تتمة التطبيق الرابع عشر 2

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد الحَمْدُ للهِ الَّذَي لاَ يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ القَائِلُونَ، وَلاِ يُحْصِي نَعْمَاءَهُ العَادُّونَ، ولاَ يُؤَدِّي حَقَّهُ الُمجْتَهِدُونَ، الَّذِي لاَ يُدْركُهُ بُعْدُ الهِمَمِ، وَلاَ يَنَالُهُ غَوْصُ الفِطَنِ، الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ، وَلاَ نَعْتٌ مَوْجُودٌ، وَلا وَقْتٌ مَعْدُودٌ، وَلا أَجَلٌ مَمْدُودٌ. فَطَرَ الخَلائِق بـقُدْرَتِهَ، وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ، وَوَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ.(*) اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد

تتمة الرواية..

فقال له اليهودي: فهذا موسى بن عمران آتاه الله عز وجل التوراة التي فيها حكمه؟
قال له علي عليه السلام: فلقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله أعطي ما هو أفضل منه أعطي محمد البقرة وسورة المائدة بالإنجيل، وطواسين وطه ونصف المفصل والحواميم بالتوراة، وأعطي نصف المفصل والتسابيح بالزبور، وأعطي سورة بني إسرائيل وبرائة بصحف إبراهيم وموسى عليهما السلام، وزاد الله عز وجل محمدا السبع الطوال وفاتحة الكتاب وهي السبع المثاني والقرآن العظيم وأعطي الكتاب والحكمة.
قال له اليهودي: فإن موسى ناجاه الله على طور سيناء؟
قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ولقد أوحى الله إلى محمد صلى الله عليه وآله عند سدرة المنتهى، فمقامه في السماء محمود، وعند منتهى العرش مذكور.
قال اليهودي: فلقد ألقى الله على موسى بن عمران محبة منه؟
قال علي عليه السلام: لقد كان كذلك، وقد أعطي محمد صلى الله عليه وآله ما هو أفضل من هذا، لقد ألقى الله محبة منه فمن هذا الذي يشركه في هذا الاسم إذ تم من الله به الشهادة فلا تتم الشهادة إلا أن يقال: ” أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ” ينادى به على المنابر فلا يرفع صوت بذكر الله إلا رفع بذكر محمد صلى الله عليه وآله معه.
قال له اليهودي: فلقد أوحى الله إلى أم موسى لفضل منزلة موسى عليه السلام عند الله قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ولقد لطف الله جل ثناؤه لأم محمد صلى الله عليه وآله بأن أوصل إليها اسمه، حتى قالت: أشهد والعالمون: أن محمدا رسول الله منتظر وشهد الملائكة على الأنبياء أنهم أثبتوه في الأسفار، وبلطف من الله ساقه إليها، وأوصل إليها اسمه لفضل منزلته عنده، حتى رأت في المنام أنه قيل لها: إن ما في بطنك سيد، فإذا ولدته فسميه محمدا، فاشتق الله له اسما من أسمائه، فالله المحمود وهذا محمد قال له اليهودي: فإن هذا موسى بن عمران قد أرسله الله إلى فرعون وأراه الآية الكبرى؟
قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد أرسل إلى فراعنة شتى، مثل أبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة، وأبي البختري، والنضر بن الحرث، وأبي بن خلف، ومنبه ونبيه ابني الحجاج، وإلى الخمسة المستهزئين: الوليد بن المغيرة المخزومي، والعاص بن وائل السهمي، والأسود بن عبد يغوث الزهري، والأسود بن المطلب، والحرث بن أبي الطلالة، فأراهم الآيات في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه ألحق.
قال له اليهودي: لقد انتقم الله عز وجل لموسى من فرعون؟
قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ولقد انتقم الله جل اسمه لمحمد صلى الله عليه وآله من الفراعنة، فأما المستهزؤون فقال الله: ” إنا كفيناك المستهزئين ” فقتل الله خمستهم كل واحد منهم بغير قتلة صاحبه في يوم واحد، فأما الوليد بن المغيرة:
فمر بنبل لرجل من جزاعة قد راشه ووضعه في الطريق فأصابه شظية منه فانقطع أكحله حتى أدماه، فمات وهو يقول: ” قتلني رب محمد ” وأما العاص بن وائل السهمي: فإنه خرج في حاجة له إلى موضع فتدهده تحته حجر، فسقط فتقطع قطعة قطعة، فمات وهو يقول: (قتلي رب محمد) وأما الأسود بن عبد يغوث: فإنه خرج يستقبل ابنه زمعة، فاستظل بشجرة، فأتاه جبرئيل فأخذ رأسه فنطح به الشجرة، فقال لغلامه: امنع هذا عني فقال: ما أرى أحدا يصنع شيئا إلا نفسك، فقتله وهو يقول: ” قتلني رب محمد ” وأما الأسود بن الحرث: فإن النبي صلى الله عليه وآله دعا عليه أن يعمي الله بصره، وأن يثكله ولده، فلما كان في ذلك اليوم خرج حتى صار إلى موضع أتاه جبرئيل بورقة خضراء فضرب بها وجهه فعمي، فبقي حتى أثكله الله ولده، وأما الحرث بن أبي الطلالة: فإنه خرج من بيته في السموم فتحول حبشيا، فرجع إلى أهله فقال: أنا الحرث، فغضبوا عليه فقتلوه وهو يقول: ” قتلني رب محمد “.
وروي أن الأسود بن الحرث أكل حوتا مالحا فأصابه غلبة العطش، فلم يزل يشرب الماء حتى انشق بطنه، فمات وهو يقول: ” قتلني رب محمد ” كل ذلك في ساعة واحدة، وذلك أنهم كانوا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا له: يا محمد ننتظر بك إلى الظهر فإن رجعت عن قولك وإلا قتلناك، فدخل النبي صلى الله عليه وآله منزله فأغلق عليه بابه مغتما لقولهم، فأتاه جبرئيل عن الله من ساعته فقال: يا محمد السلام يقرأ عليك السلام وهو يقول لك: ” اصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين ” يعني أظهر أمرك لأهل مكة، وادعهم إلى الإيمان، قال، يا جبرئيل كيف أصنع بالمستهزئين وما أوعدوني؟ قال له: ” إنا كفيناك المستهزئين ” قال: يا جبرئيل كانوا الساعة بين يدي قال: كفيتهم، وأظهر أمره عند ذلك، وأما بقية الفراعنة: قتلوا يوم بدر بالسيف، فهزم الله الجميع وولوا الدبر.
قال له اليهودي: فإن هذا موسى بن عمران قد أعطي العصا فكان تحول ثعبانا؟
قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله ما هو أفضل من هذا، إن رجلا كان يطالب أبا جهل بدين ثمن جزور قد اشتراه، فاشتغل عنه وجلس يشرب، فطلبه الرجل فلم يقدر عليه، فقال له بعض المستهزئين: من تطلب؟
فقال: عمرو بن هشام – يعني أبا جهل – لي عليه دين، قال، فأدلك على من يستخرج منه الحقوق؟ قال: نعم. فدله على النبي صلى الله عليه وآله وكان أبو جهل يقول:
ليت لمحمد إلي حاجة فأسخر به وأرده، فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد بلغني أن بينك وبين عمرو بن هشام حسن صداقة، وأنا أستشفع بك إليه، فقام معه رسول الله صلى الله عليه وآله فأتى بابه، فقال له، قم يا أبا جهل فأد إلى الرجل حقه، وإنما كناه بأبي جهل ذلك اليوم، فقام مسرعا حتى أدى إليه حقه، فلما رجع إلى مجلسه قال له بعض أصحابه: فعلت ذلك فرقا من محمد قال: ويحكم أعذروني، إنه لما أقبل رأيت عن يمينه رجالا معهم حراب تتلألأ، وعن يساره ثعبانين تصطك أسنانهما، وتلمع النيران من أبصارهما، لو امتنعت لم آمن أن يبعجوا بالحراب بطني وتقضمني الثعبانان، هذا أكبر مما أعطي موسى، وزاد الله محمدا ثعبانا

