الليلة التاسعة عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

روي عنه عليه السلام في دعائه: ثُمَّ مَا صَرَفْتَ وَدَرَأْتَ عَنِّي اَللَّهُمَّ مِنَ الضُرِّ وَالضَّرّاءِ أَكْثَرْ مِمَّا ظَهَرَ لِي مِنَ الْعَافِيَةِ وَالسَّرّآءِ، وَاَنَا اَشْهَدُ يَا اِلهِي بِحَقِيقَةِ اِيمَانِي.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة يونس:(قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّه).

وقال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة البقرة:(إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ).
من أصول الايمان أن نعتقد أن الله تعالى حكيم في جميع أفعاله، لا يفعل شيئاً إلا لحكمة تامة، علمها من علم، وجهلها من جهل، ومن ذلك درؤه الضر والضراء عن عباده في جميع الأحوال أكثر مما اظهر لهم العافية ، وكل ذلك ذكره في كتابه الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وآله وأمثلة ذلك كثيرة.
روي عن الإمام علي (عليه السلام) قال: إن لله سبحانه سطوات ونقمات، فإذا نزلت بكم فادفعوها بالدعاء، فإنه لا يدفع البلاء إلا الدعاء.

ان الانسان هو جزء من الحياة يتحرك كالحياة حركة دائمة مستمرة بدءا من الولادة والطفولة والشباب متنقلاً إلى الرجولة والكهولة إلى الشيخوخة، وخلال هذه المراحل يتقلب ما بين السراء والضراء وما بين العافية والابتلاء، فيعلم أن الله بعنايته الخاصة في جميع مراحل الإنسان يدفع عنه الضر والضراء التي تؤذيه.

روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: إنّ الشياطين على المؤمنين أكثر من الزنابير على اللحم، ثمّ قال (عليه السلام) _ هكذا بيده _: إلّا ما دفع الله.

إن كل الوجود بما فيه من دفع كل ضر وضراء، ومنفعة وعافية، من عالم الغيب والشهادة ، هو فيض من كرم الله سبحانه وتعالى، وإن الجميع حاضرون عنده بلا تفاوت وكلهم مظهر مشيئته.

روي عن الإمام الرضا(عليه السلام)قال: (خلق الله المشيئة بنفسها ثمّ خلق الأشياء بالمشية)فإنّ خلق المشيئة بنفسها، أنّه لا يحتاج إلى مشيئة أُخرى، بل في حال خلقه لتلك المشيئة انتزعنا من هذا الفعل الذي صدر منه تعالى صفة، وهي: كونه تعالى شائياً.

روي عن الامام الباقر (عليه السلام)قال: إنّ لله تبارك وتعالى ضنائن من خلقه يغذوهم بنعمته، ويحبوهم بعافيته، ويدخلهم الجنّة برحمته، تمرّ بهم البلايا والفتن مثل الرياح ما تضرّهم شيئاً.

إن حضور القلب من الأمور المهمة في باب العبادات، فهو روح العبادة، والعبادة من دون حضور القلب غير مجدية، ولا تقع مقبولة في ساحة الحق المتعالي، لأهمية العبادات ولا يتيسر إلا عند استيعاب أسرارها وحقائقها، فيكون الايمان شرط ذلك ،وقد سُئل أمير المؤمنين عليه السلام عن الإيمان ، فقال : الإيمان معرفة بالقلب ، وإقرار باللسان ، وعمل بالأركان.

ومن أهم الحقائق الهامّة التي تميز الإيمان الصادق عن الزائف مما يروى عن زر بن حبيش قال : رأيت أمير المؤمنين عليه السلام علىٰ المنبر فسمعته يقول : والذي فلق الحبّة وبرء النسمة ، أنّه لعهد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إليّ أنّه لا يحبّك إلّا مؤمن ولا يبغضك إلّا منافق .

إذا فالإمام علي وأهل بيته عليهم السلام رمز الإيمان وعلامة الطهر وعليه فمن أحبّهم فقد وجد في قلبه حقيقة الإيمان ، فهم مصابيح الدجىٰ وأعلام الهدىٰ من أحبّهم ذاق طعم الإيمان.

روي عن الامام الصادق (عليه السلام) قال: شهادة أن لا إله إلاّ الله ، وأنَّ محمداً رسول الله ، والإقرار بما جاء به من عند الله ، وصلاة الخمس ، وأداء الزكاة ، وصوم شهر رمضان ، وحجّ البيت ، وولاية وليّنا ، وعداوة عدّونا ، والدخول مع الصادقين .

ونحن في هذه الأيام والليالي الحزينة بشهادة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.
روي في سنة أربعين للهجرة اجتمع ثلاثة من الخوارج وبكوا قتلى النهروان، وتعاهدوا على قتل أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وعمرو بن العاص ومعاوية في ليلة واحدة، وتعهّد ابن ملجم بقتل أمير المؤمنين (عليه السلام)، ودخل الكوفة لهذا الغرض، ونفّذ عهده بمساعدة قطام بنت الأخضر التي أراد أن يتزوجها وبمشاركة شبيب بن بجرة ووردان بن مجالة.
وفجر التاسع عشر دخل أميرُ المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) المسجد الأعظم بالكوفة بعد أذان الصبح، وعلا صوتُه: “أيّها الناس الصلاة”.
ولمّا رفع رأسَه الشريف من السجود في الركعة الأولى حمل عليه شبيب لكنّه أخطأه، ولم يمهله ابن ملجم ساعتها إذ ثبت سيفه المسموم في مفرقه المبارك، فخضّب لحيته من دم رأسه، وعلى صوته المبارك: “بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فزتُ وربّ الكعبة”.
وارتفع صوتُ جبرئيل (عليه السلام): “تهدّمت والله أركانُ الهدى، وانطمست والله نجومُ السماء وأعلامُ التقى، وانفصمت والله العروةُ الوثقى، قُتل ابنُ عمّ محمدٍ المصطفى، قُتل الوصيُّ المجتبى، قُتل عليٌّ المرتضى، قُتل والله سيّدُ الأوصياء، قَتله أشقى الأشقياء”

فخرج الحسنان إلى المسجد وهما يناديان: وا أبتاه وا علياه ليت الموت أعدمنا الحياة حتى وصلا المسجد وإذا بالإمام في محرابه والدماء تسيل على وجهه وشيبته ووجدوه مشقوق الرأس وقد علته الصفرة من انبعاث الدم وشدّة السم ، فتقدّم الحسن (عليه السلام) وصلى بالناس وصلى أمير المؤمنين (عليه السلام) إيماء من جلوس وهو يمسح الدم عن وجهه وكريمته يميل تارة ويسكن أخرى، والحسن ينادي: وا انقطاع ظهراه يعز عليّ أن أراك هكذا.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

الليلة الثامنة عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

روي عنه عليه السلام في دعائه: مِنْ مُبْدِئ مُعِيد، حَمِيد مجِيد، تَقَدَّسَتْ اَسْمآؤُكَ، وَعَظُمَتْ آلاَؤُكَ، فَأَىُّ نِعَمِكَ يَا اِلهِي اُحْصِي عَدَداً أوْ ذِكْراً؟ أَمْ اَىُّ عَطَايَاكَ أَقُومُ بِهَا شُكْراً؟ وَهِىَ يَا رَبِّ اَكْثرُ مِنْ اَنْ يُحْصِيَهَا الْعآدّوُنَ، أَوْ يَبْلُغَ عِلْماً بِهَا الْحَافِظُونَ.
قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الاسراء:(قُلِ ادْعُوا اللَّـهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَـٰنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ).

إن الإنسان عندما تضيق به السبل يبث حاجاته بين يدي الله تعالىٰ، ويتقرب اليه، ويتعلق به ، ويأنس بالطلب منه، ويحس بفقره وحاجته إلى الدعاء له، وكل ذلك يحبه الله تعالىٰ.
فإن كل واحد من أسماء الله الحسنىٰ مفتاح لباب من أبواب رحمة الله وفضله.
وقد ورد في النصوص الشريفة عن أهل البيت عليهم السلام، تأكيد كثير علیٰ الدعاء بأسماء الله الحسنیٰ.

ومن اسمائه المبدئ والمعيد، قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الروم:(ٱللَّهُ يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).


روي عن الإمام الرضا عليه السلام قال: إنّ أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن: يوم يولد ويخرج من بطن أمّه فيرى الدنيا، ويوم يموت فيعاين الآخرة وأهلها، ويوم يُبعث فيرى أحكاماً لم يرها في دار الدنيا.

ان الحمد والثناء لله تعالى لأنه هو الحميد، بحمده نفسه أزلا، وبحمد عباده له أبدا، الذي يوفقك بالخيرات ويحمدك عليها، ويمحو عنك السيئات، ولا يخجلك بذكرها.


وأن المجد هو الشرف والمروءة والسخاء، والله المجيد يدل على كثرة إحسانه وأفضاله على عباده.
روي عن الامام الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن علي (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لله عز وجل تسعة وتسعون اسما، من دعا الله بها استجيب له، ومن أحصاها دخل الجنة، وقال الله عز وجل: (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا).


قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة النحل:(وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ).

إنها والله نِعمٌ لا تُعد ولا تُحصى، وليس لنا إلاّ أن نسأله سبحانه أن يُلهمنا شكرها، وأن يوفقنا لحمده سبحانه عليها في كل وقتٍ وحين، لأننا إذا لم نُحافظ عليها بالحمد والشكر والثناء زالت وانتقلت إلى غيرنا.

روي عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من قال: الحمد لله بمحامده كلها ما علمنا منها وما لم نعلم، على كل حال، حمدا يوازي نعمه، ويكافي مزيده علي وعلى جميع خلقه، قال الله تبارك وتعالى: بالغ عبدي في رضاي وأنا مبلغ عبدي رضاه من الجنة.


روي عن الإمام الهادي (عليه السلام) قال: القوا النعم بحسن مجاورتها والتمسوا الزيادة فيها بالشكر عليها.
الحواريون خريجو مدرسة أهل البيت عليهم السلام، يعطوننا درسا بليغا في شكر النعم.


روي عن الإمام الجواد (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام)قال: دعا سلمان أبا ذرّ _ رضوان الله عليهما _ إلى منزله فقدّم إليه رغيفين، فأخذ أبو ذرّ الرغيفين فقلبهما،

فقال سلمان: يا أبا ذرّ، لأيّ شيء تقلب هذين الرغيفين؟

قال: خفت ألّا يكونا نضيجين،

فغضب سلمان من ذلك غضباً شديداً، ثمّ قال: ما أجرأك! حيث تقلب الرغيفين، فوالله، لقد عمل في هذا الخبز الماء الذي تحت العرش، وعملت فيه الملائكة حتّى ألقوه إلى الريح، وعملت فيه الريح حتّى ألقاه إلى السحاب، وعمل فيه السحاب حتّى أمطره إلى الأرض، وعمل فيه الرعد والملائكة حتّى وضعوه مواضعه، وعملت فيه الأرض والخشب والحديد والبهائم والنار والحطب والملح وما لا أحصيه أكثر، فكيف لك أن تقوم بهذا الشكر؟

فقال أبو ذرّ: إلى الله أتوب، وأستغفر الله ممّا أحدثت، وإليك أعتذر ممّا كرهت.

فإن نعم الله على عباده لو اشتغل الإنسان بعدها ، لم يقدر على حصرها، ولو اجتهد في ذلك؛ لكثرتها وتنوعها لكن تدوم بشكر والحمد لله.


روي عن الامام الباقر (عليه السلام)قال: لا ينقطع المزيد من الله، حتّى ينقطع الشكر من العباد.

الدرس البليغ الذي قدمته هذه العائلة المقدسة يجزل الله الشكر والعطاء لها في آن واحد، فيذكرها في كتابه الكريم كيف حدث ذلك ومتى؟
روي في مرض الحسن والحسين عليهما ‌السلام وهما صبيان صغيران فعادهما رسول الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله ومعه رجلان ، فقال أحدهما: يا أبا الحسن لو نذرت في ابنيك نذرا إن الله عافاهما ، فقال: أصوم ثلاثة أيام شكرا لله عز وجل ، وكذلك قالت فاطمة عليها ‌السلام ، وقال الصبيان: ونحن أيضا نصوم ثلاثة أيام ، وكذلك قالت جاريتم فضة ، فألبسهما الله عافيته ، فأصبحوا صياما وليس عندهم طعام.


فانطلق علي عليه ‌السلام إلى جار له من اليهود يقال له شمعون يعالج الصوف ، فقال: هل لك أن تعطيني جزة من صوف تغزلها لك ابنة محمد بثلاثة أصوع  من شعير؟ قال: نعم ، فأعطاه فجاء بالصوف والشعير وأخبر فاطمة عليها ‌السلام فقبلت وأطاعت، ثم عمدت فغزلت ثلث الصوف ، ثم أخذت صاعا من الشعير فطحنته وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص ، لكل واحد قرصا ، وصلى علي عليه ‌السلام مع النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله المغرب.


ثم أتى منزله فوضع الخوان وجلسوا خمستهم، فأول لقمة كسرها علي عليه‌ السلام إذا مسكين قد وقف بالباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد ، أنا مسكين من مساكين المسلمين ، أطعموني مما تأكلون أطعمكم الله على موائد الجنة ، فوضع اللقمة وطلب من فاطمة عليها السلام تجيب السائل.
وعمدت إلى ما كان على الخوان فدفعته إلى المسكين، وباتوا جياعا وأصبحوا صياما لم يذوقوا إلا الماء القراح.


ثم عمدت إلى الثلث الثاني من الصوف فغزلته ، ثم أخذت صاعا من الشعير و طحنته وعجنته وخبزت منه خمسة أقرص لكل واحد قرصا ، وصلى علي المغرب مع النبي صلى الله عليهما ثم أتى منزله فلما وضع الخوان بين يديه وجلسوا خمستهم فأول لقمة كسرها علي عليه ‌السلام إذا يتيم من يتامى المسلمين قد وقف بالباب فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد  أنا يتيم من يتامى المسلمين أطعموني مما تأكلون أطعمكم الله على موائد الجنة ، فوضع علي عليه ‌السلام اللقمة من يده ثم طلب من فاطمة عليها السلام أن تدفع الطعام إلى اليتيم.


ثم عمدت فأعطته عليها ‌السلام جميع ما على الخوان ، وباتوا جياعا لم يذوقوا إلا الماء القراح ، وأصبحوا صياما، وعمدت فاطمة عليها ‌السلام فغزلت الثلث الباقي من الصوف، وطحنت الصاع الباقي وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص لكل واحد قرصا ، وصلى علي عليه ‌السلام المغرب مع النبي صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله ثم أتى منزله ، فقرب إليه الخوان وجلسوا خمستهم فأول لقمة كسرها علي عليه‌ السلام إذا أسير من اسراء المشركين قد وقف بالباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد ، تأسروننا وتشدوننا ولا تطعموننا؟  فوضع علي عليه ‌السلام اللقمة ودعا فاطمة عليها السلام إلى تكرار ما قامت به في اليومين الماضيين وهو دفع الطعام إلى السائل الذي كان أسيراً هذه المرة.


وعمدوا إلى ما كان على الخوان فأعطوه وباتوا جياعا ، وأصبحوا مفطرين وليس عندهم شئ.
سعيكم مشكورا..


قال شعيب في حديثه: وأقبل علي بالحسن والحسين عليهم ‌السلام نحو رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله وهما يرتعشان كالفرخ من شدة الجوع ، فلما بصربهم النبي صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله قال: يا أبا الحسن شد ما يسوؤني ما أرى بكم!؟ انطلق إلى ابنتي فاطمة ، فانطلقوا إليها وهي في محرابها ، قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع وغارت عيناها، فلما رآها رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله ضمها إليه وقال: واغوثاه بالله؟ أنتم منذ ثلاث فيما أرى؟ فهبط جبرئيل فقال: يا محمد خذ ما هيا الله لك في أهل بيتك ، قال: وما آخذ يا جبرئيل؟ قال: “هل أتى على الانسان حين من الدهر “حتى إذا بلغ “إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا “.


وقال الحسن بن مهران في حديثه: فوثب النبي صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله حتى دخل منزل فاطمة عليها‌ السلام فرأى ما بهم فجمعهم ثم انكب عليهم يبكي ويقول: أنتم منذ ثلاث فيما أرى وأنا غافل عنكم؟ فهبط عليه جبرئيل بهذه الآيات: “إن الابرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا * عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا “قال: هي عين في دار النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله يفجر إلى دور الأنبياء والمؤمنين “يوفون بالنذر “يعني عليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌ السلام وجاريتهم “ويخافون يوما كان شره مستطيرا “يكون عابسا كلوحا “ويطعمون الطعام علي حبه “يقول: على شهوتهم للطعام وإيثارهم له
 “مسكينا “من مساكين المسلمين “ويتيما “من يتامى المسلمين “وأسيرا “من اسارى المشركين ويقولون إذا أطعموهم: “إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا “قال: والله ما قولوا هذا لهم ولكنهم أضمروه في أنفسهم فأخبر الله بإضمارهم ، يقولون: لا نريد جزاء تكافوننا به ولا شكورا تثنون علينا به ، ولكن إنما أطعمناكم لوجه الله وطلب ثوابه قال الله تعالى ذكره “فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة “في الوجوه “وسرورا “في القلوب “وجزاهم بما صبروا جنة “يسكنوها “وحريرا “يفترشونه ويلبسونه “متكئين فيها على الأرائك “والأريكة: السرير عليه الحجلة “لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا “قال ابن عباس: فبينما أهل الجنة في الجنة إذا رأوا مثل الشمس قد أشرقت لها الجنان ، فيقول أهل الجنة: يا رب إنك قلت في كتابك: “لا يرون فيها شمسا “؟! فيرسل الله جل اسمه إليهم جبرئيل فيقول: ليس هذه بشمس ولكن عليا وفاطمة ضحكا فأشرقت الجنان من نور ضحكهما ، ونزلت “هل أتى “فيهم إلى قوله تعالى: “وكان سعيكم مشكورا”.

