أرشيف التصنيف: اللاأدريون

إشكال من القراء

بسم الله الرحمان الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]
والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أجمعين
قد مر في المقالت السابقة أن الانتزاع يجب أن يكون من المصاديق الخارجية ليلامس الحقيقة، ويكون مأخوذا منها فعلا بطريق مجرد وواضح .
وقد أشكل بعض القراء الأعزاء بأن الانتزاع لا يختلف بين الأفراد التي تم استقراءها وبين الفرد الواحد، فمبدأ الاستقراء لانتزاع الحقيقة واحد سواءا كان من فرد أو من أفراد متعددة.
فلو دققنا في الأفراد المتعددة لوجدنا عدة أمور:
العدد والتعداد: ان تم الانتزاع من عدد معين تن حصره تحت مسمى متفاوت يصعب انتزاع الجامع بينه نظرا لكون الجمع العددي المميز لا يجمعه إلا تمييز العدد
الاستقراء: الجامع فيه عنوان عام وما يندرج تحته فهو مندرج أصلا تحت الجامع العنواني العام ، ومادام عاما فلا يمكن ملاحظة الخصوصيات من خلاله.
الفردي: انتزاع الحقيقة من الفرد بملاحظة جميع خصوصياته وماهيته يكون أكثر دقة في الوصول للحقيقة، ويمكن ذلك بملاحظة الفرد وجزئياته ومركباته وجهاته لتحديد ءلك والوصول للحدود المقنعة بالحقيقة.

بينما انتزاع العنوان العام والمعنى العام لا يرقى أكثر من كونه ملاحظة الجامع وتحديد عنوان عام، فما كان تحت هذا العنوان متفق عليه فلا كلام، ولكن ماذا في الأفراد المشككين والمتفاوتين الذين يشملهم هذا العنوان من وجه أو لا يمكن إدراك ما يشملهم او لا؟
هكذا اذا حاول اللاأدريون انتزاع مفهوم الرب من استقراءاتهم الخاصة من أفراد جمعوها أصلا من مفهوم ذهني عام جاهز، ثم جاؤوا لينتزعوا منه عنوان الرب مرة أخرى..
فهم قد جمعوا على نحو التعداد قائمة من كل مسمى للرب في عالم الأديان ثم جاؤوا يبحثون عن انتزاع الحقيقة؟!
كيف جمعوا عباد الأصنام الذين اخترعوا ربا من أذهانهم مع الوثنيين الذين اعتقدوا بالظواهر الطبيعية أو مخترعي الأديان من عبدة الحيوانات والإبراهيميين ليجعلوهم في معنى رب واحد؟ بالتعداد ! واعتبروهم مثيليين في استقراء موحد ليحاولوا انتزاع عنوان الرب ؟؟!
ولو أمعنا التأمل والتركيز، سنرى بأن في أفرادهم مجموعة من الممكنات والمفتقرة للعباد لتوجد في الخارج كمصاديق، ولكن الرب الذي أرسل ملائكته ورسله واجب الوجود قائما بذاته، فلذلك وجب أن يدل عل ذاته بذاته، فيسهل انتزاع حقيقة معنى الربوبية بما يدل عليه بذاته وصفاته حتى بالاستدلال البسيط والمباشر..
ومن هذا المنطلق اختلف الانتزاع ومؤداه والتبادر ومؤداه بين كونه من مجموعة أو أفراد، استقراءا أو استنباط، فالباحث عن الحقيقة لا يلقاها في جامع أفراد تتفاوت من جهة وتتباين من جهة، بل يبحثها في الفرد الجوهري المثالي الأسمى المميز الدال على ذاته بذاته..
والحمد لله رب العالمين

عباس العصفور
النجف الأشرف

المثيلي والمثالي 4

بسم الله الرحمان الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

قد مر في الكلام في طريقة استقراء اللا أدريين لمصاديق الرب بين الأديان المختلفة ، فمع مافيه من طريقة تجميع الأفراد بطريقة المسمى اللفظي عند المتعبدين بما تسالموا على ربوبيته إلا أنهم جميعا أثبتوا نفس الصفات لذلك الرب بغريزتهم الفطرية ومعاييرهم العقلية، فمنهم من عدد الأرباب ومنهم من وحده ومنهم من ثلثه.
بقي أن مفهوم الإله المتفاوت بين الأديان تتحاور الأديان فيه بين بعضها البعض ، فمنهم من ارتكز المفهوم عنده في ذهنه قبل مراجعة الواقع وابتلي بالمخيلة، فصار يتخيل ربا ثم يبحث عن مصاديقه في الخارج فإن لم يجده صنع صنما يشبهه ، ومنهم من اتبع الأنبياء والرسل ووصل للواقع الأمثل بفرد مثالي للمفهوم فانتزع المفهوم من المصاديق الواقعية، وتوجه لربه..وهكذا، يكفي التعرض لهذا المبحث بهذا المقدار هنا ..
وما مر لا ينفي وجود رب واجب الوجود ، ولا يمكن الجمع بين خلافات الأديان بنفي الرب ووجوده، لأن الجامع لا يمتنع عن إثبات وجوده بل يقره _ كما مر _ حسب مقتضى استقرائهم ، حسب مدعى أقوالهم..
في كل الحالات الآنفة هناك مفهوم لواجب الوجود عند العقلاء لا يمكن نفيه ، سواء كان المفهوم انتزاعيا أو حمليا، فالعقل يدرك بفطرته وتوجهاته وتنظيراته لابدية وجود الإله .
بقي أن نسأل اللا أدريين عن مفهوم الرب الذي يبحثونه، مانوع الرب في قضاياهم الذهنية؟ ما هو تصورهم ؟ ما هي الدراسة التي اعتمدوها في إثباته ؟
للباحثين سبل نقضية وإثباتية في الاستدلال، فالنقض عادة طريق سهل يسلكه من لا يملك الحجة، ولكن البحث يجب أن يكون في جانب الإثبات كماهو في جانب النفي، فالتوقف عند النفي بسبب عدم اتحاد الناس على كلمة واحدة بعد استقراء بين المثيليات لا يكفي في نقض ونفي وجود الرب، لأن الموضوع أصلا موحود واقعا وقد يختلف العقلاء _ كل حسب معلوماته _ بين الشيئية حتى التشخيص الفعلي الواقعي أو التأويلي ، فالقضية ليست سالبة بانتفاء الموضوع حسب المدعى لينكروها.
ولإثبات المواضيع بالعلل اللزومية والدلالات لا يلجأ الباحث للاستقراء دائما، فالاستقراء معد للانتزاعيات عادة والتوصل لنتائج نسبية في الاثبات، وهم لجأوا له لنفي وجود الله الذي تعضده الدلالات والعلل والترتبات والزوميات والضرورات، فكيف لهم أن ينفوا ذلك بالاستقراء؟ ثم يقولون لا ندري؟!!

