- الليلة الثامنة والعشرون - 29 مارس,2025
- الليلة السابعة والعشرون - 28 مارس,2025
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
فَبِأَىِّ شَيء أسْتَقْبِلُكَ يَا مَوْلاَيَ؟ أبِسَمْعِي أمْ بِبَصَرِي، أم بِلِسَانِي، أمْ بِيَدِي، أمْ بِرِجْلِي، ألَيْسَ كُلُّهَا نِعَمَكَ عِندِي، وَبِكُلِّها عَصَيْتُكَ يَا مَوْلاَيَ، فَلَكَ الْحُجَّةُ وَالسَّبِيلُ عَليَّ.
قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة النور: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
عمل الإنسان في الدنيا على تنوعه يحتاج إلى محاكم تفض النزاع، أو شهود لتحل ما يبرئ ما يوجه إليه من التهم، ولكن هذا الإنسان في الدنيا يخفي ما يفعل باليد الصماء، والرجل العمياء، والجوارح الخرساء، ليتستر بها بما يجني على نفسه، ولكن هل يستتر من الله؟
فإن القرآن الكريم يخبر عن وجود شهود، يشهدون على عمل الإنسان خيره وشرَّه يوم الحساب الأعظم.
قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة يس: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.
كل ما يحير الإنسان الباحث عن المعرفة الحقيقية في هذه الدنيا، وما لا يقدر على تحصيل جوابه، يأتيه ما يقوي إيمانه بما جرى بين العالم الصحابي والتلميذ من مدرسة وحي الله على يدي الإمامين محمد الباقر وجعفر الصادق عليهما السلام، وعمرو بن عبيد.
روي عن يونس بن يعقوب، قال: كان عند أبي عبد الله الصادق عليه السلام جماعة من أصحابه فيهم حمران بن أعين، ومؤمن الطاق، وهشام بن سالم، والطيار، وجماعة من أصحابه فيهم هشام بن الحكم وهو شاب.
فقال أبو عبد الله عليه السلام: يا هشام!
قال: لبيك يا ابن رسول الله!
قال عليه السلام: ألا تحدثني كيف صنعت بعمرو بن عبيد وكيف سألته؟
قال هشام: جعلت فداك يا ابن رسول الله، إني أجلك وأستحييك ولا يعمل لساني بين يديك!
فقال أبو عبد الله عليه السلام: إذا أمرتكم بشيء فافعلوا .
قال هشام: بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد البصرة. وعظم ذلك علي، فخرجت إليه ودخلت البصرة في يوم الجمعة، فأتيت مسجد البصرة فإذا أنا بحلقة كبيرة، وإذا أنا بعمرو بن عبيد عليه شملة سوداء متزر بها من صوف، وشملة مرتد بها، فاستفرجت الناس فأفرجوا لي، ثم قعدت في آخر القوم على ركبتي ثم قلت: أيها العالم! أنا رجل غريب، تأذن لي فأسألك عن مسألة؟ قال:
فقال: نعم،
قال: قلت له: ألك عين؟
قال: يا بني أي شيء هذا من السؤال؟!
فقلت: هكذا مسألتي.
فقال: يا بني سل وإن كانت مسألتك حمقاء.
قلت: أجبني فيها،
قال: فقال لي: سل،
قلت: ألك عين؟
قال: نعم،
قلت: فما ترى بها؟
قال: الألوان والأشخاص.
قال: قلت : فلك أنف؟
قال: نعم،
قلت: فما تصنع به؟
قال: أتشمم بها الرائحة.
قال: قلت: ألك فم؟
قال: نعم، قلت: وما تصنع به؟
قال: أعرف به طعم الأشياء.
قال: قلت: ألك لسان؟
قال: نعم،
قلت: وما تصنع به؟ قال: أتكلم به،
قال: قلت: ألك اذن؟ قال: نعم،
قلت: وما تصنع بها؟
قال: أسمع بها الأصوات.
قال: قلت: ألك يد؟ قال: نعم،
قلت: وما تصنع بها؟ قال: أبطش بها.
قال: قلت: ألك قلب؟
قال: نعم، قلت: وما تصنع به؟
قال: أميز كل ما ورد على هذه الجوارح.
قال: قلت: أفليس في هذه الجوارح غنى عن القلب؟ قال: لا،
قلت: وكيف ذلك وهي صحيحة سليمة؟
قال: يا بني إن الجوارح إذا شكت في شيء شمته، أو رأته، أو ذاقته، أو سمعته، أو لمسته، ردته إلى القلب فييقن اليقين ويبطل الشك.