ونحن في هذه الأيام والليالي المباركة نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.

روي عن الريان بن الصلت قال : قلت للرضا ( عليه السلام ) : أنت صاحب هذا الأمر؟ فقال : أنا صاحب هذا الأمر ولكني لست بالذي أملأها عدلاً كما ملئت جوراً ، وكيف أكون ذلك على ما ترى من ضعف بدني ، وإن القائم هو الذي إذا خرج كان في سن الشيوخ ومنظر الشبان ، قوياً في بدنه حتى لو مد يده إلى أعظم شجرة على وجه الأرض لقلعها ، ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها ، يكون معه عصا موسى ( عليه السلام ) ، وخاتم سليمان ( عليه السلام ). ذاك الرابع من ولدي ، يغيبه الله في ستره ما شاء ، ثم يظهره فيملأ ( به ) الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ).
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

الليلة السابعة عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

روي عنه عليه السلام في دعائه: وَوفَّقْتَنِي لِمَا يُزْلِفُنِي لَدَيْكَ، فَاِنْ دَعْوَتُكَ اَجَبْتَنِي، وَاِنْ سَئَلْتُكَ اَعْطَيْتَنِي، وَاِنْ اَطَعْتُكَ شَكَرْتَنِي، وَاِنْ شَكَرْتُكَ زِدْتَنِي، كُلُّ ذلِكَ اِكْمَالٌ لاَِنْعُمِكَ عَلَىَّ، وَاِحْسَانِكَ اِلَىَّ، فَسُبْحَانَكَ سُبْحَانَكَ.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورك هود:(وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ).
التوفيق هو أول النعم التي يمن بها الباري على عباده، وهو رأس النجاح في كل عمل، روي عن الامام محمد الجواد عليه السلام قال: الْمُؤْمِنُ يَحْتَاجُ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ: تَوْفِيقٍ مِنَ اللَّهِ عزَّ وجلَّ، وَوَاعِظٍ مِنْ نَفْسِهِ وَقَبُولٍ مِمَّنْ يَنْصَحُهُ.
بعد أن نستشعر التوفيق من الله عز وجل، تحصل النورانية للإنسان فتقربه إلى الله، وذلك بالزلفى لديه فيلتزم ببعض الأمور من دعاء و سؤال من الله عزوجل، والطاعة المشكور عليها من الله وكل ذلك من اتمام نعم الله عليه وإحسانه الكريم.
فآثار التوفيق التي يتبين للانسان من التوفيق في الحياة من خلال المرويات عن أهل البيت عليهم السلام.
روي عن الامام أمير المؤمنين عليه السلام قال: التوفيق رأس السعادة، والتوفيق أول النعمة، والتوفيق رأس النجاح.
اذا فعل العبد ما أمره الله عزوجل به من الطاعة التي تقربه اليه وتبعده عن المعاصي فيتركها بتوفيق من الله تعالى ذكره.
فالدعاء الى الله عزوجل هو روح العبادة وحقيقتها لأن الدعاء يقوي المعرفة بين الانسان وخالقه وكثيرة هي الأدعية الواردة عن أهل البيت عليهم السلام التي تعلمنا خصوصية العبودية له سبحانه، والابتهال إليه ، لأنه من أنجع الوسائل وأعمقها ، في تهذيب النفوس ، واتصالها بالله تعالى.
روي عن الامام جعفر الصادق عليه السلام قال: عليكم بالدعاء ، فإنكم لا تقربون بمثله ، ولا تتركوا صغيرة لصغرها أن تدعوا بها ، إن صاحب الصغار هو صاحب الكبار.
وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام)قال: من سره أن يستجاب دعاؤه فليطيب كسبه.
إن السؤال من الله هو هيبة للمؤمن ووقار له من خذلان الناس.
روي عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: التقرب إلى الله تعالى بمسألته وإلى الناس بتركها.

إن كمال الشكر هو في إظهار العجز عنه؛ كما أن نبي الله داوود (عليه السلام) ، في معرض جوابه على خطاب الله حين قال تعالى له في سورة سبأ: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا} قد سأل ربه “كيف أشكرك يا رب والشكر نعمة منك؟!” قال الباري: “الآن قد عرفتني وشكرتني، إذ قد عرفت أن الشكر مني نعمة” وعندما قال موسى الكليم (عليه السلام) مخاطباً ربّه: “كيف أشكرك وأصغر نعمة وضعتها بيدي من نعمك لا يجازى بها عملي كله؟!فأوحى الله إليه: يا موسى الآن شكرتني.

روي عن الامام أمير المؤمنين عليه السلام قال: من شكر النعم بجنانه استحق المزيد قبل أن يظهر على لسانه .

العبادة لله عز وجل هى أن تكون حركات الإنسان وسكناته وحياته ومماته لله سبحانه وتعالى، فكل خطوة يخطوها يجب أن تكون استجابة لإرادة الله ومشيئته خالصة لله دون سواه، وذلك قوله تعالى في سورة الانعام: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.


روي عن الإمام الصادق عليه السلام عن جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: عن الله عز وجل في حديث قدسي: ما تقرّب إلىّ عبد بشيء أحب إلىَّ مما افترضت عليه، وأنه ليتقرّب إلىّ بالنافلة حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به، وبصره الذى يبصر به ولسانه الذى ينطق به، ويده التي يبطش بها إن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته‌.

وقد بلغ أهل البيت فى عبادتهم وأخلاقهم وعبوديتهم لله تعالى مرحلة أصبحوا فيها الأكثر قرباً من الله عز وجل، وهكذا أرادوا لشيعتهم أن يكونوا.
روي عن أبي بصير، قال: قال الامام الصادق عليه السلام : شيعتنا أهل الورع والاجتهاد، وأهل الوفاء والأمانة، وأهل الزهد والعبادة، أصحاب إحدى وخمسين ركعه في اليوم والليلّة، القائمون باللّيل، الصّائمون بالنهار، يزكّون أموالهم، ويحجّون البيت، ويجتنبون كلّ محرم.

ونحن في هذه الأيام والليالي المباركة نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.
روي عن دعبل بن علي الخزاعي قال : أنشدت مولاي الرضا علي بن موسى ( عليه السلام ) قصيدتي التي أولها :
مدارس آيات خلت من تلاوة                 ومنـزل وحي مقفر العرصات

فلما انتهيت إلى قولي :

خروج إمام لا محالة خارج                  يقوم على اسم الله والبركات
يميّز فينا كل حق وباطل         *         ويجزي على النعماء والنقمات


بكى الرضا ( عليه السلام ) بكاء شديداً ، ثم رفع رأسه إليّ فقال لي : يا خزاعي! نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين! فهل تدري من هذا الإمام ومتى يقوم؟

فقلت : لا يا مولاي إلا أني سمعت بخروج إمام منكم يطهّر الأرض من الفساد ويملأها عدلاً ( كما ملئت جوراً ).
فقال ( عليه السلام ) : يا دعبل الإمام بعدي محمد ابني ، وبعد محمد ابنه علي ، وبعد علي ابنه الحسن ، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته ، المطاع في ظهوره ، لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله عزوجل ذلك اليوم حتى يخرج فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً .

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

الليلة السادسة عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

روي عنه عليه السلام في دعائه: وَاِحْسَانِكَ الْقَدِيمِ اِلَىَّ، حَتّى اِذَا اَتْمَمْتَ عَلَىَّ جَمِيعَ النِّعَمِ، وَصَرَفْتَ عَنِّي كُلَّ النِّقَمِ، لَمْ يَمْنَعْكَ جَهْلِي وَجُرْأَتِي عَلَيْكَ اَنْ دَلَلْتَنِي إلى مَا يُقَرِّبُنِي اِلَيْكَ.

الإحسان من صفات الله تعالى الثابتة له، وقد ذكر القرآن الكريم في سورة السجدة: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ)، والإحسان هو الإنعام على الغير، فهو سبحانه وتعالى محسنٌ كريم، بر ، جواد ولا ينقطع إحسانه عن الخلق.
روي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة فاطر: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ).

إن أجل النعم التي يتمها الله على عباده من الإيمان بالله‏ ، وملائكته‏ ، ‏ وكتبه‏ ،‏ ورسله‏ ، واليوم الآخر‏ ، وتوحيد هذا الخالق العظيم‏ ، وتنزيهه‏ (جل شأنه‏)‏ عن الشريك‏ ، والشبيه‏ ،‏ والمنازع‏ ، والصاحبة والولد‏، وعن كل وصف لا يليق بجلاله‏ ,، والتصديق برسالة خاتم الأنبياء والمرسلين‏ (صلى الله عليه وآله وسلم‏)، والولاية لأهل البيت عليهم السلام ,‏ وبكل من معجزته الكبرى وهي القرآن العظيم‏ ,‏ الذي أوحاه الله‏ (تعالى‏)‏ إليه هداية للناس أجمعين‏ ، وتعهد بحفظه إلى يوم الدين حتى يكون حجة على الخلق كافة‏ ، والإيمان بالبعث‏‏ والحساب‏ ، والجزاء‏.
كذلك نقم الله كثيرة، فيغشى العباد من نزولها عليهم فكفاني الله بصرفها مع ما بي من جهل وجرأة من ارتكاب المعاصي، دلني على الوصول إليه ومعرفته ،وقد تقدم التفصيل في كتاب شرح أدعية أيام شهر رمضان وكتاب شرح أدعية ليالي شهر رمضان.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة آل عمران:(قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ).