وثمانية أملاك معهم الحراب، ولقد كان النبي صلى الله عليه وآله يؤذي قريشا بالدعاء، فقام يوما فسفه أحلامهم، وعاب دينهم، وشتم أصنامهم، وضلل آبائهم، فاغتموا من ذلك غما شديدا، فقال أبو جهل: والله للموت خير لنا من الحياة، فليس فيكم معاشر قريش أحد يقتل محمدا فيقتل به، قالوا: لا. قال، فأنا أقتله فإن شائت بنو عبد المطلب قتلوني به، وإلا تركوني، قال: إنك إن فعلت ذلك اصطنعت إلى أهل الوادي معروفا لا تزال تذكر به، قال: إنه كثير السجود حول الكعبة فإذا جاء وسجد أخذت حجرا فشدخته به فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله فطاف بالبيت أسبوعا، ثم صلى وأطال السجود، فأخذ أبو جهل حجرا فأتاه من قبل رأسه، فلما أن قرب منه أقبل فحل قبل رسول الله صلى الله عليه وآله فاغرا فاه نحوه، فلما أن رآه أبو جهل فزع منه وارتعدت يده، وطرح الحجر فشدخ رجله، فرجع مدمى، متغير اللون، يفيض عرقا، فقال له أصحابه: ما رأيناك كاليوم؟! قال: ويحكم أعذروني، فإنه أقبل من عنده فحل فاغرا فاه فكاد يبتلعني، فرميت بالحجر فشدخت رجلي، قال اليهودي: فإن موسى قد أعطي اليد البيضاء، فهل فعل بمحمد شيئا من ذلك؟
قال له علي عليه السلام، لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه أعطي ما هو أفضل من هذا، إن نورا كان يضئ عن يمينه حيثما جلس، وعن يساره حيثما جلس، وكان يراه الناس كلهم.
قال له اليهودي: فإن موسى عليه السلام قد ضرب له طريق في البحر، فهل فعل بمحمد شئ من هذا؟
فقال له علي عليه السلام، لقد كان كذلك، ومحمد أعطي ما هو أفضل هذا، خرجنا معه إلى حنين فإذا نحن بواد يشخب، فقدرناه فإذا هو أربعة عشر قامة، فقالوا: يا رسول الله العدو من ورائنا والوادي أمامنا، كما قال أصحاب موسى:
” إنا لمدركون ” فنزل رسول الله ثم قال: ” اللهم إنك جعلت لكل مرسل دلالة، فأرني قدرتك ” وركب صلوات الله عليه، فعبرت الخيل لا تندى حوافرها، والإبل لا تندى أخفافها، فرجعنا فكان فتحنا.
قال له اليهودي: فإن موسى عليه السلام قد أعطي الحجر فانبجست منه اثنتي عشرة عينا قال علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله لما نزل الحديبية وحاصره أهل مكة، قد أعطي ما هو أفضل من ذلك، وذلك: إن أصحابه شكوا إليه الظمأ وأصابهم ذلك حتى التقت خواصر الخيل، فذكروا له صلى الله عليه وآله، فدعا بركوة يمانية ثم نصب يده المباركة فيها، فتفجرت من بين أصابعه عيون الماء، فصدرنا وصدرت الخيل رواء، وملأنا كل مزادة وسقاء، ولقد كنا معه بالحديبية فإذا ثم قليب جافة، فأخرج صلى الله عليه وآله سهما من كنانته فناوله البراء بن عازب وقال له! اذهب بهذا السهم إلى تلك القليب الجافة فاغرسه فيها، ففعل ذلك فتفجرت اثنتا عشرة عينا من تحت السهم، ولقد كان يوم الميضاة عبرة وعلامة للمنكرين لنبوته، كحجر موسى حيث دعا بالميضاة فنصب يده فيها ففاضت الماء وارتفع، حتى توضأ منه ثمانية آلاف رجل فشربوا حاجتهم، وسقوا دوابهم، وحملوا ما أرادوا.
قال اليهودي: فإن موسى عليه السلام أعطي المن والسلوى فهل أعطي لمحمد نظير هذا قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله أعطي ما هو أفضل من هذا، أن الله عز وجل أحل له الغنائم ولأمته، ولم تحل الغنائم لأحد غيره قبله، فهذا أفضل من المن والسلوى، ثم زاده أن جعل النية له ولأمته بلا عمل عملا صالحا ولم يجعل لأحد من الأمم ذلك قبله، فإذا هم أحدهم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشر.(1)

—————————————————————

*-الطبرسي – الإحتجاج – ج1 – ص294.

1- الاحتجاج – الشيخ الطبرسي – ج 1 – الصفحة 120،121،122

رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا

الحلقة التاسعة

بسم الله الرحمن الرحيم
{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِين}.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
يقطف العبد من معين كتاب الله المبارك من جميل المباني، ودقائق المعاني، كلمات يستعذب بها الفؤاد، وتطيب الألسن، دعوات تتدفق منها الرحمات، والبركات والخيرات.
فبين لنا الله في هذه الآية الكريمة من جميل الإشادة بالمؤمنين الصادقين الصابرين من أتباع الأنبياء والأوصياء، في الصبر والثبات، والقوة في مواضع المحن وشديد البلاء، وحثنا على الاقتداء بهم وبفعلهم ودعائهم.
لأن الذنوب والإسراف في الدنيا من أعظم أسباب الخذلان والخسران، وأن التخلي عنها من أعظم النصر.
وقد ورد في أحاديث أهل البيت عليهم السلام في سطوات الله عز وجل على المذنبين، ماروي عن أبي أسامة عن الإمام الصادق عليه السلام قال: سمعته يقول: تعوذوا بالله من سطوات الله بالليل والنهار، قال: قلت له: وما سطوات الله؟ قال: الأخذ على المعاصي.
وروي عنه عليه السلام قال: من يموت بالذنوب أكثر ممن يموت بالآجال.
ومانراه من تعجل الإنسان في ارتكاب الذنوب تعجل الله له بالأمراض والعلل الفتاكة التي تقضي عليه وتسلبه حياته.
وما روي عن الإمام الرضا عليه السلام قال: كلّما أحدث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعملون ، أحدث الله لهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون.

فقولهم: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا } أي استر وتجاوز عن صغار وكبار سيئاتنا التي فعلناها، لأن الذنب لا يغفره غيرك، وماروي عن الإمام أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: اَلْعَبْدُ اَلْمُؤْمِنُ إِذَا أَذْنَبَ ذَنْباً أَجَّلَهُ اَللَّهُ سَبْعَ سَاعَاتٍ فَإِنِ اِسْتَغْفَرَ اَللَّهَ لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَ إِنْ مَضَتِ اَلسَّاعَاتُ وَ لَمْ يَسْتَغْفِرْ كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ وَ إِنَّ اَلْمُؤْمِنَ لَيُذَكَّرُ ذَنْبَهُ بَعْدَ عِشْرِينَ سَنَةً حَتَّى يَسْتَغْفِرَ رَبَّهُ فَيَغْفِرَ لَهُ وَ إِنَّ اَلْكَافِرَ لَيَنْسَاهُ مِنْ سَاعَتِهِ .
لذا رغبت الشريعة المؤمنين وحثتهم على الاستغفار .
وقولهم:{ وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا } أي أنهم أسرفوا في أمرهم مع الله في كثير من الأمور من عدم اتباع أوامر ونهج نبيهم وطاعته المفروض عليهم.
وهناك قول آخر ذهب إليه أكثر المفسرين وهو الإسراف في أمور الدنيا من مأكل وملبس وغيرها، لأن السرف هو تجاوز الحد في كل فعل يفعله العبد.
وأما قولهم: {وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِين}.
أي قوِّ قلوبنا على جهادنا النفسي وقتال أعدائك فلا ننهزم من الشيطان في وسوسته ولامن الكفار في قتالهم، لأن التثبت يعطي قوة القلب واليقين والعبد يحتاج هذا من الله ليكون قد أحرز صفة من الصفات التي يعطيها الله للمؤمنين، وجعل النصر والغلبة لهم على الكافرين ويكون الكفار هم الخذولين، فإن النصر لا يستجلب إلا منك عزّ شأنك.
وهنا لفتة أن ثبات الأقدام في عصر الغيبة هي الولاية لمحمد وآل محمد عليهم السلام، وروي عن الإمام زين العابدين عليه السلام قال: من ثبت على ولايتنا في غيبة قائمنا أعطاه الله أجر ألف شهيد، مثل شهداء بدر واحد.
وقد تضمنت هذه الآية الكريمة فوائد:

  • أن العبد مفتقر في كل أموره إلى الله غاية الافتقار.
  • ينبغي للعبد أن يدعو الله تعالى بهذا الدعاء دائما.
  • معرفة العبد أن الذنوب سبب الخذلان والهوان ولهذا أسألوا الله تعالى إزالتها ومحوها بكثرة الاستغفار والالحاح بالدعاء لله.
  • معرفة العبد أن ثبات أقدامه في الدنيا والآخرة هو اتباعه للحق المأمور به من الولاية لمحمد وآل محمد.
    ونحن في هذه الأيام المباركة نسأل الله تعالى المغفرة لنا من ذنوبنا والعفو عن إسرافنا وثبات أقدامنا على الحق من معرفة أهل البيت عليهم السلام والنصر على عدوه وعدوهم وعدونا.
    وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

تتمة التطبيق الرابع عشر

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد الحَمْدُ للهِ الَّذَي لاَ يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ القَائِلُونَ، وَلاِ يُحْصِي نَعْمَاءَهُ العَادُّونَ، ولاَ يُؤَدِّي حَقَّهُ الُمجْتَهِدُونَ، الَّذِي لاَ يُدْركُهُ بُعْدُ الهِمَمِ، وَلاَ يَنَالُهُ غَوْصُ الفِطَنِ، الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ، وَلاَ نَعْتٌ مَوْجُودٌ، وَلا وَقْتٌ مَعْدُودٌ، وَلا أَجَلٌ مَمْدُودٌ. فَطَرَ الخَلائِق بـقُدْرَتِهَ، وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ، وَوَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ.(*) اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد

تتمة عن أمير المؤمنين عليه السلام رحمةٌ من الله عز وجل للرواية التي حاجج بها اليهودي.