فما اتخذوه من طريق الاستقراء قد أوصلهم لنسبة إثبات كما أوصلهم لرؤى متعددة، فجعل الأديان المختلفة كلها في سمت واحد لتحديد وجود الرب غريب عن طرق البحث العلمي، لأنهم في اختلافهم تعدد الآراء ونسبية الصحة والاشتباه والغفلة عند مجموعات الأديان بين الوثنية والتقليدية والابراهيمية حسب اعتقادهم لا يكفي لنفي وجود الرب والخالق.. بل يثبت وجوده بطريقة يقينية لإجماع الكل على وجوده..

بقي أمر :

إن البحث عن الرب الخالق لايكون بالاستقراء، لأن الاستقراء يكون عادة لمن يتبعون كلام الناس، أي للمقلدين والمتبعين، بينما نبحث عن وجود الخالق والرب في أنفسنا وعقولنا ووجداننا، بعيدا عن أقوال غيرنا واستقراءاتها، فالوصول لوجود الله بسيط وليس معقدا..

والحمد لله رب العالمين

عباس العصفور
النجف الأشرف

المثيلي والمثالي 3

بسم الله الرحمان الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
هناك مفهوم مثالي ذهني بحمل أولي وهناك مصداق لهذا الفرد في حمل شايع، وللوصول له نحتاج لسياقات ومناهج قانونية بديهية لا يختلف عليها اثنان أو نظرية يحكمها قانون العقلاء كي تكون ملزمة، ولكل حقيقة ونتيجة سياق علمي يبحثها بطبيعة الفرد والجهة .. وقد مر النقاش في ذلك سابقا ولا نعيد..
فالعقل الباحث بأدواته المتساوية عند العقلاء، ومدركاته ومعاييره التي يقطع بنسبتها، ومشاهداته التي يدركها، وتجربياته التي يقطع بنتائجها المتكررة دون تخلف، قد يختلف مع التفاسير العلمية لتلك الظواهر نظرا لكونه قد ألف تغيراتها وعدم اجتماع العلماء على تفسير واحد فيها يخفف من جزمية القطع عنده .. وقد مر ذلك أيضا..
لذلك فعالم الإثبات والدليل والحجة يقودنا لهذا الفرد المثالي عبر الضرورات والوجوبيات التي يتوقف عليها الوجود بكل حال، وفي هذه الحالة لا يمكن جعل هذا الفرد كباقي كباقي الأفراد الممكنة ولا المقايسة عليها حتى في المخيلات، لأن المعايير العقلية تأبى النقش بلا عرش في وجود الأسياء بلا هذا الفرد، وإن تخيلوا شريك الباري وتعدد الأرباب فتلك صفات وجوبية تخيلتها بعض الأديان متعددة بتعدد الأرباب، ولكن لا يمكن تخيل وجود أفراد ممكنة بلا علة موجود واجب الوجود يكون أصلا لكل تلك الأشياء.
وعالم النقض والنفي والسلب سيقودنا أيضا لوجوده عبر سلب وجود كل الممكنات خصوصا أو عموما إن لم تكن مرتكزة على علة تامة لوجودها أو فاعل حقيقي يسلبها هذا الوجود.
وفي نفس عالم السلب يفرض الفرد المثالي وجوب وجوده بتنزيهه عما يناقضه عبر معطيات صفاته الحقيقية الوجودية..
مثلا:
أ- الطبيب يثبت نفسه بعمله وشهادة أهل الاختصاص وشهادته الأكاديمية.. فلولا مدارس الطب لما أمكن إيجاظ طبيب..
ب- والطبيب (ليس ) مهندسا و(لا) سباكا و(لا) حمالا و(لا) أي شيء آخر غير كونه طبيبا ..
ج- الطبيب بشرناطق (فهو ليس بحيوان فاقد العقل) .
وكما نلاحظ أننا مثلنا بالصفات لآدمي ممكن مفتقر لواجب الوجود إلا أن فرده المثالي الموصوف توافق مع بعض الصفات وأبى أخرى وتنزه عنها وسلب غيرها مما يمكن أن يتصف به ! فماذا لو مثلنا بالذوات أصلا؟!
فكيف استطاعوا عبر مناهجهم نفي علة الوجود التامة الواجبة التي يتوقف عليها وجود الأشياء، وبأي منهج نقضوا المفهوم المثالي ؟ وكيف أثبتوا له ما تنزه عنه؟! في الوقت الذي يحكم العقل حتى الصفات إن اتخذها موضوعا في حملياته..
واقعا ! إن إثبات المنفي ونفي المثبت ومحاولة النقض للثوابت في مثل هذه الحالة لا يمكن حتى تصوره في المخيلة في فرد واحد.. لأننا حينها سنكون في واقع آخر ونتكلم عن موضوع آخر أو نؤلف قضايا كاذبة تتحدث عما يغاير الواقع ..

