أرشيف التصنيف: اللغة العربية

معنى مفردتي الرحمن و الرحيم ٢*

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

اللَّهُمَّ رَبَّ شَهرِ رَمَضانَ، مُنَزِّلَ القُرآنَ، هذا شَهرُ رَمَضانَ الَّذي أنزَلتَ فيهِ القُرآنَ وأنزَلتَ فيهِ آياتٍ بَيِّناتٍ مِنَ الهُدى والفُرقانِ. اللَّهُمَّ ارزُقنا صيامَهُ، وَأعِنّا عَلى قيامِهِ.(*)

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد.

                                                                          معنى مفردات البسملة

معنى مفردتي الرحمن و الرحيم ٢*

مازلنا في اللحاظ الثاني و فيه تكملة كما و عدناكم 

تخص الرحمة العامة و الخاصة و توجيه الرحمة التي وسعت كل شيء.

-عن الصادق عليه السلام : <<الرحمن اسم خاص بصفة عامة والرحيم اسم عام بصفة خاصة>>(1).

أ-الشق الأول لرواية الرحمن اسم خاص بصفة عامة 

و منطوق هذه الرواية إن صفة الرحمن لا يطلق عليها غير لله عز وجل فهي خاصة للذات المقدسة، وهي رحمة لكل المخلوقات بلا إستثناء حتى الشيطان، وهذا بيان الروايات السابقة التي فيها عبارة << وسعت كل شيء>> (2)

ولكن !

قبل المحاسبة في يوم الدين و هذه الأشياء المسخرة لنا و لغيرنا من المخلوقات، بل المخلوقات أيضا خلقت تسخيرا لنا كلها ،  نحاسب عليه يوم القيامة، وكل الأدلة تشير إلى أن هذه الصفة خاصة في الدنيا .

 – حدثنا أبي رضي الله عنه قال حدثنا محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري قال حدثني أبو سعيد الآدمي عن أحمد بن موسى بن سعد عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: كنت معه في الطواف فلما صرنا معه بحذاء الركن اليماني أقام عليه السلام فرفع يديه ثم قال : <<” يا الله يا ولى العافية، ويا خالق العافية، ويا رازق العافية، والمنعم بالعافية، والمنان بالعافية ، والمتفضل بالعافية، ويا خالق العافية، ويا رازق العافية، والمنعم بالعافية، والمان بالعافية، والمتفضل بالعافية علي، وعلى جميع خلقك، يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، صل على محمد وآل محمد، وارزقنا العافية، ودوام العافية، وتمام العافية، وشكر العافية في الدنيا والآخرة، يا ارحم الراحمين>>(3)

ولو سلطنا الضوء على : <<يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما>> حيث ذكر الإمام الرحمن مقرونة بالدنيا والآخرة، تتوجه هذه العبارة بآيات العقاب في يوم القيامة على المخالفين لعدم الإيمان والطاعة، أي أن هذه الصفة لجميع مخلوقاته في الدنيا دون الآخرة.

و بما أنها اسم مخصوص للذات المقدسة، فهو سبب لتقديمها على الرحيم .

وفي علم البلاغة الرحمن مبالغة في الرحمة ، و أكثر من مبالغة الرحيم يدل أيضا على العموم لكل المخلوقات، و يتضح سبب تقدم الرحمن على الرحيم في النص أنها قوة مبالغة الرحمن على مبالغة الرحيم.

أيضا من ما يرجح على اختصاصها في الذات الإلهية، و تقدمها رتبة، و عمومها، وهو قول المرتضى : (الرحمن تشترك فيه اللغة العربية والعبرانية والسريانية ، والرحيم مختص بالعربية) لأنه خاص للمؤمنين في الدنيا و في الآخرة للمؤمنين المطيعين.

ب- الشق الثاني<<والرحيم اسم عام بصفة خاصة>> ممكن أن ينسب لله و للعباد : {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}(4)

ولكن هذه الرحمة مستمدة من الله عزوجل، و أكبر مصداق لها أهل بيت النبوة صلوات الله عليهم أجمعين، و في مقدمتهم النبي صلى الله عليه وآله قوله :  ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾(5).

و قوله :  ﴿وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ العظيمِ﴾(6) أي يختص نبوة محمد(ﷺ)و أسماها رحمة(7).

و من هنا عرفنا أين و متى و في من تصدق عبارة 

<< وسعت كل شيء>>.

—————————————-

1-الكفعمي – المصباح – الصفحة317

2-الشيخ الطوسي – مصباح المتهجد – الصفحة 844

3-الشيخ الصدوق – عيون أخبار الرضا (ع) – ج 1- الصفحة19

4-التوبة: 128

5-آل عمران :الآية 159.

6- البقرة : الآية 105.

7-ابن منضور -لسان العرب -الجزء 12-الصفحة 231.

شرح دعاء الليلة الحادية والعشرين

دعاء الليلة الحادية والعشرين

بسم الله الرحمن الرحيم 

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأشهد أن الجنة حق، والنار حق، وأن الله يبعث من في القبور وأشهد أن الرب ربي لا شريك له، ولا ولد له ، و أشهد أنه الفعال لما يريد، والقاهر من يشاء، والواضع من يشاء، والرافع من يشاء، ملك الملوك، رازق العباد، الغفور الرحيم، العليم الحكيم.

أشهد – سبعا- ،أنك سيدي كذلك، وفوق ذلك، ولا يبلغ الواصفون كنه عظمتك، اللهم صل على محمد وآله، واهدني ولا تضلني بعد إذ هديتني، إنك أنت الهادي المهدي. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأشهد أن الجنة حق، والنار حق، وأن الله يبعث من في القبور وأشهد أن الرب ربي لا شريك له، ولا ولد له ، و أشهد أنه الفعال لما يريد). 

أن إقرار العبد المؤمن لله بالوحدانية والعبودية، ولنبيه صلى الله عليه وآله بالنبوة، وإقراره أن ما أتى به من عند الله لا مبدل لكلمات الله، وأن الجنة والنار حق، وأن البعث حق، هي مبدأ معتقداته الحقة التي توصله إلى الراحة الأبدية.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة آل عمران:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}.

لابد للمؤمن في هذه الليالي المباركة وغيرها أن يكرر شهادته لله وأهل البيت عليهم السلام بكل يقين مطلقا، و يكررها عند كل صلاة واجبة، حيث يعلم أن الشبهات كثيرة الموارد على النفس ولكن حرصه الدائم ليصل إلى رضوان الله ومحبته لا تخلو من صعاب.

روي عن الإمام الصادق عليه‌ السلام  قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله هل للجنة من ثمن؟ 

قال صلى الله عليه وآله : نعم. 

قال: ما ثمنها؟

 قال صلى الله عليه وآله: لا إله إلا الله، يقولها العبد مخلصا بها. 

قال: وما إخلاصها؟ 

قال صلى الله عليه وآله: العمل بما بعثت به في حقه، وحب أهل بيتي. 

قال: فداك أبي وأمي ! وإن حب أهل البيت لمن حقها؟ 

قال صلى الله عليه وآله:  إن حبهم لأعظم حقها.

وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: إن الله رفع درجة اللسان فأنطقه بتوحيده من بين الجوارح.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة المجادلة:

{ ‏‏يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ }.

لابد أن تكون  المعرفة في التصديق والتسليم والإخلاص في السر والعلانية، لكي لا يكون من الذين قال تعالى عنهم في سورة آل عمران:{هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ۚ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ}. 

روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: العارف شخصه مع الخلق وقلبه مع الله، لو سها قلبه عن الله طرفة عين لمات شوقا إليه، والعارف أمين ودائع الله وكنز أسراره ومعدن نوره، ودليل رحمته على خلقه، ومطية علومه، وميزان فضله وعدله، قد غني عن الخلق والمراد والدنيا، فلا مؤنس له سوى الله، ولا نطق ولا إشارة ولا نفس إلا بالله ، ولله ومن الله ومع الله، فهو في رياض قدسه متردد، ومن لطائف فضله إليه متزود، والمعرفة أصل فرعه الإيمان.

هذه المعارف التي يحصلها المؤمن من الشهادة لله ومعرفة الجنة والنار والبعث لها شروط يجب أن يتمسك بها.

روي أن رجلا أتى أبا جعفر  الباقر عليه السلام فسأله عن الحديث الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، فقال أبو جعفر  الباقر عليه السلام: الخبر حق، فولى الرجل مدبرا فلما خرج أمر برده ثم قال: يا هذا إن لا إله إلا الله شروطا ألا وإني من شروطها. 

قال تعالى في محكم كتابه المبين في سورة الصافات:{ قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ }.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الواقعة:

{ قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ والآخرين لمجموعون إلى ميقات يَوْمٍ مَعْلُومٍ}.

روي عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام: “إنَّ أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن: يوم يولد ويخرج من بطن أمه فيرى الدنيا. ويوم يموت فيرى الآخرة وأهلها، ويوم يبعث فيرى أحكاماً لم يرها في دار الدنيا، وقد سلّم الله عزّ وجلّ على يحيى في هذه الثلاثة المواطن، وآمن روعته فقال: ﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا﴾(مريم:15)، وقد سلَّم عيسى بن مريم عليه السلام على نفسه في هذه المواطن الثلاثة فقال: ﴿وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾.

هي ساعات تكون أصعب ما يمر به العبد لغموض موقفه، هل هو في بعثه إلى النار أم إلى الجنة؟

ورُوِىَ عن الإمام علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهم السلام: “أشدّ ساعات ابن آدم ثلاث ساعات: الساعة التي يعاين فيها ملك الموت، والساعة التي يقوم فيها من قبره، والساعة التي يقف فيها بين يدي الله تبارك وتعالى، فإمَّا إلى الجنّة وإمَّا إلى النار. 

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(والقاهر من يشاء، والواضع من يشاء، والرافع من يشاء، ملك الملوك، رازق العباد، الغفور الرحيم، العليم الحكيم).

أن المشيئة لله وحده وهي من صفاته الفعلية، فخلق المشيئة ثم صير ما يريد من الأشياء منها.

روي عن الإمام الرضا عليه السلام قال: المشيئة والإرادة من صفات الأفعال، فمن زعم أنّ الله تعالي لم يزل مريداً شائياً فليس بموحّد. 

أعطى الله القاهر الواضع مكانة لم يسبقهم فيها أحد قبل أو بعد، ورفعهم أعلى رفعة فجعلهم خاصته، هم أهل بيت النبوة وموضع الرسالة.

روي عن الإمام الباقر (عليه السلام): ” اختارنا الله من نور ذاته وفوض إلينا أمر عباده، فنحن نفعل بإذنه ما نشاء، ونحن لا نشاء إلا ما شاء الله، وإذا أردنا أراد الله، فمن أنكر من ذلك شيئا ورده فقد رد على الله.

وروي وخرج كتاب عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام) أنه قال: ” إن الله جعل قلوب الأئمة موردا لإرادته، فإذا شاء الله شاؤوا، وهو قول الله تعالى:  (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله). 

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(أشهد – سبعا- ،أنك سيدي كذلك، وفوق ذلك، ولا يبلغ الواصفون كنه عظمتك، اللهم صل على محمد وآله، واهدني ولا تضلني بعد إذ هديتني، إنك أنت الهادي المهدي).

تنزل في هذه الليلة كل روح والملائكة لتشهد المتوسلين والداعين إليه فتكون بركة هدايته وعدم انجراره إلى طريق الضلالة، و التوفيق لأداء أعمال هذه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.

روي عن عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فَقَالَ لَهُ أَبُو بَصِيرٍ جُعِلْتُ فِدَاكَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يُرْجَى فِيهَا مَا يُرْجَى‏  ؟

فَقَالَ عليه السلام: “فِي إِحْدَى وَ عِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثٍ وَ عِشْرِينَ”.

قَالَ: فَإِنْ لَمْ أَقْوَ عَلَى كِلْتَيْهِمَا؟

فَقَالَ عليه السلام : “مَا أَيْسَرَ لَيْلَتَيْنِ‏ فِيمَا تَطْلُبُ”؟

قُلْتُ: فَرُبَّمَا رَأَيْنَا الْهِلَالَ عِنْدَنَا وَ جَاءَنَا مَنْ يُخْبِرُنَا بِخِلَافِ ذَلِكَ مِنْ أَرْضٍ أُخْرَى؟

فَقَالَ عليه السلام: “مَا أَيْسَرَ أَرْبَعَ لَيَالٍ تَطْلُبُهَا فِيهَا”؟

قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ- لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَ عِشْرِينَ لَيْلَةُ الْجُهَنِيِ‏  ؟

فَقَالَ عليه السلام: “إِنَّ ذَلِكَ لَيُقَالُ”.

قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ خَالِدٍ رَوَى فِي تِسْعَ عَشْرَةَ يُكْتَبُ وَفْدُ الْحَاجِ‏؟

فَقَالَ لِي عليه السلام: “يَا أَبَا مُحَمَّدٍ وَفْدُ الْحَاجِّ يُكْتَبُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَ الْمَنَايَا  وَ الْبَلَايَا وَ الْأَرْزَاقُ وَ مَا يَكُونُ إِلَى مِثْلِهَا فِي قَابِلٍ، فَاطْلُبْهَا فِي لَيْلَةِ إِحْدَى وَ عِشْرِينَ وَ ثَلَاثٍ وَ عِشْرِينَ، وَ صَلِّ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِائَةَ رَكْعَةٍ وَ أَحْيِهِمَا إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَى النُّورِ  وَ اغْتَسِلْ فِيهِمَا”.

قَالَ قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَقْدِرْ عَلَى‏ ذَلِكَ وَ أَنَا قَائِمٌ؟

قَالَ عليه السلام: “فَصَلِّ وَ أَنْتَ جَالِسٌ”.

قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَسْتَطِعْ؟

قَالَ عليه السلام: “فَعَلَى فِرَاشِكَ، لَا عَلَيْكَ أَنْ تَكْتَحِلَ أَوَّلَ اللَّيْلِ بِشَيْ‏ءٍ مِنَ النَّوْمِ، إِنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ تُفَتَّحُ فِي رَمَضَانَ، وَ تُصَفَّدُ الشَّيَاطِينُ‏، وَ تُقْبَلُ أَعْمَالُ الْمُؤْمِنِينَ، نِعْمَ الشَّهْرُ رَمَضَانُ، كَانَ يُسَمَّى عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ص الْمَرْزُوقَ.

وفي هذه الليلة تثكل شيعة أمير المؤمنين عليه السلام بشهادته.

