أرشيف التصنيف: شرح دعاء الإفتتاح

شرح دعاء الافتتاح *الحلقة الثلاثون* 

بسم الله الرحمن الرحيم

وَأَعِنّا عَلى ذلِكَ بِفَتْحٍ مِنْكَ تُعَجِّلُهُ، وَبِضُرٍ تَكْشِفُهُ، وَنَصْرٍ تُعِزُّهُ، وَسُلْطانِ حَقٍّ تُظْهِرُهُ، وَرَحْمَةٍ مِنْكَ تُجَلِّلُناها، وَعافِيَةٍ مِنْكَ تُلْبِسُناها، بِرَحْمَتِكَ ياأَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ”.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة فاطر: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا}.

نحنُ نودّعُ شهر رمضان المبارك.. فاعلموا عباد الله تعالى إن من أفضل نعم الله عليكم أن وفقكم لامتثال أمره بصيام هذا الشهر المبارك وقيام ليله وتلاوة كتابه وبذل الإحسان فيه فكونوا له من الحامدين.

ولكن يمكن أن يكون البعض قد غفل أو جهل أو قصّر او أغواه الشيطان فوقع في معصية أو ظَلَمَ احداً أو قصّر في حق من حقوق والديه أو اهله أو إخوانه.

وما تزال الفرصة امامكم حيث أنكم في اليوم الأخير من هذا الشهر الذي جعله الله تعالى شهر العتق من النار، فتداركوا ذلك بتوبة نصوح تعودون بها الى ساحة رحمة ربكم ومغفرته فكم من أناس كانت أواخرُهم خاتِمة ً حسنة، وربما تكون ساعة واحدة تشكل منعطفاً كبيراً في حياة الإنسان في علاقته مع الله تعالى.

روي عن الإمام جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال : كان علي بن الحسين عليهما السلام ، يُحْيي ليلة عيد الفطر بصلاة ٍ حتى يُصبِحَ ويبيتُ ليلة َ الفِطرِ في المسجد ويقول : يا بُنيّ ما هي بدونِ ليلةٍ يعني ليلة القدر.

فينبغي للمؤمن بانتهاء شهر الصوم أن يعلم ما مضى عنه من عمره و هو يشعر أنه أدى ما عليه من الصيام وبقية الواجبات، ولكن  عليه أن يحمد الله تعالى ويشكره وأن يستشعر الخوف من حصول التقصير والتفريط بحقوق هذا الشهر ويعترف  بالإساءة ويعترف ان  الفرصة التي ذهبت عنه هي الغنيمة من عطايا وبركات هذا الشهر فيعقد قلبه على الندم ويصدق بالاعتذار الحقيقي بلسانه حتى يمن الله عليه بالعودة إلى مثلها من العبادة في شهر الرحمة والغفران.

فنحس بالقيمة الروحية والمعنوية لهذا الشهر من خلال ما يروى عن الإمام السجاد عليه السلام في الصحيفة السجادية فيعطي للروح غذاء التوجه إلى الله.

روي أنه قال الإمام السجاد عليه السلام:

وَقَدْ أَقامَ فينا هذَا الشَّهْرُ مَقامَ حَمْد، وَصَحِبَنا صُحْبَةَ مَبْرُور، وَأَرْبَحَنا أَفْضَلَ أَرْباحِ الْعالَمينَ، ثُمَّ قَدْ فارَقَنا عِنْدَ تَمامِ وَقْتِهِ وَانْقِطاعِ مُدَّتِهِ، وَ وَفاءِ عَدَدِهِ، فَنَحْنُ مُوَدِّعُوهُ وَداعَ مَنْ عَزَّ فِراقُهُ عَلَيْنا، وَغَمَّنا وَأَوْحَشَنَا انْصِرافهُ عَنّا، وَلَزِمَنا لَهُ الذِّمامُ الْمَحْفُوظُ، وَالْحُرْمَةُ الْمَرْعِيَّهُّ، وَالْحَقُّ الْمَقْضِىُّ.

نسأل الله تعالى لنا ولكم أن يتقبله بقبول حسن ويعيده علينا وعليكم بتمام الصحة والعافية تحت راية الإمام المنتظر المهدي عجل الله فرجه، فلنرفع أكفنا إلى الله بالدعاء ليعجل ظهوره.

روي عن الإمام المهدي عجل الله فرجه قال: إنّا يُحيطُ عِلمُنا بأنبائِكُم، ولا يعزُبُ عنّا شيئٌ من أخبارِكُم. 

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

شرح دعاء الافتتاح *الحلقة التاسعة و العشرون* 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم إنا نشكو إليك فقد نبينا صلواتك عليه واله وغيبة ولينا وكثرة عدونا وقلة عددنا وشدة الفتن بنا وتظاهر الزمان علينا فصل على محمد وآله.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين. 

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة يوسف: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}.

الشكوى التي تصدر من المؤمن في فقد أشرف الخلق صلى الله عليه وآله وسلم، تخفف عنه مرارة الفقد ولتلك الشكوى على بعدها لها أبعاد إيمانية واضحة من التمسك بالعترة الطاهرة ودليل على صدق الإيمان، وقد دلت أفعال الأنبياء عليهم السلام ببث شكواهم إلى الله تعالى من الملمات التي أصابتهم، فيعرف أن هذا الفعل حسن، لأنّ في الشكوى أثراً إيجابياً مهماً في تقوية ارتباط المؤمن بالله جل جلاله لأنّ الإنسان بطبيعته يبثُّ ما يختلج في صدره من همومٍ الى من يشعر بقربه منه ومحبته له، ولهذا الأمر عظيم الأثر في تقوية حُبِّهِ عزوجل في قلب المؤمن، وكذلك في تقوية شعور المؤمن بحبّ الله عزوجل له، لأن الشكوى تكون لمن يثق المؤمن بحُبِّهِ له، ولما هي هذه الشكوى.

وكيف إذا كانت لمثل النبي صلى الله عليه وآله.

وأول من آدبنا على مثل هذه العقيدة شكوى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من ظالمي فاطمة (عليها السلام) روى جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: دخلت فاطمة (عليها السلام) على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) – وهو في سكرات الموت – فانكبت عليه تبكي، ففتح عينه وأفاق ثم قال:

” يا بنية! أنت المظلومة بعدي.. وأنت المستضعفة بعدي.. فمن آذاك قد آذاني، ومن غاظك فقد غاظني، ومن سرك فقد سرني، ومن برك فقد برني، ومن جفاك فقد جفاني، ومن وصلك فقد وصلني، ومن قطعك فقد قطعني، ومن أنصفك فقد أنصفني، ومن ظلمك فقد ظلمني، لأنك مني وأنا منك، وأنت بضعة مني، وروحي التي بين جنبي.

ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم: إلى الله أشكو ظالميك من أمتي.

شكوى تهتز لها السموات السبع صدرت من النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، لتكون عنوانًا لما نعيشه في هذه المرحلة من شدة الظلم وكثرة أعدائنا.

ومن أعظم الشكوى غيبة ولي الله الأعظم عجل الله فرجه الشريف التي تبقى منى قلوب المؤمنين لينشر العدل ويحق الحق.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ليلة المعراج ، قال الله تعالى : وأعطيتك أن أخرج من صلبه أحد عشر مهدياً كلهم من ذريتك من البكر البتول ، وآخر رجل منهم يصلي خلفه عيسى ابن مريم ، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، أنجي به من الهلكة ، وأهدي به من الضلالة ، وأبرئ به من العمى ، و أشفي به المريض ، فقلت : إلهي وسيدي متى يكون ذلك؟ فأوحى الله عز وجل : يكون ذلك إذا رفع العلم ، وظهر الجهل ، وكثر القرّاء ، وقلّ العمل ، وكثر القتل ، وقلّ الفقهاء الهادون ، وكثر فقهاء الضلالة والخونة ، وكثر الشعراء ، واتخذ أمتك قبورهم مساجد ، وحلّيت المصاحف ، وزخرفت المساجد ، وكثر الجور والفساد ، وظهر المنكر وأمر أمّتك به ونهوا عن المعروف ، واكتفى الرجال بالرجال ، والنساء بالنساء ، وصارت الأمراء كفرة ، وأولياؤهم فجرة ، وأعوانهم ظلمة ، وذوي الرأي منهم فسقة.