عباس العصفور
النجف الأشرف

المثيلي والمثالي 2

بسم الله الرحمان الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
قد مر الكلام في طريقة كشف الواقع عبر الاستقراء وتتبع الأفراد المتماثلة والمندرجة تحت عنوان مفهومي يعمها؛ كما وقد يتم تقسيم هذه الأفراد في مقسم معين بطرق القسمة المختلفة .
بقي الكلام في مناقشة كيف الاستدلال عند اللاأدريين..
من المنطقي والمعقول أن ينتزع الإنسان العنوان الجامع من مثيلات الأفراد والنتيجة الواضحة المنكشفة من جراء هذه العملية الجامعة تحت عنوان معين من الواقع والمصاديق الخارجية .
قد يتوهم الكثيرون بأن فائدة تتبع الأفراد المتماثلة تكمن في الحصر والتعداد والتدوين فقط ولكنها تتعدى ذلك لتكون مصاديقا خارجية يمكن انتزاع العناوين منها والخصائص الجامعة بأي حال من الأحوال خصوصا وأن الأمور متعقلة من العقل الفطري والطريق الوجداني.
فالثابت في الاستقراءات التي قاموا بها إجماع الأديان على وجود رب أو إله تتوجه له النفس، وقد تتبعوا ذلك وجمعوه تحت قناعة أن جميع العقائد تثبت ضرورة ووجوب وجود الرب والإله .
وبعد هذا الاستقراء لجأوا للتقسيم وتدوين أنواع هذا الرب في جميع العقائد البشرية وعوائل الأديان من إبراهيمية أو وثنية أو غيرها، ومن طبيعة التقسيم أن يكون القسيم مباينا لقسيمه من وجه ومؤالفا معه في وجه آخر، والقسمة قائمة على جمع المتآلف مع العنوان الجامع العام والذي يسمى بالمقسم، فلا يمكن لبناء القسمة أن يستقيم بلا هذا الجامع ولا يمكن للاستقراء أن يكون علميا استنباطيا ذو نتيجة ملزمة بلا جامع أيضا..
فملاحقة القسمة ومحاولة نقضها عبر البحث في الجانب المباين الجزئي غير موفق وغير صحيح وليس بمثمر نظرا لكون القسمة لا تتناول إلا المثيل وليس في هيكلها الوجه المباين في الأقسام، لأنها لم تكن تخلق تنافرا بينها، فلو انطبق القسيم مع قسيمه في كل جزئياتها لصار فردا واحدا وانتفى الداعي للقسمة..
لكن جعل هذا التباين الجزئي في التقسيم كنوع من أنواع الحكم بتكاذب الأقسام كلها وادعاء أن كل دين يكذب الآخر فهو غير صحيح ، ولإثبات هذا المدعى عليهم أن يسلكوا طريقا آخر يتخذ النتائج المتناقضة لا النتائج المتضادة ولا الداخلة تحت التضاد فهي متوافقة أحيانا ولو من وجه .
والباحث عن الحقيقة عبر الاستقراء هو باحث عن الاثبات لا عن السلب ولا النفي لأنها ليست بسهلة الحصر ولا من أدواته.
وكذلك الاستقراء الذي قاموا به من تجميع مفهوم الأرباب عند كل دين ومذهب فهو في صالح الأديان وليس في صالح الملحدين!
كيف؟!
إن العقل المجموعي وإجماع العقلاء أقر عبر استقراءاتهم بوجود الرب في عقيدة كل دين، بقي أمر نقاش كون الرب المعتقد به صحيحا أم لا فهو موضوع أعمق ويحتاج لاستقراء آخر أخص يبحث بين التوحيد والتعدد في عقائد الأديان وصحة ذلك تحتاج لاستدلال آخر.
فالخلاف بين الأديان في عقيدة الرب والإله متعدد ومتفرع لكثير من الدراسات والبحوث، وهذا صحي، ولكن من غير الصحي أن نخطيء الجميع بمجرد اختلافهم، ولا من المعقول أن نرفض كل العقائد بسبب تشكيكنا وتوقفنا عن البحث والتنقيب في الحق والحقيقة وادعاء التناقض !
اللاأدريون أنفسهم يشكون في نتائجهم وهم يختلفون في رؤاهم وآرائهم وهم أولى بأن يخطؤوا أنفسهم نظرا لوجود الخلاف بينهم، أسوة بالمنهج الذي اتخذوه عبر تخطئة الأديان في وجود الخالق، رغم اتفاق الأديان عليه، وتخطئتهم بسبب اختلافهم ، رغم أن استقراءات الاأدريين وتقسيماتهم قصرت عن تناول ذلك في انتزاعياتهم !
مثلا:
إن اختلاف الأطباء في تشخيصاتهم لا يعني عجز الطب ولا عدم جدواه ولا تخطئته رغم علمنا بصحة تشخيص أحدهم، بل يتكبد الباحثون مزيدا من العناء للوصول للنتيجة الواقعية الصحيحة، ويدونون التشخيصات في استقراءاتهم لتتبعها من عدة وجوه.. فلو اتخذوا النقض للكل لما أثبتوا شيئا ولبقوا مشككين كاللاأدريين وكانت كل النتائج لا أدري!
والبحث عن الفرد المثالي الحاوي لكل الخصائص المثالية يحتاج لمفهوم مثالي يكون معيارا ومدركا لانتزاع الحقيقة .. يأتي عليه الكلام ..
والحمد لله رب العالمين
عباس العصفور
النجف الأشرف

المثيلي والمثالي

بسم الله الرحمان الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين..
في عملية الاستقراء يتم جمع الأفراد تحت عنوان عام سواء كان وصفيا أو ذاتيا وذلك عبر التتبع والملاحظة، ويراعى في مثل هذا العمل البحث في المماثل، فقد يتناول هذا التتبع تمام الأفراد وقد يستعصي ذلك بسبب مطاطية العنوان أو تكثر الأفراد..
وهناك غرضان من هذا العمل في السياق العلمي، فقد يتم جمع الأفراد تحت مسمى واحد لجعلها في حكم واحد وقد يتم جمع مجموعة أفراد بلا مسمى معين لانتزاع مسمى واحد يجمعهم تحت عنوان معين يكون محكوما بمفهوم معين.
ففي الأول : هناك حمل أولي لمفهوم ما يتتبع الأفراد،
وفي الثاني : فهناك حمل شايع ننتزع من مصاديق أفراده مجتمعة المفهوم لنحمله لحمل الأولي .
مثال الصورة الأولى :
أن نجمع كل حدث مقترن بالزمان لنجعلها تحت مسمى الأفعال في اللغة العربية .
مثال الصورة الثانية :
أن ننتزع من هذه الأفراد تقسيمات بحسب الزمان كالماضي والمضارع والأمر .. أو تصريفاتها كالمبني للمجهول والمعلوم في أبنيتها، أو اللازم والمتعدي ..