فقال اليهودي: فإن نوحا دعا ربه، فهطلت السماء بماء منهمر؟
قال له عليه السلام: لقد كان كذلك، وكانت دعوته دعوة غضب، ومحمد صلى الله عليه وآله هطلت له السماء بماء منهمر رحمة، وذلك أنه صلى الله عليه وآله لما هاجر إلى المدينة أتاه أهلها في يوم جمعة فقالوا له: يا رسول الله صلى الله عليه وآله احتبس القطر، واصفر العود، وتهافت الورق، فرفع يده المباركة حتى رأي بياض إبطه، وما ترى في السماء سحابة، فما برح حتى سقاهم الله حتى أن الشاب المعجب بشبابه لهمته نفسه في الرجوع إلى منزله فما يقدر على ذلك من شدة السيل، فدام أسبوعا، فأتوه في الجمعة الثانية فقالوا: يا رسول الله تهدمت الجدر، واحتبس الركب والسفر، فضحك صلى الله عليه وآله وقال: هذه سرعة ملالة ابن آدم، ثم قال: ” اللهم حوالينا ولا علينا اللهم في أصول الشيح ومراتع البقع ” فرأي حوالي المدينة المطر يقطر قطرا، وما يقع بالمدينة قطرة، لكرامته صلى الله عليه وآله عز وجل.
قال له اليهودي: فإن هذا هود قد انتصر الله من أعدائه بالريح، فهل فعل لمحمد صلى الله عليه وآله شيئا من هذا؟
قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله أعطي ما هو أفضل من هذا إن الله عز وجل قد انتصر له من أعدائه بالريح يوم الخندق، إذ أرسل عليهم ريحا تذروا الحصى، وجنودا لم يروها، فزاد الله تعالى محمدا صلى الله عليه وآله بثمانية ألف ملك، وفضله على هود، بأن ريح عاد ريح سخط، وريح محمد ريح رحمة، قال الله تعالى: ” يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جائكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها ” قال له اليهودي: فهذا صالح أخرج الله له ناقة جعلها لقومه عبرة؟
قال علي عليه السلام لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله أعطي ما هو أفضل من ذلك، إن ناقة صالح لم تكلم صالحا، ولم تناطقه ولم تشهد له بالنبوة، ومحمد صلى الله عليه وآله بينما نحن معه في بعض غزواته إذا هو ببعير قد دنا، ثم رغا فأنطقه الله عز وجل فقال:
” يا رسول الله فلانا استعملني حتى كبرت، ويريد نحري، فأنا أستعيذ بك منه ” فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله إلى صاحبه فاستوهبه منه، فوهبه له وخلاه، ولقد كنا معه فإذا نحن بأعرابي معه ناقة له يسوقها، وقد استسلم للقطع لما زور عليه من الشهود فنطقت الناقة فقالت: ” يا رسول الله إن فلأنا مني برئ، وإن الشهود يشهدون عليه بالزور، وإن سارقي فلان اليهودي “.
قال له اليهودي: فإن هذا إبراهيم قد تيقظ بالاعتبار على معرفة الله تعالى وأحاطت دلالته بعلم الإيمان؟
قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك وأعطي محمدا أفضل منه، وتيقظ إبراهيم وهو ابن خمسة عشر سنة ومحمد ابن سبع سنين، قدم تجار من النصارى فنزلوا بتجارتهم بين الصفا والمروة، فنظر إليه بعضهم فعرفه بصفته ورفعته، وخبر مبعثه وآياته، فقالوا: يا غلام ما اسمك؟ قال: محمد قالوا: ما اسم أبيك؟ قال: عبد الله قالوا: ما اسم هذه؟ وأشاروا بأيديهم إلى الأرض قال: الأرض قالوا، وما اسم هذه؟ وأشاروا بأيديهم إلى السماء قال: السماء قالوا: فمن ربهما؟ قال: الله. ثم انتهرهم وقال: أتشككوني في الله عز وجل؟! ويحك يا يهودي لقد تيقظ بالاعتبار على معرفة الله عز وجل مع كفر قومه إذ هو بينهم: يستقسمون بالأزلام، ويعبدون الأوثان، وهو يقول: لا إله إلا الله.
قال له اليهودي: فإن إبراهيم عليه السلام حجب عن نمرود بحجب ثلاث؟

قال علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله حجب عمن أراد قتله بحجب خمس، فثلاثة بثلاثة واثنان فضل، قال الله عز وجل – وهو يصف أمر محمد صلى الله عليه وآله -:
” وجعلنا من بين أيديهم سدا ” فهذا الحجاب الأول ” ومن خلفهم سدا ” فهذا الحجاب الثاني ” فأغشيناهم فهم لا يبصرون ” فهذا الحجاب الثالث ثم قال: ” إذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا ” فهذا الحجاب الرابع ثم قال: ” فهي إلى الأذقان فهم مقمحون ” فهذه حجب خمس.
قال له اليهودي: فإن هذا إبراهيم قد بهت الذي كفر ببرهان نبوته؟
قال علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله أتاه مكذب بالبعث بعد الموت وهو: أبي بن خلف الجمعي معه عظم نخر ففركه ثم قال: يا محمد ” من يحيي العظام وهي رميم “؟ فأنطق الله محمدا بمحكم آياته، وبهته ببرهان نبوته، فقال:
” يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ” فانصرف مبهوتا.
قال له اليهودي: فهذا إبراهيم جذ أصنام قومه غضبا لله عز وجل؟
قال علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله قد نكس عن الكعبة ثلاثمائة وستين صنما، ونفاها عن جزيرة العرب، وأذل من عبدها بالسيف.
قال له اليهودي: فإن إبراهيم قد أضجع ولده وتله للجبين؟
فقال علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ولقد أعطي إبراهيم بعد الاضطجاع الفداء، ومحمد أصيب بأفجع منه فجيعة إنه وقف على عمه حمزة أسد الله، وأسد رسوله وناصر دينه، وقد فرق بين روحه وجسده، فلم يبن عليه حرقة، ولم يفض عليه عبرة، ولم ينظر إلى موضعه من قلبه وقلوب أهل بيته ليرضي الله عز وجل بصبره ويستسلم لأمره في جميع الفعال، وقال صلى الله عليه وآله: لولا أن تحزن صفية لتركته حتى يحشر من بطون السباع، وحواصل الطير، ولولا أن يكون سنة بعدي لفعلت ذلك.
قال له اليهودي: فإن إبراهيم عليه السلام قد أسلمه قومه إلى الحريق فصبر فجعل الله عز وجل عليه النار بردا وسلاما فهل فعل بمحمد شيئا من ذلك؟
قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله لما نزل بخيبر سمته الخيبرية فصير الله السم في جوفه بردا وسلاما إلى منتهى أجله، فالسم يحرق إذا استقر في الجوف كما أن النار تحرق، فهذا من قدرته لا تنكره.
قال له اليهودي: فإن هذا يعقوب عليه السلام أعظم في الخير نصيبه إذ جعل الأسباط من سلالة صلبه، ومريم بنت عمران من بناته؟
قال علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله أعظم في الخير نصيبا إذ جعل فاطمة سيدة نساء العالمين من بناته، والحسن والحسين من حفدته.
قال له اليهودي: فإن يعقوب عليه السلام قد صبر عليه فراق ولده حتى كاد يحرض من الحزن.
قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، حزن يعقوب حزنا بعده تلاق، ومحمد صلى الله عليه وآله قبض ولده إبراهيم عليه السلام قرة عينه في حياته منه، فخصه بالاختيار، ليعظم له الادخار فقال صلى الله عليه وآله: يحزن النفس، ويجزع القلب، وأنا عليك يا إبراهيم لمحزونون، ولا نقول ما يسخط الرب، في كل ذلك يؤثر الرضا عن الله عز وجل، والاستسلام له في جميع الفعال.
قال له اليهودي: فإن هذا يوسف قاسى مرارة الفرقة، وحبس في السجن توقيا للمعصية، والقي في الجب وحيدا؟
قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله قاسى مرارة الغربة، وفراق الأهل والأولاد والمال، مهاجرا من حرم الله تعالى وأمنه، فلما رأى الله عز وجل كآبته واستشعاره والحزن، أراه تبارك اسمه رؤيا توازي رؤيا يوسف في تأويلها وأبان للعالمين صدق تحقيقها، فقال: ” لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إنشاء الله آمنين محلقين رؤسكم ومقصرين لا تخافون ” ولئن كان يوسف عليه السلام حبس في السجن، فلقد حبس رسول الله نفسه في الشعب ثلاث سنين، وقطع منه أقاربه وذووا الرحم والجأوه إلى أضيق المضيق، ولقد كادهم الله عز ذكره له كيدا مستبينا، إذ بعث أضعف خلقه فأكل عهدهم الذي كتبوه بينهم في قطيعة رحمه، ولئن كان يوسف ألقي في الجب، فلقد حبس محمد نفسه مخافة عدوه في الغار حتى قال لصاحبه لا تحزن إن الله معنا، ومدحه إليه بذلك في كتابه.

—————————————————————

*-الطبرسي – الإحتجاج – ج1 – ص294.