أخبر الله تعالى عباده الذين يتقرّبون منه، أنّ الذي يتقرّب فهو سبحانه يتقرّب منهم أضعافا، وهذه هي الغاية من تشريع الطاعات، وقد وردت روايات كثيرة عن أهل البيت عليهم السلام.
روي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: من تقرب إلى الله عز وجل شبرا تقرب إليه ذراعا، ومن تقرب إليه ذراعا تقرب إليه باعا، ومن أقبل إلى الله عز وجل ماشيا أقبل إليه مهرولا، والله أعلى وأجل، والله أعلى وأجل، والله أعلى وأجل.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: يا علي، إذا تقرب العباد إلى خالقهم بالبر فتقرب إليه بالعقل تسبقهم.
وروي عن الإمام علي (عليه السلام): فوالله لو حننتم حنين الوله العجال، ودعوتم بهديل الحمام، وجأرتم جؤار متبتلي الرهبان، وخرجتم إلى الله من الأموال والأولاد، التماس القربة إليه في ارتفاع درجة عنده، أو غفران سيئة أحصتها كتبه، وحفظتها رسله، لكان قليلا فيما أرجو لكم من ثوابه، وأخاف عليكم من عقابه.
قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة المائدة: ـ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.

التوسّل هو تقرُّب العباد إلى الله بمن هو أقرب وسيلةً إليه منهم بإذنه تعالى، واتخاذه وسيلة لغاية تحقيق حاجاتهم عند الله عزّ وجلّ و أن يبتغوا كل ما يوجب التقرب إليه، ونيل مرضاته وثوابه وقضاء الحوائج لديه.
روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)قال: الأئمة من ولد الحسين من أطاعهم فقد أطاع الله، ومن عصاهم فقد عصى الله، هم العروة الوثقى وهم الوسيلة إلى الله تعالى.

روي عن الامام أبي عبد الله عليه السلام قال: أبى الله أن يجري الأشياء إلا بأسباب، فجعل لكل شئ سببا وجعل لكل سبب شرحا وجعل لكل شرح علما، وجعل لكل علم بابا ناطقا، عرفه من عرفه، وجهله من جهله، ذاك رسول الله صلى الله عليه وآله ونحن.
لم يترك الله الانسان سُدى في طريق التقرب اليه ، بل جعل لهم علائم يهتدون بها، وليس أرقى من أهل البيت عليهم السلام، وهم محمد وأهل بيته، أنواراً وعلائم، يهتدي بها الانسان والوجود بأسره، لأنهم أول من خلق الله، إذ خلقهم بعلم منه مسبق، بما سيكونون عليه من التوحيد والعبودية له، عزّ اسمه، فأكرمهم وزادهم من فضله بما لم يؤتِ أحداً من العالمين، وجعل التقرب اليه بمحبتهم عليهم السلام.

روي عن محمد بن مسلم قال: سمعت الإمام أبا جعفر عليه السلام يقول: كل من دان الله عز وجل بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول، وهو ضال متحير والله شانئ لأعماله، ومثله كمثل شاة ضلت عن راعيها وقطيعها، فهجمت ذاهبة وجائية يومها، فلما جنها الليل بصرت بقطيع غنم مع راعيها، فحنت إليها واغترت بها، فباتت معها في مربضها فلما أن ساق الراعي قطيعه أنكرت راعيها وقطيعها، فهجمت متحيرة تطلب راعيها وقطيعها، فبصرت بغنم مع راعيها فحنت إليها واغترت بها فصاح بها الراعي: الحقي براعيك، وقطيعك فأنت تائهة متحيرة عن راعيك وقطيعك، فهجمت ذعرة، متحيرة، تائهة، لا راعي لها يرشدها إلى مرعاها أو يردها، فبينا هي كذلك إذا اغتنم الذئب ضيعتها، فأكلها، وكذلك والله يا محمد من أصبح من هذه الأمة لا إمام له من الله عز وجل ظاهر عادل، أصبح ضالا تائها، وإن مات على هذه الحالة مات ميتة كفر ونفاق، و اعلم يا محمد أن أئمة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين الله قد ضلوا وأضلوا فأعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف، لا يقدرون مما كسبوا على شيء، ذلك هو الضلال البعيد.

ونحن في هذه الأيام والليالي المباركة في ذكرى ولادة السبط المبارك والامام الكريم الحسن المجتبى عليه السلام، نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.
من جميل خلق مولانا الإمام المجتبى عليه السلام في تعظيم ربه الجليل ما روي أنه کان إذا قام للصلاة يرتدي أحسن ثيابه، ولما سئل عن ذلك قال: إن الله جميل يحب الجمال فإني أتجمل لربي وهو تعالی يقول: خذوا زينتکم عند کل مسجد.

وروي أنه رأی رجلاً رکب دابة فقال: سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا. فقال عليه السلام له: ما بهذا أمرت. أمرت أن تقول: الحمد لله الذي هدانا للإسلام، الحمد لله الذي منّ علينا بمحمد والحمد لله الذي جعلنا من خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ.ثم تقول: سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا!
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

الليلة الخامسة عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

روي عنه عليه السلام في دعائه: ثُمَّ اِذْ خَلَقْتَنِي مِنْ خَيْرِ الثَّرى، لَمْ تَرْضَ لِي يَا اِلهِي نِعْمَةً دُونَ اُخرى، وَرَزَقْتَنِي مِنْ اَنوَاعِ الْمَعَاشِ، وَصُنُوفِ الرِّيَاشِ بِمَنِّكَ الْعَظِيمِ الاَْعْظَمِ عَلَىَّ.

لقد شاءت يد القدرة بأن تجعل طينة الإنسان المؤمن من طينة الأنبياء، فطينة المؤمن عجنت بنور الأنبياء الممتد من نور السماء، وهذه الكرامة التي ميز الله تعالى بها المؤمنين عن غيرهم من البشر، فكانت دلالة ذلك ان الله اختارهم من خير الثرى.

قال تعالى في سورة طه: (مِنۡهَا خَلَقۡنَٰكُمۡ وَفِيهَا نُعِيدُكُمۡ وَمِنۡهَا نُخۡرِجُكُمۡ تَارَةً أُخۡرَىٰ ).
وقال تعالى في سورة النجم:( ٱلَّذِينَ يَجۡتَنِبُونَ كَبَٰٓئِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَٰحِشَ إِلَّا ٱللَّمَمَۚ إِنَّ رَبَّكَ وَٰسِعُ ٱلۡمَغۡفِرَةِۚ هُوَ أَعۡلَمُ بِكُمۡ إِذۡ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَإِذۡ أَنتُمۡ أَجِنَّةٞ فِي بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡۖ فَلَا تُزَكُّوٓاْ أَنفُسَكُمۡۖ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰٓ).
روي عن محمد بن مروان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: إن الله خلقنا من نور عظمته، ثم صور خلقنا من طينة مخزونة مكنونة من تحت العرش، فأسكن ذلك النور فيه، فكنا نحن خلقا وبشرا نورانيين لم يجعل لأحد في مثل الذي خلقنا منه نصيبا، وخلق أرواح شيعتنا من طينتنا و أبدانهم من طينة مخزونة مكنونة أسفل من ذلك الطينة ولم يجعل الله لأحد في مثل الذي خلقهم منه نصيبا إلا لللأنبياء، ولذلك صرنا نحن وهم: الناس، وصار سائر الناس همج، للنار وإلى النار.

إنّ نِعَم الله عزَّ وجلَّ على الإنسان كثيرة لا تحصى- وذلك قوله تعالى في سورة النحل :(وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم)، ومن بعض مظاهرها وتجلّياتها في حياة الإنسان المؤمن عديدة منها: نعمة البصر والسمع والذوق ونعمة الصحة والعافية ونعمة الزواج ونعمة العمل والرزق وغيرها الكثير.