قد كثر الحديث والنقاش في الاستقراء ومديات إمكانيته الاستدلالية عبر مثل هذه الدلالات لما تحمله المثلية من دلالات متفاوتية بجانب الاندراج على نحو متفاوت في مفهوم العنوان لمن يقول بهذا التفاوت في اندراج المركبات فيه بجزئيات معينة دون أخرى :
مثلا :
* الجدلية في اندراج كان الناقصة تحت مسمى الأفعال في القسمة قد يجعله فردا مرددا في الاستقراء رغم المماثلة من وجه .
* جدليات المعنى الحرفي الذي يستبطن الإسمي أيضا ..
* جدليات الأفعال الجامدة بين كونها فعلا أو إسما..
وهكذا فالبحث في المصاديق الخارجية قد يتفاوت في المركبات والأفراد المشككة.
فهل يا ترى يستطيع الاستقراء بطريقته الجامعة أو الانتزاعية الوصول لحقيقة مثل هذه الأفراد المرددة والمشككة المجهولة؟ وإن جعلنا عنوانه المنتزع تحت حكم عقلي معين فهل سيشمل الفرد المردد والمشكك؟
كل ذلك محكوم بسياق المسألة العقلية وإمكانية القسمة بأشكالها المنطقية والطبيعية والعقلية بحسب المقسم، واندراج القسيم فيها لا يلاحظ فيه سوى الجامع بين الأفراد لتحقيق القسمة القائمة على بحث المثيل دون النظر للخصوصيات التي تختلف بين القسيمين..
كما اتفقنا على توافق المثيل في الاندراج تحت عنوان ما في قسمة أو استقراء فكذلك لا نختلف في ضد هذا المثيل مع قسيمه في ما يميزه عنه من وجه آخر وبعنوان آخر وفي موضوع آخر، فالمثلية لها سياق ووجه وموضوع معين والضد كذلك يستلزم موضوعا آخرا ومعينا أيضا ..
هذا ما هو متبع في العلوم الطبيعية وسياقاتها المعرفية ، أما ما اتبعه بعض علماء اللاهوت والعقائد من (خلق) مفهوم أولا للرب وللإله ثم أخذوا يبحثون عنه بنحو وجه استقرائي تتبعي أو انتزاعي بسيطا كان أو مركبا جعلهم يدورون في أفلاك متعددة بين تعدد الرب للمعنى المركب حيث يستلزم الإضافات المتعددة كلما دعت الحاجة له ، وبين المفهوم البسيط الذي لا يتناول المعاني المركبة، فظهر عندهم الرب ذو الأيادي المجسمة أو الأيادي المتعددة أو الرؤوس المتعددة وماشابه ذلك وشاكله وماثله..
وهنا وقف اللا أدريون مدعين صعوبة اكتشاف الرب في استقراءاتهم، وافتقارهم في تعدد الدلالات إلى ضابط واحد يبين الحقيقة للجميع عبر الاستقراء ..
وقد اتخذوا في مثل هذه المسألة حالة تخطئة كل الأديان في مفهوم الربوبية وقالوا: بأن الرب غير موجود عبر استقراءاتنا لتضارب المفاهيم وضدها واختلافها مع بعضها البعض عند الأديان ! وادعوا بأن مصاديق الإله في الخارج تكذب بعضها البعض ! وقد ضاع علينا المفهوم المثالي.
وللحديث تتمة ..
والحمد لله رب العالمين

عباس العصفور
النجف الأشرف

المسكوت عنه !

بسم الله الرحمان الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين

كثيرا ما يلجأ العلماء في بحث جزئيات القضايا العلمية في مسائل تبحث في أسئلة المسكوت عنه، وغير المبحوث فيه، وما شابه ذلك جملة وتفصيلا..
فالقضايا الحاوية لحمل موضوع بإسناده أو علته تحت سياق ما ستكون عامة من جهة و خاصة من جهة أخرى بحسب السياق الحملي من حيث اختصاص الموضوع بما يميزه من جهة واندراجه تحت كلي أو عام من جهة أخرى ..
مثلا : الإنسان ماشي ..
فاختيار الإنسان من بين ما يمشي من فرس وفيل وزرافة وغيرها له خصوصية تمنع غير الإنسان من الماشين في الاندراج بنفس المحمول في فحوى هذا الخطاب، كما وأن هناك خصوصية له في إرادة المتكلم، فمن جهة أخرى هناك عام يحويه ويجعله مع الباقين، ولكن ذلك ليس مذكورا في الخطاب ..
لأن مدلول اللفظ لا يبحث سوى الإنسان وإسناد المشي له فلا دخل لغير ذلك، ولا نزج أي استدلال آخر لم تتناوله الدلالة في هذا التأليف اللفظي ..
فلو حملنا جميع الماشين في محمول المشي فلن نجد للخصوصية أي سبيل في أي تمييز يقصده المتكلم ولا يمكن للعالم إفراد أي حكم ومورد يختص بالإنسان من جهة كونه ماشيا ، والحكم الجامع لكل أفراد هذه الصفة، أو ما هو كلي ، يختلف عن مدلول الفرد وإسناده للعام منفردا.
كل هذا يأتي في سياق الإثبات، والعمل بالمدلول ثبوتا، ففي طريقية الدلالة ألف المستدل كل ما يحتاجه لحفظ هذا التمييز بين الأفراد في العام على نحو كلي.
أما في القضايا الجزئية فهناك أجزاء أخرى مسكوت عنها وذلك لكون القدر المتيقن هو هذا الجزء والباقي خارج عن ذلك الحكم، إما للمغايرة أو للمجهولية ، فيسعى الباحث لإثبات حكم خاص لهذا المجهول عبر البحث في الأدلة، وهذا طبيعي ولا غبار عليه.
ولكن المنهج التشكيكي والنقضي اذا ما فكك هذه الأواصر فقد يتحول لعدة صور مختلفة :
* صورة تشويش الهيئة اللفظية التي تقيد المادة وتضيع أسباب التأليف بالكيفية التي ركب اللفظ لأجله .،
* مصادرة دلالات الإثبات وخصوصيات المعاني التي ساقت الأحكام إلى نتائجها بحسب المعنى المقيد .
* ضياع النسبة الكمية المتيقنة فيما تألف بين الموضوع والمحمول .

لذلك رفض كثير من العلماء حالة تغيير الهيئة التركيبية في القضايا.
وهناك من يحول القضايا البسيطة إلى مركبة باحثا عن الإمكان لكسر اليقينيات وجعلها إما مطلقة كما مر أو ممكنة أو مقيدة بظرف ليفتح موضوعا آخر قد خلق منه فسحة مسكوتا عنها، وهذا قد يتبعه المنهج العلمي الباحث في الظرف والإمكانات.
أما أن يتبع التفكيكيون والمشككون والنقضيون طريقا لجعل هذا المسكوت عنه المجهول النتيجة عامل نقض للثابت علميا بعد ثبوته فذلك ما يرفضه العلماء عادة .
فالقضايا المذكورة والثابتة والواضحة طريقها الإثبات عبر الدلالات بحسب حدودها وتأليفها الخاص وما كان دون ذلك أو مغايرا له فهو إضافي ولا يناقش إلا بالمعنى الإضافي، فنا ثبت بالدليل ثابت وما امتنع فهو ممتنع كمعنى إضافي ولا يمكن مصادرة الثابت يقينا به.
فالمعنى الكلي في القضايا الكلية لا ينقض بالمسكوت عنه لأنه تناول المعنى الكلي بتمامه وثبت بالأدلة، فلا يناقش إلا في أدلة الإثبات دون إضافة المعاني الإضافية أو تركيبه بما يزيد على معناه وضعا.
أما المعنى الجزئي فالمتناول هو الثبوت بنفس الكم في التأليف بين الموضوع والمحمول وماهو مسكوت عنه في الجزئي الآخر عبر التبعيض والبعض الآخر فلم يتناوله الدليل ليكون ناقضا للبعض المتيقن بل حكمه أجنبي عن مقام الجزئية، لذلك فمن الطبيعي أننا إن أخذنا الجزئية في النتائج العلمية مأخذ الكلية فتكذب النتيجة حتما ، ولو نقضوا بهذه الطريقة لعد ذلك تلاعبا لا نقضا علميا .
فالمسكوت عنه في كل الحالات غير مأخوذ في الإعتبار فكيف يصلح لنقض المعلومات عند اللاأدريين، فالأمر ليس فيه حيرة بقدر مافيه من سوء تطبيق الأقيسة ونتائجها المتبعة علميا ولا تبرير ذلك وتفسيره بأي حال..
فالإنسان الذي خصه الله بالضحك نظرا لكونه عاقلا يتعجب فيضحك لا يمكن مقارنته بالحيوانات التي تقلب عضلات وجهها لتبدوا في هيئة الضاحك لأنها لا تعقل فتتعجب .. والإنسان الماشي على رجلين لا يمكن مساواته بالحيوانات الماشية على أربع في صفة المشي إن كنا نبحث في خصوصيات الإنسان وهيئته الخاصة..

