- الليلة الثامنة والعشرون - 29 مارس,2025
- الليلة السابعة والعشرون - 28 مارس,2025
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
يا مَوْلايَ أَنْتَ الَّذِي مَنَنْتَ، أَنْتَ الّذِي أَنْعَمْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَحْسَنْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَجْمَلْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَفْضَلْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَكْمَلْتَ، أَنْتَ الَّذِي رَزَقْتَ، أَنْتَ الَّذِي وَفَّقْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَعْطَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَغْنَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَقْنَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي آوَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي كَفَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي هَدَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي عَصَمْتَ، أَنْتَ الَّذِي سَتَرْتَ، أَنْتَ الَّذِي غَفَرْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَقَلْتَ، أَنْتَ الَّذِي مَكَّنْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَعْزَزْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَعَنْتَ، أَنْتَ الَّذِي عَضَدْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَيَّدْتَ، أَنْتَ الَّذِي نَصَرْتَ، أَنْتَ الَّذِي شَفَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي عافَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَكْرَمْتَ، تَبارَكْتَ وَتَعالَيْتَ، فَلَكَ الحَمْدُ دائِماً، وَلَكَ الشُّكْرُ وَاصِباً أَبَداً، ثُمَّ أَنا يا إِلهِي المُعْتَرِفُ بِذُنُوبِي فَاغْفِرْها لِي.
قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الحاقة: {وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ}.
اليقين هو أعلى مراتب العلم، فإن أعلى مراتب العلم الذي يصل إليه العبد بالله عز وجل هو اليقين وهو العلم الثابت، الذي لا يتزلزل ولا يزول، وهو بهذا المعنى أشرف صفات النفس وأعلاها وأفضلها وأسماها، وإن النصوص الواردة عن أهل البيت عليهم السلام في المقام ما يغني عن كل شيء، فقد ورد أن اليقين أفضل من الإيمان ، فإن الإيمان فوق الإسلام، والتقوى فوق الإيمان، واليقين فوق التقوى، فما من شيء أعز من اليقين.
روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: إنّ الإيمان أفضل من الاسلام، وإنّ اليقين أفضل من الإيمان، وما من شيء أعزّ من اليقين.
فمتى ازدهرت النفس باليقين، واستنارت بشعاعه الوهّاج، عكست على ذويها ألواناً من الجمال والكمال النفسيين، وتسامت بهم الى أوج روحي رفيع، يتألقون في آفاقه تألق الكواكب النيرة، ويتميزون عن الناس تميز الجواهر الفريدة من الحصا.
روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: أيها الناس! سلوا الله اليقين، وارغبوا إليه في العافية، فإن أجل النعمة العافية، وخير ما دام في القلب اليقين، والمغبون من غبن دينه، والمغبوط من غبط يقينه.
وروي عن الإمام علي (عليه السلام) قال: عباد الله! إن من أحب عباد الله إليه عبدا أعانه الله على نفسه، فاستشعر الحزن، وتجلبب الخوف، فزهر مصباح الهدى في قلبه… قد أبصر طريقه، وسلك سبيله، وعرف مناره، وقطع غماره، واستمسك من العرى بأوثقها، ومن الحبال بأمتنها، فهو من اليقين على مثل ضوء الشمس.
كربلاء يقين الشهداء، كان أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) من طراز فريد قلّما يجود الدهر بأمثالهم، رجال بلغوا أعلى درجات الكمال والوعي والبصيرة, موفورو الإيمان على أتم الاستعداد لبلوغ أعلى ما يشهده المؤمن الكامل اليقين، وكان قتالهم مع الإمام الحسين (عليه السلام) نابع عن عقيدة خالصة لا تشوبها شائبة، ودخلوا الحرب وهم يعلمون أنهم سينالون الشهادة ، وتيقنت أنفسهم بالموت مع الإمام الحسين (عليه السلام)، فقد أوقفهم الإمام (عليه السلام)على مصيرهم معه بقوله عليه السلام: خُط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني الى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخير لي مصرع أنا لاقيه، كأني بأوصالي تقطّعها عُسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملأن مني أكراشاً جوفاً وأكرشةً سغباً لا محيص عن يوم خُط بالقلم.