روي عن محمد بن الحنفية قال: لما كانت ليلة إحدى وعشرين، جمع أبي أولاده وأهل بيته وودعهم، ثم قال لهم: الله خليفتي عليكم، وهو حسبي ونعم الوكيل. وتزايد ولوج السم في جسده حتى نظرنا إلى قدميه وقد احمرتا جميعا، فكبر ذلك علينا وأيسنا منه. 

ثم عرضنا عليه المأكول والمشروب فأبى أن يشرب، فنظرنا إلى شفتيه يختلجان بذكر الله، ثم نادى أولاده كلهم بأسمائهم واحدا بعد واحد، وجعل يودعهم وهم يبكون،

 فقال الحسن عليه السلام: ما دعاك إلى هذا؟ 

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يا بني إني رأيت جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله) في منامي قبل هذه الكائنة بليلة، فشكوت إليه ما أنا فيه من التذلل والأذى من هذه الأمة، فقال لي صلى الله عليه وآله: ادع عليهم. 

فقلت : اللهم أبدلهم بي شراً مني، وأبدلني بهم خيرا منهم، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله: قد استجاب الله دعاك، سينقلك إلينا بعد ثلاث.

ثم عرق جبين الإمام فجعل يمسح العرق بيده، فقالت ابنته زينب عليها السلام: يا أبه أراك تمسح جبينك؟ 

قال: يا بنية سمعت جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إن المؤمن إذا نزل به الموت ودنت وفاته، عرق جبينه وصار كاللؤلؤ الرطب وسكن أنينه. 

ومازال يذكر الله، ويتشهد الشهادتين، ثم استقبل القبلة، وغمض عينيه، ومدد رجليه ويديه، وقال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. 

ثم قضى نحبه وفاضت روحه الطاهرة، ولقي ربه شهيدا مظلوما.

 رحم الله من نادى وا إماماه وا علياه وا سيداه. 

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

شرح دعاء الليلة التاسعة عشر

دعاء الليلة التاسعة عشر 

بسم الله الرحمن الرحيم 

سبحان من لا يموت، سبحان من لا يزول، سبحان من لا يخفى عليه خافية، سبحان من لا تسقط ورقة إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا بعلمه وقدره، فسبحانه ما أعظم شأنه، وأجل سلطانه، اللهم صل على محمد وآله واجعلنا من عتقائك، وسعداء خلقك بمغفرتك، إنك أنت الغفور الرحيم.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(سبحان من لا يموت، سبحان من لا يزول، سبحان من لا يخفى عليه خافية).

التسبيح وهو تنزيه الله، وتقديسه، وتبرئته من كل نقص، وافضل كلمة للتسبيح هي كلمة سبحان الله، وليس للتسبيح وقت معيّن، فيجوز على كلّ حال، في الليل والنهار، ويُستحب أن يكون التسبيح، بسبحة من تربة القبر الشريف للإمام الحسين عليه‌السلام. 

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الإسراء:

﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾. 

إن كل ما في الكون من موجودات عاقلة أو غير عاقلة، صغيرة أو كبيرة، حية أو فاقدة للحياة تسبح لله تعالى.

قال تعالى في محكم كتابه المبين في سورة الحجر:

﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ﴾

توجه الخطاب الإلهي لنبيه الأكرم صلى‌الله‌عليه‌ وآله وسلم، بالتسبيح له، قال تعالى في سورة الفتح: ﴿إِذَا جَاء نَصْرُ الله وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ الله أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾.

والأمر الإلهي لجميع المؤمنين بالتسبيح، قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الأحزاب: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا الله ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾.

فضل هذا العمل وثوابه الجزيل يطمع فيه المؤمن بشهر الله لزيادة الأجر.

روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: قال أَمير المؤمنين عليه السلام :التَّسْبِيحُ نِصْفُ الْمِيزَانِ؛ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ يَمْلَأُ الْمِيزَانَ؛ وَاللَّهُ أَكْبَرُ يَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.

وروي عن الإمام الصادق عليه ‌السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أَكْثِرُوا مِنْ قَوْلِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ــ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ ــ فَإِنَّهُنَّ يَأْتِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِــ لَهُنَّ مُقَدِّمَاتٌ وَمُؤَخِّرَاتٌ وَمُعَقِّبَاتٌ؛ وَهُنَّ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ.

المؤمن يسعى أن يكون أجر أعماله، ثقيلا في ميزان الله تعالى يوم القيامة، وهو سببٌ لمغفرة الخطايا بإذن الله أيضاً.

روي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: من قال: سبحان اللهِ وبحمدِه، في يومٍ مائةَ مرَّةٍ، حُطَّت خطاياه وإن كانت مثلَ زبدِ البحرِ.

وروي عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وآله ألا أخبركم بشيء أمر به نوح عليه السلام ابنه؟! إن نوحا قال لابنه: يا بني آمرك بأمرين وأنهاك عن أمرين، آمرك ان تقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له فإن السماء والأرض لو جعلتا في كفة وزنتها ، ولو جعلتا في حلقة قصمتها، وآمرك أن تقول سبحان الله وبحمده، فإنها صلاة الخلق وتسبيح الخلق وبها يرزق الخلق. 

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(سبحان من لا تسقط ورقة إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا بعلمه وقدره، فسبحانه ما أعظم شأنه، وأجل سلطانه). 

يعلم أن الله هو عالم الغيب والشهادة، وعنده علم ما كان ويكون، لأنه الخالق، ولكن لا يخفى على المؤمن أن له عبادا مكرمون مصطفون ، علمهم علم ما كان ويكون إلى يوم القيامة، هم خزائن وحي الله وعيبة علمه، وقد أجمعت علماء المسلمين على ذلك، أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد أعلمهم بذلك، رواية أخرجها الترمذي في جامعه الصحيح “سنن الترمذي” بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: (صلّى بنا رسول الله “صلى الله عليه وسلم” يوماً صلاة العصر بنهار ثم قام خطيباً فلم يدع شيئاً يكون إلى قيام الساعة إلاّ أخبرنا به، حفظه من حفظه ونسيه من نسيه. وغيره من كتب الكثيرة.

وروي عن الإمام الباقر عليه السلام قال: أن لله علمين علم مبذول وعلم مكفوف، فأما المبذول: فإنه ليس من شيء يعلمه الملائكة والرسل إلا ونحن نعلمه، وأما المكفوف: فهو الذي عنده في أم الكتاب إذا خرج نفذ. 

وعن الإمام الباقر عليه السلام في جوابه لحمران بن أعين قال: وأما قوله عالم الغيب، فإن الله تبارك وتعالى عالم بما غاب عن خلقه، فما يقدر من شيء ويقضيه في علمه قبل أن يخلقه، وقبل أن يقضيه إلى الملائكة، فذلك يا حمران علم موقوف عنده إليه، فيه المشية فيقضيه إذا أراد، ويبدو له فيه فلا يمضيه ، فأما العلم الذي يقدره الله ويمضيه فهو: العلم الذي انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ثم إلينا.

معرفة عظم شأنه وسلطانه بمعرفة أولياءه الذين اصطفاهم على العالمين، ليكون المؤمن في درجات الله الحقة والسنام العليا.

روي عن المفضل قال: دخلت على الصادق عليه السلام ذات يوم، فقال لي: يا مفضل هل عرفت محمدا وعليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام كنه معرفتهم؟ 

قلت: يا سيدي وما كنه معرفتهم؟ 

قال: يا مفضل من عرفهم كنه معرفتهم كان مؤمنا في السنام الأعلى.

قلت: عرفني ذلك يا سيدي!

قال عليه السلام: يا مفضل تعلم أنهم علموا ما خلق الله عز وجل وذرأه وبرأه، وأنهم كلمة التقوى وخزان السماوات والأرضين، والجبال، والرمال، والبحار، وعلموا كم في السماء من نجم ، وملك، ووزن الجبال، وكيل ماء البحار، وأنهارها ، وعيونها، وما تسقط من ورقة إلا علموها، ولا حبة في ظلمات الأرض، ولا رطب ، ولا يابس، إلا في كتاب مبين، وهو في علمهم وقد علموا ذلك.

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(اللهم صل على محمد وآله واجعلنا من عتقائك، وسعداء خلقك بمغفرتك، إنك أنت الغفور الرحيم).

ونحن في هذه الليلة المباركة ليلة القدر نسأله تعالى: أن يجعلنا من مدركيها، فهذه الليلة يحرم الأيتام محبة وعطف الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، هذه الليلة التي وعده فيها سيد الأنام صلى الله عليه وآله،  يخضب لحيته الشريفة بدمائه الزكية، فيغدره أشقى الأشقياء عليه اللعنة.

روي أنه في الليلة التاسعة عشر كان الإمام في دار ابنته أم كلثوم فقدمت له فطوره في طبق، فيه قرصان من خبز الشعير، وقصعة فيها لبن حامض، وجريش ملح، فقال لها: قدمت إدامين في طبق واحد وقد علمت أنني متبع ما كان يصنع ابن عمي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما قدّم له إدامان في طبق واحد حتى قبضه الله إليه مكرماً، ارفعي أحدهما فإن من طاب مطعمه ومشربه طال وقوفه بين يدي الله. 

فرفعت اللبن الحامض بأمر منه وأفطر بالخبز والملح.

قالت أم كلثوم: ثم أكل قليلاً ، وحمد الله كثيراً، وأخذ في الصلاة والدعاء ولم يزل راكعاً وساجداً ومبتهلاً ومتضرّعاً إلى الله تعالى، وكان يكثر الدخول والخروج وينظر إلى السماء ويقول: هي، هي والله الليلة التي وعدنيها حبيبي رسول الله.

 ثم رقد هنيئة وأنتبه وجعل يمسح وجهه بثوبه ونهض قائماً على قدميه وهو يقول: اللهم بارك لنا في لقائك. ثم صلى حتى ذهب بعض الليل، وجلس للتعقيب ثم نامت عيناه وهو جالس، فانتبه من نومته، وقالت أم كلثوم: قال لأولاده: إني رأيت في هذه الليلة رؤيا هالتني، وأريد أن أقصها عليكم.

قالوا: ما هي؟

قال: إني رأيت الساعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في منامي وهو يقول لي: يا أبا الحسن إنك قادم إلينا عن قريب، يجيء إليك أشقاها فيخضب شيبتك من دم رأسك، وأنا والله مشتاق إليك، وإنك عندنا في العشر الأواخر من شهر رمضان، فهلمّ إلينا فما عندنا خير لك وأبقى.

قالت: فلما سمعوا كلامه ضجوا بالبكاء والنحيب وأبدوا العويل، فأقسم عليهم بالسكوت فسكتوا، ثم أقبل عليهم يوصيهم ويأمرهم بالخير وينهاهم عن الشر.

قالت أم كلثوم: لم يزل أبي تلك الليلة قائماً وقاعداً وراكعاً وساجداً، يخرج ساعة بعد ساعة يقلّب طرفه في السماء وينظر في الكواكب وهو يقول: والله ما كَذِبت ولا كذّبت، وإنها الليلة التي وعدت بها، ثم يعود إلى مصلاّه و يقول: اللهم بارك لي في الموت، و يكثر من قول: إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ويصلي على النبي (صلى الله عليه وآله) ويستغفر الله كثيراً.

قالت أم كلثوم: فلما رأيته في تلك الليلة قلقاً متململاً كثير الذكر والاستغفار، أرقت معه ليلتي وقلت: يا أبتاه مالي أراك هذه الليلة لا تذوق طعم الرقاد؟

قال:بنية، قد قرب الأجل وانقطع الأمل، فبكيت، فقال لي: يا بنية لا تبكي، فإني لم أقل ذلك إلا بما عهد إلي النبي (صلى الله عليه وآله).

ثم إنه نعس وطوى ساعة ثم استيقظ من نومه وقال: يا بنية إذا قَرب الأذان فأعلميني، ثم رجع إلى ما كان عليه أول الليل من الصلاة والدعاء والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى.

قالت أم كلثوم: فجعلت أرقب الأذان، فلما لاح الوقت أتيته ومعي إناء فيه ماء، ثم أيقظته فأسبغ الوضوء ، وقام ولبس ثيابه وفتح بابه ثم نزل إلى الدار، وكان في الدار إوز قد أهدي إلى أخي الحسين (عليه السلام)، فلما نزل خرجن وراءه ورفرفن وصحن في وجهه، وكن قبل تلك الليلة لم يصحن! فقال (عليه السلام): لا إله إلا الله، صوائح تتبعها نوايح، وفي غداة غد يظهر القضاء، فلما وصل إلى الباب فعالجه ليفتحه فتعلق الباب بمئزره فانحل حتى سقط، فأخذه وشده وهو يقول:

أشــدد حيازيمك للموت فــإن المــوت لاقـيكا

ولا تــــجزع من الموت إذ احـــلّ بـــواديكا

كما أضــحـكك الـدهر كـذاك الــدهر يبـكيكا

ثم قال: اللهم بارك لنا في الموت، اللهم بارك لنا في لقائك.

قالت أم كلثوم: وكنت أمشي خلفه فلما سمعته يقول ذلك قلت: واغوثاه يا أبتاه أراك تنعى نفسك منذ الليلة.

قال: يا بنية ما هو بنعاء ولكنها دلالات وعلامات للموت يتبع بعضها بعضا، ثم فتح الباب وخرج إلى المسجد وهو ينشأ ويقول:

خـلوا سبيل المـؤمن المـجاهد

 فـي الله ذي الكتب وذي المشاهد

فـي الله لا يــعبد غير الواحد ويـوقظ الناس إلـى المســاجد.

وكان عدو الله ابن ملجم متخفيا في بيوت الخوارج بالكوفة، يتربص الغفلة، وينتهز الفرصة بأمير المؤمنين (عليه السلام)، وانبرى لمساعدة ابن ملجم شخصان آخران من الخوارج هما شبيب بن بحره ووردان بن مجالد، وسار الإمام إلى المسجد فصلى النافلة في المسجد، ثم علا المئذنة فأذن، فلم يبق في الكوفة بيت إلا اخترقه صوت أمير المؤمنين (عليه السلام)، ثم نزل عن المئذنة وهو يسبح الله ويقدسه ويكبره و يكثر من الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله)، وكان يتفقد النائمين في المسجد ويقول للنائم: الصلاة، الصلاة يرحمك الله، قم إلى الصلاة المكتوبة، ثم يتلو (إنّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ) لم يزل الإمام يفعل ذلك حتى وصل إلى ابن ملجم وهو نائم على وجهه، وقد أخفى سيفه تحت إزاره، فقال له الإمام: يا هذا قم من نومتك هذه فإنها نومة يمقتها الله، وهي نومة الشيطان ونومة أهل النار، بل نم على يمينك فإنها نومة العلماء، أو على يسارك فإنها نومة الحكماء، أو نم على ظهرك فإنها نومة الأنبياء.