1- الاحتجاج – الشيخ الطبرسي – ج 1 – الصفحة 117،118،119،120

رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ

الحلقة الثامنة

بسم الله الرحمن الرحيم
{رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

هذا الدعاء جاء ذكره في كتاب اللَّه العزيز تنويهاً بأهميّته، والحثّ على العناية به في كتابٍ يُتلى إلى يوم القيامة؛ فهذا الدعاء جاء عن خلصاء أصحاب عيسى، وأصفيائه، وأنصاره، وكان عددهم كما ذكر بعض المفسرين اثني عشر ، سمّاهم اللَّه تبارك وتعالى (الحواريون) من صفائهم، كالشيء الأبيض الخالص البياض، من شدة النقاء والصفاء .
‏فقد أخلصوا سرائرهم، وعلانيتهم، ونياتهم، فصاروا في أعلى درجات النقاء في ظاهرهم وباطنهم.
وقولهم: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ}، قدّموا توسّلهم بربوبيته تعالى: لأنّ الربوبية تدور على ثلاثة أشياء، الخلق، ‏والملك، والتدبير، ‏وإجابة الدعاء، ويظهر تعليل ما جرى من كفار بني إسرائيل الذين عناهم الله بقوله:{ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ} دبروا لقتل عيسى عليه السلام وبعد ما اخرجوا عيسى من قومه بين أظهرهم، عاد إليهم مع الحواريين وصاح فيهم بالدعوة، فهموا بقتله، وتواطؤوا على الفتك به، فذلك مكرهم، ومكر الله بهم بإلقاء الشبه على صاحبهم الذي أراد قتل عيسى، حتى قتل وصلب، ورفع عيسى إلى السماء.
وكما أجمعت قريش على أمرهم من التخلص من النبي محمد صلى الله عليه وآله، وذلك أن يختاروا شابا من كل بطن ، ويضربوه بسيوفهم ، وهو نائم في فراشه ، فيتفرق دمه بين الجميع ، فأبطل اللَّه مكرهم ، حيث أمر نبيه صلى الله عليه وآله بالخروج من مكة ، وأن ينام أمير المؤمنين عليه السلام في فراشه ، يوهم القوم أن الرسول الكريم صلى الله عليه وآله لم يسافر ، خوفا من اللحاق به ، واستلقى أمير المؤمنين عليه السلام في فراش ابن عمه صلى الله عليه وآله، وجر عليه بردته ، ولما اقتحم المتآمرون الدار وجدوا أمير المؤمنين عليه السلام هو الذي يرقد في الفراش ،وذهب اللَّه بكيدهم ، وما كيد الكافرين إلا في ضلال .
فهذا الإيمان المطلق لا يصل إليه أحد إلا أمير المؤمنين عليه السلام.
وقد روي أنّه ليلةَ بات الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام في فراش رسول الله صلى الله عليه وآله ، أوحى الله تعالى الى جبرئيل وميكائيل : إنّي قد آخيت بينكما، و جعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر ، فأيّكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختار كلاهما الحياة و أحبّاها ، فأوحى الله تعالى إليهما : أفلا كنتما مثل عليّ بن أبي طالب حين آخيت بينه وبين محمّد ، فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوّه ، فهبط جبرئيل فجلس عند رأسه وميكائيل عند رجليه ، و جعل جبرئيل يقول : بخ بخ ، من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي الله بك الملائكة فوق سبع سماوات .
وقولهم: {وَاتَّبَعْنَا الرَّسولَ}، أي أننا سلمنا ظاهراً وباطناً، واذعنا لك، فجمعوا في دعائهم عدة توسلاتٍ عظيمة: توسلاً بربوبيته، وبإيمانهم، وعملهم الصالح بين دعائهم وطلبهم فكانوا مصدقين له بما أنزل من الإنجيل، واتباعهم لعيسى عليه السلام، وشهدوا لله بالواحدانية ولأنبيائه بالرسالة ونصرهم على عدو الله وأنبيائه.
كذلك عملية التمويه على قريش بارتداء الإمام علي عليه السلام رداء رسول الله صلى الله عليه وآله ومبيته في فراشه ربطاً لصلة القرابة وتأكيداً لمبدأ أن نفس رسول الله صلى الله عليه وآله هي نفس علي عليه السلام وتأكيداً أنه ثابت على خطى الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وقد نفذ أوامره وأنجز مهامه بدقة تامة، ثم هجرته العلنية أمام أنظار قريش.
وقولهم:{فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}, هذه الغاية عندهم بعد تقديمهم الوسيلة وطلب اثبات أسماءهم مع أسماء الذين لهم صفة قيادة الأمم، ويوم القيامة يشهدون على أعمال الناس الحسنة ومنكرين للباطل.
وروي عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول إِذا قضى صلَاته: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك بِحَق السَّائِلين عَلَيْك – فَإِن للسائلين عَلَيْك حَقًا – أَيّمَا عبد أَو أمة من أهل الْبر وَالْبَحْر تقبلت دعوتهم واستجبت دعاءهم أَن تشركنا فِي صَالح مَا يدعونك بِهِ وَأن تعافينا وإياهم وَأَن تقبل منا وَمِنْهُم وَأَن تجَاوز عَنَّا وعنهم بِأَنا {آمنا بِمَا أنزلت وَاتَّبَعنَا الرَّسُول فاكتبنا مَعَ الشَّاهِدين} وَكَانَ يَقُول: لَا يتَكَلَّم بِهَذَا أحد من خلقه إِلَّا أشركه الله فِي دَعْوَة أهل برهم وبحرهم فعمتهم وَهُوَ مَكَانَهُ.
تضمنت هذه الآية الكريمة من الفوائد:

  • إن الإيمان لابد له من اتباع شامل لكل ما أنزل الله تعالى.
  • إن إشهاد العبد على نفسه بالإيمان أو الاسلام لا يعد من الرياء، لاسيما في اتباع النبي المرسل وأوصيائه عليهم السلام.
  • أهمية التوسل إلى الله تبارك وتعالى بالوسيلة إليه، وتقوية الإيمان بهذه الوسيلة بين العبد وربه ألا وهي الولاية لمحمد وآل محمد عليهم السلام.
    ونحن في العشر الأوائل من هذا الشهر الفضيل نسأل الله بالوسيلة إليه أن يعتق رقابنا من النار ويجعلنا من الشاهدين على أنفسنا بالإيمان ويجعل الرسول وآله عليهم السلام الشاهد لنا بالتسليم لهم في الدنيا والآخرة.
    وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

التطبيق الرابع عشر

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد ، الحَمْدُ للهِ الَّذَي لاَ يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ القَائِلُونَ، وَلاِ يُحْصِي نَعْمَاءَهُ العَادُّونَ، ولاَ يُؤَدِّي حَقَّهُ الُمجْتَهِدُونَ، الَّذِي لاَ يُدْركُهُ بُعْدُ الهِمَمِ، وَلاَ يَنَالُهُ غَوْصُ الفِطَنِ، الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ، وَلاَ نَعْتٌ مَوْجُودٌ، وَلا وَقْتٌ مَعْدُودٌ، وَلا أَجَلٌ مَمْدُودٌ. فَطَرَ الخَلائِق بـقُدْرَتِهَ، وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ، وَوَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ،اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد

التطبيق الرابع عشر لآيات40،41،42،43،44 من سورة البقرة

يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ۖ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (42) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) ۞ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44)(1)

إن الله يخاطب أول من جحد نبوة محمد صلى الله عليه و آله و آخر دين كتابي علموا به، و كانت آبائهم و قبائلهم استقروا في المدينة لانتظار ظهور خاتم الأنبياء،
جاء في كتاب معجم البلدان ما نصه ان علماءهم كانوا يجدون في التوراة صفة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه يهاجر إلى بلد فيه نخل بين حرتين، فأقبلوا من الشام يطلبون الصفة حرصا منهم على اتباعه، فلما رأوا تيماء وفيها النخل عرفوا صفته وقالوا:
هو البلد الذي نريده، فنزلوا وكانوا أهله.(2)

و في الحقيقة كان من المتوقع من هؤلاء هو الإيمان حين بزوغ دعوة النبي صلى الله عليه وآله لأنهم أعرف الناس به قبل كل الناس ولكن ماضي أغلبهم مع الأنبياء كان لا يبشر بخير.

وفي كتاب الصحيح في سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله نقلا عن سنن بن داود و تفسير القرآن العظيم ما نصه : وقد رأينا أن قريشا ترسل رسولا إلى أحبار يهود المدينة، للسؤال عن أمر النبي (صلى الله عليه وآله)، باعتبار أنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم من علم الأنبياء ما ليس عند قريش .(3)

بل جاء في كتاب الملل والنحل ما نصه : بناء القلاع بالقرب من المدينة لنصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم نبي آخر الزمان فأمروهم بالهجرة من أوطانهم بالشام إلى تلك القلاع والبقاع حتى إذا ظهر وأعلن الحق بفاران وهاجر إلى دار هجرته بيثرب هجروه وتركوا نصره وذلك قوله تعالى * (وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين) *(4)

و الأعظم من ذلك ما جاء في تفسير الإمام عليه السلام هؤلاء يهود المدينة جحدوا نبوة محمد وخانوه وقالوا:
نحن نعلم أن محمدا نبي وأن عليا وصيه، ولكن لست أنت ذلك ولا هذا، ولكن يأتيان بعد وقتنا هذا بخمسمائة سنة ” ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ” (5)

في مجمع البيان عن الباقر عليه السلام في بيان هذه الآية: أن حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف وآخرين من اليهود كانت لهم مأكلة على اليهود في كل سنة فكرهوا بطلانها بأمر النبي صلى الله عليه وآله فحرفوا لذلك آيات من التوراة فيها صفته وذكره، فذلك الثمن الذي أريد به في الآية ” وإياي فاتقون ” في كتمان أمر محمد وأمر وصيه ” ولا تلبسوا الحق بالباطل ” لا تخلطوه به بأن تقروا به من وجه، وتجحدوه من وجه ” وتكتموا الحق ” من نبوة هذا وإمامة هذا ” وأنتم تعلمون ” أنكم تكتمونه تكابرون علومكم وعقولكم ” وأقيموا الصلاة ” المكتوبة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وآله وأقيموا أيضا الصلاة على محمد وآله الطاهرين.(6)

و مع ذلك كان خطاب الله لهم بالرحمة لازال متواصلا إلى يومنا هذا ، هذه رحمته عزوجل التي بدأ بها آياته وبدأ بها خطاب الدعوة أنه سيقدم هاتين الصفتين على جميع صفاته وهما صفة الرحمٰن و صفة الرحيم.

و قد حاول النبي صلى الله عليه و اله مع وصيه عليه السلام مستلهما رحمته من الله عزوجل بشكل متكرر إثبات بحجة تارة و الإعجاز تارة أخرى ولكن من تعلق بالدنيا وزخرفها يجحد ما يعتقد به قلبه.