والحمد لله رب العالمين
عباس العصفور
النجف الأشرف

الشك العلمي وشك الجاهل

بسم الله الرحمان الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين ..

لا تكاد فكرة ما أو قضية ما تخلوا من جهات مسكوت عنها أو يتم البحث فيها بشكل علمي واضح وفق معطياتها ومدعاها، ولكن الجهة المتيقنة فيها يكون الحكم قد وصل للحقيقة واليقين الذي يطمئن له العقلاء وتسكن النفس، بل قد يقطع الإنسان بما لديه من معرفة تطابق معلومات القضية ونتائجها المستخرجة حسب الطرق العلمية المعتمدة..

ولكن!

قد تطرأ احتمالات متعددة تحتاج للتتبع والبحث والتنقيب للوصول للنتائج المعتمدة الجديدة التي قد تغير مسار بحث القضية ولو بوجه من الوجوه أو تغير فهمها ومعرفتها كليا، وهذه الاحتمالات التي يتوقف عندها الاستدلال الذي يقال فيه أنه الاحتمال الذي يبطل عنده الاستدلال، فهو يحتوي على حجج معترف بها ومثبتة للمعلومات والرؤى بحسب القانون الطبيعي للعلوم ومن زوايا معينة، فقد يكون الاحتمال من جهة مؤثرا ومعتبرا وفاعلا للشك والفضول لحل مسألة علمية ذات ثمرة علمية أو عملية، وهذا النوع من الشك يدركه العلماء ومن لديهم أوليات المعرفة وقدرات الاستنباط في مسائل العلوم ولا يمكن تسليط غير ذوي الاختصاص فيه وذلك لكون كل المعلومات المطروحة غائبة عن غير المختص فتكون جميعها ذات معنى مشكوك عند المتلقي حتى يبدأ بتجريبها وتقليبها بين معرفياته في عملية تلقي هاضمة قد تنجح في استقبال المعلومة أو قد تتعسر في هضم المتلقي فترتكز مشوهة.

فالعالم القادر على فهم الكبريات والصغريات والمدرك لهيئات ومواد القضايا وحدود التأليف والإسناد التي تنتج كميات وكيفيات لا يختلف عليها اثنان من العلماء، يدرك الشك في محال بناء القضايا ، ويعلم مظان التفكيك واللزوم ،والعلة والترتبيات، والتجريبيات التي يبحث هو في عللها بحسب المصاديق الخارجية… الخ، فهو يدرك أماكن الاحتمال والشك وفق معلوماته، وطريقية الإثبات والنقض واضحة عنده للوصول للنتائج المجهولة بخطوات معلومة وعلمية، ومن هنا يتبين له الأصل في الحقائق وغيره من المشكوكات التي قد يلتفت إليها أو لا يلتفت ، وكل ذلك يحتاج للعلم والقناعة واليقين لمعرفة الأصل والحقيقة للمحافظة عليها وتمييز المشكوك المبحوث في احتمالات يلتفت إليها.

وهناك من شك في كل شيء يطرح، وفي كل حقيقة، حيث المدعى أنه لا توجد حقيقة مطلقة لوجود شوائب الشك في كل معلومة علمية، وأنها معرضة لطروء الاحتمالات التي قد تبطل الاستدلالات كما توجه لها بعض الفلاسفة التشكيكيين والتفكيكيين، وتوقفوا عند كل اليقينيات بنقضيات يعرفونها من معلومات في جزئيات الحقائق بما يعرفونه كما يعرفونه مع فرض ظروف مانعة في المفاهيم والمباديء والحقائق.

إن سلم الفرد مثل هذا المنهج فسيلتزم بنفي الأصول والمعطيات ويحطم جدران وحدود وأسوار القضايا بالضبابية التي ستطال الحدود والتعاريف والتآليف فيتعذر الإسناد والجمع بين المعاني، فلذلك لجأوا إلى التقيد بالمعنى اللفظي ومدلولاته، والتقيد بما يفهم من مراده، ولكن هذا المنحى قد ضيع كثيرا من المعاني العقلية والحمليات الأولية التي لا يقدر اللفظ على سد معانيها التامة والتعبير عنها بشكل مطابق، فلو تأملنا ودققنا أكثر سنجد أن مثل هذا المنهج النقضي والتفكيكي يطال حتى المنطق الرياضي الذي استعاض عن اللفظ بالرموز التي جعلها بمدلول ثابت هروبا عن التفاوت المدعى، فالتفاوت حاصل حتى مع التشكيك النقضي.

إن طريقة النقض للأصول والجزئيات في كل صغيرة وكبيرة لا تعد شكا أكثر من كونها جهلا بالمواضيع وحدودها وأصولياتها، وليس بأكثر من محاولة للتشكيك في المعلومات المتيقنة أو المعلومة في أجزاء متفاوتة منها لخلق الشك في جزئيات قد تكون لها مدلولات منفصلة عن القضايا لعدم شمولها في التأليف والإسناد بين الموضوع والمحمول، بل إنها لا يمكن التفريق بينها وبين أسئلة الجاهل المستفسر لما لا يعرفه !! لذلك فلا يتناولها الاستدلال في وجهته وسياقه وموضوعه وتصبح مسكوتا عنها.. وسيأتي الكلام حول ذلك..

