أرشيف التصنيف: اجتماعيات دينية

بعض المعاني الاجتماعية بمنظور شرعي

مفهوم الحرية

بسم الله الرحمان الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين..

الحرية كما ورد سابقا هو مفهوم عام له جهات متعددة تختلف باختلاف ملاكاتها، فكل شخص قد يتأدلج ويترتب بحسب مفهومه العام للحرية التي قد يتلقنها أو يتعلمها أو يزنها بعقله حسب ييرة العقلاء.
فعند أهل اللغة معنى الحرية _ مصدر حر_ هو الخلوص من الشوائب، كما ولها استعمالات متعددة تعتبر من التقييم الأخلاقي في صفات الناس ، فالحر من الناس هو صاحب الفضائل والحرة كذلك ، تعد من ألفاظ المدح في عرف اللغويين.
وبنفس معنى الخلوص والتخلص كفت المعاجم العلمية المختلفة في مواضيعها على تعريف الحرية، ففي السياسة أخذت معنى التخلص من هيمنة الأنظمة، وفي الاقتصاد التخلص من قوانين اقتصادية في نظام ما، حتى الملاحة البحرية الحرة أخذت معنى عدم فرض نظام معرقل للحركة عليها في المياه الإقليمية… ودواليك.

فالمتتبع والمستقريء لاستعمالات هذه الكلمة لينتزع منها مفهوما جامعا قد يتوقف عند علماء الإجتماع والفلاسفة والكلاميين والمتشرعة، لأن التخلص العام من كل القيود و كل المسؤوليات قبيح عند أهل العقل وله تبعات وضحايا ،والنظر والعقل لا يطمئن للنتائج القبيحة بشكل عام..

فمن ناحية اجتماعية قسموا الحرية إلى:
حرية فردية: وهي حرية الفرد في تصرفاته وأقواله وعقيدته..
حرية الجماعة: وهي حرية المجموعة في التصرفات والعقائد والأقوال وما يخصها كمجموعة متفقة على شيء ما تعتقد وتقتنع به.
وعلى هذا فيجب أن تكون الحرية الشخصية على قسمين ، حرية الفرد بما في شخصيته الخاصة الداخلية، وحرية برؤية الجماعة أو اتفاقهم وفي هذه الصورة يجب أن تكون هذه الجماعة متشابهة عقلا في التفكير وتنطبق مع بعضها البعض تماما ، وهذا لا يمكن تخيل وجوده بهذه الدقة عقلا، إلا بانقياد الفرد في بعض الأمور للجماعة من أجل هدف خارج عن معنى الحرية أصلا!

ومن ناحية فلسفية:
السفسطائيون قسموها بحسب الشعور بها في حالة الإنسان النفسية والفردية والشخصية، وقد قسموها دينيا يحرية الاعتقاد وطبيعيا بالحرية السياسية وسفليا بحرية الأخلاق، وهكذا فهم يرون أن الحرية هي الشعور النفسي بما يتمتع به الشخص من الإحساس بالحرية وأنه غير مقيد..
أما الأبيقوريون فقد رأوا الحرية للعقل من الأوهام والمخاوف، فكلما تحرر الإنسان منها كان حرا بعقله وتفكيره..
الأرسطيون ركزوا على أن الحرية هي بناء شخصية الفرد الداخلية والخارجية، فالداخلية تخص ذاته، والخارجية تخص مجموعته، ولكن اعتبر الأخلاق مسؤولية خاصة..