ثم قال له الإمام: لقد هممت بشيء تكاد السماوات أن يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا، ولو شئت لأنبأتك بما تحت ثيابك. 

ثم تركه، واتجه إلى المحراب وبدأ يصلي وكان (عليه السلام) يطيل الركوع والسجود في صلاته، فقام الشقي ابن ملجم وأقبل مسرعاً يمشي حتى وقف بإزاء الأسطوانة التي كان الإمام يصلي عندها، فأمهله حتى صلى الركعة الأولى وسجد السجدة الأولى ورفع رأسه منها وشد عليه اللعين ابن ملجم فضرب الإمام على رأسه فشقه نصفين، فوقع يخور في دمه، وهو يقول: بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله؛ ثم صاح الإمام فزت ورب الكعبة.

فاصطفقت أبواب المسجد، وضجت الملائكة في السماء وهبت ريح عاصفة سوداء مظلمة، ونادى جبرائيل بين السماء والأرض: تهدمت والله أركان الهدى، وانطمست والله نجوم السماء وأعلام التقى، وانفصمت والله العروة الوثقى، قتل ابن عم المصطفى، قتل الوصي المجتبى، قتل علي المرتضى، قتل سيد الأوصياء، قتله أشقى الأشقياء.

ونعاه جبريل ونادى بـالسماء *وعليه كادت بـالندا تتقطع!

اليوم أركان الهدى قد هدمت* اليوم شـمل المسلمين مــوزع!

اليوم قد قتل ابن عم المصطفى* اليوم قــد قتل الـوصي الأنزع !

فلما سمعت أم كلثوم نعي جبرائيل صاحت: وا أبتاه وا علياه.

فخرج الحسنان إلى المسجد وهما يناديان: وا أبتاه وا علياه ليت الموت أعدمنا الحياة! حتى وصلا المسجد وإذا بالإمام في محرابه والدماء تسيل على وجهه وشيبته ووجدوه مشقوق الرأس، وقد علته الصفرة من انبعاث الدم وشدّة السم، فتقدّم الحسن (عليه السلام) وصلى بالناس وصلى أمير المؤمنين (عليه السلام) إيماء من جلوس وهو يمسح الدم عن وجهه وكريمته، يميل تارة ،ويسكن أخرى، والحسن ينادي: وا انقطاع ظهراه يعز عليّ أن أراك هكذا.

ففتح الإمام (عليه السلام) عينه وقال: يا بني لا جزع على أبيك بعد اليوم، هذا جدك محمد المصطفى صلى الله عليه وآله، وجدتك خديجة الكبرى عليها السلام، وأمك فاطمة الزهراء عليها السلام، والحور العين محدقون ينتظرون قدوم أبيك، فطب نفساً، وقر عيناً، وكف عن البكاء، فإن الملائكة قد ارتفعت أصواتهم إلى الكعبة.

اللهم اجعل صرختنا مع صرخة آل الرسول بمصيبتنا بإمامنا، رحم الله من نادى وا إماماه وا علياه.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

شرح دعاء الليلة الخامسة عشر

بسم الله الرحمن الرحيم 

دعاء الليلة الخامسة عشر

يا جبار أنت سيدي المنان، أنت مولاي الكريم، أنت سيدي الغفور أنت مولاي الحليم، أنت سيدي الوهاب، أنت مولاي العزيز، أنت سيدي القدير، أنت مولاي الواحد،أنت سيدي القائم، أنت مولاي الصمد أنت سيدي الخالق، أنت مولاي البارئ صل على محمد وآله، واغفر لي وارحمني وتجاوز عني إنك أنت الأجل الأعظم. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين. 

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(يا جبار أنت سيدي المنان، أنت مولاي الكريم، أنت سيدي الغفور أنت مولاي الحليم).

مضى نصف شهر رمضان المبارك، والمؤمن تارك أمره إلى صاحب الضيافة الكبرى، متأملا منه جزيل العطايا وكرم العفو وهديته الكبرى أن يجعله من عتقائه من النار، فيرسم صورة الأمل الكبيرة من السيد والمولى الجليل.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة آل عمران:{لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ}.

وقال عز من قال في سورة الحجرات:{بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ }

اذا فالمنان، معناه هو المعطى المنعم ومنه قوله تعالى في سورة ص :{فامنن أو أمسك بغير حساب}.

في بيوتهم نزل الذكر العزيز فلا يجيء عنهم غير نطق الوحي الكريم، روي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: علي سيد العرب. 

فقالت عايشة: يا رسول الله ألست سيد العرب ؟! 

فقال صلى الله عليه وآله: أنا سيد ولد آدم وعلي عليه السلام سيد العرب.

 فقالت: يا رسول الله: وما السيد ؟ 

فقال: هو من افترضت طاعته كما افترضت طاعتي.

 فعلى هذا الحديث السيد هو الملك الواجب الطاعة ، فما بالك بسيد السموات والأرضين؟!

بحلم الله يستغيث المؤمن في هذه الليلة المباركة _ ليلة النصف من شهر رمضان_ فيعلم المؤمن أن بيوت الرحمن هم أهل بيت النبوة ، ونحن في فرحة ولادة سبط النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، وقد اشتهر عن الإمام الحسن عليه السلام الحلم حتى لقب بـ(حليم أهل البيت) لكثرة حلمه، وعدم انفعاله، وقدرته العجيبة على ضبط النفس ضد مهيجات الغضب.

وقد أعترف أعداء الإمام بحلمه الواسع، روي انه لَمّا استشهد الإمام الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ عليه السّلام أخرَجوا جِنازَتَهُ، فَحَمَلَ مَروانُ سَريرَهُ، فَقالَ لَهُ الحُسَينُ عليه السّلام: أتَحمِلُ سَريرَهُ؟ أما وَاللَّهِ لَقَد كُنتَ تُجَرِّعُهُ الغَيظَ. 

فَقالَ مَروانُ: إنّي قَد أفعَلُ ذاكَ بِمَن يُوازِنُ حِلمُهُ الجِبالَ.

هذا مروان حامل الغيظ والكره والعداء يعترف بحلم الإمام عليه السلام .

ونحن بهذه الليلة الكريمة نسأله بحق الحسن عليه السلام أن يجعلنا من عتقائه من النار. 

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(أنت سيدي الوهاب، أنت مولاي العزيز، أنت سيدي القدير، أنت مولاي الواحد).

الواهب هو المعطي ، والوهاب مبالغة من الوهب، والوهاب والواهب من أسماء الله الحسنى، يعطى الحاجة بدون سؤال، ويبدأ بالعطية، والله كثير النعم.

قال تعالى في محكم كتابه المبين في سورة الشورى:

{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ }

معرفة الواهب وجوب شكره، روي عن الإمام الصادق عليه السلام، وقد سأله أبو بصير: هل للشكر حد إذا فعله العبد كان شاكرا؟ 

قال عليه السلام: نعم

قلت: ما هو؟

قال: يحمد الله على كل نعمة عليه في أهل ومال، وإن كان فيما أنعم عليه في ماله حق أداه، ومنه قوله عزوجل: (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين).

وقال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الأنعام:{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمسسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }.

يعرف المؤمن قدرة الله على عباده فتراه يقرأ قصة أيوب عليه السلام فيعرف أن القدرة المطلق له عزوجل، لابد من تمامیت الأمور بقدرته سبحانه وتعالى ،حيث ذكر الله في كتابه العزيز في سورة الأنبياء: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ *فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ.}

روي عن أبي بصير قال سألت أبا الحسن الماضي عليه السلام، عن بلية‌ أيوب التي ابتلي بها في الدنيا لأي علة كانت قال عليه السلام: لنعمة أنعم الله عليه بها في الدنيا فأدى شكرها فحسده إبليس فقال : يا رب ان أيوب لم يؤد شكر هذه النعمة إلا بما أعطيته من الدنيا ولو حرمته الدنيا ما أدي إليك شكر نعمة أبداً .

قال فقيل له : إني سلطتك على ماله وولده.

 فانحدر الشيطان فلم يبق له مالاً‌ ولا ولداً‌ إلا أعطبه فلما رأي إبليس أنه لا يصل إلى شيء من أمره قال : يا رب إن أيوب يعلم أنك سترد عليه دنياه التي أخذتها منه فسلطني على بدنه.

 فقيل له : قد سلطتك على بدنه ما خلا قلبه ولسانه وعينيه وسمعه فانحدر إبليس مستعملاً مخافة أن تدركه رحمة ‌الرب عزوجل فتحول بينه وبين أيوب فلما اشتد به البلاء وكان في آخر بلية جاءه أصحابه فقالوا له : ما نعلم أحداً‌ ابتلي بمثل هذه البلية إلا لسريرة سوء، فلعلك أسررت سوءا في الذي تبدي لنا!

 قال فعند ذلك ناجي أيوب ربه فقال : رب ابتليتني بهذه البلية وأنت أعلم أنه لم يعرض لي أمران قط إلا ألزمت أخشنهما على بدني، ولم آكل أكلة قط إلا وعلى خواني يتيم،

 فقيل له: يا أيوب من حبب إليك الطاعة؟

قال: فأخذ كفاًً‌ من تراب فوضعه في فيه ثم قال : أنت أنت . 

وكانت زوجته رحمة بنت افرائيم بن يوسف، صبرت معه وكانت تخدم في المنازل وتأتي إليه بما يأكله ويشربه وتحمد الله تعالى معه إذا حمد .

وفي بعض الكتب أن إبليس لعنه الله قال لزوجة أيوب : إن شئت فاسجدي لي سجدة واحدة حتي أرد عليك المال والولد وأعافي زوجك، فرجعت إلى ايوب عليه الصلاة والسلام وأخبرته بما قال لها وما أراها .

فقال: لقد اتاك عدو الله ليفتنك عن دينك ثم أقسم إن عافاه أن يضربها مائة جلدة.

وفي رواية أخرى : أنها لم تجد ما تطعم زوجها، وأبي الناس أن يستخدموها ، فجزت شعرها فباعته برغيف فأتت به أيوب، فقال لها: أين شعرك؟! فأخبرته 

فقال عند ذلك: {رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرحَمُ الرَّاحِمِينَ} فعافاه الله ورد عليه ماله وولده .

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(أنت سيدي القائم، أنت مولاي الصمد أنت سيدي الخالق، أنت مولاي البارئ).

المؤمن يحتاج إلى قيام أموره العبادية بالصمد إلى الله، فعرف معنى الصمد أنه السيد الذي يصمد إليه في الأمور، ويقصد في الحوائج والنوازل.

ومن اختاره الله ليكون مقصد عباده في مهمات دينهم ودنياهم، فقد أجرى على لسانه ويده حوائج خلقه، هم محمد وآل محمد عليهم السلام فوجبت معرفتهم من الناس .

روي عن الأصبَغِ بنِ نَباتَةَ قَالَ: كُنتُ عندَ أمِيرِ المُؤمنِينَ (عليه السلام) فجَاءَه ابنُ الكَوا فقَالَ: يا أمِيرَ المُؤمنِينَ، قَولُ اللهِ (عزَّ وجلَّ):

 (وليسَ البِرُّ بأنْ تَأتُوا البُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا ولكنَّ البِرَّ مَن اتَّقَى وأتُوا البُيُوتَ مِن أبوَابِهَا) .

فقَالَ (عليه السلام): “نحنُ البُيُوتُ أمرَ اللهُ أنْ تُؤتَى أبوَابُها، نحنُ بَابُ اللهِ وبُيُوتُه التي يُؤتَى منْه، فمَن بَايَعَنا وأقرَّ بوِلَايَتِنا فقَد أتَى البُيُوتَ مِن أبوَابِها، ومَن خَالَفَنا وفَضَّلَ عَليْنا غَيرَنا فقَد أتَى البُيُوتَ مِن ظُهُورِها، إنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) لو شاءَ عرَّفَ النَّاسَ نَفسَه حتى يَعرِفُوهُ ويأتُوهُ مِن بَابِه، ولكنْ جَعَلَنا أبوَابَه وصِراطَه وسَبِيلَه وبَابَه الَّذي يُؤتَى منْه، قَالَ: فمَن عَدلَ عن وِلَايَتِنا وفَضَّلَ عَليْنا غَيرَنا فقَد أتَى البُيُوتَ مِن ظُهُورِها، وإنَّهم عن الصِّرَاطِ لنَاكِبُونَ.

يرغب المؤمن في توجهه إلى البارئ خلوصه من أدناس هموم وغموم الدنيا.

فيعلم معنى البارئ أنها من أسماء الله تعالى وهو الذي خلق الخلق لا عن مثال، والبرء أخص من الخلق، فخلق الله السموات والأرض، وبرأ الله النسمة، كبرئ الله آدم من طين. 

البارئ الذي يبرئ جوهر المخلوقات من الآفات، وهو موجد الأشياء بريئة من التفاوت وعدم التناسق، وهو معطى كل مخلوق صفته التي علمها له في الأزل.

وفي كلام أمير المؤمنين عليه السلام عند تأكيده حقه قال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لقد علمتم أني صاحبكم والذي به أمرتم، وأني عالمكم.

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: صل على محمد وآله، واغفر لي وارحمني وتجاوز عني إنك أنت الأجل الأعظم).

المؤمن المتعجل بثقل ميزان حسناته، متمسك بالعروة الوثقى، روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في فضل شهر رمضان : مَن أكثر فيه من الصلاة عليّ ثقّل الله ميزانه يوم تخفّ الموازين.

وعن الإمام الرضا عليه السلام قال: مَن لم يقدر على ما يكفّر به ذنوبه ، فليُكثر من الصلاة على محمد وآله ، فإنها تهدم الذنوب هدماً.

والمؤمن عارف بانقضاء أيام رحمة الله ولياليه المباركة سريعا، وها هو الشهر قد تصرمت أكثر أيامه، فتراه مشفقا على نفسه، متعجلا التزود فيه ، فيقول كما قال إلامام سيد الساجدين عليه السلام: أللَّهُمَّ اسلَخْنَا بِانْسِلاَخِ هَذَا الشَّهْرِ مِنْ خَطَايَانَا وَأَخْرِجْنَا بُخُرُوجِهِ مِنْ سَيِّئاتِنَا وَاجْعَلْنَا مِنْ أَسْعَدِ أَهْلِهِ بِهِ وَأَجْزَلِهِمْ قِسَمَاً فِيـهِ وَأَوْفَـرِهِمْ حَظّاً مِنْـهُ.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

الممنوع من الصرف

إعراب الممنوع من الصرف

بسمه تعالى

الممنوع من الصرف

وفيه ثلاث محاور: (التعريف وأنواعه) و (إعرابه) و (متى يُجر بالكسرة):

 

المحور الأول: تعريف الممنوع من الصرف وأنواعه:

أقسام الممنوع من الصرف

وهو ما حصلت له واحد من الحالات التالية تحت أحد الأقسام (العَلَم، الصفة، منتهى الجموع)، وأقسامه كما يلي:

 

أولا: العَلَم:

يكون العلم ممنوع من الصرف إذا حصلت أحد الحالات التالية:

  • إذا كان مؤنثا:

 

نحو: (ناديْتُ مريمَ العذراء متوسلا).

