وهو الكوفة، وإنَّ لنا حرماً وهو بلدة قـم، وستدفن فيها امرأةٌ من أولادي تُسمى فاطمة، فمن زارها وجبتْ لهُ الجنة )(١١).

⁃ عن سعد بن سعد، قال: سألتُ أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن زيارة فاطمة بنت موسى الكاظم (عليه السلام)، فقال: ( مَنْ زارها فلهُ الجنة )(١٢).

⁃ عن الإمام محمد الجواد (عليه السلام) أنه قال: ( مَنْ زارَ عمّتي بقم فله الجنة )(١٣).

 

ومِما بَشرنا به أئِمةُ الدين والهدى (عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام) نعرفُ بعضاً مِن مقامات هذه السيدة الجليلة الكريمة، وقدرها عند الله تبارك وتعالى، وكفى بذلك ما ذكره الأئمة من العطاء والثواب العظيم، “الجنّة” لزائِر السيدة فاطمة المعصومة بنت الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليهما السلام).

 

اللهم ارزقنا في الدُنيا زيارتها، وفي الآخرة شفاعتها.

 

والحمدلله ربِّ العالمين، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

 

خادم الآل

الميرزا زهير الخال

الجمعة 10 ربيع الآخر لسنة 1439هـ.

يوم ذكرى رحيل السيدة المعصومة (عليها السلام)

النجف الأشرف

 

 

1. كامل الزيارات، ص324، ح2.

2. مصباح الزائر، ص382.

3. كشف الغمة، ج3، ص111.

4. دلائل الإمامة، ص309.

5. عيون أخبار الرضا، ج1، ص15.

6. المصدر السابق،ص 14 – 17.

7. مستدرك سفينة البحار، ج8، ص257.

8. ناسخ التواريخ، ج7، ص337.

9. ترجمة تاريخ قم، ص215.، وعنه في بحار الأنوار، ج57، ص216، ح41.

10. كامل الزيارات، ص41، ح4.

11. ترجمة تاريخ قم، ص215.، وعنه في بحار الأنوار، ج57، ص216، ح41.

12. كامل الزيارات، ص324، ح1.

13. كامل الزيارات، ص324، ح2.

سيدُ الأخلاق

بسم الله الرحمن الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

{ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ }
صدق الله العلي العظيم

من الصعب جداً إدراك حقيقة مقامات النبي المصطفى محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعظمته، ومكانته، ومن يريد أن يتحدث عن أعظم شخصيةٍ وأن يدرك حقيقة الإنسان الأول في عالم الوجود على الإطلاق كمن يحاول أن يكيل البحر بقدح، كمن يحاول إدخال الشمس في كوّة البيت .

فالحديثُ عن مقامات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حديثٌ كبير وخطير وعظيم جداً.

كيف لا يكون كذلك وهو الشخصية العظمى التي وصفها الجليل جلَّ وعلا في كتابه المجيد قائلاً:

( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) سورة الأنبياء، آية 107.
ومن خصوصيات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومقاماته العظيمة، أنه ( صاحب الخُلُق العظيم )  أختُص به (صلى الله عليه وآله) وخصهُ اللهُ تبارك وتعالى بها في كتابه الكريم قائِلاً: { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } سورة القلم، آية 4.
لقد أكد القرآن الكريم واهتمّ بمكارم الأخلاق وذم مساوئها في سوره وآياته المؤكدة حيث بلغت مجموع الآيات التي تحدثت عن الأخلاق بالتصريح أو بالإشارة، أمراً أو نهياً، ما يقرب ربع العدد الإجمالي لآيات القرآن الكريم.

ولعل السر في عناية القرآن المجيد بهذا العنصر المهم هو ما ذكره الله سبحانه في قوله:

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ سورة آل عمران، آية 159.

وهكذا كانت حياة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) متصفةً بأهم أصول وقواعد هذا الدين القيم المبارك، وهكذا كانت حياته مع الناس.

ومن هنا يتضح أهمية ما أثنى به الجليل سبحانه وتعالى على سيد الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث قال: { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } سورة القلم، آية 4.

والخلق العظيم هو: (( الخُلُق الأكرم في نوع الأخلاق، وهو البالغ أشدّ الكمال المحمود في طبع الإنسان .. فهو أرفع من مطلق الخُلُق الحسن )). التحرير والتنوير المعروف بتفسير ابن عاشور التونسي، تأليف الإمام الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور التونسي، ج29، ص60.