فكما تلاحظون بأن الفلاسفة حملوا الحرية على موضوع فردي وفق ضوابط شخصية خاصة، والحال أن مثل هذا الحمل يجعل صعوبة في تحديد قوانين الحرية إن حملت على اتجاهات القضايا الشخصية..
فلو نظرنا للوجوديين الذين يطالبون بحرية الفرد المطلقة، فكيف سيوفقون لبناء مجتمع مجموعي من عدة توجهات فردية شخصية لكل شخص غير موجهة أبدا لأي جهة، ولو نظرت لألفاظ فلاسفتهم لوجدت نوعا من التنمر في الألفاظ مثل: لا أحد له سلطة علينا لا علاقة لأي شيء لإخضاعنا … وأمثالها، على إلرغم من أن قوانين العلوم الطبيعية تخضعهم بإذعان لنتائجها، وقانون الحياة والموت والسياسة يخضعهم أيضا.. لذلك ستجد تيارهم مليء بالأدبيات نظرا لكونهم قد بدأوا كحركة أدبية ثم تحولت لفلسفية قبل قرن، ولكن الواقع يتناقص مع أطروحات الأدباء كثيرا.
والمضحك المبكي كلام التنويريين الذين قالوا : خروج الإنسان عن سباته العقلي الذي وضع نفسه فيه باستخدام العقل، وكأن عموم العقلاء ومسلماتهم وتجاربياتهم كلها قيود وليست منجزات، وكأن غيرهم ليسوا بعقلاء، ويرد عليهم نفس إشكال الوجوديين وزيادة أنهم يرفضون حتى سيرة العقلاء المتسالم عليها وعمومات بديهية عقلية، فكيف لحرية أن تكون بمثل هذا الظرف إلا من الفوضى..

أما التيارات المختلفة كاللبرالية والعلمانية فنجد فيها:
الليبراليون الذين لم يتسالموا على تعريف محدد للبرالية حتى اليوم قد يكون بسبب تلك الحرية المتصادمة في مفهومها ضمن غزل النسيج الاجتماعي، فهم نادوا بنزعة حرية الفرد والمؤسسات الاجتماعية لتكون خادمة لهذا الفرد فتصادمت نداءاتهم بالديموقراطية حيث لا يمكن إخضاع هذا الفرد وشخصيته الخاصة لإرادة الأغلبية! وبهذا قد يتعذر الاتفاق الاجتماعي كثيرا وتتعثر القرارات الجمعية والمنظومية، ولكن الغريب بعد هذا اقتنعوا بالليبرالية الأوتوقراطية التي تجعل الحاكم حرا في التصرف بأمور الناس!
العلمانيون اتبعوا عكس ذلك وقالوا بأن اتباعهم للأكثرية تضحية بحريتهم من أجل إحقاق نظام عام تسوده المحبة عبر التنازلات لتحقيق المساواة، وكأن المساواة دائما صحيحة وعصا سحرية تحقق العصمة في كل فكرة عبر الواقع الخارجي.. وقد يلاحظ المنصفون التشويش في معنى الحرية المطلقة المدعاة وبين التضحية بها..

أما المتشرعة والمتدينون فهم ينظرون لملاك ومدارك القضايا لتحقيق المصلحة العامة للمجتمع لتنعكس على الفرد بعدها كخلية فيها حرية محدودة لكل فرد بالحقوق والواجبات والمسؤوليات التي تكون منظومة أمان وراحة للآخرين.

ومن أمثلة ذلك خطابات كثيرة تتنوع بتنوع حال العبادات والمعاملات وحقوق النفس وحقوق العباد والمجتمعات …
ومن أمثلة مفهوم الحرية الشخصية بين أهل الدين وغيرهم:
روي أنه كان الإمام الكاظم ( عليه السلام ) يمشي في الأزقّة يوماً فسمع غناءً ماجناً ينبعث من أحد البيوت . وفي الأثناء خرجتْ فتاة ، فتوقّف الإمام وسلّم عليها ثم سألها قائلاً : صاحب البيت حرٌّ أم عبد ؟ . فقالت متعجّبة : بل حرّ .فقال الإمام : صدقتِ لو كان عبداً لخاف سيّده .عادت الفتاة وسألها صاحب البيت – واسمه بشر – عن سبب تأخّرها فقالت : مرّ رجلٌ وسألني : صاحب البيت حرّ أم عبد .فقال بشر : وبماذا أجبتيه ؟قالت الفتاة : قلت له : حرّ ، فقال لي : صدقتِ لو كان عبداً لخاف سيّده .أطرق بشر مفكراً ، وشعر بالكلمات تهزّ أعماقه ، فانطلق خلف الإمام حافياً يعلن توبته وعودته إلى أحضان الدين والإيمان . ومن ذلك اليوم دُعي ببشر الحافي واشتهر بين الناس بزهده وعبادته .