روي عن الامام الرّضا (عليه السلام)قال: اعلم يرحمك الله أنّ اللّه تبارك وتعالى لم يبح أكلاً ولا شرباً إلا ما فيه المنفعة والصّلاح، ولم يحرّم إلا ما فيه الضّرر والتّلف والفساد، فكلّ نافع مقوّ للجسم فيه قوّة للبدن فحلال، وكلّ مضرّ يذهب بالقوّة أو قاتل فحرام.
رزق الله لعباده من مختلف أنواع المعاش
ومن هذا المنطلق يجب علينا اختيار المنهج الأمثل في حياتنا وهو تتبع ما ورد عن أهل البيت عليهم السلام من المستحبات.
روي عن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال: «من افتتح طعامه بملح دفع عنه اثنان وسبعون داءً، ومن يصبح بواحدة وعشرين زبيبةً حمراء لم يصبه إلا مرض الموت، ومن أكل سبع تمرات عجوة قتلن الدّود في بطنه، واللّحم ينبت اللّحم، والثّريد طعام العرب، والبيشارجات يعظّمن البطن ويخدّرن المتن، والسّمك الطّريّ يذيب الجسد، ولحم البقر داء وسمونها شفاء وألبانها دواء، ومن أكل لقمةً سمينةً نزل مثلها من الدّاء من جسده، والسّمن ما دخل الجوف مثله، وما استشفى المريض بمثل شراب (شرب) العسل، وما استشفت النّفساء بمثل أكل الرّطب لأنّ اللّه تبارك وتعالى أطعمه مريم بنت عمران (عليه السلام) جنيّاً في نفاسها، وأكل الدّبّاء يزيد في الدّماغ، وأكل العدس يرقّ القلب ويسرع دمعة العين، ونعم الإدام الخلّ، ونعم الإدام الزّيت وهو طيب الأنبياء (عليه السلام) وإدامهم وهو مبارك، ومن أدفأ طرفيه لم يضرّ سائر جسده البرد.

ومن نعم الله العظيمة على البشر أن منَّ عليهم بالملابس، والمساكن المختلفة فهي نعمة عظمى ومنة كبرى، ولذا فإن الله عدها وذكرها في جملة نعمه العظيمة في سور كتاب القرآن الكريم ويعبر عند العلماء بأنه كل ما يغطي الجسد، مما يلبسه الرجال والنساء، والهدف منه ستر العورات والتجمل عند الناس، والبيوت الآمنة بأهلها.
روي عن الرسول ( صلى الله عليه و أله و سلم ) قال:
ـ إذا آتاك الله مالا فلير أثر نعمة الله و كرامته عليك .
ـ حسنوا لباسكم و اصلحوا رحالكم حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس .
ـ ان الله طيب يحب الطيب و نظيف يحب النظافة.
روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال : ثلاثة للمؤمن فيهن راحة : دار واسعة تواري عورته وسوء حاله من الناس، وامرأة صالحة تعينه على امر الدنيا والاخرة.

عظيم لغويا بمعنى الضخامة والعز والمجد والكبرياء، والله العظيم أعظم من كل عظيم لأن العقول لا يصل إلى كنه صمديته، والأبصار لا تحيط بسرادقات عزته، وكل ما سوى الله فهو حقير بل كالعدم المحض، قال تعالى (فَسَبِّحْ بِـﭑسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ) وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو عند الكرب: (لا إله إلا الله العظيم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب العرش العظيم).

تبارك الله أحسن الخالقين، الذي خَلَقَ الخلقَ مِن لا شيء، وهو على كلِّ شيءٍ قدير. وقد روي عن الإمام علي عليه السلام قال: كلُّ صانع شيء فمن شيء صَنَع، واللهُ لا من شيءٍ خَلَق ما صَنَع.

وقد عبَّر الإمام عليّ عليه السلام عن هذا الأمر من منَّة الله علينا بإشارةٍ عظيمةٍ فقال: “ولو فكَّروا في عظيم القدرة، وجسيم النِّعمة، لرجعوا إلى الطريق، وخافوا عذاب الحريق.

ونحن في هذه الأيام والليالي المباركة في ذكرى ولادة السبط المبارك والامام الكريم الحسن المجتبى عليه السلام، نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.

تعتبر صفة الكرم و السخاء من أبرز الصفات التي تميَّز بها الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، فكان المال عنده غاية يسعى من خلالها إلى كسوة عريان ، أو إغاثة ملهوف ، أو وفاء دين غريم ، أو إشباع جوع جائع.
هذا وعرف الإمام الحسن المجتبى ( عليه السلام ) بكريم أهل البيت ، فهو الذي قاسم الله أمواله ثلاث مرّات، نصف يدفعه في سبيل الله و نصف يبقيه له ، بل وصل إلى أبعد من ذلك ، فقد أخرج ماله كلّه مرتين في سبيل الله ولا يبقي لنفسه شيء ، فهو كجدّه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يعطي عطاء من لا يخاف الفقر ، وهو سليل الأسرة التي قال فيها ربّنا و تعالى في سورة الحشر : ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ).
وآية أخرى تحكي لسان حالهم في سورة الانسان:( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وأسيرا إنما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا).
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

الليلة الرابعة عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

روي عنه عليه السلام في دعائه: وَنَبَّهْتَنِي لِشُكْرِكَ، وَذِكْرِكَ، وَاَوجَبْتَ عَلَىَّ طَاعَتَكَ وَعِبَادَتَكَ، وَفَهَّمْتَنِي مَا جَاءَتْ بِهِ رُسُلُكَ، وَيَسَّرْتَ لِي تَقَبُّلَ مَرْضَاتِكَ، وَمَنْنْتَ عَلَىَّ فِي جَمِيعِ ذلِكَ بِعَونِكَ وَلُطْفِكَ.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة البقرة: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ).

لقد منّ الله سبحانه وتعالى على عباده بأنه لم يجعل لهم وقتاً محدّداً ومنحصراً للاتصال به، كما ولم يحصره في مكان معيّن، روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ليس عمل أحبّ إلى الله تعالى ولا أنجى لعبد من كلّ سيّئة في الدنيا والآخرة من ذكر الله.
إنّ شكر الله تعالى حقّ شكره على عظيم نعمه وخيره على عباده لذكر الشكر من العبد الى خالقه، لأن الشكر لله سبحانه من الذكر له سبحانه وتعالى، وذلك قوله تعالى في سورة ابراهيم:(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ).
روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام: يا موسى اشكرني حقّ شكري. فقال عليه السلام: “يا ربّ كيف أشكرك حقّ شكرك، وليس من شكر أشكرك به إلا وأنت أنعمت به عليّ”؟! فقال (عزَّ وجلَّ): يا موسى شكرتني حقّ شكري حين علمت أنّ ذلك منّي.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة النساء: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾.

من الحقوق الإلهيّة الواجبة على العباد تجاه الخالق عزّ وجلّ، والتي تتجلّى عظمتها من كونه سبحانه وتعالى المنعم الأعظم على الإنسان، فضلًا عن أنّه خالقه وموجده، والذي وهبه الكثير من النِّعَم ما يعجز عن وصفه وتعداده، هو حق طاعة الله سبحانه وتعالى فيما أمره به ونهاه عنه.

روي عن الإمام الحسن بن علي (عليهما السلام): “وإذا أردت عزاً بلا عشيرة وهيبة بلا سلطان فاخرج من ذلّ معصية الله إلى عِزّ طاعة الله عزّ وجلّ”.

في الحديث المعروف بحديث الثَّقلين، والثَّابت عند جميع المسلمين، يأمر فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جميع النَّاس بالتَّمسُّك بالقرآن الكريم والعترة الطَّاهرة عليهم السلام.
روي عن النبي صلى الله عليه وآله: “يا أيُّها النَّاس إنِّي تارك فيكم الثَّقلين: الثَّقل الأكبر، والثَّقل الأصغر، إن تمسكتم بهما لا تَضِلُّوا، ولا تُبَّدلُوا*، وإنِّي سألت اللَّطيف الخبير أن لا يتفرَّقا حتَّى يردا عليَّ الحوض فأعطيت ذلك، قالوا: وما الثَّقلَ الأكبر؟ وما الثَّقلَ الأصغر؟ قال: الثَّقلُ الأكبر كتاب الله سبب طرفه بيد الله، وسبب طرفه بأيديكم والثَّقلُ الأصغر عترتي وأهل بيتي.

إن ادراك الكمالات ومعرفتها والوصول الى الكمال المطلق لتتم استقامة حياة العباد بجميع اشكالها وأحوالها الدينية والدنيوية والأخروية ،لابد إذن من المعرفة الصحيحة المتمثلة بإدراك الشيء عن دليل، سواء كانت معرفة عقلية أو نقلية ، ومن أراد معرفة الكمال والوصول إليه، فلا بد له من معرفته تمام المعرفة من خلال ما أمرنا به من أنهم عليهم السلام قد أعطوا لنا من كتاب الله عزوجل الدليل القاطع من الاخبار عن رسل الله وأنبيائه وما جرى عليهم، إذن هم عليهم السلام أبواب الله لكل علم ومعرفة.

روي عن الإمام الباقر عليه السلام قال: نحن خزّان علم الله، ونحنُ تراجمَةُ وحي الله.
روي عن الإمام عليّ عليه السلام في قول الله تبارك وتعالى في سورة الرعد: ﴿قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾”أنا هو الذي عِندَه علم الكتاب”.