وقال الرازي في التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب في الجزء 29، ص71: ( لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) وكلمة (على) للإستعلاء، فدلّ اللفظ على أنه مستعلٍ على هذه الأخلاق ومستولٍ عليها، وإنه بالنسبة لهذه الأخلاق الجميلة كالمولى بالنسبة إلى العبد، وكالأمير بالنسبة إلى المأمور.
ولقد تكرر مثل هذا الإسلوب الإستعلائي في كلام الله سبحانه وتعالى في مقامات مختلفة، حيث قال في حق نبيه المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم): { إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدًى مُّسْتَقِيمٍ } سورة الحج، آية 67. وقال: { فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۖ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ } سورة النمل، آية 79.

لذا قيل في وصف خلقه (صلى الله عليه وآله): (( ويعجز كل قلم ويعجز كل تصوّر عن وصف قيمة هذه الكلمة العظيمة من رب الوجود، وهي شهادة من الله، في ميزان الله، لعبد الله، يقول له فيها:

{ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } ومدلول الخُلُق العظيم، هو ما هو عند الله مما لا يبلغ إلى إدراك مداه أحد من العالمين !. ))
لقد وصف القرآن الكريم النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) بالخلق العظيم ولم يصف باقي الأنبياء (عليهم السلام) بهذا الوصف، وهذا يعني أن عظمة الأخلاق لم يقر القرآن المجيد بها لأحد من المخلوقات بما فيها الأنبياء والرسل إلا النبي الأكرم محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله)، حيث قال: { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ }.

نعم لقد وصف القرآن الكريم باقي الأنبياء بصفات عديدة مثل:

– النبي نوح (عليه السلام) وصف بالعبد الشكور، في قوله تعالى: { ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا } سورة الإسراء، آية 3.
– النبي إبراهيم (عليه السلام) وصف بالحلم، في قوله تعالى: { وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ۚ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ } سورة التوبة، آية 114.
– النبي يحيى (عليه السلام) وصفه الله تعالى بالسيد الحصور، في قوله تعالى: { أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ }. سورة آل عمران، آية 39.

وغير ذلك من الصفات المذكورة للأنبياء (عليهم السلام) في القرآن الكريم، أما وصف جميع الصفات والكمالات الخلقية والنفسية والروحية والتي اجتمعت في شخص واحد لم يصف القرآن فيها أحداً إلا إثنين – كما ذكره المحقق آية الله اشيخ محمد السند (دام ظله الشريف) في كتابه مقامات النبي والنبوة – وهما النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وخليفته الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه أفضل الصلاة والسلام) كما في قوله تعالى: { وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ } سورة آل عمران، آية 61.

ولما جعل الله تبارك وتعالى نبيه المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذه الصفة { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ }، أرسله ليتمم مكارم الأخلاق كما قال (صلى الله عليه وآله): ( بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ). بحار الأنوار للمجلسي، ج16، ص210.

وإن كان الأنبياء السابقون قد أسسوا ورسموا مكارم الأخلاق لنا فقد تممها النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله).

فإذا نظرت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) من خلال مرآة شفافة صافية وهي نفس القرآن الكريم أو من خلال مدرسة أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام) فسوف ترى الصورة الجميلة عن سيد الأنبياء (صلى الله عليه وآله) وأنها أكمل صورة إنسانية إبتدعها الله سبحانه وتعالى في خلقه.
ومن روائع ما وصفَ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) به النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، قوله: ( كان أجود الناسِ كفاً، وأجرأ الناسِ صدراً، وأصدقُ الناس لهجةً، وأوفاهم ذمّةً، وألينهم عريكةً، وأكرمهم عشرةً، من رآه بديهة هابه، ومن خالطهُ معرفةً أحبّه، لم أرَ قبلهُ ولا بعدهُ مثله ). مكارم الأخلاق ص 17.
ومن نماذج تعامله وأخلاقه (صلى الله عليه وآله) ما ذكرته الكتب والروايات:

– كان (صلى الله عليه وآله) يجلس على الأرض. الآمالي للشيخ الطوسي ص393.