والمجموعي: هو حماية المجتمع من أهواء تلاعبات أهل الحرية المطلقة كي لا يفسدوه تلبة لطلباتهم النفسية الشخصية الخاصة دون مراعاة المجتمعات وأمانها، وإلزامهم باحترام حريات غيرهم والنسيج الإجتماعي العام..

عباس العصفور
النجف الأشرف

التمهيد

بسم الله الرحمان الرحيم

التمهيد

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

لفظ الحرية له موسيقى خاصة في نفوس الناس، لفظ يحول كل حالات التقييد والمسؤوليات والالتزامات إلى عبيء في النفس وشقاء في الروح تنقلب لثورة عارمة واندفاع للخلاص من كل ما يشغل بال الإنسان من التزاماته ..
هذه اللفظة اللي حار بها الفلاسفة، والمناطقة، والسياسيين، والتيارات المختلفة، والمتدينين، والمثقفين، بل حتى حين إعلان حقوق الإنسان في البيان الصّادر عام 1789م على أنّه: (حقّ الفرد في أن يفعل ما لا يَضُرّ الآخرين) ليس كافيا لرسم صورة ومعنى الحرية في الأذهان.
إن رمزية الحرية في العالم كله جعلها متفاوتة في المعاني لدرجة جعلت لها مصاديق متعددة تصل للتباين والتقاطع في كثير من الحالات وتجعل صورتها مشوشة في العقل بما يجعلها في حالات متناقضة بتناقض جهات إسم الفاعل فيها، فالفاعل المتصف بالحرية قد يكون سلبيا وقد يكون إيجابيا، وقد يكون بناء وقد يكون مدمرا، وهكذا فمفهوم الحرية الذي تنادي به الشعوب والأفراد والأديان باختلافها تختلف من منطلقاتها المؤدلجة لمعناها.
وعلماء الأخلاق أنفسهم قد عرفوها بحملها على ما يسعد الفرد والمجتمع مع التفاوت في مفاهيم السعادة واختلافهم فيها مع الفلاسفة ، فيتحول الأمر لحيرة المتلقي في تحصيل معناها المعقد في جهات الموضوع وجهات المحمول من جهة، وحيرة بين المصاديق الخارجية من جهة أخرى !
رغم هذا الضجيج اللفظي والمعنوي لهذه الكلمة، أنى للسامع من تبادر لمعناها؟ هل نأخذها بمعناها الاصطلاحي المتنازع عليه؟ أم بمعناها العرفي؟! خصوصا وأن أفرادها الخارجية مختلفة ومشككة بين الجماعات والأفراد والسياسيين والأخلاقيين … وغيرهم.
هذه الكلمة تحتاج عادة لوضع حدود تامة لمعانيها وإن تشتتت الوجوه، وتقييدها عن إطلاقها وإن اختلفت السياقات، فكثير من المنادين بها لم يدركوا معناها التام إلى يومنا، خصوصا وأنهم لا يؤمنون ببديهيات وقوانين تقود لحقيقة المفاهيم حتى مع استعمال الأدلة العقلية الملزمة للعقلاء..
إنا نحتاج لأن نتعقل معنى الحرية على نحو معرفي خاص كي نستطيع إدراج أفرادها في الخارج ضمن قوالبها وقوانينها المحكمة التي يمكن للعقلاء أن يتحاكموا عندما يقع النزاع فيها بين طرفين، ويمكن للمتشرعة أن يحاسبوا المقصر فيها إذا ما تسبب بالفساد عموما..
ففي هذا المعترك لهذا المفهوم المشكك نادت بعض التيارات لحرية المرأة، وعقدت الندوات، وكتبت المقالات، وألفت الكتب، رغم اختلاف الفلاسفة المسلمين وغير المسلمين والملحدين والعلمانيين في معنى الحرية! وصار المؤذن يؤذن للمدينة الفاضلة دون أن يقرأ دور المرأة فيه ووضعها باسم الحرية لها!
في هذه السلسلة البسيطة …
سنتناول معنى حرية المرأة التي ينادون بها ونجعلها في الميزان … تابعونا..