  • إذا كان أعجميًّا:

 

نحو: (إنَّهُ إبراهيمُ الحنيف عليه السلام).

  • إذا كان مركبًا تركيبا مزجيًّا:

نحو: (توجه الحجاج إلى بيت لحم).

وللعلم أن المركبات في الأسماء على ثلاث أوجه:

 

  1. مركب إضافي: وهو المركب من مضاف ومضاف إليه، نحو: (عبد الله) و (عبد القادر) و (امرؤ القيس).
  2. مركب مزجي: وهو ما ركب من كلمتين مختلفتين ثم امتزجتا حتى صارتا كالكلمة الواحدة ولا تُلحظ هنا الإظافة، نحو: (بيت لحم) و (بعلبك) و (حضرمَوْت).
  3. مركب إسنادي: وهو ما ركب من مسند ومسند إليه، سواء كان المسند اسما أم فعلا، فالاسم نحو: (محمد قائم) و (أحمد كريم) و(عليٌّ سعيد)، والفعل نحو: (شابَ قرناها) و (تَأَبَطَ شرًّا).
  • إذا كان مزيدا فيه ألف ونون:

 

نحو: (لم نرى حمدان اليوم).

  • إذا كان على وزن الفعل:

نحو: (صافح أحمد الزائرين).

(أحمد) وماضيه (حَمِدَ) على وزن (أفعل) أي الفعل المضارع وماضيه (فَعِلَ).

 

فضلا عن كونه اسم علم أيضا، فهو يجمع أكثر من علة تمنعه من الصرف.

  • إذا كان مذكرا ثلاثيا مضموم الأول مفتوح الثاني:

 

نحو: (حَضَرَ عُمَر الغدير).

 

ثانيا: الصفة:

تكون الصفة ممنوعة من الصرف إذا حصلت أحد الحالات التالية:

  • إذا كانت على وزن (فعلان):

 

نحو: (لا تَتَكَلَّم وأنت غَضْبان).

  • إذا كانت على وزن (أفعل):

 

نحو: (الورد أحمر وأبيض).

  • إذا كانت على وزن (أفعل) التفضيل، ومؤنثه (فُعْلى):

 

نحو: (الوحدة أفضل من جليس السوء).

  • في كلمة أُخَرَ:

 

نحو: (زارتنا سيدات أُخَرُ).

  • إذا كانت معدولة عن عدد، وصيغت من الواحد إلى العشرة، على وزني (فعال) و (مفعل):

 

نحو: (دخل الطلاب إلى الصف مثنى مثنى).

 

ثالثا: الجموع:

يكون الاسم ممنوع من الصرف إذا حصلت أحد الحالات التالية:

  • إذا كان على صيغة منتهى الجموع (مفاعل) و (مفاعيل):

المفاعل نحو: (صنت نفسي عن معايب كثيرة).

المفاعيل نحو: (دَوَّنْتُ مفاهيم كثيرة).

 

 

  • إذا كان مختوما بألف التأنيث الممدودة:

نحو: (من تزوج حسناء نجح).

ألف التأنيث الممدودة هي: (ألف تتبعها همزة) نحو: (صحراء، حسناء).

 

 

  • إذا كان مختوما بألف التأنيث المقصورة:

نحو: (أخبِروا سَلْمى أنَّ الطريقَ طويلُ).

ألف التأنيث المقصورة، وتدل على المؤنث، نحو: (سلمى، حُبلى).

 

 

 

المحور الثاني: إعراب الممنوع من الصرف:

إعراب الممنوع من الصرف

للممنوع من الصرف ثلاث علامة إعرابية:

  • علامة رفع الممنوع من الصرف الضمة:

 

نحو: (جاءت سعادُ مسرعة).

  • علامة نصب الممنوع من الصرف الفتحة:

 

نحو: (رأيْتُ سعادَ مسرعة).

  • علامة جر الممنوع من الصرف الفتحة عوضا عن الكسرة:

 

نحو: (مررتُ بِسُعادَ مُسرعا).

تنبيه: الممنوع من الصرف لا يقبل التنوين.

 

 

المحور الثالث: متى يُجَر الممنوع من الصرف بالكسرة؟ :

جر الممنوع من الصرف

هناك حالتان تُخْرِج الممنوع من الصرف عن قاعدته الإعرابية، ويُجر بالكسرة، وهما:

  • إذا دخلت عليه “أل” التعريف:

 

نحو: (كان اللقاء في الصحراءِ).

  • إذا كان مضاف: 

 

نحو: (سَلَّمتُ على أسبقِ اللاعبين).

 

فواز سرحان

2 مايو 2016

24 رجب 1437

النجف الأشرف

علامة الفعل المضارع وأحكامه – 6

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين

خاتمة في فعل الشرط وجوابه

علامة الفعل المضارع وأحكامه – 6

 

بقي الكلام في المقالة الخاتمة عن بعض متعلقات الشرط بجزم الفعل المضارع، وتُـختم بها السلسلة.

 

فعل الشرط وجزاؤه:

قال ابن مالك في ألفِـيَّـتِه:

وَمَاضِيَيْن أَوْ مُضَارِعَيْنِ               تُلْفِيْهِمَا أَوْ مُتَخَالِفَيْنِ

والمعنى أنه: إذا كان الشرط وجوابه جُملتَيْن فِعليَّـتَـيْن، فيكونان على أربعة ضروب[1]:

أَوَّلُها: أن يكون فعل الشرط وجوابه مضارعين، نحو قوله تعالى: {وَإِنْ تَعُودُواْ نَعُدْ}[2]، فـ {وَإِنْ} الواو عاطفة، (إنْ) حرف شرط جازم، {تَعُودُواْ} فعل مضارع مجزوم بِأَنْ وهو فعل الشرط وعلامة جزمه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة، والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل، {نَعُدْ} فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الشرط وعلامة جزمه السكون، وحُذفت واوه لإلتقاء ساكنين.

ثانيها: أن يكون الفعلان ماضيين، نحو قوله تعالى: {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ}[3]، فـ {إِنْ} حرف شرط جازم، {أَحْسَنتُمْ} (أَحْسَنْ) فعل ماضي مبني على السكون في محل جزم فعل الشرط، {أَحْسَنْتُمْ} (أَحْسَنْ) فعل ماضي مبني على السكون في محل جزم جواب الشرط، ومثله قوله تعالى: {وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا}[4].

ثالثها: أن يكون فعل الشرط ماضيا وجوابه مضارعا، نحو قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا}[5]، فـ {مَنْ} أداة الشرط، {كَانَ} فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط، {نُوَفِّ} فعل مضارع مجزوم بـمَنْ لأنه جواب الشرط وعلامة جزمه حذف حرف العلة.

وفي هذا الضرب يصح الجزم والرفع، نحو قولك: (إنْ جاءَ زيدٌ يَقُمْ عَمرٌو) أو (يقوم عَمرٌو)، ونحو: (إن جِـئَـتَني أكرمْك) أو (أكرمُك)، ومنه قول الشاعر:

وَإِنْ أَتَاهُ خَلِيلٌ يَوْمَ مَسْأَلَةٍ            يَقُولُ لاَ غَائِبٌ مَالِي وَلاَ حَرِمُ

والشاهد في: (يَقُولُ) جاء بها مرفوعة مع أنها جواب الشرط.

رابعها: أن يكون فعل الشرط مضارعا وجوابه ماضيا، نحو قول الشاعر[6]:

مَنْ يَكِدْنِي بِسَيِّئٌ كُنْتَ مِنْهُ                    كَالشَّجَا بَيْنَ حَلْقِهِ وَالْوَرِيدِ

(مَنْ) حرف شرط جازم، (يَكِدْنِي) (يَكِدْ) فعل مضارع مجزوم بمَنْ لأنه فعل الشرط وعلامة جزمه السكون، (نِي) ضمير متصي في محل نصب مفعول به، (كُنْتَ) فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم جواب الشرط.

 

اقتران جواب الشرط بالفاء:

أورد النُّحاة لوجوب اقتران جواب الشرط بالفاء عدة أوجه، بعضهم فجعلها البعض ستة والآخر خمسة والإختلاف في إفراد نقطة أو دمجها مع أحد النقاط المشابهة، والأدق أنها ستة كما يلي:

وجوب اقتران جواب الشرط بالفاء

 

  • الجملة الإسمية:

فتكون الجملة الإسمية في محل جزم جواب الشرط، نحو قوله تعالى: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي}[7]، فـ {مَنْ} اسم شرط جازم جازم في محل رفع مبتدأ، {يَهْدِ} فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه السكون وهو فعل الشرط، والمفعول محذوف، {اللَّهُ} لفظ الجلالة فاعل مرفوع، {فَهُوَ} (الفاء) رابطة، (هُوَ) ضمير في محل رفع مبتدأ، {الْمُهْتَدِي} خبر مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة منع من ظهورها الثقل، والجملة من المبتدأ والخبر في محل جزم جواب الشرط.

ونحو قوله تعالى: {مَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ}[8] ، ومنه قول الشاعر[9]:

إن كانَ عادَكُمُ عيدٌ فَرُبَّ فتًى                  بالشَّوْقِ قد عادَهُ من ذِكْرِكُمْ حزَنُ

  • أن يكون فعلا جامدا:

ومنه: (نعم، وبئس، وعسى، وليس)، نحو قولك: (من أفشى سر الصديق فليس بأمين) ونحو قوله تعالى: {إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالا وَوَلَدًا (39) فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ}[10]، فـ {إِنْ} أداة الشرط و {تَرَنِ} فعل الشرط مجزوم بحذف حرف العلة، {فَعَسَى} (الفاء) رابطة للجواب، (عسى) فعل ماضي جامد، {رَبِّي} اسم عسى مرفوع وهو مضاف والياء ضمير متصل ، وجملة {عَسَى} في محل جزم جواب الشرط.

  • أن يكون طلبيًّا:

ومنه: (فعل الأمر، والدعاء، والإستفهام، والتمني، والنهي)، نحو قولك: (إن تُرِد الأجر، فلا تهمل العمل) و (أيّان نزرك فهل تكون موجودا؟).

ونحو قوله تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}[11]، فجملة الأمر {..رُدُّوهُ..} في محل جزم جواب الشرط.

  • أن يكون مقترنا بحرف استقبال:

كالسين وسوف، فمثال السين قوله تعالى: {وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}[12]، ونحو قولك: (من يفني عمره في اللعب فسيكون الموت عليه شديدا).

ومثال سوف قوله تعالى: {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا}[13]، {فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي}[14]، ونحو قولك: (متى تجد وتدرس فسوف تنجح).

ودمج البعض (السين وسوف) مع (قد) في نقطة واحدة، إلا أنَّ الأصح إفراد (قد) في نقطة لوحدها، لأنَّ استعمالها مختلف عن (السين وسوف).

  • أن يكون جملة فعلية مصدرة بـ قد:

نحو قوله تعالى: {وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}[15]، ومنه قولك: (مَنْ يَـتَفوَّقْ فقد ينال الجائزة).

  • الجملة الفعلية المنفية بـ ما:

نحو قوله تعالى: {فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ}[16]، ومنه قولك: (مَنْ يُردْ أنْ يعرف الدِّين فما يعوزُه الدَّليل)، وأضاف البعض النفي بـ (لن) و (لا) مع (ما) في هذا العنوان، نحو قوله تعالى: {وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا}[17]، و {فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا}[18].

 

اقتران جواب الشرط بـ إذا الفجائية:

مَرَّ أن الفاء تدخل على الجملة الإسمية في جواب الشرط وجوبا، ويجوز أن تحل محلها (إذا) الفجائية، نحو قوله تعالى: {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ}[19]، وتكون الجملة الإسمية في محل جزم جواب الشرط، وذكروا لذلك شروطا:

  1. أن تكون الجملة إسمية، فلا يجوز دخولها على الجملة الفعلية، فيُمنع دخولها على جواب الشرط في مثل قوله تعالى: {فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ}[20] و {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}[21].
  2. ألا تكون مقترنة بحرف نفي، فلا يصح قولك: (إنْ تذهبْ إذا لا أذهب معك).
  3. ألا تكون مقترنة بـ (إنَّ) المؤكدة، فلا يصح قولك: (إنْ تذهبْ إذا أنا معك).

وهو قول ابن مالك في ارجوزته:

وَتَخْلُفُ الْفَاءَ إِذَا الْمُفَاجَأَةْ            كَإِنْ تَجُدْ إِذَا لَنَا مُكَافَأَةْ

 

حذف فعل الشرط:

جواز حذف فعل الشرط

يجوز حذف فعل الشرط في ثلاث حالات، بشرط أن يدل على المحذوف دليل:

  • يجوز حذف فعل الشرط دون أداته إذا وقع بعد (إنْ) المدغمة بـ (لا) النافية:

نحو: (قُلْ خيرًا وإلا فاصْمُت)، والتقدير: (قُلْ خيرًا وإلا تَقُلْ فاصْمُت)، ومنه قول الشاعر[22]:

فَطَلِّقْهَا فَلَسْتَ لَهَا بِكُفْءٍ            وَإِلاَّ يَعْلُ مَفْرِقَكَ الحُسَامُ

والتقدير: وإلا تطلقها يَعْلُ مفرقك الحسام، وفعل الشرط محذوف ويدل عليه الشطر الأول من البيت.

  • وكذلك يجوز حذف فعل الشرط دون أداته إذا وقع بعد (مَنْ) الشرطية المتبوعة بـ (لا) النافية:

نحو: (مَنْ أَكْرَمَك فَأكْرِمه، ومَنْ لا فَدَعْه)، والتقدير: (ومَنْ لا يُكْرِمْك فَدَعْه).

  • يجوز حذف فعل الشرط وأداته إذا دل عليه دليل، وخلا من حالتين: (وقع بعد “إنْ” المدغمة بـ “لا” النافية) أو (وقع بعد “مَنْ” الشرطية المتبوعة بـ “لا” النافية):

نحو قوله تعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ}[23]، والواضح من الآية جواب الشرط {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ}، والتقدير: (إن قُلْتُم) – أو ما شابه – بقتلهم فلم تقتلوهم، ولكن الله قتلهم، ونحو قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}[24]، فجملة جواب الشرط {فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} والشرط وأداته محذوفان، والتقدير: (فإنْ تتبعوني) – أو ما شابه – بدليل قوله: {فَاتَّبِعُونِي}.