روي عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى لو شاء لعرف العباد نفسه، ولكن جعلنا أبوابه وصراطه، وسبيله والوجه الذي يؤتى منه، فمن عدل عن ولايتنا أو فضل علينا غيرنا فإنهم عن الصراط لناكبون، فلا سواء من اعتصم الناس به، ولا سواء حيث ذهب الناس إلى عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض، وذهب من ذهب إلينا إلى عيون صافية تجري بأمر ربها، لا نفاد لها ولا انقطاع.

ونحن في هذه الأيام والليالي المباركة نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.
روي عن الامام موسى بن جعفر عليهما السلام قال: طوبى لشيعتنا ، المتمسكين بحبلنا في غيبة قائمنا ، الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا ، أولئك منا ونحن منهم ، قد رضوا بنا أئمة ، ورضينا بهم شيعة ، فطوبى لهم طوبى لهم ، وهم والله معنا في درجاتنا يوم القيامة.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

الليلة الثالثة عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

روي عنه عليه السلام في دعائه: وَرَوَّعْتَنِي بِعَجَايِبِ حِكْمَتِكَ وَاَيْقَظْتَنِي لِمَا ذَرَاْتَ فِي سَمآئِكَ، وَاَرْضِكَ مِنْ بَدَائِعِ خَلْقِكَ.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الأعراف: (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا).
كل شيء يروع القلوب من جماله وكثرته، واذا كان الله بعجائب حكمه التي تظهر منه، فهو احكم الحكماء وواهب الحكمة هو الله الحكيم، وقوله تعالى في سورة الأنعام: (وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِۦ ۚ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ).
بمعرفة الإنسان أن الله هو الحكيم يوقن أن كل ما في الكون هو على وفق حكمته سبحانه وتعالى.
روي عن هشام بن الحكم قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن أسماء الله عز ذكره واشتقاقها، فقلت: الله مما هو مشتق؟ قال: فقال لي عليه السلام: يا هشام الله مشتق من إله والاله يقتضي مألوها والاسم غير المسمى، فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئا، ومن عبد الاسم والمعنى فقد كفر وعبد اثنين، ومن عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد أفهمت يا هشام؟ قال: فقلت: زدني قال: إن لله تسعة وتسعين اسما فلو كان الاسم هو المسمى لكان كل اسم منها إلها ولكن الله معنى يدل عليه بهذه الأسماء وكلها غيره، يا هشام الخبز اسم للمأكول والماء اسم للمشروب والثوب اسم للملبوس والنار اسم للمحروق أفهمت يا هشام فهما تدفع به وتناضل به أعداءنا والمتخذين مع الله عز وجل غيره؟ قلت: نعم، قال: فقال: نفعك الله به وثبتك يا هشام، قال هشام فوالله ما قهرني أحد في التوحيد حتى قمت مقامي هذا.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الدخان: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ* مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ).
خطابات القرآن الكريم لها سمة خاصة يجدها من يتأمل في آيات القرآن، فتهز أعماق الإنسان بصحوة روحية ،وعقلية، لتوقظه من الغفلة الى ما هو من أساسيات حياة الإنسان المؤمن، لما في الخطاب القرآني من مراد الله جل جلاله ان يمشي الإنسان على صراط مستقيم في نور التوحيد.
روي عن الصادق عليه السلام قال: كتاب الله عز وجل على أربعة أشياء على العبارة، والإشارة، واللطائف، والحقائق، فالعبارة للعوام، والإشارة للخواص، واللطائف للأولياء، والحقائق للأنبياء.

ومعرفة الله هي ادراك نعوته وصفاته الجلالية والجمالية عقلا ونقلا ، فينبغي التنبيه على ان شرف العلم بشرف المعلوم وكلما كان المعلوم أجل وأقدس كان العلم به أولى من غيره، فهو اشرف موضوع وأقدس حقيقة، وأجل معرفة، فذات الباري تعالى اشرف المعلومات وأقدسها كلها، ولذا سمي هذا العلم بالعلم الأعلى، لأنه يعرف ان للعالم خالق قادر عليم حكيم.
فكلامهم حجة وتقوي الإنسان في ايمانه وتعطيه الحجة البالغة، روي عن الإمام الصادق عليه السلام: من مناظرته زنديقاً..

قال الزنديق: من أيِّ شيء خلق الأشياء؟ قال عليه السلام: “لا من شيء”.

فقال الزنديق: كيف يجيئ من لا شيء، شيءٌ؟ قال عليه السلام: “إنّ الأشياء لا تخلو أن تكون خُلِقَت من شيء أو من غير شيء فإن كانت خُلِقَت من شيء كان معه فإنّ ذلك الشيء قديم، والقديمُ لا يكون حديثاً ولا يفنى ولا يتغيَّر، ولو يخلو ذلك الشيء من أن يكون جوهراً واحداً ولوناً واحداً، فمن أين جاءت هذه الألوان المختلفة والجواهر الكثيرةُ الموجودة في هذا العالم من ضروبٍ شتّى؟ ومن أين جاء الموت إن كان الشيء الذي أنشئت منه الأشياءُ حيَّاً؟ أو من أين جاءت الحياةُ إن كان ذلك الشيء ميتاً؟ ولا يجوز أن يكون من حي وميت قديمين لم يزالا، لأنّ الحيّ لا يجيئ منه ميت وهو لم يزل حيّاً، ولا يجوز أيضاً أن يكون الميت قديماً لم يزل بما هو به من الموت، لأنّ الميت لا قدرة له ولا بقاء”.

(فاحتار الزنديق وبدا على وجهِه العجب)

وقال: من أين قالوا؟… قال عليه السلام: “إنّ الأشياء تدلُّ على حدوثها من دوران الفلك بما فيه.. وتحرُّك الأرض ومَن عليها، وانقلاب الأزمنة، واختلاف الوقت والحوادث التي تحدثُ في العالم من زيادة ونقصان وموتٍ وبَلَى، واضطرار النفس إلى الإقرار بأنّ لها صانعاً ومدبِّراً، أما ترى الحلو يصير حامضاً، والعذب مُرّاً، والجديد بالياً، وكلٌّ إلى تغيُّرٍ وفناء”.

فانبهر الزنديق ممّا سمع فلم ينطق بكلمة.


اذا سأل الإنسان نفسه، كيف تتيقّن الوجود ولا تتيقّن الواجد؟ كيف تؤمن بالمخلوقات ولا تؤمن بالخالق؟ بل كيف يُذهلُكَ جمالُ فلا تردُّهُ إلى الحكيم ذي الجلال.


روي عن الامام الصادق عليه السلام قال: أوّلُ العِبَر والأدلَّة على الباري جلّ قدسه، تهيئةُ هذا العالم وتأليفُ أجزائه ونَظْمُها على ما هي عليه. فإنّك إذا تأمَّلت العالم بفكرك وميَّزتَهُ بعقلك وجدتَهُ كالبيت المبني المُعدّ فيه جميعُ ما يحتاجُ إليه عبادُه، فالسماءُ مرفوعةٌ كالسقف، والأرضُ ممدودةٌ كالبساط، والنجومُ منضودةٌ كالمصابيح، والجواهرُ مخزونةٌ كالذخائر، وكلُّ شيء فيها لشأنه مُعدّ، والإنسانُ كالمُملَّك ذلك البيت، والمُخوَّل جميعَ ما فيه، وضروبُ النبات مهيَّأةٌ لمآرِبهِ، وصنوفٌ الحيوانِ مصروفةٌ في مصالحه ومنافعه، في هذا دلالةٌ واضحة على أنّ العالم مخلوقٌ بتقديرٍ وحكمةٍ ونظام وملائمة، وأنّ الخالق له واحد.

ونحن في هذه الأيام والليالي المباركة نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.
روي عن علي بن جعفر ( عليه السلام ) ، عن أخيه الامام موسى بن جعفر ( عليه السلام ) قال : إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم لا يزيلنكم أحد عنها ، يا بني : انه لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به ، إنما هي محنة من الله عزوجل امتحن بها خلقه ، ولو علم آباؤكم وأجدادكم ديناً أصح من هذا لاتبعوه. فقلت : يا سيدي وما الخامس من ولد السابع؟ فقال : يا بنيّ عقولكم تضعف عن ذلك وأحلامكم تضيق عن حمله ولكن إن تعيشوا فسوف تدركونه.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

الليلة الثانية عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

روي عنه عليه السلام في دعائه: وَرَبَّيْتَنِي زَائِداً فِي كُلِّ عَام، حَتّى إذَا اكْتَمَلَتْ فِطْرَتِي، وَاعْتَدَلَتْ مِرَّتِي، اَوْجَبْتَ عَلَىَّ حُجَتَّكَ بِاَنْ اَلْهَمْتَنِي مَعْرِفَتَكَ.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الحج :(إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ).

  • ينظر إلى العناية الإلهية الخاصة في مشاركة الأسرة في التربية الصحيحة، وكثيرا ما نسمع عن حقوق الطفل بزخارف ومطالبات في كيفيات أختارها الناس من عندهم، ولكن قد تختلف مع الله وما أراد له من الحياة الكريمة وقد شدد عليها من خلال كتابه الكريم المنزل و الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام.
    ففي كتابه قال عزوجل أنهم النعمة، قال عز من قال في سورة الكهف:(الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا).