عباس العصفور
النجف الأشرف

النصيحةُ مِن محاسنِ الأخلاق

رواية ودرس 26
بسم الله الرحمن الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

والحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوثِ رحمةً للعالمين النبي الأمين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين..

في الرواية عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

(( لينصح الرجل منكم أخاه كنصيحته لنفسه )).

الكافي ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب نصيحة المؤمن، ص208، ح4.

مِنَ القِيَمِ الأخلاقيةِ في الإسلامِ الحنيف، التي تُبينُ العلاقة السليمةَ بين المُسلِم وأخيه المسلم، وتجعلُ الترابُط الأخوي في أروعِ صورهِ، بين المؤمن وأخيه المؤمن كما عبر القرآن الكريم في وصف العلاقة بين المؤمنين بعضهم ببعض قوله عزَّ وجلَّ: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) سورة الحجرات، آية 10.

وهذا تعبيرٌ في غاية الدقة لتبيانِ قُوة الأواصر الأخوية بين المؤمنين.

وقد بينَ الإسلامُ المباركُ شروطَ هذه الأخوة وأبعادها وما يترتبُ مِنَ الحقوقِ على الأخِ تجاه أخيه.

ومِن تِلكَ القيمِ الإسلامية المباركة التي أكدتْ عليها رواياتُ المعصومين مِن آلِ محمدٍ (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ) في العلاقةِ الأخوية، موضوع بالغُ الأهمية في الترابط الأخوي، ألا وهو: ( النصيحة ).

والنصيحة من أهم مقومات المودةِ وأعظم لوازم المحبة، ولا تَتِمُ الأُخوةُ ما لم تكن النصيحةُ رائدها وباعثها.

وإنها لَتُعتَبرُ مِن أفضلِ الأعمالِ كما في الرواية عن سفيان ابن عيينة قال: سمعتُ أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: (( عليكم بالنصح لله في خلقه فلن تلقاه بعملٍ أفضل منه )). الكافي ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب نصيحة المؤمن، ص208، ح6.
النَصِيحة في اللُغة:

نَصَحَ: نصح الشيء، خَلَصَ، ونصحه ونَصحَ له يَنصح، قال الله سبحانه: ( وَأَنصَحُ لَكُمْ ) سورة الأعراف، آية 62.، يعني الخلوص والغلو عن الغش وعن الشيء الدخيل.

والناصح: الخالص من العسل وغيره، وقال الأصمعي: الناصحُ الخالي مِنَ الغِلِ، وكل شيء خلص فقد نصح.

والناصح في دين الله هو الذي يؤلف بين عباد الله وما فيه سعادتهم. لسان العرب ج5، ص615.
النصيحة في الإصطلاح:

النَصِيحةُ كلمةٌ جامعة يعبر بها عن جملة: وهي إرادة الخير من الناصح للمنصوح له.

وكل تعاريفِ النصيحة تدورُ حولَ المصلحةِ أو الخيرِ أو الصلاح أو العناية للمنصوحِ لهُ.

فالنصيحة هي أن يحمل الإنسان في قلبِهِ وعقلهِ ولسانهِ الخيرَ لجميعِ الناس، فَيُحبُ لأخيهِ ما يُحِبُ لنفسه، وهذا ما أكدتهُ الرِوايةُ التي صدرنا بها هذا المقال عن رسول الله (ص): ( لينصح الرجل منكم أخاه كنصيحته لنفسه ).، فالنبيُ العظيم يؤكدُ على أهميةِ النصيحة لأخيكَ كما تنصحُ نفسك بِفعلِ العملِ الصالحِ وتَجَنُب العمل الفاسِد.
النصيحةُ في الأدلةِ الشرعية:

أولاً: في القرآن الكريم:
1. ( أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) سورة الأعراف، آية 62.

لقد أدى النبي نوح (عليه السلام) تبليغ رسالة الله سبحانهُ وتعالى إلى قومه ونصحهم ( وأنصحُ لكم ) فَنَصحَ في تبليغ الرسالة على أكمل وجهها.
2. ( وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ) سورة الأعراف، آية 21.