ونلاحظ في الحالات الثلاثة وجود ما يدل على المحذوف، وقد أشار ابن مالك في ألفيته المشهورة إلى شرط أن يدل على المحذوف دليل دون أن يذكر الحالات الجائزة في قوله:

وَالْشَّرْطُ يُغْنِي عَنْ جَوَابٍ قَدْ عُلِمْ              وَالْعَكْسُ قَدْ يَأْتِي إِنْ الْمَعْنَى فُهِمْ

 

حذف جواب الشرط:

أما ما يتعلق بحذف جواب الشرط، فهناك وجهان: حذفه جوازا أو وجوبا.

 

الوجه الأول: جواز الحذف:

 

وهو على ضربين، بشرط أن يدل على المعنى الـمُقدَّر دليل:

  • أن يحذف اختصارا:

نحو قوله تعالى: {فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ}[25]، فـ {فَإِنِ} (الفاء) رابطة لما قبلها (إنْ) أداة الشرط، {اسْتَطَعْتَ} فعل الشرط، والجواب محذوف وتقديره: (فافْعَل) أو ما شابه، وتكون – والله أعلم بهذا التقدير – (إنْ استَطَعْتَ فافْعَل).

ونحو قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[26]، فـ {وَإِذَا} (الواو) عاطفة (إذا) أداة شرط لكنها لا تجزم إلا في الشعر كما قالوا، {قِيلَ} فعل الشرط وما بعد داخلة في جملة الشرط، وجواب الشرط محذوف جوازا وتقديره: (أعْرَضُوا) أو ما شابه.

  • الدلالة على التفخيم والتعظيم:

نحو قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا}[27]، فـ {وَلَوْ} (الواو) استئنافية (لَوْ) أداة شرط غير جازمة، {تَرَىَ} فعل الشرط مضارع، وجواب الشرط محذوف جوازا، والتقدير: (لرَأَيْتَ أمرًا عظيمًا) أو ما شابه.

ونحو قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ}[28]، فـ {وَلَوْ} (الواو) استئنافية (لَوْ) أداة شرط غير جازمة، {تَرَىَ} فعل الشرط مضارع، وجواب الشرط محذوف جوازا، والتقدير: (لرَأَيْتَ أمرًا فظيعًا) أو ما شابه، قال الدكتور السامرائي: (قالوا: وهذا الحذف أفخم وأعظم لأنه على هذا التقدير يذهب خاطر الـمُخاطب إلى كل ضرب من الوعيد فيكون الخوف على هذا التقدير أشدّ مما إذا كان عُيِّن له ذلك الوعيد)[29].

 

الوجه الثاني: وجوب الحذف:

يُحذف جواب الشرط وجوبا في ثلاث حالات:

  • إذا تقدم عليه أو اكتنفه ما يدل عليه:

نحو: (أنت، إنْ كتبت الدرس، مجتهد) والتقدير: (إن كتبت الدرس فأنت مجتهد).

  • أن يكون فعل الشرط ماضيا وهناك ما يدل عليه:

نحو: (أُجيبُكَ إنْ سَألْتَني)، فحُذِفَ جواب الشرط لوجود (أُجيبُكَ) وهي دالَّة عليه، وقال الكوفيّون أنَّ (أُجيبُكَ) جواب الشرط متقدم، ورده البصريّون بأنه لو كان جوابا للشرط لكان مجزوما نحو: (أُجِبْكَ)، وكذلك للزمته الفاء إن كان جملة إسمية فتقول مثلا: (فأنت مؤمن إنْ أحبَبْتَ عليّ).

  • إذا تقدم فعل الشرط قسم دال عليه:

من المعروف أنَّ للقسم جواب كما هو الحال في الشرط، فلو اجتمعا حُذِفَ جواب المتأخر منهما وأُثْبِتَ جواب المتقدم، نحو: (إنْ أَكَلَ زيد والله يأكلْ عمرو) فـ (يأكلْ) مجزوما لأنه جواي الشرط، ومثله: (إنْ أتْقَـنْتَ العمل وحَقّكَ أضاعفْ أجرك) وكذلك: (إنْ صحبْتَ الأشرار وأُبَـيّك تندمْ).

بينما لا يجزم الجواب في حالة تقدم القسم على الشرط، لأنَّ الجواب يكون حينئذ للقسم، نحو: (والله إنْ أَكَلَ زيد ليأكلَنَّ عمرو).

تنبيه: إذا اجتمع الشرط والقسم وسبقهما ما يحتاج لخبر فالجواب للشرط مطلقا، نحو قولك: (ولايةُ عليٍّ والله مَنْ يُـؤمنْ بها يَسْعَدْ) وتقول: (ولايةُ عليٍّ مَنْ يُـؤمنْ بها والله يَسْعَدْ)، وتكون (يَسْعَدْ) مجزومة في المثالين على أنها جواب الشرط.

 

والحمد لله رب العالمين

تم بعون الله تعالى مبحث الفعل المضارع

 

فواز سرحان

النجف الأشرف

16 ابريل 2016

7 رجب 1437

 

[1] بالحصر العقلي، لأن الأفعال المستخدمة على ضربين، المضارع والماضي.

[2] سورة الأنفال: 19.

[3] سورة الإسراء: 7.

[4] سورة الإسراء: 8.

[5] سورة هود: 15.

[6] القائل هو أبي زيد الطائي.

[7] سورة الأعراف: 178.

[8] سورة الأعراف 186.

[9] أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن زيدون الأندلسي، مان كاتب وشاعر ووزير (ابن جمهور) ملك قرطبة.

[10] سورة الكهف: 39 – 40.

[11] سورة النساء: 59.

[12] سورة الفتح: 10.

[13] سورة النساء: 30.

[14] سورة الأعراف: 143.

[15] سورة النساء: 48.

[16] سورة يونس: 72.

[17] سورة الكهف: 17.

[18] سورة الجن: 13.

[19] سورة الروم: 36.

[20] سورة يونس: 23.

[21] سورة يوسف: 26.

[22] قائله: هو الأحوص الأنصاري، يخاطب مطرا، وكان دميما وتحته امراة حسناء.

[23] سورة الأنفال: 17.

[24] سورة آل عمران: 31.

[25] سورة الأنعام: 35.

[26] سورة يس: 45.

[27] سورة الأنعام: 27.

[28] سورة الأنعام: 93.

[29] النحو العربي ج2 ص473.

علامة الفعل المضارع وأحكامه – 5

أدوات الشرط

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين

 

علامة الفعل المضارع وأحكامه – 5

 

ذكرنا في المقالة السابقة ما يجزم فِعلًا مضارعًا واحدًا، وبقى ما يجزم فِعلَيْن، وهو أسلوب الشَّرط، وفيه يُـجزَمُ فِعْلُ الشَرط وجوابه.

واستيعاب اسلوب الشرط بتمامه – كلامٌ – فيه إطالة، نخرج بذلك عن المطلب، لأنَّ الموضوع هو جوازم الفعل المضارع، بينما الشرط عارضٌ يَعرضُ على الفعل المضارع والماضي وشبه الجملة كذلك، ولكن لا بأس بالتعرض لبعض المسائل للتَوْضيح بشكل مختصر، من باب استيضاح المقسم في الأبواب وذكر التعدد.

 

تعريف أُسلوب الشرط:

قالوا في معنى الشرط: أنْ يقع شيء لوقوع غيره، وبعبارة أخرى: أن يتوقف وقوع شيء على تحقق شيء قبله، فإذا وقع الأول وقع الثاني، نحو: (إنْ تَـزُرْني أُكرمْك)، ونحو قوله تعالى: {فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ}[1]، فـ {فَإِنْ} الفاء استئنافية، إنْ أداة شرط جازمة، {قَاتَلُوكُمْ} فعل ماضي مبني على الضم لإتصاله بواو الجماعة، الواو في محل رفع فاعل والكاف في محل نصب مفعول به، والفعل الماضي في محل جزم فعل الشرط إن، {فَاقْتُلُوهُمْ} الفاء رابطة لجواب الشرط، اقتلوهم فعل أمر مبني على حذف النون والواو في محر رفع فاعل والهاء في محل نصب مفعول به، والجملة من الفعل والفاعل في محل جزم جواب الشرط.

 

تنبيه:

قد يخرج أسلوب الشرط عن المعنى السابق، أي: لا يكون الثاني مُسَبَّبـًا عن الأوَّل ولا متوقفًا عليه، نحو قوله تعالى: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ}[2]، فالكلب في الآية يلهث سواء حملت عليه أم لم تحمل، أي: لم يتوقف تحقق الثاني على تحقق الأول، ولكن إعرابيّا تبقى إن الشرطية جازمة لِفِعْلَيْن، فـ {إِنْ} حرف شرط جازم، {تَحْمِلْ} فعل مضارع مجزوم لأنه فعل الشرط وعلامة جزه السكون، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو، {عَلَيْهِ} جار ومجرور متعلقان بـ {تَحْمِلْ}، {يَلْهَثْ} فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الشرط وعلامة جزمه السكون، والفاعل ضمير مستتر، {أَوْ} حرف عطف للتخيير، {تَتْرُكْهُ} فعل مضارع مجزوم لأنه معطوف على فعل الشرط وجوابه ، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت، {يَلْهَثْ} فعل مضارع مجزوم لأنه معطوف على فعل الشرط وجوابه، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو.

ومثال آخر قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}[3]، فالله لا يُـحِبُ الكافرين، سواء تَوَلَّوا أم لا، و{فَإِنْ} الفاء اسئنافية، إنْ شرطية جازمة، {تَوَلَّوْا} له وجهان من الإعراب، أحدهما أن يكون فعلا مضارعا حُذِفَتْ تاؤُهُ، مجزوم لأنه فعل الشرط وعلامة جزمه حذف حرف النون، فيكون في الأصل (تَتَوَلَّوْن)، والآخر أنْ يكون فعلا ماضيا في محل جزم فعل الشرط، {فَإِنَّ اللَّهَ} الفاء واقعة في جواب الشرط، إنَّ حرف توكيد ونصب، لفظ الجلالة إسم إن، {لاَ يُحِبُّ} (لا) حرف نفي، (يحب) فعل مضارع مرفوع وعلامه رفعه الضمة، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو، {الْكَافِرِينَ} مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم، والجملة من (الفعل والفاعل) في محل رفع خبر إنَّ، وجملة {لاَ يُحِبُّ} في محل جزم جواب الشرط.

ونحو قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ}[4]، فهو لا يعبد غير الله سواء شَكُّوا أم لم يشُكُّوا.

قال الدكتور السامرائي: (فليس الشرط على هذا من باب السبب والمسبب دومًا وإنما الأصل فيه أن يكون ذلك)[5].

 

تنبيه آخر:

وقبل الشروع في ذكر أدوات الشرط الجازمة، لا بد من معرفة أنَّ فعل الشرط وجوابه يَأْتِيان بصيغة المضارعة والـمُضِي، فتجزم المضارع مباشرة والماضي محلًّا، ويأتي بصيغة جملة اسمية فيُجزم محلًّا.

المضارع نحو قوله تعالى: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ}[6]، قال الشاعر:

رُدُّوا السيوفَ إلى الأغمادِ وآتَّئِدُوا              مَنْ يُشْعِلْ الحربَ يُصْبِحْ مِنْ ضحاياها

والماضي نحو قوله تعالى: {وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا}[7]، قال الشاعر[8]:

صُم إذا سَمِعُوا خَيْراً ذُكِرْتُ بِهِ                وإنْ ذُكِرْتُ بسُوءٍ عِنْدَهُمْ أَذِنُوا

وشبه الجملة اذا حلَّت محل الجواب:

نحو قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}[9]، حيث جملة {لاَ يُحِبُّ} في محل جزم جواب الشرط ، قال الشاعر:

إنْ كنتَ عَنْ خَيرِ الأنَامِ سَائِلا                 فَخَيْرُهُمْ أكثَرُهُمْ فَضائِلا

 

أدوات الشرط:

المهم هو أدوات الشرط الجازمة، وذِكْرُ القِسْمَان الآخَرَان لتوضيح حدود أدوات الشرط الجازمة وأن الباقي خارجين عنها.

 

أدوات الشرط الجازمة:

هناك خلاف على عددهم، فأقلُّهم قال ستة، وأكثرهم اثنا عشر، ونذكر منها أحد عشر، وتنقسم إلى قسمين، أسماء وحروف:

 

أولا: الحروف:

ليس لهما محل من الإعراب، وهما حرفان:

  1. إنْ: ولها ستة أنواع تقريبا[10]، واحد منها الشَّرْطِيّ الجازم، قال الدكتور السامرائي: (تُسْتَعمل “إنْ” في المعاني المحتملة الوقوع)[11]، نحو قوله تعالى: {إِن تَتَّقُواْ اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً}[12]، {وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ}[13].
  2. إذْما: انقسم النُّحاة إلى قسمين، فقال أكثرهم أنها حرف بمعنى (إنْ)، وقال البعض أنها اسمٌ تشبه (متى) الظرفية للاستقبال، ومثالها: (إذْما تَذهَبْ أذهَبْ)، قال الشاعر:

وَإِنَّكَ إِذْمَا تَأْتِ مَا أَنْتَ آمِرٌ                  بِهِ تُلْفِ مَنْ إِيَّاهُ تَأْمُرُ آتِيَا

فـ (إِذْمَا) أداة شرط جازمة، (تَأْتِ) فعل مضارع مجزوم لأنه فعل الشرط وعلامة جزمه حذف حرف العلة، (تُلْفِ) جواب الشرط مجزوم وعلامة جزمه حذف حرف العلة.