قال: فقلت: إنما أقام الله القلب لشك الجوارح؟
قال: نعم،
قال: قلت: فلا بد من القلب وإلا لم تستقم الجوارح؟
قال: نعم،
قال: فقلت: يا أبا مروان إن الله – تعالى ذكره – لم يترك جوارحك حتى جعل لها إماما يصحح لها الصحيح، وييقن ما شك فيه، ويترك هذا الخلق كلهم في حيرتهم وشكهم واختلافهم لا يقيم لهم إماما، يردون إليه شكهم وحيرتهم؟ ويقيم لك إماما لجوارحك ترد إليه حيرتك وشكك؟!
قال: فسكت ولم يقل شيئا.
قال: ثم التفت إلي فقال: أنت هشام؟
فقلت: لا،
فقال لي: أجالسته؟
فقلت: لا، قال: فمن أين أنت؟
قلت: من أهل الكوفة.
قال: فأنت إذا هو،
قال: ثم ضمني إليه وأقعدني في مجلسه وما نطق حتى قمت.
فضحك أبو عبد الله الصادق عليه السلام ثم قال: يا هشام من علمك هذا؟
قال: قلت: يا ابن رسول الله جرى على لساني.
قال: يا هشام هذا والله مكتوب في صحف إبراهيم وموسى.
إن الجوارح يمكن الاستفادة منها في الأمور التي تصب في صالح الإنسان، فإنه يمكن أن تكون سببا لدخوله في حلقة العاصين المتعرضين لسخط الملك الجبار، من هنا فلا بد من الالتفات لهذه الجوارح وتهذيبها، حتى تكون بكل أعمالها وحركاتها وسكناتها لله رب العالمين.
والكلام تقدم في هذا المطلب في الشروحات السابقة من أراد فليراجع.
ونحن في آخر ساعات هذا الشهر المبارك نرجو من الله أن نكون من الذين تقبل صيامهم و غفرا لهم ما تقدم وتأخر ودخلنا بما أراد منا الله عز وجل وأهل البيت عليهم، روي عن الإمام أبي عبد الله (عليه السلام)قال: إذا صُمتُم فاحفظوا ألسنتَكم عن الكذب، وغُضُّوا أبصارَكم، ولا تَنازعوا، ولا تَحاسدوا، ولا تَغتَابوا، ولا تُمارُوا، ولا تكذبوا، ولا تُباشروا، ولا تَحالفوا، ولا تَغضبوا ولا تَسابُّوا، ولا تَشاتموا، ولا تَنابزوا، ولا تُجادلوا، ولا تُباذوا، ولا تَظلموا، ولا تَسافهوا، ولا تَزاجروا، ولا تغفلوا عن ذكرِ الله.
ونحن في هذه الأيام والليالي المباركة نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.
ونحن الأيتام في غياب إمامنا عجل الله فرجه وآخر هذه الساعات المباركة في الشهر الفضيل علينا بتهيئة النفس لقدوم الإمام المهدي عجل الله فرجه وتوقع الظهور في أي وقت، وبالتالي التسليم المطلق للإمام في حال ظهوره، والاستعداد الكامل لتطبيق عدل الإمام على الشخص نفسه، وتجهيز النفس لنصرته والجهاد بين يديه.
روي عن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن للقائم غيبة قبل أن يقوم.
قلت: ولم؟
قال: يخاف وأومأ بيده إلى بطنه.
ثم قال: يا زرارة: وهو المنتظر، وهو الذي يشك الناس في ولادته [منهم من يقول مات أبوه ولم يخلف و] منهم من يقول هو حمل، ومنهم من يقول هو غائب ومنهم من يقول: ما ولد ومنهم من يقول: قد ولد قبل وفاة أبيه بسنتين، وهو المنتظر غير أن الله تبارك وتعالى يجب أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون.
قال زرارة: فقلت: جعلت فداك، فان أدركت ذلك الزمان فأي شيء أعمل؟
قال: يا زرارة إن أدركت ذلك الزمان فالزم هذا الدعاء.
اللهم عرفني نفسك، فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني.
ثم قال عليه السلام : يا زرارة لابد من قتل غلام بالمدينة،
قلت: جعلت فداك أليس يقتله جيش السفياني؟
قال: لا، ولكن يقتله جيش بني فلان يخرج حتى يدخل المدينة، فلا يدري الناس في أي شيء دخل فيأخذ الغلام فيقتله فإذا قتله بغيا وعدوانا وظلما لم يمهلهم الله عز وجل، فعند ذلك فتوقعوا الفرج.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.