والمقاسَمةُ لا تكون إلا بين اثنين، والقسم كان من إِبليس لا مِن آدم فهو من باب عافاه الله والمعنى ( وقاسمهما ) أي حلفَ لهما بالله حتى خدعهما وقال: ( إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ) أي المخلصين النصيحة في دعائكما إلى التناول من هذه الشجرة، وظن آدم وحواء لا يقدر على اليمين بالله تعالى إلا صادقاً فدعاهما ذلك إلى تناول الشجرة. مجمع البيان ج3، ص30.
ثانياً: في الأحاديث الشريفة:
1. عن السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (( إنَّ أعظم الناس منزلة عند الله يوم القيامة أمشاهم في أرضه بالنصيحة لخلقه )). الكافي ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب نصيحة المؤمن، ص208، ح5.

فالنصيحة من محامد الأخلاق ومحاسن الصفات التي يتحلى بها الإنسان، فلذا حث الإسلامُ لها.

والمشي في الحديث الشريف إما المشي حقيقة أو كناية عن شدّة الإهتمام.
2. عن عيسى بن أبي منصور عن أبي عبدالله (عليه السلام): (( يجب للمؤمن على المؤمن أن يناصحه )). الكافي ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب نصيحة المؤمن، ص208، ح1.

فالرواية تعتبرُ أن النصيحة للأخ المؤمن حقٌ مِن حقوقه، فعلى المؤمن إرشاد أخيه إلى مصالح دِينه ودُنياه وآخرته، بأمرِهِ بالمعروفِ ونَهيهِ عن المنكر.
3. خبر تميم الداري قال: قال رسولُ الله ( صلى الله عليه وآله ) ثلاثاً: (( الدين النصيحة، قيل لمن يا رسول الله ؟ قال: لله ولرسوله ولأئمةِ الدين ولجماعة المسلمين )). وسائل الشيعة، ج11، ص595، باب 35 من أبواب فعل المعروف، الحديث 7.

وقد ذكرَ علماءُ الحديثِ بأنَّ هذا الحديث لهُ شأنٌ عظيمٌ وعليهِ مَدارُ الإسلام، قال أبو داود: ( إن هذا الحديث أحد الأحاديث التي يدور عليها الفقه ). جامع العلوم والحكم ج1، ص76.
شروط النصيحة:

وللنصيحةِ شروط معينةٌ نذكر بعضها بإختصار:
1. الإخلاص في النصيحة وابتغاء وجه الله سبحانه.
2. أن تكون النصيحة لِحاجةٍ ماسةٍ لحفظ مقاصد الشريعة من الدين والنفس والعقل والعِرض والمال.
3. أن تقتصر النصيحة على المقدار اللازم منها، فيذكر الناصح ما يخص الأمر الذي فيه النصح ولا يتجاوزه.
شروط الناصح:

كذلك لابُد أن تتوفر في الناصح أمورٌ عدة، نذكر بعضها بإختصار:
1. أن يكون مُطَبقاً لما ينصح، لقوله تعالى: ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) سورة البقرة، آية 44.
2. أن ينصحَّ بالكلمة الحسنة الطيبة السديدة، لقوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ) سورة الأحزاب، آية 70.
3. أن ينصح المؤمن أخاه المؤمنَ سراً، فلا تكون النصيحةُ على رؤوس الأشهاد، فقد رويَّ عن الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ): (( من وعظ أخاه سِراً فقد زانه، ومن وعظه علانيةً فقد شانه )). بحار الأنوار ج75، ص374، ح33.
وهنا سؤال:

هل يمكن للإنسانِ في هذا الزمان أن يتوقف عن مبدأ النصيحة من المؤمن لأخيه الذي طالبتنا بها النصوص القرآنية والنصوص الروائية بِسَبَبِ التغيرات النفسية والإجتماعية في عدمِ تقبلِ النصيحةِ من الآخر ؟، وبسب خوف عدم رضا الآخر النصيحة من أخيه المؤمن ؟.
الجواب: لا يمكن بأي حالٍ تركُ النصيحةِ والتناصح، لما أَورَدْنا من النصوصِ في الحثِ على النصح. فقد ورد في الحديث النبوي ( الدين النصيحه )، ولا شك أن ترك النصيحة نوعٌ من الخيانة، لرواية علي بن عقبة عن أبي عبدالله (عليه السلام): (( إن المؤمن أخو المؤمن عينه ودليله لا يخونه )). الوافي ج3، ص101، باب أخوة المؤمنين.