و أول تلك الاحتجاجات معهم هي الآيات التي نحن في صدد التكلم عنها والآيات التي بعدها وهي كثيرة أذكر لكم رحمة علوية من كتاب الإحتجاج معهم :
احتجاجه (عليه السلام) على اليهود من أحبارهم ممن قرأ الصحف والكتب في معجزات النبي صلى الله عليه وآله وكثير من فضائله.
روي عن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام عن الحسين بن علي عليهما السلام قال: إن يهوديا من يهود الشام وأحبارهم كان قد قرأ التوراة والإنجيل والزبور وصحف الأنبياء عليهم السلام وعرف دلائلهم، جاء إلى مجلس فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وفيهم علي بن أبي طالب، وابن عباس، وابن مسعود، وأبو سعيد الجهني.
فقال: يا أمة محمد ما تركتم لنبي درجة، ولا لمرسل فضيلة، إلا أنحلتموها نبيكم، فهل تجيبوني عما أسألكم عنه؟ فكاع القوم عنه .
فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: نعم ما أعطى الله نبيا درجة، ولا مرسلا فضيلة إلا وقد جمعها لمحمد صلى الله عليه وآله وزاد محمدا على الأنبياء أضعافا مضاعفة.
فقال له اليهودي: فهل أنت مجيبي؟
قال له: نعم سأذكر لك اليوم من فضائل رسول الله صلى الله عليه وآله ما يقر الله به عين المؤمنين، ويكون فيه إزالة لشك الشاكين في فضائله صلى الله عليه وآله، إنه كان إذا ذكر لنفسه فضيلة قال: ” ولا فخر ” وأنا أذكر لك فضائله غير مزر بالأنبياء، ولا منتقص لهم، ولكن شكرا لله على ما أعطى محمدا صلى الله عليه وآله مثل ما أعطاهم، وما زاده الله وما فضله عليهم.
قال له اليهودي: إني أسألك فأعد له جوابا.
قال له علي عليه السلام: هات.
قال اليهودي: هذا آدم عليه السلام أسجد الله له ملائكته، فهل فعل لمحمد شيئا من هذا؟
فقال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، أسجد الله لآدم ملائكته فإن سجودهم له لم يكن سجود طاعة، وإنهم عبدوا آدم من دون الله عز وجل، ولكن اعترافا بالفضيلة، ورحمة من الله له، ومحمد صلى الله عليه وآله أعطي ما هو أفضل من هذا، إن الله عز وجل صلى عليه في جبروته والملائكة بأجمعها، وتعبد المؤمنين بالصلاة عليه فهذه زيادة له يا يهودي.
قال له اليهودي: فإن آدم عليه السلام تاب الله عليه بعد خطيئته؟
قاله له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد نزل فيه ما هو أكبر من هذا من غير ذنب أتى، قال الله عز وجل: ” ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ” إن محمدا غير مواف يوم القيامة بوزر، ولا مطلوب فيها بذنب.
قال اليهودي: فإن هذا إدريس رفعه الله عز وجل مكانا عليا، وأطعمه من تحف الجنة بعد وفاته؟
قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله أعطي ما هو أفضل من هذا إن الله جل ثناؤه قال فيه: ” ورفعنا لك ذكرك ” فكفى بهذا من الله رفعة، ولئن أطعم إدريس من تحف الجنة بعد وفاته، فإن محمدا أطعم في الدنيا في حياته: بينما يتضور جوعا فأتاه جبرئيل عليه السلام بجام من الجنة فيه تحفة، فهلل الجام وهللت التحفة في يده، وسبحا، وكبرا، وحمدا، فناولها أهل بيته، ففعلت الجام مثل ذلك، فهم أن يناولها بعض أصحابه فتناولها جبرئيل عليه السلام وقال له: كلها فإنها تحفة من الجنة أتحفك الله بها، وأنها لا تصلح إلا لنبي أو وصي نبي، فأكل منها صلى الله عليه وآله وأكلنا معه، وإني لأجد حلاوتها ساعتي هذه.
قال اليهودي: فهذا نوح عليه السلام صبر في ذات الله تعالى، وأعذر قومه إذ كذب؟
قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله صبر في ذات الله عز وجل فأعذر قومه إذ كذب، وشرد، وحصب بالحصا، وعلاه أبو لهب بسلا ناقة وشاة، فأوحي الله تبارك وتعالى إلى جابيل ملك الجبال، أن شق الجبال وانته إلى أمر محمد فأتاه فقال: إني أمرت لك بالطاعة فإن أمرت أن أطبق عليهم الجبال فأهلكتهم بها، قال صلى الله عليه وآله: ” إنما بعثت رحمة رب أهد أمتي فإنهم لا يعلمون ” ويحك يا يهودي إن نوحا لما شاهد غرق قومه رق عليهم رقة القرابة، وأظهر عليهم شفقة

فقال: ” رب إن ابني من أهلي ” فقال الله تعالى: ” إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح ” أراد جل ذكره أن يسليه بذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله لما غلبت عليه من قومه المعاندة شهر عليهم سيف النقمة، ولم تدركه فيهم رقة القرابة، ولم ينظر إليهم بعين رحمة.

الرواية طويلة جدا فيها فضل النبي على سائر الأنبياء وفيها ما نحن بصدده من الرحمة الإلهية على عبيده الجاحدين قبل أن يأت يوم القيامة و يعذبهم بعذاب عظيم.(7)

—————————————————————

*-الطبرسي – الإحتجاج – ج1 – ص294.

1- البقرة: 40،41،42،43،44،

2-معجم البلدان – الحموي – ج 5 – الصفحة 84

3- الصحيح من سيرة النبي الأعظم (ص) – السيد جعفر مرتضى – ج 1 – الصفحة 96

4- الملل والنحل – الشهرستاني – ج1 – الصفحة 210

5- بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج 66 – الصفحة 341

6- مجمع البيان – الطوسي-ج 1 ص 95.

7- الاحتجاج – الشيخ الطبرسي – ج 1 – الصفحة 314،315،316.

رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ

الحلقة السابعة

بسم الله الرحمن الرحيم

{رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ}.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

الدعاء الذي يحمل الطلب بما ينفع العبد في مسألته مع الله عز وجل، ويكون فيه المرتجي منه سبحانه وتعالى والسماع الخاص له في استجابة ما يطلب في دعائه، وفي هذه الآية الكريمة إحدى دعوات نبي الله زكريا عليه السلام في طلب الذرية وقد قصها الله تعالى في كتابه الكريم.
تتلخص قصة نبي الله زكريا عليه السلام- وفقاً للنص القرآني والنصوص المفسرة، حيث وصفه الله سبحانه في كلامه بالنبوة والوحي ، ووصفه في أول سورة مريم بالعبودية، وذكره في سورة الأنعام في عداد الأنبياء، وعده من الصالحين ثم المجتبين.
وذكر سبحانه وتعالى بأن زكريا عليه السلام تكفل مريم عليها السلام لفقدها أباها عمران، فلما نشأت اعتزلت عن الناس واشتغلت بالعبادة في محراب لها في المسجد، وكان يدخل عليها زكريا عليه السلام يتفقدها{كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.
هنالك دعا زكريا عليه السلام ربه وسأله أن يهب له من امرأته ذرية طيبة، وكان هو شيخاً فانيا وامرأته عاقراً، فاستجيب له ونادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بغلام اسمه يحيى، فسأل ربه آية لتطمئن نفسه أن النداء من جانبه سبحانه، فقيل له إن آيتك أن يعتقل لسانك فلا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا، وكان ذلك، وخرج على قومه من المحراب وأشار إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا، وأصلح الله له زوجه فولدت له يحيى عليهما السلام، وكانت هذه من المعجزات الإلهية في ذلك الوقت، ومما جاء في الخبر عن ابن عباس إلى أن زكريا كان يوم بُشر بيحيى عمره مائة وعشرين سنة، وكانت امرأته بنت ثمان وتسعين سنة.

فهذا الدعاء في الآية يشتمل على معان منها:
قوله {رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ} أن الطلب بلفظ الهبة، لأن الهبة إحسان محض ليس في مقابله شئ، لأنهما كانا شيخان كبيران، وهي عاقر لا تلد، وبالنظر هنا يكون الإيمان الخالص لله تعالى، وعلى حسن ظن العبد بربه ينال من كراماته وفضائله التي لاتحد ولاتعد وكل الهدايا من الله هي كريمة وعظيمة وجليلة تليق بمقام العظيم الكريم وهو قوله{مِن لَّدُنكَ}.
وقوله:{ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ}، التقييد بالذرية الطيبة إشارة مهمة أن العبد لا يسأل الله تعالى الذرية فقط فلا بد أن يقيدها بالطيبة حتى يكون منها الخير في الدارين، لأن العبد عند موته تبقى هذه الذرية محصوله الخاص به، بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا مات المؤمن انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له.
فأصل الذرية الطيبة للعبد هي نتاج حسن مضمون في الدنيا والآخرة وتكون عوناً له في الدعاء والعمل الصالح الذي يقدمه له، وكيف! إذا كانت من ركب إمام زمانه يقاتل بين يديه ويترحم له وهو الدي كان يدعو أن يكون من أنصاره وأعوانه، فيشركه في ثواب جهاده مع إمام زمانه.
قوله:{ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ}، أي إني ما التجأت إليك وسألتك إلا لأنك مجيب الدعاء غير مخيب للرجاء، وختم الدعاء بأحسن ختام من التوسل بأسمائه تعالى الحسنى وصفاته العُلا التي تناسب الدعاء، ففضل الدعاء باسماء الله الحسنى وردّ في نصوص عديدة أن المؤمن إذا دعا الله باسمائه الحسنى عشراً لباه الله تعالى، ومما روي عن الإمام علي بن موسى الرضا عن آبائه عليهم السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله؛ ان لله عز وجل تسعة وتسعون اسما من دعا الله بها استجاب له، ومن أحصاها دخل الجنة.
وقد تضمنت هذه الآية من الدعوات المباركة فوائد منها:
إن جميع الخلق مفتقرون إلى الله سبحانه وتعالى، حتى الأنبياء في كل أحوالهم.
أعظم التوسل إلى الله سبحانه بالدعاء هو اسم (الرب)، لأن إجابة الداعي من مقتضى الربوبية، فكان النبي صلى الله عليه وآله يمد يديه إلى السماء ويقول: يارب يارب…
إن العبد في سؤاله عن الذرية لا يسأل بالمطلق لاحتمال أن يكونوا نكداً وفتنة، وإنما يسأل الذرية الطيبة.
إن الاكثار بالدعاء باسماء الله الحسنى هي الاسرع بالإجابة.
إن الخشوع والرهبة من الله تعالى من أسباب إجابة الدعاء كما في قوله تعالى:{وَ كانُوا لَنا خاشِعِينَ}.

