موانع التدبر

بسم الله الرحمان الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

إن أمراض القلب تمنع صاحبها من التدبر و التأثر ، واللبيب العاقل من يسعى جاهداً للتخلص من الحجٌب التي تمنعه من بركات القرآن الكريم و كلما صفا القلب من شوائب الأمراض كان استعداده لاستقبال خيرات القرآن اكثر .

فمن هيأ قلبه للموعظة كان جديراً بالحصول على مفاتيح كنوز القرآن وجواهره ،فالآية المباركة تحضُّ على التدبر وتحدِّد المانع الأكبر من حصوله بسبب وجود الأقفال  { أٓم عٓلٓى قُلُوبٍ أٓقْفٓالُهٓا }

( إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ۘ وَالْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)  (36) سورة الأنعام . الآية ٣٦

الوصول الى حقائق القرآن الكريم و علومه و معارفه يحتاج الى التأمل والتفكير ولهذا وردت آيات كثيرة تحض على التدبر ،منها :

{ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } [القمر:17] تكررت أربع مرات

( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) سورة محمد (24)

التأمل و التفكير من وظائف العقل  إلا أن الآية تشير الى ضرورة تهيئة القلب للتدبر وعدم وجود الأقفال و الحجب التي تحرم الإنسان من التأثر بمواعظ القرآن الكريم وتوجيهاته التي وصفت في سورة البقرة :{ ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ }  سورة البقرة : الاية٢

وللقلب معاني متعددة عند العلماء و المفسرين..

فالقران غني بالغذاء الروحي و الخير و البركة ، لكن المتقين هم الذين يستفيدون من خيراته وبركاته حق الاستفادة لأنهم يتذكرون آياته.

|  الميرزا حسين النعيمي |
السبت ٨ أكتوبر  ٢٠١٦
٦محرم الحرام ، ١٤٣٨ هـ

العلم والعقل

بسم الله الرحمان الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد و على آله الطيبين الطاهرين.

قد مر آنفا بأن العلوم متعددة لأغراض متعددة بآلات معيارية متعددة حسب الحاجة، فتارة نتعلمه لغاية وأخرى لتدوينه وحفظه والكل له غرضه في التعلم والفهم والحفظ، وهناك ما انفصل لغاية أو لحفظ عن كونه من مما يصلح أن يكون علما أو يوجب علما متفاوت النتيجة والحصيلة المترددة .

ولكن المعرفة بشكل عام تنتقي كل ما يصلح أن يكون علما أو ترفضه بحسب الفطرة والقوة العاقلة المميزة بالمعايير الأولية مثل الأطول والأقصر والمساوي والعمليات الرياضياتية المستوحاة من الكليات المنطقية التي تعد معيارا عقليا لما يطرح على البشرية.

فلذلك ترى العقل يرفض العلوم الغيبية كالرمل والأعداد القائمة على نتائج متعددة يومية والألواح المستعملة عند كثير من الأديان التي تعتمد على السحر، ولو كان المدعى أن ما ذكر من العلوم إلا أنه من غير الملاحظ في مسائلها أي إسناد واقعي حقيقي بين الموضوع والمحمول ولا يمكن الركون لعلة الحد الأوسط فيها نظرا لعدم وحدة الموضوع ولا قابلية الإسناد عقلا مهما كان ، ولا معايير إلزام العاقل بالمحصلات والنتائج من مسائل مثل هكذا علوم.

وفي كثير من الأحيان قد يزهد العقل بعلوم لا تعد لها غايات نبيلة أو غير محددة بحدود واضحة ولا نتائج ملزمة للعقلاء في سياق العقل، كعلم الأنساب وأخواته .. فالغاية موجودة وقد يلتزم الكثيرون بمعطياته ولكنه في حال التشكيك وضياع أسماء الأجداد يتوقف عن الإثبات.. اللهم إلا إذا كان هناك غرضا شرعيا للرجوع إليه..

فالضابط المعرفي الملتزم بالمنطق ومعاييره والمعايير الفطرية يلتزمه جميع البشر في استلهام وتلقي المعلومات المتدفقة من أي جهة كانت.