ونحن في آخر الساعات من هذا الشهر الكريم نرفع أكفنا بالدعاء إلى الله أن يرفع هذه الغمة عن هذه الأمة بتعجيل فرج وليه الأعظم أرواحنا له الفداء ويجعلنا من الذين غفر لهم في هذا الشهر ومرحومين غير محرومين من رحمته.

روي قال الامام المهدي عجل الله فرجه قال: أكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فان ذلك فرجكم.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

شرح دعاء الافتتاح *الحلقة الثامنة و العشرون* 

بسم الله الرحمن الرحيم 

إِنَّكَ تَهْدِى مَنْ تَشاءُ إِلىٰ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ، وَانْصُرْنا بِهِ عَلَىٰ عَدُوِّكَ وَعَدُوِّنا إِلٰهَ الْحَقِّ آمِينَ. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على 

أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.  

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الأنعام:{وَأنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ}. 

ولا يخفى أنّ معنى الصراط له بعدين دنيوي وأخروي : صراط في الدنيا وهو اتباع ما أراده الله ورسوله من المؤمنين من ولاية أهل بيت النبوة عليهم السلام، وصراط في الآخرة الذي يتمحور حول ما قدمه المؤمن من اتباع صراط الدنيا ، وأحدهما يعبّر عن الآخر ، وبينهما تلازم في العلم والعمل.

روي عن المفضّل بن عمر قال : سألت الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام عن الصراط فقال : هو الطريق إلى معرفة الله عزّ وجلّ ، وهما صراطان : صراط في الدنيا وصراط في الآخرة ، فأمّا الصراط الذي في الدنيا فهو الإمام المفروض الطاعة ، من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه مرّ على الصراط الذي هو جسر جهنّم في الآخرة ، ومن لم يعرفه في الدنيا زلّت قدمه عن الصراط في الآخرة فتردّى في نار جهنّم. 

كان عدو الإنسان قد توعده بأن يضله عن طريق الحق وأقسم على ذلك فأن الشيطان وعد الله بقسمه بعزته بإغواء الإنسان وتضليله عن صراطه المستقيم إلا عباد الله المخلصين،وذلك قوله تعالى:{قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ}، فجلوس الشيطان في طريق الصراط للإنسان أمرٌ كان ميثاقه مفعولا، وقد استطرد الشيطان في قسمه وذلك قوله تعالى: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}.

روي عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام: إنّ الله تبارك وتعالى لو شاء لعرّف العباد نفسه ، ولكن جعلنا أبوابه وصراطه وسبيله والوجه الذي يؤتى منه ، فمن عدل عن ولايتنا ، أو فضّل علينا غيرنا فإنّهم عن الصراط لناكبون.

البداية الدنيوية في الصراط هو اتباع ماينجي الإنسان من الضلالة التي رسمها الشيطان وأعوانه لإخراج الإنسان من الجنة إلى النار.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة المؤمنون: {وَإنَّكَ لَـتَدْعُوهُمْ إلَى صِرَاط مُسْتَقِيم * وَإنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَـنَاكِبُونَ}.

حقيقية الصراط التي أراده الله لعباده هي الولاية لأهل البيت عليهم السلام، ولكن هناك من اتبع ما أراده الشيطان له من اتباع هواه والسقوط في براثن الكفر والنفاق لما أوصى به النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم المسلمين. وفي حديث طويل عن النبي صلى الله عليه وآله قال : وإنّ ربّي عزّ وجلّ أقسم بعزّته أنّه لا يجوز عقبة الصراط إلاّ من معه براءة بولايتك وولاية الأئمة من ولدك. 

عاقبة العلم والعمل الذي يقوم بها الإنسان في دار الدنيا مرهونة بمن تولى وبمن آمن، فمن اتبع منهاج رسول الله و أهل بيته صلوات الله عليهم فله جزاء الحسنى من ربه تعالى ومن حادَ عن طريقهم فله معيشة ضنكا، وتزل قدمه إلى درك الجحيم بسوء عمله.

روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم  قال : أتاني جبرئيل عليه السلام فقال : اُبشّرك يا محمّد بما تجوز على الصراط ؟ قلت : بلى ، قال : تجوز بنور الله ، ويجوز عليّ بنورك ، ونورك من نور الله ، وتجوز اُمّتك بنور عليّ ، ونور عليّ من نورك (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُور).

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة فاطر: { إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}. 

الإنسان الحذر في عمله وعلمه يعرف أن العدو لله هو الشيطان فيتخذه عدوا له لكي لا يخرجه عن صراط الله.

روي  عن الإمام الكاظم عليه السلام، لما سئل عن أوجب الأعداء مجاهدة، قال: أقربهم إليك وأعداهم لك،ومن يحرض أعداءك عليك، وهو إبليس. 

فالإنسان العاقل يجب عليه  أن يحذر بشدّة من عدُوّ خطر كهذا، لا يتورّع عن أيّ شيء ولا يرحم أيّ إنسان أبداً، وقرابينه في كلّ زاوية ومكان هلكى صرعى، فلا ينبغي له أن يغفل عنه طرفة عين أبداً. 

روي عن الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام قال: فاحذروا عباد الله أن يُعْدِيَكُم بِدَائِهِ، وأن يَسْتَفِزَّكُم بِخَيْلِه ورَجِلِهِ، فلعمري لقد فَوَّقَ لكم سهم الوعيد، وأغرق لكم بالنَّزْعِ الشّديد، ورماكم من مكان قريب، وقال: ﴿رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾.

إنّ الخطوات الأُولى نحو الشَّيطان إنّما يخطوها الإنسان نفسه، وهو الّذي يسمح للشَّيطان بأن يتسلَّل إلى نفسه. 

فالشَّيطان لا يستطيع اجتياز حدود الرُّوح ويعبرها، إلّا بعد موافقة من الإنسان في مراده له من الإنحراف عن صراط الله، فإذا أغلق الإنسان نوافذ قلبه في وجه الشّياطين والأبالسة والذين اتبعوهم، فسوف لا تتمكَّن من النّفوذ إلى باطنه السليم من الايمان الحقيقي بالله عزوجل ورسوله وأهله عليهم السلام.

وهو قوله تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الأعراف: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾. 

ونحن في الأيام الأخيرة من هذا الشهر الكريم نرفع أكفنا بالدعاء والتضرع لله أن يبعدنا عن الشياطين و أحزابهم، و يجعلنا من المتمسكين بولاية محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين.

روي عن الإمام الحسين عليه السلام قال : من أحبّنا للدنيا ، فإنّ صاحب الدنيا يحبّه البر والفاجر ، ومن أحبنا لله كنّا نحن وهو يوم القيامة كهاتين وقرن بين سبابتيه. 

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

شرح دعاء الافتتاح *الحلقة السابعة و العشرون* 

بسم الله الرحمن الرحيم 

وَأَعْطِنا بِهِ سُؤْلَنا ، وَبَلِّغْنا بِهِ مِنَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ آمالَنا ، وَأَعْطِنا بِهِ فَوْقَ رَغْبَتِنا ، يَا خَيْرَ الْمَسْؤُولِينَ ، وَأَوْسَعَ الْمُعْطِينَ ، اشْفِ بِهِ صُدُورَنا ، وَأَذْهِبْ بِهِ غَيْظَ قُلُوبِنا ، وَاهْدِنا بِهِ لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على 

أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.  

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة يونس: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ».