ونحن في هذه الأيام المباركة نسأل الله تعالى بخضوع وخشوع أن يجعلنا وذريتنا من الداعين بتعجيل فرج صاحب العصر والزمان ويجعلنا من أنصاره وأعوانه.
وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ

الحلقة السادسة
بسم الله الرحمن الرحيم
{رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

الدعاء المبارك في هذه الآية الكريمة من دعوات أهل العلم والإيمان، سطرها الله تعالى في كتابه العزيز لتُتلى إلى يوم القيامة، وطبقت أقوالهم وأعمالهم طلبهم من الله عز وجل، فهم أصحاب النفوس الزكية، إذ أكدوا إيمانهم ب-(إن)- المؤكدة ودلالة قوة إيمانهم وصفاء توحيدهم من كل أدران الشرك والشك، أي آمنا بك وبكتابك وبرسولك صلى الله عليه وآله وسلم وأولياءك المخصوصين بكرامتك، وبكل ما جاء من عندك، قدموا توسلهم بإيمانهم بالله قبل سؤالهم لأنه من أعظم الوسائل التي يحبها الله، أن يتوسل العبد إليه بما منَّ عليه من الإيمان.
وهنا إشارة في التفريق بين الإيمان والإسلام، وذلك قوله تعالى في سورة الحجرات:{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}.
الإيمان المطلوب هو الإذعان إلى الحق على سبيل التصديق له واليقين بما أتى به النبي صلى الله عليه وآله، وفي هذا الخصوص وردت أحاديث كثيرة عن أهل البيت عليهم السلام تعكس التصور الإيماني الصحيح وفق نظرة شمولية ترى أن الإيمان هو عقد بالقلب وقول باللسان وعمل بالأركان.
وروي أنه عندما سئل الإمام أمير المؤمنين عليه السلام عن الإيمان قال: الإيمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان.
وعن الإمام محمد الباقر عليه السلام في معرض تفريقه بين الإسلام والإيمان قال: الإيمان إقرار وعمل والإسلام إقرار بلا عمل.
ويؤكد الامام الصادق عليه السلام على قاعدة التلازم بين القول والعمل في تحقق مفهوم الإيمان، بما روي عنه عليه السلام قال: ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن الإيمان ما خلص في القلوب وصدقته الأعمال.
واخلاص القلوب وصدق الأعمال حدودهما بما جاوب عنه الإمام الصادق عليه السلام عجلان أبي صالح عندما سأله عن حدود الايمان فقال عليه السلام: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله والاقرار بما جاء به من عند الله وصلاة الخمس وأداء الزكاة وصوم شهر رمضان وحج البيت وولاية ولينا وعداوة عدونا والدخول مع الصادقين.
معرفة المتقين المشمولين بنعم الله العظيمة في العالم الآخر، الذين يتوجهون إلى الله بكل جوارهم، والإيمان يضئ قلوبهم ويحسون بمسؤولية كبيرة في كل أعمالهم، ويخشون عقاب الله خشية شديدة، فيطلبون مغفرته والنجاة من النار بقولهم:{ فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }.
وهم مصداق ما روي عن الإمام الباقر عليه السلام قال: إن لله تعالى ذكر عبادا ميامين مياسير، يعيشون ويعيش الناس في أكنافهم وهم في عباده بمنزلة القطر ولله عز وجل عباد ملاعين مناكير، لا يعيشون ولا يعيش الناس في أكنافهم وهم في عباده بمنزلة الجراد لا يقعون على شئ إلا أتوا عليه.
ومما روي النبي صلى الله عليه واله قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی یَقُولُ: إِنِّی لَأَهُمُ بِأَهْلِ الْأَرْضِ عَذَاباً فَإِذَا نَظَرْتُ إِلَی عُمَّارِ بُیُوتِی وَ إِلَی الْمُتَهَجِّدِینَ وَ إِلَی الْمُتَحَابِّینَ فِی اللَّهِ وَ إِلَی الْمُسْتَغْفِرِینَ بِالْأَسْحَارِ صَرَفْتُهُ عَنْهُم.
الحاجة التي تغفر الذنب و تقي من عذاب النار وتدخل في الدرجة الرفيعة التي تعطي اسم المتقين هو ما يتعلمه الإنسان من مدرسة أهل البيت عليهم السلام في دواء النفس بالاستغفار.
روي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: ألا أدلكم على دائكم ودوائكم، ألا إن داءكم الذنوب ودواؤكم الاستغفار.
ورد عن الإمام الرضا عليه السلام قال: خير القول لا إله إلا الله وخير العبادة الاستغفار.
تضمنت هذه الآية الكريمة فوائد عدة منها:

  • إن صفات المتقين إعلانهم بالإيمان بالله، لقوله: {رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا} والقول هنا يكون باللسان ويكون بالقلب والعمل.
  • إن من صفات المتقين عدم الإعجاب بالنفس وأنهم يرون أنهم مقصرون، لطلبهم المغفرة من الله لقولهم: {فاغفر لنا ذنوبنا}.
  • جواز التوسل بالإيمان الحقيقي وهم محمد وآل محمد لأنهم الوسيلة الى الله .
  • إثبات عذاب النار، لقوله: {وقنا عذاب النار } وكيفية الوقاية منه بكثرة الاستغفار كما ورد بكثير من الروايات.

ونحن في هذه الأيام المباركة نرجو من الله ادخالنا في المتقين الذين آمنوا وكانت صحيفتهم مملؤة بالاستغفار والتوسل الى الله بالوسيلة إليه محمد وال محمد.

روي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: طوبى لمن وجد في صحيفته استغفار كثير.
اللهم اجعلنا من المستغفرين من ذنوبنا وقنا عذاب النار.
وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَيۡتَنَا

الحلقة الخامسة
سورة آل عمران
بسم الله الرحمن الرحيم

{رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَيۡتَنَا وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةًۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ}

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

الدعاء هو عبادة يجتمع فيها القلب، واللسان، وجميع حواس الإنسان، لشعور العبد بلذة التقرب إلى الله تعالى ومتعة الطلب منه دون حاجز أو حجاب.
فاللجوء إلى الله عز وجل والتوسل إليه، غاية العبد في مختلف الحاجات فمنها
أجل التوبة والمغفرة،
ومنها لأمور الدنيا وتيسير الرزق والشفاء.
والدعاء هو أصدق العبادات مع الله عزوجل وأحبها إليه، كما ورد في سورة غافر: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} ، وكما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ما من شئ أكرم على الله تعالى من الدعاء.
ومما روي عن حنان بن سدير، عن أبيه، قال: قلت للباقر عليه السلام: أي العبادة أفضل؟ فقال: ما من شئ أحب إلى الله من أن يسأل ويطلب ما عنده، وما أحد أبغض إلى الله عز وجل ممن يستكبر عن عبادته، ولا يسأل ما عنده.

ذكر الله تعالى في القرآن الكريم آيات كثيرة تدل على الدعاء لها فوائد عظيمة في حياة العبد للتقرب إلى معبوده.
ومن تلك الآيات هذه الآية الكريمة من سورة آل عمران التي هي من السور المدنية، واسمها مأخوذ من قصة آل عمران، وتتحدث هذه السورة عن مسألة التوحيد وصفات الله والمعاد والجهاد وأحكامه، وكما تتحدث عن سلسلة من الأحكام الإسلامية وتاريخ الأنبياء عليهم السلام.
ولهذه السورة المباركة أسماء عدة منها: الزهراوان، والأمان والكنز والمعينة والمجادلة والاستغفار.
وردَّ في فضلها أن من قرأها جاءت تظله يوم القيامة كالسحابة على رأسه وأن من قرأ منها شيئاً أعطاه الله بكل حرف أماناً من حر جهنم.
الكل يسعى في عبادته إلى التثبت القلبي في الإيمان وعدم العود إلى العمى القلبي الذي يخرج الإنسان إلى الشك المحبط للأعمال، فتأتي هذه الآية الكريمة وفي معاني حروفها دعاء يشفي الصدور، كما روي عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ:قَالَ لِي أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)،وَ ذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ: «يَا هِشَامُ،إِنَّ اللَّهَ حَكَى عَنْ قَوْمٍ صَالِحِينَ:أَنَّهُمْ قَالُوا: رَبَّنٰا لاٰ تُزِغْ قُلُوبَنٰا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنٰا وَ هَبْ لَنٰا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّٰابُ حِينَ عَلِمُوا أَنَّ الْقُلُوبَ تَزِيغُ وَ تَعُودُ إِلَى عَمَاهَا وَ رَدَاهَا، إِنَّهُ لَمْ يَخَفِ اللَّهَ مَنْ لَمْ يَعْقِلْ عَنِ اللَّهِ،وَ مَنْ لَمْ يَعْقِلْ عَنِ اللَّهِ لَمْ يَعْقِدْ قَلْبُهُ عَلَى مَعْرِفَةٍ ثَابِتَةٍ يَنْظُرُهَا وَ يَجِدُ حَقِيقَتَهَا فِي قَلْبِهِ،وَ لاَ يَكُونُ أَحَدٌ كَذَلِكَ إِلاَّ مَنْ كَانَ قَوْلُهُ لِفِعْلِهِ مُصَدِّقاً، وَ سِرُّهُ لِعَلاَنِيَتِهِ مُوَافِقاً،لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اسْمُهُ لَمْ يَدُلَّ عَلَى الْبَاطِنِ الْخَفِيِّ مِنَ الْعَقْلِ إِلاَّ بِظَاهِرٍ مِنْهُ وَ نَاطِقٍ عَنْهُ».

و هنا لفتة لبحث اختلف فيه علماء الإسلام في معنى المحكم والمتشابه اختلافات كثيرة، ربما بلغت فيه الأقوال إلى عشرين قولاً، وعمل فيه العلماء من العصر الإسلامي الأول حتى العصر الحاضر وعليه الاعتماد، وبيانه بشكل مختصر منعاً للإطالة.