وورد من طرق أهل البيت (عليهم السلام)، عن هاشم بن سالم عن أبي عبدالله (عليه السلام): ( ليس منا من غشنا ) الكافي ج5، ص160، باب الغش.، ولا شك أنَّ متاركة النصيحة نوع من الغش.

وعلى هذا الأَساس لا يصلح عدمُ قبولِ الآخر أو تَحَسُسُهُ النفسي مِنَ النصيحةِ عُذراً لِتركِ النُصح الذي هو دين وله تأثير حاسم في الإصلاحِ والصلاح.

هذا مضافاً إلى أنهُ يمكن سلوك عدة خطوات لخلقِ أَرضية قبول النصيحة وهي كالتالي:
1. بيان حث الدِين على تبادُلِ النصيحةِ، وما فيها مِن ثمارٍ للمنصوح، إذ ورد مِن حديثِ الإمام الصادق (عليه السلام): ( ثمَّ تشاور الناس فإنَّ الله يُجري لك الخيرة على لسان مَن أحب ). مكارم الأخلاق للطبرسي ص407.
2. الرفق واللين في النصيحة واظهارها بالشفقةِ فهذا اِسلوبٌ يدعو للقبول.

فقد ورد عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) في رسالة الحقوق: ( 41: وأما حقُ المستنصح فإن حقهُ أن تؤدي إليه النصيحة على الحق الذي ترى له أن يحمل، ويخرج المخرج الذي يلين على مسامعه وتكلمه من الكلام بما يطيقه عقله، فإن لكل عقا طيقة من الكلام، يعرفه ويجيبه وليكن مذهبك الرحمة له ولا قوة إلا بالله ).
3. في حالات عديدة يمكن التوسل لتأثير النصيحة بتبديل قالبها، من قالبٍ وعظي تقريعي إلى قالبٍ علمي ومعلوماتي، بأن يتقمص الناصحُ اسلوب الطبيبِ في وصفِ الدواء للمريض ببيانِ آثارِ تناول الدواء وآثار عدم تناوله.
ولا يتحسسُ عادةً أيُ إنسانٍ إِذا ما طرحتَ لهُ النصيحةَ والتصويب بإسلوبٍ علمي بعيداً عن الخطابِ الشخصي.

بل لعل أفضل دواعي تحريك الإنسان هو اسلوب البيانِ العلمي للأُمور. ولذا قيل: ( إن الإِنسانَ موجودٌ علمي ).

أي: لا ينبعثُ إلا بِعلمٍ وفكرةٍ حتى ولو كانت خطأً،

ولتكن النصيحة ببيانِ أوصافِ وتداعياتِ

وتأثيراتِ الاُمور والتوجهاتِ، فهذا أبلغُ في تقبلِ النصيحة.
والحمدللهِ رب العالمين، وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين.
خادم الآل

الميرزا زهير الخال

الأحد 27 جمادى الآخرة ١٤٣٨ هـ.

النجف الأشرف

السعادة الزوجية 2

بسم الله الرحمن الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

{ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } (٧٤) سورة الشعراء

معنى { قُرَّةَ أَعْيُنٍ } : أحد الأقوال فيها أنها مأخوذة من ( القر ) وهو البرد ، دلالة على السرور ، حيث دموعه باردة بخلاف دموع الحزن الحارة

من صفات عبادة الرحمٰن التوجه لله بالدعاء في صلاح الزوج و الأبناء ، و ينطبق ذلك على الرجل و المرأة خاصةً .
و الدعاء كاشف عَن الإهتمام بالزوج و الأبناء فلا يعني الاكتفاء بالدعاء دون (عمل ) .