ما كان العبد المؤمن يعرف عظمة الأفعال التي يؤديها في طاعة الله لولا أهل البيت عليهم السلام، فأرشدوا هذا العبد إلى مافيه خلاصه من براثن الشبهات ودسائس الشيطان الذي أراد له سوء العاقبة، ولا يغفل هذا العبد في عبادته فيطلب بسؤاله حسن الخاتمة في الدنيا والآخرة وآماله كلها عند سادته عليهم السلام لأنهم الأمانة التي أوصى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم  أن نتبعها فهذا اجماع علماء الأمة على ما أراده النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. 

روي في صحيح مسلم ونصه: عن زيد بن أرقم قال: (ثم قال: قام رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوماً خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكّر ثم قال: أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغّب فيه ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي.

وروي عن  سنن الترمذي عن زيد أيضاً قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما).

فاتباع الحق هو التمسك بهم عليهم السلام كي نكون تحت راية الحق التي تنشر في الدنيا بيد صاحب العصر والزمان أرواحنا له الفداء، وفي الآخرة معهم.

من خطبة لأمير المؤمنين عليه السّلام: الحمد للّه الناشر في الخلق فضله، و الباسط فيهم بالجود يده نحمده في جميع أموره، و نستعينه على رعاية حقوقه، و نشهد أن لا إله غيره، و أنّ محمدا عبده و رسوله، أرسله بأمره صادعا، و بذكره ناطقا، فأدّى أمينا، و مضى رشيدا، و خلّف فينا راية الحقّ، من تقدّمها مرق، و من تخلّف عنها زهق، ومن لزمها لحق. 

شفاء المؤمنين في معرفة الحق ولولاهم لما عرفنا ما أراده الله لنا من كتابه المنزل على نبيه الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله، فشفاء الصدور وذهاب غيظ القلوب، ومعرفة الحق عند الاختلاف، منهم عليهم السلام.

روي عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال: شكا رجل الى النبي صلى اللّه عليه و آله وجعا في صدره، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: استشف بالقرآن، فإنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: وَ شِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ.

روي عن  رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: إنّ هذا القرآن هو النور المبين، و الحبل المتين، و العروة الوثقى، و الدرجة العليا، و الشفاء الأشفى، و الفضيلة الكبرى، و السعادة العظمى من استضاء به نوّره اللّه، و من عقد به أموره عصمه اللّه، و من تمسّك به أنقذه اللّه، و من لم يفارق أحكامه رفعه اللّه، و من استشفى به شفاه اللّه، و من آثره على ما سواه هداه اللّه، و من طلب الهدى في غيره أضله اللّه. 

القلوب هي مدار العبد المؤمن إما عيشا رغيدا وإما ضنك ووهن، فلا يمكن الفرار من قسوة قد تدخل القلب، فيصبح من القاسية قلوبهم. 

روي عن الإمام الباقر عليه السلام قال: إن لله عقوبات في القلوب والأبدان، ضنك في المعيشة ووهن في العبادة، وما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب. 

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الحديد:{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ}.

ونحن في وداع هذا الشهر الكريم نسأله أن يتقبل منا ويجعل بيوتنا مصباحا لأهل السماء ببركة القرآن وذكر الله ومجالس التي يحبها الله ورسوله التي تعطي للقلوب لذة الخشوع، فتعبر به إلى الدرجات العلى في الطاعة. 

روي عن الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام قال: البيت الذي يقرأ فيه القرآن، و يذكر اللّه عزّ و جلّ فيه، تكثر بركته، و تحضره الملائكة، و تهجره الشياطين، و يضي‌ء لأهل السماء كما تضي‌ء الكواكب لأهل الأرض و إنّ البيت الذي لا يقرأ فيه القرآن، و لا يذكر اللّه عزّ و جلّ فيه، تقلّ بركته، و تهجره الملائكة، و تحضره الشياطين.

ونحن عبادك يالله نرفع أكفنا بالدعاء لك أن ترينا الحق حقا فنتبعه، وأرنا الباطل باطلا حتى نجتنبه، فنكون من الفائزين بقلوبنا التي كانت على هدى منك ومن أمرتنا بالتمسك بهم محمد وآل محمد ولا تفرقنا عنهم حتى نرد عليهم الحوض.

روي عن الإمام الباقر عليه السلام قال:  

لا يُحبّنا عبد ويتولّانا حتى يُطهّر اللّه قلبه، ولا يُطهّر اللّه قلب عبدٍ حتى يُسلّم لنا ويكون سلماً لنا، فإذا كان سلماً لنا سلّمه اللّه من شديد الحساب، وآمنه من فزع يوم القيامة الأكبر. 

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

شرح دعاء الافتتاح *الحلقة السادسة و العشرون* 

بسم الله الرحمن الرحيم 

وَفُكَّ بِهِ أَسْرَنا ، وَأَنْجِحْ بِهِ طَلِبَتَنا ، وَأَنْجِزْ بِهِ مَواعِيدَنا ، وَاسْتَجِبْ بِهِ دَعْوَتَنا ، وَأَعْطِنا بِهِ سُؤْلَنا ، وَبَلِّغْنا بِهِ مِنَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ آمالَنا. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على 

أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين. 

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الأنعام: {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ}. 

إن لظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه الشریف وقت محدد لا نعلمه نحن لأن أمره من الله  و كل الروايات التي وردت في هذا الموضوع أكدت على كذب من يحدد وقتا تاريخياً معيناً للظهور بل دلت أكثر الروايات على الدعاء بالفرج وأعطت علامات كثيرة تحدث قبل الظهور لتثبيت عقيدة المؤمنين بوعد الله تعالى. 

روي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض جوراً و عدواناً ، ثم يخرج رجل من أهل بيتي ، يملئها قسطاً و عدلاً كما ملئت ظلماً و عدواناً. 

وقد جاء في عقد الدرر حيث أخرج بسنده عن الإمام أبي عبدالله الحسين بن علي عليه السلام قال : لا يكون الأمر الذي تنتظرونه – يعني ظهور المهدي عجل الله فرجه، حتى يبرأ بعضكم من بعض ، و يشهد بعضكم على بعض ، و يلعن بعضكم بعضاً .

فقلت : أفي ذلك الزمان من خير ؟

فقال عليه السلام: الخير كله في ذلك الزمان ، يخرج المهدي فيرفع ذلك. 

زمانٌ يكثر فيه الاستهزاء بالمنتظرين لإمامهم، وتتقلب القلوب وتتزلزل الناس، فلا ينجيهم إلا التمسك والعقيدة الراسخة لديهم في عقائدهم أن وعد الله كان مفعولا. 

روي عن عبد الله بن سنان قال : ( كنت عند أبي عبد الله  الإمام الصادق عليه السلام  فسمعت رجلاً من همدان يقول له : إن هؤلاء العامة يعيروننا ويقولون لنا : إنكم تزعمون أن مناديا ينادي من السماء باسم صاحب هذا الأمر! وكان متكئاً فغضب وجلس ، ثم قال : لا تروه عني ، واروه عن أبي ولا حرج عليكم في ذلك. أشهد أني سمعت أبي عليه السلام يقول : والله إن ذلك في كتاب الله عزوجل بين حيث يقول :( إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ).

تكثر الفتن في فترة الانتظار وكلما أخمدت من مكان اشتعلت من مكان، فيتمسك المؤمن بما قاله أمير المؤمنين عليه السلام: كُنْ فِي الْفِتْنَةِ كَابْنِ اللَّبُونِ، لاَ ظَهْرٌ فَيُرْكَبَ، وَلاَ ضَرْعٌ فَيُحْلَبَ،

فحتمية النداء من السماء ببشارة المؤمنين كما روي عن سعيد عن جابر عن الإمام أبي جعفر عليه السلام قال : ينادي مناد من السماء ألا أن الحق في آل محمد ، وينادي مناد من الأرض ألا إن الحق في آل عيسى أو قال العباس ، أنا أشك فيه ، وإنما الصوت الأسفل من الشيطان ليلبس على الناس. 