 

ثانيا: الأسماء:

تُعرب حسب موقعها في الجملة، وهي كما يلي:

  • مَنْ: أداة شرط جازمة وتستخدم للعاقل، نحو قال تعالى: {مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}[14]، {وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا}[15]، ونحو قولك: (مَنْ يَدْرُسْ يَنْجَحْ).
  • ما: أداة شرط جازمة لغير العاقل، نحو قوله تعالى: {مَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ}[16]، {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}[17]، ونحو قولك: (ما تفعل أفعل).
  • مهما: أداة شرط لغير العاقل أيضا، نحو قولها تعالى: {وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ}[18]، ونحو قولك: (مهما يحدثْ فإني أُعزّك)، قال الشاعر[19]:

أغَرّكِ مِنِّي أنّ حُبّكِ قاتِلي            وأنكِ مهما تَأْمُرِي القَلْب يفعلِ

  • أيّ: أداة شرط جازمة تستخدم للعاقل ولغير العاقل، حسب إضافتها، نحو:
    • العاقل: (أيُّ رجلٍ تُحبْ أُحِبْ) و (أيُّ فقيرٍ تُعطِ أُعْطِ).
    • غير العاقل: (أيُّ سيرٍ تَسِرْ أسِرْ) و (أيُّ كتابٍ تقرأْ أقرأْ)، وللزمان نحو: (أيُّ يومٍ تعملْ أعملْ)، وللمكان نحو: (أيُّ أرضٍ تنزلْ أنزلْ).
    • وقد تدخل عليها (ما) نحو قوله تعالى: {أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى}[20].
  • متى: أداة شرط جازمة لظرفيّة الزّمان، نحو قولك: (متى تتعلمْ تتقدمْ) و (متى تأتِني أُكرمكْ).
  • أيَّان: أداة شرط جازمة لظرفيّة الزّمان أيضا، نحو قولك: (أيَّانَ تطعِ اللهَ يساعدْكَ) و (أيَّان تُنادِ أُجِبْك)، قال الشاعر:

أَيَّانَ نُؤْمِنْكَ تَأْمَنِ غَيْرَنَا، وَإِذَا                  لَمْ تُدْرِكِ الأَمْنَ مِنَّا لَمْ تَزَلْ حَذِرَا

  • أينما: أداة شرط جازمة لظرفية المكان، نحو قوله تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ}[21]، وقولك: (أينما تَكُنْ تَنجحْ)، قال الشاعر[22]:

صَعْدَةٌ نابِتَة في حَائِرٍ                  أَيْنَما الرِّيحُ تُميِّلْهَا تَمِلْ

  • حيثما: أداة شرط جازمة لظرفية المكان الـمُبْهَم، نحو قوله تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}[23]، ونحو قولك: (حيثما تنزلْ تُحتَرَمْ)، قال الشاعر:

حيثُمَا تَسْتَقِمْ يُقَدِّرْ لكَ              اللَّهُ نَجاحًا في غابِرِ الأزمانِ

  • أنّى: أداة شرط جازمة لظرفية المكان (عموم المكان)، نحو قولك: (أنّى تذهبْ أذهبْ)، قال الشاعر:

فَأَصْبَحْتَ أَنَّى تَأْتِهَا تَسْتَجِرْ بِهَا                 تَجِدْ حَطَبًا جَزْلاً وَنَارًا تَأَجَّجَا

 

أدوات الشرط المختلف فيها:

وهي ثلاث أدوات إذا أُريد باستخدامهم الشرط:

  • إذا: ظرف زمان مستقبل، وشرطية في أغلب استعمالاتها، والجزم بها مقصور على الشعر، قال الشاعر[24]:

وَإِذَا تُصِبْكَ خَصَاصَةً فَارْجُ الغِنَى               وَإِلَى الَّذِي يُعْطِي الرَّغَائِبَ فَارْغَبِ

  • كيف: وهي للسؤال عن الكيفية والهيئة، وتستخدم كأداة شرط لبيان الكيفية، (وتحتاج لجملة شرطية وجملة جوابية)[25]، والظاهر من كلماتهم أنها تفيد الشرط ولكنها لا تجزم.
  • لو: قال عباس حسن: (وأما “لو” الشرطية، فخير الآراء أنها لا تجزم مطلقا، لا في النثر ولا في الشعر)[26].

 

أدوات الشرط الغير جازمة:

وهي أدوات نفيد الشرط، لكنها لا تجزم، وهي خارج محل البحث كسابقتها، وهم: (لو، لولا، لوما، كلما، إذا، لما، أما).

 

وسيأتي الكلام عن فعل الشرط وجوابه وبعض النقاط لـخِتامِ المطلب في المقالة القادمة إنْ شاء الله.

 

والحمد لله رب العالمين

 

فواز سرحان

النجف الأشرف

27 مارس 2016

16 جمادى الثاني 1437

 

[1] سورة البقرة: 191.

[2] سورة الأعراف: 176.

[3] سورة آل عمران: 32.

[4] سورة يونس: 104.

[5] النحو العربي ج2 ص455 نقلا عن معاني النحو.

[6] سورة ابراهيم: 19.

[7] سورة الإسراء: 8.

[8] قيل أنه قعنب ابن أم صاحب بن ضمرة.

[9] سورة آل عمران: 32.

[10] النحو الوافي ج4 ص326.

[11] معاني النحو ج2 ص458.

[12] سورة الأنفال: 29.

[13] سورة الأنفال: 19.

[14] سورة النساء: 123.

[15] سورة آل عمران: 145.

[16] سورة البقرة: 197.

[17] سورة البقرة: 106.

[18] سورة الأعراف: 132.

[19] القائل هو امرؤ القيس.

[20] سورة الإسراء: 110.

[21] سورة النساء: 78.

[22] كعب بن جعيل.

[23] سورة البقرة: 144.

[24] هو النمر بن تولب.

[25] النحو الوافي ج4 ص334.

[26] النحو الوافي ج4 ص334.

علامة الفعل المضارع وأحكامه – 4

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين

 

علامة الفعل المضارع وأحكامه – 4

 

انتهى الكلام عن الفعل المضارع المبني والمعرب- المرفوع منه والمنصوب -، وبقي المجزوم لتكتمل حلقة الفعل المضارع وأحكامه.

يقال للجازم في اللغة: القاطع، والجازم هو العامل، والمجزوم هو المقطوع- أي: الفعل -، ويُجزم الفعل يعني تُـقطع حركته الأخيرة ويحل مكانها السكون، أو يقطع حرف العلة إن كان الفعل معلول الآخر، أو يجزم الفعل المضارع بحذف النون إذا كان من الأفعال الخمسة، فالأول نحو: (يضربُ) تقول: (لمْ يضربْ)، والثاني نحو: (يأتي) تقول (لمْ يأتِ) و(يَنْمو) تقول (لمْ يَنْمُ)، فتحذف حرف العلة وتضع الحركة المناسبة لحرف العلة على الحرف السابق، والثالث نحو: (يَضرِبون) تقول: (لمْ يَضرِبوا)، والخلاصة أن هناك ثلاث علامات للجزم: (السكون، وحذف حرف العلة، وحذف النون).

سيكون الكلام – بعون الله – على محاور ثلاثة: (ما يقلب زمن المضارع إلى ماضٍ، وما يقلب المضارع أمرا، والشرط).

 

ما يقلب زمن المضارع إلى المضي:

تم ذكر ست مواضع لقلب زمن المضارع إلى الـمُضيّ في مقالة (معنى الفعل المضارع ودلالاته)، والمراد هنا موضع واحد منهم، يقلب المضارع إلى ماضٍ ويجزمه، وهو اقترانه بـ (لمْ) و(لما):

  • لمْ:

وهو حرف نفي وجزم وقلب، يقلب زمن المضارع إلى الماضي، نحو قولك: (لمْ أحضر درس الأمس)، ونحو قوله تعالى: {أَشْرَكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا}[1]، وقوله تعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ}[2]، وقال سيبويه في كتابه[3] أنها لنفي (فَعَلَ)، فتسأل: (هل حَضَرَ زيدٌ الدرس؟)، فيأتي الجواب: (لمْ يحضَرْ).

وذكر الدكتور السامرائي[4] نقلا عن شذور الذهب والـمُغني ثلاث معانٍ لطيفة لـ (لمْ):

  • أن يكون المنفي مُنقطعا، نحو قوله تعالى: {لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا}[5]، ونحو قولك: (لم يحضرْ زيدٌ درس الأمس).
  • أن يكون متصلا بالحال، نحو قوله تعالى: {وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا}[6]، أي: لم أكُن ولا زلت.
  • أن يكون مستمرا، نحو قوله تعالى: {يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}[7]، {وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ}[8].
  • لـمَّا:

حرف نفي وجزم وقلب، يقلب زمن المضارع إلى الماضي، نحو قوله تعالى: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}[9]، {بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ}[10].

  • فائدة: تأتي لـمّا في ثلاث معانٍ: (حينيّة، وإلا، وجازمة).
    • لـمَّا الحينِيّة: تدخل على الفعل الماضي، بمعنى (حينَ)، وهي حرف عند سيبويه أنزلها بمنزلة (لو)، وظرف عند ابن السرّاج والفارسي وابن جني، نحو قوله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا}[11]، {وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ}[12]، وإعراضا عن الإطالة، تُطلب الزيادة في محلّها.
    • لـمَّا الإستثنائية: بمعنى إلا، مواضعها قليلة في اللغة، وتفيد الإستثناء، نحو قوله تعالى: {إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}[13]، وفيها تفصيل يُطلب في محله[14].
    • لـمَّا الجازمة: وهي محل البحث.
  • مواضع المشاركة في (لمْ) و (لـمَّا):
    • أربعة مواضع كما ذكرها ابن هشام[15]، وهي: الحرفية، والإختصاص بالمضارع، وجزمه، وقلب زمانه إلى المضي.

 

  • الفرق بين لمْ ولـمّا:

ذكر ابن هشام أربعة فروقٍ بين (لمْ) و (لـمَّا)، وزادت بعض الكتب فرقا خامسا، ومفادها:

  1. أنَّ المنفي بـ (لمْ) قد يكون منقطعا وقد يكون مستمرا، نحو قوله تعالى: {يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}[16] فالنفي يفيد الإستمرار، ونحو قوله تعالى: {لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا}[17] الذي يفيد النفي فيه الإنقطاع، بينما المنفي بـ (لـمَّا) يكون مستمر إلى زمان التكلم فقط، فلا يصح أن تقول: (لـمَّا ينجح ثم نجح)، ومن جهة أخرى إنْ قلتَ: (لـمَّا يَـمُتْ زيدٌ) كان المعنى أنه لمْ يَـمُتْ إلى زمن التكلّم، وإن قلتَ: (لمْ يَـمُتْ زيدٌ) كانت تحتمل أنه لم يَـمُتْ إلى زمن التكلّم أو لم يَـمُتْ في زمان ماضٍ ثم مات.
  2. أنَّ منفي (لـمَّا) قريب من الحال ولا يكون بعيدا، ولا يشترط ذلك في منفيّ (لمْ) الذي يكون قريبا أو بعيدا، فلا يصح قولك: (لـمَّا يكن مقيما قبل سنتين)، بينما يصح قولك: (لمْ يكن مقيما قبل سنتين).
  3. المنفيّ بـ (لـمَّا) فيه معنى التوقع، بينما (لمْ) ليس كذلك، فعندما تقول: (لمْ يأتِ زيد)، فيُفهم أن زيدا لمْ يأتِ ولكنه سيأتي، بخلاف قولك: (لـمَّا يأتِ زيد)، فإنها لا يُفهم منها أنَّ زيدا سأتي، قال تعالى: {بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ}[18]، والمعنى أنهم لمْ يذوقوا العذاب بعد، وسيذوقوه (والله أعلم).
  4. تقترن (لمْ) بأداة شرط، نحو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}[19]، {وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ}[20]، بعكس (لـمَّ) التي لا تقبل أداة الشرط.
  5. يجوز الإستغناء عن (لـمَّا) بذكر منفيّها إذا دلَّ عليه دليل، نحو: (قابت البلد ولـمَّا)، أي لـمَّا أدخله، بينما يقال ذلك في (لمْ).

 

ما يقلب المضارع إلى أمر:

وقد أوردتها بعض الكتب بعنوان (الطلب)، وذلك مردود لأن الطلب يشمل: (الإستفهام ، والتمني، والترجي، والعرض، والتحضيض وغير ذلك)، وتلك الأدوات لا تجزم إلا إذا اندرجت تحت عنوان الشرط، فالأصح قول: (ما يقلب المضارع إلى أمر) وتخصيص ذلك بـ (لام الأمر) و (لا الناهية):

  • لام الأمر:

وتُدعى (لام الطلب) كذلك، فإنها إذا دخلت على الفعل المضارع تُفيد الطلب، نحو قوله تعالى: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ}[21]، فـ {يُنفِقْ} مجزومة بلام الأمر وعلامة الجزم السكون.

وفي الأصل تُكسر (اللام) ، بينما تُسكَّن بعد (الواو) و (الفاء) نحو قوله تعالى: {فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي}[22]، وقد تُسكَّن بعد (ثم) نحو قوله تعالى: {ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ}[23]، وقرأتها قبيلة سليم بالفتح ليس لها محل من الإعراب.

وقد يكون الفعل المضارع مجزوما بـ (لام أمر) مقدرة إن كان يُفهَم من الفعل الطَّلَب، نحو قول أبو طالب (ع):

محمد تَفْدِ نفسك كلُّ نفسٍ               إذا ما خِفْتَ من أَمْرٍ تَبَالَا

والتقدير: لـتَفْدِ، والفعل مجزوم بلام مقدرة وعلامة الجزم حذف حرف العلة (الياء).

ويمكن استعمال – لام الأمر – للمتكلم نفسه، والغائب كذلك:

  • المتكلم نفسه:

نحو قولك: (لأشهدْ لديه) و (لأذهبْ إليه) و (قوموا لأُصَلِّ بكم)، ومنه قوله تعالى: {اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ}[24].

  • الغائب:

نحو قولك: (ليخبرْه عليٌّ بما حصل)، وتجد ذلك في قوله تعالى: {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ}[25]، ومن فروع الغائب (المبنيّ للمجهول)، نحو: (لتُخبَرْ بما جَرى) و (لأُعطَ حقّي).

  • فائدة: قد يتعطل الجزم في (لام الأمر) في بعض المواضع، نحو:
    • إذا كانت بمعنى الدعاء، نحو: (ليغفرَ الله لك).
    • إذا كانت بمعنى التهديد، نحو قوله تعالى: {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ}[26].
    • إذا كانت بمعنى الخبر، نحو قوله تعالى: {مَن كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا}[27].
  • فائدة ثانية: إذا جاء الأمر بصيغة غير مباشرة، وكان الفعل متصل بنون النسوة، يُقدَّم إعمال نون النسوة في الفعل المضارع، نحو قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ}[28]، فإن المعنى: ليتربصن، أي: أمر بالتربص، وكذلك قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ}[29].

 

  • لا الناهية:

تُستخدم لطلب الترك، نحو قوله تعالى: {لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ}[30]، {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}[31]، {لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}[32]، {وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ}[33].

