وما أدراكَ ما “المعصومـة” !

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمدلله ربِّ العالمين، وصلى الله على المبعوثِ رَحمةً للعالمين المصطفى محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ..

 

جاءَ في كِتابِ كامل الزيارات:

عن الإمام محمد بن علي الجواد (عليه أفضل الصلاة والسلام) أنَّهُ قال:

(( مَنْ زارَ عمتي بِـقم فَلَهُ الجَنّة )).(١).

 

مِنْ سلالة الإمامة ومِنْ شخصياتِ أهلِ بيتِ العصمة والطهارة الذين أذهبَ اللهُ عنهُم الرِجس وطهرهم تطهيراً، السيدة الجليلة فاطِمة المعصومَة بنتُ الإِمام موسى بن جعفرٍ الكاظِم (عليهُم السلام)، وهي من السلالةِ الطاهرة الزكية، والتي خصها أئِمةُ الدين (عليهم السلام) بِذكرها في رواياتهم، فقد بشرَّ بها الإمام الصادق (عليه السلام)، وذَكرَ الأئمةُ (عليهم السلام) فضلَّ زِيارَتِها بأرضِ قُمْ.

 

إنَّ السيدة فاطمة الكبرى – المعصومة – هيَّ بنتُ الإمام الصابر والعبد الصالح، الذي مَثَلُهُ كمثل الشمس في كبدِ السماء ( وصيُّ الأبرار، وإمامُ الأخيار، وعَيْبَة الأنوار، ووارث السكينة والوقار، والحِكَمِ والآثار )(٢)، الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)، وأخوها الإمامُ الثامن من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) الذي قال فيه أبوه الكاظم (عليه السلام) وهو يُخاطِبُ أولاده: ( هذا أخوكُم عليُّ بن موسى عالمُ آل محمد )(٣)، وقد كانت السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) أُختاً للإمام الرضا (عليه السلام) مِنْ أمـه، فأمهما واحدة(٤)، وهي السيدةُ تُكْتَم (عليها السلام) ولها أسماءٌ أخرى، منها: نجمة، أروى، سُمان، سكن أو سُكنى(٥)، وتُكْتَم هو ما استقر عليها اسمها حين ملكها الإمام الكاظم (عليه السلام)، فلما وَلَدَت الإمام الرضا (عليه السلام) سمَّاها الطاهرة، وكانت تكنى بـ: أم البنين(٦).

وُلدت السيدة المعصومة (عليها السلام) في المدينة المنورة في غُرة شهر ذي القعدة من سنة 173 هـ.(٧).

وقد توفيت في اليوم العاشر من شهر ربيع الآخر سنة 201 هـ.، على المشهور.

وقد ترعرعت هذه السيدة الفاضلة الجليلة في بيت أبيها الإمام الكاظم (عليه السلام)، فورثت نور أهل بيت العصمة والطهارة، وأخذت من هديِّهم وعلومهم.

 

ومِنْ ألقابها (عليها السلام): “المعصومة”: وهو أشهرُ ألقابها، وأكثر ما تعرف به، وقد نُقِلَ عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنهُ قال: ( مَْن زارَ المعصومةَ بِقُم كمن زارني )(٨).

وكذلكَ تُلقبُ بـ “أخت الرضا”: ولعلَّ هذا اللقب لُقِبتْ بهِ لتعلقها بأخيها الإمام الرؤوف علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، وشوقها الكبير إليه بعد أن اِستدعاه المأمون العباسي إلى ( مرو ) بخراسان.

ومن ألقابها التي تُعرف بهِ عند الخاصة بـ “كريمة أهل البيت”: فإنَّ كرمها واضحٌ جليٌ لأتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، وهو لقبٌ منطبقٌ معناهُ ودلالته على هذه السيدة الكريمة، يقصدها الشيعة ويتوسلون بها إلى الله تعالى في قضاء حوائجهم، وتقضى حوائجهم ببركة هذه السيدة الجليلة الكريمة.

وهاهيَّ مدينةُ قم تُعرف بها، وهي مدينة للحوزة العلمية المباركة، يقصدها طُلابُ العلوم ويُهاجرون لها من أجل الدراسة الحوزوية، وحضرتها الشريفة تحتوي على قبورِ كبارٍ من مراجع الطائفة وعلمائِها الأعلام.

 

ومن الأمور التي ينبغي التأملُ فيها في شأنِ السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) ما بينته لنا روايةٌ عن الإِمام جعفر الصادق (عليه السلام) وقد بَشَرَ بحفيدتِهِ قبل ولادتها.

فقد رُويَّ عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّهُ قال:

( إنَّ لله حرماً وهو مكّة، وإنَّ للرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) حرماً وهو المدينة، وإنَّ لِأَميرِ المؤمنين (عليه السلام) حرماً وهو الكوفة، وإنَّ لنا حرماً وهو بلدة قـم، وستدفن فيها امرأةٌ من أولادي تُسمى فاطمة، فمن زارها وجبتْ لهُ الجنة )(٩).

ويستفادُ مِن هذه الرواية الشريفة أمورٌ، منها:

⁃ إخبار الإمام الصادق (عليه السلام) عن ولادة حفيدته السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام).