فلو ابتكرنا علوما فعلية طبيعية مادية وألفنا منها شكلا قياسيا مستوحين من احتمالاتنا المفتوحة والخيالات المصادفة، بمساعدة معايير محسوسة، فهل أن هذا السياق والأسلوب يمكنه أن يصير علما يمكن اعتماده؟ وهل أن نتائجه يمكن أن يركن إليها رغم تفاوت مديات المواضيع ؟

مثلا: ماذا لو ادعى أهل الحساب التجربة في معرفة ما في بطن الحامل من ذكر أو أنثى؟ فهل أن ادعاء عدم الخطأ كافي لاعتبار العلمية عن طريق التجربة المدعاة ووجود الشهود على عدم خطأ هذه المسألة مثلا؟!

فاحترام العاقل والعقل للعلم يكون بمدى مصداقية الاحتمال ومدى انطباقه على الواقع، فعلم الرمل وغيره من علوم المغيبات، والمشكوكات التي لا تفرخ إلا مزيدا من المشكوكات، يتعذر على العقول اعتبارها معيارا فضلا عن كونها علما، لأنها لا تحصل نتائجا مقبولة يمكن الركون إليها ولا السكون بنتائجها.

نعم! إن العلوم التي تغير نتائجها وفقا لاكتشافاتها الجديدة تحترم بنفس المقدار الذي يوجب طمأنينة في النفس بالنتيجة، ولكن العاقل يدرك هذه التغيرات ولا يقطع بها جازما نظرا لكونها نظريات وفرضيات تمر بعدة مراحل في سياق مسائلها العلمية، وتقع تحت ضابطة تفسير المشاهدات من نفس العالم الباحث في العلم ! فلو انحرفت لاحتمالات مفتوحة وعموميات فوقانية فإن المسألة ستتفجر لعدة شكوك لا تحلها حتى الفلسفة التي امتطاها الفاعل لذلك على كل حال، وقد وضحنا سابقا كيف أن المسألة الواحدة اذا ما اشترك فيها عدة علوم من عدة جهات لاختلاف المعايير والأغراض ومواضيع العلوم ، فكيف بخائض يسترسل بتفجير كل هذه العلوم ويحاول معالجتها بمعيار فلسفي تشكيكي نقضي خاص، في سياق تفسيري واحد ! وكيف سيثبت بنفس هذا المعيار النقضي ما يقتنع به بعد أن ينقض الباقي ؟!

الحمد لله رب العالمين

 

عباس العصفور

النجف الأشرف

 

الظهور بالمعنى العرفي

بسم الله الرحمان الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين

عكفت الكثير من المذاهب على اعتبار العرف في مستوحى المفهوم اللفظي فقط، بل رفضوا غير ذلك مما جعلهم متأرجحين بين المعنى اللغوي والاستعمال بشكل أو بآخر، وكأن الأمر مختص بالألفاظ ولا قيمة للظهور عبر القرائن الحالية التي لها أثرها الشرعي الخاص حينما لا ينتابها اللبس والتعدد في المعاني.

ومن المعروف أن الظهور يصل لحالة من الحجية إذا ما وصل لمرحلة من مراحل التبادر المقنعة التي يمكن أن يلتزم بها العقلاء على نحو واضح لفظا أو تقريرا مما تعارف عليه الناس أو تسالم عليه العقلاء.

ومن هنا يمكننا الالتفات لنوعية النتيجة الحاصلة من التبادر في عدة صور متعددة حسب الحيثيات والجهات الملزمة إذا ما تم تفعيل هذا الظهور ليصل لمرحلة الاحتجاج به واعتبرت صلاحيته نافذة في إجراء الأحكام الشرعية على المتصرفين في الأعيان والمقرين والشهود وغيرها من سياقات الكشف عن الواقع والمراد .

الكثير من تصرفات العقلاء قد تبدو غامضة أو تحمل على عدة وجوه بجانب الألفاظ الغير محددة والتي لا يمكن إلزام الناس بها بمجرد حصولها أو وجودها في الخارج بأي نحو كان، لأن الظن مع كثرة وجود الاحتمالات بهذا القدر لا يمكن التعويل عليه ولا البناء على مخرجاته المتعددة، لأننا لو فعلنا ذلك فقد فتحنا أبوابا متعددة تتعدد بالتزامات كل ظن على حدة ويصبح جزاء الفعل الواحد متعددا باتجاهات مختلفة وهذا مما لا يمكن أن نعتبره مرادا في فعل واحد لاستحالة البناء عليه في آن واحد عقلا.