– ويأكل مع العبيد، ويسلم على الصبيان. الأمالي للصدوق المجلس السابع عشر، ح2، ص130.

– وكان يأكل أكلة العبد، ويجلس جلسة العبد. المحاسن ص456، باب 51، ح 386.

– مرت به امرأة بدوية وكان يأكل وهو جالس على الأرض، فقالت: يا محمد، والله إنك لتأكل أكل العبد، وتجلس جلوسه.، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ويحك أيُّ عبدٍ أعبد مني ؟. الكافي ج2، ص157.

– وكان يرقع ثوبه.

– ويحلب عنز أهله.

– ويجيب دعوة الحر والعبد.

– ويعود المرضى في أقصى المدينة.

– ويجالس الفقراء، ويأكل مع المساكين.

– وكان إذا صافحه أحدٌ لم يجر يده من يده حتى يتركها الآخر.

– ويجلس حيث ينتهي به المجلس.

– ولا يثبت بصره في وجه أحد.

– يغضبُ لربه ولا يغضبُ لنفسه. مناقب آل أبي طالب ص 146 – 147.
وإن مثل هذا الرسول العظيم يستطيع أن يقول: ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ).

وأنـى يتيسر شرح فضائله الأخلاقية، والله عز وجل يقول له: { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ }.
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، وبارك على محمد وآل محمد، كما صليتَ وباركتَ على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين.
خادم الآل

الميرزا زهير الخال

النجف الأشرف

الثلاثاء ١٣ ربيع الأول ١٤٣٨هـ.

الموافق ١٣ / ١٢ / ٢٠١٦م.

باب الحوائج الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)

رواية ودرس 18
📚 روي عن الإمام الكاظم (ع) في رسالة بعثها إلى هارون الرشيد من الحبس: ( إنه لن ينقضي عني يوم من البلاء إلا انقضى عنك معه يوم من الرخاء، حتى نقضي جميعاً إلى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون ). تاريخ بغداد ج ١٣، ص ٣٢.
📌 سابِعُ إمام من أئمة الهدى من العترة الزكية الطاهرة، فَذٌ من أفذاذِ العقل الإنساني ومن كبار أئمة المسلمين، وأحد شموع ذلك الثقل الأكبر الذي أضاء الحياة الفكرية في الإسلام.

إن للإمام الكاظم (ع) سيرة ندية عطرة مباركة قد امتازت بأنها سلسلة جهاد متواصل، وثورة عارمة على أئمة الظلم والطغيان، الذين اغتصبوا الخلافة الإسلامية من أهلها بالغلبة والقوة.

ولم يقتصر الإمام وحدهُ ما لاقاهُ من المحن والمصائب والخطوب فقد شاركَهُ فيها جمهور شيعته والقائلين بإمامته (ع) فقد واجهوا من العناد والجهد ما لا سبيل إلا تصويره، ويعود السبب في ذلك إلى إيمانهم الوثيق بالإمامة وهو عنصر أساسي في كيانهم العقائدي.
📚 له (عليه أفضل الصلاة والسلام) من الألقاب ماتدل على مظاهر شخصيته، ونواحي عظمته:
– الصابر: لأنه صبر على الآلام والخطوب التي تلقاها من حكام الفساد والفراعنة الطغاة. المناقب ج٤، ص٣٢٣.
– العبد الصالح: لقب بهذا اللقب لعبادته واجتهاده في الطاعة، حتى صار مضرب المثل في عبادته، صاحب السجدة الطويلة. أعلام الورى ص٢٩٤.

وقال سبط ابن جوزي: ( ويدعى بالعبد الصالح لعبادته واجتهاده بالليل ). تذكرة الخواص ص٣٤٨.

وقال ابن حجر الهيتمي: ( وكان أعبد أهل زمانه وأعلمهم وأسخاهم ). الصواعق المحرقة ص١٢١.

وقال الذهبي: ( وكان موسى من أجود الحكماء، ومن العباد الأتقياء، وله مشهدٌ معروفٌ ببغداد ). ميزان الاعتدال ج٤، ص٢٠٢، رقم ٨٨٥٥.