ومن أساليب اللغة العربية أن يُنهى الفاعل ويكون المقصود غيره، نحو قولك: (لا أرَيَنَّكَ ههنا)، فالنهي للمتكلم نفسه، وبتفكيك الضمائر مع المسامحة: (لا أرى أنا زيد هنا)، كأنما القصد نهي نفسه عن الرؤية، ولكن المقصود هو المخاطب، والتقدير الصحيح: (لا تَكُنْ هنا حتى لا أراك)، ونحو قوله تعالى: {وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ}[34]، جاء إسناد الإعجاب للأموال، فالنهي للأموال، بينما المنهي في الواقع هو المخاطب.

وكذلك قوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ}[35]، فالنهي للشيطان، ولكن في الحقيقة للمخاطب.

فائدة: إذا جاء النهي بصيغة الخبر – لا بصيغة النهي المباشر -، فإنه يُرفع ولا يُجزم، نحو قولك مخاطبا أحدهم: (لا يُكرهُ أحدٌ في الدين)، وتجد ذلك واضحا في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ}[36]، {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ}[37].

وبناء على اللفتة الأخير تواجهنا مشكلة في مسألة أوردها بعض النحاة بدون علاج، فقد يخرج المجزوم بـ (لا الناهية) عن معنى النهي إلى معنى آخر، كالدعاء نحو: (لا يَفضضِ الله فاك)، والتهديد نحو قولك مخاطبا إبنك: (لا تقرأْ ولا تذهبْ إلى المدرسة) وأنت تقصد: ( إن لم تفعل سترى ما لا يُعجبك)، وكالتمني ومنه مخاطبة ما لا يعقل، نحو: (يا عَـيْـنَيَّ لا تجمدا).

وهنا تقع بين أمرين – مُقتَرحَيْن – لحل الإشكال:

إما تقول أنَّ النَّهي ما زال موجودا – ولو ضمنيا -، بِـحَيْث أنَّ المعنى مع تَغيّره بَـقِيَ نَهياً (مع ضميمة المعنى الآخر) والـمُراد الجدّي هو النَّهي.

وإما تقول أنَّ المعنى تغيَّر فِعليًّا ولكنه اندرج تحت جواب الشرط، وهو قسم آخر من الجوازم، فيبقى مجزوما كما هو ولكن السبب تغير، بحيث تُقدِّر معنى للجملة فيها شرطٌ وجوابه، وقد لَـمَّحَ لذلك سيبويه في (الكتاب) – بشكل جزئي – وذكر بعض الآراء المخالفة، وأيّدَهُ الدكتور السامرائي أيضا[38]، كما رفض عباس حسن[39] حل مشابه عَلَّلَّهُ بأنه قول الكوفيين وأنه يستلزم فوضى التعبير ويترتب عليه – بغير داع – اضطراب الفهم واختلافه، وخلاصة الكلام أن توسعة معنى الشرط وإدراج الجوازم تحته[40]، من شرط واضح أو ضمني هو الحل للمسألة أعلاه، ورسم التشجير في أعلى المقالة يوضح المقصد.

وسأتي الكلام إن شاء الله على الشرط في المقالة القادمة إن شاء الله.

 

والحمد لله رب العالمين

 

فواز سرحان

النجف الأشرف

8 مارس 2016

28 جمادى الأولى 1437

 

 

[1] سورة آل عمران: 151.

[2] سورة الأنفال: 17.

[3] كتاب سيبويه (الكتاب) ج1 ص460.

[4] معاني النحو ج4 ص8.

[5] سورة الإنسان: 1.

[6] سورة مريم: 4.

[7] سورة التوحيد: 3.

[8] سورة محمد: 15.

[9] سورة الحجرات: 14.

[10] سورة ص: 8.

[11] سورة آل عمران: 165.

[12] سورة القلم: 51.

[13] سورة الطارق: 4.

[14] انظر النحو الوافي ج2 ص282، والأشموني ج4 ص254 باب الجوازم عمد ذكره لـمّا الجازمة.

[15] قطر الندى ص115.

[16] سورة التوحيد: 3.

[17] سورة الإنسان: 1.

[18] سورة ص: 8.

[19] سورة المائدة: 67.

[20] سورة البقرة: 249.

[21] سورة الطلاق: 7.

[22] سورة البقرة: 86.

[23] سورة الحج: 15.

[24] سورة العنكبوت: 12.

[25] سورة النساء: 102.

[26] سورة الكهف: 29.

[27] سورة مريم: 75.

[28] سورة البقرة: 228.

[29] سورة البقرة: 233.

[30] سورة لقمان: 13.

[31] سورة التوبة: 40.

[32] سورة طه: 61.

[33] سورة القصص: 77.

[34] سورة التوبة: 85.

[35] سورة الأعراف: 27.

[36] سورة البقرة: 84.

[37] سورة البقرة: 88.

[38] معاني النحو ج4 ص11.

[39] النحو الوافي ج4 ص 310، الطبعة الأولى، مكتبة المحمدي بيروت.

[40] باستثناء ( لَمْ، ولـمَّا، ولا الناهية، ولام الأمر).

علامة الفعل المضارع وأحكامه – 3

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين

 

علامة الفعل المضارع وأحكامه – 3

 

تم ذكر المرفوع من المضارع والنواصب دونَ (أنْ) المصدرية وجوازم المضارع كذلك، ويُـختَم بذلك باب الفعل المضارع.

 

(أنْ) المصدرية:

قال ابن هشام: (وهي أمُّ الباب)، وقال: (ولأصالتها في النصب، عملت ظاهرة ومقدرة، بخلاف بقية النواصب، فلا تعمل إلا ظاهرة)[1].

والكلام في خمس محاور رئيسية: المعنى، وكونها ظاهرة، وبإعتبار ما يتقدمها، وجواز اضمارها، ووجوب اضمارها.

 

أولا: المعنى:

هو حرف مصدري يدخل على الفعل الماضي، نحو قوله تعالى: {أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَن كُنتُمْ قَوْمًا مُّسْرِفِينَ}[2]، والأمر، نحو: (ناصحته بأنْ استقم)، وعلى الفعل المضارع فينصبه (بشروط) ويصرفه للإستقبال، نحو قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ}[3]، والتقدير: (يُريدُ اللهُ التخفيف عنكم)، لكونها مصدرية، والله أعلم.

وذُكِرَ القيد بأنه حرف مصدري لتخريج (أنْ):

  • الـمُفَسِّرة: وهي التي تقع في بداية الجملة، مُفسِّرة لما قبلها، نحو قوله تعالى: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا}[4].
  • الزَّائدة: ولها عدة مواضع، منها الواقعة بين (القسم) و (لو)، نحو: (أُقسِمُ باللهِ أنْ لوْ يأتيني عليٌّ لأُكرِمنَّه)، ومنها الزائدة التي تقع بعد (لـمّا) الزمانية – ذكرها الكرباسي في تعليقته على القطر[5] -، نحو قوله تعالى: {وَلَمَّا أَن جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ}[6].

 

ثانيا: (أنْ) المصدرية وكونها ظاهرة:

وبعدها يُنصب الفعل المضارع، نحو قوله تعالى: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ}[7]، وذُكِرَ في بعض الكتب وجوب إظهار (أنْ) إذا وقعت بين (لام) الجر و (لا) النافية أو الزائدة:

  • مثال الأول قوله تعالى: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}[8]، فـ {لِئَلاَّ} مكونة من (لام) الجر و (أنْ) الناصبة و (لا) النافية.
  • مثال الثاني قوله تعالى: {لِئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ}[9]، يقول الدكتور السامرائي: (أي: ليعلم أهل الكتاب، فـ “لا” زائدة للتأكيد، ولو جُعلت نافية لفسد المعنى)[10]، وفي اطلاق تسمية زائدة نظر لا يخلو من إشكال.

 

ثالثا: حكم (أنْ) بإعتبار ما يتقدمها:

حكم أن بلحاظ ما يسبقها

ولها بهذا الإعتبار حالتان:

  • أن يسبقها فعل من أفعال اليقين: (عَلمَ، ورَأى، ووَجَدَ، ودَرَى، وألفى، وتعلّم).

ويتعيّن رفع الفعل هنا، لأنها مخففة من الثقيلة (أنَّ)، أي تنصب الإسم وترفع الخبر، ولكنها حين خُفِّفت “تم حذف اسمها” وبقي خبرها مرفوعا (الفعل والفاعل)، نحو قولك: (علمت أنْ يقومُ) والتقدير (أنه يقوم)، وتجد ذلك في قوله تعالى: {عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى}[11].

وفي هذه الحالة يتعين رفعها كما يتعين فصلها عن الفعل بأحد الأحرف الأربعة: (حرف التنفيس، وحرف النفي، وقد، ولو)، نحو:

قوله تعالى: {عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى}[12]، وهو المثال السابق.

قوله تعالى: {أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلا وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا}[13].

قولك: (علمتُ أن قد يقومُ زيدٌ).

قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاء اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا}[14]، وقال بعض المفسرّون أن المعنى: (أفلا يعلمون) على لغة (النَّخَع) و (هَوازِن)[15].

  • أن يسبقها فعل من أفعال الظن والرجحان، مثل: (ظنَّ، وحَسِبَ، وخالَ، وزَعَمَ، وعَدَّ، وحجا، وهَبْ).

ويجوز في هذه الحالة الرفع والنصب، كما سيأتي بيانهما:

  • الرفع: والتقدير جَعْل (أنْ) مخففة كما إذا سبقها العلم، ويُحذف اسمها ويبقى خبرها مرفوعا (الفعل والفاعل).
  • النصب: وإعمالها ناصبة للمضارع، ويقول ابن هشام أنه الأرجح[16]، لذلك قُرأت: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ}[17] على النصب.

بينما قُرأت: {وَحَسِبُواْ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ}[18] على الوجهين.

وذكر ابن مالك في أرجوزته رأيا بإهمال (أنْ) المصدرية حملا على أختها (ما) المصدرية:

وَبَعْضُهُمْ  أَهْمَلَ  أَنْ  حَمْلاً  عَلَى          مَا  أخْتِهَا  حَيْثُ  اسْتَحَقَّتْ  عَمَلاَ

وإنْ لم يسبق أنْ (علم) ولا (ظن)، تعيّن نصب الفعل المضارع بعدها، نحو قوله تعالى: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ}[19]، كما كان المثال في أول المقالة.

 

رابعا: جواز إضمار (أنْ):

جواز إضمان أن

ذكروا أنه يمكن نصب الفعل المضارع بأنْ مضمرة في المواضع التالية:

  1. أن تقع بعد عاطف مسبوق بإسم خالص من التقدير بالفعل، بمعنى أنه غير مقصود به معنى الفعل، أي اسم جامد غير مشتق ولا في تأويل الفعل، كالمصدر وغيره، نحو قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا}[20]، فـ {يُرْسِلَ} منصوبة بأنْ مضمرة جوازا، و(أنْ) والفعل معطوفان على {وَحْيًا} الذي هو اسم صريح، والمعنى: (إلا وحيا أو إرسالَ رسول)[21]، وخصص الشيخ الكرباسي العاطف بأربعة حروف فقط: (الواو، أو، الفاء، ثم) دون غيرهم فراجع تعليقته على القطر[22].
  2. أن تقع بعد لام الجر ولم تصحبها (لا) النافية، لأنها حينئذ تُضمر وجوبا، وجواز إضمار (أنْ) بعد اللام على ثلاث ضُروب:
    • اللام للتعليل: ويكون ما بعدها علة لما قبلها، نحو قولك: (سافرت لأطلب العلم) ويجوز (سافرت لأن أطلب العلم)، وذلك في قوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ}[23].
    • اللام للعاقبة: ويكون ما بعدها عاقبة لما قبلها ونتيجة له، نحو قوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا}[24].
    • اللام الزائدة للتأكيد: ذكره بعض النحاة وتقع بعد فعل متعدٍّ، نحو قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}[25]، وفي تسميتها زائدة في هذا الموضع تأمل، فراجع كتب التفسير، لأنها ظاهرا (لام) بمعنى (كيْ) والله أعلم.

 

خامسا: وجوب إضمار (أنْ):

وجوب إضمار أن

بقي المحور الأخير من محاور (أنْ) المضمرة، وفيه إضمار (أنْ) وجوبا، وذلك بعد أربع مواضع:

الأول: بعد حتّى:

يكون الفعل بعد (حتّى) منصوبا تارة، ومرفوعا أخرى:

الفعل بعد حتى

أولا: النصب بعد حتّى:

ويُشترط أن تكون مستقبلة بالنسبة إلى ما قبلها، سواء كان مستقبلا بالنسبة إلى زمن التكلم أو لا.

مثال الأول قوله تعالى: {قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى}[26]، فإن الفعل {يَرْجِعَ} مستقبل بالنسبة إلى القولين، قول {لَن نَّبْرَحَ} و {حَتَّى}.

مثال الثاني قوله تعالى: {وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ}[27]، أما هنا فقول الرسول كان ماضيا بالنسبة إلى زمن الإخبار، إلا أنه مستقبل بالنسبة إلى زلزالهم.

وتأتي (حتّى الناصبة) بثلاث معانٍ: (كي ، إلى، إلا أنْ):

    • حتّى بمعنى (كيْ): أي بمعنى (التعليل) نحو قولك: (ناديته حتّى يخرجَ من البيت)، وذلك في قوله تعالى: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا}[28]، فـ {يَنفَضُّوا} فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد حتّى وعلامة نصبه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة.
    • حتى بمعنى (إلى): أي بمعنى (انتهاء الغاية)، نحو قولك: (سأصلِّيى حتّى تطلعَ الشمس)، وذلك في قوله تعالى: {قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى}[29]، فـ {يَرْجِعَ} فعل مضارع منصوب بـ (أنْ) مضمرة وجوبا بعد حتّى، و (أن) والفعل {يَرْجِعَ} في تأويل مصدر مجرور بحتّى.
    • حتّى بمعنى (إلا أنْ): أي بمعنى (الإستثناء)، نحو قولك: (لا يستقيم إيمان عبدٍ حتى يستقيمَ قلبه).

ثانيا: الرفع بعد حتّى:

أورد ابن هشام هذه الشروط الثلاثة لرفع الفعل المضارع بعد حتّى[30]:

    • أن يكون مسببا لما قبلها، لذلك امتنع الرفع في: (سِرتُ حتّى تطلعَ الشمس)، لأن السير لا يكون سببا لطلوع الشمس.
    • أن يكون زمن الفعل الحال لا الإستقبال، بخلاف شرط النصب، والحال يكون على نحوين أيضا: (تحقيقا، تقديرا)، فالمثال (سِرتُ حتّى أدخلها) يكون تحقيقا إذا كان يقولها حالة الدخول، بينما يكون تقديرا إذا كان دخلها ويقولها حكاية، ولذك قرأ نافع الآية بالرفع: {وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولُ الرَّسُولُ }[31]، لأن الزلزال والقول قد مضيا.
    • أن يكون ما قبلها تاما، لذلك امتنع الرفع في: (كان سَيْري حتّى أدخلها) إذا حُملت كان على النقصان لا على التمام.