فهل ينتفي الظهور إذا ما لم يتبادر للذهن في سياقه العرفي ونتيجته المحصلة من قضاياه بالحد الأوسط المأخوذ بالمعنى العرفي _ الذي ذكرناه سابقا_ أم يؤخذ به ويتبقى علينا إيجاد القرائن والبحث فيها؟ أم يترك كمعنى من المعاني المجازية حتى يحصل على قرائنه التي تجعله من المعاني الحقيقية في مرادات المتكلم؟

من المتعارف أن الحركات المريبة أو الحدث اللافت والملفت عادة لا يكون إلا لغرض وغاية، فمنها ما يكون إشارة كالتصرف الدال على الملك ومدياته، كتنظيف المكان من غير إحداث تغيير في العقار .. أو إقرارا لفظيا عبر التمثل بأبيات شعرية أو أمثال شعبية.. أو التصرفات التي نحملها على الصحة وفق القواعد الفقهية من زوجية أو بنوة وأمثالها والتي يمنع الشارع الأقدس حملها على سوء الظن، أو من تصرفات كلبس السواد للحزن تارة بكيفية وللفرح أخرى بكيفية أخرى .. فهذه الحركات عادة لا تكون إلا لعلة ولكن لا يشترط أن تكون هذه العلل واضحة لكونه غير مطالب بالتصريح بعلله في كل تصرفاته عدا بالنزاعيات إذا استلزم الأمر، ولكن هذا المعلول يعطينا معنى ظهوريا واضحا !

بقي أمر التبادر الذي لابد منه، فهو الفيصل ليجعل هذا الظهور حجة أو لا ، فما كان واضحا في تبادره ولايمكن أن يلبس بمعاني أخر ظاهرا يلزم ويكون إقرار ، وما ليس بذلك فالعكس، وهكذا.. فعلى جميع الحالات إن كانت الحدود الوسطى في مثل هذه القضايا من جهة المحمولات غير مسندة بشكل تام أو لم تصل للقدر المتيقن بإمكانية إلزام المتصرف أو الفاعل للقرائن الحالية فلا يمكن اعتبار حجية ظهورها إلا فيما تمت معانيها فيه بالمقدار المتيقن منه ويصرف الغير تام لعدم صلاحية الاحتجاج به..

وإن كان العرف قد يتسامح في المعنى المتفاوت والمعنى المتردد حال الإسناد أو حال التعليل لتصرفات الناس مما قد يدخلنا في فرضيات الاحتمالات المفتوحة بأوسع مصاريع أبواب الظنون ويجعل من الشكوك مسرحا كبيرا لإجراء الأصل العملي في عدة احتمالات من فعل واحد فيضيع الواقع وتضيع حتى الوظيفة الشرعية في مثل هذا الفرض لتعدد المواضيع والمحمولات وتعدد العناوين بحسب الظرف تارة والنوع أخرى بل حتى المدعي والمنكر في النزاعيات ..

والحمد لله رب العالمين..

الميرزا عباس العصفور

النجف الأشرف

 

رصاصة النظر

بسم الله الرحمن الرحيم

(قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) (١)

(وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا..) (١)

         | في لسان العرب |
غَضَّ طَرْفَه وبَصره : كفَّه وخَفَضَه وكسره.

في سعي الإنسان لتربية نفسه وتزكيتها ، يتحرك في أبعاد مختلفة، فهو يقوم بأعمال تؤثر عليه إيجابياً،
كما يمتنع ويحذر من مطبات توقعه وترديه.

أحد أهم الأسباب التي تؤدي إلى الانحراف والوقوع في قعر الشيطان هو التهاون في النظر إلى ما حرم الله، فهو مدخل من مداخل الشيطان.

عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُقْبَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ٢( عليه السَّلام ) .
قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : ” النَّظَرُ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ مَسْمُومٌ ، وَ كَمْ مِنْ نَظْرَةٍ أَوْرَثَتْ حَسْرَةً طَوِيلَةً ” 2 .

| النظرة سهم من سهام إبليس مسموم،  |

من تركها للّه عزّ وجلّ لا لغيره أعقبه اللّه أمناً وإيماناً يجد طعمه)

ومن جانب آخر لابد للمرأة أن تتحمل المسؤولية في الحفاظ على نفسها والواقع الاجتماعي، فلا تكون سبباً للانحراف بالتهوان بالحجاب، أو لبس ما يثير الرجال.

و من جميل ما ورد عن الإمام علي(ع)
(القلب مصحف البصر) (٣)

فهو كتاب يحفظ ما تراه العين من صور ومشاهد، فكن حريصاً على نقاء قلبك مما يلوثه

١. سورة النور الأية (٣٠)
٢. أي الإمام جعفر بن محمد الصَّادق ( عليه السَّلام ) ، سادس أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) .
٢. الكافي : 5 / 559 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني ، المُلَقَّب بثقة الإسلام ، المتوفى سنة : 329 هجرية ، طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة : 1365 هجرية / شمسية ، طهران / إيران
٣.  نهج البلاغة » الحكم » الحكمة ٤٠٦
مقالة:-
… خادمكم الميرزا حسين النعيمي
الجمعة ٧ اكتوبر ٢٠١٦
| ٥ محرم ١٤٣٨ هـ  |

فرضية النتيجة العلمية

بسم الله الرحمان الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين ..

قد قسم العلماء العلوم لعدة أقسام مختلفة كالإنسانية والتجريدية  والطبيعية على نحو تجريبي وعملي وبين تفسيري ونظري وهكذا، تتوالى المسائل المختصة بكل علم على حده حسب نوعه وموضوعه وسياقه وغرضه، وقد حاول العلم الحديث توجيه بعض توجهات العلوم ليزيدوا من أقسامه الفرعية بحسب الحاجة والغرض التطويري والتقسيمي كعلم الهندسة حين يقسم إلى علم المثلثات منبثقا من علم الرياضيات ، كما وقد أنتجت هذه الطريقة علوما تعد كالأبناء الغير شرعيين لعلوم أخرى فلم يعترف بها العالم كعلم البرمجة اللغوية وأمثاله حيث عد مشتقا من علم النفس للمعترفين به وعد مقلدا لمعلومات متفرقة ونصائح متعددة عند آخرين.

وعلى كل حال، فالملاحظة العلمية للإشكاليات والفرضيات والتجارب قد توصل الباحث لاستنتاجات على وفق تفسيره للظواهر والعلل عبر المعلولات بملاحظة المادة، وهذه الملاحظة لها زواياها وجهاتها لدراستها..

مثلا، حينما يلاحظ العلماء تمدد المعادن بالحرارة وانكماشها بالبرودة، فقد يقيس الفيزيائي مقدار التمدد ويتعرف الكيميائي على عنصر المعدن وكلاهما يستعمل معاييرا رياضياتية مختلفة حسب المعيار العلمي ! فالظاهرة واحدة والعلوم متعددة كل حسب جهته.

وادعاء العلم في كل ظاهرة نظريا أو عمليا قابل للتغيير كلما بحث الباحثون أكثر وعملوا على تتبع الاحتمالات الموجودة بحسب المادة المعرفية والمسائل الخاصة بأي جهة علمية.. فلذلك ترى المتغيرات العلمية تتطور يوما بعدما كل ما أدرك العلماء شيئا جديدا وتموت نظريات واستنتاجات قديمة بلا حياء ولا تردد نظرا لخطأ احتماليتها وانكشاف سوء مدركاتها.

وما جزم العلم به بالأمس قد يكذبه اليوم بمجرد تشكيك بسيط قد لا يجد تفسيرا عبر الأدوات المعرفية الخاصة نظرا لعدم ترابط الاحتمالات أو الخطوات بين الملاحظة والاستنتاج حتى بالترتب والترتيب التسلسلي ، وهذا لا يمكن البناء عليه عقائدا لعدة أمور مختلفة وخصوصا بالعلوم التفسيرية التي فتحت أبواب الملاحظة والفلسفة.