هذه النعم التي أعطاها الله عزوجل للإنسان، وما لها من أهمية خاصة من خلال كتابه والرجوع إلى النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام فإن علمهم من الله سبحانه وتعالى، روي عن الإمام الباقر عليه السلام قال لسلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة: شرقا وغربا فلا تجدان علما صحيحا إلا شيئا خرج من عندنا أهل البيت.
كل هذا الاهتمام الإلهي لأن الطفل هو جزء من المجتمع المسلم، وكيفية تربيته من خلال أبويه على الأخلاق الكريمة والآداب الحسنة، وتمرينه وتعويده على هذه العادات الكريمة وأفعالها الحسنة.
روي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: مثل الذي يتعلم العلم في صغره كالنقش على الحجر ، ومثل الذي يتعلم العلم في كبره كالذي يكتب على الماء.
وعن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال لولده الحسن عليه السلام: إنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقى فيها من شيء قبلته، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك، ويشتغل لبك.

لكل عمر مرحلة في الطفولة، ولقد سبقت مدرسة أهل البيت عليهم ‌السلام المدارس التربوية المعاصرة بالأخذ بمبدأ التدرج. وكشاهد على ذلك، يمكن الإشارة الى دعوة أهل البيت (عليهم السلام) للتدرج بالتربية الكريمة والعبادية للأبناء.
روي عن الإمام الصادق عليه‌ السلام قال: دع ابنك يلعب سبع سنين ، ويؤدب سبع سنين ، والزمه نفسك سبع سنين ، فإن أفلح ، وإلاّ فإنَّه لا خير فيه.

ان مدرسة أهل البيت عليهم السلام تراعي طاقة الطفل ، فلا تكلفه فوق طاقته ، بما يشق عليه .
روي عن الحلبي ، عن أبي عبدالله ، عن أبيه عليهما السلام ، قال : إنا نأمر صبياننا بالصلاة ، إذا كانوا بني خمس سنين ، فمروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا بني سبع سنين . ونحن نأمر صبياننا بالصوم إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم إن كان إلى نصف النهار أو أكثر من ذلك أو أقل ، فاذا غلبهم العطش والغرث افطروا حتى يتعودوا الصوم ويطيقوه ، فمروا صبيانكم إذا كانوا بني تسع سنين بالصوم ما استطاعوا من صيام اليوم ، فاذا غلبهم العطش افطروا.

نلخّص نقاط البحث بالقول :
منها ما يُوجب له بعد ولادته : كحقه في الحياة ، فلا يجوز إطفاء شمعة حياته بالوأد والقتل ، وكحقه بانتحال الاسم الحَسِن ، وتعهده بالتأديب والتربية الصالحة ، وتعليمه العلوم والمعارف الضرورية والنافعة، ومعاملة الاَولاد بالعدل والمساواة ، والاِنفاق عليهم بسخاء ، وعدم مصادرة حقوقهم المالية الواجبة ، وعدم البخل عليهم بالوصايا النافعة للدنيا والآخرة .
وإن التربية تعني الاهتمام من قبل الوالدين بجعل أبنائهم أفضل الأبناء سواء كان من الناحية الدينية، أو العلمية، أو الأخلاقية، أو الاجتماعية فنجعل أنموذج المعرفة من خلال سيرتهم عليهم السلام.

روى أنّ الامام الحسن بن علي (عليه السلام) كان يحضر مجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو ابن سبع سنين فيسمع الوحي فيحفظه، فيأتي اُمّه عليها السلام فيلقي إليها ما حفظه، وكلّما دخل علي (عليه السلام) وجد عندها علماً بالتنزيل فيسألها عن ذلك؟ فقالت: من ولدك الحسن.
   فتخفّى يوماً في الدار وقد دخل الحسن عليه السلام وقد سمع الوحي فأراد أن يلقيه إليها فارتجّ عليه، فعجبت اُمّه من ذلك، فقال: لا تعجبين يا اُمّاه فإنّ كبيراً يسمعني، فاستماعه قد أوقفني فخرج الإمام علي (عليه السلام) فقبّله.

المفاهيم الحقيقية في ما يحتاجه الانسان بالكيفية التي يعلمها لأولاده في العبادة فيصدر منهم وإليهم كل علم، ففيما قامت به سيدتنا فاطمة (عليها السلام) من عبادة الله وطاعته كان أمام أولادها ليرتسم في أذهانهم ما تقوم به وترفع من صوتها كي تسمع آذانهم، وتحثهم على القيام به ليطبقوه فتفرح بهم وهذا حق من حقوقهم.
روي عن ولدها الامام الحسن بن علي (عليهما السلام) قال: رأيت أمي فاطمة (عليها السلام) قائمة في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح وسمعتها تدعي للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أماه لم لا تدعين لنفسك كما تدعي لغيرك؟ فقالت عليها السلام: يا بني الجار ثم الدار.

وقد سلك بقية العترة الطاهرة هذا المسلك ، يوصي السابق منهم اللاحق ، ولا يتّسع المجال لذكر جميع وصاياهم وسيرتهم عليهم السلام.

معرفة الله تعالى تزيل من الإنسان الخوف المحتمل والمُعتد به من استحقاق العقاب والحرمان من الثواب الذي بيّنه الأنبياء على مرّ العصور. وكلّ ما يؤمّل به زوال الخوف المُعتد به فهو واجب. فلهذا يثبت وجوب معرفة الله تعالى.

روي عن الإمام الرضا (عليه السلام)قال: أول عبادة الله معرفته، وأصل معرفة الله جل اسمه توحيده، ونظام توحيده نفي التحديد عنه، لشهادة العقول أن كل محدود مخلوق.

ونحن في هذه الأيام والليالي المباركة نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.

روي عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : إن سنن الأنبياء بما وقع بهم من الغيبات حادثة في القائم منا أهل البيت حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة.
قال أبو بصير : فقلت : يا ابن رسول الله ومن القائم منكم أهل البيت؟ فقال عليه السلام: يا أبا بصير هو الخامس من ولد ابني موسى ، ذلك ابن سيدة الإماء ، يغيب غيبة يرتاب فيها المبطلون ، ثم يظهره الله عزوجل فيفتح الله على يده مشارق الأرض ومغاربها ، وينزل روح الله عيسى بن مريم ( عليه السلام ) فيصلي خلفه وتشرق الأرض بنور ربها ، ولا يبقى في الأرض بقعة عبد فيها غير الله عزوجل إلا عبد الله فيها ، ويكون الدين كله لله ولو كره المشركون.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الليلة الحادية عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

وَكَلأْتَنِي مِنْ طَوَارِقِ الْجَانِّ، وَسَلَّمْتَنِي مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، فَتَعَالَيْتَ يَا رَحِيمُ يَا رَحْمنُ، حتّى اِذَا اسْتَهْلَلْتُ نَاطِقاً بِالْكَلاَمِ، اَتْمَمْتَ عَلَىَّ سَوابغَ الإنْعَامِ.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الأنعام: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ..}.

لقد خلق الله مع الانسان خلقا غيره ، منهم الشياطين، ومنهم الجان، ولكل عالمه، ولست بصدد الكلام عنهم، لكن أشير إلى مطلب أراده عليه السلام من خلال كلمات الدعاء وهو الإحاطة الكاملة بالحالة الاجتماعية الأسرية من شكر الله عليها في كل مراحلها منذ بداية العيش في دار الدنيا كطفل، فالله يحفظه من هؤلاء الذي يتربصون به و يريدون به شرا و قد سلمت الفرق المسلمة بحياة المخلوقات الأخرى غيرهم بدلالة القرآن والروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام.

وروي أن النبي صلى الله عليه وآله قال: خلق الله الجن خمسة أصناف: صنف كالريح في الهواء، وصنف حيات، وصنف عقارب، وصنف حشرات الأرض، وصنف كبني آدم عليهم الحساب والعقاب.

والغيلان: سحرة الجن. وأم الصبيان: ريح تعرض لهم.

من نعم الله ورحمته أن حفظ الطفل من مردة الشياطين والجن، ولذلك هناك الكثير من المستحبات التي يفعلها الفرد في بيته مثل الأذان لطرد الشياطين، وقراءة القرآن، أراد الامام عليه السلام من خلال كلمات الدعاء أن يوضح لنا ما يجب فعله للوصول إلى مرحلة معرفة كيفية تحصين الإنسان نفسه منهم ، و كيف يشكر الله في كل أموره، ومن الشكر والحمد لله أن يسلم الإنسان من التشوهات الخلقية .

وروي عن محمد بن سنان، عمن حدثه قال: كان علي بن الحسين عليه السلام إذا بشر بولد، لم يسأل: أذكر هو أم أنثى؟ بل يقول: أسوي؟فإذا كان سوياً قال: الحمد الله الذي لم يخلقه مشوهاً.