ويدل على هذه الفترة أيضاً  ممن يدعي السفارة عدة أخبار صحيحة السند ، ومن أوضحها التوقيع الصادر منه عليه السلام إلى سفيره علي بن محمد السمري رضوان الله عليه قال : وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة، ألا ومن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 

والمقصود بمن يدعي المشاهدة قبل هذين الحدثين من يدعي السفارة لصاحب الأمر عجل الله فرجه الشریف، وليس مجرد التشرف برؤيته دون ادعاء النيابة أو دون التحدث بذلك ، فقد استفاضت الروايات برؤيته عجل الله فرجه من قبل العديدين من العلماء والأولياء الثقاة الأصحاء ، ولعل هذا سبب التعبير بنفي المشاهدة لا الرؤية.

وروي عن  عبدالله بن الفضل قال : سمعت جعفر بن محمد الإمام الصادق عليه السلام  يقول : إن لصاحب هذا الأمر غيبة لابد منها يرتاب فيها كل مبطل. فقلت له : ولم جعلت فداك ؟ قال عليه السلام: لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم. قلت : فما وجه الحكمة في غيبته ؟ فقال عليه السلام: وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره. إن وجه الحكمة في ذلك لاينكشف إلا بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر عليه السلام من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار ، لموسى عليه السلام إلا وقت افتراقهما.

يا ابن الفضل ، إن هذا أمر من أمر الله ، وسر من سر الله ، وغيب من غيب الله. ومتى علمنا أنه عزوجل حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة ، وإن كان وجهها غير منكشف لنا. 

وأما الناس  فتعمها موجة الحديث عن المهدي عليه السلام وكراماته واقتراب ظهوره ، ويكون ذلك تمهيداً مناسباً لظهوره. 

ولكن تلك الفترة تكون أيضاً أرضية خصبة للكذابين والوضاعين لادعاء المهدية ومحاولة تضليل الناس  فقد ورد في الأحاديث عن أهل البيت عليهم السلام أن اثنتي عشرة راية تدعي المهدية ترفع قبل ظهوره عجل الله فرجه، وأن اثني عشر شخصاً من آل أبي طالب يرفع كل منهم راية ويدعو إلى نفسه ، وجميعها رايات ضلال ، ومحاولات دنيوية لاستغلال تطلع العالم إلى ظهوره عليه السلام، والشوق للقائه فيمحص عندها المنتظرين الحقيقيين من الذين في قلوبهم زيغ.

روي عن المفضل بن عمرو الجعفي عن الإمام الصادق عليه السلام قال سمعته يقول :  إياكم والتنويه ، أما والله ليغيبن إمامكم سنيناً ( سبتاً ) من دهركم ، ولتمحصن حتى يقال مات أو هلك ، بأي واد سلك. 

ولتدمعن عليه عيون المؤمنين. 

ولتكفؤن كما تكفأ السفن أمواج البحر ، فلا ينجو إلا من أخذ الله ميثاقه ، وكتب في قلبه الإيمان ، وأيده بروح منه. 

ولترفعن اثنتا عشرة راية مشتبهة ، لا يدرى أيٌّ من أي!

قال المفضل : فبكيت ، فقال عليه السلام ما يبكيك يا أبا عبد الله ؟

فقلت : كيف لا أبكي وأنت تقول ترفع اثنتا عشرة راية لا يدرى أيٌّ من أي ، فكيف نصنع ؟ قال المفضل: فنظر إلى شمس داخلة في الصفة ، فقال عليه السلام: يا أبا عبد الله ترى هذه الشمس ؟ قلت : نعم. 

قال عليه السلام : والله لأمرنا أبين من هذه الشمس . 

ونحن في الأيام القليلة الباقية من هذا الشهر الفضيل نطلب من الله أن نكون مصداق قوله تعالى في سورة فصلت: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}. 

لنكن من الصابرين والمنتظرين ومتمسكين بولايتهم عليهم السلام، روي عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: إنّ من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيهنّ مثل القبض على الجمر، للعامل فيهنّ مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم.

اللهم ثبت قلوبنا على دينك ومعرفة الحق من أهل الحق عليهم السلام، وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

شرح دعاء الافتتاح *الحلقة الخامسة و العشرون* 

بسم الله الرحمن الرحيم 

وَأَعْزِزْ بِهِ ذِلَّتَنا ، وَأَغْنِ بِهِ عائِلَنا ، وَاقْضِ بِهِ عَنْ مَُغْرَمِنا ، وَاجْبُرْ بِهِ فَقْرَنا ، وَسُدَّ بِهِ خَلَّتَنا ، وَيَسِّرْ بِهِ عُسْرَنا ، وَبَيِّضْ بِهِ وُجُوهَنا. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على 

أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة آل عمران: {وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ}.

العيش الذي أراده المؤمنون بعد طول انتظار في كنف إمامهم أرواحنا له الفداء في عصر يطلق عليه أسماء كثيرة كعصر النور  والفرج والعلم والازدهار، لأننا إذا نظرنا إلى مجتمعاتنا الآن رأيناها تعج بالفساد وكثرة المعاصي والحرمان، وعدم الأمان ، لذا ننتظر ان يأتي الوعد الإلهي ليرسم عصرا لطالما هيئت له السماء لينشر العز ويرفع الذل ويغني به فقراء المؤمنين ويقضي لهم ماتمنوا، والذبول المستولى على الوجوه تتبدل طراوة ونضارة، والخوف يرتفع، والأمان يسود العالم، والعدالة تخيم على الرؤوس، والظلم يتبخر، فلا ترى ظالما ولا مظلوما، والمسلمون تتحقق أمنياتهم، والسلام يشمل الكرة الأرضية، والإسلام ينتشر في كل بقعة من بقاع الأرض.

روي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله قال  عن عصر الغيبة: وذلك عندما تصير الدنيا هرجاً ومرجاً، ويغار بعضهم على بعض، فلا الكبير يرحم الصغير، ولا القوي يرحم الضعيف، فحينئذٍ يأذن الله له بالخروج.

تعم الرحمة وتكون القوة للمؤمنين بين يديه فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، لأن وعد الله تحقق.

روي عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام  عن أبيه عن جده عليه السلام  قال : قال أمير المؤمنين  عليه السلام  وهو على المنبر : يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان ، … إذا هز رايته أضاء لها ما بين المشرق والمغرب ، ووضع يده على رؤوس العباد ، فلا يبقى مؤمن إلا صار قلبه أشد من زبر الحديد. 

روي عن الإمام زين العابدين عليه السلام قال : إذا قام قائمنا أذهب الله عن شيعتنا العاهة وجعل قلوبهم كزبر الحديد وجعل قوة الرجل منهم قوة أربعين رجلاً ويكونون حكام الأرض وسنامها. 

فدرر الكلم ينطق به أهله ولا كلام بعد كلامه لأننا نخطئ ونصيب أحيانا، فأورد مراحل الحياة ومفهومها تحت رايته عجل الله فرجه، بما ورد عنهم عليهم السلام. 

روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال حول مرحلة الظهور:  ويحسن حال عامة العباد، ويجمع الله الكلمة، ويؤلف بين قلوب مختلفة، ولا يعصى الله (عزَّ وجلَّ) في أرضه، ويقام حدود الله في خلقه، ويَرُد الله الحق إلى أهله. 

وروي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: اعلموا أنَّ الله يحيى الأرض بعد موتها… أي يحييها الله بعدل القائم عند ظهوره بعد موتها بجور أئمة الضلال. 

وروي عن  الإمام الصادق عليه السلام قال: إذا قام القائم حكم بالعدل وارتفع الجور في أيامه وأمنت به السبل. 

ويروى عن الإمام الباقر عليه السلام قال حول عمل الإمام عجل الله فرجه في مرحلة الظهور: ويوسع الطريق الأعظم فيصير ستين ذراعاً ويهدم كل مسجد على الطريق ويسد كل كوة إلى الطريق وكل جناح وكنيف وميزاب إلى الطريق. 

روي  عن الإمام الباقر عليه السلام قال: إذا قام قائم أهل البيت قسم بالسوية وعدل في الرعية.