العلوم التفسيرية تعمل بالملاحظة والمشاهدة حتى الاستنتاج ناكرة كل تدخل من المنهج الخارجي على فرضيات العلم الذي يتبنونه أحفوريا كان أو فيزيائيا أو غيره ثم نجد في استنتاجاتهم التفسيرية الجنوح للعموم الأعم بحيث تضيع خصوصيات الموضوع الذي يدرسونه ، والمجهول المشكك المتتبع للاشكاليات تحت فرضيات (ربما، في مكان ما، من محل ما، بشخص ما، ببصمة ما) القائمة على فرض الصدفة الخارجية مهما كانت بروابط وهمية دخيلة على السياق العلمي ومنهجية استدلاله والقفز على جهات علوم المادة من رياضيات وفيزياء وكيمياء لخلق رابط متكلف جدا يشوه منهج البحث العلمي المتبع لتحقيق غاية ما ، ومثل هذا المسلك العلمي مرفوض علميا عند أهل العلم لعدم ترابط حلقات الاستنتاج بجانب عجز الجامع المصادفاتي بينها فكيف تتحول لعقائد جزمية حسب هذا المسلك!

أما العلوم الدينية والعقائدية فهي لها طريقها من الله سبحانه وأنبيائه ورسله والمؤمنين الذين يصدقون من الخالق ما نزل عن خلقه  ويفسرون بتفسيره عبر نص واضح يفسر الظواهر عبر مسلك علمي لا يتنافى مع العقل والتفكير البشري، لذلك فالجزم بما جاء من الله سهل وبسيط ويمكن الاعتماد عليه عقائديا.

وقد أشكل أحد مرة من المرات بأن هناك رواية واردة تقول بأن الحبة السوداء علاج من كل داء، فقال : دعونا نعطيها للمصابين بالإيدز لنشهد تجربة علمية! مما يدل على ظنه بأن العلم يقوم على التجربيات فقط متجاهلا أن للعلم استنتاجات وفق المشاهدة والتجربة تتغير بتغير الظروف .. ولكننا نتساءل معه _ لو فرضنا جزمية صدورها عن أهل البيت ع _ : إن كثيرا من الأدوية المستخلصة من الأعشاب كالمورفين والأسبرين والتاموكسفين وأمثاله لو لم يتوصل العلم بتجاربه تدريجيا له فهل كانت عشبته مجردة ستقوم بالمفعول الدوائي المطلوب؟! وهل ان عشبته إن أعطيت للمريض على حالها بلا استخراج الدواء منها ستقوم بنفس الدور؟

وهناك دراسات قائمة على قدم وساق حول نبتة سانجونز مثلا للتوصل لاستخلاص الدواء منها! وهناك آلاف النبتات التي لم تجرَ عليها أي دراسة لحد الآن، فإن لم يتوصل العلم اليوم سيتوصل غدا لعدة علاجات دوائية يمكن استخلاصها من هذه المادة أو تلك .. فعدم وصول العلماء لهذه المعلومة المبكرة لا يصلح لأن يكون سببا لرفض معلومات تصلنا من جهة موثوقة.

والعلم المتغير بنظرياته وتطورها وتغييرها لن يتوقف عند الحد الذي توصل له اليوم فهذا ظن خاطيء لا يقبله العلماء وإلا لتوقف العالم عن البحث والتنقيب، فالذرة قد فرضوها سابقا على شكل كرة واليوم إلكترونات ونيوترونات وبروتونات وجاري التعديل والتنقيب والبحث في النظرية من عدة جهات نسمع عنها يوميا في الإعلام العلمي .. فالمطالبة بالجزم بكل نتائج العلم والجمود عليها نوع من أنواع الاعتقاد بما يخلق التخلف العلمي ويوقف البحث حتما!

وهذا ما أشرت له سابقا من فلسفة العلم على نحو التخبط بين المراحل العلمية لطرق الاستدلال والاستنتاج.

وسيأتي الكلام على العلم والعقل لتكتمل الفكرة في المرة القادمة.

والحمد لله رب العالمين

عباس العصفور