لا تنحصر العيوب والعاهات التي تصيب الطفل في رحم الأم بالنوع البدني منها فقط. فكثيراً ما يتفق إصابة الطفل بعوارض لم تنكشف بعد فهي ليست ظاهرة بل كامنة، ولكن لا يلبث بعد الولادة أن يظهر تدريجياً، فيكشف الزمن عن أسرار عميقة كانت مكتومة في خلقة الفرد فجميع تلك الاستعدادات تأخذ بالظهور إلى عالم الفعلية واحدة تلو الأخرى.

روي عن الإمام جواد عليه السلام: الأيام تهتك لك الأمر عن الأسرار الكامنة.

بعض الأطفال يبتلى بقسم من العيوب والنواقص العضوية في ناحية أو أكثر من البدن، ويولد مع تلك العيوب.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الاسراء: (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا).
فمن رحمة الله بنا أن جعلنا متنعمين بالعطايا، وأن رفع عنّا البلايا، أن جعل لنا من ذرياتنا خلقة كاملة ليس فيه عيب كل ذلك من رحمة الله.

ان معنى الرحمن الرحيم:
 وهما صفتان تعبّران عن حقيقة الرحمة الإلهية من بين سائر صفاته تعالى في القرآن عموماً، وفي آية البسملة خصوصا، ولا يخفى ما لهذا الحضور من مغزى عميق، لأن البسملة هي عنوان الذكر الحكيم، ويذكر المفسرون في التفريق بين هاتين الصفتين أنّ صفة “الرحمن” تشير إلى الرحمة العامة، والتي تتنزل على جميع خلقه من الصغار والكبار، الأولياء والعتاة، المؤمنين والكافرين، المطيعين والعصاة، فرحمته تعالى تعمّ كل هؤلاء وتسعهم، كلٌ بحسبه ووفق استعداده، فالمؤمن تناله رحمته تعالى في الدارين، والكافر يناله الكثير من الرحمة الدنيوية، كما أنّ باب الرحمة الأخروية مفتوح أمامه، ما لم يمتنع هو عن دخوله باختياره، وهكذا فإنّ رحمته تعالى لا تختص بالإنسان، بل تشمل كل الخلائق والكائنات، أمّا صفة “الرحيم” فهي تختص بعباده الصالحين المطيعين وقد استحقوها بإيمانهم وعملهم الصالح، وذلك قوله سبحانه وتعالى في سورة الأحزاب:{وكان بالمؤمنين رحيما}.
فاذا استهل الطفل بالكلام أنكشف ما كان يخفى على أهله من نعم الله عليهم أن جعله تاما سويا.
التعاليم التي وردت من مدرسة أهل البيت عليهم السلام للإنسان بفضائل الله عزوجل عليه وكيفية الزيادة في شكره وحمده ما روي عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أتاه ما يحب قال: الحمد لله المحسن المجمل، وإذا أتاه ما يكرهه قال: الحمد لله على كل حال والحمد لله على هذه الحال.
وما روي عن الامام عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: في ابن آدم ثلاثمائة وستون عرقا منها مائة وثمانون متحركة، ومائة وثلاثون ساكنة، فلو سكن المتحرك لم يبق الانسان، ولو تحرك الساكن لهلك الانسان، قال: وكان النبي صلى الله عليه وآله إذا أصبح وطلعت الشمس يقول: الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا طيبا على كل حال، يقولها ثلاثمائة وستين مرة شكرا.

أنعم الله تعالى على الإنسان نعماً جمّة لا يمكن إحصاؤها، حتى أصبح من نافلة الحمد لله قولُ الحامد: الحمد لله الذي لا يبلغ مدحتَه القائلون ولا يُحصي نعماءَه العادون، بل عُدّ وجوبُ شكر المنعم من أهم الدوافع للإنسان، لأنه أنعم عليه من سوابغه الكثيرة من قبل وجوده الى حين خروجه تاما سويا، وعلى هذا الأساس دعا الإسلامُ إلى مقابلة النعم بحسن صحبتها ومجاورتها، فعن الإمام علي عليه السلام: أحسنوا صحبة النعم قبل فراقها، فإنها تزول وتشهد على صاحبها بما عمل فيها.

ونحن في هذه الأيام والليالي المباركة نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.
روي عن الامام الصادق جعفر بن محمد ( عليه السلام ) قال : ( أما والله ليغيبنّ عنكم مهديكم حتى يقول الجاهل منكم : ما لله في آل محمد حاجة ، ثم يقبل كالشهاب الثاقب فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً ).
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

التطبيق السابع و العشرون

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ


اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد الحَمْدُ للهِ الَّذَي لاَ يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ القَائِلُونَ، وَلاِ يُحْصِي نَعْمَاءَهُ العَادُّونَ، ولاَ يُؤَدِّي حَقَّهُ الُمجْتَهِدُونَ، الَّذِي لاَ يُدْركُهُ بُعْدُ الهِمَمِ، وَلاَ يَنَالُهُ غَوْصُ الفِطَنِ، الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ، وَلاَ نَعْتٌ مَوْجُودٌ، وَلا وَقْتٌ مَعْدُودٌ، وَلا أَجَلٌ مَمْدُودٌ. فَطَرَ الخَلائِق بـقُدْرَتِهَ، وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ، وَوَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ.(*) اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد
و لازلنا نطبق هيمنة البسملة بشكل متسلسل لآيات سورة البقرة و بعض الأحيان نقوم بتفسير موضوعي وطريقته استقراء آيات الموضوع.

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)(1)

قبل هذه الآية تم ذكر ضعف الإيمان و عدمه و النتيجة كانت الإسراف بالمعصية و اللاإنسانية ، و في هذه الأية سيكون الكلام عن الإيمان الذي يلتقي في طريقه بكل مفاهيم الإنسانية، و نتيجته حسن العاقبة و أفضل الكلام عن مفهوم الإيمان هو كلام أهل بيت النبوة صلوات الله عليه وسلم .

  • الإمام علي (عليه السلام): الإيمان أصل الحق، والحق سبيل الهدى، وسيفه جامع الحلية، قديم العدة، الدنيا مضماره (2).
    كلام جميل و مختصر لمسيرة الحياة و معرفة امتحانات و ابتلاءات الدنيا و النجاح و الفلاح فيها .
  • عنه (عليه السلام): بالإيمان يستدل على الصالحات وبالصالحات يستدل على الإيمان، وبالإيمان يعمر العلم (3).

أما تعريف الإيمان عند الرسول صلى الله عليه وآله:

  • الإمام علي (عليه السلام): قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله):
    يا علي، اكتب، فقلت: ما أكتب: فقال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، الإيمان ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال، والإسلام ما جرى على اللسان وحلت به المناكحة (4).

أما تعريف الإمام الباقر الإيمان :

الإمام الباقر (عليه السلام): الإيمان ما كان في القلب، والإسلام ما عليه التناكح والتوارث وحقنت به الدماء، والإيمان يشرك الإسلام، والإسلام لا يشرك الإيمان (5).

  • عنه (عليه السلام): الإيمان إقرار وعمل، والإسلام إقرار بلا عمل (6).

روايات الإيمان كثيرة جدا و لكن الإمام الباقر اختصر الكلام في حقيقة الإيمان فقال: إقرار، و هو الاعتقاد بأصول الدين الحقة و هي : التوحيد و والعدل و النبوة و الإمامة و المعاد، ثم قال: عمل أي : فروع الدين، فأي شخص يترك جزئية من هذه الجزئيات من أصول الدين و فروع الدين خرج عن الإيمان وصار مسلما شكليا فقط، وإن ترك الأصول والفروع فقط فقد كقر.

الإمام الكاظم (عليه السلام) – وقد سئل عن الكبائر هل تخرج من الإيمان؟ -: نعم، وما دون الكبائر، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا يزني الزاني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق وهو مؤمن (7).

  • الإمام الصادق (عليه السلام) – وقد سأله زرارة عن قول النبي: لا يزني الزاني وهو مؤمن -: حتى ينزع عنه روح الإيمان. قال: قلت: ينزع عنه روح الإيمان؟ قال: [قلت:] فحدثني عن روح الإيمان. قال: هو شئ، ثم قال: احذر ان تفهمه [أ] ما رأيت الإنسان يهم بالشئ فيعرض بنفسه الشئ يزجره عن ذلك وينهاه؟ قلت:
    نعم، قال: هو ذاك (8).

ومن هاتين الروايتين نفهم أن نزع الإيمان في حال ترك شيء من فروع الإسلام من واجباته و نواهيه كما هو الحال في ترك أصل من أصول الدين.

هذه هي الاستعانة التي ينبغي العمل بها و هذا هو السمو الذي أراده الله عزوجل لهم و لنا بنصرة آل بيته و هنا تتجلي رحمة الله بتعاليمه و هذه هيمنة البسملة في آياته.

——————————————————
*-الطبرسي – الإحتجاج – ج1 – ص294.
1- البقرة:62.
6-5-4-3-2-ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 1- الصفحة 194
8-7-نفس المصد -الصفحة 194.