⁃ الإخبار عن اِسمها الشريف، فإنها سَمِيَّةُ جدتها سيدة نساء العالمين فاطمةِ الزهراء (عليها السلام).

⁃ ذِكر الإمام الصادق (عليه السلام) لِمَكان مدفن السيدة المعصومة (عليها السلام) الذي يكون في أرض “قُـم”.

⁃ “قُم” حرمٌ لِأهلِ البيت (عليهم السلام): ( وإنَّ لنا حرماً وهو بلدةُ قم ).

⁃ لقد حَثَّ الإمام (عليه السلام) على زيارة قبرِ حفيدته فاطمة، وذَكَرَ ثواب زيارتها (عليها السلام): ( فمن زارها وجبت لهُ الجنة ).

 

وأما في فضلِّ زيارتها (عليها أفضل الصلاة والسلام) فقد وردت لنا روايات عامة في شأن زيارة ذرية الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) ومما لا شكَّ فيه أنَّ السيدةَ المعصومة (عليها السلام) من ذريةِ النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، فجدتها الصديقة الزكية فاطمة الزهراء (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وذريةُ النبيِّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) مِنَ السيدةِ الزهراء فاطمة (عليها السلام)، فقد روي عَنْ الإِمام محمدٍ بن عليٍ بن الحُسينِ (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم):

(( مَنْ زارني أو زارَ أحداً من ذُريتي زرتُهُ يومَ القِيَامةِ، فأنقذتُهُ من أهوالها ))(١٠).

فالسيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) هيَّ من ذرية النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم).

 

وأما الروايات الخاصة في خصوص زيارتها (عليها السلام) فثلاثةٌ مِن الأئمة المعصومين، الصادق، والرضا، والجواد (عليهم السلام) بشروا زوارها بالجنّة:

 

⁃ عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّهُ قال:

( إنَّ لله حرماً وهو مكّة، وإنَّ للرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) حرماً وهو المدينة، وإنَّ لِأَميرِ المؤمنين (عليه السلام) حرماً وهو الكوفة، وإنَّ لنا حرماً وهو بلدة قـم، وستدفن فيها امرأةٌ من أولادي تُسمى فاطمة، فمن زارها وجبتْ لهُ الجنة )(١١).

⁃ عن سعد بن سعد، قال: سألتُ أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن زيارة فاطمة بنت موسى الكاظم (عليه السلام)، فقال: ( مَنْ زارها فلهُ الجنة )(١٢).

⁃ عن الإمام محمد الجواد (عليه السلام) أنه قال: ( مَنْ زارَ عمّتي بقم فله الجنة )(١٣).

 

ومِما بَشرنا به أئِمةُ الدين والهدى (عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام) نعرفُ بعضاً مِن مقامات هذه السيدة الجليلة الكريمة، وقدرها عند الله تبارك وتعالى، وكفى بذلك ما ذكره الأئمة من العطاء والثواب العظيم، “الجنّة” لزائِر السيدة فاطمة المعصومة بنت الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليهما السلام).

 

اللهم ارزقنا في الدُنيا زيارتها، وفي الآخرة شفاعتها.

 

والحمدلله ربِّ العالمين، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

 

خادم الآل

الميرزا زهير الخال

الجمعة 10 ربيع الآخر لسنة 1439هـ.

يوم ذكرى رحيل السيدة المعصومة (عليها السلام)

النجف الأشرف

 

 

1. كامل الزيارات، ص324، ح2.

2. مصباح الزائر، ص382.

3. كشف الغمة، ج3، ص111.

4. دلائل الإمامة، ص309.

5. عيون أخبار الرضا، ج1، ص15.

6. المصدر السابق،ص 14 – 17.

7. مستدرك سفينة البحار، ج8، ص257.

8. ناسخ التواريخ، ج7، ص337.

9. ترجمة تاريخ قم، ص215.، وعنه في بحار الأنوار، ج57، ص216، ح41.

10. كامل الزيارات، ص41، ح4.

11. ترجمة تاريخ قم، ص215.، وعنه في بحار الأنوار، ج57، ص216، ح41.

12. كامل الزيارات، ص324، ح1.

13. كامل الزيارات، ص324، ح2.

بين ” حُسن الخُلق ” و ” سُوء الخُلق “..

بسم الله الرحمن الرحيم

 

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

والحمدلله رب العالمين، وصلى الله على نبيه المصطفى الأمين محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله) وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ..

 

روى الشيخ الكليني (رضوان الله عليه) في كتابه الكافي، عن الإمام الصادق (عليه أفضل الصلاة والسلام) أنهُ قال:

(( مَنْ ساءَ خُلقه عَذّبَ نفسه )).(١)

 

تُعتبرُ الأخلاق مفتاحاً لصلاحِ الإنسان، وباباً كبيراً يمكن للإنسان المسلم أن يرتقي لدرجات الكمال الرفيعة من خِلالها.