فلو قلبنا هذا الأمر النقضي على الناقض ونفينا كلامه، فما كان من كلامه مدعى للحجة سيكون مثبتا لو كان شكه علما معلوما، ولكن! شكه وتفكيكه للجزئيات لدرجة تحول الموضوع الواحد والعنوان الجامع لعناوين متعددة ثم تأليفه وتركيبه لمثل هذه الجزئيات بطريقة تشوه المعنى أو تغيره كاف لعدم جدارة هذا المنهج بإثبات أي معلومة، فالعلم يتألف من معلومات لا من مجهولات كما لا يخفى، لأننا لو سلمنا بهذا المنهج فكيف ستثبت التشكيكات والتفكيكات نتيجة أكثر من مشكوكة وغير ثابتة؟!!

 

والحمد لله رب العالمين

 

عباس العصفور

النجف الأشرف

العلم والعقل

بسم الله الرحمان الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد و على آله الطيبين الطاهرين.

قد مر آنفا بأن العلوم متعددة لأغراض متعددة بآلات معيارية متعددة حسب الحاجة، فتارة نتعلمه لغاية وأخرى لتدوينه وحفظه والكل له غرضه في التعلم والفهم والحفظ، وهناك ما انفصل لغاية أو لحفظ عن كونه من مما يصلح أن يكون علما أو يوجب علما متفاوت النتيجة والحصيلة المترددة .

ولكن المعرفة بشكل عام تنتقي كل ما يصلح أن يكون علما أو ترفضه بحسب الفطرة والقوة العاقلة المميزة بالمعايير الأولية مثل الأطول والأقصر والمساوي والعمليات الرياضياتية المستوحاة من الكليات المنطقية التي تعد معيارا عقليا لما يطرح على البشرية.

فلذلك ترى العقل يرفض العلوم الغيبية كالرمل والأعداد القائمة على نتائج متعددة يومية والألواح المستعملة عند كثير من الأديان التي تعتمد على السحر، ولو كان المدعى أن ما ذكر من العلوم إلا أنه من غير الملاحظ في مسائلها أي إسناد واقعي حقيقي بين الموضوع والمحمول ولا يمكن الركون لعلة الحد الأوسط فيها نظرا لعدم وحدة الموضوع ولا قابلية الإسناد عقلا مهما كان ، ولا معايير إلزام العاقل بالمحصلات والنتائج من مسائل مثل هكذا علوم.

وفي كثير من الأحيان قد يزهد العقل بعلوم لا تعد لها غايات نبيلة أو غير محددة بحدود واضحة ولا نتائج ملزمة للعقلاء في سياق العقل، كعلم الأنساب وأخواته .. فالغاية موجودة وقد يلتزم الكثيرون بمعطياته ولكنه في حال التشكيك وضياع أسماء الأجداد يتوقف عن الإثبات.. اللهم إلا إذا كان هناك غرضا شرعيا للرجوع إليه..

فالضابط المعرفي الملتزم بالمنطق ومعاييره والمعايير الفطرية يلتزمه جميع البشر في استلهام وتلقي المعلومات المتدفقة من أي جهة كانت.

فلو ابتكرنا علوما فعلية طبيعية مادية وألفنا منها شكلا قياسيا مستوحين من احتمالاتنا المفتوحة والخيالات المصادفة، بمساعدة معايير محسوسة، فهل أن هذا السياق والأسلوب يمكنه أن يصير علما يمكن اعتماده؟ وهل أن نتائجه يمكن أن يركن إليها رغم تفاوت مديات المواضيع ؟

مثلا: ماذا لو ادعى أهل الحساب التجربة في معرفة ما في بطن الحامل من ذكر أو أنثى؟ فهل أن ادعاء عدم الخطأ كافي لاعتبار العلمية عن طريق التجربة المدعاة ووجود الشهود على عدم خطأ هذه المسألة مثلا؟!

فاحترام العاقل والعقل للعلم يكون بمدى مصداقية الاحتمال ومدى انطباقه على الواقع، فعلم الرمل وغيره من علوم المغيبات، والمشكوكات التي لا تفرخ إلا مزيدا من المشكوكات، يتعذر على العقول اعتبارها معيارا فضلا عن كونها علما، لأنها لا تحصل نتائجا مقبولة يمكن الركون إليها ولا السكون بنتائجها.

نعم! إن العلوم التي تغير نتائجها وفقا لاكتشافاتها الجديدة تحترم بنفس المقدار الذي يوجب طمأنينة في النفس بالنتيجة، ولكن العاقل يدرك هذه التغيرات ولا يقطع بها جازما نظرا لكونها نظريات وفرضيات تمر بعدة مراحل في سياق مسائلها العلمية، وتقع تحت ضابطة تفسير المشاهدات من نفس العالم الباحث في العلم ! فلو انحرفت لاحتمالات مفتوحة وعموميات فوقانية فإن المسألة ستتفجر لعدة شكوك لا تحلها حتى الفلسفة التي امتطاها الفاعل لذلك على كل حال، وقد وضحنا سابقا كيف أن المسألة الواحدة اذا ما اشترك فيها عدة علوم من عدة جهات لاختلاف المعايير والأغراض ومواضيع العلوم ، فكيف بخائض يسترسل بتفجير كل هذه العلوم ويحاول معالجتها بمعيار فلسفي تشكيكي نقضي خاص، في سياق تفسيري واحد ! وكيف سيثبت بنفس هذا المعيار النقضي ما يقتنع به بعد أن ينقض الباقي ؟!

الحمد لله رب العالمين

 

عباس العصفور

النجف الأشرف

 

فرضية النتيجة العلمية

بسم الله الرحمان الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين ..

قد قسم العلماء العلوم لعدة أقسام مختلفة كالإنسانية والتجريدية  والطبيعية على نحو تجريبي وعملي وبين تفسيري ونظري وهكذا، تتوالى المسائل المختصة بكل علم على حده حسب نوعه وموضوعه وسياقه وغرضه، وقد حاول العلم الحديث توجيه بعض توجهات العلوم ليزيدوا من أقسامه الفرعية بحسب الحاجة والغرض التطويري والتقسيمي كعلم الهندسة حين يقسم إلى علم المثلثات منبثقا من علم الرياضيات ، كما وقد أنتجت هذه الطريقة علوما تعد كالأبناء الغير شرعيين لعلوم أخرى فلم يعترف بها العالم كعلم البرمجة اللغوية وأمثاله حيث عد مشتقا من علم النفس للمعترفين به وعد مقلدا لمعلومات متفرقة ونصائح متعددة عند آخرين.

وعلى كل حال، فالملاحظة العلمية للإشكاليات والفرضيات والتجارب قد توصل الباحث لاستنتاجات على وفق تفسيره للظواهر والعلل عبر المعلولات بملاحظة المادة، وهذه الملاحظة لها زواياها وجهاتها لدراستها..