من أهم مسؤوليات الزوجين الاهتمام بخلق أجواء الصلح داخل المنزل ، بحيث يكون كل منهم قرة عين للآخر ، فكل من الزوج و الزوجة له دور في تحفيز الآخر للفعل الصالح بما يؤدي إلى السعادة في الدنيا و الآخرة ثم تأتي مرحلة الاجتهاد في تربية الأبناء و الاهتمام بهم خصوصاً في هذا العصر ، يتشوق عباد الرحمٰن للعمل في سبيل خدمة المؤمنين..

{ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} ، وهو طموح يصنعه الإخلاص لله تعالى ، لكن المهمة الأكبر و الأولى هي العمل على إصلاح الأسرة .
{ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (١٩)
سورة النساء

{بِالْمَعْرُوفِ }

المعروف غير محدد ، أي كل ماهو حسن جميل في عرف المنطقة التي بعيش فيها الإنسان .

السعادة في الحياة الزوجية يتطلب من الزوج أمرين مهمين :
١/ المعاملة الحسنة ،و تحتاج الى بذل الجهد ،و السعي قدر الإمكان لتوفير الحاجات المادية و المعنوية .

٢/ التغافل عن الأخطاء ، وعدم التدقيق ،و الترفع عن سفاسف الأمور

روي أنه قال الباقر عليه السلام:
[ صلاح شأن الناس التعايش والتعاشر ملء مكيال: ثلثاه فطن، وثلث تغافل ]
بحار الأنوار – العلامة المجلسي ج 71 ص 167.

تحقيق النجاح في الحياة الزوجية لا يتطلب توافقاً في جميع الجوانب الفكرية و النفسية بين الزوجين ، فالاختلاف من طبيعة البشر . ولا يعني ذلك تسيير الأمور الى منحدر يندم عليه المرء في يوم .

{ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا} 11 سورة الاسراء

* إذا وجدت في شريك حياتك ما تكره فلا تتعجل بطلب الانفصال ، خصوصاً في الفترة الأولى من الزواج ؛ لأن تحقيق الانسجام يحتاج إلى وقت وصبر .
الميرزا الشيخ حسين النعيمي …
2 جماد الثاني 1438 هـ الأثنين
2017/1/30 م

السعادة الزوجية

بسم الله الرحمن الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (٢١) سورة الروم

تنوع حاجات الإنسان الى ثلاثة :
* نفسية معنوية .
* عقلية فكرية .
* جسدية مادية .

كثيراً ما يبالغ الإنسان في اهتمامه بحاجاته المادية على حساب حاجاته المعنوية .

القرآن الكريم يرشد الإنسان ويوجهه إلى الحاجات المعنوية ، فهي من أهم مفاتيح السعادة .

كما يحتاج الإنسان الى منزل يأوي إليه كذلك هو بحاجة الى سكن معنوي يتمثل في الحياة الزوجية المستقرة ، وهو ماينبغي أن يوليه عنايته و اهتمامه.

*ومن أهم مقومات السعادة في الحياة الزوجية :
١/ (مَّوَدَّةً ) وهي الحب ، فينبغي إظهاره بالقول و العمل .
٢/ (رَحْمَةً ) وهي العطف واللين و الشفقة وينتج منها حسن المعاملة

عن رسول الله (ص) : (قَولُ الرَّجل للمرأة : إِنّي أُحبُّكِ ، لا يَذْهَبُ مِن قَلْبِهَا أبداً )
( الكافي للكليني، ج5، ص569، ح59، باب النوادر).

كثيراً ما يختلف الزوجان بسبب أمور مادية تافهة ،ويخسران حاجاتهما المعنوية العليا .
أشعر … أشعري زوجك المودة و الرحمة ، فهما من أهم الحاجات على الإطلاق .
عبر عن مشاعرك وحبك لزوجتك … عبري عن مشاعرك وحبك لزوجك

•الكلمة الطيبة تصنع المعجزات •

الميرزا الشيخ حسين النعيمي
٢٠١٧/١/٦ –
الجمعة ٧ ربيع الثاني ١٤٣٨ هـ