وقال يحيى بن الحسن بن جعفر النسّابة: ( كان موسى بن جعفر يدعى العبد الصالح، من عبادته واجتهاده ). تهذيب التهذيب ج١٠، ص٣٤٠، رقم ٥٩٧.
– الكاظم: لما كظمه من الغيظ عما فعل به الظالمون من التنكيل حتى قضى شهيداً مسموماً في ظلمات السجون. أعلام الورى ص٢٩٤.، وقال الشيخ محمد الصبان: ( ولقب بالكاظم لكثرة تجاوزه وحلمه ). اسعاف الراغبين المطبوع بهامش نور الأبصار ص٢٢٦.

وقال ابن عنبة: ( وكان عظيم الفضل رابط الجأش، واسع العطاء، لقب بالكاظم لكظمه الغيظ وحلمه ..). عمدة الطالب ص١٩٦.

وقال ابن شهر آشوب: ( وسمي الكاظم لما كظمه من الغيظ وغض بصره عما فعل الظالمون به، حتى مضى قتيلاً في حبسهم، والكاظم الممتلئ خوفاً وحزناً ). المناقب ج٤، ص٣٢٣.
– باب الحوائج: وهذا أكثر ألقابه ذكراً، وأشهرها شيوعاً وانتشاراً، اشتهر بين العام والخاص أنه ما قصده مكروب إلا فرج الله آلامه وأحزانه، يقول شيخ الحنابلة وعميدهم أبوعلي الخلال: (ماهمني أمر فقصدتُ قبر موسى بن جعفر إلا سهل الله تعالى لي ما أُحب). تاريخ بغداد.

وقال ابن الصباغ المالكي في كتاب الفصول المهمة ص ١٣١: ( وهو المعروف عند أهل العراق بـ { باب الحوائج } إلى الله وذلك لنجح قضاء حوائج المسلمين ).
يقول الشاعر:

يا سميَّ الكَليم جئْتُكَ أسعى

نحو مغناك قاصِداً من بلادي

ليسَ تُقضى لنا الحوائجُ إلا

عِندَ باب الرَّجــاءِ جَدِّ الجَوادِ
📜 كانت مدة إمامته (ع) ٣٥ سنة كما في كتاب الفصول المهمة ص٢٤١.، عاصر فيها مجموعة من حكام الجور من بني العباس، آخرهم الطاغية هارون الرشيد الذي نقله في عدة سجون حتى أمر بدس السم إليه فقتله.

ومدة سجنه غير معلومة بالدقة، فبعض المؤرخين من يقول: أربع سنوات، والآخر يقول: سبع سنوات، وثالث يقول: أربعة عشر سنة.

ومقتضى التحقيق أن الإمام عليه السلام لم يسجن أكثر من خمس إلى سبع سنوات متفرقة

منها أربع سنوات متواصلة. حياة الإمام الكاظم للشيخ باقر شريف القرشي (قدس سره).
📜 ” اللهم صلِّ على محمد وأهل بيته وصلِّ على موسى بن جعفر وصيِّ الأبرار وإمام الأخيار وعيبة الأنوار ووارث السكينة والوقار والحِكم والآثار “.
خادم الآل

الميرزا زهير الخال

النجف الأشرف

السبت ٢٤ رجب الأصب ١٤٣٥هـ

في رحاب أنوار فاطمة ع المظلومة

والحمدلله حمدا _ لا انقطاع له والشكر لنعمائه شكرا   _ متواصلا لرضاه و فضله، والصلاة والسلام على خير خلقه الذين اصطفاهم لعلمه محمد وآل محمد ، وجعل مقاليد الأمور إليهم بالدلائل والبراهين رغم جحود الجاحدين، فمن كتابه وسنن نبيه صلى الله عليه آله عرفنا وحدانية الله وكتبه ورسله، فتعلقنا وتحدقنا لنصل لمرضاته عبر أوليائه محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين وبالتسعة المعصومين من ذرية الحسين عليهم السلام طائعين غير منكرين.

مقالي يتمحور عن مظلومية فاطمة الزهراء عليها السلام ,ونكون في رحاب نورها صلوات الله وسلامه عليها .