مثلا، حينما يلاحظ العلماء تمدد المعادن بالحرارة وانكماشها بالبرودة، فقد يقيس الفيزيائي مقدار التمدد ويتعرف الكيميائي على عنصر المعدن وكلاهما يستعمل معاييرا رياضياتية مختلفة حسب المعيار العلمي ! فالظاهرة واحدة والعلوم متعددة كل حسب جهته.

وادعاء العلم في كل ظاهرة نظريا أو عمليا قابل للتغيير كلما بحث الباحثون أكثر وعملوا على تتبع الاحتمالات الموجودة بحسب المادة المعرفية والمسائل الخاصة بأي جهة علمية.. فلذلك ترى المتغيرات العلمية تتطور يوما بعدما كل ما أدرك العلماء شيئا جديدا وتموت نظريات واستنتاجات قديمة بلا حياء ولا تردد نظرا لخطأ احتماليتها وانكشاف سوء مدركاتها.

وما جزم العلم به بالأمس قد يكذبه اليوم بمجرد تشكيك بسيط قد لا يجد تفسيرا عبر الأدوات المعرفية الخاصة نظرا لعدم ترابط الاحتمالات أو الخطوات بين الملاحظة والاستنتاج حتى بالترتب والترتيب التسلسلي ، وهذا لا يمكن البناء عليه عقائدا لعدة أمور مختلفة وخصوصا بالعلوم التفسيرية التي فتحت أبواب الملاحظة والفلسفة.

العلوم التفسيرية تعمل بالملاحظة والمشاهدة حتى الاستنتاج ناكرة كل تدخل من المنهج الخارجي على فرضيات العلم الذي يتبنونه أحفوريا كان أو فيزيائيا أو غيره ثم نجد في استنتاجاتهم التفسيرية الجنوح للعموم الأعم بحيث تضيع خصوصيات الموضوع الذي يدرسونه ، والمجهول المشكك المتتبع للاشكاليات تحت فرضيات (ربما، في مكان ما، من محل ما، بشخص ما، ببصمة ما) القائمة على فرض الصدفة الخارجية مهما كانت بروابط وهمية دخيلة على السياق العلمي ومنهجية استدلاله والقفز على جهات علوم المادة من رياضيات وفيزياء وكيمياء لخلق رابط متكلف جدا يشوه منهج البحث العلمي المتبع لتحقيق غاية ما ، ومثل هذا المسلك العلمي مرفوض علميا عند أهل العلم لعدم ترابط حلقات الاستنتاج بجانب عجز الجامع المصادفاتي بينها فكيف تتحول لعقائد جزمية حسب هذا المسلك!

أما العلوم الدينية والعقائدية فهي لها طريقها من الله سبحانه وأنبيائه ورسله والمؤمنين الذين يصدقون من الخالق ما نزل عن خلقه  ويفسرون بتفسيره عبر نص واضح يفسر الظواهر عبر مسلك علمي لا يتنافى مع العقل والتفكير البشري، لذلك فالجزم بما جاء من الله سهل وبسيط ويمكن الاعتماد عليه عقائديا.

وقد أشكل أحد مرة من المرات بأن هناك رواية واردة تقول بأن الحبة السوداء علاج من كل داء، فقال : دعونا نعطيها للمصابين بالإيدز لنشهد تجربة علمية! مما يدل على ظنه بأن العلم يقوم على التجربيات فقط متجاهلا أن للعلم استنتاجات وفق المشاهدة والتجربة تتغير بتغير الظروف .. ولكننا نتساءل معه _ لو فرضنا جزمية صدورها عن أهل البيت ع _ : إن كثيرا من الأدوية المستخلصة من الأعشاب كالمورفين والأسبرين والتاموكسفين وأمثاله لو لم يتوصل العلم بتجاربه تدريجيا له فهل كانت عشبته مجردة ستقوم بالمفعول الدوائي المطلوب؟! وهل ان عشبته إن أعطيت للمريض على حالها بلا استخراج الدواء منها ستقوم بنفس الدور؟

وهناك دراسات قائمة على قدم وساق حول نبتة سانجونز مثلا للتوصل لاستخلاص الدواء منها! وهناك آلاف النبتات التي لم تجرَ عليها أي دراسة لحد الآن، فإن لم يتوصل العلم اليوم سيتوصل غدا لعدة علاجات دوائية يمكن استخلاصها من هذه المادة أو تلك .. فعدم وصول العلماء لهذه المعلومة المبكرة لا يصلح لأن يكون سببا لرفض معلومات تصلنا من جهة موثوقة.

والعلم المتغير بنظرياته وتطورها وتغييرها لن يتوقف عند الحد الذي توصل له اليوم فهذا ظن خاطيء لا يقبله العلماء وإلا لتوقف العالم عن البحث والتنقيب، فالذرة قد فرضوها سابقا على شكل كرة واليوم إلكترونات ونيوترونات وبروتونات وجاري التعديل والتنقيب والبحث في النظرية من عدة جهات نسمع عنها يوميا في الإعلام العلمي .. فالمطالبة بالجزم بكل نتائج العلم والجمود عليها نوع من أنواع الاعتقاد بما يخلق التخلف العلمي ويوقف البحث حتما!

وهذا ما أشرت له سابقا من فلسفة العلم على نحو التخبط بين المراحل العلمية لطرق الاستدلال والاستنتاج.

وسيأتي الكلام على العلم والعقل لتكتمل الفكرة في المرة القادمة.

والحمد لله رب العالمين

عباس العصفور

 

 

 

العلم بين الوصف واللقب

بسم الله الرحمان الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين

بعد التفريق بين الطريق العلمي والنتيجة الجاهزة في معلومات الذهن دعونا نطرق بابا خاصا بالادعاء العلمي عند البعض في أنواع المحاورات والجدليات التشككية وكأنهم جعلوا المفاهيم كلها متعلقة بحسب منظورهم الخاص تحت حكمهم فيما هو علمي وما هو معدوم العلمية، لذلك فالحوار يحتاج لبيان الضوابط.