انّ الأرض تضيء تتلألأ بنور ذلك النور الإلهي بحيث تستغني الناس عن نور الشمس والقمر، لأن الله بيض وجوه المؤمنين بإمامهم بعد أن كدرتها الأيام في غيبته.

روي عن المفضل بن عمر قال سمعت الإمام أبا عبد الله عليه السلام يقول :  أنّ قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربّها واستغنى العباد عن ضوء الشمس وذهبت الظلمة. 

قضى عنا أكثر أيامه ولياليه ونحن في صحة وسرور ببركة أنفاسه الشريفة، والقلوب تعتصر شوقا لرؤيته، فبين راكع وساجد يتمتم بتعجيل اللقاء،  قد ورد عن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف نفسه في أهمّية الدُّعاء بتعجيل فرجه: “وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيَّبها عن الأبصار السَّحاب، وإنّي لأمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء، فأغلقوا أبوابَ السُّؤال عمَّا لا يعنيكم ولا تتكلَّفوا علم ما قد كُفيتم وأكثروا الدُّعاء بتعجيل الفرج، فإنَّ ذلك فرجُكم

فلنرفع أكفنا بالدعاء لله بما ورد عنهم فنقول:  اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا. 

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

شرح دعاء الافتتاح *الحلقة الرابعة و العشرون* 

بسم الله الرحمن الرحيم 

اللّٰهُمَّ مَا عَرَّفْتَنا مِنَ الْحَقِّ فَحَمِّلْناهُ ، وَمَا قَصُرْنا عَنْهُ فَبَلِّغْناهُ. اللّٰهُمَّ الْمُمْ بِه شَعَثَنا ، وَاشْعَبْ بِهِ صَدْعَنا ، وَارْتُقْ بِهِ فَتْقَنا ، وَكَثِّرْ بِهِ قِلَّتَنا. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على 

أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.   

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة المائدة: {تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ}. 

إن معرفة الحق من أهم الأمور التي يسعى إليها المؤمن ونحن في الأيام العشرة الأخيرة من هذا الشهر الكريم وقد كان النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله يشد فيها المئزر ، ويتفرغ لعبادة الله عز وجل ، في اعتكاف مستمر فينبغي للمؤمن أن يتأسى بأهل البيت عليهم السلام في هذه الأيام من الإلحاح بطلب المغفرة والعتق من النار.

فمعرفة الحق هو غاية البالغين والحاملين له في صدورهم ولكن  إذا كان  بإمكان المؤمن  أن يستمع إلى حديث ، أو إلى محاضرة ، أو يقرأ كتاباً أو مقالاً ، فيعرف الحق.

 ومن المعلوم أن البعض  غيروا اتجاه حياتهم ورؤيتهم للحياة من خلال كتاب واحد ، أو عرفوا الحق في موقف واحد ، أو في ساعة واحدة.ولكن التكليف الأكبر هو تحمل هذا الحق ، وأن يعمل المؤمن بلوازم الحق الذي عرفه ، وإلا أصبح هذا الحق حجة عليه يوم القيامة، من معرفة إمام زمانهم عجل الله فرجه. 

روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال:  من مات ولا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية.

وقد أجمع علماء المسلمين على هذا الحديث من وجوب معرفة الحق وتحمل عدم التقصير فيه وشيعة أهل البيت عليهم السلام يلتزمون بما ورد عنهم عليهم السلام، وهم في ضيق وعسر يسألون الله أن يجمعهم ويرتقي هذا الأمر تحت راية صاحب العصر والزمان أرواحنا له الفداء.

روي عن النبي صلى الله عليه وآله قال :  القائم من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي وشمائله شمائلي وسنته سنتي ، يقيم الناس على ملتي وشريعتي ويدعوهم إلى كتاب ربي عز وجل ، من أطاعه فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني ومن أنكره في غيبته فقد أنكرني ومن كذبه فقد كذبني ومن صدقه فقد صدقني . 

فالمؤمن المترقب لفرج إمامه المنتظر عجل الله فرجه الشریف يلاقي صعوبات كثيرة لتكذيب الناس له بوجود هذا الإمام المغيب ، كما يلاقي صعوبات كثيرة لقيامه بواجباته الرسالية من شد على قلوب أخوانه المؤمنين بثبات العقيدة والولاية لأهل البيت عليهم السلام وانتظار الفرج، ومايعانيه من قلة المؤمنين في هذا الزمن. 

روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: والذي بعثني بالحق بشيراً ليغيبن القائم من ولدي بعهد معهود إليه مني حتى يقول أكثر الناس ما لله في آل محمد حاجة ويشك آخرون في ولادته ، فمن أدرك زمانه فليتمسك بدينه ولا يجعل للشيطان إليه سبيلا يشككه فيزيله عن ملتي ويخرجه من ديني. 

ونحن في هذه الأيام والليالي الأخيرة من هذا الشهر، نعمل بما قصرت به أنفسنا من قبل فنبلغ بها مبتغانا الذي ارتضيناه بعد تشعبنا  بكثرة الدعاء للإمام عجل الله فرجه. 

روي عن الإمام الصادق عليه‌السلام في حديث له عن بني إسرائيل قال:  فلما طال على بني إسرائيل العذاب ضجوا وبكوا إلى الله أربعين صباحاً ، فأوحى الله إلى موسى وهارون يخلصهم من فرعون فحط عنهم سبعين ومائة سنة ، ثم قال عليه السلام: هكذا أنتم لو فعلتم لفرج الله عنا فأما إذا لم تكونوا فإن الأمر ينتهي إلى منتهاه. 

ينبغي لنا الدعاء والطلب من الله الثبات على معرفة الإمام المهدي عجل الله فرجه  حق معرفته لأن هذا الأمر لا يتم لنا ولا يمكننا الحصول عليه إلا بتوفيقه ومعونته سبحانه وتعالى، لأن الناس في غفلة بما فيهم من الانغماس في ملذات الدنيا والابتعاد عن أصول دينهم وما أراده لهم أهل البيت عليهم السلام، وهم في عصر التقدم ومواقع التواصل الضالة وبرامج شيطانية تبعدهم عن الله، ولله در الشاعر دكتور وائل جحا يصف انحطاط المجتمع وما وصل إليه الحال من التجاهر بالمعصية:

تبدو غريباً إذا ما كنتَ ذا خُلُقٍ 

كقابضِ الجمرِ تكوي كفَّهُ النَّارُ 

أمَّا المسيءُ فبينَ الناسِ تلحظهُ 

يمشي بفخرٍ وللإفسادِ مدرارُ 

يفتي البرايا بغيرِ العلم معتلياً 

منابرَ القولِ والإعلامُ يختارُ 

والعريُ صارَ لهُ صوتٌ تبوحُ بهِ 

برامجٌ ولها في الأرضِ أنصارُ 

كذاكَ أضحى المجونُ اليومَ منتشراً 

ويستغلُّ ضعافَ النفسِ فجارُ 

يا أمةً قد علت أخلاقها فَعَلَت 

كانت كبدرٍ لهُ في الأرضِ أنوارُ 

لمَّا تخلَّى بنوكِ اليومَ عن قيمٍ 

زادتكِ عزَّاً إذا بالعزِّ ينهارُ 

عودي إلى دربِ من بالدِّينِ شرَّفنا 

ما خابَ من لرضى الرحمن قد ساروا. 

الانتباه من المؤمن والتمسك بثوابته الولائية لأهل بيت العصمة عليهم السلام والتسديد في أفعاله وأعماله في هذه الأيام والليالي المباركة من المسارعة بالدعاء للثبات على  الحق في دينه والالتجاء لله سبحانه وتعالى من خلال المدرسة النبوية الشريفة.

روي عن زرارة بن أعين أنه سأل الإمام الصادق عليه‌السلام  عن زمان الغيبة حيث قال :  جعلت فداك إن أدركت ذلك الزمان أي شيء أعمل ؟

قال عليه السلام: يا زرارة إذا أدركت هذا الزمان فادع بهذا الدعاء ” اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك ، اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك ، اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني. 