إن عجز المسلمين عن وصولهم لكنه او توصيف فاطمة (عليها السلام) ليس لتقصيرهم بل لعجزهم عن وصف تلك المعصومة التي آثرت وتحملت وقاست في سبيل الله عز وجل ما قاست، أكتب هذه الكلمات وقد عجزت عن إعطاءها حقها ولكن لرفع الشبهة وتقديم الحق وهو من ديدن أمورنا، فنحن أصحاب الدليل أينما مال نميل، وفي مقالي هذا لا أستطيع أن أحيط بكل شيء ولكن أذكر ما يوفقني الله عليه أتوكل ومنه التوفيق.

فاطمة بنت محمد ص عليها السلام:

منشأ نطفتها من الجنة ، حين هبط الأمين جبرائيل ذات يوم بهديةَ من أثمن الهدايا ألتي أهدتها السماء إلى خاتم الرسل (ًصلى الله عليه وآله وسلم) وهي تفاحة من الجنة تحمل سرا “عجيبا” أودعه فيها ربّ العزة، فيتناول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تلك التفاحة لتتحول في صلبه نطفة لهذه الوليدة التي حملت بها سيدتنا أم المؤمنين خديجة عليها السلام وتبدأ رحلت الوليدة الجديدة للنبي (ص) وخديجة عليها السلام .

فعند وضعها عليها السلام تقول :الروايات من العامة 1 أن قوابل فاطمة عليها السلام هم حواء (عليها السلام)، وآسية (عليها السلام)، وكلثم (عليها السلام)، ومريم (عليها السلام) ، وأن الله تبارك سماها فاطمة لأنها تفطم شيعتها عن النار2،

إن الاختلاف وقع بين الإمامية والعامة في تحديد ولادتها سلام الله عليها ولا أخوض في الخلاف، ولكن أرادت السماء أن تصوغ امرأة يُراد لها أن تكون نموذجا  للنساء في الكمال والفضل والعفة والطهارة 3 والشرف فخلّقت فاطمة الطاهرة البتول العابدة الصديقة العالمة، فهذه الوليدة ترعرعت في كنف أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى أضحت مثلهُ لأنه أطلق عليها لقب لم يحظى به أحدٌ قبلها ولا بعدها، وهو (أم أبيها)4 لتعلقه بها، كان يقول لها قولي ((يا أبه)) فإنه أحب للقلب وأرضى للرب وهذا أنموذج بسيط عن علاقتها بأبيها.

فمولاتنا فاطمة التي كان وجهها ينيرُ المدينة في الليل، كما ذكر المؤرخ القرماني عن عائشة: كنا نخيط ونغزل وننظم الإبرة بالليل في ضوء وجه فاطمة.

فلهذا النور قصة قبل خلق الخلق، فقد روى عن ابن عباس قال: لما أمر الله تعالى آدم بالخروج من الجنة، رفع طرفه نحو السماء فرأى خمسة أشباح عن يمين العرش فقال: إلهي! هل خلقت خلقا قبلي؟ فأوحى الله تعالى إليه: أما تنظر إلى هذه الأشباح؟ قال: بلى! قال تعالى: هؤلاء الصفوة من نوري، اشتققت أسماءهم من أسمي، فأنا الله المحمود وهذا محمد، وانا العلي وهذا علي، وأنا الفاطر وهذه فاطمة، وأنا المحسن وهذا الحسن، ولي الأسماء الحسنى وهذا الحسين. فقال آدم: فبحقهم اغفر لي، فأوحى الله تعالى إليه: قد غفرت لك. وهن الكلمات التي قال تعالى عنها : [فتلقى آدم من ربه كلماتٍ فتاب عليه]5.

وهذه الأنوار المتكاملة في عالم الذّر، متكافئة في الدنيا فشـاءت إرادة السماء على تزويج النور من النور، وأخرج ابن عساكر عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام ) أمرت بتزويجك من السماء …

قد أضاء النور الفاطمي بيت الإمام علي عليه السلام، وكانت فاطمة كفوا “ونظيرا” لأمير المؤمنين (عليه السلام) في أن يكون كل منهما مقياسا للحق ومحورا له، وقد عاشت في بيتها ملتزمة بأموره، إلى أن استشهدت مظلومة مهضومة الحق ولم يراعوا قول نبيهم (صلى الله عليه وآله) في حقها، هجموا على دارها وأحرقوا بابها وكسروا ضلعها وأسقطوا جنينها، حتى دفنها بعلها (عليه السلام ) ليلا، وأعفى قبرها لكي لا ينال شفاعتها من ظلمها.