  • المحكم هو الآيات التي معناه المقصود واضح ولا يشتبه بالمعنى غير المقصود، فيجب الإيمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
  • المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه إلا الله تعالى فيجب الإيمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها ،[ وهو قول المشهور عند علماء العامة] والشيعة كذلك، إلا أننا نعتقد بعلم النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام بتأويل الآيات المتشابهة حيث لا طريق إلا الرجوع إليهم عليهم السلام، إذ أننا لا نعرف في القرآن آيات لا نجد طريقا إلى معرفة مداليلها ومعانيها المقصودة، لأن الأحاديث الشريفة الواردة الينا من أهل البيت عليهم السلام في الدلالة على اختلاف الآيات المتشابهة وطريق التوصل إلى معرفة معناها من بيانهم الشريف عليهم السلام لنا، لأن القرآن وصف نفسه بأوصاف عدة: كالنور والهادي والبيان ، وهذه الأوصاف لاتتفق مع عدم معرفة المداليل والمعاني.
  • ويمكن معرفة ما أردت بيانه من عموم قوله تعالى :{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها}.
  • روي عن أمير المؤمنين عليه السلام لما أراد أهل الشام أن يجعلوا القرآن قال: أنا القرآن الناطق، وقال عليه السلام : يابن أبي سفيان ، أنت تدعوني إلى العمل بكتاب الله، وأنا كتابه الناطق إن هذا لهو العجب العجيب والأمر الغريب.
  • فالعمل المؤدي إلى المعرفة الحقة للعبد هي التمسك بالعروة الوثقى التي هي عترة النبي صلى الله عليه وآله، وذلك قول النبي صلى الله عليه وآله: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترة أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ابدا.
  • وروي عن أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام قال: هذا كِتابُ اللّه ِ الصّامِتُ ، وأنَا المُعَبِّرُ عَنهُ ، فَخُذوا بِكتابِ اللّه ِ النّاطِقِ ، وذَرُوا الحُكمَ بِكتابِ اللّه ِ الصّامِتِ ؛ إذ لا مُعَبِّرَ عَنهُ غَيري.
    والفوائد التي تضمنت هذه الآية الشريفة في معانيها الأنيقة:
    معرفة العبد أهمية الدعاء القلبي واللساني في التثبت في دين الله.
    معرفة خفايا القاوب وأنها تزيغ فتحتاج إلى الأكثار من الدعاء.
    الالتماس من الله الثبات لأنه هو واهب العطايا.
    الدعاء لله بأسمائه الحسنى فيها المزايا الحسنة، وحقيقة الرحمة الحسية في القلوب.

قلوب المؤمنين تحتاج ماروي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: أَكْثِرُوا مِنْ أَنْ تَقُولُوا: {رَبَّنٰا لاٰ تُزِغْ قُلُوبَنٰا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنٰا }وَ لاَ تَأْمَنُوا الزَّيْغَ.
ونحن في أيام الله وفي ضيافته ندعوه أن لا تزغ قلوبنا عن الإيمان بوحدانيته والتمسك بولاية محمد وآل محمد، والدعاء بتعجيل فرج وليه صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه.
وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

التطبيق الثالث عشر

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد الحَمْدُ للهِ الَّذَي لاَ يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ القَائِلُونَ، وَلاِ يُحْصِي نَعْمَاءَهُ العَادُّونَ، ولاَ يُؤَدِّي حَقَّهُ الُمجْتَهِدُونَ، الَّذِي لاَ يُدْركُهُ بُعْدُ الهِمَمِ، وَلاَ يَنَالُهُ غَوْصُ الفِطَنِ، الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ، وَلاَ نَعْتٌ مَوْجُودٌ، وَلا وَقْتٌ مَعْدُودٌ، وَلا أَجَلٌ مَمْدُودٌ. فَطَرَ الخَلائِق بـقُدْرَتِهَ، وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ، وَوَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ.(*) اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد

التطبيق الثالث عشر من سورة البقرة ووصلنا إلى آيات رقم 30،31،32،33،34،35،36،37،38.
بسم الله الرحمن الرحيم

وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ (36) فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39) (1)

ذكرنا في المحطات الثلاث الرحمة التعلمية و المعرفية و الرحمة الوقائية و الآن وصلنا إلى المحطة الرابعة وهي محطة إبليس (الشيطان) لعنه الله.

(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)

وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35)

فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ (36)

لابد من الالتفات لشيء وهو الذنب في الجنة، حيث هو ترك الأولى أي انه ليس عليه حساب ذنوب الدنيا.

فالشيطان لم تقام عليه العقوبات فقط، بل أخرج من الجنة لدار الدنيا دار التمحيص، و آدم أيضا أخرج من الجنة لأنه ترك الأولى، و لكن هناك أختلاف بين:
أن آدم عليه السلام تاب من فعل ( ترك الأولى) {فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) }
و إبليس لعنه الله لم يتب.
آدم عليه السلام حافظ على خلافته في الأرض وهو معصوم من الذنوب
أما الشيطان بعد ما طلب أن يكون من المنظرين يوم القيامة { قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) قَالَ أَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا ۖ لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ }(2)لا زال في تكبره و غروره و مشروعه المشئوم الذي أجابه الله على حكم مسبق قبل أن يفعل شيء في الدنيا{قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}

مع ثبوت الحكم على الشيطان إلا انه لا زالت شائعة تدوي أن الله جل جلاله سيتقبل توبة إبليس لعنه الله، كلا و ألف كلا {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا ۖ لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ (18)}

ماذا نعرف عن الشيطان ( إبليس) أي ماهية المعرفة عنه لكي تكتمل عندنا الرحمة المعرفية و تكون رحمة وقائية ؟

  • الإمام علي (عليه السلام): فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس، إذ أحبط عمله الطويل وجهده الجهيد [الجميل] وكان قد عبد الله ستة آلاف سنة، لا يدرى أمن سني الدنيا أم من سني الآخرة عن كبر ساعة واحدة (3).
  • الإمام الصادق (عليه السلام): أمر الله إبليس بالسجود لآدم، فقال: يا رب وعزتك إن أعفيتني من السجود لآدم لأعبدنك عبادة ما عبدك أحد قط مثلها، قال الله جل جلاله: إني أحب أن أطاع من حيث أريد (4).
  • الاستعاذة بالله من الشيطان في القرآن
  • {وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين * وأعوذ بك رب أن يحضرون} (5).
  • {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} (6).
  • {فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم} (7).
  • {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم} (8).
  • الإستعاذة من الشيطان في الحديث

الإمام علي (عليه السلام): أحمد الله وأستعينه على مداحر الشيطان ومزاجره [مزاحره]، والاعتصام من حبائله ومخاتله (9).

  • عداوة الشيطان للإنسان القرآن
  • {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير} (10)
  • {قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين}(11).

-{وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا}(12).

  • عداوة الشيطان للإنسان في الحديث
  • الإمام علي (عليه السلام): ثم أسكن سبحانه آدم دارا أرغد فيها عيشه، وآمن فيها محلته، وحذره إبليس وعداوته، فاغتره عدوه نفاسة عليه بدار المقام، ومرافقة الأبرار، فباع اليقين بشكه (13).
  • رسول الله (صلى الله عليه وآله) – لابن مسعود وهو يعظه -:
    يا بن مسعود! اتخذ الشيطان عدوا، فإن الله تعالى يقول: {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا} (14).
  • الإمام الكاظم (عليه السلام) – لما سئل عن أوجب الأعداء مجاهدة -: أقربهم إليك وأعداهم لك…
    ومن يحرض أعداءك عليك، وهو إبليس (15).
  • الإمام علي (عليه السلام): احذروا عدوا نفذ في الصدور خفيا، ونفث في الآذان نجيا (16).
  • الإمام زين العابدين (عليه السلام) – في مناجاته -:
    إلهي أشكو إليك عدوا يضلني، وشيطانا يغويني، قد ملأ بالوسواس صدري، وأحاطت هواجسه بقلبي، يعاضد لي الهوى، ويزين لي حب الدنيا، ويحول بيني وبين الطاعة والزلفى (17).
  • الإمام الصادق (عليه السلام): إن الشياطين أكثر على المؤمنين من الزنابير على اللحم (18).
  • الإمام الباقر (عليه السلام): إذا مات المؤمن خلي على جيرانه من الشياطين عدد ربيعة ومضر، كانوا مشتغلين به (19).
  • الإمام الصادق (عليه السلام): لقد نصب إبليس حبائله في دار الغرور، فما يقصد فيها إلا أولياءنا (20).
    —————————————————————

*-الطبرسي – الإحتجاج – ج1 – ص294.

1- البقرة: 30،31،32،33،34،35،36،37،38.
2- الأعراف 12، 13، 14، 15، 16، 17، 18.
3- نهج البلاغة: الخطبة 192.
4-بحار الأنوار – المجلسي : جزء63 – ص250 / 110.
5- المؤمنون: 97.
6- النحل: 98.
7- آل عمران: 36.
8- الأعراف: 200.
9- نهج البلاغة: الخطبة 151.
10 -فاطر: 6.
11-يوسف: 5.
12- الإسراء: 53.
13- نهج البلاغة: الخطبة 1.
15- مكارم الأخلاق: جزء2 – ص354- حديث 2660.
16- تحف العقول- منسوب لأمير المؤمنين – ص 399.
17- ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٢ – الصفحة 1451.
18- نفس المصدر.
19- نفس المصدر.
20-نفس المصدر.

رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا

الحلقة الرابعة

بسم الله الرحمن الرحيم

{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

القرآن الكريم له فضل عظيم، ومنزلة كبيرة، وقد خص الله تعالى من القرآن الكريم سوراً وآيات لها مزية فضل، ومن ذلك الآية الأخيرة من سورة البقرة، وفيها عبر و عظات بليغة، فينبغي تدبرها وأخذ العظة والعبرة منها، والعمل بها وفق مراد الله عز وجل.

ففي هذه الآية الكريمة كرر لفظ الرب من خلال الدعاء أربع مرات لبعث صفة الرحمة بالإيماء والتلويح إلى صفة العبودية، فإن ذكر الربوبية يخطر بالبال صفة العبودية والمذلة.
ويعرف فضل وأهمية هذه الآية من خلال الأحاديث المباركة الواردة عن أهل البيت عليهم السلام ، روي عَنِ النَّبِیِّ (صلی الله علیه و آله) أَنَّهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَی لَهُ أَعْطَیْتُ لَك وَ لِأُمَّتِك کَنْزاً مِنْ کُنُوزِ عَرْشِی فَاتِحَهًَْ الْکِتَابِ وَ خَاتِمَهًَْ سُورَهًِْ الْبَقَرَهًْ.
في ذلك خير دلالة واضحة عن فضل سورة البقرة وما فيها من آيات مباركة واجماع المفسرين على فضلها ماروي عن أحمد في مسنده من حديث أبي ذر رضي اللهُ عنه أن النبي صلى اللهُ عليه وآله وسلم قال: “أُعْطِيتُ خَوَاتِيمَ سُورَةِ البَقَرةِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ العَرْشِ لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي.