نسأل الله العلي القدير أن يثبتنا على دينه الحق إنه سميع مجيب وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

شرح دعاء الافتتاح *الحلقة الثالثة و العشرون* 

بسم الله الرحمن الرحيم 

اللّٰهُمَّ إِنَّا نَرْغَبُ إِلَيْكَ فِي دَوْلَةٍ كَرِيمَةٍ تُعِزُّ بِهَا الْإِسْلامَ وَأَهْلَهُ ، وَتُذِلُّ بِهَا النِّفاقَ وَأَهْلَهُ ، وَتَجْعَلُنا فِيها مِنَ الدُّعاةِ إِلَىٰ طاعَتِكَ ، وَالْقادَةِ إِلىٰ سَبِيلِكَ ، وَتَرْزُقُنا بِها كَرامَةَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على 

أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.   

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة التوبة: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِـُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَيَأْبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ}. 

جاءت كلمات علماء المسلمين جميعا على أن كل دولة بنيت بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت ناقصة لعدم اكتمال ما أراد الله للمؤمنين من العزة والكرامة لهم، بل عكس ذلك كان فيها الظلم والقتل وما تبعها من مظلومية كاملة لهذا الدين الحنيف،من داخل المسلمين الذين نافقوا كي يصلوا بهذا الزيف في ادعاء الاسلام إلى سدة الحكم ومن خارجه ما يريده الكفار بتكذيبهم كي يبطلوا دين الإسلام، ويبطلوا حجج الله وبراهينه على توحيده الذي جاء به النبي محمد صلى الله عليه وآله ، ويأبى الله إلا أن يتم دينه ويظهره، ويعلي كلمته، ولو كره بذلك الجاحدون والمنافقون. 

روي عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام قال : ما يكون هذا الأمر حتى لا يبقى صنف من الناس إلا وقد ولوا على الناس حتى لا يقول قائل إنا لو ولينا لعدلنا ، ثم يقوم القائم بالحق والعدل. 

وروي عن إسماعيل الجعفي قال : دخل رجل على أبي جعفر عليه السلام ، ومعه صحيفة ، فقال له الإمام أبو جعفر عليه السلام: هذه صحيفة مخاصم ، يسأل عن الدين الذي يقبل فيه العمل ، فقال : رحمك الله هذا الذي أريد ، فقال أبو جعفر عليه السلام : شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا صلى الله عليه وآله عبده ورسوله ، وتقر بما جاء من عند الله ، والولاية لنا أهل البيت ، والبراءة من عدونا ، والتسليم لامرنا ، والورع والتواضع ، وانتظار قائمنا ، فإن لنا دولة إذا شاء جاء بها. 

جزاء الانتظار لهذه الدولة التي يرغب ويريدها المؤمنون تحت راية الإمام المهدي عجل الله فرجه، هي طموحهم ليرى المؤمن ذل أهل النفاق وأهله بعد أن كانوا متسلطين عليهم، وهو ما أجمع عليه علماء المسلمين نذكر من ذلك على قدر المستطاع. 

قال الرازي في التفسير الكبير: واعلم أن ظهور الشيء على غيره قد يكون بالحجّة، وقد يكون بالكثرة والوفور، وقد يكون بالغلبة والاستيلاء. ومعلوم أنّه تعالى بشر بذلك، ولا يجوز أن يبشّر إلاّ بأمر مستقبل غير حاصل، وظهور هذا الدين بالحجة مقرر معلوم، فالواجب حمله على الظهور بالغلبة. 

المروي عن قتادة في قوله تعالى: {ليُظهِرَهُ عَلى الَّدينِ كُلَّه} قال:هو الاَديان الستة: الذين آمنوا، والذين هادوا، والصابئين، والنصارى، والمجوس، والذين أشركوا. 

فالأديان كلّها تدخل في دين الاِسلام، والاِسلام يدخل في شيء منها، فإنّ الله قضى بما حكم وأنزل أن يُظهر دينه على الدين كلّه ولو كره المشركون. 

وفي تفسير ابن جزّي: وإظهاره: جعله أعلى الاَديان وأقواها، حتى يعم المشارق والمغارب. وهذا هو المروي عن أبي هريرة كما نصَّ عليه جملة من المفسرين. 

وفي الدر المنثور: «وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، والبيهقي في سننه عن جابر رضي الله عنه في قوله تعالى: (ليظهره على الدين كله) قال: لا يكون ذاك حتى لا يبقى يهودي ولانصراني صاحب ملّة إلاّ الإسلام. 

وعن المقداد بن الاَسود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لا يبقى على ظهر الاَرض بيت مدر ولا وبر إلا أدخله كلمة الإسلام، إما بعز عزيز، وإما بذلٍ ذليل.

إما يعزهم فيجعلهم الله من أهله فيعزّوا به، وإما يذلهم فيدينون له. 

وروي عن المقداد بن الأسود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر إلا أدخله كلمة الإسلام، إما بعز عزيز، وإما بذل ذليل. إما يعزهم فيجعلهم الله من أهله فيعزوا به، وإما يذلهم فيدينون له .

ومن هنا ورد في الأثر عن الإمام الباقر عليه السلام أن الآية مبشرة بظهور المهدي في آخر الزمان، وأنه – بتأييد من الله تعالى – سيظهر دين جده صلى الله عليه وآله وسلم على سائر الأديان حتى لا يبقى على وجه الأرض مشرك. وهو قول السدي المفسر.

وهو ما قاله  القرطبي عن  السدّي قال : ذاك عند خروج المهدي ، لايبقى أحد إلاّ دخل في الاِسلام. 

رزق المؤمنين تحت راية الإمام المهدي عجل الله فرجه، في الدنيا كثير والآخرة كثير يحتارون أين يعطوا صدقاتهم وغيرها من الأمور المرتبطة بهم من كثرة المكتفين وانعدام المحرومين.

روى علي بن عقبة، عن أبيه قال: إذا قام القائم حكم بالعدل وارتفع في أيامه الجور، وأمنت به السبل، وأخرجت الأرض بركاتها، ورد كل حق إلى أهله، ولم يبق أهل دين حتى يظهروا الإسلام، ويعترفوا بالإيمان، أما سمعت الله سبحانه يقول: ” وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون.

وحكم بين الناس بحكم داود، وحكم محمد صلى الله عليه وآله فحينئذ تظهر الأرض كنوزها وتبدي بركاتها، ولا يجد الرجل منكم يومئذ موضعا لصدقته ولا لبره، لشمول الغنى جميع المؤمنين.

ثم قال: إن دولتنا آخر الدول، ولم يبق أهل بيت لهم دولة إلا ملكوا قبلنا لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا: إذا ملكنا سرنا بمثل سيرة هؤلاء وهو قول الله تعالى { والعاقبة للمتقين}. 

وقد مرت علينا ليالي القدر التي كثرت فيها الأدعية والأيدي المرفوعة بالدعاء بتعجيل فرج مولانا المهدي المنتظر، ونكون تحت رايته.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

شرح دعاء الافتتاح *الحلقة الثانية و العشرون* 

              بسم الله الرحمن الرحيم 

اللّٰهُمَّ أَعِزَّهُ وَأَعْزِزْ بِهِ ، وَانْصُرْهُ وَانْتَصِرْ بِهِ ، وَانْصُرْهُ نَصْراً عَزِيزاً ، وَافْتَحْ لَهُ فَتْحاً يَسِيراً ، وَاجْعَلْ لَهُ مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً. اللّٰهُمَّ أَظْهِرْ بِهِ دِينَكَ وَسُنَّةَ نَبِيِّكَ حَتَّىٰ لَايَسْتَخْفِيَ بِشَيْءٍ مِنَ الْحَقِّ مَخافَةَ أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على 

أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.  

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة المنافقون: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾. 