 

الثاني: بعد أو:

إذا جاءت (أنْ) المصدرية بعد (أو) التي بمعنى (إلى) أو (إلا) يرفع الفعل المضارع.

    • مثال الأولى “بمعنى إلى”: (لَألْزَمَنَّكَ أو تَقضِيَني حقي)، أي: إلى أن تقضيَني حقي، قال الشاعر:

لأسْتَسْهِلَنَّ الصَّعْبَ أوْ أبْلُغَ الـمُنى       فَما انقادَت الآمالُ إلا لصابرِ

    • مثال الثانية “بمعنى إلا”: (لأقـتُـنلَنَّ الكافر أو يُسلمَ)، أي: إلا أنْ يُسلمَ، قال الشاعر:

وكنتُ إذا غَمَزْتُ قناةَ قومٍ               كسرتُ كُعُوبَها أوتستقيما

 

الثالث: بعد فاء السببية:

وتُـفيد أن ما قبلها سبب لما بعدها، وتأتي بعد (نفي محض) أو (طلب محض)، والتفصيل كما سيأتي:

  • نفي محض:

نحو قوله تعالى: {لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا}[32]، والنصب هنا بحذف النون لأنه من الأفعال الخمسة، ونحو قولك: (ما تأتينا فـتُـحدّثنا)، وكان الشرط بكونه (محضا) احترازا من نحوين:

    • قولك: (ما تزال تأتينا فـتُـحدّثُنا)، تعيّن الرفع لأن (زال) للنفي ودخل عليها (ما) النافية، ونفي النفي إثبات، والخلاصة أنه ليس بنفي محض.
    • قولك: (ما تأتينا إلا فـتُـحدّثُنا)، تعيّن الرفع كذلك لإنتقاض النفي بـ (إلا) فكان النفي ليس محضا.
  • طلب محض:

يشمل الطلب: (الأمر، والنهي، والتمني، والترجي، والدعاء، والإستفهام، والعرض، والتحضيض) وذكر ابن هشام في القطر: (الأمر، والنهي، والتحضيض) فقط.

    • الأمر: نحو قولك: (اصنع المعروف فتنالَ الشكر).
    • النهي: نحو قولك: (لا تأكل كثيرا فـتسمنَ)، وذلك في قوله تعالى: {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ}[33].
    • التمني: نحو قوله تعالى: {يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا}[34].
    • الترجي: نحو قوله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ () أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى}[35].
    • الدعاء: نحو قولك: (رَبِّي انصرني فلا أُخذلَ)، وقوله تعالى: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ}[36].
    • الإستفهام: نحو قولك: (أين بيتك فأزوركَ؟)، وقوله تعالى: {فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا}[37].
    • العرض: وهو الطلب بلين ورفق، نحو قولك: (ألا تؤمن بالمعاد فَـتُصيبَ خيرا كثيرا).
    • التحضيض: نحو قولك: (هلّا تزورنا فَـتُحدّثَنا)، وقوله تعالى: {لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ}[38].

 

الرابع: بعد واو المعية:

وهي التي تفيد حصول ما قبلها مع ما بعدها، أي: بمعنى (مع)، وتفيد المصاحبة، نحو: (لا تأكلِ السمكَ وتشربَ اللبن)، فتنصب (تشربَ) إذا قصدت النهي عن الفعلين معا، فالواو هنا (واو معية)، أما إذا أردت النهي أكل السمك والنهي عن شرب اللبن، كل واحد لوحده، فـتجزم (تشربْ) لأن الواو تكون (واو عاطفة) ولا تعمل للنصب، وقرأ حمزة وابن عامر وحفص قوله تعالى: {يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[39] بفتح {نَكُونَ}.

 

والحمد لله رب العالمين

 

فواز سرحان

النجف الأشرف

1 مارس 2016

21 جمادى الأولى 1437

 

 

[1] قطر الندى وبل الصدى ص85 – طبعة ذوي القربى الطبعة الخامسة.

[2] سورة الزخرف: 5.

[3] سورة النساء: 28.

[4] سورة المؤمنون: 27.

[5] قطر الندى وبل الصدى ص86 – طبعة ذوي القربى الطبعة الخامسة.

[6] سورة العنكبوت: 33.

[7] سورة الشعراء: 82.

[8] سورة النساء: 165.

[9] سورة الحديد: 29.

[10] النحو العربي ج2 ص430، للدكتور فاضل السامرائي، الطبعة الأولى 2014، دار ابن كثير.

[11] سورة المزمل: 20.

[12] نفس الآية السابقة.

[13] سورة طه: 89.

[14] سورة الرعد: 31.

[15] قطر الندى وبل الصدى ص87 – طبعة ذوي القربى الطبعة الخامسة.

[16] قطر الندى وبل الصدى ص89 – طبعة ذوي القربى الطبعة الخامسة.

[17] سورة العنكبوت: 2.

[18] سورة المائدة: 71.

[19] سورة الشعراء: 82.

[20] سورة الشورى: 51.

[21] النحو العربي ج2 ص430، للدكتور فاضل السامرائي، الطبعة الأولى 2014، دار ابن كثير.

[22] قطر الندى وبل الصدى ص89 – طبعة ذوي القربى الطبعة الخامسة.

[23] سورة النحل: 44.

[24] سورة القصص: 8.

[25] سورة الأحزاب: 33.

[26] سورة طه: 91.

[27] سورة البقرة: 214.

[28] سورة المنافقون: 7.

[29] سورة طه: 91.

[30] قطر الندى وبل الصدى ص97 – طبعة ذوي القربى الطبعة الخامسة.

[31] سورة البقرة: 214.

[32] سورة فاطر: 36.

[33] سورة الأنفال: 46:

[34] سورة النساء: 37.

[35] سورة غافر: 36-37.

[36] سورة يونس: 88.

[37] سورة الأعراف: 53.

[38] سورة المنافقون: 10.

[39] سورة الأنعام: 27.

علامة الفعل المضارع وأحكامه – 2

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين

 

علامة الفعل المضارع وأحكامه – 2

 

تمَّ ذِكرُ علامة الفعل المضارع وأحكام المبني منه في المقالة السابقة، وبقي ذِكرُ المعرب منه، المرفوع والمنصوب والمجزوم.

سؤال: متى يُعرب الفعل المضارع؟

الجواب: يعرب إذا لم تتصل به نون النسوة أو نون التوكيد.

 

أولا: الرفع:

سؤال: متى يُرفع الفعل المضارع؟

الجواب: يُرفع إنْ لم يسبقه ناصب ولا جازم، ولم تتصل به نون النسوة أو التوكيد.

مثال على الرفع: قال تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}[1]، وتقول: يَـقومُ زيدٌ.

وذكر البعض أن الأصل في الفعل المضارع هو الرفع لخلوِّه من العوامل.

إن كان الفعل الضارع مفردا، فهو على قسمين، صحيح الآخر ويُرفع بالضمة الظاهرة، ومعتل الآخر ويُرفع بالضمة المقدرة، نحو قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}[2]، فـ {يَدْعُو} و {وَيَهْدِي} مرفوعان بالضمة المقدرة، وإن كان مُثنّى أو جمع أو اتصلت به ياء المخاطبة، فيُرفع بثبوت النون، نحو: (يَضْرِبان، يَضْرِبون، تَضْرِبين).

واختلف النَّحويون في رافع المضارع، فقال الفراء وأصحابه أن تجرّده من الناصب والجازم هو نفس رافعه وأيّده ابن هشام في القطر[3]، وقال الكسائي حروف المضارعة، وهو مردود لأن أحرف المضارعة جزء من الكلمة، والعامل لا بد أن يكون خارجيا، وقال ثعلب مضارعته للإسم وهو مردود أيضا لأن ذلك يستلزم الرفع في كل الحالات، فراجع قطر الندى للزيادة.

 

ثانيا: النصب:

نواصب الفعل المضارع

علامة النصب الأصلية هي الفتحة، ويُنصب الفعل المضارع بالفتحة سواء كان (سليم الآخر) أم (معتل الآخر) بالواو أو الياء، نحو قوله تعالى: {لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ}[4] {لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا}[5] {لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ}[6]، أو بالفتحة الـمُقدرة إن كان معتل الآخر بالألف للتعذر، نحو (عليك أن تسعى إلى الخير)، أو بحذف النون إن كان من الأفعال الخمسة، نحو قوله تعالى: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}[7].

 

حروف النصب:

لنْ:

وهو حرف نفي ونصب واستقبال، فعندما يدخل على المضارع يقلبه للإستقبال، وللفائدة أن (لنْ) نقيضة (سوف) كما أفاد الدكتور السامرائي[8]، فلا يصح استعمالهما كما هو شائع اليوم، نحو: (سوف لن أفعل) أو (سوف لا أعمل).

قال الزمخشري في أنموذجه أنَّ (لنْ) تفيد التأبيد، واستدلّ بقوله تعالى: {فَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ}[9] {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ}[10]، والواقع بخلاف ما قال، فهي تفيد النفي في الإستقبال حتى لو كان منقطعا، نحو قوله تعالى: {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا}[11]، ويُفيد يوم واحد فقط، وقوله تعالى: {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاثَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُنزَلِينَ}[12]، ويفيد هنا وقت المعركة فقط.

 

كيْ المصدرية:

وهو حرف مصدري ونصب واستقبال، ويشتط في عمله أن تسبقه (لام التعليل) لفظا أو تقديرا، نحو قوله تعالى: {فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ}[13]، وقولك: (زَجرتهُ كَيْ يَستَقيم)، والتقدير لكي يستقيم، ومثله مثل (أنْ) المصدرية، تُجعل مع ما بعدها في تأويل مصدر، نحو قولك: (كلّمتك لكي أسألك)، والتأويل كلّمتك لأسألك.

 

إذنْ:

كتابتها بالنون مشهورة، وكتبها البعض بالألف، وآخرون بالنون إن كانت عاملة وبالألف إن كانت غير عاملة، واختُلِفَ في كونها اسم أم حرف، وذهب الجمهور أنها حرف[14].

يقول الدكتور السامرائي: (حرف نصب وجواب وجزاء واستقبال)[15]، تقول: (سأزورك)، فـيُجيبك: (إذنْ أحسنَ إليك)، فالإجابة والإحسان جزاء لزيارتك، فهو هنا جوابا وجزاء.

أمّا إن تمحضت الجواب، فإنها لا تعمل، نحو قولك لأخيك: (أنا أحبك)، فـيُجيبك: (إذنْ أظنُّك صادقا)، والفعل هنا مرفوع لكونه جوابا، وليس جزاءً لقولك: (أنا أحبك).

وذكروا لها ثلاث شروط لعملها كناصبة:

  1. أنْ يكون الفعل مستقبلا، غير دالّاً على الحال، فلو قُلتَ: (إنّي أعزّك)، وقال: (إذنْ تصدقُ)، كانت مرفوعة لأن القصد ملازم للحال.
  2. أن يكون في في صدر الجملة، نحو قولك: (سأزورك)، فيكون الجواب: (إذنْ أكرمَك)، وإلا فهي ملغية وذلك على ثلاث حالات:
    1. أن يكون ما بعدها خبرا لما قبلها، نحو: (أنا إذنْ أناصِحُك)، و (إنّي إذنْ تاركُك)، فهي بمنزلة كلمة معترضة، ويبطل عملها.
    2. أن يكون جزاء للشرط الذي قبلها، فينقلب الفعل مجزوما، وسيأتي عليه الكلام في جوازم المضارع، نحو: (إن تأتني إذنْ أكرمْك).
    3. أن يكون جوابا للقسم الذي قبلها، نحو: (والله إذنْ أكرمُك)، فالفعل هنا مرفوع لعدم سبقه بناصب أو جازم، وكذلك: (والله إذنْ لأفعلَنَّ)، والفعل هنا ليس بمنصوب ولكنه مبني على الفتح لإتصاله بنون التوكيد.
  3. أن لا يفصل بينها وبين الفعل غير القسم، نحو قولك: (سأزورك)، فـيُجيب: (إذنْ والله أكرمَك)، ولو جاء فاصل غير القسم كانت مهملة، وهذا رأي المشهور.

واختلف العلماء في ثلاث مواضع للفصل، بأن تكون (إذنْ) عاملة ناصبة أو لا:

  1. إذا كان الفصل بالنداء، نحو: (إذن يا زيدُ)، فيكون الرد: (أكرمُك) (أكرمَك).
  2. إذا كان الفصل بالجار والمجرور، نحو: (إذنْ في الدارِ “أكرمُك” ” أكرمَك”).
  3. إذا كان الفصل بظرف، نحو: (إذنْ قبل الغروب “أكرمُك” “أكرمَك”).

وذكر ابن مالك في أرجوزته مسألة تفيد التخيير في إعمال (إذنْ) أو إهمالها إن كان ما قبلها واواً أو فاء، نحو: (أنا أزورك وإذنْ “أنفعُك” ” أنفعَك”) وكذلك: (أنا أزورك فإذنْ “أنفعُك” ” أنفعَك”)، وهو قوله في:

وَنَصَبُوَا      بِإِذَنِ      المُسْتَقْبَلاَ                         إِنْ  صُدِّرَتْ  وَالفِعْلُ بَعْدُ مُوصَلاَ

أَو  قَبْلَهُ  اليَمِيْنُ  وَانْصِبْ وَارْفَعَا                        إِذَا   إِذَنْ  مِنْ  بَعْدِ  عَطْفٍ  وَقَعَا

 

ويأتي الكلام على الحرف الرابع من النواصب (أنْ) والجوازم إن شاء الله.

 

والحمد لله رب العالمين

 

فواز سرحان

23 فبراير 2016

14 جمادى الأولى 1437

 

[1] سورة البقرة: 216.

[2] سورة يونس: 25.

[3] قطر الندى وبل الصدى – ابن هشام ص79، طبعة ذوي القربى الطبعة الخامسة

[4] سورة طه: 91.

[5] سورة الكهف: 14.

[6] سورة آل عمران: 10.

[7] سورة آل عمران: 92.

[8] النحو العربي ج2 ص423، للدكتور فاضل السامرائي، الطبعة الأولى 2014، دار ابن كثير.

[9] سورة البقرة: 80.

[10] سورة الحج: 73.

[11] سورة مريم: 26.

[12] سورة آل عمران: 124.

[13] سورة طه: 40.

[14] راجع تعليقة الشيخ الكرباسي رحمه الله على قطر الندى ص82.

[15] النحو العربي: ج2 ص424.