قوله: ﴿ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ﴾ أي إن تركنا فرضاً على جهة النسيان، أو فعلنا حراماً كذلك، ﴿ أَخْطَأْنَا ﴾: أي الصواب، جهلاً منا بوجهه الشرعي، وماروى عن الشيخ الصدوق بسند صحيح في « الخصال » عن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : رفع عن اُمّتي تسعة : الخطأ ، والنسيان ، وما أكرهوا عليه ، وما لا يعلمون وما لا يطيقون ، وما اضطرّوا إليه ، والحسد ، والطيرة ، والتفكّر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة.

وقوله: ﴿ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ﴾ أي: لا تكلفنا من الأعمال الشاقة، وإن أطقناها كما شرعته للأمم الماضية من قبلنا من الأغلال، والآصار التي كانت عليهم التي بعثت نبيك محمداً صلى اللهُ عليه وآله وسلم نبي الرحمة بوضعه في شرعه الذي أرسلته به من الدين الحنيف السهل السمح.

قوله: ﴿ رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ ﴾ أي: من التكليف، والمصائب والبلاء، لا تَبتَلِنَا بما لا قِبَلَ لنا به.

قوله: ﴿ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ ﴾ أي: فيما بيننا وبينك، مما تعلمه من تقصيرنا، وزللنا، ﴿ وَاغْفِرْ لَنَا ﴾ أي: فيما بيننا وبين عبادك، فلا تظهرهم على مساوئنا وأعمالنا القبيحة، ﴿ وَارْحَمْنَآ ﴾ أي: فيما يستقبل، فلا توقعنا بتوفيقك في ذنب آخر.

قوله: ﴿ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِين ﴾ أي: أنت وَلِيُّنَا، وَنَاصِرُنَا، وعليك توكلنا، وأنت المستعان، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة لنا إلا بك، ﴿ فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِين ﴾ أي: الذين جحدوا دينك، وأنكروا وحدانيتك، ورسالة نبيك، والأوصياء من بعده وعبدوا غيرك، وأشركوا معك من عبادك، فانصرنا عليهم، واجعل لنا العاقبة عليهم في الدنيا والآخرة.
لا يمر علينا معنى دون معرفة أجل المعرفة كخصوصية هذه الآية المباركة التي هي من أعظم الآيات القرآنية في الدلالة التي يحدثنا فيها النبي صلى الله عليه وآله.
روي عن سلمان الفارسي قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله): لَمَّا عُرِجَ بِی إِلَی السَّمَاء … سِرْنَا فَلَمْ نَزَلْ نَدْفَعُ مِنْ نُورٍ إِلَی ظُلْمَهًٍْ وَ مِنْ ظُلْمَهًٍْ إِلَی نُورٍ حَتَّی وَقَفْتُ عَلَی سِدْرَهًِْ الْمُنْتَهَی … فَقَالَ عَزَّوَجَلَّ: یَا أَحْمَدُ! قِفْ فَوَقَفْتُ مُنْتَفِضاً مَرْعُوباً فَنُودِیتُ مِنَ الْمَلَکُوتِ یَا أَحْمَدُ فَأَلْهَمَنِي رَبِّی فَقُلْتُ: لَبَّیْك رَبِّي وَ سَعْدَیْك هَا أَنَا ذَا عَبْدُك بَیْنَ یَدَیْك!
فَنُودِیتُ: یَا أَحْمَدُ الْعَزِیزُ یَقْرَأُ عَلَیْك السَّلَامَ.
قَالَ: فَقُلْتُ هُوَ السَّلَامُ وَ إِلَیْهِ یَعُودُ السَّلَامُ،
ثُمَّ نُودِیتُ ثَانِیَهًًْ: یَا أَحْمَدُ!
فَقُلْتُ: لَبَّیْك وَ سَعْدَیْك سَیِّدِي وَ مَوْلَاي!
قَالَ: یَا أَحْمَدُ! آمَنَ ألرّسول بِما أُنْزِلَ إِلَیْهِ مِنْ رَبِّهِ وَ الْمُؤْمِنُونَ کُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَ مَلائِکَتِهِ وَ کُتُبِهِ،
فَأَلْهَمَنِي رَبِّی فَقُلْتُ: آمَنَ ألرّسول بِما أُنْزِلَ إِلَیْهِ مِنْ رَبِّهِ وَ الْمُؤْمِنُونَ کُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَ مَلائِکَتِهِ وَ کُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ،
فَقُلْتُ: قَدْ سَمِعْنا وَ أَطَعْنا غُفْرانَك رَبَّنا وَ إِلَیْك الْمَصِیرُ،
فَقَالَ اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ: لا یُکَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما کَسَبَتْ وَ عَلَیْها مَا اکْتَسَبَتْ،
فَقُلْتُ: رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِینا أَوْ أَخْطَأْنا،
فَقَالَ اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ: قَدْ فَعَلْتُ.
فَقُلْتُ: رَبَّنا وَ لا تَحْمِلْ عَلَیْنا إِصْراً کَما حَمَلْتَهُ عَلَی الَّذِینَ مِنْ قَبْلِنا.
فَقَالَ: قَدْ فَعَلْتُ.
فَقُلْتُ: رَبَّنا وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَ اعْفُ عَنَّا وَ اغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَی الْقَوْمِ الْکافِرِینَ.
فَقَالَ اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ: قَدْ فَعَلْتُ.
فَجَرَی الْقَلَمُ بِمَا جَرَی فَلَمَّا قَضَیْتُ وَطَرِي مِنْ مُنَاجَاهًِْ رَبِّي نُودِیتُ أَنَّ الْعَزِیزَ یَقُولُ لَکَ: مَنْ خَلَّفْتَ فِی الْأَرْضِ؟
فَقُلْتُ: خَیْرَهَا خَلَّفْتُ فِیهِمْ ابْنَ عَمِّي.
فَنُودِیتُ: یَا أَحْمَدُ! مَنِ ابْنُ عَمِّکَ؟
قُلْتُ: أَنْتَ أَعْلَمُ عَلِي بْنُ‌أَبِی‌طَالِبٍ (علیه السلام).
فَنُودِیتُ مِنَ الْمَلَکُوتِ سَبْعاً مُتَوَالِیاً: یَا أَحْمَدُ! اسْتَوْصِي بعلي ‌بْنِ‌أَبِی‌طَالِبٍ ابْنِ عَمِّکَ خَیْراً.
ثُمَّ قَالَ: الْتَفِتْ فَالْتَفَتُّ عَنْ یَمِینِ الْعَرْشِ فَوَجَدْتُ عَلَی سَاقِ الْعَرْشِ الْأَیْمَنِ مَکْتُوباً لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا وَحْدِي لَا شَرِیکَ لِي محمد رَسُولِي أَیَّدْتُهُ بِعَلِي.
یَا أَحْمَدُ! شَقَقْتُ اسْمَك مِنِ اسْمِي أَنَا اللَّهُ الْمَحْمُودُ الْحَمِیدُ وَ أَنَا اللَّهُ الْعَلِي وَ شَقَقْتُ اسْمَ ابْنِ عَمِّك عَلِي مِنِ اسْمِي.
یَا أَبَا الْقَاسِمِ! امْضِ هَادِیاً مَهْدِیّاً نِعْمَ الْمَجِيءُ جِئْتَ وَ نِعْمَ الْمُنْصَرَفُ انْصَرَفْتَ وَ طُوبَاك وَ طُوبَی لِمَنْ آمَنَ بِك وَ صَدَّقَك، ثُمَّ قُذِفْتُ فِی بِحَارِ النُّورِ، فَلَمْ تَزَلِ الْأَمْوَاجُ تَقْذِفُنِي حَتَّی تَلْقَانِي جَبْرَئِیلُ فِی سِدْرَهًِْ الْمُنْتَهَی.

الفوائد التي تضمنتها هذه الآية المباركة:

  • رحمة الله سبحانه وتعالى بالخَلْق، حيث علَّمهم دعاءً يدعونه به، واستجاب لهم إيَّاه في قوله تعالى: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا .
  • ينبغي للإنسان أن يتوسَّل في الدُّعاء بالوصف المناسِب، مِثْل الرُّبوبيَّة- التي بها الخَلْق، والتدبير؛ ولهذا كان أكثرُ الأدعية في القرآن مصدَّرةً بوصف الرُّبوبيَّة، مِثْل: رَبَّنَا، ومِثْل: رَبِّ .
  • أنَّ من كان قَبْلنا كانوا مُكلَّفين بأعظمَ ممَّا كُلِّفنا به؛ لقوله تعالى: رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا .
  • أَنْتَ مَوْلَانَا، هذه الكلمة تَدلُّ على نهاية الخضوع والتذلُّل، والاعتراف بأنَّه سبحانه هو المتولِّي لكلِّ نِعْمة يَصِلون إليها، وهو المعطِي لكلِّ مَكرُمة يفوزون بها، فلا جَرَم أَظهروا عند الدعاءِ أنَّهم في كونهم مُتكلِّمين على فضْله وإحسانه بمنزلة الطِّفل الذي لا تَتِمُّ مصلحته إلَّا بتدبير قَيِّمِه، والعبد الذي لا يَنتظِم شَمْلُ مهمَّاته إلَّا بإصلاح مولاه، فهو سبحانه قَيُّوم السَّموات والأرض، والقائم بإصلاح مهمَّات الكل، وهو المتولِّي في الحقيقة للكلِّ.
    ونحن فب هذا الشهر الفضيل نكثر من الدعاء بما أمرنا به الإمام المهدي (عجل الله فرجه)قال: أكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن ذلك فرَجَكم.
    وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.