وإن مِن طبيعة الإنسان أن يرتبط بالمجتمع، ويقضي عهد حياته مع الآخرين، فيكون المجتمع مِن ضروريات نظامه الوجودي، فلهذا لا يستطيعُ الإنسان أن يقطع أواصر الإرتباط بأبناء جنسه ويعتزلهم عزلة تامة، فلو اعتزلهم دخلَّ في ظلامِ الوحشة والوحدة التي تجعل وجه الحياة عليهِ عبوساً قمطريراً، وتكون روحهُ في حالةٍ من الإحتباس والضِيق الشديد، ويعيشُ غريباً عن مجتمعه.

 

ومن هنا نقول: إن العامل الذي يقوي الإنسان في ارتباطه بالمجتمع والناس وتكوين الناس معه علاقة الصداقة والمحبة والمودة، هو عامل ” الأخلاق الحسنة “.

 

ولهذا نجدُ أنَّ القُرآن الكريم والروايات الشريفة قد أكدت على أهمية الأخلاق الحسنة.

وقد اهتمّ القرآن الكريم بمكارم الأخلاق وذمّ مساوئها، ولعل من أوضح الآيات الشريفة التي تؤكد على أهمية حُسن الأخلاق وخطورة الأخلاق السيئة، قول الله تبارك وتعالى: ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ).(٢)

والفظّ هو: الغليظُ الجانب السيّئ الخُلُق، والآيةُ مقصودها أن من أهداف البعثة النبوية أن يبلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تكاليفَ الله إلى خلقه، ولا يتمُ الهدف والغرض إلا إذا مالت قلوب الخَلقِ لرسول الله، وسكنت نفوسهم لديه، ولا يكون ميلان القلب وسكون النفس إلا إذا كان رحيماً كريماً، ولهذه الأسباب وَجَبَ أن يكون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مبرأً عن سُوء الخُلُق، ولذا لو كان غليظ القلب لما مالت له القلوب وسكنت له النفوس، وأخذت منه واتبعته، ولو انفضوا من حوله لفات وانتفى الهدف والغاية من البعثة والرسالة.

ولذا أكد القرآن الكريم على الخُلُق العظيم الذي يمتلكه النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث قال الله سبحانه: ( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ).(٣).

 

ونجد مجموعة من الروايات الشريفة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذكرت وبينت هدف البعثة النبوية على إِتمام مكارم الأخلاق، من خلال ألسنة متعددة وبيانات مختلفة، فقد ورد عنه أنهُ قال:

( إنما بعثت لأتمّمَ مكارم الأخلاق )

وفي رواية:

( إنما بعثت لأُتمّمَ صالح الأخلاق )

وفي رواية أخرى:

( إنّ بعثتي بتمام مكارم الأخلاق وكمال محاسن الأفعال ). (٤).

 

فإذا اتضحت لنا أهميةُ ” حُسن الخُلق “، فتتضح لنا الخطورة الكبيرة في ” سُوء الخُلُق “.

فإن سوء الخُلق يبعدُ الإِنسان عن الخالقِ والمخلُوق، وهذا ما رويَّ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) أنَّهُ قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ( أبى الله عزَّ وجلَّ لصاحب الخُلق السيء بالتوبة، قيل: وكيف ذاك يا رسول الله ؟ فقال: لأنه إذا تاب مِن ذَنبٍ وقعَ في ذنبٍ أعظم منهُ ).(٥)، فسوء الأخلاق ذنبٌ يُبَعد الإنسان عن التقرب إلى الله تبارك وتعالى، ويجعل الإنسان غير مقبول ومرغوب به عند الناس، فيبتعد عن الخالق والمخلوق لسوء خُلقه. ولذا يعيش سيء الأخلاق عذاباً نفسياً دائماً تَسَببهُ لِنفسهِ بِسَبَب اِرتكابه للرذائل الأخلاقية وتعامله مع مجتمعه بالأخلاق السيئة، وهذا ما وضحته الرواية التي صدرتُ بها هذا المقال، عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنهُ قال: (( مَنْ ساءَ خُلقه عَذّبَ نفسه )).

 

فلذا على الإنسان المسلم أن يتجنب ” سوء الخُلق “، وأن يسعى لفلاحه ونجاحه في التحلي بـ ” مكارم الأخلاق “، وأن يزكي نفسه فقد قال اللهُ تعالى: ( أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ).(٦)، وعليه أن يتحلى بالأخلاق الحسنة فإنها أفضل صفات الأولياء، وهي طريق التقرب إلى الله سبحانه وتعالى وإلى رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأوليائِه الصالحين، فقد رويَّ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنَّهُ قال: ( إنّ أحبّكُم إليَّ وأقربكُم منّي يوم القِيامةِ مجلساً أحسنُكم خُلقاً ).(٧).

 

والحمدلله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

 

خادم الآل

الميرزا زهير الخال

الأربعاء 8 ربيع الآخر 1439هـ.

النجف الأشرف

 

1. الكافي، ج2، ص242، ح4.

2. سورة آل عمران، آية 159.

3. سورة القلم، آية 4.

4. مستدرك الوسائل، ج11، ص187.

5. الكافي، ج2، ص242، ح2.

6. سورة الشمس، آية 9، 10.

7. الكافي، ج2، ص81، ح1، باب حُسن الخلق.