تعاليم الرحمن بنطق أهل الحق والبيان عليهم السلام في فترة الانتظار للإمام الحجة المنتظر ابن الكرام تعدد الوصايا للشيعة بين عصري الغيبة والظهور. 

فمن المهم الأولى الإخلاص لله تعالى في هذه الفترة يروى عن الإمام محمد الجواد عليه السلام في المنتظرين للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه قال: …ينتظر خروجه المخلصون. 

كذلك الثبات في الموقف فقد وردت أحاديث عن أهل البيت عليهم السلام، عن الابتلاء الذي يبتلى به أصحاب الإمام عجل الله فرجه، يروى عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال: إن أصحاب طالوت ابتلوا بالنهر.. وإن أصحاب القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف يبتلون بمثل ذلك. 

وروي عن الصقر بن أبي دلف ، قال : سمعتُ ابا جعفر محمد بن علي الرضا عليه‌السلام يقول: 

إنَّ الإمام بعدي إبني عليّ ، أمره أمري ، وقوله قولي ، وطاعته طاعتي ، والإمام بعده ابنه الحسن ، أمره أمر أبيه ، وقوله قول أبيه ، وطاعته طاعة أبيه ، ثمَّ سكت.

فقلت له : يابن رسول اللّه ، فمن الإمام بعد الحسن؟

فبكى عليه‌السلام بكاءً شديداً ، ثمَّ قال : إنَّ من بعد الحسن ابنه القائم بالحقِّ المنتظر.

فقلت له : يا بن رسول اللّه ، لم سمّي القائم؟

قال : لأنّه يقوم بعد موت ذكره ، وارتداد أكثر القائلين بإمامته. 

تعاليم تحفر في صدور المؤمنين بانتظار مع شوق اللقاء الذي لا بد منه، من تولي ولي الأمر في غيبته والتبرؤ من أعدائه، وهذه الوصية التي يشير الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله في إحدى الروايات إلى المدركين لظهور الإمام مميزاً فئة منهم لم تتولَّ الظالمين في غيبته كما أنها لم تعش فراغ الإيمان على مستوى الولاء للقيادة بل كانت تتولى  الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف وتتبرأ من أعدائه فيقول صلى الله عليه وآله مادحاً هؤلاء “طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو مقتدٍ به قبل قيامه يتولى وليَّه ويتبرّأ من عدوه “. 

النفس عزيزة وغالية في فطرة البشر لكن الله ميز من يتجهز لقتال أعدائه عن الجالسين وأعطاهم الفضل الكثير، فكانت الوصية منهم عليهم السلام، في الجهوزية القتالية مع الإمام،فقد روي  عن الإمام الصادق عليه السلام: ” ليعدّنّ أحدكم لخروج القائم ولو سهماً، فإن الله تعالى إذا علم ذلك من نيته رجوت أن ينسئ في عمره حتى يدركه فيكون من أعوانه وأنصاره. 

يرتقب المؤمن الأحداث التي ستحدث قبل خروج القائم من آل محمد عليهم السلام، وينظرها بنظرة اليقين مطمئنا لأن الأثر في قلبه من الشوق كان بما التزم به من وصايا أهل البيت عليهم السلام من انتظار الفرج والتحضر إليه فالأحداث تتسارع واليقين بالإجابة من سرعة اللقاء به كما ورد أنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا، فيحدثنا أئمتنا عليهم السلام عن علامة نوجز في ذكرها لعدم الإطالة. 

قد حددت الأحاديث الشريفة صفات عامة ، وأحداثاً معينة عن عصر الظهور بصورة مجملة ، مثل خروج الدابة من الأرض تكلم الناس ، وطلوع الشمس من جهة المغرب ، والنار التي تخرج من قعر عدن فتسوق الناس إلى المحشر. فمن ذلك ما روي  عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: عشر قبل الساعة لابدّ منها: السفياني والدجال والدخان والدابة وخروج القائم وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى وخسف بالمشرق و خسف بجزيرة العرب ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر. 

ولابد من علامات يرجع إليها المؤمنون في التمييز، ليكون هناك تصور عام وشامل عن هذه الأحداث والعلامات ، علماً بأن المحتوم ، هي خمس علامات كما جاء في كثير من الروايات ، روي عن ميمون ألبان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: خمس قبل قيام القائم: اليماني والسفياني والمنادي ينادي من السماء وخسف البيداء ، وقتل النفس الزكية.

من العلامات السنون حيث تكون وترا، كما يروى عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يخرج القائم إلا في وتر من السنين ، سنة إحدى أو ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع. 

لقد بين الرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا و بكل وسائل البيان بأن الإسلام يقوم على ثقلين و هما كتاب الله و عترة النبي أهل بيته ، و أن الهدى لن يدرك إلا بالتمسك بالثقلين حقا و أن الضلالة لا يمكن تجنبها إلا بالتمسك بهذين الثقلين معا ، فهما تأمين للهدى و تأمين ضد الضلالة ، و بعد أن كشف الفوائد العظيمة للتمسك بالثقلين، يظهر لنا حقيقة أن الإمام المهدي المنتظر يظهر ماخفي من سنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قبل أعداء الدين ذلك قوله تعالى في سورة الصف: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}. 

ومن هنا ورد في الاَثر عن الاِمام الباقر عليه السلام أن الآية مبشّرة بظهور المهدي في آخر الزمان، وأنه ـ بتأييد من الله تعالى ـ سيظهر دين جده (صلى الله عليه وآله وسلم) على سائر الاَديان حتى لا يبقى على وجه الارض مشرك. 

ونحن في ليالي القدر وأيامها نرفع أكفنا بالدعاء لله أن يجعلنا من الذين أدخلهم في المنتظرين للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه، وأن لا يحرمنا النظرة إليه.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

شرح دعاء الافتتاح *الحلقة الواحدة و العشرون* 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللّٰهُمَّ وَصَلِّ عَلَىٰ وَليِّ أَمْرِكَ الْقائِمِ الْمُؤَمَّلِ ، وَالْعَدْلِ الْمُنْتَظَرِ ، وَحُفَّهُ بِمَلائِكَتِكَ الْمُقَرَّبِينَ ، وَأَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ يَا رَبَّ الْعالَمِينَ. اللّٰهُمَّ اجْعَلْهُ الدَّاعِيَ إِلىٰ كِتابِكَ ، وَالْقائِمَ بِدِينِكَ ، اسْتَخْلِفْهُ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفْتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِ ، مَكِّنْ لَهُ دِينَهُ الَّذِي ارْتَضَيْتَهُ لَهُ ، أَبْدِلْهُ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِ أَمْناً يَعْبُدُكَ لَايُشْرِكُ بِكَ شَيْئاً. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على

أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين. 

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة التوبة: { بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}.

أراد الله تبارك وتعالى بالمؤمنين عبادته وتصديق أولياءه بكل ماينزل من عنده والتسليم به فجعل خلفاء ورسل مبشرين ومنذرين ومتوعدين المشركين بعذاب الله، وآل بيت النبوة أولوا أمر قيام دولتهم في آخر الزمان وبشروا ووعدوا الذين آمنوا بنصر الله ونشر معالم الدين الحنيف، أما غير ذلك فيحتاج إلى قرائن كثيرة لتدل على مدعى المدعي لخلافهم. 

روي عن ابي بصير قال: قال ابو عبد الله عليه السلام: في قول الله عز وجل: ((هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)) فقال: والله ما نزل تأويلها بعد، ولا ينزل تأويلها حتى يخرج القائم عليه السلام فاذا خرج القائم عليه السلام لم يبق كافر بالله (العظيم) ولا مشرك بالإمامة الا كره خروجه حتى (أن) لو كان كافرا (او مشركا) في بطن صخرة (لـ) قالت يا مؤمن في بطني كافر فاكسرني واقتله. 

فالدعوة السماوية للنبي صلى الله عليه وآله حددت بالنص عدد الخلفاء للإسلام وشددت في دعواها على الالتزام التام بهم وعدم التخلف عنهم، وقال تعالى في كثير من الآيات يتوعد فيها المخالفين لأمره وأمر رسوله. 