 

قد أخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما يجري عليها وذكر أكثر علماء العامة ما يجري عليها6.

و قد أخبر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه إذا كان يوم القيامة _ لأنه يوم الثواب والأكبر لأولياء الله تعالى،يوم طالما انتظره المقربون بفارغ الصبر لينالوا من معبودهم الجزاء الأوفى والأوفر_ جمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، ثم نادى من بطون العرش: إن الجليل جل جلاله يقول:(نكسوا رؤوسكم وغضوا أبصاركم فإن فاطمة بنت محمد ( عليها السلام) تريد أن تمر على الصراط7.

ألا يحق لها وهي أم العفاف حتى أنها لم تخرج حتى على الأعمى، ولعل قائلا يقول هذا من عندكم! متهما النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والرواة الثقاة عنه!  أوليس كله من عند الله لأنه (صلى الله عليه وآله) لا ينطق عن الهوى.

وقد أخبرنا (صلى الله عليه وآله): يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها، والحديث من الفريقين، فتكون (عليها السلام) الشافعة لمن رضت عنه مصداقا لقوله تعالى: (لا يشفعون إلا لمن ارتضى) لأنها وعدت شيعتها أنها لن تدخل الجنة حتى يدخلوا معها.

كذا في حديث الخوارزمي عن سلمان قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا سلمان من أحب فاطمة ابنتي فهو معي في الجنة ومن أبغضها فهو في النار. يا سلمان! حبّ فاطمة ينفع في مائة من المواطن، أيسر تلك المواطن الموت، والقبر، والميزان، والمحشر، والصراط، و المحاسبة، فمن رضيت عليه ابنتي فاطمة رضيت عنه، ومن رضيت عنه رضي الله عنه، ومن غضبت عليه ابنتي فاطمة غضبتُ عليه، ومن غضبتُ عليه غضب الله عليه، ياسلمان! ويل لمن يظلمها ويظلم بعلها أمير المؤمنين عليا (عليه السلام)، وويل لمن يظلم ذريتها وشيعتها.

وفاطمة مقامها أجل من المؤمنين الذين أجمع الفرقاء على قبول شفاعتهم لأريعين نفر يوم القيامة، ولا يمكن للباحث عن الحقيقة التنكر بعقلية لا ترضى بدليل ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

الشيخ حسين علي المولى

النجف الاشرف 2جمادي الاخر 1437هجري

 

1-_ذخائر العقبى ص45-الحنفي في ينابيع المودةج3ص135الرقم382.

2-_الذهبي عن البخاري وأخرجه ابن حجر عن البخاري.

-3_إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)33اية سورة الأحزاب.

4-_المعجم الكبيرج22 ص397-تاريخ مدينة دمشق ج3ص156.

5-_تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبين ص23-البقرة 37.

6-_ابن قتيبة الدنيوري في المستدرك-البلاذري في كتاب الإمامة والسياسة-مروج الذهب

كتاب المحسن السبط لسيد محمد مهدي الخرسان دام ظله ذكر اسانيد كثيرة تثلج الفؤاد.

7-_نظم درر السمطين ص182

 

تعدد الروايات واختلافها في شهادة الصديقة الزهراء (ع)

بسم الله الرحمان الرحيم
📌 لماذا تعددت واختلفت الأقوال عند العلماء في تحديد تاريخ شهادة الصديقة المظلومة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام) ؟

*…*…*…*

📍 لقد كتب علمائنا الأعلام ( رحم الله الماضين وحفظ الباقين )، كتبوا كثيراً حول تعدد مواسم ذكرى استشهاد الصديقة الزهراء (عليها السلام)، وما هي العلة من تعدد تاريخ شهادتها ؟

📌 وفي الحقيقة هذا ما يُبين ويوضح عُظم ” ظُلامة مولاتنا الزهراء (ع) “.

📍 وهنا أختصرُ كلام علمائنا الأعلام، راجياً من الله التوفيق والسداد ..

📍 إن من أسباب تعدد مواسم احياء ذكرى سيدتنا فاطمة (ع)، هو تعدد الروايات الكثيرة التي ذكرها المسلمون شيعةً وسُنة، وقد حصر الزنجاني الخوئيني الشيخ اسماعيل في موسوعته الكبرى عن فاطمة الزهراء (ع) الأقوال التي ذكرت شهادتها هي ( 21 ) قولاً ( ج15،ص33) وذكرهم عن قرابة (600) مصدر.