رغم أنه (عليه السلام) خيّرهم بين البقاء معه أو تركه إن شاءوا، بل أنه (عليه السلام) طلب منهم النجاة بأنفسهم في أكثر من مقام، ومنزل نزل به في طريقه إلى كربلاء، في خطاب جمعي وفردي، توحّد مضمونه وتنوع أسلوبه في أصحابه (عليه السلام).
هؤلاء اكتملت فيهم عظمة النفوس، واجتمعت بهم غر الصفات العظيمة النبيلة، فتأمل يا عزيز إلى بعض ما ورد عنهم: كلام زهير بن القين، حيث قال:
وَاللّهِ، لَوَدِدتُ أنّي قُتِلتُ، ثُمَّ نُشِرتُ، ثُمَّ قُتِلتُ حَتّى اُقتَلَ كَذا ألفَ قَتلَةٍ، وأنَّ اللّهَ يَدفَعُ بِذلِكَ القَتلَ عَن نَفسِكَ وعَن أنفُسِ هؤُلاءِ الفِتيَةِ مِن أهلِ بَيتِكَ.
وكلام سعيد بن عبد اللّه الحنفي مخاطباً الإمام عليه السلام:
وَاللّهِ، لَو عَلِمتُ أنّي اُقتَلُ، ثُمَّ اُحيا، ثُمَّ اُحرَقُ حَيّا، ثُمَّ اُذَرُّ، يُفعَلُ ذلِكَ بي سَبعينَ مَرَّةً ما فارَقتُكَ حَتّى ألقى حِمامي دونَكَ، فَكَيفَ لا أفعَلُ ذلِكَ! وإنَّما هِيَ قَتلَةٌ واحِدَةٌ، ثُمَّ هِيَ الكَرامَةُ الَّتي لَا انقِضاءَ لَها أبَدا؟!
ومن تتبع مواقفهم في يوم كربلاء فإنه لا يجد لإخلاصهم ووفائهم وثباتهم نظيراً في التاريخ البشري، ويدل على ذلك قول الإمام الحسين فيهم: (والله لقد بلوتهم فما وجدت فيهم إلا الأشوس الأقعس يستأنسون بالمنية دوني استئناس الطفل بمحالب أمه).
ونحن في هذه الأيام والليالي المباركة نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.
جاء في جملة من روايات الواردة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) تصور لنا حركة الإمام المهدي (عليه السلام) بعد الظهور المبارك حيث أشارت إلى أنه (عليه السلام) كما في رواية عمرو بن شمر عن الإمام أبي جعفر عليه السلام، قال: ذكر المهدي، فقال: يدخل الكوفة وبها ثلاث رايات قد اضطربت، فتصفو له ويدخل حتى يأتي المنبر فيخطب فلا يدري الناس ما يقول من البكاء، فإذا كانت الجمعة الثانية سأله الناس أن يصلي بهم الجمعة، فيأمر أن يخط له مسجد على الغري ويصلي بهم هناك، ثم يأمر من يحفر من ظهر مشهد الحسين عليه السلام نهرا يجري إلى الغريين حتى ينزل الماء في النجف، ويعمل على فوهته القناطير والأرحاء، فكأني بالعجوز على رأسها مكتل فيه بر تأتي تلك الإرحاء فتطحنه بلا كرى.
وبما ذكر القندوزي أن من أمارات خروجه (عليه السلام) مناد ينادي: ألا إن صاحب الزمان قد ظهر، وهو في ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان، فلا يبقى راقد إلا قام، ولا قائم إلا قعد، وإنه يخرج في شوال في وتر من السنين، ويبايعه بين الركن والمقام ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا من الاخيار، كلهم شبان لا كهل فيهم، ويكون دار ملكه الكوفة، ويبنى له في ظهر الكوفة مسجد له ألف باب.
ورد في زيارة الناحية المنسوبة للإمام الحجة المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف: السلام عليك يا جدّاه، لأن أخرتني الدهور، وعاقني عن نصرك المقدور، ولم أكن لمن حاربك محارباً ولمن نصب لك العداوة ناصباً، لأندبنّك صباحاً ومساء، ولأبكين عليك بدل الدموع دماً.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.