روي في خطبة رسول الله صلى الله عليه وآله فقال بعد أن حمد الله واثنى عليه: ” أيها الناس إن أصدق الحديث كتاب الله واولى القول كلمة التقوى وخير الملل ملة إبراهيم، وخير السنن سنة محمد، واشرف الحديث ذكر الله، وأحسن القصص هذا القرآن وخير الأمور عزايمها وشر الامور محدثاتها وأحسن الهدى الأنبياء. 

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة التوبة: ﴿ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾

البنية الصحيحة للمؤمن هو الاعتقاد والثبات على ولاية أهل البيت النبوة عليهم السلام والتسليم لهم وانتظار أمر الله ونحن في هذا الشهر الكريم الذي وعدنا الله فيه بظهور امام العصر المهدي عجل الله فرجه، بما ورد عنهم عليهم السلام.

روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: ( إذا اختلف بنو فلان فيما بينهم ، فعند ذلك فانتظروا الفرج ، وليس فرجكم إلا في اختلاف بني فلان ، فإذا اختلفوا ، فتوقعوا الصيحة في شهر رمضان ، وخروج القائم ، إن الله يفعل ما يشاء ، ولن يخرج القائم ولا ترون ما تحبون حتى يختلف بنوا فلان فيما بينهم ، فإذا كان ، طمع الناس فيهم ، واختلفت الكلمة وخرج السفياني ، و قال لابد لبني فلان من أن يملكوا فإذا ملكوا ثم اختلفوا تفرق ملكهم وتشتت أمرهم. 

الشوق الذي يملأ قلوب شيعة أهل البيت من انتظار الفرج ورؤية امام الزمان تكاد تخرج أرواحهم إليه، فهو القائل عجل الله فرج الشريف: لو علم شيعتي شدة حبي لهم لماتوا شوقا إلي، ونحن نموت مولاي لتلك طلعة المكرمة، التي يحدثنا بها المفضل بن عمر عن  الإمام الصادق(عليه السلام)  قال : يا مفضل يسند القائم ظهره إلى الحرم و يمد يده فتُرى بيضاء من غير سوء ويقول هذه يد الله وعن الله وبأمر الله ثم يتلو هذه الآية: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ)  فيكون أول من يقبل يده جبرائيل ، ثم يبايعه و تبايعه الملائكة ونجباء الجن ثم النقباء ، و يصبح الناس بمكة فيقولون من هذا الرجل الذي بجانب الكعبة ، وما هذا الخلق الذي معه وما هذه الآية التي رأيناها الليلة ولم نر مثلهاو يكون هذا قبيل طلوع الشمس. 

كل ما يكون في عصرنا من أمور الترف والبذخ وغيره مما غفلت الناس به ويتناسون ما يريده منهم أهل البيت عليهم السلام من حقيقة الإخلاص في عبوديتهم، لنكون من الذين فازوا بما أرادوا من سرعة لقاء حجة الله ليبايعونه ولكن ليس كما يريدون بل كما أراد أهل البيت عليهم السلام.

روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (أنه يأخذ البيعة عن أصحابه على أن لا يسرقوا ولا يزنوا ، ولا يسبوا مسلماً ، ولا يقتلوا محرماً ، ولا يهتكوا حريماً محرماً ، ولا يهجموا منزلاً ، ولا يضربوا أحداً إلا بالحق ، ولا يكنزوا ذهباً ولا فضة ولا براً ولا شعيراً ، ولا يأكلوا مال اليتيم ، ولا يشهدوا بما لا يعلمون ، ولا يخربوا مسجداً ، ولا يشربوا مسكراً ، ولا يلبسوا الخزّ ولا الحرير ، ولا يتمنطقوا بالذهب ، ولا يقطعوا طريقاً ، ولا يخيفوا سبيلاً ، ولا يفسقوا بغلام ، ولا يحبسوا طعاماً من بّر أو شعير ، ويرضون بالقليل ، ويشتمون على الطيب ، ويكرهون النجاسة ، ويأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، ويلبسون الخشن من الثياب ، ويتوسدون التراب على الخدود ، ويجاهدون في الله حق جهاده ، ويشترط على نفسه لهم ، أن يمشي حيث يمشون ويلبس كما يلبسون ، ويركب كما يركبون ، ويكون من حيث يريدون ، ويرضى بالقليل ، و يملأ الأرض بعون الله عدلاً كما ملئت جوراً ، يعبد الله حق عبادته ، ولا يتخذ حاجبــاً ولا بواباً). 

ونحن في يوم شهادة أمير المؤمنين عليه السلام لك العزاء يا صاحب الزمان من مصاب ما أجله وأعظمه، مولاي عيالك أيتام ترتقب اللقاء فنرفع أكفنا بالدعاء لله بحق أمير المؤمنين عليه السلام عجل لنا الفرج يارب، وكثر البكاء في مثل هذا اليوم في البيت العلوي.

روي عن محمّد بن الحنفيّة: بتنا ليلة العشرين من شهر رمضان عند أبي، وقد نزل السّمّ في بدنه, وكان يصلّي تلك اللّيلة من جلوس، فلم يزل يوصينا بوصاياه، ويعزّينا بنفسه، فلمّا أصبحنا، استأذن النّاس عليه، فأذن لهم -إذناً عامّاً- فدخلوا عليه، وجعلوا يسلّمون عليه وهو يردّ عليه السلام، وهو يقول: اسألوني قبل أن تفقدوني، وخفّفوا سؤالكم، قال: فبكى النّاس عند ذلك، وأشفقوا أن يسألوه.

قال: وجمع أبي أهل بيته وأولاده، ونحن ننظر إليه، وإلى بدنه، ورجليه وقد احمرّتا، فكبر ذلك علينا، ثمّ عرضنا عليه الأكل، فأبى أن يأكل، وجبينه يرشح عرقاً، وهو يمسح جبينه، فقلت: يا أبتاه، أراك تمسح جبينك؟! فقال: يا بنيّ, إنّ المؤمن إذا نزل به الموت، عرق جبينه، وسكن أنينه، ثمّ جمع عياله، وهو يقول: أستودعكم الله، الله خليفتي عليكم. ثمّ أوصى الحسن والحسين، فقال: يا أبا محمّد، ويا أبا عبد الله، كأنّي بكما وقد خرجت عليكم الفتن، كقطع اللّيل المظلم من ها هنا وها هنا، فاصبرا حتّى يحكم الله، وهو خير الحاكمين، ثمّ قال: يا أبا عبد الله، أنت شهيد هذه الأمّة، فعليك بتقوى الله، والصّبر على البليّة. ودار عينه في أهل بيته كلّهم، فقال: أستودعكم الله، الله خليفتي عليكم، وكفى بالله خليفة، ثمّ قال: ﴿لمثل هذا فليعمل العاملون﴾ ﴿إنّ الله مع الّذين اتّقوا، والّذين هم محسنون﴾ ، ثمّ استقبل القبلة، وغمّض عينيه، ومدّ يديه ورجليه، وقال: أشهد أن لا إله إلّا الله، وحده لا شريك له, وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، ثمّ قضى نحبه شهيدا مظلوما.

أي وا إماماه وا عليّاه.

فعند ذلك خرجت زينب وأمّ كلثوم وجميع نسائه، وشققن الجيوب، ولطمن الخدود، فأقبل النّاس يهرعون أفواجاً، وصرخوا صرخة عظيمة، وارتّجت الأرض، وارتفع البكاء والنّحيب، وكان كيوم مات فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكثرت الأصوات من الآفاق… وسمعنا هاتفاً يقول: 

بِنَفْسِي وَأَهْلِي ثُمَّ مَالِي وَأُسْرَتِي            

فِدَاءٌ لِمَنْ أَضْحَى قَتِيلَ ابْنِ مُلْجَمِ.

اللهم العن قتلة أمير المؤمنين عليه السلام.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.