تحمل القضايا على موضوع العلم تارة من جهة وصفية وأخرى من جهة لقبية، بمعنى أن العلمي تكون نسبته للعلم على نحوين :

  1. نحو لقبي : وفيه عدم اعتماد الوصف الواضح لمفهوم العلم كموضوع يعتبر جامدا وبهذا يكون الموصوف لم يذكر فلا يمكن أن يعتمد عليه الوصف حكما.
  2. نحو وصفي: وهو أن يكون الموصوف مذكورا

فالعلقة الطبيعية بين الموضوع (العلم) والمحمول (العلمي) هل تعد وصفا أم لقبا؟

مقتضى الحال أن يتصف المنهج المسمى بالعلمي بحسب الوصف المذكور لأنه إذا انتفى الموضوع عنه ينتفي وصفه حتما أو يصبح المفهوم مشوشا بين المتحاورين.. أي أن الأدوات المستعملة في منهج الاستدلال يجب أن تحمل الصورة العلمية المستعملة في أي علم مدعى حتى يستطيع المحاور أن يستبين الطريق المتبع للوصول للنتائج المعلنة بأي حال، ومن هنا قد تظهر الصور الوصفية في نسبها الأربعة مع موضوع الحكم من جهة التساوي والعموم والخصوص والتباين فيتفاوت مفهوم العلمية في مديات علاقاته الطبيعية بالعلم ومحمولاته.

حتى لو ناقشنا اللقب العلمي وكل منهج ملقب بالعلمي حيث أن موضوع العلم يكون جامدا أو حكما إلا أن متعلقات الموضوع المتعددة لا تنفيه بل قد تنفي المتعلق المحدد أو الحكم أو تعلقه حتى يتحقق وصفه وفق ضوابط العلم والمتحاورين عموما.

أما إذا انتفى مفهوم العلم وهو الموضوع الذي نحمل عليه المتعلقات فلا يبقى محل للحمل فتنتفي العلقة الطبيعية لأنه الأساس في القضية وجودا وعدما.

ومن هذا المنطلق العقلائي يجب ضبط الأحكام في وصف الحوار العلمي وعدمه بين المتحاورين، فلا نحكم جزافا على شيء أنه علمي أو غير ذلك لمجرد عدم التقاء طريق الاستنباط والاستدلال والاستنتاج بالمؤدى الذي تعقلناه، فالحكم والصفة متعلقتان بالموضوع على نحو اشتقاقي بإمكانه أن يشمل أفرادا وصفات أخرى تسانخه في المعنى عموما.

وموضوع العلم وإن اعتبرناه جانبا في اللقب أو كان وصفا فأفراد مشتقاته الكثيرة لها أوصاف واضحة المعالم كل حسب موضوعه كما أسلفت في مواضيع العلوم في المقالات السابقة، وصفها واضح بحسب الموضوع المطروق في الاستدلال كل بحسبه وكيفيات مسائله العلمية فالأرقام للمقيس والمعدود، والكلام والمنطق للعقليات والذهنيات .. وهكذا.

وإن دخل الاحتمال ليبطل الاستدلال فليس هناك طريق أوحد فريد لنعتبره فيصلا علميا كما يفعل البعض خصوصا إذا كانت العلقة الطبيعية بين الموضوع والمحمول من وجه أو من المشتقات حيث يمكن مناقشة المسانخات والمتشابهات اللائي تحويهن نفس هذه العلقة.

ولكن الفيصل والتفرد هو طريق بيان نفس موضوع العلم ونوعه لاتباع طرق استدلالنا حسب موضوعه والتقيد في طرقه الاستدلالية للوصول للنتائج بآلياته الخاصة دون ضياع ماهيته و موضوعيته التي تربط المتحاورين بالمعيار الموحد في تقييم الاحتمالات والاستدلالات .. أو الاحتكام للمعايير الدالة على نفس موضوع العلم حتى لو لم يتم التصريح به كموضوع يحمل عليه الوصف أو اللقب.

فما انتشر اليوم من علوم تفسيرية كالفيزياء والأحياء وبعض المضامين والمفاهيم قد ضيعت بوصلة العلم المدعى من أحياء أو غيره باتباع طرق الاستدلال الفلسفية بجعل طرق حصر الاحتمالات هي المتفردة بالحكم مع وجود تفاسير أخرى لاحتمالات متعددة في وصف نفس المعلولات والعلل وعدم وجود المقيد لذلك الحصر ولا حتى أدوات الاستثناءات ! لذلك عكف علماء تلك العلوم رفض تلك الطريقة الاستدلالية واعتبروها غير علمية بحسب مواضيع علمهم المادي والمعياري القائم على المحسوس والملموس بعيدا عن قصص ألف ليلة وليلة ومليارات السنين المدعاة في سيناريوهات علمية معينة مع فرض كثير من الصدف ..

فالأمر أشبه بمن يدعي أن تكون المسطرة محتوية على إحدى عشر مليمتر لكل سنتيمتر نظرا لتمدد الأخشاب في الصيف أو اختلاف قالب النجار واعتماد ذلك علميا لكونها لو استعملتها لوحدها لكانت مقياسا لا يخطيء المساحات حال استخدامها حيث أنه يمكن استعمالها في القياس باعتبار كل 5 سنتيمترات عبارة عن 55 مليمتر مثلا، ولكن ماذا عن مطاطيتها المتغيرة التي أصبحت غير ثابتة إن صح ذلك حسب الفرض مع أن الفرض لا يعتد به لأنه لم يحصل ماديا في الخارج ، فالاحتمال الذهني الخاص من علم الفيزياء ما كان إلا قضية ذهنية في مخيلة الفرض المعلوماتي في هذا الافتراض، وإلا لكانت المعايير في فصل الشتاء غير معايير فصل الصيف، والتمدد الموجود في الأسلاك يختلف فرضه عن فرض هذه المسألة، حيث أننا نتكلم هنا عن ضرورة ثبوت المعيار وهو المسطرة أو آلات العلم المحكومة بمواضيع العلوم لا عن مجرد التمدد والانكماش في المواد فهو من المسلمات، ومع فرض كون المسطرة تتمدد وتنكمش بطريقة تخل بالمعيار سيسقط اعتبارها عند علماء الرياضيات .

وكذلك يجب عليهم الالتزام بمعايير العلوم ومواضيعها في طرق استدلالهم لتحمل المعنى العلمي حكما سواء كان لقبا أو وصفا لأن موضوع العلم منتفي في استدلال اللاأدريين والملحدين وبهذا تسقط العلقة وينتفي ما يدعونه من الطرق العلمية لعدم توفر موضوع العلم كالفيزياء والأحياء فعلا.

ولكن لو قيمنا طرقهم الخاصة بشكل ما فلن نجدها سوى سفسطات اعتمدت نتائجا علمية جاهزة لتفسرها بنظام اختيار الاحتمالات في سيناريو خاص يتشبه بالطريق العلممي، ولكن ماذا لو سألناهم عن موضوع العلم الذي نسبوا علمية طريقة استدلالهم له فأي علم سيتصف به بحثهم خصوصا أننا بتنا نحتاج لموضوع علم يتصف به طريقهم العلمي المدعى؟ فيزياء؟ أحياء؟ فلسفة؟ كيمياء؟

الحمد لله رب العالمين.