والذي اشتهر بين شيعة أهل البيت (عليهم السلام) هي ثلاثة أقوال:

١) القول الأول: الثامن من ربيع الآخر، أي أنها (سلام الله عليها) استشهدت بعد رحيل أبيها بـ (٤٠) يوماً، وقد ورد هذا القول في (54) مصدراً، ومنها ما نقله المسعودي في كتابه ( مروج الذهب ).

٢) القول الثاني: الثالث عشر من جمادى الأولى، أي أنها استشهدت بعد رحيل النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) بـ (٧٥) يوماً، وقد ورد هذا القول في (108) مصدراً، وهذا ما رواه الشيخ الكليني (قدس سره) في كتابه ( الكافـي )، والشيخ المفيد (قدس سره) في كتابه ( الإختصاص )، وابن شهر آشوب في كتابه ( المناقب )، عن الإمام الصادق (عليه السلام): ” أنها عاشت بعد أبيها 75 يوماً “.

٣) القول الثالث: يوم الثالث من جمادى الآخرة، أي أنها (ع) استشهدت بعد رحيل أبيها (ص) بـ (٩٥) يوماً، وهذا القول ورد في (72) مصدراً.

وهذه الأقوال الثلاثة من الروايات هي الأقرب للواقع من أصل (21) قولاً.

📌 السؤال: لماذا هذا الإختلاف في تحديد اليوم ؟

يرى الباحثون والمفكرون صعوبة تحديد التاريخ، يأتي من الروايات المختلفة والمتعددة في توقيت شهادتها ( روحي لها الفداء )، وإلى اختلاف نسخ الروايات.

وقال بعضهم: أن ” التواريخ كلها كانت من المسموعات في تلك الأزمنة ولم تكن تدون أولاً بأول، إلا نادرا ” فمن الطبيعي أن هذه المسموعات تتعرض للنسيان مع مرور الأزمنة.

ويشير بعض الباحثين أن التدوين جاء متأخر في التاريخ الإسلامي، وشهادة مولاتنا فاطمة (ع) في صدر الإسلام الأول، قبل ظهور التدوين في القرن الثاني.

وقد ذكر كثير من العلماء أن منشأ الإختلاف بسبب الأحداث التي رافقت رحيل النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وما جرى من أحداث كبيرة وخطيرة، فكانت المدة مبهمة في مرضها حتى شهادتها، فالعلة من ذلك ” التكتم الإعلامي “.

وذكر علمائنا أن الإختلاف في شهادة الصديقة الزهراء (عليها السلام) يُشبه كثيراً علة وحكمة إخفاء قبرها الشريف، فقد اختلفت الروايات في موضع قبرها:

١) منهم من روى أنها دفنت في البقيع، قيل بالقرب من دار عقيل بن أبي طالب، وقيل مع ابنها الإمام الحسن(عليه السلام).

٢) ومنهم من روى أنها دفنت بين قبر النبي ومنبره، لقوله (ص): ( بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ). وقد رواه الشيخ الصدوق في كتاب (معاني الأخبار)، وقال عن الرواية: لأن قبرها – أي الزهراء – بين القبر والمنبر .

٣) ومنهم من روى أنها دفنت في بيتها، فلما زاد بنو أمية في المسجد صارت من جملة المسجد. فقد قال السيد ابن طاووس: ( الظاهر أن ضريحها المقدس (ع) في بيتها المكّمل بالآيات والمعجزات، لأنها أوصت أن تدفن ليلاً ولا يصلي عليها من كانت هاجرة لهم إلى حين الممات، وقد ذكر حديث دفنها وستره عن الصحابة، البخاري ومسلم فيما شهدا أنه من صحيح الروايات ..ألخ ) اقبال الأعمال للسيد ابن طاووس ص ١١١.

فالسلام على الصديقة المظلومة الشهيدة، المجهولة قدرا، والمدفونة سرا، والمخفية قبرا، أُم أبيها المُمتحنة فاطمة الزهراء عليها السلام ..

خادم الآل
الميرزا زهير الخال

النجف الأشرف

الثامن من ربيع الآخر ١٤٣٧ هـ.